مدارک تحریر الوسیله للامام الخمینی: کتاب الزکاه و الخمس

اشارة

سرشناسه : بنی فضل، مرتضی، 1312 - ، شارح

عنوان و نام پديدآور : مدارک تحریر الوسیله للامام الخمینی: کتاب الزکاه و الخمس/ تالیف مرتضی بنی فضل

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی(س)، 1423ق. = 1381.

مشخصات ظاهری : ص 710

شابک : 964-335-523-321000ریال

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس

عنوان دیگر : تحریر الوسیله. برگزیده. شرح

عنوان دیگر : کتاب الزکاه و الخمس

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279 -- تحریر الوسیله -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

موضوع : زکات

موضوع : خمس

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله. برگزیده. شرح

شناسه افزوده : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی(س)

رده بندی کنگره : BP183/9/خ8ت30232 1381

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 81-3014

شكر و تقدير

نتقدّم بجزيل الشكر و التقدير إلى الإخوة الأجلّاء الذين ساهموا في إنجاز هذا الأثر:

المساعدون في التحقيق: إبراهيم طاهري كيا، عليرضا نخبة روستا، محمود أيوبي، سيّد مرتضى سيّد إبراهيمي.

المقابلة: حجة اللّٰه أخضري، محمد علي حسن زادة، محمد حسن عباسي، حسن علي منصوري.

وضع علامات الترقيم: رضا حسيني فر.

صف الحروف و الإخراج الفنّي: فلاح المظفر و أبو النور.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 7

مقدّمة التحقيق

اشارة

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم إنّ «تحرير الوسيلة» هو خير وسيلة يبتغيها المكلّف في سيره و سلوكه، و هو أوثقها عُرى، و أصلحها منهاجاً؛ لِما امتاز به من سداد في تحديد الموقف العمليّ، و إصابة في تشخيص الوظائف المُلقاة على عاتق المكلّفين، و ذلك على ضوء الدليلين: الاجتهاديّ و الفقاهتيّ، النابعين من الكتاب و السنّة. ناهيك عن جمعه للمسائل العمليّة، و نأيه عن المسائل ذات الصبغة النظريّة التي لا تمسّ إلى واقعنا المُعاش بصلة.

و لئن كتب الشهيد الأوّل قدّس اللّٰه نفسه الزكيّة كتاب «اللّمعة الدمشقيّة» و هو سجين، فإنّ إمامنا العظيم نوّر اللّٰه ضريحه قد ألّف هذا الكتاب حينما كان منفيّاً في مدينة بورسا التركيّة من قبل الطاغوت الغاشم، و لم يكن بحوزته إلّا «وسيلة النجاة» و «العروة الوثقى» و «وسائل الشيعة».

نعم لم تكن بيده المباركة إلّا هذه الكتب الثلاثة، و لكنّ نفسه العلويّة لو لم تكن خزانة للعلوم الحقّة، و فؤاده مهبطاً للإلهام و التحديث، لامتنع وجود هذا السفر الخالد في تلك الظروف العصيبة.

و نظراً إلى أهمّية هذا الكتاب، و ضرورة نشره على مختلف المستويات و الأصعدة؛ لذا فقد أخذت مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه) على عاتقها نشر شروح و تعاليق العلماء المحقّقين على «تحرير الوسيلة» و

من نفقتها الخاصّة.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 8

و يعدّ الكتاب الذي بين يديك، واحداً من هذه السلسلة الضخمة التي تروم مؤسّستنا طبعها، و هو شرح لمباحث الزكاة و الخمس من «التحرير»، تأليف سماحة آية اللّٰه الشيخ مرتضى بني فضل دام بقائه. نسأل اللّٰه تعالى أن يوفّقه و إيّانا و أن يختم لنا جميعاً بالحسنى إنّه سميع الدعاء.

منهجنا في تحقيق الكتاب

أمّا منهجنا في تحقيق الكتاب فهو كما يلي:

1- تقويم النص و تقطيعه و تزيينه بعلامات الترقيم المناسبة و لم ندمج متن التحرير مع الشرح رغبةً في تسهيل مراجعة القراء الكرام، بل أثبتنا المتن في صدر الصفحة و ذكرنا شرحها في ذيلها. و قد اقتصرنا في عنونة المطالب على العناوين الموجودة في تحرير الوسيلة و لم نضف إليها عناوين أخرى.

2- تخريج الآيات الكريمة و الأحاديث الشريفة، و قد اكتفينا في تخريج الأحاديث بالوسائل الحديثة لاشتمالها على الإشارة إلى المنابع الأصلية إلّا في صورة عدم تطابق الرواية المذكورة في المتن مع ما في الوسائل، حيث عزوناها إلى مصادرها الأصلية.

3- تخريج أقوال العلماء التي نقلها المصنّف بلفظها أو ما يقاربها دون ما أشار إليها روماً للاختصار و حذراً من التطويل.

و في الختام تتقدّم المؤسسة بالشكر الجزيل و الثناء العاطر إلى كلّ الإخوة الفضلاء الذين ساهموا في تحقيق هذا الكتاب راجيةً لهم التسديد و الموفقية في خدمة ديننا الحنيف.

مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه) فرع قم المقدّسة

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 9

مقدّمة المؤلّف

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم الحمد للّٰه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف خلقه أجمعين و آله الطاهرين و بعد، فيقول العبد الفقير الراجي رحمة ربّه الغني، مرتضى بني فضل ابن المرحوم المغفور له الحاجّ سيف علي: لقد وفّقني اللّٰه تعالى للبحث عن المسائل الفقهية في حضور جماعة من الفضلاء، و كان محور أبحاثي كتاب «تحرير الوسيلة» تأليف المحقّق المدقّق، جامع المعقول و المنقول، أُستاذ الأساتذة و كثير من المراجع العظام، قائد الثورة الإسلامية في إيران، الذي عجز القلم و اللسان عن ذكر أوصافه المنحصرة بشخصه بين مراجع

الدين، العبد الصالح المخلص للّٰه، آية اللّٰه العظمى الإمام الخميني، قدّس سرّه الشريف.

و لقد جمعتُ ما وصل إليه نظري القاصر من مدارك مسائله، و اجتنبتُ التطويل محيلًا على المفصّلات، و سمّيته ب «مدارك تحرير الوسيلة» و أرجو من اللّٰه تعالى أن يوفّقني لإدامة البحث و التأليف، و يجعله ذخراً ليوم فقري و فاقتي بحقّ محمّد و آله الأطهرين.

و غير خفي: أنّ كتاب «تحرير الوسيلة» أكمل و أجود ما أُلّف في بابه؛ من حيث اشتماله على جميع أبواب الفقه من الاجتهاد و التقليد و الطهارة إلى الديات،

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 10

مع إضافة المسائل المستحدثة التي لم تكن لها موضوعات في الأزمنة السابقة.

قال الشهيد آية اللّٰه القاضي الطباطبائي (رحمه اللّٰه): كنت أقترح على كبار علماء الحوزة في قم و النجف الأشرف أن يقوموا بتأليف كتاب جامع لأبواب الفقه ليكون مورداً لتحشية الأعلام و المراجع في الأزمنة الآتية، و مرجعاً لعلماء الشيعة في الاطّلاع على الفتاوى و الاحتياطات بسهولة، و أكّدت أنّ الموجود في أيدي العلماء للتحشية كتابان: «العروة الوثقى» و «وسيلة النجاة»، و كلاهما ناقص. و أجابوا (رحمهم اللّٰه): بأنّ هذا الأمر المقترح من أهمّ الأُمور التي لا بدّ من الإقدام عليها، و أنّه بحاجة إلى صرف وقت طويل و ليست لنا فرصة ذلك.

قال: و مضت الأيّام حتّى لاقاني بعض أصدقائي راجعاً من زيارة مولانا أمير المؤمنين عليه آلاف التحية و السلام و كان قد جلب معه كتباً طبعت أخيراً في النجف، فكنت أُلاحظها ليلًا، عندها رأيت مجلّدين باسم «تحرير الوسيلة» و طالعتهما إلى الصبح، فوجدتهما عين ما اقترحته على زعماء الحوزة مع إضافة المسائل المستحدثة.

أقول: و قد وفّق اللّٰه تعالى مؤلّفه

قدّس سرّه الشريف لتأليفه في المنفي؛ أي بورسا من مدن تركيا، حيث كان محبوساً فيها و تحت المراقبة؛ لقيامه على طواغيت زمانه دفاعاً عن الإسلام.

فجزاه اللّٰه أوفر الجزاء، و جعل عواقب أُمورنا خيراً، بحقّ محمّد و آله الأطيبين، آمين يا ربّ العالمين.

مرتضى بني فضل (17) ربيع الأوّل 1422 عشّ آل محمّد قم المقدّسة

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 11

[كتاب الزكاة]

اشارة

كتاب الزكاة

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 13

..........

______________________________

كتاب الزكاة و هي في الجملة من ضروريات الدين، و إنّ منكرها مندرج في الكفّار بتفصيل مرّ في كتاب الطهارة.

و قد ورد عن أهل بيت الطهارة (عليهم السّلام): «إنّ مانع قيراط منها ليس من المؤمنين و لا من المسلمين» «1»، و «فليمت إن شاء يهوديّاً و إن شاء نصرانيّاً» «2»، و «ما من ذي مال أو نخل أو زرع أو كرم يمنع من زكاة ماله إلّا طوّقه اللّٰه عزّ و جلّ ريعة أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة» «3»، و «ما من عبد منع من زكاة ماله شيئاً إلّا جعل اللّٰه ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار مطوّقاً في عنقه ينهش من لحمه حتّى يفرغ من الحساب» «4»، إلى غير ذلك ممّا يبهر العقول.

و أمّا فضل الزكاة فعظيم و ثوابها جسيم، و قد ورد في فضل الصدقة الشاملة لها: «إنّ اللّٰه يربّيها كما يربّي أحدكم ولده حتّى يلقاه يوم القيامة و هو مثل أُحد» «5»، و «أنّها تدفع ميتة السوء» «6» و «صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ» «7»، إلى غير ذلك. و هنا مقصدان

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 32، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 4، الحديث 3 و

7 9.

(2) وسائل الشيعة 9: 33، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 4، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 9: 26، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 3، الحديث 13.

(4) وسائل الشيعة 9: 22، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 3، الحديث 3.

(5) وسائل الشيعة 9: 381، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة، الباب 7، الحديث 5 و 8.

(6) وسائل الشيعة 9: 367، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة، الباب 1، الحديث 2.

(7) وسائل الشيعة 9: 311، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 54، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 15

[المقصد الأوّل في زكاة المال]

اشارة

المقصد الأوّل في زكاة المال و الكلام فيمن تجب عليه الزكاة و فيما تجب فيه و في أصناف المستحقّين لها و مصارفها و في أوصافهم:

[القول فيمن تجب عليه الزكاة]

اشارة

القول فيمن تجب عليه الزكاة

[ (مسألة 1): يشترط فيمن تجب عليه الزكاة أُمور]
اشارة

(مسألة 1): يشترط فيمن تجب عليه الزكاة أُمور:

[أحدها: البلوغ]

أحدها: البلوغ؛ فلا تجب على غير البالغ (1).

______________________________

(1) يشترط فيمن تجب عليه الزكاة البلوغ؛ فلا تجب على الصبي؛ يتيماً كان أو ذا أبوين. و التعبير في أكثر النصوص باليتيم و هو لغة و شرعاً من لا أب له إنّما هو باعتبار الغالب من عدم كون الصغار مالكين إلّا بموت آبائهم، و قد قام الإجماع على عدم الفرق بين اليتيم و غيره.

و يدلّ على عدم اختصاص الموضوع باليتيم خبر محمّد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن صِبْيَة بفتح الصاد و كسرها و سكون الباء و فتح الياء، جمع صبي صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم، هل يجب على مالهم زكاة؟

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 16

نعم لو اتّجر له الوليّ الشرعي استُحبّ له إخراج زكاة ماله (2)،

______________________________

فقال

لا يجب في مالهم زكاة، فإذا عمل به وجبت الزكاة، فأمّا إذا كان موقوفاً فلا زكاة عليه «1».

و صحيح يونس بن يعقوب قال: أرسلت إلى أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ لي إخوة صغاراً، فمتىٰ تجب على أموالهم الزكاة؟ قال

إذا وجبت عليهم الصلاة وجبت عليهم الزكاة

، قلت: فما لم تجب عليهم الصلاة؟ قال

إذا اتّجر به فزكّه «2».

و بالجملة: الأخبار الدالّة على نفي وجوب الزكاة في مال غير البالغ في حدّ التواتر، فعليك بالمراجعة إلى الباب الأوّل و الثاني من أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه من «الوسائل» «3».

(2) لا يخفى: أنّه بناءً علىٰ شرعية عبادات الصبي نقول باستحباب الزكاة في مال الصبي للصبي، و لكنّ الصبي من حيث عدم صحّة تصرّفاته في أمواله و إخراج زكاته حتّى

مع إذن وليه لم ينسب الاستحباب إليه، بل نسب استحباب الإخراج إلى وليه.

و كيف كان: قال الشيخ المفيد (رحمه اللّٰه) بوجوب إخراج زكاة مال الصبي المتّجر به، قال في «المقنعة»: و لا زكاة عند آل الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في صامت أموال الأطفال و المجانين من الدراهم و الدنانير إلّا أن يتّجر الوليّ لهم أو القيّم عليهم بها، فإن اتّجر بها و حرّكها وجب عليه إخراج الزكاة منها «11»، انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 88، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 85، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 1، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 9: 83، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 1 و 2.

(11) المقنعة: 238.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 17

..........

______________________________

و قد ورد في عدّة من الروايات أنّه لو اتّجر بمال الصبي ففيه الزكاة:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه: هل على مال اليتيم زكاة؟ قال

لا، إلّا أن يتّجر به أو تعمل به «1».

و منها: صحيحة سعيد السمّان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

ليس في مال اليتيم زكاة إلّا أن يتّجر به، فإن اتّجر به فالربح لليتيم، و إن وضع فعلى الذي يتّجر به «2».

و منها: رواية حمّاد بن أبي العطارد الخيّاط قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): مال اليتيم يكون عندي فأتّجر به؟ فقال

إذا حرّكته فعليك زكاته «3»

، و في رواية «التهذيب» قال

عليه الزكاة «4».

و منها: رواية محمّد بن الفضيل المتقدّمة قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام). إلى أن قال (عليه السّلام)

فإذا عمل به

وجبت الزكاة «5».

و منها: صحيحة زرارة و بكير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

ليس على مال اليتيم زكاة إلّا أن يتّجر به، فإن اتّجر به ففيه الزكاة، و الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال «6».

و هذه الروايات كلّها محمولة على الاستحباب، و هو المشهور بين الأصحاب،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 87، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 87، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 88، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، الحديث 3.

(4) نفس المصدر: ذيل الحديث 3.

(5) وسائل الشيعة 9: 88، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، الحديث 4.

(6) وسائل الشيعة 9: 89، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 18

كما يُستحبّ له إخراج زكاة غلّاته (3). و أمّا مواشيه فلا تتعلّق بها على الأقوىٰ (4). و المعتبر البلوغ أوّل الحول فيما اعتبر فيه الحول (5)،

______________________________

و قد نفي الزكاة عن مال المتّجر به للصبي في موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتّجر به أ يضمنه؟ قال

نعم

، قلت: فعليه زكاة؟ فقال

لا، لعمري لا أجمع عليه خصلتين: الضمان و الزكاة «1».

(3) المشهور بين أصحابنا استحباب إخراج الزكاة عن غلّات الصبي للولي، و عليه يحمل صحيح زرارة و محمّد بن مسلم أنّهما قالا

ليس على مال اليتيم في الدين و المال الصامت شي ء، فأمّا الغلّات فعليها الصدقة واجبة «2».

و وجه الحمل على الاستحباب صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه

(عليه السّلام) أنّه سمعه يقول

ليس في مال اليتيم زكاة، و ليس عليه صلاة، و ليس على جميع غلّاته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة. «3»

الخبر. و حكي عن العلّامة الطباطبائي (رحمه اللّٰه) نفي الاستحباب؛ حملًا لصحيحة زرارة على التقية، و قال بعض المحشّين ل «العروة الوثقىٰ»: إنّ الأحوط الترك.

(4) لحرمة التصرّف في أموال الصبي، و عدم وجود دليل معتبر علىٰ جواز إخراج الزكاة من مواشي الصبي استحباباً إلّا عدم القول بالفصل بين المواشي و بين الغلّات، و لا حجّية فيه ما لم يرجع إلى القول بعدم الفصل.

(5) ما اعتبر فيه الحول من الأموال الزكوية هو النقدان و الأنعام الثلاثة،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 88، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 2، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 9: 83، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 1، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 86، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 1، الحديث 11.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 19

و في غيره قبل وقت التعلّق (6).

______________________________

فتجب الزكاة فيهما لو كان المالك بالغاً أوّل الحول مع اجتماع سائر الشرائط؛ فلو بلغ في أثنائه لم تجب الزكاة. و هذا القول هو المشهور بين الأصحاب؛ و ذلك لاشتراط مضيّ الحول فيما هو موضوع لوجوب الزكاة؛ و هو المال المتعلّق للمالك الواجد للشرائط التي منها البلوغ. و في «زكاة» الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه): فلا يكفي بلوغه في آخر حول التملّك «1».

و في المسألة قولان آخران غير مشهورين:

أحدهما: كفاية البلوغ في أثناء السنة بحيث لو تملّك في ابتداء السنة و هو غير بالغ ثمّ بلغ في أثناء السنة تجب الزكاة بمضيّ الحول، و به قال

المحقّق السبزواري في «الذخيرة»، و حكي أنّه قال: لا يستفاد من أدلّة اشتراط الحول كونه في زمان التكليف «2».

ثانيهما: التفصيل بين البلوغ قبل حلول الشهر الثاني عشر فتجب الزكاة لتحقّق الشرطين معاً؛ أعني البلوغ حين حلول الحول الذي يتحقّق بحلول الشهر الثاني عشر، و بين بلوغه في الشهر الثاني عشر فلا تجب؛ إذ لم يتحقّق الشرط؛ و هو البلوغ حين تحقّق الحول.

(6) البلوغ شرط في وجوب زكاة الغلّات الأربع قبل وقت التعلّق، و هو حين انعقاد الحبّ و صدق الاسم على القولين في المسألة، و سيأتي.

______________________________

(1) الزكاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 10: 10.

(2) ذخيرة المعاد: 421/ السطر 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 20

[ثانيها: العقل]

ثانيها: العقل، فلا تجب في مال المجنون (7)، و المعتبر العقل في تمام الحول فيما اعتبر فيه، و حال التعلّق في غيره (8)،

______________________________

(7) و العمدة في وجه عدم وجوب الزكاة في مال المجنون صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): امرأة من أهلنا مختلطة أ عليها زكاة؟ فقال

إن كان عمل به فعليها زكاة، و إن لم يعمل به فلا «1»

، و رواية موسى بن بكر قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن امرأة مصابة و لها مال في يد أخيها، هل عليها زكاة؟ قال

إن كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة «2».

و استدلّ أكثر القائلين بعدم وجوب الزكاة في مال المجنون باشتراكه الطفل في الأحكام.

و فيه: أنّه لا دليل على الاشتراك في جميع الأحكام، و قد حكي عن المحقّق في «المعتبر» بعد أن نقل عن الشيخين القول بمساواة المجنون للطفل في وجوب الزكاة في غلّاته و مواشيه مطالبتهما بدليل ذلك و التعرّض

عليهما بكونه قياساً مع الفارق «3». و في «الجواهر»: أنّه لا دليل معتدّ به على هذه التسوية إلّا مصادرات لا ينبغي للفقيه الركون إليها، إلّا أن يكون إجماعاً «4».

(8) لعين ما ذكرناه في اعتبار البلوغ في تمام الحول حرفاً بحرف؛ فلا نطيل الكلام بإعادته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 90، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 3، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 90، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 3، الحديث 2.

(3) المعتبر 2: 488.

(4) جواهر الكلام 15: 28.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 21

فلو عرض الجنون فيما يعتبر فيه الحول يقطعه، بخلاف النوم، بل و السُّكر و الإغماء على الأقوىٰ (9). نعم إذا كان عروض الجنون في زمان قصير ففي قطعه إشكال (10).

______________________________

(9) اشتراط العقل في تمام الحول فيما يعتبر فيه الحول يقتضي عدم وجوب الزكاة على من عرضه الجنون في مقدار من الزمان؛ لعدم صدق العاقل عليه في طول الحول. و هذا بخلاف النوم و السكر و الإغماء؛ لأنّ المانع من وجوب الزكاة في لسان الأدلّة هو خصوص الجنون فلا يصدق على النائم و السكران و المغمىٰ عليه أنّهم مجنونون، و السكران و إن زال عقله و لكنه مع ذلك لا يقال عليه المجنون في العرف.

(10) وجه عدم القطع هو عدم صدق المجنون و المختلط عرفاً على من يعرضه الجنون آناً ما، و قال صاحب «المدارك»: أمّا ذو الأدوار فالأقرب تعلّق الوجوب به في حال الإفاقة؛ إذ لا مانع من تعلّق الخطاب إليه في تلك الحال «1»، انتهى.

و وجه القطع: أنّ موضوعات الأحكام و إن كانت تؤخذ من العرف إلّا أنّه لا بدّ للعرف من إعمال الدقّة في

تحديد الموضوعات كما في مقدار الكرّ و نصاب الزكاة في الغلّات الأربع و حدّ المسافة في القصر و الإتمام حيث إنّ نقصان مقدارٍ ما لا يضرّ عرفاً في صدق الاسم و لكنّه لا بدّ من الدقّة في تحقّق الموضوعات حتّى يترتّب الأحكام عليها.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 16.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 22

[ثالثها: الحرّيّة]

ثالثها: الحرّيّة، فلا زكاة على العبد و إن قلنا بملكه (11).

______________________________

و المختار عندنا: أنّ الجنون العارض آناً ما في طول السنة مانع عن تعلّق الزكاة على المال فضلًا عن الجنون الأدواري لما ذكرناه من اشتراط العقل في تمام السنة. قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة»: لو كان الجنون يعتوره اشترط الكمال طول الحول؛ فلو جنّ في أثنائه سقط و استأنف من حين عوده «1»، انتهى.

(11) لا يخفى: أنّ البحث عن وجوب الزكاة و عدم وجوبها على العبد بناءً على عدم كونه مالكاً لا جدوىٰ فيه؛ لكونه كالسالبة بانتفاء الموضوع؛ لأنّ من شرائط الوجوب الملك، و العبد لا يملك فلا تجب الزكاة عليه و هذا ممّا لا خلاف فيه و إنّما الكلام و الخلاف في تعلّق الزكاة على العبد بناءً على كونه مالكاً لماله.

المشهور بين الأصحاب عدم وجوب الزكاة عليه؛ لصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ليس في مال المملوك شي ء و لو كان له ألف ألف، و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئاً «2».

و صحيحته الأُخرى عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سأله رجل و أنا حاضر عن مال المملوك أ عليه زكاة؟ فقال

لا، و لو كان له ألف ألف درهم «3».

و موثّقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد

اللّٰه (عليه السّلام): ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقلّ أو أكثر فيقول: حلّلني من ضربي إيّاك أو من كلّ ما كان منّي إليك و ممّا أخفتك و أرهبتك، فيحلّله و يجعله في حلٍّ رغبةً فيما أعطاه، ثمّ إنّ المولى

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 16.

(2) وسائل الشيعة 9: 91، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 4، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 91، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 4، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 23

[رابعها: الملك]

رابعها: الملك، فلا زكاة في الموهوب و لا في القرض إلّا بعد قبضهما (12)،

______________________________

بعدُ أصاب الدراهم التي كان أعطاه في موضع قد وضعها فيه العبد فأخذها المولى، إحلالٌ هي له؟ فقال

لا

، فقلت له: أ ليس العبد و ماله لمولاه؟ قال

ليس هذا ذاك

، ثمّ قال (عليه السّلام)

قل له فليردّها عليه فإنّه لا تحلّ له؛ فإنّه افتدىٰ به نفسه من العبد مخافة العقوبة و القصاص يوم القيامة

قال: فقلت له: فعلى العبد أن يزكّيها إذا حال عليه الحول؟ قال

لا، إلّا أن يعمل له فيها (بها) و لا يعطي العبد من الزكاة شيئاً «2».

و نسب إلى المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «المنتهي» وجوب الزكاة على المملوك و لم يوجد عليه دليل معتبر.

(12) اشتراط الملك في وجوب الزكاة إجماعي؛ و ذلك لأنّ الزكاة هي الصدقة المجعولة من الشارع على أموال الناس في قوله تعالىٰ خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً «1». و صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل ينسئ أو يعير فلا يزال ماله ديناً كيف يصنع في زكاته؟ قال

يزكّيه و لا يزكّي ما

عليه من الدين، إنّما الزكاة على صاحب المال «12».

و مكاتبة علي بن مهزيار قال: كتبتُ إليه أسأله عن رجل عليه مهر امرأته

______________________________

(2) الفقيه 3: 146/ 644، وسائل الشيعة 9: 92، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 4، الحديث 6.

(1) التوبة (9): 103.

(12) الكافي 3: 521/ 12، وسائل الشيعة 9: 98، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 9، الحديث 11.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 24

و لا في الموصى به إلّا بعد الوفاة و القبول؛ لاعتباره في حصول الملكيّة للموصىٰ له على الأقوىٰ (13).

______________________________

لا تطلبه منه إمّا لرفق زوجها و إمّا حياءً فمكث بذلك على الرجل عمره و عمرها، تجب عليه زكاة ذلك المهر أم لا؟ فكتب

لا تجب عليه الزكاة إلّا في ماله «1»

، و لمّا كان الملك شرطاً في وجوب الزكاة فلا زكاة في الموهوب و لا في القرض إلّا بعد قبضهما، بناءً على أنّه لا يحصل الملك بمجرّد عقد الهبة و القرض بل يشترط حصوله بالقبض الناقل.

و تظهر الثمرة في حلول الحول بعد العقد و قبل القبض؛ فبناءً على حصول الملك للمتّهب و المقترض بمجرّد العقد تجب الزكاة عليهما، و بناءً على حصوله بالقبض تجب على الواهب و المقرض، و ذلك واضح. و أمّا بناءً على كون القبض كاشفاً حقيقياً فيحصل الملك و تجب الزكاة على المتّهب و المقترض من حين العقد.

(13) هذا في الوصية التمليكية، فإذا أوصىٰ بمال لزيد فقد ملّكه إيّاه، و لكن حصول الملك لزيد يتوقّف على وفاة الموصي و قبول الموصى له؛ فعلى القول بأنّ الوصية التمليكية من العقود يحتاج حصول الملك إلىٰ تحقّق القبول، و على القول بأنّه إيقاع يكون

القبول شرطاً لحصول الملكية بطور النقل؛ فيجب الزكاة في مال الموصي قبل وفاته و قبل قبول الموصى له بعد وفاة الموصي و إن كان قد ملّكه إيّاه، هذا على القول بالنقل. و على القول بالكشف الحقيقي يتعلّق الزكاة على مال الموصى له قبل وفاة الموصي.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 104، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 9، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 25

[خامسها: تمام التمكّن من التصرّف]

خامسها: تمام التمكّن من التصرّف (14)،

______________________________

(14) لا يكفي مجرّد الملك في وجوب الزكاة، بل يشترط أن يكون المالك متمكّناً من التصرّف فيه بالفعل.

و لا يخفىٰ: أنّ اشتراط تمام التمكّن و إن لم يكن منه عين و لا أثر في الأخبار إلّا أنّه قد يستفاد من مجموع الروايات النافية للزكاة عن الأموال التي ليست لملّاكه سلطة عليها كالأموال المدفونة و الغائب صاحبها و المأخوذ عن صاحبه و الدين و الوديعة أنّ وجوب الزكاة مشروط بكون المالك قادراً على التصرّف و متمكّناً منه متى شاء، فحريّ بنا أن نذكر جملة منها:

ففي حسنة سدير بن حكيم الصيرفي قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع، فلمّا حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الذي ظنّ أنّ المال فيه مدفون فلم يصبه، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ثمّ إنّه احتفر الموضع الذي من جوانبه كلّه (كلّها) فوقع على المال بعينه، كيف يزكّيه؟ قال

يزكّيه لسنة واحدة؛ لأنّه كان غائباً عنه و إن كان احتبسه «1».

و موثق إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الرجل يكون له الولد فيغيب بعض ولده، فلا يدري أين هو؟ و

مات الرجل، كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال

يعزل حتّى يجي ء

، قلت: فعلى ماله زكاة؟ قال

لا، حتّى يجي ء

، قلت: فإذا هو جاء أ يزكّيه؟ فقال

لا، حتّى يحول عليه الحول في يده «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 93، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 93، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 26

..........

______________________________

و صحيحة رفاعة بن موسى النخّاس قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثمّ يأتيه فلا يرد رأس المال، كم يزكّيه؟ قال

سنة واحدة «1».

و موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل ورث مالًا و الرجل غائب، هل عليه زكاة؟ قال

لا، حتّى يقدم

، قلت: أ يزكّيه حين يقدم؟ قال

لا، حتّى يحول عليه الحول و هو عنده «2».

و صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أخذ مال امرأته فلم تقدر عليه أ عليها زكاة؟ قال

إنّما هو على الذي منعها «3».

و صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا صدقة على الدين، و لا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك «4».

و موثّقة عبد اللّٰه بن بكير عمّن رواه زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه، قال

فلا زكاة عليه حتّى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعام واحد، فإن كان يدعه متعمّداً و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين

«5».

و صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السّلام): الرجل يكون له الوديعة و الدين فلا يصل إليهما ثمّ يأخذهما، متى يجب عليه الزكاة؟ قال

إذا أخذهما ثمّ يحول عليه الحول يزكّي «6».

و صحيحة اخرى لعبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لا صدقة على

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 94، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 94، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 9: 94، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 9: 95، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 9: 95، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5، الحديث 7.

(6) وسائل الشيعة 9: 95، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 27

..........

______________________________

الدين «1».

و موثّقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السّلام): الدين عليه زكاة؟ فقال

لا، حتّى يقبضه

، قلت: فإذا قبضه أ يزكّيه؟ قال

لا، حتّى يحول عليه الحول في يده «2».

و موثّقة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: ليس في الدين زكاة؟ فقال

لا «3».

و صحيحة ميسرة بن عبد العزيز قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يكون له الدين أ يزكّيه؟ قال

كلّ دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته، و ما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة «4»

و المذكور في «وسائل الشيعة» في سند الرواية: عن ميسرة عن عبد العزيز، و الصحيح ما

ذكرناه.

و موثّقة سماعة قال: سألته عن الرجل يكون له الدين على الناس، تجب فيه الزكاة؟ قال

ليس عليه زكاة حتّى يقبضه، فإذا قبضه فعليه الزكاة. «5»

الحديث. و صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ليس في الدين زكاة إلّا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخّره، فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتّى يقبضه «6».

و حسنة عبد الحميد بن سعد قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل باع بيعاً إلى ثلاث سنين من رجل مليّ بحقّه و ماله في ثقة يزكّي ذلك المال في كلّ سنة تمرّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 96، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 96، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 9: 96، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 9: 96، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 5.

(5) وسائل الشيعة 9: 97، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 6.

(6) وسائل الشيعة 9: 97، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 28

فلا زكاة في الوقف و إن كان خاصّاً (15)،

______________________________

به أو تزكّيه إذا أخذه؟ فقال

لا، بل يزكّيه إذا أخذه

، قلت له: لِكم يزكّيه؟ قال

لثلاث سنين «1»

، و في «الوسائل»: هذا محمول على الاستحباب؛ أي تزكية ثلاث سنين مستحبّة. و غيرها من روايات الباب.

و لا يخفى: أنّه يمكن استفادة اشتراط القدرة على التصرّف التي هي عبارة عن تمام التمكّن من التصرّف

من صحيحة عيص بن القاسم المتقدّمة، حيث إنّ نفي الزكاة عن المرأة لعدم قدرتها علىٰ مالها الذي أخذه زوجها، و مثلها صحيحة ميسرة بن عبد العزيز و موثّقة عبد اللّٰه بن بكير عمّن رواه زرارة و صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمات، فراجع.

(15) و ذلك لأنّ الوقف و إن كان ملكاً للموقوف عليهم لكنّه ليس ملكاً تامّاً لهم؛ لكونه محبوساً لا يباع و لا يوهب فلا زكاة فيه، هذا بناءً على القول بكون الوقف ملكاً للموقوف عليهم، و هو المشهور عند الفقهاء.

و أمّا بناءً على القول بكونه ملكاً للواقف أو للّٰه تعالىٰ فلا تجب فيه الزكاة بلا إشكال كما لا زكاة في بيت المال.

و يظهر من «المبسوط»: أنّه لا يملك؛ قال: إن وقف على إنسان أربعين شاة و حال عليها الحول لا تجب فيه الزكاة؛ لأنّها غير مملوكة و الزكاة تتبع الملك «2»، انتهىٰ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 98، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 8.

(2) المبسوط 1: 205.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 29

و لا في نمائه إذا كان عامّاً و إن انحصر في واحد (16)، و لا في المرهون و إن أمكن فكّه (17)،

______________________________

(16) و ذلك لأنّ الوقف العامّ ليس ملكاً لأحدٍ حتّى تجب زكاته، فهو كالوقف على المساجد و نحوها، فخطابات الزكاة لا يشمله، بخلاف الوقف الخاصّ كالوقف على أشخاص معيّنين إذا بلغ حصّة كلّ منهم النصاب، فتجب الزكاة عليهم.

و في وقف «التذكرة»: إذا كان الوقف شجراً فأثمر أو أرضاً فزرعت و كان الوقف على أقوام بأعيانهم فحصل لبعضهم من الثمرة و الحبّ نصاب وجبت فيه الزكاة عند علمائنا «1»، انتهىٰ.

(17) و ذلك لأنّ الراهن غير متمكّن

من التصرّف في ماله المرهون بالفعل و إن كان متمكّناً من فكّه، و التمكّن من الفكّ ليس تمكّناً من التصرّف.

و لا يخفى: أنّ التمكّن من فكّ الرهن و إن لم يكن تمكّناً من التصرّف فعلًا في المال عقلًا و لكن العرف يحكم بأنّ الراهن إن أمكنه فكّ الرهن فعلًا بأن كان الدين حالًا و يمكن للراهن أداء دينه بسهولة فهو متمكّن من التصرّف في الرهن فتجب عليه زكاته، و إن لم يمكنه فعلًا بأن كان مؤجّلًا أو كان حالًا و لكن لا يمكنه فكّه بسهولة فلا زكاة عليه.

و به قال الشيخ (رحمه اللّٰه) في «الخلاف» حيث إنّه (رحمه اللّٰه) قال في صدر كلامه: ليس على الراهن زكاة ماله المرهون، و قال في ذيل كلامه: إنّ زكاته عليه مع قدرته على التصرّف بالفكّ «2»، انتهى ملخّصاً. و بقرينة ذيل كلامه (رحمه اللّٰه) يحمل صدر كلامه على ما

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 2: 447/ السطر 8 (ط. الحجري).

(2) الخلاف 2: 110.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 30

و لا في المجحود و إن كانت عنده بيّنة يتمكّن من انتزاعه بها أو بيمين (18)،

______________________________

لم يقدر على التصرّف؛ فلا تهافت بين الصدر و الذيل من كلامه كما توهّمه بعض المعاصرين في كتاب الزكاة التعليق على «العروة الوثقى» «1».

و في «الدروس»: و لا في الرهن مع عدم التمكّن من فكّه؛ إمّا لتأجيل الدين أو لعجزه «2»، انتهى.

و في «الجواهر» و كذا لا تجب الزكاة في الرهن على الأشبه الأشهر، بل المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً إذا كان غير متمكّن من فكّه لتأجيل الدين أو للعجز «3»، انتهى.

(18) و ذلك لعدم تمام التمكّن من التصرّف في المجحود من حيث

هو، و لا يجب إيجاد التمكّن من التصرّف بإقامة البيّنة أو الحلف.

و لا يخفى: أنّ مالك المجحود إذا تمكّن من إقامة البيّنة بسهولة يعدّ عرفاً ممّن له تمام التصرّف بالفعل في ملكه فيجب عليه الزكاة، كما أنّه يجب عليه الحجّ لحصول الاستطاعة له فعلًا.

و في «الجواهر»: قد صرّح غير واحد بسقوط الزكاة في المجحود، لكن قيّدوه بما إذا لم يكن عنده بيّنة، و مقتضاه الوجوب معها «4»، انتهى.

نعم في وجوب الزكاة فيما يتمكّن من انتزاعه باليمين إشكال ينشأ من النهي

______________________________

(1) الزكاة، المحقّق المنتظري 1: 54.

(2) الدروس الشرعية 1: 230.

(3) جواهر الكلام 15: 54.

(4) نفس المصدر: 52.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 31

و لا في المسروق (19)، و لا في المدفون الذي نسي مكانه (20)،

______________________________

التنزيهي عن الحلف صادقاً؛ ففي صحيحة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): من أجلّ اللّٰه أن يحلف به أعطاه اللّٰه خيراً ممّا ذهب منه «1».

و في موثّقة عثمان بن عيسى عن أبي أيّوب الخزّاز قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

لا تحلفوا باللّٰه صادقين و لا كاذبين؛ فإنّه عزّ و جلّ يقول وَ لٰا تَجْعَلُوا اللّٰهَ عُرْضَةً لِأَيْمٰانِكُمْ «2»

، و غيرهما من روايات الباب.

(19) و ذلك لعجز المالك عن التصرّف في ماله المسروق كالمال الغائب عن صاحبه. و بعبارة اخرىٰ: يمكن استفادة عدم وجوب الزكاة في المسروق من النصوص الواردة في المال الغائب؛ إذ ليس مجرّد الغيبة موجباً لسقوط الزكاة، كما أنّه ليس عدم الغيبة موجباً لوجوب الزكاة؛ ضرورة سقوطها عمّن في يده المال مع عدم التمكّن من التصرّف عقلًا أو شرعاً، و وجوبها

على المتمكّن من التصرّف فيه و إن كان غائباً عنه.

(20) و تدلّ عليه حسنة سدير الصيرفي المتقدّمة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع، فلمّا حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الذي ظنّ أنّ المال فيه مدفون فلم يصبه فمكث بعد ذلك ثلاث سنين، ثمّ إنّه احتفر الموضع الذي من جوانبه كلّه (كلّها) فوقع على المال بعينه كيف يزكّيه؟ قال

يزكّيه لسنة واحدة؛ لأنّه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 23: 198، كتاب الأيمان، الباب 1، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 23: 198، كتاب الأيمان، الباب 1، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 32

و لا في الضالّ (21)، و لا في الساقط في البحر (22)، و لا في الموروث عن غائب و لم يصل إليه أو إلىٰ وكيله (23)، و لا في الدين و إن تمكّن من استيفائه (24).

______________________________

كان غائباً عنه و إن كان احتبسه «1».

(21) و كذا المفقود لا زكاة فيهما؛ و ذلك لشمول الغائب في الروايات لهما، و عجز المالك عن التصرّف فيهما. و في «الجواهر»: و كذا لا تجب في الحيوان الضالّ و لا في غيره من المال المفقود «2».

(22) لعدم قدرة المالك على التصرّف فيه بالفعل.

(23) و يدلّ عليه موثّق إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الرجل يكون له الولد فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو؟ و مات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال

يعزل حتّى يجي ء

، قلت: فعلى ماله زكاة؟ قال

لا، حتّى يجي ء

، قلت: فإذا هو جاء أ يزكّيه؟ فقال

لا، حتّى يحول عليه الحول في يده «3».

و موثّقة

أُخرى لإسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل ورث مالًا و الرجل غائب، هل عليه زكاة؟ قال

لا، حتّى يقدم

، قلت: أ يزكّيه حين يقدم؟ قال

لا، حتّى يحول عليه الحول و هو عنده «4».

(24) إذا كان مالكاً للدين و كان من الأموال الزكوية و أمكن له استيفاؤه و لكن كان تأخيره من ناحية صاحبه، فهل تجب عليه زكاته أو لا؟ حكي عن الشيخين في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 93، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5، الحديث 1.

(2) جواهر الكلام 15: 56.

(3) وسائل الشيعة 9: 93، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 9: 94، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 33

..........

______________________________

«المقنعة» و «الخلاف» و «المبسوط» وجوب الزكاة عليه، و هذا القول هو الأحوط. و قال المشهور بعدم الوجوب، و في «الجواهر»: أنّ عليه إجماع المتأخّرين.

و يدلّ عليه أُمور:

الأوّل: أنّ الأصل عدم الوجوب.

الثاني: أنّ المستفاد من الأدلّة أنّ متعلّق الزكاة و مورده عبارة عن الأموال الخارجية و الدين كلّي في الذمّة لا يكون متعلّق الزكاة، و يستفاد ذلك أيضاً من اعتبار الحول و انعقاد الحبّ و الاحمرار و الاصفرار و صدق الاسم في مورد الزكاة، و معلوم أنّ محالّها الأُمور الخارجية.

الثالث: أنّ الدين لا يدخل في ملك الدائن إلّا بأخذه من المديون و قبضه، و الملك شرط لوجوب الزكاة.

الرابع: جملة من الروايات: منها: صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السّلام): الرجل يكون له الوديعة و الدين فلا يصل إليهما ثمّ يأخذهما، متى يجب

عليه الزكاة؟ قال

إذا أخذهما ثمّ يحول عليه الحول يزكّي «1».

و موثّقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السّلام): الدين عليه زكاة؟ قال

لا، حتّى يقبضه

، قلت: فإذا قبضه أ يزكّيه؟ قال

لا، حتّى يحول عليه الحول «2».

و صحيحة عبد الحميد بن سعد ثقة لرواية صفوان عنه، و هو من أصحاب الإجماع قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل باع بيعاً إلى ثلاث سنين من رجل مليّ بحقّه و ماله في ثقة يزكّي ذاك المال في كلّ سنة تمرّ به أو يزكّيه إذا أخذه؟ فقال

لا، بل يزكّيه إذا أخذه. «3»

الخبر. و صحيحة أبي بصير عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 95، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 96، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 9: 98، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 34

..........

______________________________

أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل يكون نصف ماله عيناً و نصفه ديناً فتحلّ عليه الزكاة؟ قال

يزكّي العين و يدع الدين

، قلت: فإنّه اقتضاه بعد ستّة أشهر، قال

يزكّيه حين اقتضاه «1».

و رواية الأصبهاني قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): يكون لي على الرجل مال فأقبضه منه، متى أُزكّيه؟ قال

إذا قبضته فزكّه «2».

و رواية علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الدين يكون على القوم المياسير إذا شاء قبضه صاحبه، هل عليه زكاة؟ قال

لا، حتّى يقبضه و يحول عليه الحول «3».

و لا يخفى: أنّه قد يستفاد من بعض الروايات أنّ نفي الزكاة عن الدين

مشروط بعدم القدرة على أخذه، و مع القدرة على استيفائه و أخذه تجب الزكاة، كما في صحيحة ميسرة بن عبد العزيز المتقدّمة قال (عليه السّلام)

و ما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة «4»

، و صحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة عن أبي عبد اللّٰه قال (عليه السّلام)

فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتّى يقبضه «5»

، و مفهومه: أنّه إذا قدر على أخذه و أخذه فعليه زكاة.

و مقتضى الجمع بين هذه الأخبار و الأخبار النافية حمل هذه على الاستحباب. و يؤيّد هذا الحمل ما رواه في «قرب الإسناد» عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال

ليس على الدين زكاة، إلّا أن يشاء ربّ الدين أن يزكّيه «6».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 98، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 9: 98، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 10.

(3) وسائل الشيعة 9: 100، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 15.

(4) وسائل الشيعة 9: 96، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 5.

(5) وسائل الشيعة 9: 97، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 7.

(6) وسائل الشيعة 9: 99، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 14.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 35

[سادسها: بلوغ النِّصاب]

سادسها: بلوغ النِّصاب (25)، و سيأتي تفصيله إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

[ (مسألة 2): لو شكّ في البلوغ حين التعلّق، أو في التعلّق حين البلوغ]

(مسألة 2): لو شكّ في البلوغ حين التعلّق، أو في التعلّق حين البلوغ، لم يجب الإخراج (26)،

______________________________

(25) لا يخفى: أنّ بلوغ النصاب ليس من شرائط من تجب عليه الزكاة، و قد عدّه المصنّف (رحمه اللّٰه) منها، و هو كما ترى صدر من السيّد الأصبهاني (رحمه اللّٰه) في «وسيلة النجاة» «1»، و حرّره المصنّف (رحمه اللّٰه) من غير توجّه و كيف كان: فاشتراط النصاب في وجوب الزكاة في كلّ واحدٍ من التسعة إجماعي من الفريقين، إلّا أبي حنيفة فإنّه قال بعدم اشتراط النصاب في الغلّات، و إنّ الزكاة واجبة في قليلها و كثيرها «2».

(26) إذا شكّ في بلوغ مالك المال الزكوي للجهل بتأريخه و أنّه مقدّم على حين تعلّق الزكاة أو مؤخّر عنه مع العلم بتأريخ تعلّق الزكاة كاشتداد الحبّ مثلًا لم يجب إخراج الزكاة؛ لاستصحاب عدم البلوغ إلى زمان تعلّق الزكاة؛ فعدم البلوغ هو المستصحب، و يترتّب عليه آثاره؛ و منها عدم وجوب الزكاة.

و كذا إذا شكّ في تعلّق الوجوب للجهل بتأريخه و أنّه مقدّم على حين البلوغ أو مؤخّر عنه مع العلم بتأريخ البلوغ لم يجب إخراجها أيضاً؛ لاستصحاب عدم تعلّق الوجوب إلى زمان البلوغ؛ فالحكم بعدم وجوب إخراج الزكاة إنّما هو لأجل استصحاب عدم البلوغ أو عدم التعلّق، و هو أصل موضوعي.

و أمّا أصالة تأخّر البلوغ عند الشكّ في حدوثه متقدّماً على حين التعلّق المعلوم تأريخه أو متأخّراً عنه لإثبات كون التعلّق قبل البلوغ و كون أثره عدم

______________________________

(1) وسيلة النجاة: 151.

(2) بداية المجتهد 1: 273، المجموع 5: 458.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 36

و كذا الحال في الشكّ

في حدوث العقل في زمان التعلّق مع كونه مسبوقاً بالجنون (27)، و لو كان مسبوقاً بالعقل و شكّ في طروّ الجنون حال التعلّق وجب الإخراج (28).

[ (مسألة 3): يُعتبر تمام التمكّن من التصرّف فيما يُعتبر فيه الحول في تمام الحول]

(مسألة 3): يُعتبر تمام التمكّن من التصرّف فيما يُعتبر فيه الحول في تمام الحول، فإذا طرأ ذلك في أثناء الحول ثمّ ارتفع، انقطع الحول و يحتاج إلىٰ حول جديد (29).

______________________________

وجوب الزكاة فهو أصل مثبت. و كذلك أصالة تأخّر التعلّق عند الشكّ في تقدّمه على حين البلوغ المعلوم تأريخه و تأخّره عنه لإثبات كون البلوغ قبل التعلّق و كون أثره وجوب الزكاة أصل مثبت. هذا كلّه فيما كان تأريخ واحد من التعلّق و البلوغ معلوماً و تأريخ الآخر مجهولًا.

و أمّا إذا كان تأريخ كليهما مجهولًا فلا يجري الاستصحاب أصلًا؛ لكون المورد من موارد العلم الإجمالي فلا يجري فيها الأصل، أو يجري في كليهما و يتعارضان و يتساقطان.

(27) بأن كان المالك مجنوناً في زمان ثمّ حدث العقل و شكّ في حدوثه في زمان التعلّق المعلوم تأريخه، فيستصحب عدم حدوثه إلى ذلك الزمان، فلا تجب الزكاة.

(28) بأن كان عاقلًا ثمّ طرأ الجنون و شكّ في تقدّم زمانه على حال التعلّق المعلوم تأريخه؛ فيستصحب بقاء العقل و عدم عروض الجنون إلى زمان التعلّق و يحكم بوجوب إخراج الزكاة.

(29) و يمكن استفادة اشتراط التمكّن من التصرّف في تمام الحول من ذيل

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 37

و فيما لا يعتبر فيه الحول ففي اعتباره حال تعلّق الوجوب تأمّل و إشكال، و الأقوى ذلك، و الأحوط العدم (30).

______________________________

موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال

لا، حتّى يحول عليه الحول في يده «1»

، و في موثّقة أُخرى عنه عن

أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال

لا، حتّى يحول عليه الحول و هو عنده «2»

، و في موثّقة ثالثة عنه عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال

لا، حتّى يحول عليه الحول في يده «3»

حيث إنّ كلمة «عنده» و «في يده» الواقعة في هذه الروايات و غيرها كناية عن تمام التصرّف؛ خصوصاً قوله (عليه السّلام)

و هو عنده

في الموثّقة الأُخرى لإسحاق بن عمّار، وجه الخصوصية: أنّه جملة حالية لبيان هيئة فاعل يحول و هو الحول؛ أي يحول عليه الحول، و الحال أنّ المال عنده و في تصرّفه في الحول.

(30) لا يعتبر الحول في وجوب زكاة الغلّات الأربع، فهل يعتبر في وجوبها فيها تمام التمكّن من التصرّف حال تعلّق الوجوب أو لا؟ فيه وجهان، الأقوى اعتباره؛ لما ذكر في بيان الشرط الخامس من شروط من تجب عليه الزكاة من الروايات الدالّة على عدم وجوب الزكاة في المال الغائب صاحبه؛ لعدم تمكّنه من التصرّف فيه. و صرّح في بعضها بالوجوب عند أخذه، و هو كناية عن تمام تصرّفه، كما في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك «11»

حيث إنّ المال الغائب يشمل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 93، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 94، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 9: 96، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 3.

(11) وسائل الشيعة 9: 95، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 38

[ (مسألة 4): ثبوت الخيار لغير المالك لا يمنع من تعلّق الزكاة]

(مسألة 4): ثبوت الخيار لغير المالك لا يمنع من تعلّق الزكاة (31)،

______________________________

الغلّات الأربع التي ورثها بعض الولد قبل تعلّق الزكاة، و هو غائب لا يتمكّن من التصرّف أصلًا أو في الجملة.

و الأحوط عدم اعتباره، بل فيه زكاة و إن لم يكن له تمام التمكّن من التصرّف فيه؛ لصحيحة عبد الحميد بن سعد قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل باع بيعاً إلى ثلاث سنين من رجل مليّ بحقّه و ماله في ثقة يزكّي ذلك المال في كلّ سنة تمرّ به أو يزكّيه إذا أخذه؟ فقال

لا، بل يزكّيه إذا أخذه

، قلت له: لِكَم يزكّيه؟ قال: قال

لثلاث سنين «1»

حيث إنّه أمر (عليه السّلام) بتزكية المال في السنة الأُولىٰ و الثانية و الحال أنّه لم يكن في يده فيهما.

و صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل ينسئ أو يعين فلا يزال ماله ديناً كيف يصنع في زكاته؟ قال

يزكّيه «2».

و هاتان الصحيحتان محمولتان على الاستحباب جمعاً بينهما و بين الروايات الدالّة على عدم الوجوب، و قد تقدّم سابقاً.

(31) إذا اشترى زيد المال الزكوي و كان الخيار للبائع فهل يجب زكاته على المشتري أم لا؟ قولان مبنيان على أنّه يحصل الملك لغير ذي الخيار بمجرّد العقد أو لا يحصل إلّا بانقضاء الخيار؟ و أنّه بناءً على حصول الملك هل يجوز له الإتلاف و التصرّفات الناقلة أو لا؟ فعلى القول بأنّ الملك يحصل بمجرّد العقد و أنّه يجوز له الإتلاف و التصرّفات الناقلة تجب الزكاة على المشتري، و على القول الآخر لا تجب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 98، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 9:

98، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 6، الحديث 11.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 39

..........

______________________________

و القول بحصول الملك بمجرّد العقد هو المشهور؛ قال في «التذكرة»: «مسألة لو اشترى نصاباً جرى في الحول حين العقد؛ لأنّه حين الملك؛ و لهذا يملك المشتري النماء المنفصل» «1»، انتهى.

و قال في «الشرائع»: «لو اشترى نصاباً جرى في الحول من حين العقد لا بعد الثلاثة، و لو شرط البائع خياراً زائداً على الثلاثة بُنِيَ على القول بانتقال الملك، و الوجه: أنّه من حين العقد» «2»، انتهى.

و هذا القول هو المختار للشيخ الأعظم الأنصاري (رحمه اللّٰه) في خيارات «المكاسب» حيث إنّه (رحمه اللّٰه) بعد نقل حجّة القول بمنع تصرّف غير ذي الخيار عن التصرّفات الناقلة، و أنّ الخيار حقّ يتعلّق بالعين بواسطة تعلّقه بالعقد قال بجواز تصرّف غير ذي الخيار؛ لأدلّة سلطنة الناس على أموالهم، و أنّ ذا الخيار له سلطنة على فسخ العقد في حالتي وجود العين و فقدها. ثمّ أيّده بأنّ حقّ الشفيع لا يمنع المشتري من نقل العين، و قال: فالجواز لا يخلو عن قوّة في الخيارات الأصلية «3»؛ أي الثابتة بأصل الشرع.

و يستدلّ على هذا القول بعموم قوله تعالىٰ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «4»، و قوله تعالىٰ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «5».

و ذيل موثّقة إسحاق بن عمّار قال: حدّثني من سمع أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و سأله

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 34.

(2) شرائع الإسلام 1: 129.

(3) المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 19: 149 150.

(4) البقرة (2): 275.

(5) النساء (4): 29.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 40

..........

______________________________

رجل و أنا عنده فقال: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره

فجاء إلى أخيه فقال: أبيعك داري هذه و تكون لك أحبّ إليّ من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردّ عليّ، فقال

لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه

، قلت: فإنّها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة لمن تكون الغلّة؟ فقال

الغلّة للمشتري، أ لا ترى أنّه لو احترقت لكانت من ماله؟! «1».

و موثّقة معاوية بن ميسرة بن شريح القاضي إمامي ممدوح قال: سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل باع داراً له من رجل و كان بينه و بين الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر، فشرط أنّك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك، فأتاه بماله، قال

له شرطه

، قال أبو الجارود: فإنّ ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين، قال

هو ماله

، و قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أ رأيت لو أنّ الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار دار المشتري «2».

و هاتان الروايتان تدلّان على كون الدار ملك المشتري من حين العقد. و في سند الرواية الحسن بن محمّد بن سماعة، و هو كما في «رجال» النجاشي من شيوخ الواقفة كثير الحديث فقيه ثقة و كان يعاند في الوقف و يتعصّب، فليرجع في حاله إلى الرجال المذكور «3».

و صحيحة بشار بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يبيع المتاع بنساء و يشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه، قال

نعم لا بأس به

، قلت: أشتري متاعي، فقال

ليس هو متاعك و لا بقرك و لا غنمك «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 19، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 8، الحديث

1.

(2) وسائل الشيعة 18: 20، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 8، الحديث 3.

(3) رجال النجاشي: 40/ 84.

(4) وسائل الشيعة 18: 41، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 5، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 41

إلّا في مثل الخيار المشروط بردّ الثمن؛ ممّا تكون المعاملة مبنيّة علىٰ إبقاء العين (32)،

______________________________

و قال جماعة: إنّه لا يحصل الملك بمجرّد العقد بل يحتاج إلى انقضاء الخيار بطور الكشف؛ فإن فسخ العقد في مدّة الخيار ينكشف عدم تحقّق الملكية رأساً، و إن انقضى زمان الخيار و لم يفسخ ينكشف تحقّق الملكية من حين العقد.

فمنهم الشيخ في «الخلاف» قال: «العقد يثبت بنفس الإيجاب و القبول، فإن كان مطلقاً فإنّه يلزم بالافتراق بالأبدان، و إن كان مشروطاً لهما أو للبائع فإذا انقضى الخيار ملك المشتري بالعقد المتقدّم، و إن كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد، لكنّه لم ينتقل إلى المشتري حتّى ينقضي الخيار، فإذا انقضى الخيار ملك المشتري بالعقد الأوّل» «1»، انتهى موضع الحاجة.

و حكي عن العلّامة في مقام الإشكال على المحقّق القائل بانتقال الملك من حين العقد، قال: إنّ الخيار يمنع من لا خيار له من التصرّفات المنافية للخيار كالبيع و الهبة و الرهن و الإجارة و نحوها، و ذلك ينافي تمامية الملك، انتهى.

و المختار وفاقاً للمشهور حصول الملك بالعقد و جواز التصرّفات الناقلة لمن لا خيار له، و لذي الخيار حقٌّ لفسخ العقد، فإذا فسخه استردّ العين مع بقائها و مثلها أو قيمتها مع الإتلاف.

(32) لا يجوز الإتلاف و التصرّفات الناقلة للمشتري في العين المبيعة المنتقلة إليه ببيع الخيار الذي هو من أفراد خيار الشرط، و هو أن يبيع البائع شيئاً

و يشترط الخيار لنفسه مدّة؛ بأن يردّ الثمن فيها و يرتجع المبيع، و هو جائز عندنا إجماعاً.

______________________________

(1) الخلاف 3: 22/ مسألة 29.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 42

فلو اشترىٰ نِصاباً من الغنم، و كان للبائع الخيار، جرىٰ في الحول من حين العقد، لا من حين انقضائه (33).

[ (مسألة 5): لا تتعلّق الزكاة بنماء الوقف العامّ؛ قبل أن يقبضه من ينطبق عليه عنوان الموقوف عليه]

(مسألة 5): لا تتعلّق الزكاة بنماء الوقف العامّ؛ قبل أن يقبضه من ينطبق عليه عنوان الموقوف عليه (34). و أمّا بعد القبض فهو كسائر أمواله تتعلّق به مع اجتماع شرائطه.

______________________________

و تدلّ عليه موثّقة إسحاق بن عمار «1» و صحيحة سعد بن يسار «2» نقلهما الشيخ الأنصاري في «المكاسب» «3». فلا تجب الزكاة في المبيع المشروط بردّ الثمن و ارتجاع العين الزكوية، بل لا يجوز؛ لوجوب إبقاء العين على المشتري، و هذا واضح.

(33) هذا تفريع لعدم مانعية ثبوت الخيار عن تعلّق الزكاة، كما أشرنا إلى تفصيله.

(34) قد مرّ في بيان اشتراط تمام التمكّن من التصرّف في وجوب الزكاة أنّ الوقف بناءً على القول المشهور من كونه ملكاً للموقوف عليه ليس ملكاً تامّاً له؛ فلا زكاة فيه، فضلًا عن القول بكونه باقياً على ملك الواقف أو لِلّٰه تعالىٰ. و لا فرق في ذلك بين الوقف العامّ و الخاصّ.

و أمّا النماء: فإن كان نماء الوقف العامّ بأن وقف النماء للفقراء و العلماء مثلًا فما دام لم يقبضوا لا يحصل لهم الملك؛ فلا زكاة عليهم، و بالقبض يحصل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 19، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 8، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 18: 18، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 7، الحديث 1.

(3) المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 18: 127 و 128.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص:

43

[ (مسألة 6): زكاة القرض على المقترض بعد القبض و جريان الحول عنده]

(مسألة 6): زكاة القرض على المقترض بعد القبض و جريان الحول عنده (35)،

______________________________

الملك كسائر أموالهم تتعلّق به الزكاة مع اجتماع سائر شرائط الوجوب. و إن كان نماء الوقف الخاصّ فتجب الزكاة على الموقوف عليه قبل القبض؛ لكونه ملكاً له، هذا كلّه بناءً على أنّ غرض الواقف كون النماء ملكاً للموقوف عليه. و أمّا إذا أحرزنا أنّ غرض الواقف صرف النماء للموقوف عليه فلا زكاة حتّى في نماء الوقف الخاصّ؛ لعدم كونه مالكاً.

(35) هذه المسألة إجماعية، و وجهه كما تقدّم في بيان اشتراط الملك في وجوب الزكاة أنّ القرض يملكه المقترض بعد القبض، و مع اجتماع سائر الشرائط تجب الزكاة عليه.

و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل دفع إلى رجلٍ مالًا قرضاً، على من زكاته؟ على المقرض أو على المقترض؟ قال

لا، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولًا على المقترض

، قال: قلت: فليس على المقرض زكاتها؟ قال

لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد، و ليس على الدافع شي ء؛ لأنّه ليس في يده شي ء، إنّما المال في يد الآخر؛ فمن كان المال في يده زكّاه

قال: قلت: أ فيزكّي مال غيره من ماله؟ فقال

إنّه ماله ما دام في يده، و ليس ذلك المال لأحدٍ غيره

، ثمّ قال

يا زرارة أ رأيت و ضيعة ذلك المال و ربحه لمن هو؟ و على من؟

قلت: للمقترض؟ قال

فله الفضل و عليه النقصان، و له أن ينكح و يلبس منه و يأكل منه و لا ينبغي له أن يزكّيه؟ بل يزكّيه فإنّه عليه «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 100، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 7، الحديث 1.

مدارك تحرير

الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 44

و ليس على المقرض و الدائن شي ء قبل أن يستوفي طلبه (36)،

______________________________

و مرسل أبان بن عثمان عمّن أخبره قال: سألت أحدهما (عليهما السّلام) عن رجل عليه دين و في يده مال وفىٰ بدَينه و المال لغيره، هل عليه زكاة؟ فقال

إذا استقرض فحال عليه الحول فزكاته عليه إذا كان فيه فضل «1»

، لا يخفى: أنّ أبان بن عثمان كان من أصحاب الإجماع و وقع في طريق «كامل الزيارات»؛ فلا يصغي إلى ما ذكره العلّامة (رحمه اللّٰه) من أنّه من الناووسية أو أنّه فطحي «2».

و صحيح يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يقرض المال للرجل السنة و السنتين و الثلاث أو ما شاء اللّٰه، على من الزكاة؟ على المقرض أو على المستقرض؟ فقال

على المستقرض؛ لأنّ له نفعه و عليه زكاته «3»

، و غيرها من روايات الباب.

(36) أمّا المقرض: فيدلّ على نفي الزكاة عنه صحيح زرارة المتقدّمة قال: قلت: فليس على المقرض زكاتها؟ قال

لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد، و ليس على الدافع شي ء. «4»

الخبر.

و صحيح يعقوب بن شعيب المتقدّم حيث سئل عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ الزكاة على المقرض أو على المقترض؟ فأجاب (عليه السّلام) بأنّها على المستقرض، فنفاها عن المقرض.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 101، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 7، الحديث 4.

(2) راجع تنقيح المقال 1: 6/ السطر 9، رجال العلّامة الحلّي: 21.

(3) وسائل الشيعة 9: 102، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 7، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 9: 100، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 7، الحديث 1.

مدارك

تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 45

فلو لم يستوفه و لو فراراً من الزكاة لم تجب عليه (37).

[ (مسألة 7): لو عرض عدم التمكّن من التصرّف بعد تعلّق الوجوب، أو بعد مضيّ الحول متمكّناً]

(مسألة 7): لو عرض عدم التمكّن من التصرّف بعد تعلّق الوجوب، أو بعد مضيّ الحول متمكّناً، فقد استقرّ وجوب الزكاة، فيجب عليه الأداء إذا تمكّن (38)،

______________________________

و أمّا الدائن: فتدلّ على نفي وجوب الزكاة عنه جملة من الروايات المتقدّم ذكرها سابقاً في شرح قول المصنّف (رحمه اللّٰه): «و لا في الدين و إن تمكّن من استيفائه» و هي الرواية الأُولى و الثانية و الثالثة و الثامنة و العاشرة و الحادية عشرة و الرابعة عشرة من الباب السادس من أبواب من تجب عليه الزكاة و من لا تجب عليه من كتاب «الوسائل»، و قد قلنا: إنّ الروايات الدالّة على اشتراط تعلّق الزكاة بالدين بالقدرة على قبضه، و أنّه إن لم يقدر على قبضه فلا زكاة عليه، محمولة على الاستحباب، فراجع.

و في «الجواهر» وفاقاً ل «الشرائع»: أمّا إن كان تأخيره من جهة صاحبه فقيل و القائل الشيخان في «المقنعة» و «الخلاف» و «المبسوط» و «الجمل» و «العقود» و المرتضى على ما حكي تجب الزكاة على مالكه، و قيل و القائل المشهور شهرة عظيمة، بل عليه إجماع المتأخّرين لا تجب الزكاة، و الأوّل و إن كان أحوط إلّا أنّ الثاني أقوى؛ للأصل و ظهور النصوص في كون مورد الزكاة غير الكلّي في الذمّة؛ و خصوصاً أدلّة الحول عند المالك، و قول الصادق (عليه السّلام) في صحيح ابن سنان

لا صدقة على الدين «1»

، انتهى.

(37) و ذلك لإطلاق الأدلّة النافية للزكاة عن الدائن قبل استيفاء طلبه.

(38) قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «القواعد»: «إمكان الأداء شرط في الضمان؛ فلو

______________________________

(1) جواهر

الكلام 15: 59.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 46

..........

______________________________

لم يتمكّن المسلم من إخراجها بعد الحول حتّى تلفت لم يضمن. إلى أن قال: و لو تمكّن من الأداء بعد الحول و أهمل الإخراج ضمن» «1» انتهى. و كذا قال في «التذكرة».

و مراد المصنّف (رحمه اللّٰه): أنّ من استجمع شرائط وجوب الزكاة كلّها و منها تمام التمكّن من التصرّف قبل تعلّق الوجوب فيما لا يعتبر فيه الحول، و في تمام الحول فيما يعتبر فيه الحول و إن عرض عليه عدم التمكّن من التصرّف بعد تعلّق الوجوب فيما لا يعتبر فيه الحول أو بعد مضيّ الحول متمكّناً فيجب عليه الأداء مهما تمكّن، و إن كان غير متمكّن من الأداء حال تحقّق الوجوب؛ لأنّ إمكان الأداء ليس من شرائط وجوب الزكاة؛ فمن كان مستجمعاً للشرائط كلّها و لم يتمكّن من الأداء و لو لأجل عدم وجود المستحقّ فقد وجب عليه الزكاة، و التمكّن من الأداء شرط في الضمان؛ فمن تمكّن من الأداء بعد الحول فقد ضمن الزكاة، و من لم يتمكّن من إخراجها بعده حتّى تلفت لم يضمن.

و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجلٌ بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال

إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان؛ لأنّها قد خرجت من يده. و كذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أُمر بدفعه إليه، فإن لم يجد فليس عليه ضمان «2».

و صحيح زرارة قال: سألت أبا عبد

اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل بعث إليه أخ زكاته

______________________________

(1) قواعد الأحكام 1: 332.

(2) وسائل الشيعة 9: 285، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 39، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 47

و لو تمكّن بعد ما لم يكن متمكّناً و قد مضى عليه سنون جرىٰ في الحَول من حينه (39). و استحباب الزكاة لسنة واحدة إذا تمكّن بعد السنين محلّ إشكال، فضلًا عمّا تمكّن بعد مضيّ سنة واحدة (40).

______________________________

ليقسّمها فضاعت، فقال

ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان

، قلت: فإنّه لم يجد لها أهلًا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟ قال

لا، و لكن إن (إذا) عرف لها أهلًا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها «1»

، و غيرهما من روايات الباب.

(39) يعني أنّه لو ملك النصاب و لكن لم يتمكّن من التصرّف فيه حتّى مضى عليه سنون و هو غير متمكّن فيها ثمّ عرض له التمكّن، جرى في الحول من حين التمكّن؛ فيبدأ حوله من حين التمكّن، و يجب بمضيّ حوله مع كونه متمكّناً في طول الحول؛ لما مرّ سابقاً من اشتراط تمام التمكّن في تمام الحول.

(40) و لعلّ وجه الإشكال في استحباب الزكاة لسنة واحدة من السنين التي لم يتمكّن فيها من التصرّف عدم الدليل عليه إلّا الإجماع المحكي عن «التذكرة» و «المنتهىٰ».

و لا يخفى: أنّه قد ورد في بعض الأخبار المعتبرة التزكية لسنة واحدة في خصوص المال المدفون الذي مكث ثلاث سنين، كما في حسنة الصيرفي المتقدّمة قال (عليه السّلام)

يزكّيه لسنة واحدة «2».

و في بعضها التزكية لسنة واحدة في خصوص المال الغائب خمس سنين، كما في صحيحة رفاعة بن موسى النخّاس المتقدّمة قال: سألت أبا عبد اللّٰه

(عليه السّلام) عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثمّ يأتيه فلا يردّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 286، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 39، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 93، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 48

[ (مسألة 8): لو كان المال الزكويّ مشتركاً بين اثنين أو أزيد]

(مسألة 8): لو كان المال الزكويّ مشتركاً بين اثنين أو أزيد تعتبر الحصص لا المجموع، فكلّ من بلغت حصّته حدّ النصاب وجبت عليه الزكاة، دون من لم تبلغ حصّته النصاب (41).

______________________________

رأس المال، كم يزكّيه؟ قال

سنة واحدة «1».

و في بعض الأخبار: التزكية لعام واحد في خصوص المال الغائب مطلقاً؛ أي من غير تقييد بعام فصاعداً، كما في مرسلة ابن بكير عمّن رواه عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه، قال

فلا زكاة عليه حتّى يخرج، فإذا خرج زكّاه لعامٍ واحد «2».

و الأقوى عندي وفاقاً للسيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقىٰ» استحباب الزكاة لسنة واحدة في المدفون ثلاث سنين و في الغائب خمس سنين بل مطلقاً حتّى بمضيّ سنة واحدة فيما لم يتمكّن من التصرّف فيه، قال في «الجواهر»: «قد يقال بدلالة مرسلة عبد اللّٰه بن بكير على كفاية الغيبة عاما فصاعداً، نعم تلفيق العام من الضلال و الوجدان لا دليل على الاستحباب فيه» «3»، انتهى.

(41) و في «الشرائع»: و لا يضمّ مال إنسان إلى غيره و إن اجتمعت شرائط الخلطة و كانا في مكان واحد، بل يعتبر في مال كلّ واحد منهما بلوغ النصاب «4»، انتهىٰ. و في «الجواهر»: بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، كما أنّ النصوص واضحة الدلالة عليه،

فلا يجزي حينئذٍ بلوغ النصاب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 94، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 95، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5، الحديث 7.

(3) جواهر الكلام 15: 57.

(4) شرائع الإسلام 1: 132.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 49

[ (مسألة 9): لو استطاع الحجّ بالنصاب]

(مسألة 9): لو استطاع الحجّ بالنصاب، فإن تمّ الحول أو تعلّق الوجوب قبل وقت سير القافلة و التمكّن من الذهاب، وجبت الزكاة (42)،

______________________________

منهما في وجوب الفريضة» «1»، انتهى.

و يدلّ عليه صحيح محمّد بن قيس البجلي الكوفي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث زكاة الغنم، قال

و لا يفرق بين مجتمع و لا يجمع بين متفرّق «2»

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، در يك جلد، ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس؛ ص: 49

؛ يعني أنّ المجتمع في الملك و إن كان متفرّقاً في أمكنة متعدّدة لا يحسب متفرّقاً؛ حتّى لا يجب فيه الزكاة إذا كان كلّ من المتفرّقات دون حدّ النصاب و لكن المجموع في حدّ النصاب. كما أنّ المتفرّق من حيث الملك و إن كان مجتمعاً في مكان واحد لا يجب فيه الزكاة إذا بلغ مجموعة حدّ النصاب دون حصّة كلّ مالك.

و ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال

ليس في النيف شي ء حتّى تبلغ ما يجب فيه واحد، و لا في الصدقة و الزكاة كسور، و لا يكون شاة و نصف، و لا بعير و نصف، و لا خمسة دراهم و نصف، و لا دينار و نصف، و لكن يؤخذ الواحد و يطرح ما سوى

ذلك حتّى تبلغ ما يؤخذ منه واحد فيؤخذ من جميع ماله

، قال زرارة: قلت له: مائتي درهم بين خمس أُناس أو عشرة حال عليها الحول و هي عندهم، أ يجب عليهم زكاتها؟ قال

لا، هي بمنزلة تلك يعني جوابه في الحرث ليس عليهم شي ء حتّى يتمّ لكلّ إنسان منهم مائتا درهم

، قلت: و كذلك في الشاة و الإبل و البقر و الذهب و الفضّة و جميع الأموال؟ قال

نعم «3».

(42) لا يخفى: أنّ الحجّ واجب مشروط بالاستطاعة المالية، و أمّا الاستطاعة

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 91.

(2) وسائل الشيعة 9: 126، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 11، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 151، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 5، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 50

فإن بقيت الاستطاعة بعد إخراجها وجب الحجّ، و إلّا فلا (43)، و إن كان تمام الحول بعد زمان سير القافلة و أمكن صرف النصاب أو بعضه في الحجّ وجب، فإن صرفه فيه سقط وجوب الزكاة، و إن عصىٰ و لم يحجّ وجبت الزكاة بعد تمام الحول (44)،

______________________________

البدنية و السربية فالظاهر أنّهما من الشرائط العامّة كالقدرة في جميع الواجبات.

و لا يخفى أيضاً: أنّ الاستطاعة شرط وجوب الحجّ حدوثاً و بقاءً؛ أي فما دام مستطيعاً يجب الحجّ. نعم في بعض الموارد يستقرّ الحجّ و إن زالت الاستطاعة، كمن كان متمكّناً من فعله مع حصول الاستطاعة المالية و البدنية و حضور وقت السفر و تخلية السرب و تهيئة الأسباب و وجود الرفقة، و مع هذا ترك الحجّ؛ فإنّه يستقرّ عليه.

إذا عرفت هذا فاعلم: أنّه لو استطاع الحجّ بالنصاب فهنا صور:

الاولىٰ: أن يتمّ حول المال الزكوي أو

يتعلّق الوجوب بصدق الاسم مثلًا قبل التمكّن من المسير أي قبل تحقّق وقت سير القافلة فحينئذٍ وجبت الزكاة؛ لحصول شرائط الوجوب، و لا يزاحمه الحجّ؛ لعدم فعلية وجوبه قبل وقت سير القافلة.

(43) الصورة الثانية: أن بقيت الاستطاعة بجميع شؤونها المذكورة بعد إخراج الزكاة فيجب حينئذٍ الحجّ، و إلّا فلا بلا إشكال في ذلك.

(44) الصورة الثالثة: أن تحصل الاستطاعة بالنصاب و أمكن صرف النصاب بعينه أو بعضه كذلك في الحجّ، و تمكّن من المسير قبل تمام الحول؛ فيجب الحجّ، و حينئذٍ فإن صرف النصاب بعينه في الحجّ سقط وجوب الزكاة، خلافاً لجماعة من المحشّين ل «العروة الوثقى» الشاهرودي (رحمه اللّٰه) و الگلپايگاني (رحمه اللّٰه) القائلين بوجوب

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 51

و إن تقارن خروج القافلة مع تمام الحول أو تعلّق الوجوب، وجبت الزكاة دون الحج (45).

[ (مسألة 10): تجب الزكاة على الكافر]

(مسألة 10): تجب الزكاة على الكافر (46)،

______________________________

الزكاة و سقوط الحجّ فيما كان مضيّ الحول متأخّراً عن سير القافلة، تبعاً للعلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» قال: «لو استطاع بالنصاب و وجب الحجّ ثمّ مضى الحول على النصاب فالأقرب عدم منع الحجّ من الزكاة؛ لتعلّق الزكاة بالعين بخلاف الحجّ» «1»، انتهى.

و كيف كان: و إن عصى و لم يحجّ استقرّ عليه الحجّ و لا يسقط إلّا بالامتثال و لو متسكّعاً، و وجبت الزكاة بعد تمام الحول؛ لتحقّق شرائط وجوبها. قال في «الجواهر»: و لو استطاع الحجّ بالنصاب و كان مضيّ الحول متأخّراً عن أشهر الحجّ وجب الحجّ بلا إشكال، فلو عصى و لم يحجّ حتّى تمّ الحول وجبت الزكاة و استقرّ الحجّ في ذمّته، و إن ذهبت استطاعته بتقصيره، أمّا إذا كان الحول قبل مضيّ أشهر الحجّ

وجبت الزكاة و سقط الحجّ «2»، انتهى.

(45) و ذلك لتحقّق موضوع الزكاة مع شرائط وجوبها فيقدم على الحجّ. و علّله السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» بأنّ الزكاة تعلّق بالعين، بخلاف الحجّ.

(46) المشهور بين أصحابنا شهرة عظيمة عند المتأخّرين، و اختلف العامّة: فقال أبو حنيفة و أحمد: إنّه لا تجب الزكاة على الكافر؛ سواء كان أصلياً أو مرتدّاً، و إذا أسلم المرتدّ لا يجب عليه إخراجها. و قال المالكية: الإسلام شرط للصحّة لا

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 26.

(2) جواهر الكلام 15: 47.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 52

..........

______________________________

للوجوب؛ فتجب على الكافر أصلياً كان أو مرتدّاً و إن كانت لا تصحّ إلّا بالإسلام، و إذا أسلم فقد سقطت بالإسلام؛ لقوله تعالىٰ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ «1». و قال الشافعية: تجب الزكاة على المرتدّ وجوباً موقوفاً على عوده إلى الإسلام أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع كتكليفهم بالأُصول؛ بل ادعي عليه الإجماع عند القدماء فتجب عليهم الزكاة.

و يدلّ على تكليف الكفّار جملة من آيات القرآن، كقوله تعالىٰ مٰا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قٰالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ «2». و قوله تعالىٰ فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمّٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ «3». و قوله تعالىٰ فَلٰا صَدَّقَ وَ لٰا صَلّٰى. وَ لٰكِنْ كَذَّبَ وَ تَوَلّٰى «4».

و بعض الآيات مربوط بخصوص الزكاة، كما في قوله تعالىٰ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كٰافِرُونَ «5». و آية الحجّ شاملة للكافر أيضاً؛ قال اللّٰه تعالىٰ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «6».

و العقل يحكم بوجوب إتيان المحسنات العقلية كشكر المنعم و إطاعة اولي الأمر و

الإحسان إلى الوالدين و ردّ الوديعة و الأمانة و نحوها، و ترك المقبّحات كالظلم و الإفساد و غيرهما على الكافر أيضاً.

______________________________

(1) الأنفال (8): 38.

(2) المدثر (74): 42 44.

(3) الحجر (15): 92 93.

(4) القيامة (75): 31 32.

(5) فصّلت (41): 6 7.

(6) آل عمران (3): 97.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 53

..........

______________________________

و الأخبار الدالّة علىٰ وجوب الواجبات الضرورية لكلّ أحد من الناس في حدّ الاستفاضة، كرواية أبي بصير قال: سمعته يسأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن دين الذي افترض اللّٰه عزّ و جلّ على العباد ما لا يسعهم جهله و لا يقبل منهم غيره، ما هو؟ فقال

شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه و أنّ محمّداً (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) رسول اللّٰه و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و حجّ البيت من استطاع إليه سبيلًا و صوم شهر رمضان و الولاية. «1»

، و الرواية ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة.

و رواية سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أخبرني عن الفرائض التي افترض اللّٰه على العباد ما هي؟ فقال

شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه و أنّ محمّداً (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) رسول اللّٰه و إقام الصلوات الخمس و إيتاء الزكاة و حجّ البيت و صيام شهر رمضان و الولاية، فمن أقامهنّ و سدّد و قارب و اجتنب كلّ مسكر دخل الجنّة «2».

و رواية أبي أمامة عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

أيّها الناس إنّه لا نبي بعدي و لا امّة بعدكم، ألا فاعبدوا ربّكم و صلّوا خمسكم و حجّوا بيت ربّكم و أدّوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم و أطيعوا

ولاة أمركم تدخلوا جنّة ربّكم «3».

و خصوص صحيحة البزنطي قال: ذكرت لأبي الحسن الرضا (عليه السّلام): الخراج و ما سار به أهل بيته، فقال

العشر و نصف العشر على من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده و أُخذ منه العشر و نصف العشر فيما عُمر منها و ما لم يعمر منها أخذه الوالي فقبله ممّن يعمره و كان للمسلمين، و ليس فيما كان أقلّ من خمسة أوساق

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 18، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 1، الحديث 12.

(2) وسائل الشيعة 1: 19، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 1، الحديث 17.

(3) وسائل الشيعة 1: 23، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 1، الحديث 25.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 54

و إن لم تصحّ منه لو أدّاها (47).

______________________________

شي ء، و ما أُخذ بالسيف فذلك إلى الإمام (عليه السّلام) يقبله بالذي يرىٰ، كما صنع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بخيبر قبل أرضها و نخلها، و الناس يقولون: لا تصلح قبالة الأرض و النخل إذا كان البياض أكثر من السواد، و قد قبل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) خيبر و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر «1»

، و غيرها من روايات الباب.

(47) هذه المسألة إجماعية. و وجه عدم صحّة الزكاة من الكافر اشتراط قصد القربة في صحّة كلّ عبادة و منها الزكاة و لا يتمشّى إلّا من المسلم المؤمن. و يدلّ عليه قوله تعالىٰ وَ مٰا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقٰاتُهُمْ إِلّٰا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّٰهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ لٰا يَأْتُونَ الصَّلٰاةَ إِلّٰا وَ هُمْ كُسٰالىٰ وَ لٰا يُنْفِقُونَ إِلّٰا وَ هُمْ كٰارِهُونَ. «2» الآية.

و قد

يخدش في الآية كما عن بعض المعاصرين «3» أوّلًا: بأنّ موردها المنافقون بقرينة قوله وَ لٰا يَأْتُونَ الصَّلٰاةَ إِلّٰا وَ هُمْ كُسٰالىٰ. و ثانياً: أنّ الآية صريحة في عدم القبول.

و فيه: أنّ المنافق في الحقيقة كافر و إن كان متظاهراً بالإسلام. و في «مجمع البيان»، في تفسير الآية: و ما يمنع هؤلاء المنافقين أن يثابوا على نفقاتهم إلّا كفرهم باللّٰه و برسوله، و ذلك ممّا يحبط الأعمال. إلى أن قال: و في هذا دلالة على أنّ الكفّار مخاطبون بالشرائع «4». و منه يظهر الجواب عن الثاني و أنّ عدم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 15: 158، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ، الباب 72، الحديث 2.

(2) التوبة (9): 54.

(3) الزكاة، المحقّق المنتظري 1: 131.

(4) مجمع البيان 5: 59 60.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 55

..........

______________________________

قبول أعمالهم للإحباط و عدم الصحّة.

و يدلّ عليه أيضاً جملة من الأخبار: منها: صحيح محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

كلّ من دان اللّٰه عزّ و جلّ بعبادة يجهد فيها نفسه و لا إمام له من اللّٰه فسعيه غير مقبول، و هو ضالّ متحيّر، و اللّٰه شانئ لأعماله.

إلى أن قال

و إن مات على هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق. و اعلم يا محمّد، أنّ أئمّة الجور و أتباعهم لمعزولون عن دين اللّٰه قد ضلّوا و أضلّوا؛ فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون ممّا كسبوا علىٰ شي ء، ذلك هو الضلال البعيد «1».

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال

ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته، أما

لو أنّ رجلًا قام ليله و صام نهاره و تصدّق بجميع ماله و حجّ جميع دهره و لم يعرف ولاية وليّ اللّٰه فيواليه و يكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللّٰه حقّ في ثوابه و لا كان من أهل الإيمان «2».

و منها: صحيح عبد الحميد بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

و اللّٰه لو أنّ إبليس سجد لِلّٰه بعد المعصية و التكبّر عُمر الدنيا ما نفعه ذلك، و لا قبله اللّٰه عزّ و جلّ ما لم يسجد لآدم كما أمره اللّٰه عزّ و جلّ أن يسجد له، و كذلك هذه الأُمّة العاصية المفتونة بعد نبيّها (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و بعد تركهم الإمام الذي نصبه نبيّهم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لهم، فلن يقبل اللّٰه لهم عملًا و لن يرفع لهم حسنة؛ حتّى يأتوا اللّٰه من حيث أمرهم، و يتولّوا الإمام الذي أُمروا بولايته و يدخلوا من

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 118، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 29، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 1: 119، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 29، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 56

نعم للإمام (عليه السّلام) أو نائبه أخذها منه قهراً (48)،

______________________________

الباب الذي فتحه اللّٰه و رسوله لهم «1».

و منها: صحيح أبي حمزة الثمالي قال: قال لنا علي بن الحسين (عليهما السّلام)

أيّ البقاع أفضل؟

فقلنا: اللّٰه و رسوله و ابن رسوله أعلم، فقال لنا

أفضل البقاع ما بين الركن و المقام، و لو أنّ رجلًا عمّر ما عمّر نوح في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما، يصوم النهار و يقوم الليل في ذلك

المكان، ثمّ لقي اللّٰه بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً «2».

و غيرها من روايات الباب الدالّة على كون أعمال من لا ولاية له كرماد اشتدّت به الريح و الضلال البعيد، و من هو كافر بطريق أولىٰ.

(48) و ذلك لولاية الإمام (عليه السّلام) على الفقراء؛ فله أن يأخذ حقوقهم ممّن لا يؤدّيها، كما أنّه جاز له استيفاؤها من الممتنع المسلم، و كذا استيفاء سائر حقوقهم ممّن هي عليه، و جميع ما هو من بيت المال. و لنائبه أيضاً استيفاء تلك الحقوق، و هذا مسلّم في الكافر الحربي.

و أمّا الذمّي فقد يقال: إنّه لو اشترط أداء الزكاة في عقد الذمّة أُخذت منه كما صنعه رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بأهل خيبر. و تدلّ عليه صحيحة البزنطي المتقدّمة قال: ذكرت لأبي الحسن الرضا (عليه السّلام). إلى أن قال

و ما أُخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبله بالذي يرىٰ، كما صنع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بخيبر قبل أرضها و نخلها، و الناس يقولون: لا تصلح قبالة الأرض و النخل إذا كان البياض أكثر من السواد، و قد قبل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 119، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 29، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 1: 122، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 29، الحديث 12.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 57

بل له أخذ عوضها منه لو كان أتلفها (49)

______________________________

رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) خيبر و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر «1».

و أمّا الذمّي الذي لم يشترط معه في عقد الذمّة إعطاء الزكاة فلا دليل على وجوب أخذها منه قهراً، بل يكتفى بأخذ

الجزية فقط.

و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم قال: قلت: أ رأيت ما يأخذ هؤلاء من هذا الخمس من أرض الجزية و يأخذ من الدهاقين جزية رؤوسهم، أما عليهم في ذلك شي ء موظّف؟ فقال

كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم، و ليس للإمام أكثر من الجزية، إن شاء الإمام وضع ذلك على رؤوسهم و ليس على أموالهم شي ء، و إن شاء فعلى أموالهم و ليس على رؤوسهم شي ء

، فقلت: فهذا الخمس؟ فقال

إنّما هذا شي ء كان صالحهم عليه رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «2».

و صحيح آخر لابن مسلم قال: سألته عن أهل الذمّة ماذا عليهم ممّا يحقنون به دماءهم و أموالهم؟ قال

الخراج، و إن أُخذ من رؤوسهم الجزية فلا سبيل على أرضهم، و إن أُخذ من أرضهم فلا سبيل على رؤوسهم «3».

و صحيح ثالث عنه عن أبي جعفر (عليه السّلام) في أهل الجزية يؤخذ من أموالهم و مواشيهم شي ء سوى الجزية؟ قال

لا «4».

(49) لقاعدة «من أتلف مال الغير فهو له ضامن». و قال جماعة من فقهائنا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 15: 158، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ، الباب 72، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 15: 149، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ، الباب 68، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 15: 150، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ، الباب 68، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 15: 151، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ، الباب 68، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 58

أو تلفت عنده على الأقوىٰ (50). نعم لو أسلم بعد ما وجبت عليه سقطت عنه (51)،

______________________________

كالشيخ في «النهاية» و «المبسوط» و العلّامة في «القواعد» و المحقّق في «الشرائع» بعدم الضمان؛ قال في

«المبسوط»: فأمّا شرائط الضمان فاثنان: الإسلام و إمكان الأداء، و في «القواعد»: لو هلكت بتفريطه حال كفره فلا ضمان، و في «الشرائع»: فإذا تلفت لا يجب عليه ضمانها.

و استدلّ بعضهم على عدم الضمان بعدم التمكّن من الأداء.

و يرد عليهم: أنّ عدم التمكّن من الأداء مستند إلى اختيارهم البقاء على الكفر بسوء اختيارهم، و ما هو بالأخرة ينتهي إلى الاختيار لا ينافي الاختيار؛ فيمكن لهم الأداء الصحيح بالعود إلى الإسلام.

(50) و ذلك لعموم قاعدة «على اليد»، و ليست يد الكافر على الزكاة يد أمين حتّى لا يضمن عند التلف؛ لأنّ الزكاة قبل تلفها عند الكافر قد وجب على الوالي أخذها منه قهراً.

(51) في المسألة أقوال:

الأوّل: سقوط الزكاة عمّن أسلم بعد ما وجبت عليه حال الكفر، و هذا القول هو المشهور بين الأصحاب. فلا يصغي إلى ما في «الكفاية» من أنّه توقّف فيه غير واحد من المتأخّرين، و في «مفتاح الكرامة»: و ما وجدنا من خالف أو توقّف قبل صاحب «المدارك» و صاحب «الكفاية»، و في «الجواهر»: لم نجد فيه خلافاً و لا توقّفاً قبل الأردبيلي و الخراساني و سيّد المدارك، بل ليس في كلام الأوّل على ما قيل سوى قوله: كان ذلك للإجماع و النصّ، مثل

الإسلام يجبّ ما قبله

، و هو خالٍ عن التوقّف، فضلًا عن الخلاف «1»، انتهى.

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 61.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 59

..........

______________________________

و كيف كان: فقد استدلّ على هذا القول بوجوه:

الأوّل: الإجماع الذي ادّعي في كلام بعض، و نسبه الأردبيلي في كلامه إلى القائلين بالسقوط.

و فيه: أنّه غير ثابت؛ لوجود المخالف. إلّا أن يقال: إنّ خلاف معلومي النسب لا يخلّ بالإجماع.

الثاني: قوله تعالىٰ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا

إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ «1».

الثالث: الحديث المعروف المشهور

الإسلام يجبّ ما قبله

؛ أي يقطعه، و لا بأس بالإشارة إلى موارد من نقل هذا الحديث: ففي «نهاية» ابن الأثير: و منه الحديث

إنّ الإسلام يجبّ ما قبله و التوبة تجبّ ما قبلها

؛ أي يقطعان و يمحوان ما كان قبلهما من الكفر و المعاصي و الذنوب «2»، و يقرب منه ما في «مجمع البحرين».

و لا يخفى أنّ تفسير ما قبل الإسلام و التوبة بالكفر و المعاصي و الذنوب ليس من الحديث، و قد نقل جماعة هذا الحديث بعبارات مختلفة؛ ففي «تفسير» علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالىٰ وَ قٰالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى تَفْجُرَ لَنٰا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً «3»: أنّ عبد اللّٰه بن أبي أُميّة أخا أُمّ سلمة سلّم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) حين فتح مكّة، و أعرض عنه رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فشكى إلى أُخته و قال: إنّ رسول اللّٰه قد قبل إسلام من لقيه و أعرض عنّي، فذكرت أُمّ سلمة ذلك لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

إنّ أخاك كذّبني تكذيباً لم يكذّبني أحدٌ من الناس، هو الذي قال لي: لن نؤمن لك.

إلى آخر آية التسعين و الثلاث من السورة المذكورة، فقالت أُمّ سلمة: يا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أ لم تقل

إنّ الإسلام يجبّ ما كان قبله؟ قال:

______________________________

(1) الأنفال (8): 38.

(2) النهاية، ابن الأثير 1: 234.

(3) الإسراء (17): 90.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 60

..........

______________________________

نعم؛ فقبل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه

عليه و آله و سلّم) إسلامه

«1». و في «المستمسك» نقلًا عن «شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة» عن أبي الفرج الأصفهاني ذكر قصّة إسلام المغيرة بن شعبة و أنّه وفد مع جماعة من بني مالك على المُقَوقس ملك مصر، فلمّا رجعوا قتلهم المغيرة في الطريق و فرّ إلى المدينة مسلماً و عرض خمس أموالهم على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فلم يقبله و قال

لا خير في غدر

، فخاف المغيرة على نفسه من النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم). و صار يحتمل ما قرب و ما بعد، فقال (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

الإسلام يجبّ ما قبله.

و في «السيرة الحلبية»: أنّ عثمان شفع في أخيه ابن أبي سرح قال (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

أما بايعته و آمنته؟

قال: بلى، و لكن يذكر ما جرى منه معك من القبيح و يستحيي، قال (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

الإسلام يجبّ ما قبله.

و فيها أيضاً: أنّ خالد بن الوليد و عمرو بن العاص و عثمان بن طلحة جاؤوا إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) مسلمين و طلبوا منه أن يغفر اللّٰه لهم، فقال (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لهم

إنّ الإسلام يجبّ ما كان قبله «2».

و في صحيح مسلم عن عمرو بن العاص قال: فلمّا جعل اللّٰه الإسلام في قلبي أتيت النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقلت: ابسط يمينك فلأُبايعك، فبسط يمينه فقبضت يدي قال

ما لك يا عمرو؟

قال: قلت: أردت أن أشترط، قال

تشترط بماذا؟

قلت: أن يغفر لي، قال

أما علمتَ أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله، و أنّ الهجرة تهدم

ما كان قبلها، و أنّ الحجّ يهدم ما كان قبله؟! «3».

و رواه في «كنز العمّال» «4».

و روى الشيخ بسنده عن جعفر بن رزق اللّٰه قال: قدم إلى المتوكّل رجل

______________________________

(1) تفسير القمي 2: 26.

(2) مستمسك العروة الوثقى 7: 50 51.

(3) صحيح مسلم 1: 71/ 192.

(4) كنز العمّال 1: 67/ 247.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 61

..........

______________________________

نصراني فجر بامرأة مسلمة و أراد أن يقيم عليه الحدّ فأسلم، فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه و فعله، و قال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، و قال بعضهم: يفعل به كذا كذا، فأمر المتوكّل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث (عليه السّلام) و سؤاله عن ذلك، فلمّا قدم الكتاب كتب أبو الحسن (عليه السّلام)

يضرب حتّى يموت

، فأنكر يحيى بن أكثم و أنكر فقهاء العسكر ذلك و قالوا: يا أمير المؤمنين سله عن هذا فإنّه شي ء لم ينطق به كتاب و لم تجئ به السنّة، فكتب: إنّ فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا و قالوا: لم تجئ به سنّة و لم ينطق به كتاب؛ فبيّن لنا بما أوجبت عليه الضرب حتّى يموت، فكتب (عليه السّلام)

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم فَلَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا قٰالُوا آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنٰا بِمٰا كُنّٰا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمٰانُهُمْ لَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا سُنَّتَ اللّٰهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبٰادِهِ وَ خَسِرَ هُنٰالِكَ الْكٰافِرُونَ «1»

، قال: فأمر المتوكّل فضرب حتّى مات «2».

و بالجملة: حديث الجبّ من المسلّمات عند الفريقين، و يمكن ادّعاء تواتره كما عن بعض «3».

و القول الثاني في المسألة: وجوب الزكاة على الكافر بعد إسلامه، فهي كانت في عهدته إلى أن يحصل الامتثال.

و فيه: أنّ حديث الجبّ قد أسقطها عن عهدته؛

فليس في عهدته شي ء بعد إسلامه حتّى يحتاج إلى إسقاطه بالامتثال.

الثالث: التوقّف، ذهب إليه صاحب «المدارك» (رحمه اللّٰه) حيث إنّه أجاب عن القائلين بالسقوط المتمسّكين بحديث الجبّ بأنّ الحديث ضعيف سنداً و متناً، و أنّه

______________________________

(1) غافر (40): 84 85.

(2) وسائل الشيعة 28: 141، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ الزنا، الباب 36، الحديث 2.

(3) الزكاة، المحقّق المنتظري 1: 139.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 62

..........

______________________________

روي في عدّة أخبار صحيحة: أنّ المخالف إذا استبصر لا يجب عليه إعادة شي ء من العبادات التي أوقعها في حال ضلالته، سوى الزكاة فإنّه لا بدّ أن يؤدّيها، و مع ثبوت هذا الفرق في المخالف فيمكن إجراؤه في الكافر. و بالجملة: فالوجوب على الكافر متحقّق؛ فيجب بقاؤه تحت العهدة إلى أن يحصل الامتثال أو يقوم على السقوط بالإسلام دليل يعتدّ به «1»، انتهى.

و نذكر بعض الروايات الواردة في وجوب الزكاة على من استبصر من المخالفين، كصحيحة بريد بن معاوية العجلي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

كلّ عمل عمله في حال نصبه و ضلالته ثمّ منَّ اللّٰه عليه و عرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلّا الزكاة فإنّه يعيدها لأنّه وضعها في غير موضعها لأنّها لأهل الولاية، و أمّا الصلاة و الحجّ و الصيام فليس عليه قضاء «2».

و فيه: أنّه لا مجال للتوقّف بعد ذهاب المشهور إلى السقوط و تمسّكهم فيه بحديث الجبّ. و ضعف سنده على الفرض منجبر بالشهرة العظيمة. و دلالته تامّة؛ لإطلاق ما يجبّه الإسلام و شموله للزكاة حيث لم يعهد من النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و لا من الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) أن يأخذوا من أحد من

المشركين و الكافرين المتشرّفين بالإسلام الزكاة الواجبة عليهم حال كفرهم.

و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) بعد القول بجبر سند حديث الجبّ بعمل الأصحاب و أنّه الموافق لقوله تعالىٰ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ «3»، قال: بل يمكن القطع به بملاحظة معلومية عدم أمر النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لأحد ممّن تجدّد إسلامه من أهل البادية و غيرهم بزكاة إبلهم في السنين الماضية، بل ربّما كان ذلك

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 42.

(2) وسائل الشيعة 1: 125، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 31، الحديث 1.

(3) الأنفال (8): 38.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 63

و إن كانت العين موجودة علىٰ إشكال (52)، هذا لو أسلم بعد تمام الحول. و أمّا لو أسلم و لو بلحظة قبله فالظاهر وجوبها عليه (53).

______________________________

منفّراً لهم عن الإسلام، كما أنّه لو كان شي ء منه لذاع و شاع، كيف و الشائع عند الخواصّ فضلًا عن العوامّ خلافه؟! «1»، انتهى.

و قياس الكافر المتشرّف بالإسلام على المخالف المستبصر في ثبوت الزكاة عليه مع الفارق.

(52) وجه الإشكال و ثبوت الزكاة فيما كانت العين الزكوية موجودة بعد الإسلام: ما ذكره في «المستمسك» من أنّ حول الحول على العين الزكوية يوجب حدوث حقّ للفقراء، فإذا حدث كان بقاؤه مستنداً إلى استعداد ذاته، فإذا أسلم و بقي الحقّ المذكور للفقراء بعد إسلامه لم يكن بقاؤه مستنداً إلى حول الحول حال الكفر ليشمله الحديث، و إنّما يستند بقاؤه إلى استعداد ذاته؛ فلا يشمله الحديث «2»، انتهى.

(53) يعني أنّ سقوط الزكاة عن الكافر إنّما هو فيما أسلم بعد تمام الحول؛ لأنّه بتمامية الحول مع وجود سائر الشرائط تجب الزكاة و تسقط

بالإسلام، و هذا بخلاف ما لو أسلم قبل تمام الحول و لو بلحظة؛ فإنّ الظاهر وجوب الزكاة عليه؛ لأنّه ما لم يكمل الحول و لو بلحظة لا تجب الزكاة، فحين تمّ الحول و هو مسلم فتجب الزكاة عليه؛ فلا مسقط له إلّا بأدائها.

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 62.

(2) مستمسك العروة الوثقى 9: 50.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 65

[القول فيما تجب فيه الزكاة و ما تستحبّ]

اشارة

القول فيما تجب فيه الزكاة و ما تستحبّ

[ (مسألة 1): تجب الزكاة في الأنعام الثلاثة]

(مسألة 1): تجب الزكاة في الأنعام الثلاثة: الإبل و البقر و الغنم، و في النقدين: الذهب و الفضّة، و في الغلّات الأربع: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و لا تجب فيما عدا هذه التسعة (1).

______________________________

(1) و يدلّ على وجوب الزكاة في التسعة المذكورة في المتن صحيح عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لمّا نزلت آية الزكاة خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا «1» في شهر رمضان فأمر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) مناديه فنادىٰ في الناس: إنّ الهّْٰ تبارك و تعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، ففرض اللّٰه عليكم من الذهب و الفضّة و الإبل و البقر و الغنم و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و نادى بذلك في شهر رمضان، و عفا لهم عمّا سوىٰ ذلك. «2»

الحديث.

______________________________

(1) التوبة (9): 103.

(2) وسائل الشيعة 9: 53، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 8، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 66

..........

______________________________

و مرسلة أبي سعيد القمّاط عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن الزكاة، فقال

وضع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الزكاة على تسعة، و عفا عمّا سوى ذلك: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضّة و البقر و الغنم و الإبل

، فقال السائل: و الذرّة؟ فغضب (عليه السّلام) ثمّ قال

كان و اللّٰه على عهد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) السماسم و الذرّة و الدخن و جميع ذلك

، فقال:

إنّهم يقولون إنّه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و إنّما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك؟» فغضب و قال

كذبوا، فهل يكون العفو إلّا عن شي ء قد كان، و لا و اللّٰه ما أعرف شيئاً عليه الزكاة غير هذا، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر «2»

، و في سند الرواية موسى بن عمر بن يزيد و هو مجهول الحال، و محمّد بن سنان قد ضعّفه جماعة كالنجاشي و الشيخ المفيد و ابن الغضائري و ابن عقدة، و عدّه الفضل بن شاذان من الكذّابين.

و صحيح الفضلاء الخمسة عنهما (عليهما السّلام) قالا

فرض اللّٰه عزّ و جلّ الزكاة مع الصلاة في الأموال، و سنّها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في تسعة أشياء و عفا (رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)) عمّا سواهنّ: في الذهب و الفضّة و الإبل و البقر و الغنم و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و عفا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عمّا سوىٰ ذلك «1».

و موثّقة أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

وضع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الزكاة على تسعة أشياء: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضّة و الإبل و البقر و الغنم، و عفا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عمّا سوى ذلك «12».

و صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) قال

الزكاة على تسعة أشياء: على

______________________________

(2) وسائل الشيعة 9: 54، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 8،

الحديث 3.

(1) وسائل الشيعة 9: 55، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 8، الحديث 4.

(12) وسائل الشيعة 9: 55، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 8، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 67

..........

______________________________

الذهب و الفضّة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم، و عفا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عمّا سوى ذلك «1».

و صحيح آخر لزرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن صدقات الأموال، فقال

في تسعة أشياء ليس في غيرها شي ء: في الذهب و الفضّة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم السائمة و هي الراعية و ليس في شي ء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شي ء، و كلّ شي ء كان من هذه الثلاثة الأصناف فليس فيه شي ء حتّى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج «2».

و حسنة الحسن بن شهاب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

وضع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الزكاة على تسعة أشياء و عفا عمّا سوىٰ ذلك: على الذهب و الفضّة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم «3».

و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سُئل عن الزكاة، فقال

الزكاة على تسعة أشياء: على الذهب و الفضّة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم، و عفا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عمّا سوىٰ ذلك «4».

و غيرها من روايات الباب التي نفي فيها وجوب الزكاة عن غير الأشياء

التسعة المذكورة؛ خصوصاً حسنة محمّد الطيّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عمّا تجب فيه الزكاة؟ فقال

في تسعة أشياء: الذهب و الفضّة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم، و عفا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عمّا سوىٰ ذلك

، فقلت:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 57، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 8، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 9: 57، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 8، الحديث 9.

(3) وسائل الشيعة 9: 57، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 8، الحديث 10.

(4) وسائل الشيعة 9: 58، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 8، الحديث 11.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 68

..........

______________________________

أصلحك اللّٰه فإنّ عندنا حبّا كثيراً؟ قال: فقال

ما هو؟

قلت: الأرز، قال

نعم ما أكثره

فقلت: أ فيه الزكاة؟ فزبرني أي منعني من السؤال قال: ثمّ قال

أقول لك: إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عفا عمّا سوىٰ ذلك و تقول: إنّ عندنا حبّا كثيراً أ فيه الزكاة؟! «1».

و حسنة بل صحيحة بجعفر بن محمّد بن حكيم جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

وضع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الزكاة على تسعة أشياء، و عفا عمّا سوىٰ ذلك: على الفضّة و الذهب و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم

، فقال له الطيّار و أنا حاضر-: إنّ عندنا حبّا كثيراً يقال له: الأرز، فقال له أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

و عندنا حبٌّ كثير

، قال: فعليه

شي ء؟ قال

لا، قد أعلمتك أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عفا عمّا سوىٰ ذلك «2».

وجه الخصوصية في هذين الخبرين تأكيده (عليه السّلام) و إصراره (عليه السّلام) بنفي الزكاة عن غير التسعة.

و لا ينافي الأخبار المذكورة ما ورد في بعض الأخبار من ثبوت الزكاة في غير التسعة المذكورة، كما في صحيحة علي بن مهزيار في حديث: أنّ أبا الحسن (عليه السّلام) كتب إلى عبد اللّٰه بن محمّد

الزكاة على كلّ ما كيل بالصاع

، قال: و كتب عبد اللّٰه و روى غير هذا الرجل عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سأله عن الحبوب، فقال

و ما هي؟

فقال: السمسم و الأرز و الدخن، و كلّ هذا غلّة كالحنطة و الشعير، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

في الحبوب كلّها زكاة.

و روى أيضاً عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

كلّ ما دخل القفيز فهو يجري

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 58، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 8، الحديث 12.

(2) وسائل الشيعة 9: 58، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 8، الحديث 13.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 69

..........

______________________________

مجرى الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب

، قال: فأخبرني جعلت فداك هل على هذا الأرز و ما أشبهه من الحبوب الحِمّص و العدس زكاة؟ فوقّع (عليه السّلام)

صدّقوا الزكاة في كلّ شي ء كيل «1».

و صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام): إنّ لنا رطبة و أرزاً، فما الذي علينا فيها؟ قال (عليه السّلام)

أمّا الرطبة فليس عليك فيها شي ء، و أمّا الأرز فما سقت السماء العشر و ما سقي بالدلو فنصف العشر من كلّ ما

كِلتَ بالصاع

، أو قال

وكيل بالمكيال «2».

و رواية أبي مريم هو عبد الغفّار بن القاسم ثقة له كتاب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الحرث ما يزكّىٰ منه؟ فقال

البرّ و الشعير و الذرّة و الأرز و السلت و العدس، كلّ هذا ممّا يزكّى

، و قال

كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة «3»

، و هذه الرواية ضعيفة سنداً للإرسال.

و صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألته عن الحبوب ما يزكّى منها؟ قال (عليه السّلام)

البرّ و الشعير و الذرّة و الدخن و الأرز و السلت و العدس و السمسم، كلّ هذا يزكّى و أشباهه «4».

و صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) مثله، و قال

كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة

، و قال

جعل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الصدقة في كلّ شي ء أنبتت الأرض، إلّا ما كان في الخضر و البقول و كلّ شي ء يفسد من يومه «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 61، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 9، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 62، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 9، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 62، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 9، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 9: 62، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 9، الحديث 4.

(5) وسائل الشيعة 9: 63، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 9، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 70

و تُستحبّ في الثمار و غيرها ممّا أنبتت الأرض حتّى الأُشنان (2)،

______________________________

و صحيحة زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر (عليه السّلام)

قال

ليس في شي ء أنبتت الأرض من الأرز و الذرّة و الدخن و الحمّص و العدس و سائر الحبوب و الفواكه غير هذه الأربعة الأصناف و إن كثر ثمنه زكاة، إلّا أن يصير ما لا يباع بذهب أو فضّة تكنزه، ثمّ يحول عليه الحول و قد صار ذهباً أو فضّة. فتؤدّى عنه من كلّ مائتي درهم خمسة دراهم و من كلّ عشرين ديناراً نصف دينار «1».

و صحيحة أُخرى لزرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الذرّة شي ء؟ فقال

الذرّة و العدس و السلت و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير، و كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة «2».

و وجه عدم المنافاة بين هذه الأخبار و الأخبار السابقة الدالّة على نفي الزكاة عمّا عدا التسعة المعهودة، حمل هذه الأخبار على الاستحباب. و في «الوسائل» بعد نقل هذه الأخبار قال: و تقدّم ما يدلّ على الاستحباب و على نفي الوجوب، و ما ظاهره الوجوب في الحبوب يحتمل الحمل على التقية «3»، انتهى.

(2) و يدلّ على الاستحباب في المذكورات الأخبار السابقة المثبتة للزكاة فيها بعد الجمع بينها و بين الروايات النافية للزكاة عنها و الحاصرة وجوب الزكاة في التسعة المعهودة. و قد ورد نفي الزكاة عن خصوص الأشنان في صحيحة يونس بن عبد الرحمن قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الأشنان فيه زكاة؟ فقال

لا «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 63، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 9، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 9: 64، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 9، الحديث 10.

(3) وسائل الشيعة 9: 64، ذيل الحديث 11.

(4) وسائل الشيعة 9:

68، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 11، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 71

دون الخضر و البقول كالقتّ و الباذنجان و الخيار و البطّيخ و نحو ذلك (3). و استحبابها في الحبوب لا يخلو من إشكال (4)، و كذا في مال التجارة (5)،

______________________________

(3) و يدلّ عليه صحيح زرارة المتقدّمة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، حيث استثنى الخضر و البقول و كلّ شي ء يفسد من يومه ممّا أنبتت الأرض «1».

(4) وجه الإشكال في استحباب الزكاة في الحبوب: أنّ الأخبار الدالّة علىٰ ثبوت الزكاة فيها محمولة على التقية؛ لذهاب معظم العامّة إلى وجوب الزكاة فيها؛ فلا وجه حينئذٍ للحمل على الاستحباب فيها.

و فيه: أنّه يمكن أن يقال: إنّه لا منافاة بين حملها على التقية و بين الندب؛ إذ تتحقّق التقية بالتعبير عن الندب بما ظاهره الوجوب اعتماداً علىٰ قرينة خارجية. هذا، مضافاً إلى أنّ الحمل على التقية فرع تعذّر الجمع العرفي، و الحال أنّ الجمع العرفي ممكن بحمل الأخبار الدالّة علىٰ ثبوت الزكاة في الحبوب على الاستحباب.

(5) في المسألة قولان:

الأوّل: استحباب الزكاة في مال التجارة، و هو الأصحّ. ذهب إليه أكثر فقهائنا بل هو المشهور، و نسبه السيّدان المرتضى و ابن زهرة في «الانتصار» و «الغنية» إلى الأصحاب، و هو مقتضى الجمع بين الأخبار الدالّة على ثبوت الزكاة فيه و بين ما دلّ على نفيها عنه. الثاني: التوقف.

و من الأخبار الدالّة على الثبوت صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل اشترىٰ متاعاً فكسد عليه متاعه و قد زكّى ماله قبل أن يشتري المتاع، متى يزكّيه؟ فقال

إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس

ماله فليس

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 63، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 9، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 72

..........

______________________________

عليه زكاة، و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال

، قال: و سألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها، فقال

إذا حال عليه الحول فليزكّها «1».

و رواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل اشترى متاعاً فكسد عليه متاعه و قد كان زكّى ماله قبل أن يشتري به، هل عليه زكاة، أو حتّى يبيعه؟ فقال

إن كان أمسكه التماس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة «12».

و رجال سند الرواية كلّهم إمامي عدل إلّا أبا الربيع و هو خليد بن أوفىٰ، و يقال له خالد بن أوفى و خالد أبو الرفيع يظهر من الشيخ و النجاشي مدحه بقولهما: إنّ له كتاباً و في «معجم رجال الحديث»: أنّه مجهول الحال.

و رواية خالد بن الحجّاج الكرخي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الزكاة؟ فقال

ما كان من تجارة في يدك فيها فضل ليس يمنعك من بيعها إلّا لتزداد فضلًا على فضلك فزكّه، و ما كانت من تجارة في يدك فيها نقصان فذلك شي ء آخر «11»

، هذه الرواية ضعيفة بخالد بن الحجّاج الكرخي؛ لكونه مجهول الحال.

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

إن كان عندك متاع في البيت موضوع فأعطيت به رأس مالك فرغبت عنه فعليك زكاته «2».

و صحيحة اخرى لمحمّد بن مسلم أنّه قال

كلّ مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 71، كتاب

الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 13، الحديث 3.

(12) وسائل الشيعة 9: 71، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 13، الحديث 4.

(11) وسائل الشيعة 9: 71، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 13، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 9: 72، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 13، الحديث 7.

(3) وسائل الشيعة 9: 72، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 13، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 73

..........

______________________________

و موثّقة العلاء عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: المتاع لا أُصيب به رأس المال، عليّ فيه الزكاة؟ قال

لا

، قلت: أمسكه سنتين (سنين) ثمّ أبيعه ماذا عليّ؟ قال

سنة واحدة «1».

و أمّا ما دلّ على نفي الزكاة عن مال التجارة:

فمنها صحيحة زرارة قال: كنت قاعداً عند أبي جعفر (عليه السّلام) و ليس عنده غير ابنه جعفر (عليه السّلام) فقال

يا زرارة إنّ أبا ذر و عثمان تنازعا على عهد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال عثمان: كلّ مال من ذهب أو فضّة يدار به و يعمل به و يتّجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول، فقال أبو ذرّ: أمّا ما يتّجر به أو دير و عمل به فليس فيه زكاة، إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازاً أو كنزاً موضوعاً، فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة، فاختصما في ذلك إلى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

قال: فقال

القول ما قال أبو ذرّ. «2»

الخبر.

و صحيحة سليمان بن خالد قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل كان له مال كثير فاشترى به متاعاً ثمّ وضعه، فقال: هذا

متاع موضوع فإذا أحببت بعته فيرجع إليّ رأس مالي و أفضل منه، هل عليه فيه صدقة و هو متاع؟ قال

لا، حتّى يبيعه

، قال: فهل يؤدّىٰ عنه إن باعه لما مضى إذا كان متاعاً؟

قال

لا «3».

و موثّقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السّلام): الرجل يشتري الوصيفة يثبتها عنده لتزيد و هو يريد بيعها، أعلى ثمنها زكاة؟ قال

لا، حتّى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 72، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 13، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 9: 74، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 14، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 75، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 14، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 74

و الخيل الإناث (6).

______________________________

يبيعها

، قلت: فإن باعها أ يزكّي ثمنها؟ قال

لا، حتّى يحول عليها الحول و هو في يده «1».

و غيرها من روايات الباب.

و مقتضى الجمع بين الفريقين المذكورين من الروايات حمل الأخبار المثبتة للزكاة في مال التجارة على الاستحباب، و هو القول الأوّل في المسألة. و القول الثاني في المسألة التوقّف؛ لاحتمال حمل الأخبار المثبتة على التقية؛ لكون الوجوب مذهب جمهور العامّة.

و لعلّه منشأ إشكال المصنّف (رحمه اللّٰه) في المسألة بناءً على عطف قوله

و كذا في مال التجارة

على قوله

في الحبوب.

و يعلم جواب الإشكال ممّا عرفته من حمل الروايات المثبتة على الندب، و هو مقتضى الجمع العرفي بين الروايات.

(6) استحباب الزكاة في الخيل الإناث ممّا ادّعي عليه الإجماع. و في «الجواهر»: إجماعاً محصّلًا و محكياً في «الخلاف» و «الغنية» و «التذكرة».

و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) هل في البغال شي ء؟ فقال

لا

، فقلت: فكيف صار على الخيل و لم يصر على البغال؟ فقال

لأنّ البغال لا تلقح و الخيل الإناث ينتجن. «2»

الخبر.

و مقدار الزكاة ديناران لكلّ واحد من الخيل الإناث. و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم و زرارة عنهما (عليهما السّلام) جميعاً قالا

وضع أمير المؤمنين على الخيل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 75، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 14، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 78، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 16، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 75

و أمّا الخيل الذكور و كذا البغال و الحمير فلا تُستحبّ فيها (7). و الكلام في التسعة المزبورة التي تجب فيها الزكاة يقع في ثلاثة فصول:

______________________________

العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين، و جعل على البراذين ديناراً «1»

، و المراد من الخيل العتاق هي الخيل الإناث، صرّح به في «الجواهر».

(7) و يدلّ على نفي الزكاة في المذكورات حتّى استحباباً صحيح زرارة المتقدّم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): هل في البغال شي ء؟ فقال

لا.

إلى أن قال (عليه السّلام)

و ليس على الخيل الذكور شي ء

؛ قال: قلت: فما في الحمير؟ قال

ليس فيها شي ء «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 77، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 16، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 78، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 16، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 77

[الفصل الأوّل في زكاة الأنعام]
اشارة

الفصل الأوّل في زكاة الأنعام

[و شرائط وجوبها مضافاً إلى الشرائط العامّة السابقة أربعة]
اشارة

و شرائط وجوبها مضافاً إلى الشرائط العامّة السابقة أربعة: النصاب، و السوم، و الحول، و أن لا تكون عوامل.

[القول في النصاب]
اشارة

القول في النصاب

[ (مسألة 1): في الإبل اثنا عشر نصاباً]

(مسألة 1): في الإبل اثنا عشر نصاباً: خمس، و فيها شاة، ثمّ عشر، و فيها شاتان، ثمّ خمس عشرة، و فيها ثلاث شياه، ثمّ عشرون، و فيها أربع شياه، ثمّ خمس و عشرون، و فيها خمس شياه، ثمّ ستّ و عشرون، و فيها بنت مخاض، ثمّ ستّ و ثلاثون، و فيها بنت لبون، ثمّ ستّ و أربعون، و فيها حِقّة، ثمّ إحدىٰ و ستّون، و فيها جَذَعة، ثمّ ستّ و سبعون، و فيها بنتا لبون، ثمّ إحدىٰ و تسعون، و فيها حِقّتان، ثمّ مائة و إحدى و عشرون، ففي كلّ خمسين حِقّة، و في كلّ أربعين بنت لبون (1)؛

______________________________

(1) و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

ليس فيما دون الخمس من الإبل شي ء، فإذا كانت خمساً ففيها شاة إلى عشرة، فإذا كانت عشرا

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 78

..........

______________________________

ففيها (فإذا بلغت عشراً ففيها) شاتان، فإذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم، فإذا بلغت خمساً و عشرين ففيها خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فإن زادت على خمس و ثلاثين بواحدة ففيها بنت لبون إلى خمس و أربعين، فإن زادت واحدة ففيها حقّة، و إنّما سمّيت حقّة لأنّها استحقّت أن يركب ظهرها، إلى ستّين، فإن زادت واحدة ففيها جذَعَة إلى خمس و سبعين، فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإن زادت واحدة فحقّتان إلى عشرين و مائة، فإن زادت على العشرين و المائة واحدة ففي كلّ خمسين حقّة، و في

كلّ أربعين ابنة لبون «1».

و لا يخفى: أنّ الخمسة الأُول من نصب الإبل لا خلاف فيها، بل الإجماع بقسميه قام عليها، و النصوص فيها مستفيضة إن لم تكن متواترة.

و اختلف في النصاب السادس و هو الستّ و العشرون المشهور إثباته، و عن القديمين ابني أبي عقيل و الجنيد أنّهما أسقطاه و قالا: إنّ الواجب في الخمس و العشرين من الإبل بنت مخاض، و أضاف ابن الجنيد: أنّه إن لم تكن بنت مخاض فابن لبون، فإن لم يكن فخمس شياه و لم يجعلا الستّ و العشرين نصاباً مستقلا، و لعلّهما اعتمدا في ذلك على صحيح الفضلاء الخمسة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) قالا في صدقة الإبل

في كلّ خمس شاة إلى أن تبلغ خمساً و عشرين، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض، ثمّ ليس فيها شي ء حتّى تبلغ خمساً و ثلاثين، فإذا بلغت خمساً و ثلاثين ففيها ابنة لبون، ثمّ ليس فيها شي ء حتّى تبلغ خمساً و أربعين فإذا بلغت خمساً و أربعين ففيها حقّة طروقة الفحل، ثمّ ليس فيها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 108، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 2، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 79

..........

______________________________

شي ء حتّى تبلغ ستّين فإذا بلغت ستّين ففيها جذعة، ثمّ ليس فيها شي ء حتّى تبلغ خمساً و سبعين فإذا بلغت خمساً و سبعين ففيها ابنتا لبون، ثمّ ليس فيها شي ء حتّى تبلغ تسعين فإذا بلغت تسعين ففيها حقّتان طروقتا الفحل، ثمّ ليس فيها شي ء حتّى تبلغ عشرين و مائة فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها حقّتان طروقتا الفحل، فإذا زادت واحدة على عشرين و مائة ففي كلّ خمسين حقّة و في

كلّ أربعين ابنة لبون. «1»

الحديث.

و فيه أوّلًا: أنّ هذا الحديث مخالف للمشهور، بل للإجماع الذي نقله صاحب «الجواهر» و ارتضى به، قال: فإذا صارت ستّاً و عشرين صارت كلّها نصاباً على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل في «الخلاف» و «الغنية» و غيرهما الإجماع عليه، بل حكى غير واحد الإجماع على أنّها اثنا عشر نصاباً، بل يمكن تحصيل الإجماع و إن خالف فيه القديمان فيما حكي عنهما. إلى أن قال: فإنّ خلافهما خاصّة غير قادح فيه؛ سيّما مع انحصار الخلاف فيهما فيما أجد «2»، انتهى.

و ثانياً: أنّ هذا الحديث محمول على التقية، كما حمله عليها الشيخ؛ لكونه موافقاً لمذهب العامّة، و قد صرّح به عبد الرحمن بن الحجّاج في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

في خمس قلائص شاة و ليس فيما دون الخمس شي ء، و في عشر شاتان، و في خمس عشرة ثلاث شياه، و في عشرين أربع، و في خمس و عشرين خمس، و في ستّ و عشرين بنت مخاض إلى خمس و ثلاثين

، و قال عبد الرحمن: هذا فرق بيننا و بين الناس،

فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمس و أربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقّة إلى ستّين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 111، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 2، الحديث 6.

(2) جواهر الكلام 15: 76 77.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 80

..........

______________________________

إلى خمس و سبعين، فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا كثرت الإبل ففي كلّ خمسين حقّة «1».

و قوله: «هذا فرق بيننا و بين الناس» يعني أنّا نقول: إنّ بنت مخاض زكاة في ستّ و عشرين و هو

النصاب السادس عندنا و العامّة لا يقولون بكونه نصاباً بل يقولون بأنّ في الخمس و العشرين بنت مخاض و بعده ليس شي ء حتّى يبلغ ستّاً و ثلاثين.

و ثالثاً: أنّ صاحب «الوسائل» حكى عن الصدوق (رحمه اللّٰه) في «معاني الأخبار» حديث الفضلاء المتقدّم، و زاد بعد قوله

فإذا بلغت خمساً و عشرين

قوله: (فإذا زادت واحدة)

ففيها بنت مخاض

، و هكذا زاده إلى قوله

إذا بلغت تسعين ففيها حقّتان «2».

و رابعاً: أنّ الحديث شامل لما لم يقل به أحد من الأصحاب؛ من كون المائة و العشرين نصاباً و إحدى و عشرين نصاباً آخر.

و خامساً: أنّه حكي عن المرتضىٰ (رحمه اللّٰه): أنّ بنت مخاض في خمسة و عشرين هي قيمة خمسة شياه، لا أنّها زكاة نصاب خامس، هكذا أجاب جماعة؛ منهم صاحب «الجواهر» و «المستمسك».

و فيه: أنّه علىٰ سبيل التسليم يصلح كون بنت مخاض قيمة لزكاة نصاب الخمس و العشرين إبلًا و هي خمسة شياه و لكن يبقى الإشكال في الحديث بحاله بالنسبة إلى نفي كون الستّ و العشرين نصاباً.

و سادساً: أنّ الحديث جعل كلّا من الخمس و الثلاثين و الخمس و الأربعين

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 110، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 2، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 112، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 2، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 81

بمعنى وجوب مراعاة المطابق منهما (2)، و لو لم تحصل المطابقة إلّا بهما لوحظا معاً (3)، و يتخيّر مع المطابقة بكلٍّ منهما أو بهما (4)، و علىٰ هذا لا يتصوّر صورة عدم المطابقة، بل هي حاصلة في العقود بأحد الوجوه المزبورة (5). نعم فيما اشتمل على النيف و هو ما بين

العقدين من الواحد إلى التسعة لا تتصوّر المطابقة، فتراعىٰ علىٰ وجه يستوعب الجميع ما عدا النيف (6)،

______________________________

و الستّين و الخمس و السبعين و التسعين نصاباً، و الحال أنّه ممّا لم يقل به أحدٌ من العلماء، و لا بدّ فيها أيضاً من إضمار قوله: «فإذا زادت واحدة».

(2) كما في مائة و خمسين؛ و مائة و ستّين مثلًا فإنّه يجب في الأوّل مراعاة الخمسين و ثلاث حقق و في الثاني مراعاة الأربعين و أربع بنات اللبون.

(3) كما في مائة و أربعين؛ فيلاحظ فيها خمسونان و أربعون، فزكاتها حقّتان لخمسينين و بنت لبون لأربعين.

(4) أمّا المطابقة بكلّ منهما كما في المائتين فيتخيّر في الحساب بأربع خمسينات و دفع أربع حقق و الحساب بخمس أربعينات و دفع خمس بنات لبون. و أمّا المطابقة بهما فتتصوّر في المائة و الأربعين، و لا كلام فيه. و إنّما الكلام و الإشكال في التخيير؛ إذ مع المطابقة بهما معاً لوحظا معاً كما تقدّم. و العهدة في الحكم على التخيير في صورة المطابقة بهما على المصنّف (رحمه اللّٰه)، و عليك بالتأمّل فيه.

(5) أي يحصل المطابقة في العقود إمّا بأحدهما فقط كما في مائة و خمسين فيحسب بالخمسين ففيها ثلاث خمسينات و كما في مائة و ستّين فيحسب بالأربعين ففيها أربع أربعينات، أو بكلّ واحد منهما كما في المائتين، أو بهما جميعاً كما في المائة و الأربعين.

(6) أمّا النيف و هو من الواحد إلى التسعة غالباً و المراد هنا ما بين

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 82

و في البقر و منه الجاموس نصابان: ثلاثون و أربعون (7)،

______________________________

العقدين و إن كان أزيد من التسعة، كما في الزائد على الستّ و الأربعين إلى

إحدىٰ و ستّين حيث إنّ ما بين العقدين أربعة عشر، و كما فيما بين إحدى و تسعين، و مائة و إحدى و عشرين و الزائد تسعة و عشرون.

و كيف كان: فلا يمكن مطابقة النيف بأحد الوجوه المذكورة في المتن، و ذلك واضح.

ثمّ إنّ المصنّف (رحمه اللّٰه) ذكر عدّةً من موارد حصول المطابقة بالوجوه المذكورة؛ فقال: «ففي مائة و إحدى و عشرين تُحسب ثلاث أربعينات، و تدفع ثلاث بنات لبون، و في مائة و ثلاثين تُحسب أربعينان و خمسون، فتدفع بنتا لبون و حِقّة، و في مائة و أربعين تُحسب خمسينان و أربعون، فتدفع حِقّتان و بنت لبون، و في مائة و خمسين تُحسب ثلاث خمسينات، فتدفع ثلاث حِقَق، و في مائة و ستّين تُحسب أربع أربعينات، و تدفع أربع بنات لبون، و هكذا إلىٰ أن يبلغ مائتين، فيتخيّر بين أن تُحسب خمس أربعينات و يُعطي خمس بنات لَبون، و أن تُحسب أربع خمسينات و يُعطي أربع حِقَق».

(7) لا خلاف في وجوب الزكاة في الجاموس و أنّ زكاته زكاة البقر. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: في الجواميس شي ء؟ قال

مثل ما في البقر «1»

، و قد ادّعي أنّ الجاموس من جنس البقر.

و أمّا كون نصاب البقر اثنين: ثلاثين و أربعين، فيدلّ عليه صحيح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) قالا في البقر

في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حولي (كلّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 115، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 5، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 83

و في كلّ ثلاثين تَبيع أو تبيعة، و في كلّ أربعين مُسِنّة (8).

______________________________

ذي حافر

أوّل سنته) و ليس في أقلّ من ذلك شي ء، و في أربعين بقرة مسنّة، و ليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي ء حتّى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنّة، و ليس فيما بين الأربعين إلى الستّين شي ء فإذا بلغت ستّين ففيها تبيعان إلى السبعين، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع و مسنّة إلى الثمانين، فإذا بلغت ثمانين ففي كلّ أربعين مسنّة إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات، فإذا بلغت عشرين و مائة ففي كلّ أربعين مسنّة، ثمّ ترجع البقر على أسنانها، و ليس على النيف شي ء و لا على الكسور شي ء. «1».

و لا يخفى: أنّه لا شي ء في البقر حتّى يبلغ ثلاثين، بلا خلاف بين فقهاء المسلمين، إلّا الزهري و سعيد بن المسيّب فإنّهما قالا: في كلّ خمس شاة حتّى يبلغ ثلاثين، فإذا بلغتها ففيها تبيع أو تبيعة.

(8) قال في «المبسوط»: قال أبو عبيدة: تبيع لا يدلّ على سنّ، و قال غيره: إنّما سمّي تبيعاً لأنّه يتبع امّه في الرعي، و فيهم من قال: لأنّ قرنه يتبع اذنه حتّى صارا سواء. فإذا لم يدلّ اللغة على معنى التبيع و التبيعة فالرجوع فيه إلى الشرع و النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قد بيّن و قال: تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة، و قد فسّره أبو جعفر (عليه السّلام) و أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) بالحولي.

و أمّا المسنّة فقالوا أيضاً: فهي التي لها سنتان؛ و هو الثنيّ في اللغة؛ فينبغي أن يعمل عليه، و روى عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّه قال

المسنّة هي الثنيّة فصاعداً «2»

، انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 114، كتاب الزكاة، أبواب زكاة

الأنعام، الباب 4، الحديث 1.

(2) المبسوط 1: 198.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 84

و يجب مراعاة المطابقة هنا فيما تُمكن، ففي ثلاثين تبيع أو تبيعة، و في أربعين مُسِنّة، و ليس إلىٰ ستّين شي ء. فإذا بلغ الستّين فلا يتصوّر عدم المطابقة في العقود؛ إذا لوحظ ثلاثون ثلاثون أو أربعون أربعون أو هما معاً، ففي الستّين يُعدّ بالثلاثين و يدفع تبيعان، و في السبعين يعدّ بالثلاثين و الأربعين فيدفع تبيع و مُسِنّة، و في الثمانين يحسب أربعينان و يدفع مُسِنّتان، و في التسعين يُحسب ثلاث ثلاثينات، و يدفع ثلاث تبيعات، و في المائة يحسب ثلاثونان و أربعون، و يدفع تبيعان و مسنة،

______________________________

و التبيع في اللغة ولد البقرة من غير تقييد بكونه ذكراً؛ ففي «النهاية»: التبيع ولد البقرة أوّل سنة «1». و لكن في «مصباح المنير»: التبيع ولد البقرة في السنة الأُولىٰ، و الأُنثى تبيعة، و جمع المذكّر أتبعة مثل رغيف و أرغفة، و جمع الأُنثى تباع مثل مليحة و ملاح، و سمّي تبيعاً لأنّه يتبع امّه، فهو بمعنى فاعل «2».

و كيف كان: وجه التخيير بين التبيع و التبيعة ما رواه في «المعتبر» «3» من صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السّلام) و أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قالا في البقر

في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة، و ليس في أقلّ من ذلك شي ء حتّى تبلغ أربعين ففيها مسنّة، ثمّ ليس فيها شي ء حتّى تبلغ ستّين ففيها تبيعان أو تبيعتان، ثمّ في سبعين تبيع أو تبيعة و مسنّة و في ثمانين مسنّتان و في تسعين ثلاث تبايع «4»

، انتهى.

______________________________

(1) النهاية، ابن الأثير 1: 179.

(2) المصباح المنير 1: 72.

(3) المعتبر 2: 502.

(4) وسائل الشيعة 9:

114، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 4، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 85

و في المائة و العشر يحسب أربعونان و ثلاثون، و في المائة و العشرين يتخيّر بين أن يحسب أربع ثلاثينات أو ثلاث أربعينات (9).

و في الغنم خمسة نُصُب: أربعون، و فيها شاة، ثمّ مائة و إحدى و عشرون، و فيها شاتان، ثمّ مائتان و واحدة، و فيها ثلاث شياه، ثمّ ثلاثمائة و واحدة، و فيها أربع شياه على الأحوط، و المسألة مُشكلة جدّاً، ثمّ أربعمائة فصاعداً ففي كلّ مائة شاة بالغاً ما بلغ (10).

______________________________

(9) و من الواضح: أنّه لا شي ء فيما دون النصاب الأوّل، و كذا فيما بين النصابين، و فيما تمكن المطابقة تجب مراعاتهما كما في الأمثلة التي ذكرها المصنّف (رحمه اللّٰه)، و خرج ما لم تمكن كالخمسين من البقر حيث إنّه لا يطابق نصاباً. فلا شي ء من الأربعين إلى الستّين؛ فإذا بلغ الستّين فلا يتصوّر عدم المطابقة في شي ء من العقود؛ فالعقود تلاحظ إمّا بالثلاثينات أو بالأربعينات أو بهما معاً.

(10) أصل وجوب الزكاة في الغنم إجماعي من الفريقين، و فيه خمسة نصب. و يدلّ عليه صحيح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) في الشاة

في كلّ أربعين شاة شاة و ليس فيما دون الأربعين شي ء، ثمّ ليس فيها شي ء حتّى تبلغ عشرين و مائة فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فإذا زادت على مائة و عشرين ففيها شاتان، و ليس فيها أكثر من شاتين حتّى تبلغ مائتين فإذا بلغت المأتين ففيها مثل ذلك، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه، ثمّ ليس فيها شي ء أكثر

من ذلك حتّى تبلغ ثلاثمائة فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتّى تبلغ أربعمائة، فإذا تمّت أربعمائة كان علىٰ كلّ مائة شاة و سقط الأمر الأوّل، و ليس على ما دون المائة بعد ذلك شي ء، و ليس في النيف شي ء

و قالا

كلّ ما لم يحل عليه الحول

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 86

..........

______________________________

عند ربّه فلا شي ء عليه، فإذا حال عليه الحول وجب عليه «1».

و لا يخفى: أنّ النصاب الأوّل و هو أربعون شاة هو المشهور، بل ادّعى عليه الإجماع في «المختلف». و النصاب الثاني و هو مائة و إحدى و عشرون و فيها شاتان، و النصاب الثالث و هو مائتان و واحدة و فيها ثلاث شياه هما أيضاً إجماعيان ادّعاهما في «المختلف» و «التذكرة» و «المنتهي» و «المفاتيح» و «الخلاف» و «الغنية» و «الرياض»، و خالف الصدوقان في النصاب الأوّل و قالا: إنّه أربعون و واحدة. و نسب إلى الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا (عليه السّلام). و أجاب في «الدروس» بأنّه نادر، و النصاب الرابع و هو ثلاثمائة و واحدة و فيها أربع شياه هو المشهور، كما في «البيان» و «المسالك» و «مجمع البرهان»، و في «الشرائع»: أنّه الأشهر، و في «النافع»: أنّ روايته أشهر، و في «الخلاف»: ادّعي الإجماع عليه.

و قد احتاط المصنّف (رحمه اللّٰه)، و لعلّ وجهه وجوب تحصيل اليقين بالبراءة في العبادات التوقيفية، و قال في «المقنعة»: فإذا كملت مائتين و زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا بلغت ذلك تركت هذه العبرة و أُخرج من كلّ مائة شاة «2»، و في «الفقيه» و «المقنع»: فإن زادت أي على مائتين

واحدة ففيها ثلاث شياه إلىٰ ثلاثمائة، فإذا كثر الغنم أُسقط هذا كلّه و أُخرج من كلّ مائةٍ شاة «3».

و استدلّ لهذا القول بصحيحة محمّد بن قيس عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي ء، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين و مائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 116، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 6، الحديث 1.

(2) المقنعة: 238.

(3) الفقيه 2: 14/ 36، المقنع: 160.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 87

[ (مسألة 2): تجب الزكاة في كلّ نصاب من النصب المذكورة]

(مسألة 2): تجب الزكاة في كلّ نصاب من النصب المذكورة (11)، و لا تجب فيما نقص عن النصاب (12)، كما لا يجب فيما بين النصابين شي ء غير ما وجب في النصاب السابق؛ بمعنى أنّ ما وجب في النصاب السابق يتعلّق بما بين النصابين إلى النصاب اللاحق، فما بين النصابين عفو؛ بمعنى عدم تعلّق شي ء به أكثر ممّا تعلّق بالنصاب السابق؛ لا بمعنى عدم تعلّق شي ء به رأساً (13).

______________________________

إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة «1».

و لا يخفىٰ: أنّ هذه الصحيحة و إن دلّت على الاحتساب بأنّه لكلّ مائة شاة إذا بلغت الغنم ثلاثمائة و واحدة، بخلاف صحيحة الفضلاء المتقدّمة الدالّة على أنّ الاحتساب المذكور فيما إذا بلغت أربعمائة، لكن الترجيح مع صحيحة الفضلاء؛ لكونه أشهر روايةً و أبعد عن موافقة العامّة؛ قال في «الخلاف»: و قال جميع الفقهاء أبو حنيفة و مالك و الشافعي و غيرهم مثل ذلك، إلّا أنّهم لم يجعلوا بعد المائتين و واحدة أكثر من ثلاث إلى أربعمائة و لم يجعلوا في الثلاثمائة و واحدة أربعاً، كما

جعلناه «2»، انتهى. و النصاب الخامس أربعمائة فصاعداً ففي كلّ مائة شاة بالغاً ما بلغ.

(11) أي نصب الإبل و البقر و الغنم، و قد تقدّم ما يدلّ على وجوب الزكاة فيها.

(12) أي عن النصاب الأوّل في كلّ من الأنعام الثلاثة، و قد تقدّم ما يدلّ على نفي الزكاة في الناقص عن النصاب الأوّل في كلّ من الأنعام الثلاثة.

(13) يعني أنّ عدم وجوب شي ء فيما بين النصابين و أنّ فيه العفو ليس بمعنى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 116، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 6، الحديث 2.

(2) الخلاف 2: 21.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 88

[ (مسألة 3): بنت المخاض: ما دخلت في السنة الثانية]

(مسألة 3): بنت المخاض: ما دخلت في السنة الثانية، و كذا التبيع و التبيعة، و بنت اللبون: ما دخلت في الثالثة، و كذا المُسِنّة، و الحِقّة: ما دخلت في الرابعة، و الجَذَعَة: ما دخلت في الخامسة (14).

______________________________

عدم تعلّق الزكاة به رأساً، بل بمعنى أنّ فيه زكاة. لكن زكاته ليس زائداً على زكاة النصاب السابق، و بعبارة اخرىٰ: أنّ زكاة الزائد على النصاب السابق ما دام لم يبلغ النصاب اللاحق هو زكاة النصاب السابق، و هذا المعنى يستفاد من صريح عبارات بعض الروايات، كما في فقرأت من صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) المتقدّمة حيث قالا (عليهما السّلام)

فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة.

إلى أن قالا (عليهما السّلام)

و ليس فيها أي في الزائدة على مائة و عشرين أكثر من شاتين حتّى تبلغ مائتين، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك.

إلى أن قالا (عليهما السّلام)

فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه «1».

(14) قال في «المبسوط»: و أسنان الإبل التي يؤخذ في

الزكاة أربعة: أوّلها بنت مخاض و هي التي استكملت سنة و دخلت في الثانية، و إنّما سمّيت بنت مخاض لأنّ أُمّها ماخض و هي الحامل، و المخاض اسم جنس لا واحد له من لفظه، و الواحد خلفه. و بنت لبون و هي التي تمّ لها سنتان و دخلت في الثالثة، و سمّيت بنت لبون لأنّ أُمّها قد ولدت و صار لها لبن. و الحقّة و هي التي لها ثلاث سنين و دخلت في الرابعة و سمّيت بذلك لأنّها استحقّت أن يطرقها الفحل، و قيل لأنّها استحقّت أن يحمل عليها. و الجذعة بفتح الذال و هي التي لها أربع سنين و قد دخلت في الخامسة، و هي أكبر سنّ يؤخذ في الزكاة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 116، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 6، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 89

[ (مسألة 4): من وجب عليه من الإبل كبنت المخاض مثلًا و لم تكن عنده، و كان عنده أعلىٰ منها بسنّ]

(مسألة 4): من وجب عليه من الإبل كبنت المخاض مثلًا و لم تكن عنده، و كان عنده أعلىٰ منها بسنّ كبنت اللبون دفعها (15)،

______________________________

فأمّا ما دون بنت مخاض فأوّل ما تنفصل ولدها يقال لها فصيل و يقال له حوار أيضاً، ثمّ بنت مخاض، ثمّ بنت لبون، ثمّ الحقّة، ثمّ الجذع، و قد فسّرناها. فإذا كان له خمس سنين و دخل في السادسة فهو الثني، و إن كان له ستّ سنين و دخل في السابعة فهو رباع و ربّاعيّة، فإن كان له سبع سنين و دخل في الثامنة فهو سديس و سدس، فإذا كان له ثمان سنين و دخل في التاسعة فهو بازل و إنّما سمّي بازلًا لأنّه طلع نابه، و يقال له بازل عام و بازل عامين «1»، انتهى.

(15) و يدلّ عليه

صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال (عليه السّلام)

فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر. «2»

الحديث.

و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال (عليه السّلام)

فإن زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين، فإن لم يكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر «3».

و موثّق زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) قالا (عليهما السّلام)

ثمّ في كلّ خمس شاة حتّى تبلغ خمساً و عشرين، فإذا زادت (واحدة) ففيها ابنة مخاض، فإن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر. «4»

الحديث.

______________________________

(1) المبسوط 1: 192.

(2) وسائل الشيعة 9: 108، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 2، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 109، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 2، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 9: 109، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 2، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 90

و أخذ شاتين أو عشرين درهماً (16)،

______________________________

(16) هذه المسألة إجماعية، و به قال جماعة من العامّة كالنخعي و الشافعي و ابن المنذر.

و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث زكاة الإبل، قال

و كلّ من وجبت عليه جذعة و لم تكن عنده و كانت عنده حقّة دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهماً، و من وجبت عليه حقّة و لم تكن عنده و كانت عنده جذعة دفعها و أخذ من المصدّق شاتين أو عشرين درهماً، و من وجبت عليه حقّة و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة لبون دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهماً، و من وجبت عليه ابنة

لبون و لم تكن عنده و كانت عنده حقّة دفعها و أعطاه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً، و من وجبت عليه ابنة لبون و لم يكن عنده و كانت عنده ابنة مخاض دفعها و أعطى معها شاتين أو عشرين درهماً، و من وجبت عليه ابنة مخاض و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة لبون دفعها و أعطاه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً، و من وجبت عليه ابنة مخاض و لم تكن عنده و كان عنده ابن لبون ذكر فإنّه يقبل منه ابن لبون و ليس يدفع معه شيئاً «1».

و رواية محمّد بن مقرن بن عبد اللّٰه بن زمعة بن سبيع عن أبيه عن جدّه عن جدّ أبيه أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) كتب له في كتابه الذي كتب له بخطّه حين بعثه على الصدقات. إلى أن كتب (عليه السّلام)

و من بلغت صدقته ابنة مخاض و ليست عنده ابنة مخاض و عنده ابنة لبون فإنّه يقبل منه ابنة لبون و يعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً. «2»

الحديث. و هي ضعيفة و إن كان يونس من أصحاب الإجماع؛

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 127، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 13، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 128، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 13، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 91

و إن كان ما عنده أخفض بسنّ دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهماً، و لا يجزي ابن اللبون عن بنت المخاض اختياراً على الأقوىٰ (17).

______________________________

لجهالة محمّد و آبائه الأربعة. و حكي عن «التذكرة» و «المسالك» و «الميسية» جواز الاكتفاء بشاةٍ و عشرة دراهم؛ حملًا لما ورد في الخبرين المزبورين على المثال.

________________________________________

بنى فضل،

مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، در يك جلد، ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس؛ ص: 91

(17) لو لم تكن بنت المخاض عند من وجبت عليه و كان عنده ابن اللبون فلا إشكال في أنّه يجزي ابن اللبون في صورة عدم وجود بنت المخاض عند من وجبت عليه، من غير أن يطالب المؤدّي من المصدّق شيئاً. و يدلّ عليه ذيل صحيحة زرارة المتقدّمة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال (عليه السّلام)

و من وجبت عليه ابنة مخاض و لم تكن عنده و كان عنده ابن لبون ذكر فإنّه يقبل منه ابن لبون و ليس يدفع معه شيئاً «1»

، و مثله رواية ابن سبيع المتقدّمة.

و أمّا كفاية ابن اللبون الذكر عن بنت المخاض اختياراً و حال وجودها ففيه قولان:

الأوّل: أنّه يجزي، اختاره العلّامة (رحمه اللّٰه) في «القواعد»، و عن «إيضاح النافع» أنّه المشهور، و يظهر من ابن زهرة في «الغنية» الإجماع عليه؛ قال: «عندنا أنّ بنت المخاض يساويها في القيمة ابن اللبون الذكر»، و قوّاه في «الجواهر» و علّله بقيام علوّ السنّ مقام الأُنوثة؛ و لذا لم يكن فيه جبران إجماعاً، كما عن العلّامة (رحمه اللّٰه) قال في «التذكرة»: «فإنّ ابن اللبون يجزي عن بنت المخاض، و إن كان قادراً على شراء بنت المخاض، و لا جبران إجماعاً»، بخلاف دفع بنت اللبون، و يرشد إلى إجزاء ابن اللبون الذكر عن بنت المخاض حال الاختيار فتوى الفقهاء بالتخيير في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 127، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 13، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 92

نعم إذا لم يكونا معاً عنده تخيّر في شراء

أيّهما شاء (18)، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بشراء بنت المخاض.

[ (مسألة 5): لا يضمّ مال شخص إلىٰ غيره]

(مسألة 5): لا يضمّ مال شخص إلىٰ غيره؛ و إن كان مشتركاً أو مختلطاً متّحد المسرح و المراح و المشرب و الفحل و الحالب و المحلب، بل يُعتبر في كلّ واحد منهما بلوغ النصاب و لو بتلفيق الكسور، و لا يفرّق بين مالي المالك الواحد و لو تباعد مكانهما (19).

______________________________

ابتياع أيّهما شاء لو لم يكونا عنده.

و القول الثاني: أنّه لا يجزي اختياراً؛ لأنّ الظاهر من قوله في صحيحة زرارة

و من وجبت عليه ابنة مخاض و لم يكن عنده و كان عنده ابن لبون ذكر فإنّه يقبل منه ابن لبون و ليس يدفع معه شيئاً

تعليق إجزاء ابن اللبون على عدم وجدان بنت المخاض، و هذا القول هو الأقوىٰ. و الإجماع المدّعىٰ على الإجزاء حال الاختيار غير ثابت؛ لوجود المخالف في المسألة، كالصدوق في «المقنع» و المفيد في «المقنعة» و الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» و «الخلاف» و ابن إدريس في «السرائر» و المحقّق في «الشرائع» و «النافع» و غيرهم.

(18) و وجه التخيير في الشراء: أنّه يصدق مع شراء ابن اللبون أنّه واجد له و فاقد لبنت المخاض. و نسب إلى الشهيد في «البيان» تعيّن شراء بنت المخاض، و مال إليه في «مجمع البرهان»، و مقتضى الاحتياط شراء بنت المخاض لوجوبها عليه؛ فيجب مقدّمةً لحصول يقين البراءة.

(19) من شرائط وجوب الزكاة بلوغ المال حدّ النصاب في ملك مالك واحد؛ سواء كان ماله مشتركاً أو مختلطاً مع مال الغير أم لا، و سواء كان في مكان واحد أو

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 93

..........

______________________________

أمكنة متعدّدة متقاربة أو متباعدة. فلو بلغ مال مشترك

بين الشخصين أو مال مختلط لمالكين من غير شركة حدّ النصاب و لكن لم يبلغ نصيب كلّ منهما حدّه فلا زكاة عليهما إجماعاً محصّلًا و منقولًا، و وافقنا أبو حنيفة، و قال الشافعي و أحمد: إنّ الاعتبار بوحدة المال و تعدّده بحسب المكان؛ فلو كان في محلّ واحد خمس من الإبل لشخصين وجب الزكاة، و لو كان خمس من الإبل في مكانين لشخص واحد لا يتعلّق به الزكاة.

و يدلّ على ما ذكرنا صحيح محمّد بن قيس عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث زكاة الغنم قال

و لا يفرق بين مجتمع و لا يجمع بين متفرّق «1».

و صحيح محمّد بن خالد أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصدقة، فقال

مُرْ مصدّقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء، و لا يجمع بين المتفرّق و لا يفرق بين المجتمع «2».

و رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث. إلى أن قال: قلت له: مائتي درهم بين خمس أُناس أو عشرة حال عليها الحول و هي عندهم، أ يجب عليهم زكاتها؟ قال

لا، هي بمنزلة تلك يعني جوابه في الحرث ليس عليهم شي ء حتّى يتمّ لكلّ إنسان منهم مائتا درهم

، قلت: و كذلك في الشاة و الإبل و البقر و الذهب و الفضّة و جميع الأموال؟ قال

نعم «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 126، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 11، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 126، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 11، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 151، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 5، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 94

[القول في السوم؛ أي الرعي]
اشارة

القول في السوم؛ أي

الرعي

[ (مسألة 1): يعتبر السوم تمام الحول]

(مسألة 1): يعتبر السوم تمام الحول، فلو علفت في أثنائه بما يخرجها عن اسم السائمة في الحول عرفاً فلا زكاة. نعم لا يقدح بمثل يوم أو يومين، بل عدم قدح أيّام قلائل إذا كانت متفرّقة جدّاً غير بعيد (1).

______________________________

(1) هنا مسائل ثلاث:

الاولى: اشتراط السوم في الأنعام الثلاثة إجماعي من الفريقين، إلّا مالك فإنّه قال بوجوب الزكاة في غير السائمة أيضاً.

و يدلّ عليه في الإبل صحيح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) في حديث زكاة الإبل، قال

و ليس على العوامل شي ء، إنّما ذلك على السائمة الراعية «1».

و صحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): هل على الفرس و البعير يكون للرجل يركبها شي ء فقال

لا، ليس على ما يعلف شي ء، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها المرج هي أرض واسعة لها نبت ترتعها الدابّة عامها الذي يقتنيها فيه الرجل، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شي ء «2».

و يدلّ عليه في البقر صحيح الفضلاء عنهما (عليهما السّلام) في حديث زكاة البقر قال

ليس على النيف شي ء، و لا على الكسور شي ء، و لا على العوامل شي ء، و إنّما الصدقة على السائمة الراعية «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 118، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 7، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 119، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 7، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 9: 119، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 7، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 95

..........

______________________________

و يدلّ عليه في الغنم موثّق زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن صدقات الأموال، فقال

في تسعة أشياء ليس في غيرها شي ء في الذهب و الفضّة

و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم السائمة و هي الراعية و ليس في شي ء من الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شي ء، و كلّ شي ء كان من هذه الثلاثة الأصناف فليس فيه شي ء حتّى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج «2».

المسألة الثانية: يشترط السوم في الأنعام في تمام الحول، و المسألة إجماعية نقلًا و تحصيلًا. و يدلّ عليه صحيح زرارة المتقدّم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل. «3».

المسألة الثالثة: هل يشترط السوم في تمام الحول بحيث لو أكل يوماً من علف المالك لم يجب عليه الزكاة، أو يشترط في غالب الحول بحيث لا يضرّ العلف في بعض الحول؟

في المسألة أقوال:

الأوّل: أنّ المعتبر في السوم هو الغالب، اختاره الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف»؛ قال في «المبسوط»: فإن كانت المواشي معلوفة أو للعمل في بعض الحول و سائمة في بعضه حكم بالأغلب، فإن تساويا فالأحوط إخراج الزكاة، فإن قلنا لا يجب فيها الزكاة كان قوياً؛ لأنّه لا دليل على وجوب ذلك في الشرع، و الأصل براءة الذمّة «1». و قال في «الخلاف»: و إن كان البعض و البعض حكم للأغلب و الأكثر، و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي: إذا كانت سائمة في بعض الحول

______________________________

(2) وسائل الشيعة 9: 57، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 8، الحديث 9.

(3) وسائل الشيعة 9: 119، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 7، الحديث 3.

(1) المبسوط 1: 198.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 96

[ (مسألة 2): لا فرق في سقوط الزكاة في المعلوفة بين أن تعلف بنفسها، أو علّفها مالكها، أو غيره]

(مسألة 2): لا فرق في سقوط الزكاة في المعلوفة بين

أن تعلف بنفسها، أو علّفها مالكها، أو غيره من ماله، أو من مال المالك بإذنه، أو لا (2).

______________________________

و معلوفة في بعض الحول سقطت الزكاة «1».

الثاني: انقطاع الحول بالعلف و لو في يوم واحد، و هو مختار ابن إدريس؛ قال في «السرائر»: فليس في شي ء منها زكاة إلّا إذا كانت سائمة طول الحول بكماله «2». و اختاره المحقّق في «الشرائع» و «المعتبر»؛ قال في «الشرائع»: و لا بدّ من استمرار السوم جملة الحول؛ فلو علفها بعضاً و لو يوماً استأنف الحول عند استئناف السوم، و لا اعتبار باللحظة عادة «3». و في «المعتبر» بعد حكاية انقطاع السوم بالعلف و لو يوماً واحداً عن الشافعي قال: و ما ذهب إليه الشافعي جيّد «4».

الثالث: أنّه لا ينقطع بعلف اليوم في السنة، و في انقطاعه بالعلف في الشهر تردّد، و الأقرب بقاء السوم، اختاره الشهيد (رحمه اللّٰه) في «الدروس» «5».

الرابع: صدق الاسم عرفاً، و هو المشهور بين المتأخرين.

(2) و ذلك لأنّ متعلّق وجوب الزكاة هي السائمة، و لا يصدق هذا الاسم في شي ء ممّا ذكر في المتن ممّا علفت بنفسها أو علفها مالكها أو علفها غير مالكها؛ سواء علف غير المالك من مال نفسه أو من مال مالكها، و فيما علف من مال المالك

______________________________

(1) الخلاف 2: 53.

(2) السرائر 1: 445.

(3) شرائع الإسلام 1: 132.

(4) المعتبر 2: 507.

(5) الدروس الشرعية 1: 233.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 97

كما لا فرق بين أن يكون بالاختيار أو للاضطرار أو لوجود مانع عن السوم من ثلج و نحوه (3)،

______________________________

سواء كان بإذن المالك أو بدون إذنه، ففي هذه الصور كلّها يصدق عليها أنّها معلوفة ساقطة عنها الزكاة.

و قال العلّامة (رحمه

اللّٰه) في «التذكرة»: لو علفها غير المالك من مال نفسه لا من مال المالك فالأقرب إلحاقها بالسائمة؛ لعدم المئونة حينئذٍ «1» و في «المسالك»: أنّه لا يخلو من وجه «2»، و احتمله في «البيان» «3»، و قيّده في «الجواهر» بما لو علّفها الغير بغير إذن المالك «4».

و فيه: أنّ المالك لا يضمنه و إن كان تعليف الغير ماله بإذن المالك. و كيف كان: فعلى ما ذكره العلّامة (رحمه اللّٰه) يلزم ثبوت الزكاة فيما لو علّفها الغير من مال المالك بغير إذنه؛ لكون الغير ضامناً على المالك؛ فلا مئونة على المالك، فتكون لاحقة بالسائمة.

و يرد على العلّامة (رحمه اللّٰه): أنّه يصدق عليها على كلّ حال اسم المعلوفة، و لا تصدق عليها السائمة الراعية. و تعليل ثبوت الزكاة في صورة تعليف غير المالك من مال نفسه بعدم المئونة على المالك لا يصلح لتقييد الإطلاق.

(3) العلف بالاضطرار يكون بأن تهجم الأنعام على المزرعة مثلًا و لا يقدر المالك من منعها، و وجه عدم الفرق هو إطلاق ما يعلف المنفي عنه وجوب الزكاة

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 48.

(2) مسالك الأفهام 1: 370.

(3) البيان: 285.

(4) جواهر الكلام 15: 96.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 98

و كذا لا فرق بين أن يعلفها بالعلف المجزوز أو يرسلها لترعى بنفسها في الزرع المملوك، فإنّها تخرج عن السوم بذلك كلّه. نعم الظاهر عدم خروجها عن صدق السوم باستئجار المرعىٰ أو بشرائه إذا لم تكن مزروعاً (4)،

______________________________

في صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): هل على الفرس و البعير يكون للرجل يركبها شي ء؟ فقال

لا، ليس على ما يعلف شي ء. «1»

الخبر.

(4) و قال صاحب «الجواهر» بالفرق و أنّ رعيها بنفسها

في الزرع المملوك لا ينافي صدق اسم السائمة، و كذا لو بذل المالك مالًا كثيراً للظالم مصانعة على الرعي في الكلاء في الأراضي المباحة، و هكذا لو استأجر أرضاً للرعي و بذل الأُجرة. و حكى عن بعض مشايخه وجوب الزكاة فيما أرسلها لترعى بنفسها في الزرع المملوك؛ قال: و السوم لغة الرعي، و وصف السائمة بالراعية في النصّ للكشف، و لا مدخلية للمئونة فيه و عدمها؛ و لذا صدق عليها الاسم و إن صانع المالك الظالم على رعيها في الكلاء بالكثير، بل و كذا لو استأجر أرضاً للرعي.

بل قال بعض مشايخنا: إنّه كذلك حتّى لو اشترى لها مرعى؛ قال: لأنّ الظاهر أنّ الرعي في المرعىٰ سومٌ ملكاً كان أو غيره كما هو مقتضى اللغة و العرف، و لعدم ظهور الفرق بين شراء المرعى و استئجاره الأرض للرعي.

و احتماله لكون الغرامة في مقابلة الأرض دون الكلاء إذ مفهوم الأُجرة لا يتناوله غير واضح بعد ما عرفت من عدم كون المدار على الغرامة و عدم المئونة و لا على ملك العلف و غيره، بل على صدق الاسم في النصّ و الفتوى. فاعتبار الملك في العلف و عدمه في السوم كما في «فوائد الشرائع» في غير محلّه «2»، انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 119، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 7، الحديث 3.

(2) جواهر الكلام 15: 96.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 99

ثمّ إنّ ما يخلّ به هو الرعي في الأراضي المعدّة للزرع؛ إذا كان مزروعاً على النحو المتعارف المألوف، و أمّا لو فرض بذر البذور التي هي من جنس كلأ المرعىٰ في المراتع من غير عمل في نمائها، فلا يبعد عدم إخلاله بالسوم مع الرعي

فيها (5). و كذا لا تخرج عنه بما يدفع إلى الظالم على الرعي في الأرض المباحة (6).

______________________________

و لا يخفىٰ ما فيه من حكم العرف بالفرق بين العلف الذي يملكه المالك بشراء نفس العلف النابت في الأرض و هو كالعلف المجزوز فالأنعام المرسلة للرعي فيها معلوفة، و بين العلف الذي يملكه المالك بشراء المرعىٰ و الأرض التي فيها نبت و هو كعلف البرّية فالأنعام المرسلة للرعي فيها سائمة، من غير فرق في العلف بين الزرع و النبت؛ فلو اشترى بستاناً فيه نبت أو زرع من غير أن يقابل النبت بمقدار من الثمن و أرسلها للرعي فيه تجب الزكاة فيها؛ لصدق السائمة عليها.

(5) يعني أنّ المعيار في المعلوفة و السائمة الراعيتين في الأراضي النابت فيها العلف هو أنّه إن كانت الأرض معدّة للزرع و زرع مالكها بذور الزرع المتعارفة في الزراعة فالراعية فيها معلوفة، و إن لم تكن معدّة للزراعة المتعارفة بل نبت فيها العلف بطبيعتها أو بذر فيها البذور الغير المتعارفة في الزراعة كالبذور التي هي من جنس كلاء المرعىٰ في المراتع من غير عمل في نمائها فالراعية فيها سائمة.

(6) لأنّ ما يدفع إلى الظالم مصانعة ليس إلّا كما يدفع إلى الراعي لرعي الأنعام و نحوه من المؤن، و قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» في الفرق بين السائمة و المعلوفة بلزوم المئونة في المعلوفة و عدمها في السائمة «1».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 47.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 100

[القول في الحول]
اشارة

القول في الحول

[ (مسألة 1): يتحقّق الحول بتمام الأحد عشر]

(مسألة 1): يتحقّق الحول بتمام الأحد عشر (1)،

______________________________

(1) الحول في اللغة السنة، و هي اثنا عشر شهراً كاملة، و المراد به فيما اشترط وجوب الزكاة فيه به هو أحد عشر شهراً تماماً، و هذا المعنىٰ ممّا لا خلاف فيه عند الأصحاب، بل هو مجمع عليه نقلًا و تحصيلًا.

و قد عبّر عنه في بعض العبارات بتمام الأحد عشر أو مضيّه و في بعضها بحلول الشهر الثاني عشر؛ ففي «المبسوط»: إذا استهلّ الشهر الثاني عشر فقد وجب فيه الزكاة. و في «المقنعة»: و كلّ ما تجب فيه الزكاة إذا حلّ الشهر الثاني عشر من السنة عليه فقد وجبت فيه الزكاة. و في «التذكرة»: حولان الحول مضيّ أحد عشر شهراً كاملة. و في «الدروس»: الحول و هو مضيّ أحد عشر شهراً كاملة. و في «المسالك»: اعلم أنّ الحول لغة اثنى عشر شهراً، و لكن أجمع أصحابنا على تعلّق الوجوب بدخول الثاني عشر، و قد أطلقوا على الأحد عشر اسم الحول أيضاً، انتهى. و في «مستند الشيعة»: حدّ الأصحاب الحول المعتبر في الزكاة بتمام أحد عشر شهراً أو دخول الثاني عشر. و في «مصباح الفقيه» و حدّ الحول المعتبر في وجوب الزكاة أن يمضي أحد عشر شهراً ثمّ يهلّ الثاني عشر، فعند هذا تجب و لو لم تكمل أيّام الحول. و في «الجواهر»: فحدّه بالنسبة إلى تعلّق الخطاب بالزكاة أن يمضي أحد عشر شهراً هلالياً مع عدم الانكسار ثمّ يهلّ الثاني عشر، فعند هلاله تجب و لو لم تكمل أيّام الحول الذي هو الاثني عشر. و غيرها من عبارات القوم.

و قد استعمل «الحول» في هذا المعنى في صحيحة زرارة و محمّد بن مسلم

مدارك تحرير الوسيلة

- الزكاة و الخمس، ص: 101

و الظاهر أنّ الزكاة تنتقل إلىٰ أربابها بحلول الشهر الثاني عشر، فتصير ملكاً متزلزلًا لهم، فيتبعه الوجوب غير المستقرّ، فلا يجوز للمالك التصرّف في النِّصاب تصرّفاً مُعدِماً لحقّهم، و لو فعل ضمن. نعم لو اختلّ أحد الشروط من غير اختيار، كأن نقص من النصاب بالتلف في خلال الشهر الثاني عشر، يرجع الملك إلىٰ صاحبه الأوّل و ينقطع الوجوب (2).

______________________________

قالا: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أيّما رجل كان له مال فحال عليه الحول فإنّه يزكّيه

، قلت له: فإن وهبه قبل حلّه بشهر أو بيوم؟ قال

ليس عليه شي ء أبداً

، قال: و قال زرارة عنه: إنّه قال

إنّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوماً في إقامته ثمّ خرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفّارة التي وجبت عليه

، و قال

إنّه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة.

إلى أن قال زرارة: و قلت له: رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فراراً بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلّها بشهر؟ فقال

إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليه الحول و وجبت عليه فيها الزكاة. «1»

الخبر. و اختصاص الخبر بالنقد غير ضائر؛ لعدم الفاصل في الحول بين النقد و الأنعام.

(2) اختلف فقهاؤنا بعد اتّفاقهم على تعلّق الخطاب بالزكاة و وجوبها بحلول الشهر الثاني عشر في أنّ الوجوب هل يستقرّ بحلول الشهر الثاني عشر و تنتقل الزكاة إلى أربابها بحلوله بحيث لو اختلّ بعض الشروط في خلال الشهر الثاني عشر و لو بنقص النصاب بالتلف يضمنها لأربابها، أو لا يستقرّ الوجوب بحلول الشهر الثاني عشر، بل هي ملك متزلزل لأربابها و

يرجع ملكها إلى صاحبها الأوّل و ينقطع

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 163، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 12، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 102

..........

______________________________

الوجوب؟ و هذا القول ذهب إليه المصنّف (رحمه اللّٰه) تبعاً للشهيدين و المحقّق الكركي و الفاضل الميسي.

قال النراقي في «مستند الشيعة»: أنّه بدخول الثاني عشر مستجمعاً للشرائط تجب الزكاة و لا يضرّ اختلال بعض الشروط بعده و لا يجوز التأخير على القول بالفورية، و لو أخّر كان ضامناً، إلى غير ذلك من آثار الوجوب، و هذا هو معنى الوجوب المستقرّ الذي ذكروه.

و منهم من قال: إنّ الوجوب بذلك المعنى إنّما يتحقّق بتمام الثاني عشر، و المتحقّق بدخوله إنّما هو الوجوب المتزلزل، و هو الذي اختاره في «المسالك»؛ لأنّ الثابت من الإجماع ليس إلّا تحقّق الوجوب بدخول الثاني عشر، و هو أعمّ من المستقرّ و إن كان ظاهراً فيه «1»، انتهى.

و لعلّ وجه الوجوب الغير المستقرّ هو مقتضى الجمع بين ما دلّ على وجوب الزكاة بالدخول في الشهر الثاني عشر كصحيحة زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّمة «2»، و بين ما دلّ «11» على اشتراط الحول في بعض شروط وجوب الزكاة كالملك و تمام التمكّن من التصرّف فيما يعتبر فيه الحول و بقاء النصاب؛ فإنّ الظاهر من الصحيحة هو الوجوب المستقرّ، و الظاهر من الحول المشروط به بعض الشروط هو الحول الحقيقي أعني تمام الاثني عشر شهراً و مقتضى الجمع حمل الصحيحة على الوجوب المتزلزل، و ما دلّ على اشتراط بعض الشروط بالحول على الوجوب المستقرّ مع إبقاء لفظ الحول فيها على حقيقته.

______________________________

(1) مستند الشيعة 9: 68.

(2) وسائل الشيعة 9: 163، كتاب الزكاة، أبواب زكاة

الذهب و الفضّة، الباب 12، الحديث 2.

(11) راجع وسائل الشيعة 9: 93، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 103

و الأقوى احتساب الشهر الثاني عشر من الحَول الأوّل لا الثاني (3)،

______________________________

و فيه: أنّ الصحيحة المتقدّمة قد صرّح فيها بالمراد من الحول في وجوب الزكاة و أنّه أحد عشر شهراً تامّاً، و بها يقيّد أدلّة اشتراط بعض الشروط بالحول و أنّ المراد من الحول المشروط به بعض الشروط هو الدخول في الثاني عشر. فالأقوىٰ وفاقاً ل «العروة الوثقىٰ» و أكثر محشّيها هو الوجوب المستقرّ بحلول الشهر الثاني عشر، و لا يقدح فقد بعض الشروط قبل تمامه.

(3) و هو المختار عندنا، قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة»: في احتساب الثاني عشر من الحول الأوّل أو الثاني إشكال ينشأ من أنّه من تمام الأوّل حقيقة و من صدق الحولان باستهلال الثاني عشر «1»، انتهى.

و في «الجواهر»: يمكن القول باحتسابه من الأوّل و إن حصل الاستقرار بالأحد عشر؛ جمعاً بين الحسن المزبور بإبراهيم بن هاشم، و هو ثقة عندنا و الرواية صحيحة و ما دلّ على أنّ الزكاة في كلّ سنة مرّة كرواية خالد بن الحجّاج الكرخي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الزكاة، فقال

انظر شهراً من السنة فانوِ أن تؤدّي زكاتك فيه، فإذا دخل ذلك الشهر فانظر ما نضّ يعني ما حصل في يدك من مالك فزكّه، و إذا حال الحول من الشهر الذي زكّيت فيه فاستقبل بمثل ما صنعت، ليس عليك أكثر منه «2»

فيحتسب حينئذٍ الثاني عشر

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 51.

(2) وسائل الشيعة 9: 166، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب

13، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 104

..........

______________________________

من الأوّل، و إن استقرّ الوجوب قبله. إلى أن قال (رحمه اللّٰه): و عليه يحمل أخبار منادي النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «1»، انتهى.

و من تلك الأخبار: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لمّا نزلت آية الزكاة خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا في شهر رمضان فأمر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) مناديه فنادى في الناس: إنّ اللّٰه تبارك و تعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة.

إلى أن قال

ثمّ لم يتعرّض لشي ء من أموالهم حتّى حال عليهم الحول من قابل، فصاموا و أفطروا، فأمر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) مناديه فنادىٰ في المسلمين: أيّها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم، ثمّ وجّه عمّال الصدقة و عمّال الطسوق «2»

، الطسق كفلس، و الطسوق الوظيفة من خراج الأرض المقرّرة لها.

قال في «المستمسك» حكايةً عن غير واحد: إنّ كون الشهر الثاني عشر محسوباً من السنة الأُولى أو من السنة الثانية مبني على التصرّف بالحولان أو الحول؛ إذ على الثاني يكون كلّ أحد عشر شهراً حولًا؛ فلا بدّ من احتساب الشهر الثاني عشر من السنة الثانية، و على الأوّل يكون الحول باقياً على معناه أعني اثنى عشر شهراً غاية الأمر: يكون حولان الاثني عشر بدخول الثاني عشر، و حينئذٍ فما دلّ على كون الزكاة في كلّ سنة مرّة المصرّح به أو المشار إليه في النصوص لا معارض له «3»، انتهى.

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 100.

(2) وسائل الشيعة 9: 9، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 1، الحديث

1.

(3) مستمسك العروة الوثقىٰ 9: 97.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 105

و أمّا الشهر الأحد عشر فكما ينقطع الحول باختلال أحد الشروط فيه بغير اختيار، جاز له التصرّف في النصاب بما يوجب اختلالها؛ بأن عاوضها بغير جنسها و إن كان زكويّاً، أو بجنسها كغنم سائمة ستّة أشهر بغنم، أو بمثلها كالضأن بالضأن أو غير ذلك (4)،

______________________________

(4) المشهور شهرة عظيمة: أنّه كما ينقطع الحول و ينتفي وجوب الزكاة باختلال أحد شروط وجوبها في خلال الشهر الأحد عشر و كذا قبله بغير اختيار، كذلك ينقطع بالتصرّف الاختياري الجائز للمالك؛ و ذلك لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه. و يدلّ عليه صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم قالا: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أيّما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنّه يزكّيه

، قلت له: فإن وهبه قبل حلّه بشهر أو بيوم؟ قال

ليس عليه شي ء أبداً.

إلى أن قال: قلت له: فإن أُحدث فيها قبل الحول؟ قال

جائز ذلك له «1».

و رواية زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): رجل كانت عنده دراهم أشهراً فحوّلها دنانير فحال عليها منذ يوم ملكها دراهم حولًا أ يزكّيها؟ قال

لا.

«2» الخبر، هذه الرواية ضعيفة بمحمّد بن معروف المجهول حاله و إسماعيل بن سهل الدهقان الكاتب، قال النجاشي: إنّه ضعّفه أصحابنا.

و صحيح عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضاً أو داراً أ عليه شي ء؟ فقال

لا، و لو جعله حلياً أو نقراً فلا شي ء عليه، و ما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ اللّٰه الذي يكون فيه «3»

، حيث

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 163، كتاب

الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 12، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 165، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 12، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 9: 159، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 11، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 106

بل الظاهر بطلان الحول بذلك و إن فعله فراراً من الزكاة (5).

______________________________

إنّ الفرار من الزكاة يكون قبل الحول.

و قد تعرّض المصنّف (رحمه اللّٰه) لبعض موارد التصرّف الاختياري الموجب لاختلال الحول: منها تعويض المال الزكوي بغير جنسها و إن كان زكوياً، كتعويض خمسة من الإبل بأربعين شاة مثلًا. و منها: تعويضه بجنسه، كتعويض أربعين غنماً سائمة ستّة أشهر بأربعين سائمة ستّة أشهر، و إن لم يكن العوض من نوع المعوّض بأن يكون أحدهما معزاً و الآخر ضأناً، أو تعويضه بمثله كالضأن بالضأن.

و حكي عن فخر الدين في «شرح الإرشاد» نسبة القول بثبوت الزكاة و وجوبها فيما عاوضه بجنسه مع انعقاد الحول عليه إلى الشيخ (رحمه اللّٰه) في «المبسوط» و اختياره، قال: إذا عاوض النصاب بعد انعقاد الحول عليه مستجمعاً للشرائط بغير جنسه و هو زكوي أيضاً كما لو عاوض أربعين شاة بثلاثين بقرة مع وجود الشرائط في الاثنين انقطع الحول، و ابتداء الحول الثاني من حين تملّكه. و إن عاوضه بجنسه و قد انعقد عليه الحول أيضاً مستجمعاً للشرائط لم ينقطع الحول بل بني على الحول الأوّل، و هو قول الشيخ أبي جعفر الطوسي (رحمه اللّٰه) «1»، انتهى.

و قد استدلّ على هذا القول بأنّ من عاوض أربعين سائمة ستّة أشهر بأربعين سائمة كذلك يصدق عليه أنّه ملك أربعين سائمة طول الحول.

(5) اختلف فقهاؤنا و كذا فقهاء العامّة في

وجوب الزكاة علىٰ من فرّ منها و عدمه؛ المشهور شهرة عظيمة أنّه لا تجب؛ لصحيح علي بن يقطين عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال

لا تجب الزكاة فيما سبك

، قلت: فإن كان سبكه فراراً من

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 15: 102.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 107

..........

______________________________

الزكاة؟ قال

أ لا ترى أنّ المنفعة قد ذهبت منه؛ فلذلك لا يجب عليه الزكاة «1».

و صحيح عمر بن يزيد المتقدّم، فراجع.

و صحيح هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّ أخي يوسف ولي لهؤلاء القوم أعمالًا أصاب فيها أموالًا كثيرة و إنّه جعل ذلك المال حلياً أراد أن يفرّ به من الزكاة، أ عليه الزكاة؟ قال

ليس على الحلي زكاة، و ما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه و منعه نفسه فضله أكثر ممّا يخاف من الزكاة «2».

و موثّق زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ أباك قال

من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها

، فقال

صدق أبي، إنّ عليه أن يؤدّي ما وجب عليه، و ما لم يجب عليه فلا شي ء عليه منه.

إلى أن قال (عليه السّلام)

و كذلك الرجل لا يؤدّي عن ماله إلّا ما حلّ عليه «3».

و في صحيح زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قلت له: فإن أحدث فيها قبل الحول؟ قال

جائز ذلك له

، قلت: إنّه فرّ بها من الزكاة؟ قال

ما أدخل على نفسه أعظم ممّا منع من زكاتها «4».

و هذه الروايات و إن وردت في تبديل الدراهم و الدنانير أو سبكهما أو جعلهما حلياً لكنّها يستدلّ بها على ما نحن فيه من تبديل جنس الزكوي

بغيره بطريق أولىٰ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 160، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 11، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 160، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 11، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 9: 161، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 11، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 9: 163، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 12، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 108

..........

______________________________

و قال المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة»: فإذا صيغت الدنانير حلياً أو سبكت سبيكة لم يجب فيها زكاة، و لو بلغت في الوزن مائة أو ألفاً. و كذلك لا زكاة في التبر التبر بكسر التاء: الذهب الغير المضروب أو غير المسكوك قبل أن يضرب دنانير، و قد روي أنّه إذا فرّ بها من الزكاة لزمته زكاتها عقوبةً، و لا ينفعه فراره بسبكها و صياغتها «1»، انتهى.

و للشيخ الطوسي (رحمه اللّٰه) في المسألة أقوال في كتبه: قال في «الخلاف» يكره للإنسان أن ينقص نصاب ماله قبل حلول الحول فراراً من الزكاة، فإن فعل و حال عليه الحول و هو أقلّ من النصاب فلا زكاة عليه، و به قال أبو حنيفة و أصحابه و الشافعي، و قال بعض التابعين: لا ينفعه الفرار منها، فإذا حال عليه الحول و ليس معه نصاب أُخذت الزكاة منه، و به قال مالك.

و قال في المسألة 66: إذا كان معه نصاب من جنس واحد ففرّقه في أجناس مختلفة فراراً من الزكاة لزمته الزكاة إذا حال عليه الحول على أشهر الروايات «2»، انتهى. فهو (رحمه اللّٰه) قائل بعدم الوجوب فيما نقص عن النصاب و بالوجوب فيما فرّقه في أجناس مختلفة فراراً من

الزكاة.

و قال في «المبسوط»: فأمّا سبائك الذهب و الفضّة فإنّه لا يجب فيها الزكاة إلّا إذا قصد بذلك الفرار، فيلزمه حينئذٍ الزكاة «3»، انتهى.

و قال في «الخلاف»: لا زكاة في سبائك الذهب و الفضّة. و متى اجتمع معه دراهم أو دنانير و معه سبائك أو نقار النقار جمع النقرة؛ و هي القطعة المذابة من

______________________________

(1) المقنعة: 235.

(2) الخلاف 2: 56 57.

(3) المبسوط 1: 210.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 109

..........

______________________________

الذهب و الفضّة أُخرج الزكاة من الدراهم و الدنانير إذا بلغا النصاب و لم يضمّ السبائك و النقار إليهما، و قال جميع الفقهاء: يضمّ بعضها إلى بعض، و عندنا أنّه يلزمه إذا قصد به الفرار من الزكاة «1»، انتهى.

و قال في «النهاية» بالاستحباب، قال: فإذا كانا سبائك أو حلياً فلا تجب فيها الزكاة إلّا أن يقصد صاحبهما به الفرار من الزكاة، فمتى فعل صاحبها ذلك قبل حال وجوب الزكاة استحبّ له أن يخرج عنهما الزكاة «2»، انتهى.

و يظهر منه (رحمه اللّٰه) في «التهذيب» عدم وجوب الزكاة على من فرّ عنها، قال: و الذي لا يلزمه زكاته هو أن يجعله حلياً في أوّل السنة أو قبل أن تجب الزكاة فيه ثمّ استمرّ به الحال «3».

و قد يستدلّ على وجوب الزكاة على من فرّ عنها بموثّقة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: الرجل يجعل لأهله الحلي. إلى أن قال: قلت له: فإنّه فرّ به من الزكاة؟ فقال

إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة «4».

و موثّق محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الحلي فيه زكاة؟ قال

لا، إلّا ما فرّ به من الزكاة

«5».

أقول: و مقتضى الجمع بين الأخبار المثبتة للزكاة على من فرّ منها و الأخبار النافية، حمل الأخبار المثبتة على الاستحباب، كما فعله الشيخ (رحمه اللّٰه) في الاستبصار «11»،

______________________________

(1) الخلاف 2: 77.

(2) النهاية: 175.

(3) تهذيب الأحكام 4: 9/ ذيل الحديث 26.

(4) وسائل الشيعة 9: 162، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 11، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 9: 162، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 11، الحديث 7.

(11) الاستبصار 2: 11/ ذيل الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 110

[ (مسألة 2): لو كان مالكاً للنصاب لا أزيد فحال عليه أحوال]

(مسألة 2): لو كان مالكاً للنصاب لا أزيد فحال عليه أحوال، فإن أخرج في كلّ سنة زكاته من غيره تكرّرت لبقاء النصاب حينئذٍ و عدم نقصانه. نعم لو أخّر إخراج الزكاة عن آخر الحول و لو بزمان يسير كما هو الغالب يتأخّر مبدأ الحول اللاحق عن تمام الحول السابق بذلك المقدار، فلا يجري النصاب في الحول الجديد، إلّا بعد إخراج زكاته من غيره (6)، و لو أخرج زكاته منه أو لم يخرج أصلًا، ليس عليه إلّا زكاة سنة واحدة (7)،

______________________________

و استدلّ عليه بصحيحة هارون بن خارجة المتقدّمة حيث إنّ في الفرار عن الزكاة منع نفسه فضلها و هو مشعر بالاستحباب، و إنّ الزكاة فضلها أكثر. و هو (رحمه اللّٰه) احتمل حملها على الوجوب على من فرّ به من الزكاة إذا صاغه بعد حلول الحول و وجوب الزكاة في ذمّته فإنّه يلزمه على كلّ حال و لا يسقط عنه، و استدلّ عليه بموثّقة زرارة المتقدّمة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام).

و أمّا الجمع بينهما بحمل أخبار نفي الزكاة على التقية، ففيه: أنّ حمل الأخبار النافية على التقية إنّما يصار إليه مع

عدم إمكان الجمع العرفي، و قد عرفت حمل المثبتة على الاستحباب من «الاستبصار».

(6) وجه تأخّر مبدأ الحول اللاحق عن تمام الحول السابق بمقدار مدّة تأخير الزكاة عن انتهاء حولها السابق، هو أنّ حين دفع الزكاة زمان ملك النصاب، و هذا الزمان مبدأ الحول. و إليه أشار المصنّف (رحمه اللّٰه) بقوله: «فلا يجري النصاب في الحول الجديد إلّا بعد إخراج زكاته من غيره».

(7) لأنّ المفروض كونه مالكاً للنصاب لا أزيد، و بإخراج زكاة سنة واحدة يحصل النقص في النصاب و لا زكاة في الناقص، هذا بناءً على تعلّق الزكاة بالعين.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 111

و لو كان مالكاً لما زاد عن النصاب، و مضىٰ عليه أحوال و لم يؤدِّ زكاته، تجب عليه زكاة ما مضى من السنين بما زاد علىٰ تلك الزيادة بواحد، فلو كان عنده واحدة و أربعون من الغنم، و مضىٰ عليه أحوال و لم يؤدِّ زكاتها، تجب عليه زكاة سنتين (8).

و لو كان عنده اثنتان و أربعون تجب عليه زكاة ثلاث سنين و هكذا، و لا تجب فيما زاد لنقصانه عن النصاب (9).

______________________________

و أمّا بناءً علىٰ تعلّقه بالذمّة تكرّرت الزكاة في كلّ سنة، و لو وصل إلى حدّ يستوعب تمام المال الزكوي أو يزيد عليه بتعاقب سنين متمادية؛ فلو كان له أربعون من الغنم و مضت عليها أربعون و واحدة سنة تجب عليه أزيد من أربعين بواحدة.

(8) لأنّ النصاب الأوّل و هو أربعون شاة محفوظ بإخراج زكاة السنة الاولىٰ؛ فيجب إخراج زكاة السنة الثانية من أربعين شاة، و لا زكاة للسنة الثالثة و ما بعدها؛ لنقصان النصاب.

(9) و ذلك واضح، و في «الجواهر» مزجاً بمتن «الشرائع»: و كذا لو

كان عنده ستّ و عشرون من الإبل و مضىٰ عليها حولان وجب عليه للحول الأوّل بنت مخاض فينقص النصاب، و يرجع في السنة الأُخرى إلىٰ نصاب الخمس و عشرين فيجب فيه خمس شياه، فإن مضى عليها ثلاثة أحوال وجب عليه للأوّل بنت مخاض و للثاني خمسة شياه و للثالث أربع شياه؛ لنقصانه عن نصاب الخمس و عشرين بالسنة الثانية فيرجع إلى نصاب العشرين الذي فيه أربع، و يكون المجموع حينئذٍ تسع شياه «1»، انتهىٰ.

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 150.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 112

[ (مسألة 3): مالك النصاب إذا حصل له في أثناء الحول ملكٌ جديد بالنتاج أو بالإرث أو الشراء و نحوها]

(مسألة 3): مالك النصاب إذا حصل له في أثناء الحول ملكٌ جديد بالنتاج أو بالإرث أو الشراء و نحوها، فإن كان بمقدار العفو، و لم يكن نصاباً مستقلا و لا مكمّلًا لنصاب آخر، فلا شي ء عليه، كما إذا كانت عنده أربعون من الغنم فولدت أربعين، أو خمس من الإبل فولدت أربعاً. و أمّا لو كان نِصاباً مستقلا، كما لو ملك في أوّل السنة خمساً من الإبل، و بعد ستة أشهر ستّاً و عشرين، أو مكمّلًا لنصاب آخر؛ بأن كان بمقدار لو انضمّ إلى الأصل بعد إخراج الفريضة خرج من ذلك النصاب و دخل في نصاب آخر، كما لو ولدت أحد و ثلاثون من البقر عشراً، أو ثلاثون منه أحد عشر، و منه ما إذا ملك خمساً من الإبل ثمّ ملك بعد ستّة أشهر مثلًا خمساً، فإنّ تلك الخمس مكمّلة للخمس السابقة و ليست مستقلّة، فالخمس نصاب، و العشر نصاب واحد آخر، لا نصابان، و خمس عشرة نصاب واحد فيه ثلاث شياه، ففي الأوّل يعتبر لكلّ من القديم و الجديد حول بانفراده، ففي المثال المتقدّم يجب عليه في آخر

سنة الخمس شاة، و في آخر سنة الجديد بنت مخاض، ثمّ يترك سنة الخمس و يستأنف للمجموع حَولًا، و كذا لو ملك في أثناء السنة نصاباً مستقلا كستٍّ و ثلاثين و ستٍّ و أربعين و هكذا، و يكون مبدأ حول النتاج أو الملك الجديد حصول الأخير الذي يكمّل به النصاب لو كان التحقّق متفرّقاً، و في الثاني يستأنف حولًا واحداً للمجموع بعد تمام حول الأصل (10)،

______________________________

(10) مالك النصاب إذا حصل له في أثناء الحول ملك جديد فقد ذكر المصنّف (رحمه اللّٰه) فيه صوراً ثلاثة:

الاولىٰ: أن يكون الملك الجديد بمقدار العفو و لم يكن نصاباً مستقلا و لا مكمّلًا للنصاب الآخر.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 113

..........

______________________________

الثانية: أن يكون نصاباً مستقلا.

الثالثة: أن يكون مكمّلًا للنصاب الآخر.

أمّا الصورة الاولىٰ: فلا إشكال في العفو عن المقدار الزائد، كما لو كان عنده أربعون شاة فحصل له في أثناء الحول أربعون مثلًا أو كان عنده خمس من الإبل و حصل له في الأثناء أربع، و هذا كما لو كان له من الأوّل ثمانون شاة أو تسع آبال؛ فلا شي ء على المقدار الزائد.

و قال المحقّق في «المعتبر»: لو ملك أربعين شاة ثمّ ملك أُخرى في أثناء الحول فعند تمام حول الاولى تجب فيها شاة. فإذا تمّ حول الثانية ففي وجوب الزكاة فيها وجهان: أحدهما الوجوب؛ لقوله (عليه السّلام)

في كلّ أربعين شاةً شاةٌ «1».

و الثاني: لا تجب؛ لأنّ الثمانين ملك الواحد فلا تجب فيها أكثر من شاة «2». و قال الشهيد (رحمه اللّٰه) في «الدروس»: و في أربعين من الغنم بعد أربعين و ثلاثين من البقر بعد ثلاثين وجه بالوجوب «3».

أقول: إنّ الثلاثين بعد ثلاثين في البقر نصاب، فيجب

لكلّ من ثلاثينين تبيع أو تبيعة. و لعلّ الوجه في وجوب شاة في أربعين شاة بعد أربعين قوله (عليه السّلام)

من كلّ أربعين شاةً شاةٌ

، و فيه: أنّ الظاهر من قوله

في كلّ أربعين شاةً شاةٌ

هو أنّ كلّ من كان مالكاً لأربعين شاةً فعليه شاةٌ؛ فلا يشمل من ملك أربعين شاةً أوّلًا ثمّ ملك أربعين أُخرى ثانياً كي يجب عليه شاتان، فيلزم عليه أن يقول بوجوب ثلاث شياه علىٰ من ملك ثلاث أربعين من غنم، و لم يفتِ به أحد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 116، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 6، الحديث 1.

(2) المعتبر 2: 509.

(3) الدروس الشرعية 1: 233.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 114

..........

______________________________

و يدلّ على ما ذكرنا قوله (عليه السّلام) في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السّلام) و أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

ثمّ ليس فيها شي ء حتّى تبلغ عشرين و مائة، ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان «1».

و في صحيحة محمّد بن قيس عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلىٰ عشرين و مائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان «2».

و أمّا الصورة الثانية: فقد ذكرها المصنّف (رحمه اللّٰه) بقوله: «ففي الأوّل.» إلى آخره، فلا يضمّ الملك الجديد إلى السابق، بل يعتبر لكلّ منهما حول بانفراده، و هذه المسألة إجماعية حكاه غير واحد من علمائنا، و هذا كمن ملك أوّل السنة خمساً من الإبل ثمّ بعد ستّة أشهر ملك ستّة و عشرين، فيجب عليه في آخر سنة الخمس من الإبل شاة و في آخر سنة الستّ و العشرين بنت مخاض. و قد مثّل السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» و تبعه

جماعة من المحشّين لهذه الصورة بما لو كان عنده خمس من الإبل ثمّ بعد ستّة أشهر ملك خمسة أُخرى؛ «فبعد تمام السنة الأُولىٰ يخرج شاة، و بعد تمام السنة للخمسة الجديدة أيضاً يخرج شاة و هكذا» «3»، انتهى.

و فيه: أنّ هذا المثال من قبيل كون الملك الجديد مكمّلًا للنصاب السابق، حيث إنّ العشرة من الإبل نصاب واحد لا أنّه مؤلّف من نصابين، و كذا الخمسة عشر و العشرين و الخمسة و العشرين كلّ واحد منها يكمل نصابه بضمّ اللاحق إلى السابق.

و ليعلم: أنّ مبدأ حول الملك الجديد نتاجاً كان أو غيره حصول الأخير الذي يكمل به النصاب؛ و ذلك لأنّ الحول بدايةً و نهايةً حول للنصاب الذي لا تحقّق

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 116، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 6، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 116، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 6، الحديث 2.

(3) العروة الوثقىٰ 2: 282.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 115

..........

______________________________

له إلّا بتحقّق الفرد الأخير، و ذلك واضح.

و أمّا الصورة الثالثة التي ذكرها المصنّف (رحمه اللّٰه) بقوله: «و في الثاني»؛ أي فيما إذا كان الملك الجديد مكمّلًا للنصاب السابق فيتنجّز حينئذٍ وجوب الزكاة في النصاب السابق عند حلول حوله مع وجود سائر شرائط وجوب الزكاة؛ لوجود المقتضي و هو كون الملك السابق مندرجاً تحت أدلّة شرائط وجوب الزكاة و عدم المانع منه.

و أمّا الملك الجديد فهو عند حلول حول الملك السابق لم يحل عليه الحول. مضافاً إلى أنّه ليس في حدّ النصاب، و عند حلول حول نفسه ليس بحدّ النصاب في نفسه؛ فلا زكاة عليه بحياله. و انضمام الملك الأوّل بالملك الثاني من حين شروع حول الثاني

و إن كان يوجب تحقّق النصاب الثاني و وجوب الزكاة عند حلول حوله، و لكنّه يوجب تزكية الملك الأوّل مرّتين في سنة واحدة، و قد ورد في صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد «1»

، و في «المستدرك» عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السّلام)

إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) نهى أن تثنّى عليهم في عام مرّتين، و لا يؤخذ بها في عام إلّا مرّة واحدة «2».

ثمّ إنّه بعد تمام حول الملك الأوّل يستأنف حولًا واحداً لمجموع الملكين و يكون مبدأ حول المجموع زمان انتهاء حول الأوّل.

و قد مثّل المصنّف (رحمه اللّٰه) للصورة الثالثة بما لو ولدت أحد و ثلاثون من البقر عشراً أو ثلاثون منه أحد عشر. و ألحق (رحمه اللّٰه) بالصورة الثالثة ما لو ملك خمساً من الإبل ثمّ ملك بعد ستّة أشهر خمساً؛ فإنّ تلك الخمس مكمّلة للخمس السابقة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 100، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 7، الحديث 1.

(2) مستدرك الوسائل 7: 70، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 12، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 116

..........

______________________________

و ليست مستقلا. فالخمس نصاب و العشر نصاب واحد آخر لا نصابان؛ فلا يقال: إنّه ملك نصابين و خمسة عشر نصاب واحد فيه ثلاث شياه.

و قال السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» و المحشّين لها بإلحاق ما إذا ملك خمساً من الإبل ثمّ ملك بعد ستّة أشهر خمساً بالصورة الثانية.

و ذكر صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) في الصورة الأخيرة احتمالات أربعة، و قال: أمّا إذا لم تكن نصاباً مستقلا و

لكن كانت مكمّلة للنصاب الآخر للأُمّهات كما لو ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر أو ثمانون من الغنم اثنين و أربعين، أو ملكها كذلك بغير الولادة ففي سقوط اعتبار الأوّل و صيرورة الجميع نصاباً واحداً هذا هو الاحتمال الأوّل أو وجوب زكاة كلّ منهما عند انتهاء حوله، فيخرج عند انتهاء حول الأوّل تبيع أو شاة، و عند مضيّ سنة من تلك شاتان أو مسنّة.

أو يجب فريضة الأوّل عند حوله، فإذا جاء حول الزيادة لوحظ ما يخصّها من فريضة نصاب المجموع هذا هو الاحتمال الثاني فإذا جاء الحول الثاني للأُمّهات أُخرج ما نقص من تلك الفريضة و هكذا، فيخرج في مثال البقر في الحول الأوّل للأُمّهات تبيع و للعشر عند حولها ربع مسنّة، فإذا جاء الحول الآخر للأُمّهات يخرج ثلاثة أرباع مسنّة و يبقى هكذا دائماً.

أو عدم ابتداء حول الزائد حتّى ينتهي الحول الأوّل ثمّ استئناف حول واحد للجميع هذا هو الاحتمال الثالث.

أوجُه، أوجهها الأخير؛ وفاقاً للفخر و الشهيدين و أبي العبّاس و المقداد و الكركي و الصيمري و سيّد «المدارك» و الخراساني و الفاضل البهبهاني و الأُستاذ في «كشفه» و المولى في «الرياض» و المحدّث البحراني على ما حكي عن بعضهم لوجوب إخراج زكاة الأوّل عند تمام حوله؛ لوجود المقتضي و هو اندراجه في

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 117

و يكون مبدأ حول المجموع عند زمان انتهاء حول الأصل، و ليس مبدأ حول النتاج حين الاستغناء عن اللبن بالرعي؛ حتّى فيما إذا كانت أُمّها معلوفة على الأقوىٰ (11).

______________________________

الأدلّة و انتفاء المانع. و متىٰ وجب إخراج زكاته منفرداً امتنع اعتباره منضمّاً إلى غيره في ذلك الحول؛ للأصل، و قوله (صلّى اللّٰه عليه

و آله و سلّم)

لا ثِنَى في صدقة

، و قول أبي جعفر (عليه السّلام)

لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد

، و لظهور أدلّة النصاب المتأخّر في غير المفروض.

و منه يعلم: أنّه لا وجه للقول بتوزيع الفريضة حينئذٍ فراراً من تثنية الصدقة «1» هذا هو الاحتمال الرابع انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه، و قد نقلناه بطوله لفائدته.

(11) اختلف الفقهاء في ابتداء حول نتاج الأنعام؛ و أنّه زمان النتاج، أو الاستغناء عن الأُمّهات بالرعي سوماً، أو التفصيل بين المرتضعة من السائمة فحولها من حين النتاج و بين المرتضعة من المعلوفة فحولها من حين السوم؟ حكي عن «المبسوط» و «الميسية» و «المسالك» و «الروضة» و «الدروس»: أنّه من حين النتاج، و هو المنقول من أبي علي.

و هو الظاهر من «الخلاف»، قال في «الخلاف» في المسألة الرابعة و الثلاثين: لا زكاة في السخال و الفصلان و العجاجيل حتّى يحول عليها الحول، و قد قال الشافعي و أصحابه: هذه الأجناس كالكبار من ملك منها نصاباً جرت في الحول من حين ملكها، فإذا حال عليها الحول أُخذت الزكاة منها، و به قال أبو يوسف، و قال مالك و زفر مثل ذلك، لكنّهما قالا: تجب الزكاة و لا تؤخذ و لكن يكلّف عن الصغار

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 104 105.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 118

..........

______________________________

كبيرة، و قال أبو حنيفة و محمّد بن الحسن: لا يجري في الحول حتّى يصير ثنايا، فإذا صارت ثنايا جرت في حول الزكاة «1»، انتهى.

وجه الظهور: مخالفة أبي حنيفة و قوله بأنّ النتاج لا تجري في الحول حتّى تصير ثنايا، و هو كناية عن كونها سائمة.

و استدلّ لهذا القول بصحيح زرارة عن أبي

جعفر (عليه السّلام) قال

ليس في صغار الإبل شي ء حتّى يحول عليها الحول من يوم ينتج «2».

و صحيح آخر عن زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) في حديث قال

ما كان من هذه الأصناف الثلاثة الإبل و البقر و الغنم، فليس فيها شي ء حتّى يحول عليها الحول منذ يوم ينتج «3».

و موثّق إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) السخل متى تجب فيه الصدقة؟ قال

إذا أجذع «4»

، حيث إنّ المراد بقوله: «أجذع» أتمّ الحول؛ لأنّ وجوب الزكاة بتمام الحول و السائل سأل عن زمان وجوب الزكاة و وجوبها عند تمام الحول؛ فيكون ابتداؤه قهراً زمان الولادة؛ فلا مجال لتوهّم كون «أجذع» بمعنى شرع في الحول.

و قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «القواعد»: و السخال ينعقد حولها من حين سومها و لا يبنى على حول الأُمّهات «5». و حكى عنه في «المختلف»: أنّه قال: هل يعتبر الحول من حين الإنتاج أو من حين السوم؟ الأقرب الثاني، و المشهور الأوّل «6»، انتهىٰ.

______________________________

(1) الخلاف 2: 34.

(2) وسائل الشيعة 9: 122، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 9، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 123، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 9، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 9: 123، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 9، الحديث 3.

(5) قواعد الأحكام 1: 332.

(6) مختلف الشيعة 3: 42.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 119

..........

______________________________

و قال في «الجواهر»: لا تجب الزكاة في السخال إلّا إذا استغنت عن الأُمّهات بالرعي؛ لعدم صدق السوم قبله، فيعتبر حينئذٍ حولها من حينه لا من حين النتاج «1»، انتهى.

و استدلّ لهذا القول بأنّ أدلّة وجوب الزكاة في الأنعام منصرفة عن السخال ما لم يستغنوا

عن أُمّهاتها بالسوم.

و فيه: أنّ متعلّق وجوب الزكاة مقيّد بالسوم المقابل للعلف تقابل العدم و الملكة، و يلاحظ فيهما الشأنية، و السخال خارجة عنهما فلا يطلق عليها السائمة و لا المعلوفة، هذا.

مضافاً إلى أنّه يمكن منع الانصراف عن الصغار بصحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث زكاة الإبل قال

و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلّا أن يشاء المصدّق و يعدّ صغيرها و كبيرها «2».

و صحيحي زرارة و موثّق إسحاق بن عمّار المتقدّمات؛ حيث صرّح فيها باعتبار الحول في السخال من حين النتاج.

و بالجملة: السخال يبتدئ حولها من حين ينتج و إن كانت أُمّهاتها معلوفة؛ لأنّ المفروض صيرورة السخال سائمة بعد استغنائها عن أُمّهاتها في مدّة قليلة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 92.

(2) وسائل الشيعة 9: 125، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 10، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 120

[القول في الشرط الأخير]
اشارة

القول في الشرط الأخير

[ (مسألة): يعتبر فيها أن لا تكون عوامل في تمام الحول]

(مسألة): يعتبر فيها أن لا تكون عوامل في تمام الحول، فلو كانت كذلك و لو في بعضه، فلا زكاة فيها و إن كانت سائمة، و المرجع في صدق العوامل العرف (1).

______________________________

(1) قال العلّامة في «التذكرة»: يشترط في الأنعام السوم و هي الراعية المعدّة للدرّ و النسل و احترزنا بذلك عن المعلوفة. و لو كانت للدرّ و النسل و العوامل و إن لم تكن معلوفة فإنّه لا زكاة فيهما عند علمائنا أجمع «1»، انتهى. و في «الجواهر»: بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه «2».

و يظهر من عبارة بعض الفقهاء عدم تحقّق الإجماع في المسألة، حيث إنّها لم تذكر في كلام جماعة من القدماء ك «المقنعة» و «المقنع» و «الهداية» و «المراسم»؛ قال في «مفتاح الكرامة»: و قد أهمل ذكر هذا الشرط جماعة من المتقدّمين «3».

و يدلّ على اشتراط عدم كونها عوامل صحيح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) في حديث زكاة الإبل قال

و ليس على العوامل شي ء، إنّما ذلك على السائمة الراعية «4».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 46.

(2) جواهر الكلام 15: 110.

(3) مفتاح الكرامة 3: 42/ السطر 19.

(4) وسائل الشيعة 9: 118، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 7، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 121

..........

______________________________

و صحيح آخر لهم عنهما (عليهما السّلام) في حديث زكاة البقر قال

ليس على النيّف شي ء و لا على الكسور شي ء و لا على العوامل شي ء، و إنّما الصدقة (ذلك) على السائمة الراعية «1».

و صحيح ابن أبي عمير في حديث قال

كان علي (عليه السّلام): لا يأخذ من جمال العمل صدقة، كأنّه لم يحبّ أن يؤخذ من

الذكورة شي ء؛ لأنّه ظهر يحمل عليها «2».

و صحيح ثالث للفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) قال

ليس على العوامل من الإبل و البقر شي ء، إنّما الصدقات على السائمة الراعية «3».

و رواية زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) قال

ليس في شي ء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة: الإبل و البقر و الغنم، و كلّ شي ء من هذه الأصناف من الدواجن و العوامل فليس فيها شي ء «4»

، هذه الرواية ضعيفة بقاسم بن عروة مولى أبي أيّوب الخوزي؛ إذ لم يثبت عدالته و لا حسنه، و لا يثبت مدحه بنسبة ابن داود مدحه إلى الكشّي. و مجرّد رواية الفضل بن شاذان عنه في سائر الموارد لا يدلّ على مدحه.

فالروايات الدالّة على نفي الزكاة عن العوامل في حدّ الاستفاضة، و ما دلّ على ثبوت الزكاة فيها محمول على الندب، كما في موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألته عن الإبل تكون للجمّال أو تكون في بعض الأمصار، أ تجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة البرّية؟ فقال

نعم «5»

، و موثّقة أُخرى لإسحاق بن عمّار قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 119، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 7، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 119، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 7، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 9: 120، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 7، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 9: 120، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 7، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 9: 120، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 7، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 122

..........

______________________________

سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الإبل العوامل عليها زكاة؟ فقال

نعم عليها زكاة «1».

فرعٌ: لا

فرق فيما تجب فيه الزكاة من الأنعام الثلاثة بين الذكورة و الأُنوثة؛ و ذلك لإطلاق اسم الأنعام الثلاثة على المذكّر و المؤنّث. و شرط سلّار الأُنوثة، قال في «مفتاح الكرامة»: و في «التذكرة» و «المختلف»: أنّ باقي الأصحاب على خلاف سلّار، و في «الدروس»: أنّ قوله متروك، و قال في «مجمع البرهان»: و لا يدلّ على قوله حذف التاء عن مثل قوله (عليه السّلام)

في خمس من الإبل شاة

؛ إذ الظاهر المنظور هو مطلق ما صدق عليه من دون نظر إلى تذكير و تأنيث، و حذف التاء اختصار، أو لعدم توهّم الاختصاص بالمذكّر، أو للنظر إلى أنّ المخرج هو الأُنثىٰ غالباً. و بالجملة: المتبادر من الأخبار هو الأعمّ و إن كان ظاهر قانون النحو المؤنّث، و ذلك لا يوجب التخصيص مع وجود العمومات «2»، انتهىٰ.

و لا يخفى: أنّ الإبل و الغنم و إن كانتا اسمين مؤنّثين كما استعملتا كذلك في قوله تعالىٰ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ «3»، و في قوله تعالىٰ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ «4»، إلّا أنّ أهل اللغة قد صرّحوا باستعمالهما في المذكّر و المؤنّث، و ذكر في «الصحاح»: الغنم اسم مؤنّث يقع على الذكور و الإناث «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 121، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 7، الحديث 8.

(2) مفتاح الكرامة، الزكاة 3: 42/ السطر 27.

(3) الغاشية (88): 17.

(4) الأنبياء (21): 78.

(5) الصحاح، الجوهري 5: 1999.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 123

[بقي الكلام فيما يؤخذ في الزكاة]
اشارة

بقي الكلام فيما يؤخذ في الزكاة

[ (مسألة 1): لا يؤخذ المريضة من نصاب السليم، و لا الهرمة من نصاب الشابّ، و لا ذات العوار من نصاب الصحيح]

(مسألة 1): لا يؤخذ المريضة من نصاب السليم، و لا الهرمة من نصاب الشابّ، و لا ذات العوار من نصاب الصحيح و إن عُدّت منه (1)،

______________________________

(1) أي و إن عدّت الثلاث المذكورة من النصاب فمع هذا لا تؤخذ، و هذه المسألة إجماعية.

و استدلّ عليه كما في «مفتاح الكرامة» «1» بقوله تعالىٰ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ «2». و فيه: أنّ في إطلاق الخبيث على المريض و الهرمة و ذات العوار نظر، بل هي لا تعدّ من الخبائث قبال الطيّبات.

و يستدلّ عليه أيضاً بذيل صحيحة محمّد بن قيس عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلّا أن يشاء المصدّق. «3»

الحديث، و صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث زكاة الإبل قال

و لا تؤخذ هرمة و لا ذات عوار إلّا أن يشاء المصدّق «11».

و قد ذكرت في الروايتين الهرمة و ذات العوار و لم تذكر المريضة، و شمول

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، الزكاة 3: 75/ السطر 16.

(2) البقرة (2): 267.

(3) تهذيب الأحكام 4: 25/ 59، وسائل الشيعة 9: 116، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 6، الحديث 2.

(11) وسائل الشيعة 9: 125، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 10، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 124

أمّا لو كان النِّصاب بأجمعه مريضاً بمرض متّحد لم يكلّف شراء صحيحة، و أجزأت مريضة منها (2)،

______________________________

الحكم للمريضة باعتبار أنّ المراد من العوار العيب كما ذكره في «القاموس» و العيب يشمل المرض. و حكى في «مفتاح الكرامة» عن بعضهم: أنّ العوار المرض كيف كان، و في «المستدرك» عن «عوالي اللآلي»: روى الزهري

عن سالم عن ابن عمر: أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كتب كتاب الصدقة إلى عمّاله، فعمل به الخلفاء بعده، فكان فيه

و لا تؤخذ في الصدقة هرمة و لا ذات عيب «1».

(2) هذه المسألة إجماعية من الفريقين، إلّا مالك القائل بوجوب شراء الصحيحة فلا يكلّف المالك على شراء الصحيحة و أدائها زكاةً؛ لأصالة براءة ذمّته.

و الأدلّة الدالّة على عدم اجتزاء المريضة منصرفة إلى ما كان النصاب شاملًا للصحاح و المريض و لا تشمل ما كان كلّه مريضاً. و يدلّ عليه رواية «الدعائم» عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السّلام)

إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) نهى أن يحلف الناس على صدقاتهم، و قال: هم فيها مأمونون. و نهى أن يثنى عليهم في عام مرّتين، و لا يؤخذ بها في عام إلّا مرّة واحدة. و نهى أن يغلظ عليهم في أخذها منهم و أن يقهروا على ذلك أو يضربوا أو يشدّد عليهم أو يكلّفوا فوق طاقتهم، و أمر أن لا يأخذ المصدّق إلّا ما وجد في أيديهم، و أن يعدل فيهم و لا يدع لهم حقّا يجب عليهم «2»

، هذا.

مضافاً إلى أنّ الزكاة في العين على وجه الشركة في النصاب؛ ففيما كان

______________________________

(1) مستدرك الوسائل 7: 66، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 9، الحديث 4.

(2) مستدرك الوسائل 7: 70، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 12، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 125

و لو كان بعضه صحيحاً و بعضه مريضاً، فالأحوط لو لم يكن أقوى إخراج صحيحة من أواسط الشياه؛ من غير ملاحظة التقسيط (3)،

______________________________

النصاب مريضاً كلّه لا

يستحقّ الشريك أي مالك الزكاة إلّا المريض.

و استدلّ في «الجواهر» مضافاً إلى ما ذكر بأنّ المراد من ذكر الفريضة تقدير الحصّة الواجبة؛ فلا تفاوت حينئذٍ بين كون النصاب مريضاً أو صحيحاً؛ ضرورة رجوع الحال إلى نحو قولهم (عليهم السّلام)

فيما سقت السماء العشر «1»

الذي من المعلوم عدم الفرق فيه بين الجيّدة و الرديئة، فكذا قوله (عليه السّلام)

في الأربعين شاةً شاةٌ «2»

المراد منه وجوب ربع العشر عشر الأربعين أربعة، و ربع الأربعة شاة واحدة و انسياق الصحّة في قولهم (عليهم السّلام)

في ستّة و عشرين من الإبل بنت مخاض «3»

و نحوه لو سلّم غير منافٍ بعد كون المراد منه تقدير النسبة؛ فمع فرض ضبطها بنسبة الصحيح من بنت المخاض إلى باقي النصاب الصحيح كان الواجب الحصّة المشاعة التي هي العشر و نحوه مثلًا، فلا تفاوت بين المراض و الصحاح «4»، انتهىٰ.

(3) وجه القوّة إطلاق ما دلّ على عدم جواز أخذ الهرمة و ذات العوار. و شموله على النصاب المختلط من المراض و الصحاح، و حمله علىٰ خصوص ما كان كلّ النصاب صحيحاً حمل للمطلق على الفرد النادر.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 9: 182، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 116، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 6، الحديث 1.

(3) راجع وسائل الشيعة 9: 108، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 2.

(4) جواهر الكلام 15: 156.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 126

و كذا لا تؤخذ الرُّبّى و هي الشاة الوالدة إلىٰ خمسة عشر يوماً (4)

______________________________

و لعلّ الوجه في التقسيط ملاحظة حقّ الشريكين المالك و الفقير، قال صاحب «الجواهر»: فلو كان عنده عشرون شاة صحيحة قيمة كلّ شاة عشرة دراهم، و عشرون مريضة قيمة

كلّ واحدة منها خمسة دراهم، كان قيمة ربع العشر منه سبعة دراهم و نصف، لا الخمسة دراهم الذي فيه ضرر على الفقير، و لا العشرة الذي فيه ضرر على المالك، و مع ذلك منافٍ لقاعدة الشركة. و من هنا صرّح الشيخ و ابن حمزة و الفاضل و الشهيدان و الكركي و غيرهم بمراعاة التقسيط في صورة التلفيق، بل نسبه بعضهم إلى الأصحاب، لكن قالوا: إنّه يخرج حينئذٍ فرد من مسمّى الفريضة قيمته نصف قيمة الصحيح و نصف قيمة المريض لو كان التلفيق بالنصف، و هكذا في الثلثين و الثلث و غيره «1»، انتهى.

(4) اختلف في الرُّبّى على أقوال تبلغ عشرة و نيف؛ فقد فسّرت بالوالدة إلى عشرين يوماً، و بالشهرين، و بالشاة القريبة العهد بالولادة، و بالشاة التي تربّى في البيت من الغنم لأجل اللبن، و بعضهم خصّها بالمعز، و بعضهم بالضأن، و الشاة إذا ولدت و أُتي عليها من ولادتها عشرة أيّام أو بضعة عشر يوماً، و الشاة التي وضعت حديثاً، و جمعها رباب بالضمّ و المصدر رباب بالكسر و قيل: ربّى جاء في الإبل أيضاً. و عن أبي يوسف: التي معها ولدها، و عن «القاموس»: الشاة إذا ولدت، و قيل غيرها. و المعروف بين أصحابنا في تعريفها ما ذكره المصنّف (رحمه اللّٰه) تبعاً لجماعة؛ منهم صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه).

و عدم جواز أخذ الربّى ممّا قام به الإجماع. و يدلّ عليه صحيح

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 156.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 127

و إن بذلها المالك (5)،

______________________________

عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ليس في الأكيلة و لا في الرُّبّى التي تربّى اثنين و لا شاة لبن

و لا فحل الغنم صدقة «1»

، و موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا تؤخذ الأكولة و الأكولة: الكبيرة من الشاة تكون في الغنم و لا والدة، و لا الكبش الفحل «2»

، و في «مجمع البحرين»: و في حديث المصدّق

دع الربّى و الماخض يقال مخض العامل: أي دنا ولادها و الأكولة

أمر المصدّق أن يعدّ هذه الثلاثة و لا يأخذها؛ لأنّها خيار المال، و الأكولة هي بفتح الهمزة: التي تسمن و تعدّ للأكل. إلى أن قال: و في «الفقيه»: لا تؤخذ الأكولة؛ و هي الكبيرة من الشياه «3»، انتهىٰ.

(5) أي لا تؤخذ الربّى زكاة و إن كان المالك راضياً بأخذها؛ و ذلك لإطلاق النهي عن أخذها. و علّله في «الدروس» و «الروضة» بأنّ الربّى نفساء، و النفاس مرض؛ فتندرج في النهي عن المريضة أو ذات العوار أي العيب و نسب إلى الفاضلين تعليل عدم جواز أخذها بأنّ فيه إضراراً بالمالك؛ لاستقلالها بتربية ولدها. و مقتضى هذا التعليل جواز أخذها مع رضا المالك.

و حكي عن «المنتهي» عدم الخلاف فيه، قال: و لو تطوّع المالك بذلك جاز بلا خلاف «4». و قد يؤيّد بما عن «النهاية» من حديث عمر، و عن الربّى و الماخض

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 124، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 10، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 125، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 10، الحديث 2.

(3) مجمع البحرين 5: 308.

(4) منتهى المطلب 1: 485/ السطر 24.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 128

إلّا إذا كان النِّصاب كلّه كذلك (6)،

______________________________

و الأكولة

أمر المصدّق أن يعدّ على ربّ المال هذه الثلاثة، و لا يأخذها في الصدقة؛ لأنّها خيار المال

؛

ضرورة ظهور تعليلها بكونها خيار المال و جمعها مع شاة اللبن و فحل الغنم و الأكيلة و توصيف الربّى في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج بتربية الاثنين في كون المنع عنها مراعاة للمالك «1».

و فيه: أنّ الحديث غير قابل الاعتماد، و العلّة المذكورة المنقولة عن الفاضلين و غيرهما مستنبطة.

(6) قال في «الرياض»: هذا إذا لم تكن المأخوذة فيها جمع ربّى، و إلّا فلم يكلّف غيرها قولًا واحداً «2»، انتهى.

و وجه عدم التكليف بغير الربّى فيما كان النصاب كلّه ربّى، هو ما ذكرناه في المريضة و الهرمة و ذات العوار، فراجع. و النهي عن أخذ الربّى زكاة منصرف إلى ما كان في النصاب غير الربّى؛ فلا يشمل ما كان كلّه ربّى.

و قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة»: و أمّا الربّى أي فيما اتّصف كلّ النصاب بكونه ربّى ففي أخذها إشكال؛ للخوف على الولد؛ فالأقرب إلزامه بالقيمة «3».

و فيه: أنّه لا وجه للإلزام بالقيمة؛ و الأصل البراءة.

و صاحب «الجواهر» بعد ردّ قول العلّامة قال: اللهمّ إلّا أن تكون العلّة الاحترام لولدها، بل و لها من جهة ما يحصل لهما من الأذىٰ، بالمفارقة، و الصدقة

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 15: 160، النهاية، ابن الأثير 1: 58.

(2) رياض المسائل 5: 75.

(3) تذكرة الفقهاء 5: 117.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 129

و لا الأكولة، و هي السمينة المعدّة للأكل، و لا فحل الضراب (7)، بل لا يعدّ المذكورات من النصاب على الأقوىٰ؛ و إن كان الأحوط عدّها منه (8).

______________________________

لا يتبعها أذى. و قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) للأعرابي في مرسل النوفلي المروي في آخر كتاب المعايش من «الكافي»

أهدِ لنا ناقة و

لا تجعلها ولهاً «1»

أي شديدة الحزن بانقطاع ولدها عنها «2»، انتهى. و فيه: أنّ العلّة مستنبطة، و مورد الصدقة لا يتبعها أذى هو الفقير، كما في قوله تعالىٰ لٰا تُبْطِلُوا صَدَقٰاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذىٰ «3» لا الحيوان.

(7) هذه المسألة إجماعية. و يدلّ على عدم جواز أخذهما صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج و موثّق سماعة المتقدّمين. و المراد من الكبيرة من الشاة المفسّر بها الأكولة في موثّقة سماعة هي السمينة المعدّة للأكل لا كبير السنّ.

و هل يجوز أخذ الأكولة و فحل الضراب مع رضا المالك أو لا؟ الأقوىٰ عدم الجواز؛ لما ذكرنا في الربّى. و مراعاة حال المالك حكمة لا علّة، و مع فرض كونها علّة فهي مستنبطة.

(8) الأقوىٰ وفاقاً للمشهور عدّ المذكورات من النصاب؛ لإطلاقات وجوب الزكاة في الأربعين شاة الشاملة لها. و يؤيّد الإطلاقات قوله (عليه السّلام)

يعدّ صغيرها و كبيرها

في صحيحة محمّد بن قيس «4»، قال في «الرياض»: و لا تعدّ في

______________________________

(1) الكافي 5: 317/ 54.

(2) جواهر الكلام 15: 162.

(3) البقرة (2): 264.

(4) تهذيب الأحكام 4: 25/ 59.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 130

..........

______________________________

النصاب الأكولة بفتح الهمزة و هي المعدّة للأكل، و لا فحل الضرب؛ و هو المحتاج إليه لضرب الماشية عادة، فلو زاد كان كغيره في العدّ.

و الحكم بعدم عدّها خيرة الماتن هنا و الفاضل في «الإرشاد» و الشهيدين في «اللمعة» و «شرحها»؛ لظاهر الصحيح الماضي في الربّى خلافاً للأكثر، بل المشهور كما قيل، فيعدّان للإطلاقات مع قصور الصحيح عن مكافأتها لقصور دلالته بقوّة احتمال كون المراد منه عدم الأخذ بقرينة ما مضى، مضافاً إلى التعبير به في الموثّق فيهما و في الربّى.

و هو متّفق عليه بيننا، إلّا أن

يرضى المالك فيعدّان بلا خلاف كما في «المنتهي» و استقرب في «البيان» عدم عدّ الفحل من النصاب، إلّا أن يكون كلّها فحولًا أو معظمها فيعدّ، و مستنده غير واضح. و خير هذه الأقوال أوسطها مع كونه أحوط و أولى «1»، انتهى.

و قال صاحب «الجواهر» و نعم ما قال فلو لم تجب الزكاة فيهما أي في الربّى و شاة اللبن لشاع و ذاع و مَلأَ الأسماع، فإذا انضمّ إلىٰ ذلك فحل الضراب و الأكولة كان ما تجب فيه الزكاة أقلّ قليل؛ لندرة حصول نصاب تامّ مستوفٍ للشرائط خالٍ عنها؛ فقد صحّ لنا أن ندّعي أنّ الحكم ضروري، فضلًا عن أن يكون مجمعاً عليه «2»، انتهىٰ.

و لا يخفى: أنّ الظاهر من عبارة المصنّف (رحمه اللّٰه): أنّ الربّى كالأكولة و فحل الضراب لا تعدّ من النصاب حيث أتى بصيغة الجمع «المذكورات».

______________________________

(1) رياض المسائل 5: 76.

(2) جواهر الكلام 15: 165.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 131

[ (مسألة 2): الشاة المأخوذة في الزكاة في الغنم و الإبل و في الجبر، ما كمل له سنة و دخل في الثانية إن كان من الضأن]

(مسألة 2): الشاة المأخوذة في الزكاة في الغنم و الإبل و في الجبر، ما كمل له سنة و دخل في الثانية إن كان من الضأن، و ما دخل في الثالثة إن كان من المعز، و هو أقلّ ما يراد منها (9)،

______________________________

(9) المراد من الجبر هو الكسر في الصدقة، مثلًا الفريضة في ستّ و ثلاثين من الإبل هي بنت اللبون و لو لم تكن عنده فعليه بنت مخاض و شاتان، فبالشاتين يجبر الكسر و هكذا. فالمأخوذ في زكاة الغنم و الإبل و في الجبر إن كان من الضأن فهو الجذع و إن كان من المعز فهو الثنيّ. و هذا مشهور بين الأصحاب، بل ادّعى عليه الإجماع في «الخلاف» و «الغنية».

قال في

«الخلاف»: المأخوذ من الغنم الجذع من الضأن و الثنيّ من المعز؛ فلا يؤخذ منه دون الجذعة و لا يلزمه أكثر من الثنية، و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: لا يؤخذ إلّا الثنية فيهما، و قال مالك: الواجب الجذعة فيهما. دليلنا: إجماع الفرقة، و أيضاً روى سويد بن غفلة قال: أتانا مصدّق رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و قال: نهينا أن نأخذ من المراضع و أُمرنا أن نأخذ الجذعة و الثنيّة «1»، انتهى.

و قال في «التذكرة»: الشاة المأخوذة في نصب الإبل و الجبران و الغنم الجذعة من الضأن و الثنية من المعز؛ لقول سويد بن غفلة «2»، انتهىٰ.

و قال في «الشرائع»: الشاة التي تؤخذ في الزكاة قيل: أقلّه الجذع من الضأن أو الثنيّ من المعز، و قيل: ما سمّي شاة، و الأوّل أظهر «3»، انتهىٰ.

______________________________

(1) الخلاف 2: 24/ مسألة 20.

(2) تذكرة الفقهاء 5: 107.

(3) شرائع الإسلام 1: 135.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 132

..........

______________________________

و بالجملة: أخذ الجذع من الضأن و الثنيّ من المعز مشهور شهرة عظيمة، بل ادّعي عليه الإجماع. و إنّما الخلاف في المراد من الجذع و الثنيّ فقيل: الجذع ما كمل له سنة واحدة و دخل في الثانية، و الثنيّ ما كمل له سنتان و دخل في الثالثة، نسب هذا القول إلى الصدوقين و الشيخين و السيّد و سلّار و الفاضلين و ابني حمزة و زهرة، و كذا نسب إلى جماعة من أهل اللغة، التفسير المذكور، ففي «الصحاح»: الجذع قبل الثنيّ تقول منه لولد الشاة في السنة الثانية و لولد البقرة و الحافر في السنة الثالثة و للإبل في السنة الخامسة أجذَع، و الجَذَعُ اسم

له في زمن «1».

و الثنيّ الذي يلقي ثنيّته و يكون ذلك في الظلف و الحافر في السنة الثالثة، و في الخُفّ في السنة السادسة «2»، انتهىٰ.

و في «مجمع البحرين»: و في الحديث تكرّر ذكر الجذع بفتحتين و هو من الإبل ما دخل في السنة الخامسة و من البقر و المعز ما دخل في الثانية. إلى أن قال: و في «حياة الحيوان»: الجذع من الضأن ما له سنة تامّة، هذا هو الصحيح عند أصحابنا، و هو الأشهر عند أهل اللغة و غيرهم «3». و الثنيّ الذي ألقي ثنيّته و هو من ذوات الظلف و الحافر في السنة الثالثة و من ذوات الخُفّ في السنة السادسة «4»، انتهىٰ.

و عن «القاموس»: أنّ الجذع يقال لولد الشاة في السنة الثانية، و الثنيّة الشاة في الثالثة كالبقرة، و قيل: الجذع ما كمل له سبعة أشهر، و عن الأزهري: الجذع من

______________________________

(1) الصحاح 3: 1194.

(2) نفس المصدر 6: 2295.

(3) مجمع البحرين 4: 310.

(4) نفس المصدر 1: 77.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 133

..........

______________________________

المعز لسنة و من الضأن لثمانية. و نسب هذا القول إلى العلّامة في «القواعد» و الشيخ في «المبسوط» و العلّامة في «التذكرة» و «المنتهي» و «التحرير»، و إلى الشهيد في «الدروس» و «البيان» و غيرهم.

المختار: هو القول الأوّل الموافق للاحتياط تحصيلًا للبراءة اليقينية، و هو الأشهر. و القول الثاني أوفق بأصالة البراءة.

و لا يخفى: أنّ كلمات الفقهاء في الزكاة تختلف كلماتهم في أُضحية الحجّ في المراد من الجذع و الثنيّ؛ فالمشهور في باب الزكاة ما ذكرناه من كون الجذع في الضأن ما دخل في الثانية و الثنيّ ما دخل في الثالثة، كما أنّ المشهور في باب

الحجّ كون الثنيّ ما دخل في الثانية؛ قال في «المبسوط»: فإذا دخلت في الثانية فهي جذعة و الذكر جذع، فإذا دخلت في الثالثة فهي الثنية و الذكر الثني. إلى أن قال: و إنّما قيل جذع في الضأن إذا بلغ سبعة أشهر و أجزأ في الأُضحية؛ لأنّه إذا بلغ سبعة أشهر فإنّ له في هذا الوقت نزواً و ضراباً، و المعز لا ينزو حتّى يدخل في السنة الثانية؛ فلهذا أُقيم الجذع في الضحايا مقام الثنيّ من المعز «1»، انتهىٰ.

و قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» في كتاب الزكاة: فإذا دخلت في الثانية فهي جذعة و الذكر جذع، فإذا دخلت في الثالثة فهي الثنيّة و الذكر الثنيّ «2»، و قال (رحمه اللّٰه) في كتاب الحجّ في بيان أوصاف الهدي: مسألة و لا يجزي في الهدي إلّا الجذع من الضأن و الثنيّ من غيره، و الجذع من الضأن هو الذي له ستة أشهر، و ثنيّ المعز و البقر ما له سنة و دخل في الثانية «3»، انتهى.

______________________________

(1) المبسوط 1: 199.

(2) تذكرة الفقهاء 5: 106.

(3) نفس المصدر 8: 259.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 134

و يجزي الذكر عن الأُنثىٰ و بالعكس (10)،

______________________________

و في «المقنعة»: و اعلم أنّه لا يجوز في الأضاحي من البدن إلّا الثنيّ و هو الذي قد تمّ له خمس سنين و دخل في السادسة و لا يجوز من البقر و المعز إلّا الثنيّ و هو الذي قد تمّت له سنة و دخل في الثانية و يجزي من الضأن الجذع لسنة «1»، انتهىٰ. و يستفاد من قوله: «لسنة» عدم اشتراط الدخول في السنة الثانية، و احتمل بعض الفقهاء من المعاصرين التصحيف في العبارة، و

الصحيح: «لستّة» بدل «لسنة» «2».

و في «الغنية»: و أفضل الهدي و الأضاحي من الإبل و البقر و المعز الإناث و من الغنم الفحولة. و لا يجوز من الإبل و البقر و المعز إلّا الثنيّ و هو من الإبل الذي قد تمّت له خمس سنين و دخل في السادسة، و من البقر و المعز الذي قد تمّت له سنة و دخل في الثانية، و يجزي من الضأن الجذع؛ و هو الذي لم يدخل في السنة الثانية «3»، انتهىٰ.

و بالجملة: الثنيّ من المعز في الزكاة ما دخل في السنة الثالثة، إلّا أنّ الشهرة قامت، بل ادّعي الإجماع على كفاية ما دخل في السنة الثانية من المعز في الأضاحي، و الجذع في الزكاة ما دخل في السنة الثانية. و الأشهر بل المشهور في الأضاحي الاكتفاء بالجذع الذي له سبعة أشهر.

(10) و الدليل على إجزاء الذكر عن الأُنثى و العكس إطلاق الشاة في الروايات،

______________________________

(1) المقنعة: 418.

(2) الزكاة، المحقّق المنتظري 1: 205.

(3) غنية النزوع 1: 190.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 135

و المعز عن الضأن و بالعكس؛ لأنّهما جنس واحد في الزكاة (11)

______________________________

و هذا هو القول المشهور في المسألة المختار عندنا؛ قال في «المبسوط»: فإن كانت كلّها ذكوراً أُخذ منه ذكراً و إن كانت إناثاً أُخذ منها أُنثى، فإن أعطى بدل الذكر أُنثى أو بدل الأُنثى ذكراً أُخذ منه؛ لأنّ الاسم تناوله «1»، انتهى.

و قال في «التذكرة»: يجزي الذكر و الأُنثى؛ لأنّه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أطلق لفظ الشاة، و هو يتناول الذكر و الأُنثى، و هو أحد وجهي الشافعي و في الثاني تجب الأُنثى؛ لأنّ الغنم الواجبة في نصبها إناث «2»، انتهىٰ.

و قال

النراقي في «مستند الشيعة»: و أمّا الذكر عن الأُنثى و بالعكس فلا يجزي إلّا بالقيمة؛ لما يأتي من تعلّق الزكاة أصالةً بالعين. و من هذا يظهر: أنّه لا يجوز دفع غير بعض آحاد الفريضة فيما يتعلّق بالعين إلّا مع اعتبار القيمة، فلا يدفع غير غنم البلد و لا غير الغنم الذي تعلّقت به الزكاة لفريضة الأغنام إلّا بالقيمة «3»، انتهىٰ. و هذا القول غير مشهور.

(11) و الدليل على إجزاء المعز عن الضأن و بالعكس ما ذكر في إجزاء الذكر عن الأُنثىٰ و عكسه من الإطلاق و أنّهما جنس واحد؛ قال في «المبسوط»: إذا كان المال ضأناً و ماعزاً و بلغ النصاب أُخذ منه؛ لأنّ كلّ ذلك يسمّىٰ غنماً و يكون الخيار في ذلك إلى الربّ المال إن شاء أعطىٰ من الضأن و إن شاء من المعز؛ لأنّ اسم ما يجب عليه من الشياه يتناولهما، إلّا أنّه لا يؤخذ أرداها و لا يلزمه

______________________________

(1) المبسوط 1: 200.

(2) تذكرة الفقهاء 5: 108.

(3) مستند الشيعة 9: 138.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 136

كالبقر و الجاموس (12)، و الإبل العراب و البخاتي (13).

______________________________

أعلاها و أسمنها بل يؤخذ وسطاً «1»، انتهى.

و قال في «التذكرة»: يجوز أن يخرج من الضأن أو المعز سواء كان الغالب أحدهما أو لا، و سواء كان عنده أحدهما أو لا، لقول سويد بن غفلة: أتانا مصدّق رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: أُمرنا أن نأخذ الجذع من الضأن و الثنيّ من المعز، و لأنّ اسم الشاة يتناولهما، و به قال الشافعي، و قال مالك: ينظر إلى الغالب فيؤخذ منه، فإن تساويا أخرج من أيّهما شاء «2»، انتهىٰ.

(12) و الدليل

على كونهما جنساً واحداً هو الإجماع. و استدلّ في «المستمسك «3» علىٰ كونهما جنساً واحداً بصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له في الجواميس شي ء؟ قال

مثل ما في البقر «4».

و فيه: أنّ الخبر لا دلالة فيه على كونهما من جنس واحد، بل يدلّ على أنّ مقدار النصاب و الزكاة في الجاموس مثل ما في البقر؛ فله نصابان: الأوّل ثلاثون و فيها تبيع أو تبيعة، و الثاني أربعون و فيها مسنّة.

(13) و ذلك لإطلاق الإبل على أنواعه كلّها. و قد يستدلّ له بصحيح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) في حديث قال: قلت: فما في البخت السائمة شي ء؟ قال

مثل ما في العربية «5».

______________________________

(1) المبسوط 1: 200.

(2) تذكرة الفقهاء 5: 108.

(3) مستمسك العروة الوثقى 9: 74.

(4) وسائل الشيعة 9: 115، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 5، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 9: 114، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 3، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 137

[ (مسألة 3): لو كان للمالك أموال متفرّقة في أماكن مختلفة]

(مسألة 3): لو كان للمالك أموال متفرّقة في أماكن مختلفة، كان له إخراج الزكاة من أيّها شاء (14)،

______________________________

(14) من كان له أربعون شاة مثلًا في أربع أمكنة، عشرة في مكان و عشرة في مكان آخر. و هكذا، فله إخراج الزكاة من أيّ عشرة شاء؛ و ذلك لإطلاق أربعين شاة للمجتمع في مكان واحد و للمتفرّق في أمكنة متعدّدة. و لا دليل على لزوم الإخراج من غنم بلده.

قال في «التذكرة»: لو عدل من جنس بلده إلى جنس بلد آخر أجزأ و إن كان أدون من غنم بلده، خلافاً للشافعي «1».

و حكي عن «الخلاف» و «المبسوط»: أنّه يعتبر كون

المدفوع من البلد؛ لاختلاف المكّية و العربية و النبطية.

و فيه: أنّه لا دليل على لزوم الاتّفاق.

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، در يك جلد، ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس؛ ص: 137

قال في «الخلاف»: من وجبت عليه شاة في خمس من الإبل أُخذت منه من غالب غنم أهل البلد؛ سواء كانت غنم أهل البلد شامية أو مغربية أو نبطية «2»، انتهى.

و قال في «المبسوط»: و يؤخذ من نوع البلد لا من نوع بلد آخر؛ لأنّ الأنواع تختلف؛ فالمكّية بخلاف العربية، و العربية بخلاف النبطية، و كذلك الشامية و العراقية «3».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 108.

(2) الخلاف 2: 17/ مسألة 12.

(3) المبسوط 1: 196.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 138

و لا يتعيّن عليه أن يدفع من النصاب (15)،

______________________________

(15) في المسألة قولان:

الأوّل: عدم وجوب الدفع من عين النصاب متعيّناً، بل يجزي من غير النصاب.

و هذا القول هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل ادّعى عليه الإجماع في كلام جماعة، و ادّعى صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) إمكان تحصيله؛ و ذلك لإطلاق الأدلّة، و لا دليل على وجوب التعيين من عين النصاب مثلًا من كان له أربعون شاة فعليه أن يدفع شاة؛ سواء أدّاها من النصاب أو من غيره، و من كان له ستّ و عشرون من الإبل فعليه أن يدفع بنت مخاض، و من كان له ثلاثون بقراً فعليه تبيع سواء وجدت في نصابه بنت مخاض أو تبيع أم لا و من الواضح: أنّه كثيراً ما لا توجد بنت مخاض مثلًا في ستّ و عشرين من الإبل، فكيف يكلّف بأن يؤخذ منه بنت مخاض؟! و بالجملة:

مع الشكّ في وجوب تعيّن الدفع من النصاب فالأصل البراءة.

و القول الثاني في المسألة: أنّه يجب الدفع متعيّناً من النصاب، و يجزي غيره قيمةً من العين.

قال في «مستند الشيعة» في ذيل عبارته المتقدّمة: فلا يدفع غير غنم البلد، بل و لا غير الغنم الذي تعلّقت به الزكاة لفريضة الأغنام إلّا بالقيمة «1»، انتهىٰ. و هذا القول غير مشهور.

______________________________

(1) مستند الشيعة 9: 138.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 139

و لا من جنس ما تعلّقت به الزكاة، بل له أن يدفع قيمتها السوقيّة من الدراهم و الدنانير، بل و غيرهما من سائر الأجناس (16) إن كان خيراً للفقراء،

______________________________

(16) لا خلاف في عدم وجوب دفع الزكاة من جنس ما تعلّقت به في الغلّات و النقدين؛ فيجوز أن يدفع قيمتها السوقية من الدراهم و الدنانير و سائر الأموال، بل ادّعي عليه الإجماع، كما في «الخلاف» و «المعتبر» و «التذكرة» و «المفاتيح» و «المبسوط» و «إيضاح النافع» و «الرياض».

قال في «الخلاف»: يجوز إخراج القيمة في الزكاة كلّها و في الفطرة أيّ شي ء كانت القيمة و تكون القيمة على وجه البدل لا على أنّه أصل. إلى أن قال: دليلنا إجماع الفرقة؛ فإنّهم لا يختلفون في ذلك «1».

و يدلّ عليه قبل الإجماع صحيح محمّد بن خالد البرقي قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني: هل يجوز أن أخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة أو الشعير و ما يجب على الذهب دراهم قيمته ما يسوى، أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شي ء ما فيه؟ فأجاب

أيّما تيسّر يخرج «2»

، و صحيح العمركي عن علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) عن الرجل يعطي عن زكاته

عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم بالقيمة، أ يحلّ ذلك؟ قال

لا بأس به «3»

، و موثّق يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): عيال المسلمين

______________________________

(1) الخلاف 2: 50/ مسألة 59.

(2) وسائل الشيعة 9: 167، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 14، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 167، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 14، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 140

..........

______________________________

أُعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثياباً و طعاماً و أرى أنّ ذلك خير لهم، قال: فقال

لا بأس «1».

و حكي عن أبي علي عدم جواز دفع غير الدراهم بدلها و لعلّه للنهي عنه في رواية البزنطي عن سعيد بن عمر عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: أ يشتري الرجل من الزكاة الثياب و السويق و الدقيق و البطّيخ و العنب فيقسّمه؟ قال

لا يعطيهم إلّا الدراهم كما أمر اللّٰه «2».

و الرواية على فرض اعتبار سندها و العمل بها محمولة على الأفضلية؛ جمعاً بينها و بين الأخبار المجوّزة، هذا كلّه في غير الأنعام.

و أمّا الأنعام فالمشهور بين الأصحاب نقلًا و تحصيلًا جوازه، بل في «الخلاف» و «الغنية» و غيرهما الإجماع عليه و قد نقلنا عن «الخلاف» أنّه قال: يجوز إخراج القيمة في الزكاة كلّها. إلى أن قال: دليلنا إجماع الفرقة بل يظهر من صحيحة البرقي المتقدّمة: أنّ المدار على الميسور فيكفي الميسور للمالك، و هذا مواساة من الشارع للمالك؛ فلا يكلّف بالشاقّ.

و الظاهر من موثّقة يونس بن يعقوب المتقدّمة: أنّ المدار على الخير لعيال المسلمين سواء كان عيناً أو قيمةً و إطلاق الزكاة في الرواية يشمل الأنعام أيضاً.

و في

«الجواهر»: و بأنّ المقصود من الزكاة رفع الخلّة و سدّ الحاجة و نحو ذلك ممّا يحصل بالقيمة و العين، بل ربّما يكون دفع العين في بعض الأوقات ضرراً على الفقير؛ لحاجته إلى السياسة العاجز عنها، و ربّما حصل ضرر عليه بذلك؛ حتّى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 168، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 14، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 168، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 14، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 141

..........

______________________________

لو أراد لم تحصل بيده، بخلاف دفع القيمة من الراغب فيها «1»، انتهىٰ.

و يدلّ عليه أيضاً: ما ورد في احتساب الدين من الزكاة، كما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل عارف فاضل توفّى و ترك عليه ديناً قد ابتلي به لم يكن بمفسد و لا بمسرف و لا معروف بالمسألة، هل يقضى عنه من الزكاة الألف و الألفان؟ قال

نعم «2»

، و نحوها في الدلالة سائر روايات الباب.

و يدلّ عليه أيضاً: ما دلّ على جواز احتساب تجهيز الميّت من الزكاة، كما في خبر الفضل بن يونس الكاتب عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام) قال

كان أبي يقول: إنّ حرمة بدن المؤمن ميتاً كحرمته حيّاً فوار بدنه و عورته و جهّزه و كفّنه و حنّطه و احتسب بذلك من الزكاة. «3»

الحديث، و الفضل بن يونس قد وثّقه النجاشي، و ضعّفه المحقّق في «المعتبر» بأنّه واقفي.

و يدلّ عليه أيضاً ما دلّ على جواز صرف الزكاة إلى من يحجّ بها، كما في صحيحة علي بن يقطين أنّه قال لأبي الحسن الأوّل (عليه السّلام): يكون عندي المال من الزكاة فأُحجّ

به موالي و أقاربي؟ قال

نعم لا بأس «4».

و قد يستأنس للمطلوب بصحيحة محمّد بن خالد البرقي الواردة فيما يستحبّ للمصدّق و العامل، أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصدقة. إلى أن قال (عليه السّلام)

فإذا قامت علىٰ ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها، و إن لم يردها فليبعها «5».

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 127.

(2) وسائل الشيعة 9: 295، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 46، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 3: 55، كتاب الطهارة، أبواب التكفين، الباب 33، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 9: 290، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 42، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 9: 131، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 14، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 142

و إلّا ففيه تأمّل و إن لا يخلو من وجه (17). و الإخراج من العين أفضل (18). و المدار في القيمة: قيمة وقت الأداء (19) و البلد الذي هي فيه

______________________________

(17) وجه جواز دفع القيمة السوقية من أيّ جنس كانت فيما كان فيه خير للفقراء هو موثّق يونس بن يعقوب المتقدّم. و فيما لم يكن فيه خير ففيه تأمّل، و الوجه في جوازه و إن لم يكن فيه خير للفقراء هو إطلاق الروايات المتقدّمة الدالّة علىٰ جواز دفع القيمة. و موثّق يونس بن يعقوب لا يدلّ على أزيد من جواز الدفع مع كونها خيراً لهم؛ فلا يدلّ على عدم الجواز فيما لم يكن خيراً إلّا بمفهوم قوله

لا بأس

، و الإجماع قام على تخيير المالك بين دفع العين و قيمتها و إن لم يكن خير لهم مع عدم الضرر عليهم.

(18) و في «المستمسك»: كأنّه للاحتياط و الخروج عن شبهة الخلاف، أو

لرواية سعيد بن عمر بعد حملها على الاستحباب، و على كون موردها زكاة الدراهم «1»، انتهىٰ.

و لا يخفى: أنّ الخروج عن شبهة الخلاف لا يقتضي الأفضلية، بل يقتضي كونه أحوط.

(19) في المسألة احتمالات:

الأوّل: أنّ المدار قيمة وقت تعلّق الوجوب. و وجهه: أنّ الزكاة لا تتعلّق بالعين بل بالذمّة، و تشتغل ذمّة المكلّف بمالية مقدار الزكاة في النصاب. و على فرض تعلّقها بالعين لا تتعلّق بها بما هي بل باعتبار ماليتها، و بهذا الاعتبار يجوز

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 9: 85.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 143

..........

______________________________

أداء قيمة العين؛ فالواجب عليه قيمة حين التكليف و اشتغال الذمّة بالواجب، و تعيين قيمة سائر الأزمنة يحتاج إلى دليل.

و لا يخفى ضعف هذا الوجه؛ إذ لا دليل على تعلّق الزكاة بالذمّة أو بالعين بماليتها، بل الظاهر من الأدلّة تعلّقها بعين النصاب كما في قولهم (عليهم السّلام)

في أربعين شاةً شاةٌ «1»

، و قوله (عليه السّلام)

في عشرين ديناراً نصف دينار «2»

، و قوله (عليه السّلام)

في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم «3»

، و قوله

ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعاً؛ فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر. «4»

الخبر، هذا.

مضافاً إلى أنّ القيمة قيمة العين، و هي تختلف زيادة و نقصاً باختلاف السوق حتّى تفرغ ذمّته بأداء العين أو القيمة.

الثاني: أنّ المدار في القيمة وقت الأداء مطلقاً؛ سواء كانت العين موجودة وقت الأداء أو تالفة. و اختاره السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقىٰ» و جماعة من المحشّين لها. وجهه: أنّ المضمون على المالك عبارة عن العين، فما دام لم يؤدّها فهو ضامن لها بنفسها أو قيمتها أصالةً؛ سواء كانت العين موجودة

حين أداء القيمة أو تالفة؛ لأنّه لا يتعيّن الأداء من عين النصاب بل جاز إخراج غيرها من جنسها أو غيره أصالةً، لا بعنوان القيمة بدلًا.

الثالث: التفصيل بين وجود العين وقت أداء القيمة و تلفها؛ فعلى الأوّل قيمة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 116، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 6، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 139، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 1، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 9: 143، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 2، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 9: 176، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 144

..........

______________________________

يوم الأداء، و على الثاني قيمة يوم التلف. و وجهه: أنّ ما هو المضمون مع وجود العين وقت الأداء عبارة عن نفسها أو قيمتها بما أنّها قيمة العين الموجودة حال الأداء، فلا يضمن غيرها. و أمّا مع تلفها فقد ضمن قيمة يوم التلف، فهذه القيمة ثبتت في ذمّته، و يوم الأداء لا بدّ من أدائها.

و هذا الوجه صحيح بالنسبة إلى الشقّ الأوّل، و أمّا الشقّ الثاني فيجري فيما كان النصاب من القيميات كالنقدين و الأنعام، و أمّا في المثليات كالغلّات فقيمة يوم الأداء، هذا أوّلًا.

و ثانياً: أنّ مع تلف النصاب لا تشتغل الذمّة بالقيمة بدلًا عن العين حتّى يقال بضمان قيمة يوم التلف؛ لأنّه لم تتعيّن عين النصاب بالإخراج زكاة، فالقيمة ليست بدل العين حتّى يكون ما في الذمّة قيمة يوم التلف.

الرابع: التفصيل بين وجود العين فقيمة وقت الأداء، و تلفها فأعلى القيم من وقت الوجوب إلى وقت التلف أو من وقت الوجوب إلى وقت الأداء أو من وقت التلف إلى وقت الأداء.

و

وجه الشقّ الأوّل من التفصيل: أنّ قيمة وقت الأداء مع وجود العين هي قيمة العين، و قد جاز إخراج هذه القيمة أصالةً.

و وجه الشقّ الثاني: أنّ العين مضمونة في جميع تلك الأزمنة التي منها زمان ارتفاع قيمته، و أنّ للعين في كلّ زمان من أزمنة تفاوت قيمته مرتبة من المالية أُزيلت يد مالك الزكاة عنها؛ فإن ردّت العين فلا مال سواها يضمن، و إن تلفت استقرّت عليه تلك المراتب لدخول الأدنى تحت الأعلى.

و لا يخفى: أنّ وجه الشقّ الأوّل صحيح، و أمّا وجه الشقّ الثاني ففيه أوّلًا: أنّه مخصوص بالقيميات كالأنعام؛ فلا يجري في المثليات.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 145

لو كانت العين موجودة (20)، و لو كانت تالفة بالضمان فالظاهر أنّ المدار قيمة يوم التلف و بلده (21)،

______________________________

و ثانياً: أنّ المسألة ليست من قبيل الضمان بالتلف؛ لأنّ الفريضة لا تتعيّن في النصاب بل أعمّ منه و من القيمة أصالةً؛ من أيّ جنس كانت.

الخامس: التفصيل بين تقويم الزكاة على نفسه و ضمان القيمة، و عدم تقويمها؛ فعلى الأوّل يجب إخراج ما ضمنه خاصّة دون الزائد و الناقص. و في الثاني قيمة وقت الإخراج؛ أيّ قيمة كانت.

و الجواب عنه: أنّه لا دليل على جواز التقويم على نفسه، و صحّة الضمان بالقيمة متعيّناً دون العين؛ لأنّ الثابت بالأدلّة جواز أداء الزكاة بالقيمة السوقية أصالةً.

و هنا وجه سادس؛ و هو أنّه إن عزل القيمة مع وجود العين تعيّنت سواء ارتفعت أو انخفضت و إن لم يعزل فالواجب قيمة يوم الأداء، و هذا الوجه صحيح بناءً على جواز العزل في الجملة، كما يظهر من أخبار الباب التاسع و الثلاثين من أبواب المستحقّين للزكاة من «الوسائل» «1»،

و سيجي ء البحث عنه في المسألة السابعة من مسائل «القول في بقية أحكام الزكاة».

(20) لأنّ القيمة و إن كان أداؤها بطور الأصالة لكنّها قيمة للعين؛ فلا بدّ من ملاحظة قيمة بلدها مع وجودها.

(21) هذا مبني على كون المسألة من صغريات مسألة الضمان بالتلف، و قد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 285، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 39.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 146

و الأحوط أكثر الأمرين من ذلك و من يوم الأداء و بلده (22).

______________________________

تقدّم منّا أنّ المسألة ليست منها؛ لأنّ الفريضة لا تتعيّن في النصاب بل في الأعمّ منه و من القيمة أصالة من أيّ جنس كانت، هذا أوّلًا.

و ثانياً: أنّه على سبيل التسليم لا يجري في المثليات كالغلّات، فالمدار على قيمة يوم الأداء و البلد الذي هي فيه مطلقاً؛ سواء كانت العين موجودة أو تالفة.

(22) هذا الاحتياط حسن.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 147

[الفصل الثاني في زكاة النقدين]
اشارة

الفصل الثاني في زكاة النقدين

[و يعتبر فيها مضافاً إلىٰ ما عرفت من الشرائط العامّة أُمور]
اشارة

و يعتبر فيها مضافاً إلىٰ ما عرفت من الشرائط العامّة أُمور:

[الأوّل: النصاب]
اشارة

الأوّل: النصاب، و هو في الذهب عشرون ديناراً، و فيه عشرة قراريط هي نصف الدينار (1)،

______________________________

(1) اشتراط النصاب في النقدين كاشتراطه في الأنعام و الغلّات ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين، و في الذهب نصابان: الأوّل: عشرون ديناراً و فيه نصف دينار، و الثاني: أربعة دنانير و مقدار النصاب الأوّل بهذا القدر أعني عشرين ديناراً هو المشهور بين أصحابنا شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً، و حكى في «المختلف» عن ابن بابويه: أنّه ليس في الذهب شي ء حتّى يبلغ أربعين مثقالًا و فيه مثقال «1».

و لا يخفى: أنّ الصدوق (رحمه اللّٰه) أفتى في كتابه «المقنع» بأنّ النصاب الأوّل هو عشرون ديناراً، و عليك بصريح عبارته؛ قال في «المقنع»: اعلم أنّه ليس على الذهب شي ء حتّى يبلغ عشرين مثقالًا، فإذا بلغ ففيه نصف دينار إلى أن يبلغ أربعة

______________________________

(1) مختلف الشيعة 3: 57.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 148

..........

______________________________

و عشرين، ثمّ فيه نصف دينار و عشر دينار. إلى أن قال: و قد روي أنّه ليس على الذهب شي ء حتّى يبلغ أربعين مثقالًا، فإذا بلغ ففيه مثقال، انتهى «1».

و يدلّ على المشهور أخبار مستفيضة: منها: صحيحة حسين بن يسار (بشّار) عن أبي الحسن (عليه السّلام) في حديث قال

في الذهب في كلّ عشرين ديناراً نصف دينار، فإن نقص فلا زكاة فيه «2».

و منها: موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

و من الذهب من كلّ عشرين ديناراً نصف دينار، و إن نقص فليس عليك شي ء «3».

و منها: موثّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

في الذهب إذا بلغ

عشرين ديناراً ففيه نصف دينار، و ليس فيما دون العشرين شي ء «4».

و موثّقة أُخرى لزرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) في حديث قال

ليس في الذهب زكاة حتّى يبلغ عشرين مثقالًا، فإذا بلغ عشرين مثقالًا ففيه نصف مثقال. «5»

الخبر، و غيرها من روايات الباب.

و أمّا ما دلّ على أنّ النصاب في الذهب أربعون ديناراً و فيه دينار واحد فروايتان: إحداهما: صحيحة الفضلاء الأربع عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) قالا

في الذهب في كلّ أربعين مثقالًا مثقال.

إلى أن قال

و ليس في أقلّ من أربعين مثقالًا شي ء «6».

ثانيتهما: صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل

______________________________

(1) المقنع: 161.

(2) وسائل الشيعة 9: 138، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 1، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 9: 138، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 1، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 9: 140، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 1، الحديث 9.

(5) وسائل الشيعة 9: 140، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 1، الحديث 10.

(6) وسائل الشيعة 9: 141، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 1، الحديث 13.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 149

..........

______________________________

عنده مائة درهم و تسعة و تسعون درهماً و تسعة و ثلاثون ديناراً أ يزكّيهما؟ فقال

لا، ليس عليه شي ء من الزكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتّى يتمّ أربعون ديناراً، و الدراهم مائتي درهم «1».

و لا وجه لحمل الأخبار الدالّة على أنّ النصاب الأوّل هو عشرون ديناراً على الاستحباب؛ إذ لا قائل به من الأصحاب؛ فلا بدّ إمّا من طرح الخبرين المزبورين لإعراض الأصحاب عنهما، و إمّا

من حملهما على التقية لموافقة بعض العامّة، كما احتمله صاحب «الوسائل» (رحمه اللّٰه) «2».

و قال بعض علماء العامّة ك «عطاء و الزهري و الأوزاعي» على ما حكاه في «الخلاف» عنهم-: إنّه لا نصاب مستقلّ للذهب، بل نصابه هو المقدار المعادل لمائتي درهم؛ سواء بلغ عشرين ديناراً أو نقص عنه «3».

و يدلّ عليه صحيح الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الذهب و الفضّة ما أقلّ ما يكون فيه الزكاة؟ قال

مائتا درهم، و عدلها من الذهب «4».

و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ قال

إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة «5».

و فيه: أنّ مضمون الحديثين ممّا لم يفت به أحد من الأصحاب، و لعلّ تقدير نصاب الذهب في الحديثين بمائتي درهم كان باعتبار أنّ عشرين ديناراً من الذهب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 141، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 1، الحديث 14.

(2) وسائل الشيعة 9: 141، ذيل الحديث 13.

(3) انظر الخلاف 2: 84.

(4) وسائل الشيعة 9: 137، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 1، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 9: 137، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 1، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 150

و الدينار مثقال شرعيّ، و هو ثلاثة أرباع الصيرفي، فيكون العشرون ديناراً خمسة عشر مثقالًا صيرفيّاً (2)، و زكاته ربع المثقال و ثمنه (3)، و لا زكاة فيما دون عشرين (4)،

______________________________

كان معادلًا بمائتي درهم. و يستفاد هذا من موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال: قلت له: تسعون و مائة درهم و تسعة عشر ديناراً

أ عليها في الزكاة شي ء؟ فقال

إذا اجتمع الذهب و الفضّة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة؛ لأنّ عين المال الدراهم، و كلّ ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة و الديات «1».

(2) في حاشية «الروضة» شرح «اللمعة»: المثقال ضربان: صيرفي و شرعي، الأوّل أربعة و عشرون حِمّصاً، و الثاني ثمانية عشر حمّصاً؛ فعشرة درهم سبعة مثاقيل على الشرعي و خمسة مثاقيل و ربع على الصيرفي «2».

(3) يعني أنّ زكاة الخمسة عشر مثقالًا صيرفياً ربع المثقال الصيرفي و ثمنه، و الربع من المثقال الصيرفي ستّ حمّصات، و الثمن منه ثلاث حمّصات، و مجموع الربع و الثمن تسع حمّصات، و هذا المجموع يعادل نصف المثقال الشرعي.

(4) و يدلّ عليه ذيل صحيحة الحسين بن يسار (بشّار) عن أبي الحسن (عليه السّلام) المتقدّمة؛ و هو قوله (عليه السّلام)

فإن نقص فلا زكاة فيه «3»

، و ذيل موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

و إن نقص فليس عليك شي ء «4»

، و صدر موثّقة علي بن عقبة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 139، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 1، الحديث 7.

(2) شرح اللمعة 1: 101 (ط حجري).

(3) وسائل الشيعة 9: 138، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 1، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 9: 138، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 1، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 151

و لا فيما زاد عليها حتّى يبلغ أربعة دنانير (5) و هي ثلاثة مثاقيل صيرفيّة ففيها قيراطان؛ إذ كلّ دينار عشرون قيراطاً، و هكذا كلّما زاد أربعة (6)،

______________________________

عن أبي جعفر و أبي عبد

اللّٰه (عليهما السّلام) قالا

ليس فيما دون العشرين مثقالًا من الذهب شي ء «1»

، و غيرها من روايات الباب.

(5) إجماعاً عندنا، و وافقنا بعض العامّة كأبي حنيفة، و أنكر الباقون منهم النصاب الثاني و قالوا بوجوب ربع العشر في الزائد على العشرين و إن لم يبلغ أربعة و عشرين.

و يدلّ عليه موثّق علي بن عقبة المتقدّم قال

فإذا كملت أربعة و عشرين مثقالًا ففيها ثلاثة أخماس دينار. «2»

الخبر، و رواية أبي عيينة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا جازت الزكاة العشرين ديناراً ففي كلّ أربعة دنانير عشر دينار «3».

حكي عن الشيخ (رحمه اللّٰه) أنّه قال: و لم أجد لأبي عيينة ذكراً في كتب رجالنا. و حكى الأردبيلي في «رجاله» عن السيّد الميرزا محمّد الأسترآبادي أنّه قال: و لم أجد له ذكراً في كتب الرجال «4».

(6) القيراط بحسب الوزن ثمانية تسع حمّصة، و كلّ حمّصة أربع شعيرات إلّا اثنتي عشر جزءً من ثلاثة و ستّين جزءً من شعير؛ فالقيراط نصف عشر المثقال و القيراطان عُشر المثقال و في العشرين ديناراً عشر قراريط، و في أربعة دنانير

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 138، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 1، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 9: 138، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 1، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 9: 139، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 1، الحديث 6.

(4) جامع الرواة 2: 408.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 152

و ليس فيما نقص عن أربعة دنانير شي ء (7)، لكن لا بمعنى عدم تعلّق الزكاة به رأساً كما قبل العشرين، بل المراد بالعفو عمّا بين النِّصابين: هو أنّ ما زاد عن

نِصاب إلىٰ أن بلغ نصاباً آخر متعلَّق للفرض السابق، فالعشرون مبدأ النِّصاب الأوّل إلىٰ أربعة و عشرين. و هو متعلّق للفرض الأوّل؛ أي نصف الدينار، فإذا بلغت أربعة و عشرين زاد قيراطان إلىٰ ثمانية و عشرين، فزاد قيراطان و هكذا (8).

______________________________

قيراطان، و في أربعة و عشرين ديناراً اثنتا عشرة قراريط، و هي ثلاثة أخماس دينار؛ لأنّ كلّ خمس من أخماس الدينار أربعة قراريط، و هذا معنى قوله في موثّقة علي بن عقبة المتقدّمة

فإذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية و عشرين فعلى هذا الحساب كلّما زاد أربعة

، ففي ثمانية و عشرين ديناراً أربعة و عشر قيراطاً، و هكذا كلّما زاد أربعة.

(7) أي شي ء زائد على نصف دينار. و يدلّ عليه موثّق علي بن عقبة المتقدّم حيث تعيّن نصف الدينار الذي هو زكاة العشرين مثقالًا إلى أربعة و عشرين مثقالًا، فإذا كملت أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية و عشرين، فعلى هذا الحساب كلّما زاد أربعة.

(8) يعني أنّه لا شي ء فيما بين النصابين أزيد من فرض النصاب السابق؛ فالعشرون ديناراً نصاب أوّل في الذهب، و الأربعة و العشرون نصاب ثاني له، و نصف الدينار فرض للنصاب الأوّل، ثمّ إذا زاد الذهب من عشرين ديناراً فالواجب هو نصف المثقال ما دام لم يبلغ أربعة و عشرين.

فمعنى العفو بين النصابين هو عدم وجوب شي ء زائد على فرض النصاب

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 153

و نِصاب الفضّة مائتا درهم، و فيه خمس دراهم (9)،

______________________________

السابق، لا بمعنى عدم تعلّق شي ء بالزائد رأساً. و يدلّ عليه قوله (عليه السّلام) في موثّقة علي بن عقبة المتقدّمة قال (عليه السّلام)

فإذا كملت

عشرين مثقالًا ففيها نصف مثقال إلى أربعة و عشرين

، حيث إنّ نصف المثقال فرض لعشرين ديناراً إلى إكمال أربعة و عشرين، فإذا كملت أربعة و عشرين فالواجب زائد على نصف الدينار إلى ثمانية و عشرين ديناراً، و هكذا. و قد تقدّم نظير ذلك في المسألة الثانية من مسائل «القول في النصاب» نصاب زكاة الأنعام فراجع.

(9) و هذا إجماعي بين الفريقين. و يدلّ عليه صحيح رفاعة بن موسى النخّاس قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقال: إنّي رجل صائغ أعمل بيدي و إنّه يجتمع عندي الخمسة و العشرة، ففيها زكاة؟ فقال

إذا اجتمع مائتا درهم فحال عليه الحول فإنّ عليها الزكاة «1».

و صحيح حسين بن يسار (بشّار) قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) في كم وضع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الزكاة؟ فقال

في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم، و إن نقصت فلا زكاة فيها «11».

و موثّق سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال

في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم من الفضّة، و إن نقصت فليس عليك زكاة «12».

و موثّق زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال

في الفضّة إذا بلغت مائتي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 143، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 2، الحديث 2.

(11) وسائل الشيعة 9: 143، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 2، الحديث 3.

(12) وسائل الشيعة 9: 143، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 2، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 154

ثمّ كلّما زاد أربعين كان فيها درهم بالغاً ما بلغ (10)، و ليس فيما دون المائتين شي ء (11)،

______________________________

درهم خمسة دراهم. «1»

الخبر،

و علي بن أسباط في سند الخبر كان فطحياً و جرى بينه و بين علي بن مهزيار رسائل في ذلك، فرجعا فيها إلى أبي جعفر الثاني، فرجع عن ذلك و كان ثقة من أوثق الناس، و محمّد بن زياد هو ابن أبي عمير، و عمر بن أُذينة قد وثّقه الشيخ (رحمه اللّٰه) و قال ابن داود: إنّه وجه من وجوه أصحابنا.

و صحيح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) في حديث قالا

في الورق في كلّ مائتين خمسة دراهم «2»

، و غيرها من روايات الباب.

(10) و يدلّ عليه ذيل صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ليس عليه شي ء حتّى يبلغ أربعين فيعطي عن كلّ أربعين درهماً درهم (درهماً) «3».

و موثّق زرارة المتقدّم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

فليس فيها شي ء حتّى تبلغ الأربعين «4».

و ذيل صحيح الفضلاء المتقدّم قال

و ليس في النيف شي ء حتّى يتمّ أربعون فيكون فيه واحد «5»

، و غيرها من روايات الباب.

(11) هذا إجماعي بين الفريقين. و يدلّ عليه صريحاً موثّق زرارة المتقدّم قال

و ليس فيما دون المائتين شي ء «6».

و صحيح الفضلاء المتقدّم قال

و لا في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 144، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 2، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 9: 144، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 2، الحديث 7.

(3) وسائل الشيعة 9: 142، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 2، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 9: 144، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 2، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 9: 144، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 2، الحديث 7.

(6) وسائل

الشيعة 9: 144، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 2، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 155

و كذا فيما دون الأربعين (12)، لكن بالمعنى المتقدّم في الذهب (13)، و الدرهم ستّة دوانيق عبارة عن نصف مثقال شرعيّ و خمسه؛ لأنّ كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعيّة (14).

______________________________

أقلّ من مائتي درهم شي ء «1».

و صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) قال

ليس في الفضّة زكاة حتّى تبلغ مائتي درهم «2»

، و غيرها من روايات الباب.

(12) هذا إجماعي عند أصحابنا، و وافقنا أبو حنيفة و خالفنا صاحب المذاهب الأُخر، و قالوا بوجوب ربع العشر فيما زاد على المائتين قليلًا كان أو كثيراً و يدلّ عليه موثّق زرارة المتقدّم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

فإذا زادت تسعة و ثلاثون على المائتين فليس فيها شي ء حتّى تبلغ الأربعين «3»

، و غيره من روايات الباب.

(13) قد تقدّم توضيح ما يفيدها هنا.

(14) كلّ دانق ثماني حبّات من أوسط حبّ الشعير؛ فكلّ درهم ستّة دوانيق، و بضرب الستّة في الثمانية يكون الدرهم ثمانية و أربعين حبّة شعير، و كلّ درهم أربعة عشر قيراطاً و عشرة دراهم تعادل مائة و أربعين قيراطاً، كما أنّ سبعة مثاقيل شرعية تعادل مائة و أربعين قيراطاً تحصل بضرب السبعة في عشرين قيراطاً.

قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «المنتهي»: الدراهم في بدو الإسلام كانت على صنفين: بغلية و هي السود و الطبرية، و كانت السود كلّ درهم منها ثمانية دوانيق و الطبرية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 144، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 2، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 9: 144، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 2، الحديث 8.

(3)

وسائل الشيعة 9: 144، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 2، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 156

[فائدة]

فائدة: الضابط الكلّي في تأدية زكاة النقدين: أنّهما بعد ما بلغا حدّ النِّصاب أعني عشرين ديناراً، أو مائتي درهم يُعطي من كلّ أربعين واحداً، فقد أدّى ما وجب عليه؛ و إن زاد على المفروض في بعض الصور بقليل، و لا بأس به، بل أحسن و زاد خيراً (15).

______________________________

أربعة دوانيق، فجمعا في الإسلام و جعلا درهمين مساويين و وزن كلّ درهم ستّة دوانيق، فصار وزن كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل بمثقال الذهب و كلّ درهم نصف مثقال و خمسه، و هو الدرهم الذي قدّر به النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) المقادير الشرعية في نصاب الزكاة و القطع قطع اليد في سرقة المال و مقدار الديات و الجزية «1».

(15) لا بأس بنقل كلام صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) توضيحاً لعبارة المصنّف (رحمه اللّٰه)، و هو (رحمه اللّٰه) بعد اختيار نفي الزكاة عمّا نقص عن النصاب في الذهب و الفضّة و لو يسيراً كالحبّة و نحوها و إن تسومح في المعاملة، قال بما ملخّصه: نعم لو كان النقصان ممّا تختلف به الموازين فينقص في بعضها دون بعض فالأقوى وجوب الزكاة؛ لصدق بلوغ النصاب بذلك؛ ضرورة عدم اعتبار البلوغ بالجميع؛ لعدم إمكان تحقّقه، فلا إشكال في الاجتزاء بالبلوغ في البعض مع عدم العلم بخلاف الباقي، و ليس إلّا لحصول الصدق بذلك المشترك بينه و بين الفرض الذي لا مدخلية للعلم بخلاف الغير و عدمه فيه.

إلى أن قال (رحمه اللّٰه): و كيف كان فقد ظهر من ذلك كلّه: أنّ للذهب نصابين و كذا للفضّة،

و إن شئت جعلته نصاباً واحداً كلّياً بأن تقول: لا شي ء في الذهب حتّى يبلغ

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 493/ السطر 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 157

[الثاني: كونهما منقوشين بسكّة المعاملة]

الثاني: كونهما منقوشين بسكّة المعاملة (16) من سلطان أو شبهه

______________________________

عشرين، فإذا بلغ ففي كلّ أربعة قيراطان دائماً، و لا شي ء في الفضّة حتّى تبلغ المأتين، فإذا بلغت ففي كلّ أربعين درهماً درهم دائماً. و لكن الموافق لما في النصوص التعبير الأوّل؛ و لعلّه لذلك عبّر به الأصحاب، و الأمر سهل بعد وضوح المطلوب و بعد أن ظهر أنّ الواجب في كلّ منهما بعد بلوغ النصاب ربع العشر؛ و لذا لو أخرجه من عنده أحدهما بعد العلم بالاشتمال على النصاب الأوّل أجزأ و إن لم يعتبر الجميع، بل ربّما زاد خيراً؛ إذ قد يشتمل ما عنده على العفو كما هو واضح «1»، انتهى.

(16) اشتراط كون الذهب و الفضّة منقوشين بسكّة المعاملة إجماعي عندنا، و العامّة يخالفون في هذا الشرط و يقولون بوجوب الزكاة فيهما على اختلاف حالاتهما من كونهما سبائك و حلياً و ظرفاً و مسكوكاً حتّى ذرّات مخلوطة بالتراب، و قال الشافعي بعدم وجوب الزكاة في الحلي.

و يدلّ على الاشتراط صحيح علي بن يقطين عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّه يجتمع عندي الشي ء الكثير قيمته فيبقى نحواً من سنة أ نزكّيه؟ فقال

لا، كلّ ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة، و كلّ ما لم يكن ركازاً فليس عليك فيه شي ء

، قال: قلت: و ما الركاز؟ قال

الصامت المنقوش

، ثمّ قال

إذا أردت ذلك فاسبكه فإنّه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضّة شي ء من الزكاة «2»

، أقول:

______________________________

(1) جواهر

الكلام 15: 173 174.

(2) وسائل الشيعة 9: 154، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 8، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 158

و لو في بعض الأزمنة و الأمكنة بسكّة الإسلام أو الكفر بكتابة أو غيرها (17)؛

______________________________

الصامت من المال هو الذهب و الفضّة، و المنقوش منهما متعلّق للزكاة.

و مرسل جميل عن بعض أصحابنا أنّه قال

ليس في التبر زكاة، إنّما هي على الدنانير و الدراهم «1»

التبر من الذهب ما كان غير مضروب أو غير مصوغ أو في تراب معدنه.

و صحيح آخر لعلي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن المال الذي لا يعمل به و لا يقلب، قال

تلزمه الزكاة في كلّ سنة، إلّا أن يسبك «2».

و رواية جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّٰه و أبي الحسن (عليهما السّلام) أنّه قال

ليس في التبر زكاة، إنّما هي على الدراهم و الدنانير «3»

، و جعفر بن محمّد بن حكيم و إن وثّقه ابن قولويه و لا يعارض توثيقه جرح رجل مجهول الحال، لكن وثاقته لا تثبت بشهادة العدل الواحد، و المراد من الدراهم و الدنانير في العرف هو المنقوش بسكّة المعاملة.

(17) و ذلك لإطلاق الأدلّة و الفتوىٰ و معقد الإجماع، و قال كاشف الغطاء (رحمه اللّٰه): إنّه لا فرق بين القديمة و الجديدة و الإسلامية و غيرها، و بقاء الأثر مع بقاء المعاملة فيها و عدمه، و الصافية و المغشوشة، و إلغاء السكّة و عدمه، و عموم الأماكن و عدمه، و لا بين الاتّخاذ للمعاملة و بين الاتّخاذ لزينة الحيوان و الإنسان و غيرهما «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 155، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 8،

الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 9: 155، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 8، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 9: 156، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 8، الحديث 5.

(4) كشف الغطاء: 350/ السطر 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 159

و لو صارا ممسوحين بالعارض (18)، و أمّا الممسوحان بالأصل فلا تجب فيهما، إلّا إذا كانا رائجين فتجب على الأحوط (19)،

______________________________

(18) و ذلك لصدق اسم الدرهم و الدينار على الممسوح بالعارض، و للاستصحاب.

إن قلت: إنّ متعلّق وجوب الزكاة في صحيحة علي بن يقطين هو المنقوش؛ فلا يشمل الممسوح فلا زكاة فيه. قلت: التعبير بالمنقوش باعتبار الغالب فيما ضرب للمعاملة؛ فلا مفهوم للوصف.

و قال الشهيد الثاني (رحمه اللّٰه) في «الروضة» شرح «اللمعة» بعدم وجوب الزكاة في الممسوح و إن تعومل به «1»، و يمكن حمل كلامه على الممسوح بالأصالة.

(19) المراد من الممسوح بالأصالة هو أن لا ينقش بالسكّة من أوّل الأمر، و في إطلاق الممسوح عليه مسامحة.

و كيف كان: فلا زكاة في المضروب بغير سكّة إذا لم تعومل بهما، و أمّا إذا كانت المعاملة بهما رائجة فالأحوط لو لم يكن الأقوىٰ وجوب الزكاة فيهما؛ و ذلك لأنّ متعلّق وجوب الزكاة عبارة عن الدرهم و الدينار الصادقين على المضروب الرائج بغير سكّة، و أنّ إطلاق أدلّة وجوب الزكاة في الذهب و الفضّة يشمله، و المتيقّن الخارج منه غير الرائج كالمصوغ للحلي أوّلًا و غير المضروب للمعاملة. و التقييد بالمنقوش في صحيحة علي بن يقطين «2» المتقدّمة إنّما هو باعتبار الغالب.

______________________________

(1) الروضة البهية 2: 30.

(2) وسائل الشيعة 9: 154، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 8، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة -

الزكاة و الخمس، ص: 160

و لو اتخذ المسكوك حلية للزينة مثلًا فلا تجب الزكاة فيه؛ زاده الاتّخاذ في القيمة أو نقصه، كانت المعاملة علىٰ وجهها ممكنة أولا (20).

______________________________

و مع ذلك كلّه: فإن كان في المسألة إجماع على عدم الوجوب كما يستفاد من كلام صاحب «المدارك» (رحمه اللّٰه): «و لو جرت المعاملة بالسبائك بغير نقش فقد قطع الأصحاب بأنّه لا زكاة فيها، و هو حسن» «3» فهو المتّبع، و إلّا فالوجوب متّجه.

(20) اختلف فقهاؤنا في المسألة؛ قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه): و لو اتّخذ المضروب بالسكّة للزينة كالحلي و غيرها ففي «الروضة» و شرحها للأصبهاني: لم يتغيّر الحكم زاده الاتّخاذ أو نقصه في القيمة ما دامت المعاملة به على وجهه ممكنة؛ لإطلاق الأدلّة، و الاستصحاب الذي به يرجّح الإطلاق المزبور على ما دلّ على نفيها عن الحلي، و إن كان التعارض بينهما من وجه، بل يحكم عليه؛ لأنّ الخاصّ و إن كان استصحاباً يحكم على العامّ و إن كان كتاباً. مضافاً إلى ما قيل من أنّ المفهوم من نصوص الحلي المعدّ لذلك أصالةً.

و دعوى ظهورها في جعل الدراهم و الدنانير حلياً فلا تقبل التخصيص حينئذٍ، واضحة المنع، كدعوى ترجيح نصوص الحلي باشتمالها على التعليل لها باقتضاء الزكاة فيها عدم بقاء شي ء منها أو ما هو كالتعليل؛ ضرورة أنّه بعد تسليم كونه علّةً لا حكمة أقصاه العموم القابل للتخصيص بما عرفت. نعم لو تغيّرت بالاتّخاذ بثقب و نحوه بحيث لا تبقى المعاملة بها اتّجه عدم وجوب الزكاة فيها حينئذٍ؛ لانتفاء الشرط الذي هو المعاملة بصنفها.

و ليس ذا كالمهجورة التي قد حصل التعامل بصنفها سابقاً كما هو واضح،

______________________________

(3) مدارك الأحكام 5: 116.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و

الخمس، ص: 161

[الثالث: الحول]

الثالث: الحول، و يُعتبر أن يكون النصاب موجوداً فيه أجمع، فلو نقص عنه في أثنائه، أو تبدّلت أعيان النصاب بجنسه أو غيره، أو بالسبك و لو بقصد الفرار، لم تجب فيه زكاة (21) و إن استحبّت في هذه الصورة،

______________________________

و اللّٰه أعلم «1»، انتهى.

أقول: الأحوط لو لم يكن الأقوى تعلّق الزكاة على الدرهم و الدينار المتّخذين للزينة مع رواج المعاملة؛ لما ذكر من إطلاق الأدلّة و استصحاب الحكم، و الأدلّة الدالّة علىٰ نفي الزكاة عن الحلي محمولة على المعدّ للزينة بالأصالة.

(21) يقع البحث في أُمور:

الأوّل: أنّ اشتراط الحول في وجوب زكاة النقدين إجماعي بين المسلمين، و في «الجواهر»: بلا خلاف أجده بل الإجماع بقسميه عليه «2»، انتهى.

و يدلّ عليه النصوص في حدّ الاستفاضة، بل في حدّ التواتر؛ منها: صحيحة زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

ليس في شي ء أنبتت الأرض.

إلى أن قال

غير هذه الأربعة الأصناف و إن كثر ثمنه، إلّا أن يصير مالًا يباع بذهب أو فضّة يكنزه ثمّ يحول عليه الحول و قد صار ذهباً أو فضّة.

«3» الحديث.

و منها: صحيحة رفاعة النخّاس قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقال: إنّي رجل صائغ أعمل بيدي و إنّه يجتمع عندي الخمسة و العشرة، ففيها زكاة؟ فقال

إذا اجتمع مائتا درهم فحال عليها الحول فإنّ عليها الزكاة «4».

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 182.

(2) نفس المصدر.

(3) وسائل الشيعة 9: 140، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 1، الحديث 12.

(4) وسائل الشيعة 9: 143، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 2، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 162

..........

______________________________

و منها: صحيحة الفضل

بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) قال في كتابه إلى المأمون

و الزكاة الفريضة في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم، و لا تجب فيما دون ذلك شي ء، و لا تجب الزكاة على المال حتّى يحول عليه الحول «1».

و منها: صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): رجل كان عنده مائتا درهم غير درهم أحد عشر شهراً ثمّ أصاب درهماً بعد ذلك في الشهر الثاني عشر و كملت عنده مائتا درهم، أ عليه زكاتها؟ قال

لا، حتّى يحول عليها الحول؛ و هي مائتا درهم. «2»

الحديث.

و منها: صحيحة علي بن يقطين عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّه يجتمع عندي الشي ء الكثير قيمته فيبقى نحواً من سنة، أ نزكّيه؟ فقال

لا، كلّ ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة. «3»

الحديث.

و منها: صحيحة زرارة و محمّد بن مسلم قالا: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أيّما رجل كان له مال فحال عليه الحول فإنّه يزكّيه

، و في موضع آخر من هذه الصحيحة قال (عليه السّلام)

إنّه حين رأى هلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة

، و في موضع ثالث منها قال (عليه السّلام)

إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليه الحول و وجبت عليه فيها الزكاة «4».

و منها: غيرها من روايات الأبواب الأُخر.

الثاني: يعتبر بقاء شخص النصاب و عين الدراهم و الدنانير طول الحول، بحيث لو تبدّلت أعيانهما بغيرها من جنسهما أو غيره في أثناء الحول لم تجب الزكاة. و يدلّ عليه صحيح زرارة و محمّد بن مسلم قلت له: فإن أحدث فيها قبل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 145، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 2، الحديث 11.

(2) وسائل الشيعة 9: 152، كتاب الزكاة،

أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 6، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 154، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 8، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 9: 163، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 12، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 163

..........

______________________________

الحول؟ قال

جائز ذلك له «1»

، و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: فيما عدا الأثمان، و قد تقدّم تفصيل الكلام في مبحث زكاة الأنعام في شرح قوله (رحمه اللّٰه) «و أمّا الشهر الأحد العشر فكما ينقطع الحول باختلال أحد الشروط فيه» في ذيل المسألة الاولى من مسائل القول في الحول، فراجع.

و قال الشيخ في «الخلاف» بعدم اشتراط بقاء شخص النصاب طول الحول، قال: من كان معه نصاب فبادل بغيره لا يخلو أن يبادل بجنس مثله، مثل أن بادل إبلًا بإبل أو بقراً ببقرٍ أو غنماً بغنمٍ أو ذهباً بذهبٍ أو فضّة بفضّةٍ؛ فإنّه لا ينقطع الحول و يبني «2»، انتهى.

و قال في «المبسوط»: إذا بادل جنساً بجنس مخالف مثل إبل ببقر أو بقر بغنم أو غنم بذهب أو ذهب بفضّة أو فضّة بذهب استأنف الحول بالبدل و انقطع حول الأوّل، و إن فعل ذلك فراراً من الزكاة لزمته الزكاة، و إن بادل بجنسه لزمه الزكاة مثل ذهب بذهب أو فضّة بفضّة أو غنم بغنم و ما أشبه ذلك «3»، انتهى.

الثالث: المشهور شهرة عظيمة عدم وجوب الزكاة لو سبك النصاب كلّه أو بعضه في أثناء الحول. و يدلّ عليه صحيح عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضاً أو داراً، أ عليه شي ء؟ فقال

لا، و لو

جعله حلياً أو نقراً فلا شي ء عليه، و ما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ اللّٰه الذي يكون فيه «4».

و صحيح علي بن يقطين عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال

لا تجب الزكاة فيما سبك

، قلت: فإن كان سبكه فراراً من الزكاة؟ قال

أ لا ترى أنّ المنفعة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 163، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 12، الحديث 2.

(2) الخلاف 2: 55/ مسألة 64.

(3) المبسوط 1: 206.

(4) وسائل الشيعة 9: 159، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 11، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 164

بل هو الأحوط (22). نعم لو كان السبك بعد وجوب الزكاة بحول الحول لم تسقط (23).

[ (مسألة 1): يُضمّ الدراهم و الدنانير بعضها إلىٰ بعض بالنسبة إلىٰ تحقّق النصاب]

(مسألة 1): يُضمّ الدراهم و الدنانير بعضها إلىٰ بعض بالنسبة إلىٰ تحقّق النصاب و إن اختلف من حيث الاسم و السكّة، بل من حيث القيمة و اختلاف الرغبة، فيُضمّ القِران الإيراني إلى المجيدي و الروپيّة، بل يضمّ الرائج الفعلي إلى المهجور (24).

______________________________

قد ذهبت منه؛ فلذلك لا تجب عليه الزكاة «1»

، و قد تقدّم وجه الجمع بين هذه الأخبار و الأخبار الدالّة على ثبوت الزكاة فيما سبك للفرار عن الزكاة بحمل المثبتة على الاستحباب، فراجع ما قدّمناه في شرح ذيل المسألة الاولى من مسائل «القول في الحول في الأنعام الثلاثة».

(22) وجه الاستحباب ما ذكرناه من حمل الأخبار المثبتة للزكاة على الاستحباب.

(23) و ذلك لاستقرار الوجوب بتحقّق الشرط و هو حول الحول و تمامه و وجب الإخراج بملاحظة الدراهم و الدنانير إذا فرض نقص القيمة بذلك، و له الزيادة الحاصلة به لو فرضت؛ لأنّه ماله. و يحتمل شركة الفقراء مع المالك في الزيادة بناءً

على تعلّق الزكاة بالعين بنحو الإشاعة.

(24) ليس المراد ضمّ بعض الدراهم إلى بعض الدنانير، بل المراد ضمّ بعض الدراهم إلى بعضها و ضمّ بعض الدنانير إلى بعضها بالنسبة إلى تحقّق النصاب، مثلًا إذا كان له أنواع مختلفة من الدراهم أو الدنانير و كان اختلافها من حيث الأوصاف

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 160، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 11، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 165

و أمّا بالنسبة إلىٰ إخراج الزكاة، فإن تطوّع المالك بالإخراج من الأرغب و الأكمل فقد أحسن و زاد خيراً، و إلّا أخرج من كلّ بقسطه و نسبته على الأقوىٰ (25)،

______________________________

و القيمة فيضمّ بعضها إلى بعض مع صدق اسم الدراهم و الدنانير و إن اختلفت أسماء أنواعها و سككها، كالقران الإيراني و المجيدي اسم لسكّة يعادل خمس قرانات من الفضّة منسوب إلى السلطان عبد المجيد من السلاطين العثمانيين، و هي نوعان: كبيرة و صغيرة و كلاهما من سكك الفضّة الرائجة في تركيا و العراق و الروپية و في «لغتنامه دهخدا»: نام بزرگترين سكّة نقرة هند است كه دو مثقال و نيم وزن دارد، واحد پول هندوستان و پاكستان و سيلان و نپال و اندونزى است، و در سال 1952 ميلادى واحد پول برمة نيز بوده است.

و الدليل على جواز ضمّ بعضها إلى بعض هو الإجماع؛ ففي «الجواهر»: بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه بعضهم إلى الأصحاب مشعراً بالإجماع عليه، و لعلّه كذلك «1»، انتهى. و يدلّ عليه إطلاقات أدلّة وجوب الزكاة في الدراهم و الدنانير و الذهب و الفضّة.

(25) إذا كان بعض النصاب جيّداً و بعضه رديئاً فالإخراج من الجيّد أفضل. و إن لم يخرج

الجيّد فهل يتخيّر المالك فيجوز له الإخراج من الردي ء فالتقسيط أفضل، أو أنّه يجب التقسيط و الإخراج من كلّ جنس بقدره؟

و قد اختار الشيخ الأوّل في «المبسوط»، قال: إذا كان معه دراهم جيّدة الثمن مثل الروضية منه و الراضية و دراهم دونها في القيمة و مثلها في العيار ضمّ بعضها إلى بعض و أُخرج منها الزكاة، و الأفضل أن يخرج من كلّ جنس ما يخصّه، و إن اقتصر

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 193.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 166

..........

______________________________

على الإخراج من جنس واحد لم يكن به بأس؛ لأنّه (عليه السّلام) قال

في كلّ مائتين خمسة دراهم «1»

و لم يفرق، و كذلك حكم الدنانير سواء «2»، انتهى.

و اختاره العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التحرير» و «التذكرة» و «القواعد». و تبعهما صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) و قال بمنافاة التقسيط؛ لإطلاق أدلّة الفرائض التي لا فرق فيها بين أفراد النصاب، و أنّ الشارع قد جعل مسمّى هذا الاسم عوضاً عن الحصّة المشاعة، فيؤخذ بإطلاقه، فيجزيه كلّ فرد إذا لم يكن الوسط الذي ينصرف إليه الإطلاق أو يظنّ إرادته باعتبار جمعه مراعاة الحقّين المعلوم من الأدلّة اعتبارهما معاً؛ للنهي عن أخذ المريضة و ذات العوار و نحوهما و عن أخذ كرائم الأموال و شدّة تأكيد أمير المؤمنين (عليه السّلام) على مصدّقة في مراعاته. إلى أن قال (رحمه اللّٰه): قلّ ما يتّفق تساوي أفراد النصاب في الحيوان و نحوه.

ثمّ قال (رحمه اللّٰه): و قد ظهر لك من ذلك كلّه: أنّه لا فرق عندنا بعد الاتّحاد في الجنس بين تساوي الرغبة و عدمها و تساوي القيمة و عدمها و تساوي العيار و عدمه إذا كان ممّا يتسامح به و

تساوي السكّة و عدمها في وجوب الضمّ، بل و في الإخراج «3»، انتهىٰ موضع الحاجة ملخّصاً.

و اختار هذا القول السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين، و نسب إلى المحقّق و الشهيد الثانيين تبعاً للمحقّق الأوّل في «الشرائع» وجوب التقسيط و الإخراج من كلّ جنس بقسطه؛ للبناء على قاعدة الشركة و وجوب الكسر المشاع، و هذا القول هو المختار عندنا، و لا ينافيه النهي عن أخذ كرائم الأموال،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 143، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 2، الحديث 4.

(2) المبسوط 1: 209.

(3) جواهر الكلام 15: 193 194.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 167

و لا يجوز الاجتزاء بالفرد الأدون عن الجميع (26).

[ (مسألة 2): الدراهم المغشوشة بما يخرجها عن اسم الفضّة الخالصة]

(مسألة 2): الدراهم المغشوشة بما يخرجها عن اسم الفضّة الخالصة و لو الرديّة لا زكاة فيها حتّى بلغ خالصها النصاب (27)،

______________________________

فإذا كان النصاب مركّباً من الجيّد و الردي ء فللمصدّق أن يأخذ الوسط من غير النصاب.

(26) لمنافاته لقاعدة الشركة.

فرع: يجوز دفع الجيّد عن الردي ء بالتقويم إذا كان قيمتهما متساوية؛ بأن يدفع نصف دينار جيّد يسوي ديناراً رديّاً عن أربعين ديناراً رديا، و هذا القول مبني على المختار من القول بالتقسيط و الأخذ بالنسبة؛ فيجزي ثلث دينار جيّد مثلًا عن نصف دينار إذا كانا متساويين قيمة. و أمّا على قول الشيخ (رحمه اللّٰه) في مسألة ضمّ الدراهم و الدنانير بعضها إلى بعض من جواز إخراج الردي ء عن الجيّد فالواجب عليه في عشرين ديناراً مثلًا هو ربع العشر؛ سواء دفع من النصاب أو من الخارج، و سواء أعطى من الجيّد أو الأردى أو المتوسّط. و قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة»: و لو نقص قدراً مثل أن

يخرج عن نصف دينار ثلث دينار جيّد احتمل الإجزاء اعتباراً بالقيمة و عدمه؛ لأنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) نصّ على نصف دينار؛ فلم يجز النقص منه «1»، انتهى.

(27) يستفاد من عبارة المصنّف (رحمه اللّٰه): أنّ الغشّ في الدراهم تارة يكون بحيث لا يخرجها عن صدق اسم الفضّة الخالصة و لو الرديئة و هذا لا كلام في أنّه تجب الزكاة فيها. و أُخرى يكون بحيث لا يصدق اسم الفضّة عليها و لو الرديئة و لم يبلغ

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 128.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 168

..........

______________________________

خالصها النصاب؛ فلا إشكال في عدم وجوب الزكاة فيها.

و إنّما الكلام و الإشكال فيما بلغ خالصها النصاب مع عدم صدق اسم الفضّة عليها، فهل تجب فيه الزكاة أو لا؟ قولان في المسألة:

الأوّل: أنّه تجب. اختاره الشيخ في «الخلاف» قال: إذا كان عنده دراهم محمول عليها لا زكاة فيها حتّى تبلغ ما فيها من الفضّة مائتي درهم؛ سواء كان الغشّ النصف أو أقلّ أو أكثر، و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: إن كان الغشّ النصف أو أكثر مثل ما قلناه، و إن كان الغشّ دون النصف سقط حكم الغشّ و كانت كالفضّة الخالصة التي لا غشّ فيها «1»، انتهى موضع الحاجة.

و قال في «المبسوط»: و متى كان معه مثلًا ألف درهم مغشوشة فإن أخرج منها خمسة و عشرين درهماً فضّة خالصة فقد أجزأ؛ لأنّه أخرج الواجب و زيادة «2».

و قال العلّامة في «التذكرة»: لا تجب الزكاة في المغشوشة حتّى يبلغ الصافي نصاباً، و كذا المختلط بغيره عند علمائنا «3»، انتهى.

و نحوه ما في «القواعد». و قال المحقّق في «الشرائع»: الدراهم المغشوشة لا

زكاة فيها حتّى يبلغ خالصها نصاباً «4».

و اختاره صاحب «الجواهر» و قال: بلا خلاف أجده فيما قبل الغاية المراد من «ما قبل الغاية» في عبارة «الشرائع» نفي الزكاة فيما لم يبلغ خالصها النصاب و لا بعدها المراد من «ما بعد الغاية» وجوب الزكاة فيما بلغ خالصة النصاب بل

______________________________

(1) الخلاف 2: 76/ مسألة 89.

(2) المبسوط 1: 210.

(3) تذكرة الفقهاء 5: 126.

(4) شرائع الإسلام 1: 139.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 169

و لو شكّ فيه و لم يكن طريق إلى التعرّف لم تجب الزكاة (28)،

______________________________

الأوّل من الواضحات «1»، انتهى.

و اختار هذا القول المصنّف (رحمه اللّٰه)، و هو المختار عندنا.

و القول الثاني و لم يعرف قائله عدم وجوب الزكاة فيها؛ لأنّ الزكاة تجب في الفضّة المسكوكة درهماً، و ما ركّب منها و من غيرها خارج عن الاسم؛ فلا تتعلّق الزكاة به، و لأنّ اسم الدرهم لا يصدق على غير الخالص حقيقة. و هذا القول مردود بأنّه مكابرة و الإجماع قام على خلافه.

و العمدة في الدليل على القول الأوّل المختار هو الإجماع، و خبر زيد الصائغ عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) حيث سئل عن الدراهم المغشوشة حال عليها الحول، أُزكّيها؟ قال

نعم «2»

، و هذا الخبر و إن كان ضعيفاً بزيد المهمل في كتب الرجال لكنّه منجبر بعمل الأصحاب.

(28) إذا شكّ في بلوغ خالص الفضّة النصاب و لم يكن طريق إلى تعرّفه لم تجب الزكاة؛ لأصالة عدم تعلّقها بالمال؛ للشكّ في أصل التكليف فالأصل البراءة.

و هذا مبني على أمرين:

الأوّل: جريان البراءة الشرعية الدالّ عليها حديث الرفع و نحوه، و البراءة العقلية الدالّ عليها قبح العقاب بلا بيان في الشبهات الموضوعية مطلقاً، وجوبيةً و تحريميةً.

______________________________

(1)

جواهر الكلام 15: 195.

(2) وسائل الشيعة 9: 153، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 7، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 170

و الأحوط التصفية و نحوها للاختبار (29)؛ و إن كان الأقوىٰ عدم وجوبه (30).

______________________________

الثاني: عدم وجوب الفحص عن الأدلّة في جريان البراءة في الشبهات الموضوعية التحريمية بلا خلاف لإطلاق أخبار أصالة الحلّ، و كذا في الشبهات الموضوعية الوجوبية عند جماعة لبناء العقلاء عليه. و إنّما يجب الفحص في الشبهات الحكمية، و عدم جواز إجراء البراءة فيها قبل الفحص عن الأدلّة، بالأدلّة الأربعة.

(29) قد أشكل في «العروة الوثقى» في وجوب الاختبار بالتصفية و نحوها.

وجه الوجوب: أنّ البناء على عدم الفحص يوجب إسقاط كثير من الواجبات. و في «الجواهر»: أنّه ليس المراد الوجوب إذا اتّفق حصول العلم بوجود الشرط؛ فلا يجب حينئذٍ على من احتمل في نفسه الاستطاعة مثلًا أو ظنّها اختبار حاله، و لا على من علّق نذره على شي ء مثلًا تعرّف حصوله و نحو ذلك؛ إذ هو كما ترى فيه إسقاط لكثير من الواجبات. نعم هو كذلك حيث لا يكون له طريق إلى التعرّف، أو كان فيه ضرر عليه بحيث يسقط بمثله وجوب المقدّمة. و لعلّه لذلك مال إليه بعض المحقّقين هنا إلى وجوب التعرّف بالتصفية أو غيرها، و هو قوي جدّاً إن لم يكن إجماع على خلافه «1»، انتهى.

و وجه عدم الوجوب عدم الدليل على وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية فالأصل البراءة.

(30) و لعلّه لظاهر قوله (عليه السّلام) في رواية زيد الصائغ، قال

إن كنت تعرف أنّ فيها من الفضّة الخالصة ما يجب عليك فيه الزكاة فزكّ «2»

، حيث إنّ وجوب الزكاة

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 196.

(2)

وسائل الشيعة 9: 153، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 7، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 171

[ (مسألة 3): لو أخرج المغشوشة زكاة عن الخالصة أو المغشوشة]

(مسألة 3): لو أخرج المغشوشة زكاة عن الخالصة أو المغشوشة، فإن علم بأنّ ما فيها من الخالصة بمقدار الفريضة فهو، و إلّا فلا بدّ من تحصيل العلم بذلك؛ و لو بإعطاء مقدار يعلم بأنّ ما فيه من الخالصة ليس بأنقص منها (31).

______________________________

موقوف على حصول المعرفة بنحو الواجب المشروط فينتفي الوجوب بانتفاء شرطه.

إن قلت: إنّ ذيله و هو قوله

فاسبكها حتّى تخلص.

إلى آخره، يدلّ على وجوب التصفية.

قلت: نعم، و لكن مورده صورة العلم بوجود النصاب مع الشكّ في مقداره كما هو مورد سؤال السائل: قلت: و إن كنت لا أعلم ما فيها من الفضّة الخالصة، إلّا أنّي أعلم أنّ فيها ما يجب فيه الزكاة؟ فلا يشمل ما نحن فيه من الشكّ في بلوغ الخالص مقدار النصاب.

(31) لا يجوز إخراج الدراهم المغشوشة عن الخالصة و لا عن المغشوشة، بلا خلاف و لا إشكال كما في «الجواهر». و قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة»: لا يجوز أن يخرج عن مائتي درهم خالصة خمسة مغشوشة، و به قال الشافعي؛ لأنّه من رديّ المال فلا يجزي عن الجيّد، و قال أبو حنيفة: يجزي «1»، انتهى.

نعم لو أخرج مقداراً من الدراهم و علم باشتماله على خمسة دراهم خالصة أجزأ بناءً على المختار من وجوب التقسيط و الإخراج من كلّ جنس بقسطه في مسألة ضمّ بعض الدراهم و الدنانير إلى بعض، و إن لم يعلم باشتماله لها فلا بدّ من تحصيل العلم بإخراج خمسة دراهم خالصة و لو بإعطاء مقدار من الدراهم يعلم

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 127.

مدارك

تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 172

[ (مسألة 4): لو ملك النصاب و لم يعلم هل فيه غشّ أم لا؟]

(مسألة 4): لو ملك النصاب و لم يعلم هل فيه غشّ أم لا؟ فالأقوىٰ عدم وجوب شي ء؛ و إن كان الأحوط التزكية (32).

[ (مسألة 5): لو اقترض النصاب و تركه بحاله عنده حتّى حال عليه الحول]

(مسألة 5): لو اقترض النصاب و تركه بحاله عنده حتّى حال عليه الحول، يكون زكاته عليه لا على المقرض (33)،

______________________________

بوجودها فيه؛ و ذلك لاستصحاب بقاء الزكاة في المال إلى أن يعلم بأدائها.

(32) مجرّد ملك مقدار النصاب لا يكفي في وجوب الزكاة، بل لا بدّ من إحراز اشتماله على كون مقدار النصاب خالصاً و لو رديا. و مع الشكّ فيه يجري البراءة؛ للشكّ في التكليف. و على القول بوجوب الفحص في الشبهات الموضوعية يجب هنا أيضاً. و قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» بوجوب الزكاة فيما ملك النصاب و لم يعلم هل فيه غشٌّ أم لا، بناءً منه على أصالة الصحّة و السلامة في الأشياء «1».

و فيه: أنّ هذا الأصل ليس من الأُصول المسلّمة عند العقلاء و أصالة الصحّة في فعل الغير و كذا أصالة السلامة في المبيع التي يبنى عليها المعاملة و الاشتراء الموجبة لخيار العيب بفقد السلامة، و إن كانتا من الأُصول العقلائية المسلّمة، إلّا أنّهما غير أصالة السلامة في ذوات الأعيان الخارجية؛ فلا يتمسّك بها لإثبات وجوب الزكاة في المسألة. و لذا تأمّل صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) فيما حكيناه عن «التذكرة» و قال: و لو ملك النصاب و لم يعلم هل فيه غشّ أم لا؟ فعن «التذكرة»: أنّه تجب الزكاة؛ لأصالة الصحّة و السلامة، و فيه تأمّل «2»، انتهىٰ.

(33) قد مرّ تفصيل الكلام في وجوب زكاة القرض على المقترض بعد

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 127.

(2) جواهر الكلام 15: 196.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 173

بل لو شرط

كونها عليه لم يلزم الشرط إذا كان المقصود وجوبها عليه (34). نعم لو شرط عليه التبرّع عنه بأداء ما وجب عليه يلزمه (35)، و لو لم يفِ المقرض بالشرط لم تسقط عن المقترض، بل يجب عليه أداؤها.

______________________________

القبض و جريان الحول عنده في شرح المسألة السادسة من مسائل «القول فيمن تجب عليه الزكاة» فلا نطيل بالإعادة، فراجع.

(34) لا إشكال في أنّه يصحّ أن يؤدّي المقرض تبرّعاً زكاة مال القرض بعد وجوبها على المقترض، كما أنّه لا إشكال في عدم السقوط عن المقترض لو اشترط في عقد القرض وجوبها على المقرض؛ بمعنى توجّه خطاب الشارع و التكليف إليه بالاشتراط؛ و ذلك لأنّ خطاب الشارع و التكليف الصادر منه لا يقبل الاشتراط؛ لكونه غير مقدور على المكلّف، هذا مضافاً إلى أنّ اشتراط توجّه الخطاب و الأمر بالزكاة إلى غير المالك اشتراط للشرط المخالف للكتاب و السنّة، فيكون الشرط فاسداً. و على القول بفساد عقد القرض بفساد الشرط تلزم الزكاة على المقرض، و على القول بعدم فساده تلزم على المقترض.

(35) صورة المسألة أن يشترط المقترض في عقد القرض أن يؤدّي عنه تبرّعاً ما وجب عليه من الزكاة.

و في المسألة قولان:

الأوّل: و هو المختار أنّه يصحّ و يلزم الشرط، فيجب على المقرض الوفاء به. و اختاره الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» و العلّامة في «المختلف» و الشهيد الثاني في «المسالك» و غيرهم؛ قال في «المبسوط»: و مال القرض زكاته على المستقرض دون المقرض، إلّا أن يشترط على المقرض زكاته

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 174

..........

______________________________

فإنّه يلزمه حينئذٍ بحسب الشرط «1»، انتهى.

و استدلّ عليه بعموم

المؤمنون عند شروطهم «2»

، و بصحيح عبد اللّٰه بن سنان قال: سمعت

أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضاً بكذا و كذا ألف دينار و اشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين، و إنّما فعل ذلك لأنّ هشاماً كان هو الوالي «3»

، و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

باع أبي أرضاً من سليمان بن عبد الملك بمال، فاشترط في بيعه أن يزكّى هذا المال من عنده لستّ سنين «4».

وجه الدلالة: أنّ الصحيحين و إن كان موردهما تملّك المال الزكوي بالشراء إلّا أنّهما يدلّان على جواز اشتراط أداء الزكاة على غير المالك، و خصوص صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل استقرض مالًا فحال عليه الحول و هو عنده، قال

إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه، و إن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض «11»

، و هذه الصحيحة تدلّ على جواز أداء المقرض الغير المالك ما يجب على المقترض المالك، فيجوز اشتراطه في ضمن عقد القرض.

و القول الثاني: عدم صحّة الشرط من المقترض على المقرض، و أنّه لا يلزم.

و استدلّ عليه بوجوه:

الأوّل: أنّ الزكاة عبادة، و هي لا تقبل النيابة، بل يمتنع النية من المقرض؛

______________________________

(1) المبسوط 1: 213.

(2) وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 9: 173، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 18، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 9: 174، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 18، الحديث 2.

(11) وسائل الشيعة 9: 101، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 7، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 175

..........

______________________________

لأنّها لا تعتبر إلّا من المالك أو

وكيله.

و فيه: أنّ العبادات كلّها قابلة للنيابة على ما يستفاد من الأخبار إلّا ما خرج بالإجماع كالنيابة عن الحيّ في الصلوات و الصيام الواجبة عليه، و إن لم يكن غير قادر على الإتيان. و في «المسالك»: و لا منافاة بين نيتها عمّن وجبت عليه مع الحكم بوجوبها على المخرج، كما في النائب في العبادة باستئجار و نحوه، و حينئذٍ فينوي إخراجها لوجوبها عليه بالشرط، و على المالك بالأصالة «1».

الثاني: أنّ الشرط لا يصحّ و لا يلزم الوفاء به؛ لكونه مخالفاً للكتاب و السنّة حيث إنّ الكتاب و السنّة أوجباه على المالك.

و فيه: أنّ المشروط ليس هو ثبوت الزكاة على المقرض حتّى يكون مخالفاً للكتاب و السنّة، بل هو أداء ما يجب على المقترض في ماله نيابةً عنه، و هذا أمر جائز في نفسه، فيجوز اشتراطه في ضمن العقد.

الثالث: أنّ جواز عقد القرض و عدم لزوم الوفاء به ينافي لزوم الشرط في ضمنه.

و فيه أوّلًا: أنّ القرض من العقود اللازمة؛ لأصالة اللزوم في العقود إلّا ما خرج بالدليل، و لم يثبت خروج عقد القرض.

و ثانياً: أنّه لا منافاة بين جواز العقد و لزوم الشرط على فرض جواز عقد القرض؛ لأنّه ما لم يفسخ العقد يلزم الشرط، غاية الأمر: أنّ الشرط مع فسخ العقد يرجع إلى الشرط الابتدائي الغير اللازم الوفاء به.

الرابع: كون الشرط المزبور موجباً للربا؛ لما ورد في الروايات من جواز قضاء الدين من الدراهم و الدنانير و غيرها بأجود منها و بأزيد وزناً و عدداً ما

______________________________

(1) مسالك الأفهام 1: 388.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 176

..........

______________________________

لم يشترط، كما في صحيحة خالد بن الحجّاج قال: سألته عن الرجل كانت لي عليه

مائة درهم عدداً قضانيها مائةً وزناً، قال

لا بأس ما لم يشترط

قال

و جاء الربا من قِبَل الشروط، إنّما يفسده الشروط «1»

، و غيرها من روايات الباب.

و فيه: أنّ الربا يلزم لو اشترط على المقترض أداء زكاة المقرض، و لا يلزم فيما اشترط على المقرض كما هو المفروض.

و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) بعد أن نسب هذا القول إلى المشهور و اختاره قد أجاب عن القول الأوّل و الاستدلال عليه بصحيحي ابن سنان و الحلبي، قال: و الصحيحان مع عدم وضوح المراد منهما بل يمكن دعوى إجمالهما، بل يبعد كلّ البعد كنز الإمام (عليه السّلام) المال بهذه المدّة كي يشترط زكاته، و احتمال إرادة مقدار زكاته و إن لم يجمع شرائط الزكاة في هذه المدّة خروج عمّا نحن فيه؛ ضرورة كونه في اشتراط قدر مخصوص لا على أنّه زكاة يمكن كون المراد منهما اشتراط تأدية زكاته لما مضى من السنين احتياطاً في تطهير المال؛ لأنّ هشاماً و سليمان مظنّة عدم إخراجهما الزكاة في هذه المدّة. إلى أن قال (رحمه اللّٰه): و ربّما احتمل إرادة زكاة الأرض المشتراة لا الثمن، و إن كان لفظ المال في الخبر الأخير ظاهراً فيه، و غير ذلك. هذا كلّه مضافاً إلى مهجوريتهما و عدم العمل بهما في ذلك «2»، انتهى.

أقول: بعض الإشكالات التي أوردها صاحب «الجواهر» على الصحيحين وارد، و بعضها غير وارد:

و من الإشكالات الغير الواردة احتمال إرادة زكاة الأرض المشتراة لا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 190، كتاب الزكاة، أبواب الصرف، الباب 12، الحديث 1.

(2) جواهر الكلام 15: 200.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 177

..........

______________________________

الثمن؛ فإنّ الأرض لا زكاة فيها، إلّا أن يراد زكاة حاصلها. و يمكن

أن يراد اشتراط الزكاة في الأرض باعتبار استحباب الزكاة في مال التجارة؛ فيجوز اشتراط أداء الزكاة المستحبّة على المشتري. و على فرض عدم دلالة الصحيحين على جواز اشتراط أداء زكاة مال القرض على المقرض في عقد القرض، نقول بجوازه، و نستدلّ عليه بصحيح منصور بن حازم المتقدّم «1» و بعموم

المؤمنون عند شروطهم «2».

و من الإشكالات الواردة استبعاده كلّ البعد كنز الإمام (عليه السّلام) المال بهذه المدّة، فإنّه بعيد لا يناسب شأنهم (عليهم السّلام).

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 101، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 7، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 179

[الفصل الثالث في زكاة الغلّات]
اشارة

الفصل الثالث في زكاة الغلّات و قد تقدّم أنّه لا تجب الزكاة إلّا في أربعة أجناس: أي الحِنطة و الشعير و التمر و الزبيب. و لا يلحق السلت الذي هو كالشعير في طبعه علىٰ ما قيل، و كالحنطة في ملاسته و عدم قشره بالشعير (1)،

______________________________

(1) قد مرّ تفصيل الكلام في حصر وجوب الزكاة في التسعة المعهودة التي منها الغلّات الأربع و عدم وجوبها في غيرها، و استحبابها في الثمار و غيرها ممّا أنبتت الأرض، في شرح المسألة الاولىٰ من مسائل «القول فيما تجب فيه الزكاة و ما تستحبّ» فراجع.

و المشهور شهرة عظيمة عدم وجوبها في غير الغلّات الأربع من الحبوب، و اختلف فقهاؤنا في وجوب الزكاة في السلت بضمّ السين و سكون اللام و العلس بفتح الفاء و العين حكي عن جماعة منهم الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» و العلّامة في «المنتهي» و صاحب «جامع المقاصد» و الشهيد الثاني في «المسالك» و «الروضة» و الفاضل

الميسي و غيرهم القول بالوجوب فيهما إلحاقاً للسلْت بالشعير و إلحاقاً للعَلَس بالحنطة.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 180

..........

______________________________

و يظهر من بعضهم: أنّ السلت من صنف الشعير، و أنّ العلس ضرب من الحنطة، فمستند هذا القول دعوى جماعة من أهل اللغة أنّ السلت ضرب من الشعير و العلس ضرب من الحنطة.

قال في «المبسوط»: لا زكاة في شي ء من الحبوب غير الحنطة و الشعير، و السلت شعير فيه مثل ما فيه. إلى أن قال: و العلس نوع من الحنطة، يقال: إذا ديس بقي كلّ حبّتين في كمام، ثمّ لا يذهب ذلك حتّى يدقّ أو يطرح في رحى خفيفة، و لا يبقى بقاء الحنطة و يزعم أهلها أنّها إذا هرست دقّت أو طرحت في رحى خفيفة خرجت على النصف، فإذا كان كذلك تخيّر أهلها بين أن يلقى عنها الكمام و يكال على ذلك، فإذا بلغت النصاب أُخذ منها الزكاة أو يكال على ما هي عليه و يؤخذ عن كلّ عشرة أوسق زكاة. و إذا اجتمع عنده حنطة و علس ضمّ بعضه إلى بعض؛ لأنّها كلّها حنطة «1»، انتهى.

و قال في «الخلاف» في المسألة السابعة و السبعين: و أمّا السلت و هو نوع من الشعير يقال: إنّه بلون الحنطة و طعمه طعم الشعير بارد مثله، فإذا كان كذلك ضمّ إليه و حكم فيه بحكمه «2»، انتهى.

و يرد على هذا القول أوّلًا: أنّ كلمات أهل اللغة مختلفة؛ قد صرّح بعضهم بأنّ السلت حبّ يشبه الشعير أو هو بعينه و العلس حبّة سوداء تخبز في الجدب أو تطبخ، و عن بعضهم بأنّ السلت حبّ بين الحنطة و الشعير، و عن بعضهم أنّ السلت ضرب من الشعير و

العلس ضرب من الحنطة، فأهل اللغة لم يتّفقوا على كونهما ضربين منهما.

______________________________

(1) المبسوط 1: 217.

(2) الخلاف 2: 65.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 181

..........

______________________________

و يمكن استفادة مغايرة السلت و الشعير من صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن الحبوب ما يزكّى منها؟ قال (عليه السّلام)

البرّ و الشعير و الذرّة و الدخن و الأرز و السلت و العدس و السمسم، كلّ هذا يزكّى و أشباهه «1»

، حيث إنّ السلت كسائر ما ذكر في الرواية مقابل للشعير، و يتمّ بعدم الفصل بين السلت و العلس.

و ثانياً: أنّه على فرض تسليم ثبوت أنّ السلت ضرب من الشعير و العلس ضرب من الحنطة لا يحكم فيهما بحكم الشعير و الحنطة ما لم يعدّا عرفاً منهما. و لعلّ مراد أهل اللغة أنّ السلت و العلس من مصاديق مفهوم الشعير و الحنطة حقيقةً، و هذا المقدار لا يكفي في ثبوت الحكم، بل لا بدّ في ثبوته من كونهما من مصاديقهما العرفية؛ بأن يصدق على السلت أنّه شعير عرفاً و يصدق على العلس أنّه حنطة عرفاً، و من المعلوم في عرف أهل الزراعة إنّ السلت ليس شعيراً و العلس ليس حنطة.

و القول الآخر في المسألة عدم وجوب الزكاة في السلت و العلس، و هو المختار، و اختاره العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» و «المختلف» و المحقّق (رحمه اللّٰه) في «الشرائع» و الأردبيلي في «مجمع البرهان» و في «الجواهر»: هو الأشهر، بل عن «كشف الالتباس» و «المفاتيح»: أنّه المشهور، بل عن «الغنية» الإجماع عليه.

و يظهر وجهه ممّا ذكر في الجواب عن استدلال القول الأوّل: و تفصيله ما ذكره المحقّق الهمداني (رحمه اللّٰه) في «مصباح الفقيه»، قال: و ربّما يظهر من

جملة من الروايات الدالّة على استحباب الزكاة في سائر الحبوب التي تقدّم ذكرها فيما سبق مغايرة السلت للشعير.

هذا، مع أنّ الاعتماد على قول اللغويين في مثل المقام لا يخلو من الإشكال؛

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 62، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 9، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 182

فلا تجب فيها الزكاة و إن كان أحوط. و لا يُترك الاحتياط بإلحاق العلس بالحنطة (2)، و لا تجب في غيرها؛ و إن استحبّت في بعض الأشياء كما مرّ. و حكم ما تستحبّ فيه حكم ما تجب فيه؛ من اعتبار بلوغ النصاب،

______________________________

فإنّه إنّما يرجع إلى اللغة في تفسير مداليل الألفاظ لا في تحقيق ماهيتها.

و ليس الإشكال هاهنا في تفسير مفهوم السلت و العلس و لا في مفهوم الحنطة و الشعير؛ إذ لا شبهة في أنّ الحنطة موضوعة لجنس هذا الذي يخبز و يؤكل، و كذا الشعير موضوع لجنس هذا الذي يخبز و يؤكل و يعطى للدوابّ، و هو ممّا يعرفه أهل كلّ لغة بلغته.

فليس الإشكال هاهنا في شرح الاسم الذي بيانها وظيفة أهل اللغة، بل الإشكال في أنّ الماهيتين المسمّيتين بذلك الاسمين في العرف، هل هما متّحدتان بالنوع مع ما يسمّى في العرف حنطة أو شعيراً، أم مغايرتان لهما بالذات و إن تشابهتا في الصورة و بعض الخواصّ «1»؟ انتهى. هذا كلّه مضافاً إلى أنّ مقتضى الأصل البراءة في السلت و العلس، و إن كان الأحوط استحباباً إخراج الزكاة منهما.

(2) وجه استحباب الاحتياط في زكاة السلت و وجوبه في العلس أنّ السلت قد عدّ في مقابل الشعير في صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم، و مقتضى الجمع بين الأخبار الحاصرة وجوب الزكاة

في الغلّات الأربع و بين الصحيح و نحوه الدالّ على ثبوت الزكاة في السلت هو استحباب الزكاة في السلت، و أمّا العلس فهو لم يذكر في موضع في مقابل البرّ و الحنطة فيحتمل اندراج العلس في الحنطة و البرّ في الصحيح و غيره من الروايات فيجب.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 330.

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، در يك جلد، ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس؛ ص: 183

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 183

و مقدار ما يخرج منه، و نحو ذلك (3).

______________________________

(3) يعني أنّه يشترط في استحباب الزكاة في غير الغلّات الأربع ممّا تنبت الأرض كلّما يشترط في الغلّات الأربع؛ من بلوغ النصاب و مقدار ما يخرج منه و سائر الشرائط المعتبرة فيمن تجب عليه و فيما تجب فيه. و يدلّ عليه قبل الإجماع بقسميه الإطلاق المقامي في الأخبار الواردة فيها الزكاة فيما عدا الغلّات الأربع المحمولة على الاستحباب، حيث إنّه لو اشترط فيها شي ء زائداً على شرائط وجوبها في الغلّات الأربع لبيّنها المعصوم (عليه السّلام)، كما في سائر المستحبّات من الوضوء و الغسل و الصوم و الحجّ و غيرها. و لا يخرج عن هذه القاعدة إلّا بالدليل.

و قد صرّح في بعض الروايات باعتبار بعض شرائط وجوب الزكاة فيما تستحبّ فيه، كبلوغ النصاب و المقدار المخرج؛ ففي صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الذرّة شي ء؟ فقال لي

الذرّة و العدس و السلت و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير، و كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة «1»

، و غيرها من

روايات الباب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 64، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 9، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 184

[و يقع الكلام في زكاة الغلّات في مطالب]
اشارة

و يقع الكلام في زكاة الغلّات في مطالب:

[المطلب الأوّل يعتبر فيها أمران]
اشارة

المطلب الأوّل يعتبر فيها أمران:

[الأوّل: بلوغ النصاب]
اشارة

الأوّل: بلوغ النصاب، و هو خمسة أوسق، و الوسق ستّون صاعاً، فهو ثلاثمائة صاع (1)،

______________________________

(1) قد ادّعى في «الجواهر» الإجماع بقسميه على اشتراط النصاب، و أنّ النصوص متواترة فيه، بل هو ضروري «1». و الظاهر: أنّ اشتراط النصاب في وجوب الزكاة اتّفاقي من الفريقين، غير أبي حنيفة، قال في «الخلاف»: قال أبو حنيفة: لا يعتبر فيه النصاب، بل يجب في قليله و كثيره؛ حتّى لو حملت النخلة رطبة واحدة كان فيها عشرها «2»، انتهى.

و أمّا كون مقدار النصاب خمسة أوسق و أنّ الوسق ستّون صاعاً، فيدلّ عليه صحيح سعد بن سعد الأشعري قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن أقلّ ما تجب فيه الزكاة من البرّ و الشعير و التمر و الزبيب، فقال

خمسة أوساق بوسق النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

، فقلت: كم الوسق؟ قال

ستّون صاعاً

، قلت: و هل على العنب زكاة أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيباً؟ قال

نعم إذا خرصه أخرج زكاته «3».

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 207.

(2) الخلاف 2: 58.

(3) وسائل الشيعة 9: 175، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 185

..........

______________________________

و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعاً؛ فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر و ما كان منه يسقى بالرشا و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر.

«1» الخبر.

و موثّق زرارة و بكير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

و أمّا ما أنبتت الأرض من شي ء من الأشياء فليس فيه زكاة إلّا في أربعة

أشياء: البرّ و الشعير و التمر و الزبيب، و ليس في شي ء من هذه الأربعة الأشياء شي ء، حتّى تبلغ خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعاً، و هو ثلاثمائة صاع بصاع النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم). «2»

الخبر.

و صحيح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) أنّه كتب إلى المأمون لعنة اللّٰه عليه في كتاب طويل

الزكاة الفريضة في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم.

إلى أن قال

و العشر من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب إذا بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعاً، و الصاع أربعة أمداد «3».

و أمّا ما دلّ على كون مقدار النصاب وسقاً أو وسقين فمحمول على الاستحباب، و كذا ما دلّ على عدم اعتبار النصاب؛ ففي موثّقة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته في كم تجب الزكاة من الحنطة و الشعير و الزبيب و التمر؟

قال

في ستّين صاعاً «4».

و رواية أبي بصير يحيى بن القاسم قال: قال لي أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لا تجب الصدقة إلّا في وسقين، و الوسق ستّون صاعاً «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 176، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 9: 177، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 9: 179، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 13.

(4) وسائل الشيعة 9: 178، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 10.

(5) وسائل الشيعة 9: 180، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 3، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 186

و الصاع تسعة أرطال بالعراقي، و ستّة بالمدني؛ لأنّه أربعة أمداد، و المُدّ رِطلان و ربع بالعراقي، و رِطل و

نصف بالمدني، فيكون النصاب ألفين و سبعمائة رِطل بالعراقي، و ألفاً و ثمانمائة رِطل بالمدني، و الرِّطل العراقي مائة و ثلاثون درهماً عبارة عن أحد و تسعين مثقالًا شرعيّاً و ثمانية و ستّين مثقالًا و ربع مثقال صيرفيّ، و بحسب حُقّة النجف التي هي عبارة عن تسعمائة و ثلاثة و ثلاثين مثقالًا صيرفيّاً و ثلث مثقال ثماني وزنات و خمس حُقق و نصف إلّا ثمانية و خمسين مثقالًا و ثلث مثقال، و بحُقّة الإسلامبول و هي مائتان و ثمانون مثقالًا سبع و عشرون وزنة و عشر حُقق و خمسة و ثلاثون مثقالًا، و بالمنّ الشاهي المتداول في بعض بلاد إيران الذي هو عبارة عن ألف و مائتي مثقال و ثمانين مثقالًا صيرفيّاً مائة منّ و أربعة و أربعون منّاً إلّا خمسة و أربعين مثقالًا صيرفيّاً، و بالمنّ التبريزي المتداول في بعض بلاد إيران مائتان و ثمانية و ثمانون منّاً إلّا خمسة و أربعين مثقالًا صيرفيّاً، و بالكيلو المتعارف في هذا العصر (207/ 847) تقريباً (2)،

______________________________

و موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) في حديث زكاة الحنطة و التمر، قال: قلت: إنّما أسألك عمّا خرج منه قليلًا كان أو كثيراً له حدّ يزكّى ما خرج منه؟ فقال

زكّ ما خرج منه قليلًا كان أو كثيراً من كلّ عشرة واحد، و من كلّ عشرة نصف واحد

، قلت: فالحنطة و التمر سواء؟ قال

نعم «1».

(2) و ممّا يدلّ على كون الصاع تسعة أرطال بالعراقي و ستّة بالمدني مكاتبة جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمداني و كان معنا حاجّاً أي مع محمّد بن أحمد بن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 181، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 3،

الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 187

..........

______________________________

يحيى راوي الحديث قال: كتبتُ إلى أبي الحسن (عليه السّلام) على يدي أبي: جعلت فداك إنّ أصحابنا اختلفوا في الصاع؛ بعضهم يقول الفطرة بصاع المدني، و بعضهم يقول بصاع العراقي، قال: فكتب إليّ

الصاع ستّة أرطال بالمدني و تسعة أرطال بالعراقي. «1».

و مكاتبة علي بن بلال البغدادي الثقة قال: كتبت إلى الرجل (عليه السّلام) أسأله عن الفطرة و كم تدفع؟ قال: فكتب (عليه السّلام)

ستّة أرطال من تمر بالمدني، و ذلك تسعة أرطال بالبغدادي «2».

و قد اكتفي بمقدار الرطل المدني في رواية إبراهيم بن محمّد الهمداني، أنّ أبا الحسن صاحب العسكر (عليه السّلام) كتب إليه في حديث

الفطرة عليك و على الناس كلّهم و من تعول ذكراً كان أو أُنثى صغيراً أو كبيراً حرّا أو عبداً فطيماً أو رضيعاً تدفعه وزناً ستّة أرطال برطل المدينة، و الرطل مائة و خمسة و تسعون درهماً، يكون الفطرة ألفاً و مائة و سبعين درهماً «3».

إذا عرفت هذا فاعلم: أنّ نصاب الغلّات الأربع خمسة أوسق، و كلّ وسق ستّون صاعاً؛ فيكون حاصل ضرب خمسة أوسق في ستّين صاعاً ثلاثمائة صاع (300 60 5)، و كلّ صاع تسعة أرطال بالرطل العراقي و ستّة أرطال بالرطل المدني؛ لأنّ الصاع أربعة أمداد و كلّ مدّ رطلان و ربع بالعراقي و رطل و نصف بالمدني؛ فيكون حاصل ضرب ثلاثمائة صاع في تسعة أرطال عراقي ألفين و سبعمائة رطل بالعراقي (2700 9 300)، و حاصل ضرب ثلاثمائة صاع في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 340، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 7، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 341، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 7، الحديث

2.

(3) وسائل الشيعة 9: 342، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 7، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 188

..........

______________________________

ستة أرطال مدنية ألفاً و ثمانمائة رطل مدني (1800 6 300).

ثمّ إنّ الصاع تسعة أرطال عراقية، و الرطل العراقي مائة و ثلاثون درهماً؛ فيكون كلّ صاع ألفاً و مائة و سبعين درهماً (1170 130 9) و يكون النصاب بحساب الدرهم ثلاثمائة ألف و واحد و خمسين ألف درهم بضرب ثلاثمائة صاع في ألف و مائة و سبعين درهماً (351000 1170 300)، هذا بالرطل العراقي.

و أمّا بالرطل المدني الذي هو مائة و خمسة و تسعون درهماً فيضرب الرطل المدني في الستّة و يكون حاصل الضرب ألفاً و مائة و سبعين درهماً أيضاً (1170 6 195).

ثمّ يضرب هذا الحاصل في ثلاثمائة صاع؛ فيكون الحاصل موافقاً لحاصل الضرب بالعراقي (351000 300 1170).

و أمّا حساب النصاب بالمثاقيل الشرعية: فلمّا كانت العشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية فيكون الصاع ثمانمائة و تسعة عشر مثقالًا شرعياً؛ لأنّ مجموع الصاع كان ألفاً و مائة و سبعين درهماً و سبعة أعشار.

هذا المجموع تكون ثمانمائة و تسعة عشر مثقالًا، ثمّ تضرب الثمانمائة و تسعة عشر مثقالًا في ثلاثمائة صاع؛ فيكون الحاصل مائتي و خمسة و أربعين ألف و سبعمائة مثقال شرعي (245700 300 819).

ثمّ إنّه لمّا كان المثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي يكون الصاع ستّمائة و أربعة عشر مثقالًا صيرفياً و ربع المثقال الصيرفي؛ فيكون النصاب مائة و أربعة و ثمانين ألف و مائتين و خمسة و سبعين مثقالًا بضرب الستّ مائة و أربعة عشر مثقالًا و ربع المثقال الصيرفي في الثلاثمائة صاع (184275 300 61414).

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس،

ص: 189

فلا زكاة في الناقص عن النصاب و لو يسيراً، كما أنّه تجب في النصاب و ما زاد عليه و لو يسيراً (3).

______________________________

و لا يخفى: أنّ مقدار النصاب بعيار الحقّة النجفية و الإسلامبولية و بعيار المنّ الشاهي و التبريزي المتداولين سابقاً في بعض بلاد إيران، و بعيار الكيلو المتداول فعلًا في إيران واضح لمن هو أهل الحساب؛ فلا نطيل الكلام فيها.

(3) و يدلّ عليه رواية صفوان بن يحيى و أحمد بن محمّد بن أبي نصر جميعاً قالا: ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج، فقال

من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده.

إلى أن قال

و ليس في أقلّ من خمسة أوساق شي ء من الزكاة «1»

، و الرواية ضعيفة لعلي بن أحمد بن أشيم المجهول. و صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) في حديث قال

ليس فيما كان أقلّ من خمسة أوساق شي ء «2».

و في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام)

و ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي ء «3».

و موثّقة عبيد اللّٰه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ليس فيما دون خمسة أوساق شي ء. «4»

الخبر، و صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ليس في النخل صدقة حتّى يبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتّى يكون خمسة أوساق زبيباً «5»

، و غيرها من روايات الباب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 175، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 176، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 9: 176، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 9: 177، كتاب الزكاة، أبواب زكاة

الغلّات، الباب 1، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 9: 177، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 190

[ (مسألة 1): المدار في بلوغ النصاب ملاحظة حال الجفاف]

(مسألة 1): المدار في بلوغ النصاب ملاحظة حال الجفاف و إن كان زمان التعلّق قبل ذلك، فلو كان عنده خمسة أوسق من الرطب لكن ينقص عنها حال الجفاف فلا زكاة؛ حتّى أنّ مثل البربن و شبهه ممّا يؤكل رطباً إنّما تجب الزكاة فيه إذا بلغ النصاب تمراً و إن قلّ التمر منه، و لو فرض عدم صدق التمر علىٰ يابسه لم تجب الزكاة (4).

______________________________

فهي تدلّ على نفي وجوب الزكاة في الناقص عن النصاب و لو بيسير؛ و ذلك لإطلاق لفظ «الأقلّ» و «ما دون» في النصوص المذكورة الشامل لأقلّ من القليل؛ فموضوع الحكم و إن كان مأخوذاً من العرف إلّا أنّه تحقيقي لا تقريبي، كما أنّ النصوص الدالّة على وجوبها فيما بلغ النصاب تدلّ على وجوبها في نفس النصاب و فيما زاد عنه و لو بيسير.

و عبارة «العروة الوثقى» في المسألة لا تخلو عن مسامحة حيث حكم بوجوب الزكاة في الزائد على النصاب، و لم يتعرّض بوجوبها في النصاب نفسه حيث قال: كما أنّه تجب في الزائد عليه يسيراً كان أو كثيراً «1» إلّا أن يكون نظره (رحمه اللّٰه) بمقابلة الزائد بالناقص.

(4) اعتبار بلوغ النصاب حال جفاف الغلّات الأربع ممّا لا إشكال فيه بناءً على القول بأنّ المدار في وقت تعلّق الزكاة هو التسمية، و أمّا بناءً على القول بأنّ المدار وقت اشتداد الحبّ في الزرع و حين بدوّ الصلاح و هو حين الاصفرار و الاحمرار في التمر، و عند انعقاد الحصرم في ثمرة الكرم فيستدلّ

______________________________

(1) العروة

الوثقى 2: 289.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 191

..........

______________________________

على اعتبار بلوغ النصاب حال الجفاف بأُمور:

منها: الإجماع المدّعى في كلام جماعة من فقهائنا، كالعلّامة في «التذكرة» قال: النصاب المعتبر و هو خمسة أوساق إنّما يعتبر وقت جفاف التمر و يبس العنب و الغلّة؛ فلو كانت الرطب خمسة أوسق أو العنب أو الغلّة و لو جفّت تمراً أو زبيباً أو حنطة أو شعيراً نقص فلا زكاة إجماعاً «1».

و منها: أنّ متعلّق وجوب الزكاة في النصوص عبارة عن الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و هي أسامٍ لليابس منها، و المعتبر بلوغ ما يصدق عليه اسم الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب خمسة أوساق، كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق.

«2» الخبر.

و منها: تقييد العنب بالزبيبية في صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «3» و بعدم القول بالفصل بين الزبيب و غيره من الغلّات الأربع يتمّ المطلوب.

و منها: ما قيل من أنّ الوسق المذكور في الروايات اسم لحمل البعير، و لم يعهد في الحمل على البعير إلّا اليابس من الغلّات.

و منها: أنّ الأصل عدم الوجوب فيما لم يبلغ يابسه حدّ النصاب.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 148.

(2) وسائل الشيعة 9: 176، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 9: 177، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 192

[ (مسألة 2): إذا كان له نخيل أو كُروم أو زروع في بلاد متباعدة يُدرك بعضها قبل بعض]

(مسألة 2): إذا كان له نخيل أو كُروم أو زروع في بلاد متباعدة يُدرك بعضها قبل بعض و لو بشهر

أو شهرين أو أكثر يضمّ بعضها إلىٰ بعض بعد أن كانت الثمرتان لعام واحد، و حينئذٍ إن بلغ ما أدرك منه النصاب تعلّق الوجوب به و أخرج ما هو فريضته، و ما لم يدرك يجب ما هو فريضته عند إدراكه قلّ أو كثر، و إن لم يبلغ النصاب ما سبق إدراكه تربّص حتّى يدرك ما يكمل النصاب، و لو كان له نخل يطلع أو كرم يُثمر في عام مرّتين، ضمّ الثاني إلى الأوّل علىٰ إشكال (5).

______________________________

(5) هنا مسألتان قد لفقهما المصنّف (رحمه اللّٰه) في مسألة واحدة و أفردهما المحقّق (رحمه اللّٰه) في «الشرائع»، و كيف كان:

المسألة الاولىٰ: أنّه إذا كان للمالك نخيل أو كروم أو زروع في بلاد متباعدة و أدرك أثمارها يقال: أدرك الثمر، أي نضج و طاب أكله في عام واحد و لو بفاصلة شهر أو شهرين أو أكثر ضمّ بعضها إلى بعض، و حينئذٍ إن بلغ ما أدرك منه أوّلًا النصاب تعلّق الوجوب به؛ لكونه واجداً لشرائط وجوب الزكاة، و ما لم يدرك بعد يتعلّق الوجوب به إذا أدرك قليلًا كان أو كثيراً و إن لم يبلغ ما أدرك أوّلًا النصاب تربّص حتّى يدرك ما يكمل النصاب. و هذه المسألة إجماعية بين الفريقين؛ قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة»: و قد أجمع المسلمون علىٰ ضمّ ما يدرك إلى ما تأخّر «1»، و في «المنتهي» بعد أن علّل جواز الضمّ بتعذّر إدراك الثمرة في وقت واحد قال: و لا نعرف في هذا خلافاً «2»، و في «الجواهر»: بلا خلاف

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 161.

(2) منتهى المطلب 1: 499/ السطر 25.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 193

..........

______________________________

أجده فيه؛ لإطلاق الأدلّة و

عمومها «1».

و المسألة الثانية: أنّه إذا كان له نخل أو كرم يثمر في عام مرّتين فهل يضمّ الثاني إلى الأوّل أو لا؟ فيه قولان:

الأوّل: أنّه يضمّ، قال في «الجواهر»: قيل: إنّ هذا القول أشهر بل مشهور، و دليله إطلاق الأدلّة «2».

و القول الثاني: أنّه لا يضمّ؛ لأنّ ثمرتي نخل واحد مثلًا في سنة واحدة بحكم ثمرة سنتين، و هذا القول مختار الشيخ و ابن حمزة و به قال الشافعي، قال في «المبسوط»: و النخل إذا حمل في سنة واحدة دفعتين كان لكلّ حمل حكم نفسه لا ضمّ بعضه إلى بعض؛ لأنّها في حكم سنتين «3».

و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) بعد نقل دليل القول بعدم الضمّ في النخل و الكرم الواحد المثمر دفعتين في عام واحد بقوله: لأنّهما بحكم ثمرة سنتين و للأصل، و بعد ردّه بمنع الأوّل و قطع الثاني أي كون الثمرتين في عام واحد في حكم ثمرة سنتين ممنوعاً و أنّ الأصل لا يصار إليه مع وجود الإطلاق في النصوص قال: لكن الإنصاف عدم خلوّ المسألة عن إشكال؛ ضرورة عدم تعليق الحكم في شي ء من النصوص على اتّحاد المال بمجرّد كونه في عام واحد، و أهل العرف لا يشكّون في صدق التعدّد عليهما؛ خصوصاً إذا حصل فصل بين الثمرتين بزمان معتدّ به، و ما حال ذلك إلّا كحال الثمرة التي أُخرجت معجزة في تلك السنة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 243.

(2) نفس المصدر.

(3) المبسوط 1: 215.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 194

..........

______________________________

و لعلّه لذا اقتصر في محكي «البيان» و «الدروس» و «المصابيح» على نقل القولين من دون ترجيح «1»، انتهى.

و لا يخفى: أنّ صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) قال باعتبار بقاء الناقص عن

النصاب على اجتماع شرائط وجوب الزكاة من الملكية و نحوها إلى أن يدرك ما يكمله ذلك.

و بعبارة أوضح: إذا كان ما أدرك أوّلًا من الثمرتين أقلّ من النصاب و كان باقياً على جميع شرائط وجوب الزكاة من الملكية و غيرها إلى أن يدرك الثمر الثاني و يكمل النصاب فحينئذٍ تجب الزكاة، و أمّا إذا كان فاقداً لشرط من الشرائط المذكورة حين يدرك الثمر الثاني بأن خرج عن الملك بالتصرّف فيه فلا زكاة عليه. و لعلّه إلى ذلك أشار المحقّق (رحمه اللّٰه) في «الشرائع» بقوله: تربّصنا في وجوب الزكاة إدراك ما يكمل نصاباً «2»، و في «العروة الوثقى»: و إن كان الذي أدرك أوّلًا أقلّ من النصاب ينتظر به حتّى يدرك الآخر و يتعلّق به الوجوب، فيكمل منه النصاب و يؤخذ من المجموع «3»، انتهى.

و استشكل على صاحب «الجواهر» المحقّق الهمداني (رحمه اللّٰه) في «مصباح الفقيه» بأنّ مقتضى إطلاق النصوص و الفتاوى أنّه متى بلغ نماء زروعه و ثمرة نخيله و كرومه بعد إخراج حصّة السلطان و إندار مئونتها خمسة أوسق فما زاد يجب فيها الزكاة؛ سواء أدرك الجميع دفعة أو تدريجاً، و سواء بقي ما أدرك تدريجاً في ملكه حتّى يكمل النصاب أو باعه شيئاً فشيئاً أو أكله كذلك، أو غير ذلك من التصرّفات الناشئة

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 243 244.

(2) شرائع الإسلام 1: 142.

(3) العروة الوثقى 2: 295.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 195

[الأمر الثاني: التملّك بالزراعة إن كان ممّا يزرع، أو انتقال الزرع أو الثمرة]
اشارة

الأمر الثاني: التملّك بالزراعة إن كان ممّا يزرع، أو انتقال الزرع أو الثمرة مع الشجرة أو منفردة إلىٰ ملكه قبل تعلّق الزكاة (6)،

______________________________

عن اختياره الغير المنافية لصدق أنّه بلغ ما حصل في يده في هذه السنة من

نماء زرعه أو ثمرة نخيله خمسة أوسق فما زاد. و دعوى انسباق إرادة المجتمع في الملكية إلى الذهن من إطلاق مثل قوله

ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق ففيه العشر «1»

ممنوعة «2».

أقول: الحقّ ما قاله المحقّق الهمداني (رحمه اللّٰه)؛ إذ كثيراً ما يتّفق في الثمار حصولها و بلوغها حدّ النصاب تدريجاً؛ حتّى في مزرعة واحدة بالنسبة إلى الأرض المرتفعة و المنخفضة، و يتّفق للمالك صَرف مقدار من الثمر في دفع ضروراته قبل أن يبلغ حدّ النصاب و قبل إدراك الباقي المكمّل للنصاب؛ فيصدق أنّه بلغ نماء زرعه و ثمرة نخيله في سنته حدّ النصاب؛ فيجب الزكاة.

و حينئذٍ فمعنى قولهم: تربّصنا في وجوب الزكاة أو ينتظر به حتّى يدرك الآخر و يتعلّق به الوجوب، فيكمل منه النصاب، هو أنّ الحكم بالوجوب يتوقّف على تكميل النصاب خارجاً بضمّ الثمر اللاحق، و إن خرج الثمر السابق عن ملكه حين تكميل النصاب. و ليس هذا كالنقدين و الأنعام الثلاثة المشروط فيها بقاء النصاب كلّه و بجميع أجزائه في تمام الحول؛ إذ ذاك لاشتراطه في وجوب الزكاة فيها فيشترط فيها بقائها بتمامها في تمام الحول.

(6) الشرط الثاني في وجوب زكاة الغلّات الأربع التملّك بالزراعة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 176، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 5.

(2) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 400.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 196

..........

______________________________

إذا كانت ممّا يزرع.

و ليس المراد من التملّك بالزراعة خصوص كونها ملكاً للزارع بحيث لو ملكها بغير الزراعة من الأسباب كالشراء و الاتّهاب مثلًا لا تجب الزكاة، كما يوهمه ظاهر عبارة «الشرائع»؛ قال في «الشرائع»: و لا تجب الزكاة في

الغلّات إلّا إذا ملكت بالزراعة «1».

و في «الجواهر»: الباء للسببية، لا بغيره من الأسباب كالابتياع و الهبة «2»، انتهى.

بل المراد كون الزراعة مثلًا ملكاً له قبل تعلّق الزكاة؛ سواء كان مالك الزراعة هو الزارع أو غيره ممّن انتقل إليه بالبيع و الهبة مثلًا قبل تعلّق الزكاة.

و لقد أجاد العلّامة (رحمه اللّٰه) في التعبير عن المقصود في «القواعد»، قال: الثالث أي الشرط الثالث تملّك الغلّة بالزراعة لا بغيرها كالابتياع و الاتّهاب.

نعم لو اشترى الزرع أو ثمرة النخل قبل بدوّ الصلاح ثمّ بدا صلاحها في ملكه وجبت عليه، و لو انتقلت إليه بعد بدوّ الصلاح فالزكاة على الناقل «3»، انتهى.

و قال الشهيدان في «اللمعة» و شرحها: يشترط فيها التملّك بالزراعة إن كان ممّا يزرع أو الانتقال أي انتقال الزرع أو الثمرة مع الشجرة أو منفردة إلى ملكه قبل انعقاد الثمرة في الكرم و بدوّ الصلاح و هو الاحمرار أو الاصفرار في النخل و انعقاد الحبّ في الزرع فتجب الزكاة حينئذٍ على المنتقل إليه «4»، انتهى.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 141.

(2) جواهر الكلام 15: 223.

(3) قواعد الأحكام 1: 334.

(4) الروضة البهية 2: 32.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 197

فتجب عليه الزكاة على الأقوىٰ فيما إذا نمت مع ذلك في ملكه، و على الأحوط في غيره (7).

______________________________

(7) و الدليل على وجوب الزكاة على المنتقل إليه فيما إذا نمت الغلّات في ملكه ظهور ما دلّ على وجوب الزكاة في الغلّات في إيجابها على من نمت الغلّات في ملكه؛ سواء كان هو الزارع أو غيره ممّن انتقل إليه، و كان النمو و لو قليلًا في ملكه.

و هذا يستفاد من الروايات المأخوذة فيها مادّة «السقي»، كما في صحيحة صفوان بن

يحيى و البزنطي جميعاً قالا: ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها أهل بيته، فقال

من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده و أُخذ منه العشر ممّا سقت السماء و الأنهار، و نصف العشر ممّا كان بالرشا فيما عمّروه منها. «1»

الخبر.

و صحيحة الحلبي قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

في الصدقة فيما سقت السماء و الأنهار إذا كانت سيحاً أو كان بعلًا العشر و ما سقت السواني و الدوالي أو سقي بالغرب فنصف العشر «2»

(سيحاً: السيح جري الماء على وجه الأرض. بعلًا: البعل هو الأرض التي لم تسق بماء الينابيع. السواني: جمع السانية الناقة يستقى عليها من البئر. الغرب بفتحتين الماء يقطر يقال بعينه غربٌ إذا كانت تسيل فلا ينقطع دمعها)، و غيرهما من روايات الباب و غيرها.

وجه الاستدلال بهذه الروايات: أنّ السقي يستلزم النمو؛ لأنّ الزراعة مع

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 182، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 4، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 183، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 4، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 198

[ (مسألة 3): المشهور عند المتأخّرين أنّ وقت تعلّق الزكاة عند اشتداد الحبّ في الزرع]

(مسألة 3): المشهور عند المتأخّرين أنّ وقت تعلّق الزكاة عند اشتداد الحبّ في الزرع، و حين بدوّ الصلاح؛ أعني حين الاصفرار أو الاحمرار في ثمرة النخل، و عند انعقاد الحصرم في ثمرة الكرم (8).

______________________________

انقضاء زمان نموها و هو أوان اصفرارها لا يحتاج إلى السقي. و ليس في شي ء من الروايات إطلاق أو عموم يشمل ما لو ملك شيئاً من الغلّات بعد انقضاء النمو و استغنائها عن السقي، إلّا أن يكون إجماع على وجوب الزكاة بعد انقضاء النمو و قبل الجفاف. و حينئذٍ فإن ثبت الإجماع

في الفرض فهو، و إلّا فمقتضى الاحتياط تعلّق الزكاة على المنتقل إليه.

(8) المشهور بين أصحابنا في وقت تعلّق الزكاة و وجوبها هو اشتداد الحبّ في الحنطة و الشعير و حين بدوّ الصلاح أعني حين الاحمرار و الاصفرار في التمر و انعقاد الحصرم الحصرم بكسر الحاء، أوّل العنب ما دام أخضر حامضاً، أو الثمر عموماً قبل أن ينضج في العنب.

و مقابل المشهور قول ابن جنيد و المحقّق (رحمهما اللّٰه) فإنّهما قالا: إنّ وقت تعلّق الزكاة في الغلّات الأربع صدق الأسامي من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب؛ قال في «المبسوط»: وقت وجوب الزكاة في الغلّات إذا كانت حبوباً إذا اشتدّت، و في الثمار إذا بدا صلاحها «1»، انتهى. و قال في «المنتهي»: قال الشيخ: و يتعلّق الوجوب بالحبوب إذا اشتدّت و بالثمار إذا بدا صلاحها، و هو قول أكثر الجمهور. و قال بعض أصحابنا: إنّما يتعلّق الوجوب بها إذا صار الزرع حنطة أو شعيراً و الثمار تمراً أو زبيباً، و كان والدي (رحمه اللّٰه) يذهب إلى هذا، و الوجه عندي الأوّل «2»، انتهى.

______________________________

(1) المبسوط 1: 214.

(2) منتهى المطلب 1: 498/ السطر الأخير.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 199

و الأقوى أنّ المدار هو التسمية حِنطة أو شعيراً أو تمراً، و لا يترك الاحتياط في الزبيب في الثمرة المترتّبة على القولين في المسألة (9).

______________________________

و لا يخفى: أنّه لا ثمرة بين القولين في الحنطة و الشعير، بل و لا خلاف بينهما فيهما؛ لأنّ وقت اشتداد الحبّ هو وقت صدق اسم الحنطة و الشعير.

نعم تظهر الثمرة بينهما في التمر و الزبيب في موارد:

منها: أنّه لو نقل المالك التمر و العنب إلى الغير بعد بدوّ الصلاح و

قبل صدق الاسم فعلى المشهور تجب زكاتهما على الناقل، و على القول الآخر تجب على المنتقل إليه.

و منها: أنّه لو مات المالك فيما بين الوقتين فعلى قول المشهور تعلّقت الزكاة على المورّث، فتؤخذ من تركته ثمّ قسمت التركة بين الورّاث، و على القول الآخر تجب على كلّ من الورثة مع بلوغ نصيبه النصاب.

و منها: أنّه يجوز للمالك التصرّف في النصاب كيف يشاء فيما بين الوقتين بناءً على القول الآخر، و أمّا على قول المشهور لا يجوز إلّا بعد الخرص و الضمان.

و منها: ما إذا بلغ الصبي أو عقل المجنون المالكان على النصاب فيما بين الوقتين فعلى قول المشهور لا تجب عليهما الزكاة، و على القول الآخر تجب.

(9) و هذا القول هو المختار؛ لتعليق الحكم في أكثر النصوص على اسم الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب؛ قال المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه»: الأشبه بظواهر النصوص و الفتاوى المعلّقة للزكاة على الأجناس الأربعة، الأوّل أي كون وقت الوجوب حين صدق الاسم فإنّ الأحكام الشرعية تدور مدار عناوين موضوعاتها، فإذا دلّ الدليل على انحصار الزكاة ممّا أنبتته الأرض في الحنطة

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 200

..........

______________________________

و الشعير و التمر و الزبيب وجب إلحاق البسر و الحِصرم و شبههما من ثمر النخل و الكرم ممّا هو خارج عن مسمّيات هذه الأسامي بما عداها من الأثمار ممّا لا زكاة فيه، و إلّا لم يكن الحصر حاصراً.

اللهمّ إلّا أن يدلّ دليل خاصّ من نصّ أو إجماع على أنّ المراد بالتمر و الزبيب ثمرة النخل و الكرم عند بدوّ صلاحها، فالشأن في إثبات ذلك «1»، انتهى.

ثمّ إنّه (رحمه اللّٰه) بعد نقل قول المشهور في المسألة و ردّ

الأدلّة التي استدلّوا بها له قال: فالقول به أي بقول المشهور مع أنّه أوفق بالاحتياط لا يخلو من قوّة، ثمّ استدلّ له بأنّ جواز الخرص الذي ستعرف مسلّميته عند الفريقين في الجملة من أقوى الأدلّة على صحّة ما ذهب إليه المشهور من تعلّق حقّ الفقراء بالغلّات من حين بدوّ صلاحها «2».

و الذي يدلّ على المختار هو نحو صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق.

إلى أن قال (عليه السّلام)

و ليس فيما أنبتت الأرض شي ءٌ إلّا في هذه الأربعة أشياء «3»

، حيث إنّ الزكاة تتعلّق على الغلّات الأربعة بعنوانها. و وجه الاحتياط في الزبيب و وجوب الزكاة على المالك فيما لو تصرّف في ثمر الكرم بعد كونه عنباً و قبل الزبيبية، هو احتمال كون قوله: «زبيباً» في صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ليس في النخل صدقة حتّى يبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتّى يكون خمسة أوساق زبيباً «4»

، قيداً للنصاب؛ يعني أنّه لا تجب الزكاة في العنب إلّا إذا بلغ

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 346.

(2) نفس المصدر: 354.

(3) وسائل الشيعة 9: 176، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 9: 177، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 201

..........

______________________________

بمقدار خمسة أوساق إذا صار زبيباً، فحينئذٍ يكون متعلّق وجوب الزكاة هو العنب بشرط بلوغ زبيبة حدّ النصاب.

و استدلّ للقول المشهور بأُمور:

منها: الإجماع الذي ادّعاه في «المنتهي» قال: لا تجب الزكاة في الغلّات الأربع إلّا إذا نمت على ملكه؛ فلو

ابتاع غلّة أو استوهب أو ورث بعد بدوّ الصلاح لم تجب الزكاة، و هو قول العلماء كافّة «1»، انتهى.

و فيه: أنّ الإجماع على فرض تحقّقه يحتمل أن يكون على اشتراط النمو في ملك مالك الزراعة لا على بدوّ الصلاح.

و منها: الإجماع المركّب، بتقريب: أنّ كلّ من قال بتعلّق الزكاة بمجرّد اشتداد الحبّ في الحنطة و الشعير، قال بتعلّقها في البسر و الحصرم ببدوّ الصلاح فيهما بالإجماع المركّب.

و فيه: أنّه لا خلاف بين القولين في الحنطة و الشعير، و إنّما الخلاف بينهما في التمر و الزبيب، و لا مورد لتوهّم الإجماع المركّب في المسألة.

و منها: صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة حيث إنّها تدلّ على ثبوت الزكاة في العنب إذا بلغ خمسة أوسق لو قدّر زبيباً، فيتمّ فيما عداه بعدم القول بالفصل.

و فيه: أنّه من المحتمل أن يكون قوله: «زبيباً» قيداً لوجوب الزكاة؛ يعني أنّ وجوب الزكاة في العنب منوط بكونه متّصفاً بوصف الزبيبية، كما أنّه من المحتمل أن يكون قيداً للبلوغ خمسة أوساق؛ فيكون المعنى أنّ الزكاة تتعلّق بالعنب مشترطاً بكون يابسه و هو الزبيب بالغاً خمسة أوساق، و إذا جاء الاحتمالان في الرواية بطل الاستدلال بها على المطلوب.

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 497/ السطر 31.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 202

..........

______________________________

و منها: صحيح سعد بن سعد الأشعري قال: سألت أبا الحسن عن أقلّ ما تجب فيه الزكاة من البرّ و الشعير و التمر و الزبيب، فقال

خمسة أوساق بوسق النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فقلت: كم الوسق؟ قال: «ستّون صاعاً

، قلت: و هل على العنب زكاة أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيباً؟ قال

نعم إذا خرصه أخرج زكاته «1».

و

صحيح آخر لسعد عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) في حديث قال: سألته عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال

إذا ما صرم و إذا خرص «2»

يقال خرص النخلة إذا قدر ما عليها، و يقال صرم الشي ء: أي قطعه و جزّه حيث إنّ هذين الصحيحين يدلّان على وجوب الزكاة حين الخرص، و الصحيح الأوّل صريح في تعلّق الزكاة بالعنب.

و في «مصباح الفقيه»: و قد صرّح الأصحاب بأنّ زمان الخرص من حين بدوّ الصلاح «3».

و فيه: أنّه لا دليل على كون زمان الخرص هو خصوص حين بدوّ الصلاح، بل يحتمل أن يكون هو، و أن يكون حال الزبيبية.

قال صاحب «الجواهر»: يحتمل كونه بالحاء المهملة من حرص المرعى إذا لم يترك منه شيئاً، و حكى (رحمه اللّٰه) عن «الذخيرة» أنّه قال: يجوز أن يكون الخرص بالمعجمة مختصّاً بما كان تمراً على النخل، أو يكون الغرض منه أن يؤخذ منهم إذا صارت الثمرة تمراً أو زبيباً، فإذا لم يبلغ ذلك لم يؤخذ منهم «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 175، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 194، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 12، الحديث 1.

(3) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 351.

(4) جواهر الكلام 15: 218.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 203

..........

______________________________

و منها: ما يظهر من الأخبار و كلمات الأصحاب من أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كان يبعث من يخرص الثمرة على أصحاب النخل ليتميّز بذلك مقدار الصدقة المفروضة فيها، و الخرص إنّما هو في وقت بدوّ الصلاح؛ و ذلك لمراعاة حقّ الفقراء المتعلّق بالثمرة؛ فلو لم يكن حقّ

الفقير متعلّقاً بها من حين بدوّ صلاحها الذي هو وقت الخرص لم يكن يترتّب على الخرص قبل صيرورتها تمراً فائدة يعتدّ بها، بل كان تعدّياً و تضييقاً على المالك لا عن استحقاق؛ إذ قد لا يحبّ أن يطّلع على مقدار ماله أحد، و كذا قد لا يحبّ أن يطّلع أحد على أنحاء تصرّفاته في ماله رطباً من الإنفاق لأهله و أصدقائه و جيرانه؛ فلو لم يكن المقصود بالخرص تمييز حقّ الفقير و تضمين المالك به على تقدير صدور مثل هذه التصرّفات لوقع الخرص لغواً.

و فيه أوّلًا: أنّه لا دليل على أنّ الخرص كان في وقت بدوّ الصلاح، بل من المحتمل أنّه كان في وقت التمرية.

و ثانياً: أنّه على فرض كون الخرص حين بدوّ الصلاح فهو لا يكون دليلًا على أنّ وقت تعلّق الزكاة هو حين الخرص؛ إذ يمكن أن يكون فائدة الخرص حفظ حقّ الفقراء عند تعلّق الحقّ به أي بعد صيرورته تمراً لأنّ جماعة من المالكين كانوا يتصرّفون في الثمرة حين بدوّ الصلاح حتّى لا يتعلّق بها حقّ الفقراء حين صيرورتها زبيباً، هذا.

و أمّا الدليل على بعث رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الخارص فهو مسلّم عند الفريقين؛ و يشهد له رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ «1»، قال

كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إذا أمر بالنخل أن يزكّى يجي ء قوم

______________________________

(1) البقرة (2): 267.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 204

[ (مسألة 4): وقت وجوب الإخراج حين تصفية الغَلّة و اجتذاذ التمر و اقتطاف الزبيب]

(مسألة 4): وقت

وجوب الإخراج حين تصفية الغَلّة و اجتذاذ التمر و اقتطاف الزبيب (10). و هذا هو الوقت الذي لو أخّرها عنه ضمن،

______________________________

بألوان من التمر و هو من أردى التمر يؤدّونه من زكاتهم تمراً يقال له الجعرور و المعافارة قليلة اللحاء عظيمة النواء، و كان بعضهم يجي ء بها عن التمر الجيّد، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): لا تخرصوا هاتين التمرتين و لا تجيئوا منهما بشي ء، و في ذلك نزل وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ و الإغماض أن يأخذ هاتين التمرتين «2»

، و الرواية و إن كانت ضعيفة سنداً بمعلّى بن محمّد البصري أبي الحسن، قال العلّامة في «الخلاصة» و النجاشي: إنّه مضطرب الحديث و المذهب «3»، لكن مضمونها من المسلّمات بين الفريقين.

(10) اختلف العلماء في وقت وجوب إخراج زكاة الغلّات الأربع على أقوال:

الأوّل: أنّ وقته حين تصفية الغلّة و اجتذاذ التمر و اقتطاف الزبيب الاجتذاذ و الاقتطاف بمعنى الاجتناء اختاره المصنّف (رحمه اللّٰه) و السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين.

الثاني: أنّ وقته في الحبوب بعد التصفية من التبن و القشر و في التمر و الزبيب حتّى تشمّس و تجفّف؛ قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «المنتهي»: اتّفق العلماء كافّة على أنّه لا يجب الإخراج في الحبوب إلّا بعد التصفية، و في التمر إلّا بعد التشميس و الجفاف «1».

______________________________

(2) وسائل الشيعة 9: 205، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 19، الحديث 1.

(3) رجال العلّامة الحلّي: 259، رجال النجاشي: 418.

(1) منتهى المطلب 1: 499/ السطر 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 205

..........

______________________________

الثالث: أنّ وقت الوجوب و الإخراج واحد، و هو

وقت التسمية، و هذا القول اختاره الشهيد الثاني (رحمه اللّٰه) في «الروضة» و «المسالك» و صاحب «المدارك» و من المعاصرين السيّد الگلپايگاني في حاشيته على «العروة الوثقى» و «الوسيلة».

قال في «المسالك»: و في جعل ذلك أي حين اختراف التمر و اقتطاف العنب وقت الإخراج تجوّز، و إنّما وقته عند يبس الثمرة و صيرورتها تمراً أو زبيباً «1»، انتهى، كذا قال في «المدارك» «2».

و لعلّ مرادهما أنّ وقت الإخراج حين التسمية لا الاجتذاذ و الاقتطاف، فحينئذٍ يوافق قولهما «الروضة». و لعلّ مراد المصنّف (رحمه اللّٰه) من «حين تصفية الغلّة و الاجتذاذ و الاقتطاف» زمان الفراغ من التصفية و الاجتذاذ و الاقتطاف، كما هو المتعارف و العادة في إخراج سهم الزكاة.

و كيف كان: الأقوى أنّ وقت الإخراج بعد تصفية الحنطة و الشعير و بعد اجتذاذ التمر و اقتطاف الزبيب؛ للإجماع المدّعى في «المنتهي» و «التذكرة»؛ و لاستصحاب عدم وجوب الإخراج قبل التصفية و الاجتذاذ و الاقتطاف.

و لحكم العرف و العادة، قال المحقّق الهمداني (رحمه اللّٰه) في «مصباح الفقيه»: إذ المنساق من الأمر بصرف العشر أو الخمس من حاصل زرعه أو ثمرة بستانه في هذه السنة إلى زيد مثلًا إنّما هو إرادة إيصال الحصّة المقرّرة له إليه بعد تصفية الحاصل و صرم البستان على حسب ما جرت العادة في تقسيم حاصل الزراعات و ثمرة الأشجار بين شركائهم، فليس للفقير أولوية مطالبة المالك بالحصّة المقرّرة له قبل استكمال الحاصل أو بلوغ أوان قسمتها بين مستحقّيها في العرف و العادة «3»، انتهى.

______________________________

(1) مسالك الأفهام 1: 392.

(2) مدارك الأحكام 5: 139.

(3) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 355 356.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 206

..........

______________________________

و لرواية أبي مريم عن أبي

عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ، قال

تعطي المسكين يوم حصادك الضغث الضغث قبضة حشيش مختلط رطبها و يابسها ثمّ إذا وقع في البيدر البيدر الموضع الذي يجمع فيه الحصيد و يداس ثمّ إذا وقع في الصاع العشر و نصف العشر «1»

، وجه الاستدلال: أنّ ذيل الرواية يدلّ على أنّ إخراج العشر و نصف العشر موقّت بوقت وقوعه في الصاع؛ و هو بعد التصفية، و ضعف سند الرواية منجبر بعمل الأصحاب.

و صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات، أ يؤخّرها حتّى يدفعها في وقت واحد؟ فقال

متى حلّت أخرجها

، و عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى يجب على صاحبها؟ قال

إذا صرم و إذا خرص «2».

و الاستدلال بالصحيحة على المطلب مبني على أنّ السؤال عن وقت وجوب إخراج الغلّات الأربع بقرينة صدر الرواية المربوط بوقت وجوب إخراج ما يعتبر فيه الحول.

و لا يخفى: أنّ بعض الروايات يستفاد منه أنّ وقت الإخراج بعد الحصاد أو حين الحصاد و قبل التصفية، كما في صحيحة الحلبي أنّه سأل الصادق (عليه السّلام) عن قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ، كيف أُعطيه؟ قال

تقبض بيدك على الضغث فتعطيه المسكين و المسكين حتّى تفرغ منه «3».

و صحيح زرارة و حمران و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) و أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قوله تعالىٰ:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 196، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 13، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 9: 206، كتاب الزكاة،

أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 52، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 197، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 13، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 207

و يجوز للساعي مطالبة المالك فيه و يلزمه القبول، و لو طالبه قبله لم يجب عليه القبول (11). و في جواز الإخراج في هذا الحال إشكال، بل الأقوىٰ عدمه لو انجرّ الإخراج إلى الفساد؛ و لو قلنا بأنّ وقت التعلّق حين بدوّ الصلاح (12).

______________________________

وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ، قالا

تعطي منه الضغث بعد الضغث، و من السنبل القبضة بعد القبضة «1»

، حيث إنّ هذين الصحيحين و نحوهما تدلّ على أنّ وقت الإخراج قبل التصفية؛ لأنّ الضغث قبضة حشيش، و قوله (عليه السّلام)

و من السنبل القبضة بعد القبضة

صريح في المطلوب؛ لأنّ السنبل لا يصدق إلّا قبل التصفية، هذا. و لكن مضمون هذه الروايات غير مفتى به؛ للإجماع على أنّ وقت الإخراج بعد التصفية.

(11) يعني أنّه يترتّب على كون وقت الإخراج حين التصفية و الاجتذاذ و الاقتطاف، أنّ المالك يضمن الزكاة لو أخّرها و لم يؤدّها في وقت الإخراج و تلف و لو بغير تفريط، بناءً على كلا القولين في وقت وجوب الزكاة.

و يترتّب عليه أيضاً أنّه يجوز للساعي مطالبة زكاة المال في ذلك الوقت، و يلزم على المالك القبول و إجابة الساعي بردّ الزكاة إليه، و أنّه لا يجب على المالك القبول لو طالبه قبل ذلك الوقت و إن تعلّق الوجوب به قبل ذلك الوقت؛ حتّى على قول المشهور.

(12) هذا الحال إشارة إلى زمان قبل التصفية و الاجتذاذ و الاقتطاف، و لعلّ وجه الإشكال في جواز الإخراج في هذا الحال هو احتمال فساده و عدم قابليته للاستفادة المطلوبة

منه. و وجه القوّة في عدم جواز الإخراج هو معلومية انجرار الإخراج في ذلك الزمان إلى الفساد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 197، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 13، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 208

[ (مسألة 5): لو أراد المالك الاقتطاف حصرماً أو عنباً أو بسراً أو رطباً جاز]

(مسألة 5): لو أراد المالك الاقتطاف حصرماً أو عنباً أو بسراً أو رطباً جاز، و وجب أداء الزكاة على الأحوط من العين أو القيمة، بعد فرض بلوغ تمرها و زبيبها النصاب؛ و إن كان الأقوىٰ عدم الوجوب (13).

[ (مسألة 6): يجوز للمالك دفع الزكاة و الثمر على الشجر قبل الجذاذ و بعد التعلّق من نفس الثمر أو قيمته]

(مسألة 6): يجوز للمالك دفع الزكاة و الثمر على الشجر قبل الجذاذ و بعد التعلّق من نفس الثمر أو قيمته (14).

______________________________

(13) أمّا جواز الاقتطاف حصرماً أو عنباً أو بسراً أو رطباً، فلكون المالك مسلّطاً على ماله و لم يتعلّق على ماله في تلك الأحوال الزكاة؛ لأنّ المفروض عدم تعلّق وجوب الزكاة على الثمر في تلك الأحوال و كان الأقوى عنده (رحمه اللّٰه) و عندنا تعلّقها عليه حين صدق الاسم.

و وجه الاحتياط في وجوب أداء الزكاة من عين الحصرم و العنب و البسر و الرطب أو قيمتها إن كانت القيمة معادل قيمة التمر و الزبيب و إلّا ففيه إشكال، هو احتمال كون وقت الوجوب حين بدوّ الصلاح الشامل على تلك الأحوال، و إن كان الأقوى عدم الوجوب؛ نظراً إلى أنّ المستفاد من النصوص كون وقت الوجوب حين صدق الاسم، و ما دام لم يصدق الاسم لم يتعلّق الوجوب؛ فلا يجب أداء الزكاة قبله.

و لا يخفى: أنّ المصنّف (رحمه اللّٰه) قال بعدم ترك الاحتياط في الزبيب في الثمرة المترتّبة على القولين في مسألة وقت تعلّق الوجوب، و في هذه المسألة قال بالاحتياط الاستحبابي، فتدبّر.

(14) لا يخفى: أنّ المصنّف (رحمه اللّٰه) قد استشكل في المسألة الرابعة في جواز إخراج الزكاة في حال قبل الاجتذاذ و أفتى هنا بجواز دفع الزكاة قبله. ثمّ إنّه على فرض جواز الدفع قبل الجذاذ لا يجوز للساعي أو الفقير الامتناع عن الأخذ، إلّا أن يكون

فيه ضرر.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 209

[ (مسألة 7): لو ملك نخلًا أو كرماً أو زرعاً قبل زمان التعلّق]

(مسألة 7): لو ملك نخلًا أو كرماً أو زرعاً قبل زمان التعلّق، فالزكاة عليه فيما نمت مع ذلك في ملكه على الأقوىٰ، و في غيره على الأحوط كما مرّ (15)، فيجب عليه إخراج الزكاة بعد التعلّق مع اجتماع الشرائط. بخلاف ما إذا ملك بعد زمان التعلّق، فإنّ الزكاة علىٰ من انتقل عنه ممّن كان مالكاً حال التعلّق. و لو باعه مثلًا قبل أداء ما عليه فهو فضوليّ بالنسبة إلىٰ حصّة الزكاة؛ يحتاج إلىٰ إجازة الحاكم، فإن أجاز ردّ الثمن إليه بالنسبة و رجع إلى البائع به، و إن ردّه أدّى الزكاة، و له الرجوع إلى البائع بثمنه بالنسبة (16).

______________________________

(15) قد مرّ تفصيل الكلام في هذه المسألة في الأمر الثاني من شرطي وجوب الزكاة و هو التملّك بالزراعة و ذكرنا هناك وجه الأقوائية في وجوب الزكاة على من ملك النخل و الكرم و الزرع قبل زمان التعلّق و نمت مع ذلك في ملكه، و وجه الاحتياط في غيره؛ فلا نطيل البحث بالإعادة، فراجع.

(16) اختلف فقهاؤنا في أنّ بيع المال الزكوي قبل أداء زكاته هل هو صحيح و نافذ حتّى في حصّة الزكاة، أو أنّه نافذ بالنسبة إلى سهم المالك و موقوف على إجازة مَن له الولاية على الزكاة و هو الحاكم و وكيله بالنسبة إلى سهم الزكاة، و هذا الخلاف مبني على القولين في كيفية تعلّق الزكاة و أنّها متعلّقة بالعين أو بالذمّة؛ فمن قال إنّها متعلّقة بالعين قال بكون البيع فضولياً بالنسبة إلى حصّة الزكاة، و من قال بأنّها متعلّقة بالذمّة قال بصحّة البيع و نفوذه في تمام المبيع، و كذا من قال بأنّ

الزكاة تتعلّق بالعين و لكن المالك لو ضمن الزكاة قبل البيع و قلنا بصحّة الضمان لها على معنى أنّ له نقل الزكاة إليه بالقيمة في ذمّته قال بصحّة البيع و نفوذه؛ لحصول شرطه.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 210

هذا إذا أحرز عدم التأدية، و مع إحرازها أو احتمالها لا شي ء عليه (17).

______________________________

و المشهور شهرة عظيمة تعلّقها بالعين. و يظهر من بعضهم عدم الخلاف فيه، بل الإجماع عليه، كما عن «المنتهي» قال: ذهب إليه علماؤنا أجمع حيواناً كان أو غلّة أو أثماناً و به قال أكثر أهل العلم «1». و في محكي «مجمع البرهان»: أنّه المفهوم من الأخبار، و لعلّه لا خلاف فيه عند أصحابنا «2»، و القائل بتعلّقها بالذمّة شاذّ. و في «الجواهر»: و عن بعض أنّ القائل بالذمّة مجهول، و آخر نسبته إلى الشذوذ من أصحابنا «3».

و قال السيّد الأصبهاني (رحمه اللّٰه) في «وسيلة النجاة»: لو باعه مثلًا قبل أداء ما عليه صحّ على الأصحّ «4»، انتهى.

و المختار عند المصنّف (رحمه اللّٰه): أنّ الزكاة تتعلّق بالعين لا بالذمّة، و هو الأقوى. فحينئذٍ يكون البيع بالنسبة إلى حصّة الفقراء فضولياً محتاجاً إلى إجازة الحاكم أو وكيله، و ليس للفقير إجازته؛ لعدم الولاية له بل هو مصرف.

و إذا كان بيعها فضولياً فإن أجازه الحاكم ردّ المشتري الثمن إليه بالنسبة و رجع إلى البائع و يستردّ ثمن الزكاة منه، و إن ردّه الحاكم أدّى المشتري الزكاة إليه و رجع إلى البائع بالنسبة إلى ثمن الزكاة، و له حينئذٍ خيار تبعّض الصفقة.

(17) وجه عدم وجوب ردّ الزكاة على المشتري في صورة احتمال تأدية

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 505/ السطر 19.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 4:

124.

(3) جواهر الكلام 15: 138.

(4) وسيلة النجاة: 159.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 211

[ (مسألة 8): لو باع الزرع أو الثمر، و شكّ في أنّ البيع كان بعد زمان التعلّق حتّى تكون الزكاة عليه، أو قبله]

(مسألة 8): لو باع الزرع أو الثمر، و شكّ في أنّ البيع كان بعد زمان التعلّق حتّى تكون الزكاة عليه، أو قبله حتّى تكون على المشتري، لم يكن عليه شي ء (18) إلّا إذا علم زمان التعلّق و جهل زمان البيع، فيجب عليه حينئذٍ إخراجها على الأقوىٰ (19).

______________________________

البائع إيّاها، أصالة الصحّة الجارية في عقد البائع الواقع على ماله، و هو أصل عقلائي يجري في صورة الشكّ في شرط من شرائط العقد أو شرط من شرائط العوضين أو المتعاملين، و الشكّ في مسألتنا في وجود الزكاة في المبيع و عدمها و حمل فعل المسلم على الصحيح أصل عقلائي بنى عليه العقلاء و سيرتهم جارية عليه في العقود و الإيقاعات و غيرهما من الأفعال.

و يمكن الاعتماد على قاعدة اليد أيضاً خصوصاً فيما كان سبب الانتقال الموت و نحوه من الأسباب التي لا تتّصف بالصحّة و الفساد هذا بناءً على كون قاعدة اليد المستفاد من قولهم: «من استولى على شي ء فهو له» أمارة عقلائية أمضاها الشارع، و تحكيم الاستصحاب أي استصحاب عدم أداء الزكاة على بعض الأدلّة إنّما هو في الأدلّة اللفظية لا في مثل ما نحن فيه من موارد بناء العقلاء عليها، فإذا ثبت بناؤهم في مورد فلا تأثير للاستصحاب و إن لم يثبت بناؤهم سقطت عن الحجّية؛ كان هناك استصحاب شرعي أو لا. ثمّ إنّه على فرض جريان الاستصحاب و كونه أمارة عقلائية تسقط الأمارتان عن الحجّية، فيرجع إلى أصالة البراءة.

(18) و ذلك لاستصحاب عدم تعلّق الزكاة إلى زمان البيع؛ فلا تجب على البائع.

(19) و ذلك لاستصحاب بقاء الزرع و

الثمر في ملك المالك البائع إلى زمان

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 212

و لو شكّ المشتري في ذلك، فإن كان قاطعاً بأنّ البائع لم يؤدِّ زكاته علىٰ تقدير كون الشراء بعد زمان التعلّق يجب عليه إخراجها مطلقاً؛ على الأحوط فيما إذا احتمل أنّ الشراء في زمان تمّ نماء الزرع و لم ينم في ملكه، و على الأقوىٰ في غيره. و إن لم يكن قاطعاً بذلك، بل كان قاطعاً بأدائها علىٰ ذلك التقدير أو احتمله، ليس عليه شي ء مطلقاً؛ حتّى فيما إذا علم زمان البيع و شكّ في تقدّم التعلّق و تأخّره على الأقوىٰ، و إن كان الأحوط في هذه الصورة إخراجها (20).

______________________________

التعلّق، و لا معارض له. و أصالة تأخّر الحادث أعني تعلّق الزكاة عن زمان البيع مضافاً إلى أنّها أصل مثبت تعارضها أصالة تأخّر البيع؛ فيبقى الاستصحاب المزبور بلا معارض؛ فيجب على البائع إخراج الزكاة.

(20) إذا اشترى الزرع و الثمر و شكّ في أنّ الشراء وقع قبل التعلّق حتّى تجب زكاته عليه أو بعده حتّى تجب على البائع، فحينئذٍ إمّا أن يكون المشتري قاطعاً بأنّ البائع لم يؤدّ زكاته على فرض كون الشراء بعد زمان التعلّق، أو غير قاطع به؛ فإن كان قاطعاً به يجب عليه أداء زكاة المال المشترىٰ مطلقاً أي سواء كان الشراء قبل التعلّق أو بعده و ذلك للعلم التفصيلي بوجود الزكاة في هذا المال الواقع في يده بالشراء؛ إمّا من جهة أنّ البائع على فرض تعلّق الزكاة في ملكه لم يؤدّها قطعاً، و إمّا من جهة أنّه انتقل إليه قبل تعلّق الزكاة به في ملك البائع لكن وجوب الزكاة على المشتري على الأحوط فيما احتمل انقضاء نماء

الزرع حين دخل في ملكه بالشراء، و على الأقوى في غيره و إن لم يكن المشتري قاطعاً به بل كان قاطعاً بأنّ البائع على فرض تعلّق الزكاة في ملكه لقد أدّاها؛ فحينئذٍ لا يكون على المشتري شي ء؛ لأصالة البراءة، و كذا لا يكون عليه شي ء إذا احتمل أنّ البائع أدّاها؛ لما ذكرنا

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 213

[ (مسألة 9): لو مات المالك بعد تعلّق الزكاة و قبل إخراجها]

(مسألة 9): لو مات المالك بعد تعلّق الزكاة و قبل إخراجها، تخرج من عين ما تعلّقت به الزكاة إن كان موجوداً، و من تركته إن تلف مضموناً عليه (21). نعم لورثته أداء قيمة الزكوي مع بقائه أيضاً (22). و لو مات قبله وجبت علىٰ من بلغ سهمه النصاب من الوَرَثة مع اجتماع سائر الشرائط؛ على الأحوط فيما إذا انتقل إليهم بعد تمام نموّه و قبل تعلّق الوجوب، و على الأقوىٰ إذا كان الانتقال

______________________________

سابقاً من جريان أصالة الصحّة و قاعدة اليد في بيع المالك ماله، هذا. و لكن الاحتياط بإخراج الزكاة في صورة الاحتمال حسن.

(21) لا تسقط الزكاة بموت المالك عندنا و جماعة من العامّة، و قال أبو حنيفة بسقوطها بالموت كسائر العبادات. و فيه: أنّ الزكاة بعد تعلّقها حال حياته حقّ آدمي لا يسقط بالموت كسائر ديونه. و في «المعتبر»: لأنّه دين اللّٰه فيجب قضاؤه؛ لقوله (عليه السّلام)

دين اللّٰه أحقّ أن يقضى «1».

وجه إخراج الزكاة من عين ما تعلّقت به فيما كان موجوداً هو تعلّق الزكاة بالعين، و لا يجوز إخراجها من سائر تركته مع وجودها؛ لانتقال سائر التركة إلى الورثة بالموت. و مع تلفه تخرج من تركته فيما كان مضموناً عليه، كما لو أخّر المورّث حال حياته أداءها بغير عذر؛ فإنّ الزكاة

حينئذٍ تكون مضمونة عليه و من جملة ديونه، فتخرج من تركته.

(22) كما أنّه جاز للمورّث حال حياته أداء قيمة العين مع وجودها؛ لما ذكرناه تفصيلًا في شرح قوله (رحمه اللّٰه): «بل له أن يدفع قيمتها السوقية.» إلى آخره في ضمن المسألة الثالثة من مسائل «ما يؤخذ في زكاة الأنعام»، فراجع.

______________________________

(1) المعتبر 2: 544.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 214

قبل تمامه، فإذا لم يبلغ سهم واحد منهم النصاب، أو اختلّ بعض شروط أُخر، فلا زكاة (23). و لو لم يعلم أنّ الموت كان قبل التعلّق أو بعده، فمن بلغ سهمه النصاب يجب عليه إخراج زكاة حصّته على الأقوىٰ في بعض الصور (24)، و على الأحوط في بعض (25)، و من لم يبلغ نصيبه حدّ النصاب لا يجب عليه شي ء، إلّا إذا علم زمان التعلّق و شكّ في زمان الموت، فتجب على الأقوىٰ (26).

______________________________

(23) لو مات المالك قبل تعلّق الزكاة كان المال الزكوي من جملة تركته ينتقل إلى الورّاث؛ فيملكون الزرع و الثمر قبل تعلّق الزكاة؛ فمن بلغ سهمه النصاب من الورثة و اجتمع سائر شرائط وجوب الزكاة تجب عليه على الأحوط فيما إذا انتقل إليه بعد تمام نموّه و قبل تعلّق الوجوب، و على الأقوى فيما إذا كان الانتقال قبل تمامه، و من لم يبلغ سهمه النصاب فلا زكاة عليه، و هذا واضح.

(24) الصورة التي يجب على الوارث إخراج الزكاة من سهمه البالغ النصاب على الأقوى هي ما كان قاطعاً بأنّ المورّث لم يؤدّ زكاته على تقدير كون الموت بعد زمان التعلّق و لم يتمّ نماء الزرع و الثمر في ملك الوارث؛ فحينئذٍ يكون المال المنتقل إليه بالإرث ممّا فيه زكاة قطعاً؛ إمّا

لأنّها تعلّقت في ملك المورّث و لم يؤدّها و وقعت في يده فيجب إخراجها، و إمّا لأنّه تعلّقت في ملكه المنتقل إليه قبل التعلّق كالمنتقل إليه بالشراء، مع القطع بأنّ البائع على فرض تعلّق الزكاة في ملكه لم يؤدّها قطعاً؛ فإنّه تجب الزكاة حينئذٍ على المشتري.

(25) و هو ما انتقل الزرع و الثمر إلى ملك الوارث و احتمل أنّ الانتقال في زمان تمّ نماؤه و لم ينم في ملكه.

(26) أمّا عدم وجوب شي ء عليه فيما لم يعلم وجوب التعلّق على المورّث

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 215

[ (مسألة 10): لو مات الزارع أو مالك النخل و الكرم و كان عليه دين]

(مسألة 10): لو مات الزارع أو مالك النخل و الكرم و كان عليه دين، فإن كان موته بعد تعلّق الوجوب وجب إخراج الزكاة كما مرّ حتّى فيما إذا كان الدين مستوعباً للتركة، و لا يتحاصّ الغرماء مع أرباب الزكاة، إلّا إذا صارت في ذمّته في زمان حياته بسبب إتلافه أو التلف مع التفريط، فيقع التحاصّ بينهم كسائر الديون (27). و إن كان موته قبل تعلّق الوجوب، فإن كان قبل ظهور الحبّ و الثمر، فمع استيعاب الدين التركة و كونه زائداً عليها بحيث يستوعب النماءات أيضاً لا تجب على الورثة الزكاة،

______________________________

فلأنّ ما انتقل إليه لمّا لم يكن في حدّ النصاب فلا شي ء عليه، و إن كان ملكاً له قبل صدق الاسم أو الاشتداد و بدوّ الصلاح على اختلاف القولين في وقت تعلّق الزكاة و لم يثبت تعلّقها عليه في ملك المورّث.

و بعبارة أوضح: الوجه في عدم وجوب شي ء على من لم يبلغ نصيبه حدّ النصاب هو أنّ تعلّقه على المورّث غير معلوم؛ إذ من المحتمل أنّ موته قبل التعلّق، كما أنّه من المحتمل أن يكون

بعده و لم يؤدّها، و انتقاله إليه قبل التعلّق لا يوجب الزكاة على من لم يبلغ نصيبه النصاب. و أمّا وجوبها عليه فيما إذا علم زمان التعلّق و شكّ في زمان الموت فلاستصحاب حياة المورّث إلى زمان التعلّق، فكان تمام الزرع و الثمر متعلّق الزكاة في ملك المورّث حال حياته، و قد انتقل من ذلك المال الذي فيه الزكاة إلى الوارث فيجب عليه إخراج زكاته، و إن كان نصيبه أقلّ من النصاب.

(27) قد تعرّض المصنّف (رحمه اللّٰه) في هذه المسألة لجهات:

الاولى: المشهور بين أصحابنا أنّه لو مات الزارع أو مالك النخل و الكرم بعد

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 216

..........

______________________________

تعلّق وجوب الزكاة عليه و كان عليه دين وجب إخراج الزكاة من التركة؛ حتّى فيما كان الدين مستوعباً لها و لا يتعلّق بالزرع و الثمر حقّ الغرماء و لا يتحاصّ الغرماء مع أرباب الزكاة؛ لأنّ المفروض أنّ الزكاة تعلّقت بالعين و خرجت عن ملك المالك حال حياته، فمقدار الزكاة بعد موته ليس مملوكاً للميّت حتّى يتعلّق به حقّ الغرماء؛ فلا يتحاصّ الغرماء مع الفقراء، هذا بناءً على تعلّق الزكاة بالعين بنحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن.

حتّى بناءً على تعلّقها بالعين بنحو حقّ الرهانة أو أرش جناية و نحوهما؛ لأنّ حقّ أربابها المتعلّق بالعين حال حياة المالك مانع عن تعلّق حقّ الغرماء بها المحقّق بعد الموت، فحقّ أربابها سابق على حقّ الغرماء. و نظيره ما لو نذر حال حياته صرف مال معيّن في مورد مخصوص و كان عليه دين ثمّ مات لم يتعلّق حقّ الغرماء على مورد النذر.

و أمّا بناءً على تعلّقها بالذمّة من أوّل الأمر أو تعلّقها بالعين و أنّ المالك أتلفها

أو أخّرها بغير عذر في أدائها في وقته و تلفت من غير تفريط و انتقلت إلى ذمّته، فحينئذٍ يقع التحاصّ بين أرباب الزكاة و الغرماء كسائر الديون. و هذا القول غير المشهور و نسب إلى الشيخ (رحمه اللّٰه) في «المبسوط» قال: و متى بدا صلاح الثمرة قبل موت صاحبه وجب فيه الزكاة، و لم تسقط الزكاة بحصول الدين؛ لأنّ الدين في الذمّة و الزكاة تتعلّق بالأعيان، و يجتمع الدين و الزكاة في هذه الثمرة و يخرجان معاً، و ليس أحدهما بالتقديم أولى من صاحبه، فإن لم يسع المال الزكاة و الدين كان بحسب ذلك «1»، انتهى.

______________________________

(1) المبسوط 1: 218.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 217

بل تكون كأصل التركة بحكم مال الميّت على الأقوىٰ يؤدّىٰ منها دينه (28). و مع استيعابه التركة و عدم زيادته عليها، لو ظهرت الثمرة بعد الموت، يصير مقدار الدين بعد ظهورها من التركة أصلًا و نماءً بحكم مال الميّت بنحو الإشاعة بينه و بين الورثة، و لا تجب الزكاة فيما يقابله (29)،

______________________________

(28) هذه هي الجهة الثانية، تقريرها: أنّه لو مات الزارع أو مالك النخل و الكرم قبل تعلّق الوجوب و قبل ظهور الحبّ و الثمر مع استيعاب الدين تمام التركة و كونه زائداً عليها بحيث يستوعب النماءات بعد ظهورها أيضاً؛ فحينئذٍ لا تجب الزكاة على الورثة بل تكون النماءات بعد ظهورها كأصل التركة بحكم مال الميّت يؤدّى منها دينه، و الديان يملكون النماءات قبل التعلّق، و بعد التعلّق تجب الزكاة على من بلغ حصّته النصاب، هذا.

و لكن الورثة لو أدّوا دين المورّث قبل تعلّق الوجوب من مال آخر أو ضمنوا دينه و رضي الديان به برئت ذمّة الميّت

من الدين و كانت التركة للورثة، كما لو أبرأ الديان ذمّة الميّت و بعد التعلّق يلاحظ بلوغ حصّتهم النصاب و عدمه؛ فمن بلغ نصيبه النصاب تجب الزكاة عليه مع اجتماع سائر شرائط وجوب الزكاة.

(29) الجهة الثالثة: لو مات الزارع أو مالك النخل و الكرم قبل تعلّق الوجوب و قبل ظهور الحبّ و الثمر مع استيعاب الدين تمام التركة من غير زيادة عليها فإن أدّى الورثة تمام التركة إلى الدائن ثمّ ظهر الحبّ و الثمر في ملكهم و اشتدّ و بدا الصلاح تعلّق الوجوب عليه، و إن لم يؤدّوها حتّى ظهرت الثمرة مع عدم زيادة الدين على التركة فحينئذٍ يكون تمام الأصل و النماء مشتركاً بين الورثة و الدائن؛ لأنّ مقدار الدين بحكم مال الميّت لا ينتقل إلى الورثة بل ينتقل إلى الدائن، و إذا اشتدّ الحبّ و بدا الصلاح في الثمر فلا تجب الزكاة على الورثة فيما يقابل الدين، بل زكاته

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 218

و يُحسب النصاب بعد توزيع الدين على الأصل و الثمرة، فإن زادت حصّة الوارث من الثمرة بعد التوزيع و بلغت النصاب تجب الزكاة عليه (30)، و لو تلف بعض الأعيان من التركة يكشف عن عدم كونه ممّا يؤدّىٰ منه الدين، و عدم كونه بحكم مال الميت، و كان ماله فيما سوى التالف واقعاً (31).

______________________________

على الدائن على فرض بلوغ حصّته النصاب مع سائر الشرائط.

(30) لأنّه لمّا كان تمام المال أصلًا و نماءً مشتركاً بين الدائن المنتقل إليه من ذمّة الميّت و بين الوارث بنحو الإشاعة فكما أنّ حصّة الدائن لو بلغت النصاب وجبت الزكاة عليه، كذلك حصّة الوارث من الثمر و الحبّ لو بلغت النصاب وجب

الزكاة عليه، و هذا واضح لا إشكال فيه.

(31) لا يخفى: أنّ حكم المصنّف (رحمه اللّٰه) بأنّ تلف بعض الأعيان من التركة أصلًا و نماءً يكشف عن عدم كون التالف ممّا يؤدّى منه الدين، و أنّه لا يحسب التالف ممّا كان بحكم مال الميّت، بل يحسب من حصّة الوارث و كان مال الميّت فيما سوى التالف واقعاً لا يساعده قوله: «يصير مقدار الدين بعد ظهورها من التركة أصلًا و نماءً بحكم مال الميّت بنحو الإشاعة بينه و بين الورثة»، حيث إنّ عبارته هذه صريحة في أنّ التركة أصلًا و نماءً مشترك بين الميّت و الورثة بنحو الإشاعة؛ فيكون التلف عليهما لا على الورثة فقط. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ كون التلف عليهم لا على الميّت من جهة طولية الملك و ترتيبه، كما وجّهه بعض الفقهاء المعاصرين «1»، و لعلّه المستفاد من القرآن العظيم حيث جعل سهام الورثة بعد الوصية و الدين «2».

______________________________

(1) الزكاة، المحقّق المنتظري 2: 103.

(2) النساء (4): 11 12.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 219

و منه يظهر الحال لو كان الموت بعد ظهوره و قبل تعلّق الوجوب (32). نعم الاحتياط بالإخراج مع الغرامة للديّان أو استرضائهم مطلقاً حسن، سيّما فيما كان الموت قبل ظهوره (33)، و لو كان الورثة قد أدّوا الديون أو ضمنوه برضا الديّان قبل تعلّق الوجوب، وجبت الزكاة علىٰ من بلغ سهمه النِّصاب مع اجتماع الشرائط (34).

______________________________

(32) هذه هي الجهة الرابعة، تقريرها: أنّه لو مات الزارع و مالك النخل و الكرم قبل تعلّق الوجوب و بعد ظهور الحبّ و الثمر فقد علم حكمه ممّا مرّ في الجهة الثالثة من أنّه مع استيعاب الدين التركة و عدم زيادته عليها

يصير مقدار الدين بعد ظهور النماءات من التركة أصلًا و نماءً بحكم مال الميّت بنحو الإشاعة بينه و بين الورثة. إلى آخر ما أوضحناه هناك، فراجع.

(33) يعني أنّ المتّجه فيما لو مات الزارع أو مالك النخل و الكرم و كان عليه دين و كان موته قبل تعلّق الوجوب، هو عدم وجوب الزكاة على الورثة في تمام التركة أصلًا و نماءً فيما كان الدين مستوعباً لها، و فيما يقابل الدين فيما لم يكن مستوعباً لها، من غير فرق بين ظهور الحبّ و الثمر بعد الموت أو قبله.

و بالجملة: فالدين ما لم يؤدّ إلى الديّان أو لم يضمن لهم لم تجب الزكاة على الورثة؛ حتّى مع الغرامة للديّان أو استرضائهم مطلقاً أي سواءٌ ظهر الحبّ و الثمر قبل الموت أو بعده نعم الاحتياط بالإخراج حسن؛ سيّما فيما كان الموت قبل ظهور الحبّ و الثمر؛ و ذلك لاحتمال انتقال تمام التركة و الثمرة في ملك الورثة بالغرامة للديّان أو استرضائهم.

(34) و ذلك لأنّ التركة تكون ملكاً طلقاً للورثة قبل تعلّق الوجوب بأداء دين الميّت من أموالهم إلى الديّان أو بضمانهم و تعهّدهم بالدين الثابت في ذمّة الميّت

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 220

[ (مسألة 11): في المزارعة و المساقاة الصحيحتين حيث إنّ الحاصل مشترك بين المالك و العامل تجب علىٰ كلّ منهما الزكاة في حصّته]

(مسألة 11): في المزارعة و المساقاة الصحيحتين حيث إنّ الحاصل مشترك بين المالك و العامل تجب علىٰ كلّ منهما الزكاة في حصّته مع اجتماع الشرائط بالنسبة إليه (35). بخلاف الأرض المستأجرة للزراعة، فإنّ الزكاة على المستأجر مع اجتماع الشرائط، و ليس على المؤجر شي ء و إن كانت الأُجرة من الجنس الزكوي (36).

______________________________

للديّان و قبول الديّان تعهّدهم بما دلّ على الرضا؛ فمن بلغ سهمه النصاب وجبت الزكاة عليه مع اجتماع سائر الشرائط.

(35)

لمّا كانت المزارعة معاملة بين صاحب الأرض و الزارع على أن تزرع الأرض بحصّةٍ من حاصلها؛ بأن كان لكلّ منهما نصف الحاصل مثلًا، و كذلك كانت المساقاة أيضاً معاملة بين صاحب الأُصول و العامل المساقي على أُصول ثابتة بأن يسقيها مدّة معيّنة بحصّة معيّنة من الثمرة مقدّرة بالنصف مثلًا فالصحيح منهما يوجب كون الحاصل مشتركاً بين مالك الأرض و الزارع في المزارعة و بين مالك الأُصول و العامل المساقي في المساقاة، فتجب الزكاة على كلّ منهم في حصّته إذا بلغت النصاب مع اجتماع سائر الشرائط.

(36) لمّا كان حاصل الأرض كلّه لمستأجر الأرض و لا حظّ لمالك الأرض في الحاصل أصلًا فلا جرم كانت الزكاة على المستأجر مع وجود سائر الشرائط، و ليس على المؤجر شي ء، و إن كانت الأُجرة من الجنس الزكوي.

نعم لو كانت الأُجرة كلّياً في ذمّة المستأجر معيّناً مقدارها بالكيل و الوزن، و صالح المتعاقدان قبل تعلّق الوجوب و بعد وجود الحبّ و الثمر ما في ذمّة المستأجر بما يعادل قيمته من الزراعة مثلًا و تملّك الموجر الزراعة، فحينئذٍ تجب الزكاة عليه إن بلغ النصاب مع سائر الشرائط.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 221

[ (مسألة 12): في المزارعة الفاسدة تكون الزكاة علىٰ صاحب البذر]

(مسألة 12): في المزارعة الفاسدة تكون الزكاة علىٰ صاحب البذر، و أُجرة الأرض و العامل من المؤن (37). و في المساقاة الفاسدة تكون الزكاة علىٰ صاحب الأُصول، و تحسب اجرة مثل عمل المساقي من المؤن (38).

[ (مسألة 13): لو كان عنده أنواع من التمر]

(مسألة 13): لو كان عنده أنواع من التمر كالزاهدي و الخستاوي و القنطار و غير ذلك يُضمّ بعضها إلىٰ بعض في بلوغ النصاب (39)،

______________________________

(37) إذا كانت المزارعة فاسدة فلا يملك مالك الأرض شيئاً من الأُجرة المسمّاة المقرّرة على حاصل الأرض؛ فلا تتعلّق الزكاة عليه، نعم يستحقّ أُجرة الأرض على الزارع؛ فلو تراضيا على أن يسلّم الزارع مقداراً معيّناً من الزراعة إلى مالك الأرض معادلًا لُاجرة المثل و سلّمه إليه قبل تعلّق الوجوب و بلغ حبّه حدّ النصاب، فقد وجب الزكاة على صاحب الأرض أيضاً، و حاصل الأرض كلّه يكون ملكاً للزارع و تتعلّق الزكاة عليه، و يستثنى المؤن؛ و هي البذر و أُجرة مثل الأرض و أُجرة العمل في الأرض إلى تحصيل الحبّ و سائر ما يعدّ من المئونة.

(38) إذا كانت المساقاة فاسدة فلا يملك المساقي شيئاً من ثمر الأُصول، بل يستحقّ اجرة مثل العمل، و يكون الثمر كلّه ملكاً لصاحب الأُصول؛ فتجب الزكاة عليه إن بلغ الثمر النصاب، و تحسب اجرة مثل عمل المساقي من المؤن و تخرج من النصاب، ثمّ تخرج الزكاة من الباقي.

نعم لو تراضيا على أن يؤدّي صاحب الأُصول مقداراً من الثمر بالغاً بعد جفافه حدّ النصاب اجرةً لمثل العمل و سلّمه إلى المساقي قبل تعلّق الزكاة وجبت حينئذٍ الزكاة على المساقي أيضاً.

(39) الوجه في ضمّ بعض أنواع التمر إلى بعضها في بلوغ النصاب إطلاق

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 222

و

الأحوط الدفع من كلّ نوع بحصّته؛ و إن كان الأقوىٰ جواز الاجتزاء بمطلق الجيّد عن الكلّ و إن اشتمل على الأجود (40).

______________________________

الأدلّة و عمومها حيث إنّ التمر و الزبيب في لسان الأدلّة جنسان يشملان أنواعهما. و المسألة إجماعية.

(40) وجه الاحتياط ما ذكره العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» من أنّه لو تعدّدت الأنواع أُخذ من كلّ نوع بحصّته لينتفي الضرر عن المالك بأخذ الجيّد و عن الفقراء بأخذ الردي ء، و هو قول عامّة أهل العلم، و قال مالك و الشافعي: إذا تعدّد الأنواع أُخذ من الوسط، و الأولى أخذ عشر كلّ واحد؛ لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء «1»، انتهى.

و الأخذ من كلّ نوع بحصّته هو مقتضى القول بتعلّق الزكاة على العين بنحو الإشاعة، كما أنّ مقتضى القول بتعلّق الزكاة على العين بنحو الكلّي في المعيّن أو بنحو تعلّق الحقّ على العين هو الاجتزاء بمطلق الجيّد و إن كان مشتملًا على الأجود، و هذا لا يخلو عن القوّة؛ لصدق الفريضة على الجيّد مع وجود الأجود.

و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) بعد قوله: فينبغي مراعاة قاعدة الشركة هنا، و مقتضاها ما سمعته من «التذكرة»، قال: اللهمّ إلّا أن يقال بقرينة جواز دفع غير العين إنّ المراد من العشر مثلًا مقدار العشر؛ فيكون حينئذٍ كاسم الفريضة في إجزاء مطلق التمر. إلى أن قال: بل مَن أعطى التأمّل حقّه في الآية و فيما ورد من النصوص في ذلك جزم بإجزاء مطلق الطيّب من التمر، و لا يلتفت إلى قاعدة الشركة؛ خصوصاً بعد ملاحظة السيرة في عدم إلزام المالك الدفع من جنس جميع ما عنده من أنواع التمر «2».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 161.

(2) جواهر الكلام 15: 245.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس،

ص: 223

و لا يجوز دفع الردي ء عن الجيّد على الأحوط (41).

______________________________

(41) عدم الجواز لا يخلو من قوّة؛ لقوله تعالىٰ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ «1»؛ أي لا تعمّدوا الردي ء ممّا كسبتم و ممّا أخرجنا لكم من الأرض، و في «مجمع البيان» في تفسير الآية: أي لا تقصدوا الردي ء من المال أو ممّا كسبتموه أو أخرجه اللّٰه لكم من الأرض «2»، انتهى. و لما ورد في بعض الروايات من النهي عن خرص الردي ء كالجعرور و المعافارة كما في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ، قال

كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إذا أمر بالنخل أن يزكّى يجي ء قوم بألوان من التمر و هو من أردأ التمر يؤدّونه من زكاتهم تمراً يقال له الجعرور و المعافارة قليلة اللحاء عظيمة النوى، و كان بعضهم يجي ء بها عن التمر الجيّد، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): لا تخرصوا هاتين التمرتين و لا تجيئوا منهما بشي ء، و في ذلك نزل وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ و الإغماض أن يأخذ هاتين التمرتين «3».

و رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ قال

كان أُناس على عهد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يتصدّقون بأشرّ

ما عندهم من التمر الرقيق القشر الكبير النوى يقال له المعافارة، ففي ذلك أنزل اللّٰه:

______________________________

(1) البقرة (2): 267.

(2) مجمع البيان 3: 656.

(3) وسائل الشيعة 9: 205، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 19، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 224

و هكذا الحال في أنواع العنب (42).

[ (مسألة 14): يجوز تقبّل كلّ من المالك و الحاكم أو من يبعثه حصّة الآخر بخرص أهل الخبرة]

(مسألة 14): يجوز تقبّل كلّ من المالك و الحاكم أو من يبعثه حصّة الآخر بخرص أهل الخبرة (43).

______________________________

وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ «1»

، و غيرهما من روايات الباب.

و لا يخفى: أنّ الآية و روايات الباب المستفيضة تدلّان على عدم جواز دفع الردي ء عن الجيّد، و لعلّ الوجه في احتياط المصنّف احتمال كون المنهي و الحرام هو الخبيث الأردأ في مقابل الطيّب، دون مطلق الردي ء.

(42) لعين ما ذكر في التمر.

(43) الخرص بفتح الخاء-: الحزر و التقدير بالحدس و الظنّ، و في «الجواهر»: و صفة الخرص أن يدور بكلّ نخلة أو شجرة و ينظر كَمْ في الجميع رطباً أو عنباً ثمّ يقدّر ما يجي ء منه تمراً أو زبيباً «2»، انتهى.

و لا خلاف في جواز الخرص عند علمائنا و أكثر العامّة، خلافاً لأبي حنيفة؛ فقال بعدم جواز الخرص في الشرع، و أنّه رجم بالغيب و تخمين لا يسوغ العمل به و لا تضمين الزكاة، بل ادّعي عليه الإجماع من جماعة كالشيخ (رحمه اللّٰه) في «الخلاف» و المحقّق في «المعتبر».

و يدلّ عليه ذيل صحيح سعد بن سعد الأشعري قلت: و هل على العنب زكاة أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيباً؟ قال

نعم إذا خرصه أخرج زكاته «3»

، و رواية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 19: 206، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 19، الحديث 3.

(2) جواهر الكلام 15: 257.

(3)

وسائل الشيعة 9: 175، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 225

..........

______________________________

رفاعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ، فقال

إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بعث عبد اللّٰه بن رواحة فقال: لا تخرصوا أُمّ جعرور و لا معافارة، و كان أُناس يجيئون بتمر سوء فأنزل اللّٰه وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ، و ذكر أنّ عبد اللّٰه خرص عليهم تمر سوء فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): يا عبد اللّٰه لا تخرص جعروراً و لا معافارة «1»

، و نحوها رواية إسحاق بن عمّار «2». حيث إنّ هذه الروايات تدلّ على أنّ جواز الخرص و العمل به كان من المسلّمات في الإسلام.

نعم هذه الروايات كلّها تدلّ على جواز الخرص في خصوص النخل، و لكنّ صحيح سعد الأشعري المتقدّم تدلّ على جوازه في العنب بناءً على كون الضبط «خرصه» بالخاء المعجمة، و أمّا بناءً على كونه «حرصه» بالحاء المهملة بمعنى لم يترك منه شيئاً فلا يرتبط بما نحن في صدده.

و كيف كان: فيظهر من بعض فقهائنا اختصاص الخرص بالنخيل و الكرم، كما عن ابن جنيد و العلّامة في «المنتهي» و «التحرير»، خلافاً للمشهور القائلين بجواز الخرص في الغلّات أيضاً، كما عن «الخلاف» و العلّامة في «التذكرة»؛ قال في «الخلاف»: يجوز الخرص على أرباب الغلّات و تضمينهم حصّة المساكين، و به قال الشافعي و عطا و الزهري و مالك و أبو ثور، و ذكروا أنّه إجماع الصحابة، و قال الثوري و أبو حنيفة: لا يجوز الخرص في الشرع، و

هو من الرجم بالغيب و تخمين لا يسوغ العمل به و لا تضمين الزكاة. دليلنا إجماع الفرقة «3»، انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 207، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 19، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 207، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 19، الحديث 5.

(3) الخلاف 2: 60.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 226

و الظاهر أن التخريص هاهنا كالتخريص في المزارعة ممّا وردت فيها النصوص (44)،

______________________________

و قال في «التذكرة»: يجوز الخرص على أرباب الغلّات و الثمار؛ بأن يبعث الإمام (عليه السّلام) ساعياً إذا بدا صلاح الثمرة أو اشتدّ الحبّ ليخرصها و يعرف قدر الزكاة و يعرّف المالك ذلك «1»، انتهى.

و الدليل على جوازه في الحنطة و الشعير مضافاً إلى الشهرة و إجماع «الخلاف» صحيح سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات أ يؤخّرها حتّى يدفعها في وقت واحد؟ فقال

متى حلّت أخرجها

، و عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى يجب على صاحبها؟ قال

إذا صرم و إذا خرص «2».

و استدلّ لاختصاص الخرص بالنخل و الكرم بأنّ الخرص ظنّ و تخمين، و الأصل عدم جواز العمل به إلّا في مورد النصّ و هو النخل و الكرم و أنّ الخرص في الزرع قد يخفى لاستتار بعضه، بخلاف النخل و الكرم فإنّهما يكونان ظاهرين في الشجر و يتمكّن الساعي من إدراكهما و الإحاطة بهما.

و فيه: أنّ بعض النصوص و إن لم يذكر فيه الزرع و اكتفي فيه بالنخل و الكرم إلّا أنّه قد ذكر تمام الغلّات الأربع في صحيحة سعد بن سعد الأشعري المتقدّمة عن

أبي الحسن الرضا (عليه السّلام)، و أنّ المفروض أنّ الخارص من أهل الخبرة و الإدراك و الإحاطة بالزرع، كخُبرويته في النخل و الكرم.

(44) كما في مرسلة محمّد بن عيسى عن بعض أصحابه قال: قلت

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 162.

(2) وسائل الشيعة 9: 306، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 52، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 227

و هو معاملة عقلائيّة برأسها (45)،

______________________________

لأبي الحسن (عليه السّلام): إنّ لنا أكرة فنزارعهم (فيجيئون خ. ل) فيقولون: قد حزرنا هذا الزرع بكذا و كذا، فأعطوناه و نحن نضمن لكم أن نعطيكم حصّته (حصّتكم) على هذا الحزر، قال

و قد بلغ؟

قلت: نعم، قال

لا بأس بهذا

، قلت: فإنّه يجي ء بعد ذلك فيقول لنا: إنّ الحزر لم يجي ء كما حزرت و قد نقص، قال

فإذا زاد يردّ عليكم؟

قلت: لا، قال

فلكم أن تأخذوه بتمام الحزر، كما أنّه إذا زاد كان له كذلك إذا نقص كان عليه «1».

(45) لا يخفى: أنّ الخرص بمعنى التخمين ليس معاملة بل المعاملة هو التقبيل و التقبّل، و ليس بيعاً و لا صلحاً و لا يشترط فيه صيغة خاصّة؛ فهو يتحقّق بتقبيل أحد الشريكين حصّته من الثمر و الزرع إلى شريكه و لو كان بعمل الخرص. و في «التذكرة»: يجوز أن يتقبّل أحد الشريكين بحصّة صاحبه من الثمرة بشي ء معلوم منها لا على سبيل البيع «2»، انتهى.

و يدلّ على صحّته صحيح الحلبي قال: أخبرني أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّ أباه حدّثه

أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أعطى خيبر بالنصف أرضها و نخلها، فلمّا أدركت الثمرة بعث عبد اللّٰه بن رواحة فقوّم عليه قيمة و قال لهم: إمّا

أن تأخذوه و تعطوني نصف الثمر (الثمن خ. ل)، و إمّا أُعطيكم نصف الثمر، فقالوا: بهذا قامت السماوات و الأرض «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 233، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار، الباب 10، الحديث 4.

(2) تذكرة الفقهاء 10: 408.

(3) وسائل الشيعة 18: 232، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار، الباب 10، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 228

..........

______________________________

و صحيح أبي الصباح قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

إنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لمّا افتتح خيبر تركها في أيديهم على النصف، فلمّا أدركت الثمرة بعث عبد اللّٰه بن رواحة إليهم فخرص عليهم فجاؤوا إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقالوا: إنّه قد زاد علينا فأرسل إلى عبد اللّٰه فقال: ما يقول هؤلاء؟ قال: خرصت عليهم بشي ء، فإن شاؤوا يأخذون بما خرصت و إن شاؤوا أخذنا، فقال رجل من اليهود: بهذا قامت السماوات و الأرض «1».

و صحيح يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المزارعة فقال

النفقة منك و الأرض لصاحبها فما أخرج اللّٰه من شي ء قسّم على الشرط، و كذلك قبل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) خيبر، أتوه فأعطاهم إيّاها على أن يعمّروها على أنّ لهم نصف ما أُخرجت، فلمّا بلغ الثمر أمر عبد اللّٰه بن رواحة فخرص عليهم النخل، فلمّا فرغ منه خيّرهم فقال: قد خرصنا هذا النخل بكذا و كذا صاعاً فإن شئتم فخذوه و ردّوا علينا نصف ذلك و إن شئتم أخذناه و أعطيناكم نصف ذلك، فقالت اليهود: بهذا قامت السماوات و الأرض «2».

و يظهر من المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه»: أنّ الخرص أمارة

عقلائية على معرفة حقّ الفقير بطريق التخمين، و يجوز شرعاً التعويل على هذا الطريق ما لم ينكشف الخلاف، و بعد كشف الخلاف يعمل على ما يقتضيه حكمه في الواقع كسائر الأمارات. إلى أن قال (رحمه اللّٰه): فما في كلماتهم من التعبير بتضمينهم حصّة الفقراء يراد منه إلزامهم بالعمل بمقتضى خرصه على جهة الطريقية أي التعويل عليه ما لم يتبيّن خلافه لا على جهة الموضوعية بأن يكون الحكم منتقلًا إليه إذ لا دليل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 232، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار، الباب 10، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 18: 233، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار، الباب 10، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 229

و فائدتها صيرورة المال المشاع معيّناً على النحو الكلّي في المعيّن في مال المتقبل (46). و لا بدّ في صحّتها وقوعها بين المالك و وليّ الأمر، و هو الحاكم أو من يبعثه لعمل الخرص (47)،

______________________________

على أنّ للخارص هذا النحو من التصرّف في مال الفقير؛ ضرورة قصور أخبار الخرص عن إفادته «1».

و تبعه السيّد الخوئي (رحمه اللّٰه) في حاشيته على «العروة الوثقى» فقال: الظاهر أنّ الخرص ليس داخلًا في المعاملات، و إنّما هو طريق إلى تعيين المقدار الواجب؛ فلو انكشف الخلاف كانت العبرة بالواقع. نعم يصحّ ما ذكره إذا كان بنحو الصلح «2».

و ما ذكره في متن «العروة» عبارة عن أنّه معاملة خاصّة لا يشترط فيه الصيغة «3».

و فيه: أنّ التقبيل و التقبّل هنا و في بيع الثمار بعد الخرص نوع من المعاملات العرفية أمضاه الشرع.

(46) مقتضى العبارة: أنّ المال الزكوي قبل الخرص و التقبيل و التقبّل مشاع مشترك بين المالك و أرباب الزكاة، لا يجوز للمالك و لا

لأربابها التصرّف فيه كيف يشاء، و بالتقبيل يصير معيّناً على النحو الكلّي في المعيّن في مال المتقبّل؛ فيجوز للمتقبّل بعد التقبّل التصرّف كيف يشاء.

(47) طبيعة كلّ معاملة تقتضي وقوعها بين مالكي العوضين، و في الخرص و التقبيل و التقبّل أحد الطرفين هو مالك المال الزكوي و الطرف الآخر هو وليّ الأمر

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 423 424.

(2) العروة الوثقى 2: 300، الهامش 3.

(3) نفس المصدر: 300.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 230

فلا يجوز للمالك الاستبداد بالخرص و التصرّف بعده كيف شاء (48). نعم بعد التقبّل بالتخريص مع الوالي يجوز له التصرّف بما شاء؛ من دون احتياج إلى الضبط و الحساب. و يشترط فيه الصيغة، و هي ما دلّت علىٰ ذاك التقبّل و تلك المعاملة (49).

______________________________

و من له الولاية على مال الفقراء؛ فلا تنفذ هذه المعاملة ممّن ليس له الولاية.

(48) و لعلّه للاقتصار بموضع النصّ؛ و هو كون الخارص من ناحية الحاكم أو من ناحية من يبعثه الحاكم لعمل الخرص؛ لولايته على مال الفقراء و أنّ الخارص كان مبعوثاً من جانبهم (عليهم السّلام) إلى المالك.

و فيه: أنّ المستفاد من الروايات جواز الخرص بخارص؛ و هو أهل الخبرة العدل، و إن كان هو المالك و رضي به من له الولاية. و لذا قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه): بل قد يقوى جوازه من المالك إذا كان عارفاً؛ و خصوصاً مع تعذّر الرجوع إلى الوليّ العامّ، كما عن الفاضلين و الشهيد و المقداد و الصيمري النصّ عليه و على جواز إخراجه عدلًا يخرصه له، و إن كان الأحوط الرجوع إلى الوليّ مع التمكّن، قال في «المعتبر»: و يجوز عندنا تقويم نصيب الفقراء من غير مراجعة

الساعي، و لعلّه لمعلومية عدم خصوصية خرص الساعي و إطلاق قوله (عليه السّلام) في صحيحة سعد بن سعد

إذا خرصه أخرج زكاته

، و قوله (عليه السّلام)

إذا صرم و خرص

، و قال أيضاً: يجوز لربّ المال قطع الثمرة و إن لم يستأذن الخارص؛ ضمن أو لم يضمن «1»، انتهى.

(49) لا دليل على اشتراط الصيغة في معاملة الخرص، و يجوز انعقاده بأيّ

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 257.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 231

و الظاهر ان التلف بآفة سماويّة و ظلم ظالم على المتقبّل، إلّا أن يكون مستغرقاً أو بمقدار صارت البقيّة أنقص من الكلّي، فلا يضمن ما تلف (50)،

______________________________

لفظ دالّ عليه و بالمعاطاة، و الأولى انعقاده بصيغة الصلح كما في «العروة الوثقىٰ».

(50) لمّا كان المال الزكوي بعد تعلّق الوجوب و قبل الخرص و التقبيل و التقبّل مشاعاً مشتركاً بين مالكه و أرباب الزكاة كان تلفه منهما؛ قليلًا كان التالف أو كثيراً. و أمّا بعد الخرص و التقبيل و التقبّل فصار المشاع معيّناً على النحو الكلّي في المعيّن. فحينئذٍ لو تلف المال الزكوي بآفة سماوية أو ظلم ظالم أي بغير تفريط من المالك حتّى بقي منه مقدار الزكاة تعيّن الباقي لأربابها، و يكون التالف من المالك، و هو مقتضى صيرورة المال الزكوي معيّناً على النحو الكلّي في المعيّن. و أمّا إذا تلف تمام المال أو أكثره بحيث كان الباقي أنقص من الكلّي المنطبق عليه سهم الفقراء فلا يضمن المالك للفقراء ما تلف؛ لكونه أمانة عنده، و إن كان قد ضمنه فإنّ العوض في العين لا في الذمّة.

قال المحقّق (رحمه اللّٰه) في «المعتبر»: لو تلفت الثمرة بغير تفريط منهم مثل عروض الآفات السماوية و الأرضية أو

ظلم ظالم سقط ضمان الحصّة؛ لأنّها أمانة فلا تضمن بالخرص، و قال مالك: يضمن ما قال الخارص؛ لأنّ الحكم انتقل إلى ما قال، و ليس بوجه. و لو تلف بعضها لزمه زكاة الموجود حسب «1»، انتهىٰ.

و قال العلّامة في «المنتهي»: الثامن لو بلغت الثمرة بغير تفريط من المالك كالآفات السماوية و الأرضية سقطت الحصّة المضمونة بالخرص، و لو بلغت

______________________________

(1) المعتبر 2: 536.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 232

و يجب ردّ ما بقي إلى الحاكم إن كان المتقبّل المالك دون الحاكم (51)، ثمّ إن زاد ما في يد المالك المتقبّل عمّا عيّن بالخرص كان له، و إن نقص كان عليه (52)،

______________________________

البعض سقط من الواجب بقدره، و به قال الشافعي، و قال مالك: يضمن ما قال الخارص، لنا ما تقدّم من كون الزكاة أمانة فلا يضمن بالشرط كالوديعة «2»، انتهى.

(51) لو كان المتقبّل هو المالك و تلف من المال الزكوي بمقدار سهم المالك و بقي مقدار الزكاة و كان التلف بغير تفريط من المالك، يجب عليه ردّ ما بقي إلى الحاكم؛ لكون ما بقي في يده متعيّناً للزكاة؛ و هو حصّة الفقراء فيجب ردّها إلى من له الولاية لمال الفقراء؛ و هو الحاكم. بخلاف ما إذا كان المتقبّل هو الحاكم و تلف عنده مقدار سهم المالك و بقي مقدار سهم أرباب الزكاة فإنّه يجب عليه حفظه لهم.

(52) مقتضى كون التقبيل و التقبّل بعد الخرص معاملة كون الزيادة للمتقبّل و النقيصة عليه.

و يدلّ عليه صحيح يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يكون بينهما النخل، فيقول أحدهما لصاحبه: اختر إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيل (كيلًا)

مسمّى و تعطيني نصف هذا الكيل إمّا زاد أو نقص، و إمّا أن آخذه أنا بذلك، قال

نعم لا بأس به «1».

و صحيح أبي الصباح قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

إنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لمّا افتتح خيبر تركها في أيديهم على النصف، فلمّا أدركت الثمرة بعث عبد اللّٰه بن

______________________________

(2) منتهى المطلب 1: 501/ السطر 10.

(1) وسائل الشيعة 18: 231، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار، الباب 10، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 233

و وقت الخرص بعد تعلّق الزكاة (53).

______________________________

رواحة إليهم فخرص عليهم فجاؤوا إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقالوا: إنّه قد زاد علينا، فأرسل إلى عبد اللّٰه فقال: ما يقول هؤلاء؟ قال: خرصت عليهم بشي ء فإن شاؤوا يأخذون بما خرصت و إن شاؤوا أخذنا، فقال رجل من اليهود: بهذا قامت السماوات و الأرض «1».

و مرسل محمّد بن عيسى عن بعض أصحابه قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام): «إنّ لنا أكرة فنزارعهم فيجيئون فيقولون: إنّا قد حزرنا هذا الزرع بكذا و كذا فأعطوناه و نحن نضمن لكم أن نعطيكم حصّتكم على هذا الحزر، قال

و قد بلغ؟

قلت: نعم، قال

لا بأس بهذا

قلت: إنّه يجي ء بعد ذلك فيقول: إنّ الحزر لم يجي ء كما حزرت و قد نقص، قال

فإذا زاد يردّ عليكم؟

قلت: لا، قال

فلكم أن تأخذوه بتمام الحزر، كما أنّه إن زاد كان له كذلك إذا نقص كان عليه «2».

هذا كلّه بناءً على القول بكون الخرص معاملة. و أمّا بناءً على كونه أمارة معتبرة شرعية و طريقاً إلى مقدار حصّة الفقراء فلا وجه لكون الزائد للمتقبّل و الناقص عليه، بل

يجب ردّه إلى صاحبه.

(53) توقيت الخرص لبعد تعلّق الزكاة ممّا لا نعرف فيه خلافاً، و إن اختلف بين أصحابنا في وقت تعلّق الزكاة و أنّه حين اشتداد الحبّ في الحنطة و الشعير و بدوّ الصلاح في التمر و الزبيب أو حين صدق الاسم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 232، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار، الباب 10، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 18: 233، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار، الباب 10، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 234

..........

______________________________

و كيف كان: فوقت الخرص بعد تعلّق الزكاة. و يدلّ عليه صحيح سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) في حديث قال: سألته عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال

إذا صرم و إذا خرص «1».

و صحيح آخر عنه قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن العنب هل عليه زكاة، أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيباً؟ قال

نعم إذا خرصه أخرج زكاته «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 194، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 12، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 195، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 12، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 235

[المطلب الثاني إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان من عين الحاصل بعنوان المقاسمة]
اشارة

المطلب الثاني إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان من عين الحاصل بعنوان المقاسمة (1)،

______________________________

(1) هذه المسألة ممّا لا خلاف فيه من أحد من الإمامية، و في «الجواهر»: بلا خلاف أجده كما عن جماعة الاعتراف به أيضاً، بل عن «الخلاف»: الإجماع عليه، بل في «المعتبر»: خراج الأرض يخرج وسطاً و يؤدّى زكاة ما بقي إذا بلغ نصاباً إذا كان لمسلم، و عليه فقهاؤنا و أكثر علماء الإسلام «1»،

انتهى.

و في «الخلاف» عن أبي حنيفة و أصحابه: أنّ العشر و الخراج لا يجتمعان «2»، و في «التذكرة»: تجب الزكاة في زرع أرض الصلح و من أسلم أهلها عليها بإجماع العلماء. و أمّا ما فتح عنوة فإذا زرعها و ادّى مال القبالة وجب في الباقي الزكاة إن بلغ النصاب، و لا تسقط الزكاة بالخراج عند علمائنا «3»، انتهى.

و يدلّ على وجوب الزكاة بعد إخراج حصّة السلطان صحيح أبي بصير و محمّد بن مسلم جميعاً عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّهما قالا له: هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال

كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك ممّا أخرج اللّٰه منها الذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما أخرج اللّٰه منها العشر، إنّما عليك

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 223.

(2) الخلاف 2: 68.

(3) تذكرة الفقهاء 5: 154.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 236

..........

______________________________

العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك «1».

و مضمرة صفوان و البزنطي قالا: ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها أهل بيته، فقال

من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده.

إلى أن قال

و ما أُخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبله بالذي يرى، كما صنع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بخيبر، و على المتقبّلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر «2».

حيث إنّ قبالة الأرض تشمل المقاسمة فتثنّى أوّلًا و تتعلّق الزكاة بما سواها.

و في سند الرواية علي بن أحمد بن أشيم من أصحاب الرضا (عليه السّلام) و هو مجهول الحال، إلّا أن يقال: إنّ رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عنه تدلّ على وثاقته، و هو كما

ترى.

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، در يك جلد، ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس؛ ص: 236

و ما ورد في بعض الروايات أنّه لا زكاة على من أخذ منه السلطان حصّته الشاملة للمقاسمة، فمحمول على التقية أو على نفي الزكاة على المالك في حصّة السلطان، كما في رواية سهل بن اليسع أنّه حيث أنشأ سهل آباد و سأل أبا الحسن موسى (عليه السّلام) عمّا يخرج منها ما عليه؟ فقال

إن كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شي ء، و إن لم يأخذ السلطان منها شيئاً فعليك إخراج عشر ما يكون فيها «3».

و رواية رفاعة بن موسى عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يرث الأرض أو يشتريها فيؤدّي خراجها إلى السلطان، هل عليه فيها عشر؟ قال

لا «4».

و رواية أبي كهمس هو الهيثم بن عبيد الشيباني، مجهول عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

من

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 188، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 7، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 188، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 7، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 192، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 10، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 9: 193، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 10، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 237

و ما يأخذه نقداً باسم الخراج أيضاً على الأصحّ إذا كان مضروباً على الأرض باعتبار الجنس الزكوي، و لو كان باعتبار الأعمّ منه فبحسابه (2).

______________________________

أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه «1».

و هذه الروايات كلّها ضعيفة سنداً.

و قد يستشهد على وجوب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان بأنّ حصّة

السلطان ليست مملوكة للزارع حين تعلّق الوجوب، بل الزارع و السلطان شريكان في حاصل الأرض و الثمرة حين تعلّق الوجوب؛ فلا يجب على الزارع زكاة حصّة السلطان.

(2) الخراج ما يأخذه السلطان من الدرهم المضروب على الأرض باعتبار الجنس الزكوي؛ بأن يقبل السلطان الأرض على العامل و يقرّر أنّ لقطعة من الأرض فيها عشرة أصوع من الحنطة كذا و كذا درهماً، أو أن يقرّر أنّ للقطعة المخصوصة من الأرض كذا و كذا درهماً، من غير اعتبار الجنس الزكوي، بل الأعمّ منه فبحسابه.

و اختلف أصحابنا في استثناء الخراج؛ فقال جماعة باستثنائه كالمقاسمة؛ ففي «جامع المقاصد»: المراد بحصّة السلطان خراج الأرض أو قسمتها «2».

و في «الحدائق»: لا خلاف بين الأصحاب رضوان اللّٰه عليهم في استثناء حصّة السلطان، و المراد بها ما يجعله على الأرض الخراجية من الدراهم و يسمّى خراجاً أو حصّة من الحاصل، و يسمّى مقاسمة «3»، انتهى. و في «الدروس»: و تجب في الزائد و إن قلّ بعد المئونة و حصّة السلطان «4»، انتهى. أقول: و حصّة السلطان

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 193، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 10، الحديث 3.

(2) جامع المقاصد 3: 22.

(3) الحدائق الناضرة 12: 123.

(4) الدروس الشرعية 1: 237.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 238

و لو أخذ العمّال زائداً علىٰ ما قرّره السلطان ظلماً، فإن أخذوا من نفس الغلّة قهراً فالظلم وارد على الكلّ، و لا يضمن المالك حصّة الفقراء، و يكون بحكم الخراج في أنّ اعتبار الزكاة بعد إخراجه بالنسبة (3).

______________________________

كما مرّ عن «جامع المقاصد» تشمل الخراج أيضاً.

و قال بعضهم بعدم إخراج الخراج؛ قال العلّامة في «التذكرة»: تذنيب لو ضرب الإمام على الأرض الخراج من غير حصّة

فالأقرب وجوب الزكاة في الجميع؛ لأنّه كالدين «1». و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) بعد أن نفى الإشكال عن عدم وجوب زكاة حصّة السلطان المأخوذة بعنوان المقاسمة على المتقبّل المالك للغلّات قال: و لعلّ المراد بحصّة السلطان التي عبّر بها الأكثر هنا هي هذه، ثمّ ذكر كلام جماعة يدلّ على إخراج الخراج كالمقاسمة، و أنّ الحصّة تشمل الخراج أيضاً كالمقاسمة. إلى أن قال: قلت: على كلّ حال ظاهر النصّ و الفتوى أنّه لا زكاة إلّا بعد القسمين، من غير فرق بين الحصّة و غيرها «2»، انتهى.

و الغرض من ذكر كلام الفقهاء هو: أنّ الإجماع في استثناء الخراج غير ثابت، و في المقاسمة ثابت كما نقلناه.

(3) لا يخفى: أنّ المأخوذ من نفس الغلّة ظلماً و قهراً من ناحية عمّال السلطان يكون من قبيل غصب العين الزكوية؛ فلا يضمن المالك حينئذٍ سهم الفقراء و زكاته. و قيّده في «المسالك» بعدم تمكّن المالك من منع العمّال سرّاً أو جهراً، قال: لا يستثني الزائد إلّا أن يؤخذ قهراً بحيث لا يتمكّن منعه منه سرّاً أو جهراً؛ فلا يضمن

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 156.

(2) جواهر الكلام 15: 225.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 239

و إن أخذوا من غيرها فالأحوط عدم الاحتساب على الفقراء، خصوصاً إذا كان الظلم شخصيّاً، بل عدم جوازه حينئذٍ لا يخلو من قوّة (4)،

______________________________

حصّة الفقراء من الزائد «1»، انتهى.

و بالجملة: المأخوذ قهراً من الغلّة زائداً على المقرّر يكون بحكم الخراج في الإخراج؛ فلا يكون زكاته على المالك.

(4) الأقوى في المسألة أنّ المأخوذ ظلماً من غير الغلّة زائداً على ما قرّره السلطان إن كان مربوطاً بالأرض و قبالتها فيعدّ من مئونة الزرع و الثمرة سواء كان

الظلم شخصياً أو عامّاً و يستثنى من الوسط و يؤدّى الزكاة من الباقي.

و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) بعد نفي الإشكال عن استثناء ما لو كان المأخوذ من نفس الغلّة قال: بل و من غيرها في وجه قوي، و ربّما كان في خبر سعيد الكندي ما يستفاد منه ذلك حيث قال لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) إنّي آجرت قوماً أرضاً فزاد السلطان عليهم، فقال

أعطهم فضل ما بينهما

، فقلت: لم أظلمهم و لم أزد عليهم؟ قال

نعم، و إنّما زادوا على أرضك «2»

، انتهى «3». وجه الدلالة: أنّ الزائد يجب إعطاؤه كالمقاسمة و الخراج.

و فيه: أنّ سند الرواية ضعيف؛ لجهالة سعيد الكندي، و الظاهر أنّه سعيد بن شراحيل الكندي، و أمّا سعيد بن الحسن الكندي و يقال سعد بن الحسن الكندي أيضاً فهو أيضاً مجهول الحال.

______________________________

(1) مسالك الأفهام 1: 393.

(2) وسائل الشيعة 19: 56، كتاب المزارعة و المساقاة، الباب 16، الحديث 10.

(3) جواهر الكلام 15: 226.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 240

و إنّما يعتبر إخراج ما يأخذه بالنسبة إلى اعتبار الزكاة، فيخرج من الوسط، ثمّ يؤدّي العشر أو نصف العشر ممّا بقي (5). و أمّا بالنسبة إلى اعتبار النصاب، فإن كان ما ضُرب على الأرض بعنوان المقاسمة فلا إشكال في أنّ اعتباره بعده؛ بمعنى أنّه يلاحظ بلوغ النصاب في حصّته، لا في المجموع منها و من حصّة السلطان، و لو كان بغير عنوان المقاسمة ففيه إشكال، و الأحوط لو لم يكن الأقوى اعتباره قبله (6).

______________________________

(5) يعني أنّ ما يأخذه نقداً باسم الخراج و كذا ما يأخذه العمّال من نفس الغلّة زائداً على ما قرّره السلطان ظلماً، يستثنيان من المال الزكوي بعد تعلّق الوجوب

ثمّ يؤدّي العشر أو نصف العشر ممّا بقي و إن قلّ.

(6) يعني أنّه فرق بين المقاسمة و بين الخراج و ما يؤخذ زائداً على ما قرّره السلطان ظلماً، و أنّ المقاسمة يخرج من أصل المال الزكوي أوّلًا ثمّ يلاحظ الباقي فإن كان في حدّ النصاب تؤدّى منه الزكاة، و بعبارة اخرى: يلاحظ النصاب و يعتبر في حصّة المالك بعد استثناء حصّة السلطان؛ و هي المقاسمة.

و هذا بخلاف الخراج و المأخوذ زائداً فإنّه يعتبر النصاب في مجموع المال، فإذا بلغ سهم المالك مع الخراج أو المأخوذ زائداً حدّ النصاب تتعلّق به الزكاة، فيخرجان من الوسط ثمّ يؤدّى العشر أو نصف العشر ممّا بقي، و إن كان قليلًا.

و لعلّ الفارق هو الإجماع القطعي على اعتبار النصاب بعد استثناء المقاسمة، و هذا الإجماع غير ثابت في اعتباره بعد إخراج الخراج و المأخوذ زائداً، هذا.

و لكن الخراج بناءً على شمول المقاسمة له كما اختاره جماعة من فقهائنا يخرج أيضاً كالمقاسمة من أصل المال الزكوي ثمّ يلاحظ بلوغ الباقي النصاب و على فرض عدم شمولها له يدخل هو و كذا المأخوذ زائداً في المئونة، و سيأتي

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 241

[ (مسألة 1): الظاهر عدم اختصاص حكم الخراج بما يأخذه السلطان المخالف]

(مسألة 1): الظاهر عدم اختصاص حكم الخراج بما يأخذه السلطان المخالف، المدّعى للخلافة و الولاية على المسلمين بغير استحقاق، بل يعمّ سلاطين الشيعة الذين لا يدّعون ذلك، بل لا يبعد شموله لكلّ مستولٍ علىٰ جباية الخراج؛ حتّى فيما إذا لم يكن سلطان، كبعض الحكومات المتشكّلة في هذه الأعصار (7)،

______________________________

البحث عن قريب في أنّ المؤن كلّها يخرج أوّلًا ثمّ يلاحظ بلوغ الباقي النصاب، أو أنّه يلاحظ النصاب في مجموع المال فإذا بلغ المجموع النصاب تخرج

المؤن كلّها من الوسط، ثمّ إذا بقي شي ء و لو كان قليلًا تؤدّى منه الزكاة.

(7) يعني أنّ المراد من السلطان الآخذ للمقاسمة و الخراج أعمّ من السلطان العادل و الجائر؛ شيعةً كان أو مخالفاً أو كافراً، بل يعمّ غير السلطان من كلّ متغلّب مستولٍ على جباية الخراج و الصدقات؛ سواء كان شخصاً أو هيئة دولة مديرة للحكومة.

و الدليل على ذلك كلّه: إطلاق السلطان في لسان الأدلّة و سيرة المسلمين إلى زمن الأئمّة (عليهم السّلام).

قال المحقّق الهمداني (رحمه اللّٰه) في «مصباح الفقيه»: ثمّ لا يخفى عليك أن ليس المراد بالسلطان خصوص السلطان العادل، بل أعمّ منه و من المخالفين الذين كانوا يدّعون الخلافة و الولاية على المسلمين لا عن استحقاق، كما هو الشأن بالنسبة إلى الموجودين حال صدور الأخبار.

و هل يعمّ سلاطين الشيعة الذين لا يدّعون الإمامة؟ الظاهر ذلك؛ فإنّ المنساق من إطلاق السلطان إرادة مطلقه، بل كلّ متغلّب مستولٍ على جباية الصدقات من غير التفات إلى مذهبه، كما يؤيّد ذلك ما جرى عليه سيرة المسلمين

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 242

و في تعميم الحكم لغير الأراضي الخراجيّة مثل ما يأخذه الجائر من أراضي الصلح، أو التي كانت مواتاً فتملّكت بالإحياء وجه لا يخلو من قوّة (8).

______________________________

في عصر الرضا (عليه السّلام) من المعاملة مع المأمون معاملة غيره ممّن قد مضى قبله من سلاطين الجور المدّعين للخلافة عن استحقاق «1»، انتهى.

(8) لا يخفى: أنّ الأراضي المفتوحة صلحاً على أن تكون للمسلمين كالمفتوحة عنوةً من أقسام الأراضي الخراجية ملك للمسلمين. و ما فعله المصنّف (رحمه اللّٰه) من مقابلة أراضي الصلح للأراضي الخراجية مبني على أنّ الأراضي الخراجية عبارة عن المفتوحة عنوةً فقط، و هو

كما ترى.

و كيف كان: فالوجه في استثناء ما يأخذه الحاكم مقاسمةً أو خراجاً من أراضي الصلح أو المملوكة بإحياء الموات، و كذا من أراضي الأنفال و المجهول المالك مثلًا هو استمرار السيرة إلى زمان الأئمّة (عليهم السّلام).

قال المحقّق الهمداني (رحمه اللّٰه) في «مصباح الفقيه»: و هل يلحق بحصّة السلطان ما يأخذه الجائر من الأراضي الغير الخراجية كالموات و أرض الصلح و الأنفال؟ الظاهر ذلك؛ لجريان السيرة من صدر الإسلام على المعاملة مع الجائر معاملة السلطان العادل في ترتيب أثر الخراج على ما يأخذه بهذا العنوان، و لو من غير الأرض الخراجية، و لو منعنا هذه السيرة أو صحّتها أي كشفها عن إمضاء المعصوم فهو من المئونة التي سيأتي الكلام فيها، و إن كان الغالب على الظنّ أنّ مراد الأصحاب بحصّة السلطان في فتاويهم و معاقد إجماعاتهم المحكية ما يعمّه، و اللّٰه العالم «2»، انتهى.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 366.

(2) نفس المصدر: 367.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 243

[ (مسألة 2): الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها]

(مسألة 2): الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها؛ من غير فرق بين السابقة علىٰ زمان التعلّق و اللاحقة (9)،

______________________________

(9) في استثناء المُؤَن جميعها عن وسط المال الزكوي و عدمه قولان:

الأوّل: استثناء المؤن كلّها، من غير فرق بين السابقة على زمان التعلّق و اللاحقة. و نسب هذا القول إلى الأكثر، و في «الجواهر»: لا ريب أنّه المشهور شهرة عظيمة، كما حكاها غير واحد، بل عن «الغنية» أو صريحها الإجماع عليه «1». و هذا القول هو المختار عندي.

الثاني: عدم استثنائها. ذهب إليه الشيخ (رحمه اللّٰه) في «الخلاف» و «المبسوط» و ابن سعيد في «الجامع» و الشهيد الثاني في «فوائده على القواعد» و صاحب «المدارك» و «الذخيرة» و

«المفاتيح» و «الحدائق» و الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه) في كتاب الزكاة و قال السيّد الحكيم (رحمه اللّٰه) في «المستمسك»: الأقرب عدم استثناء المؤن السابقة، و أمّا المؤن اللاحقة فاستثناؤها لا يخلو من إشكال «2»، انتهى.

و قال في «الخلاف»: كلّ مئونة تلحق الغلّات إلى وقت إخراج الزكاة على ربّ المال، و به قال جميع الفقهاء، إلّا عطاء فإنّه قال: المئونة على ربّ المال و المساكين بالحصّة. دليلنا: قوله (عليه السّلام)

فيما سقت السماء العشر أو نصف العشر

؛ فلو ألزمناه المئونة لبقي أقلّ من العشر أو نصف العشر «3»، انتهى.

و قال صاحب «المدارك»: و يزكّى ما خرج من النصاب بعد حقّ السلطان،

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 228.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 9: 159.

(3) الخلاف 2: 67.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 244

..........

______________________________

و لا يندر البذر؛ لعموم الآية و الخبر، و لأنّ أحداً لا يندر ثمن الغراس و آلة السقي كالدولاب و الناضح و أُجرته، و لا فارق بين الثمرة و الغلّة، و بذلك قطع جدّي (قدّس سرّه) في «فوائد القواعد» فإنّه اعترف بأنّه لا دليل على استثناء المؤن سوى الشهرة، و قال: إنّ إثبات الحكم بمجرّد الشهرة مجازفة «1»، انتهى.

و استدلّ على القول الأوّل بوجوه:

الأوّل: الأصل؛ أي أصالة براءة ذمّة المالك عن وجوب الزكاة في المؤن كلّها.

الثاني: الشهرة المحقّقة بين القدماء و المتأخّرين؛ ففي «المقنعة»: لا زكاة على غلّة حتّى تبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة بعد الخرص و الجذاذ و الحصاد و خروج مئونتها منها و خراج السلطان «2».

و في «النهاية»: و ليس في شي ء من هذه الأجناس زكاة ما لم يبلغ خمسة أوسق بعد مقاسمة السلطان و إخراج المؤن منها «3».

و في «المنتهي»: مسألة و

زكاة الزرع و الثمار بعد المئونة كأُجرة السقي و العمارة و الحصاد و الجذاذ و الحافظة و بعد حصرمه، و به قال أكثر أصحابنا «4».

و في «الشرائع»: لا تجب الزكاة إلّا بعد إخراج حصّة السلطان و المؤن كلّها على الأظهر «5»، انتهى.

فالشهرة خصوصاً بين القدماء تكشف عن أنّ المسألة كانت متلقّاة عن

______________________________

(1) مدارك الاحكام 5: 142.

(2) المقنعة: 239.

(3) النهاية: 178.

(4) منتهى المطلب 1: 500/ السطر 1.

(5) شرائع الإسلام 1: 141.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 245

..........

______________________________

المعصوم (عليه السّلام). و المحقّق الهمداني (رحمه اللّٰه) في «مصباح الفقيه» بعد قوله بأنّ هذه المسألة من الفروع العامّة البلوى التي يجب معرفتها و الفحص عنها على كلّ من تجب عليه الزكاة؛ فيمتنع عادة غفلة أصحاب الأئمّة (عليهم السّلام) عن ذلك و عدم الفحص عن حكمها مع شدّة حاجتهم إلى معرفته قال: و الحاصل أنّه يصحّ أن يدّعى في مثل المقام استكشاف رأي الإمام (عليه السّلام) بطريق الحدس من رأي أتباعه. فالإنصاف: أنّه لو جاز استكشاف رأي المعصوم (عليه السّلام) من فتوى الأصحاب في شي ء من الموارد فهذا من أظهر مصاديقه «1»، انتهى.

الثالث: ما ذكره في «المنتهي» من أنّه مال مشترك بين المالك و الفقراء؛ فلا يختصّ أحدهم بالخسارة عليه كغيره من الأموال المشتركة، و لأنّ المئونة سبب في الزيادة فيكون على الجميع، و لأنّ إلزام المالك بالمئونة كلّها حيف عليه و إضرارٌ به و هو منفي، و لأنّ الزكاة مساواة فلا يتعقب الضرر، و لأنّها في الغلّات يجب في النماء و إسقاط حقّ الفقراء من المئونة منافٍ «2»، انتهى.

و في «مصباح الفقيه»: و بأنّ الزكاة في الغلّات تجب في النماء و الفائدة، و هو لا

يتناول المئونة «3»، انتهى.

الرابع: عدّة من الروايات:

منها: صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في زكاة التمر و الزبيب، قال

يترك للحارس العذق و العذقان، و الحارس يكون في النخل ينظره فيترك ذلك لعياله «4».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 383.

(2) منتهى المطلب 1: 500/ السطر 3.

(3) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 379.

(4) وسائل الشيعة 9: 191، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 8، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 246

..........

______________________________

و منها: صحيح زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير جميعاً عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال

يترك للحارس أجراً معلوماً، و يترك من النخل معافارة و أُمّ جعرور، و يترك للحارس يكون في الحائط العذق و العذقان و الثلاثة لحفظه إيّاه «1»

، وجه الدلالة: أنّ الصحيحين تدلّان على استثناء شي ء للحارس؛ لحفظه المال الزكوي، و هو مئونة، و لا قائل بالفرق بين مئونة الحرس و غيرها من المؤن.

و منها: مرسلة يونس أو غيره عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: جعلت فداك بلغني أنّك كنت تفعل في غلّة عين زياد شيئاً و أنا أُحبّ أن أسمعه منك، قال: فقال لي

نعم كنت آمر إذا أدركت الثمرة أن يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس و يأكلوا، و كنت آمر في كلّ يوم أن يوضع عشر بنيات يقعد على كلّ بنية عشرة كلّما أكل عشرة جاء عشرة أُخرى يلقى لكلّ نفس منهم مدّ من رطب، و كنت آمر لجيران الضيعة كلّهم الشيخ و العجوز و الصبي و المريض و المرأة و من لا يقدر أن يجي ء فيأكل منها لكلّ إنسان منهم مدّ، فإذا كان

الجذاذ أوفيت القوّام و الوكلاء و الرجال أُجرتهم و احمل الباقي إلى المدينة ففرّقت في أهل البيوتات و المستحقّين الراحلتين و الثلاثة و الأقلّ و الأكثر على قدر استحقاقهم، و حصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار و كان غلّتها أربعة آلاف دينار «2»

، وجه الدلالة: أنّ الظاهر منها إخراج المئونة و هي حقّ القوّام و الوكلاء و الرجال و إيفاؤه إيّاهم، ثمّ تفريق الزكاة في أهلها.

ثمّ إنّ بعض الوجوه المذكورة كسائر ما تركنا ذكره من الوجوه لا يخلو من مناقشة، و لكن في مجموعها كفاية في إثبات المطلوب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 191، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 8، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 205، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 18، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 247

..........

______________________________

و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) بعد ذكره أكثر ممّا ذكرناه من الوجوه قال: إلى غير ذلك ممّا لا يقدح المناقشة في بعضه مع سلامة المجموع الذي يمكن حصول القطع بملاحظته «1»، انتهى.

و حجّة القائلين بعدم استثناء المؤن وجوه نذكر عمدتها:

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق و الوسق ستّون صاعاً فذلك ثلاثمائة صاع، ففيه العشر. و ما كان منه يسقى بالرشاء و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلًا ففيه العشر تامّاً. «2»

الحديث.

و منها: موثّقة زرارة و بكير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

و أمّا ما أنبتت الأرض من شي ء من الأشياء فليس فيه زكاة، إلّا في أربعة أشياء: البرّ و الشعير و التمر و الزبيب، و

ليس في شي ء من هذه الأربعة الأشياء شي ء حتّى تبلغ خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعاً، و هو ثلاثمائة صاعٍ بصاع النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فإن كان من كلّ صنف خمسة أوساق غير شي ء و إن قلّ فليس فيه شي ء، و إن نقص البرّ و الشعير و التمر و الزبيب أو نقص من خمسة أوساق صاع أو بعض صاع فليس فيه شي ء، فإذا كان يعالج بالرشاء و النضح و الدلاء ففيه نصف العشر، و إن كان يسقى بغير علاج بنهر أو غيره أو سماء ففيه العشر تامّاً «3».

و منها: مرسلة عبد اللّٰه بن بكير عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السّلام) قال:

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 230.

(2) وسائل الشيعة 9: 176، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 9: 177، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 248

..........

______________________________

في زكاة الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ليس فيما دون الخمسة أوساق زكاة، فإذا بلغت خمسة أوساق وجبت فيها الزكاة، و الوسق ستّون صاعاً، فذلك ثلاثمائة صاع بصاع النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «1».

و صحيح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) أنّه كتب إلى المأمون لعنه اللّٰه عليه في كتاب طويل

الزكاة الفريضة في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم.

إلى أن قال

و العشر من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب إذا بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعاً، و الصاع أربعة أمداد «2».

و رواية صفوان و البزنطي قالا: ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها أهل بيته، فقال

من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده و أُخذ منه العشر ممّا سقت السماء و الأنهار و نصف العشر ممّا كان بالرشاء فيما عمّروه منها، و ما لم يعمّروه منها أخذه الإمام فقبله ممّن يعمّره، و كان للمسلمين و على المتقبّلين في حصصهم العشر و نصف العشر. «3»

الحديث.

و مرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح (عليه السّلام) قال في حديث طويل

و الأرضون التي أُخذت عنوة.

إلى أن قال

فإذا أخرج اللّٰه منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحاً، و نصف العشر ممّا سقي بالدوالي و النواضح

، ثمّ ذكر كيفية قسمته على مستحقّي الزكاة «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 179، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 12.

(2) وسائل الشيعة 9: 179، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 13.

(3) وسائل الشيعة 9: 182، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 4، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 9: 183، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 4، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 249

..........

______________________________

و رواية «تحف العقول» عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون قال

و العشر من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و كلّ ما يخرج من الأرض من الحبوب إذا بلغت خمسة أوسق ففيها العشر إن كان يسقى سيحاً، و إن كان يسقى بالدوالي ففيها نصف العشر للمعسر و الميسر. «1»

الحديث.

و صحيحة أبي بصير و محمّد بن مسلم جميعاً عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّهما قالا له: هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال

كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك ممّا أخرج اللّٰه

منها الذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما أخرج اللّٰه منها العشر، إنّما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك «2».

و رواية محمّد بن علي بن شجاع النيسابوري أنّه سأل أبا الحسن الثالث (عليه السّلام) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ ما يزكّي فأخذ منه العشر عشرة أكرار، و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً و بقي في يده ستّون كرّاً، ما الذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟ فوقّع (عليه السّلام)

لي منه الخمس ممّا يفضل من مؤنته «3».

وجه الاستدلال بالروايات المذكورة غير الأخيرة: أنّها واردة في مقام البيان، و قد تعرّضت لبيان النصاب و لم تتعرّض لاستثناء المئونة، و أمّا الأخيرة فإنّ السائل قد اعتقد بأنّ الزكاة عشرة أكرار و هي عشر كلّ الحنطة، لا سبعة أكرار، و هي عشر الباقي بعد استثناء عمارة الضيعة.

و لا يخفى ما في الاستدلال بهذه الروايات من ضعف سند بعضها من دون

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 185، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 4، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 9: 188، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 7، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 186، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 5، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 250

و الأحوط لو لم يكن الأقوىٰ اعتبار النِّصاب قبل إخراجها، فإذا بلغ النصاب تعلّق الزكاة به مع اجتماع سائر الشرائط، و لكن تخرج المؤن من الكلّ، ثمّ يخرج العُشر أو نصف العُشر من الباقي قلّ أو كثر. و لو استوعبت المئونة تمام الحاصل فلا زكاة (10).

______________________________

جابر، و تقييد بعضها الآخر بما دلّ على استثناء المؤن

من الروايات الدالّة عليه، كصحيحة محمّد بن مسلم و أبي بصير جميعاً عن أبي جعفر (عليه السّلام) الدالّة على استثناء العذق و العذقين و الثلاثة للحارس لحفظه الحائط «1»، و لا قائل بالفرق بين مئونة الحرس و الحفظ و غيره من سائر المؤن.

(10) في اعتبار النصاب قبل إخراج المؤن أو بعدها أقوال ثلاثة:

الأوّل: أنّه يعتبر النصاب في تمام الحاصل الذي هو حصّة الزارع ثمّ يستثني المؤن و يؤدّى زكاة الباقي و إن كان قليلًا، و لو استوعبت المئونة تمام الحاصل فلا زكاة. و هذا القول اختاره العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» و صاحب «المدارك» و المصنّف (رحمه اللّٰه)؛ قال في «التذكرة»: و الأقرب أنّ المئونة لا تؤثّر في نقصان النصاب و إن أثّرت في نقصان الفرض؛ فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المئونة و إذا أُسقطت المئونة منه قصر عن النصاب وجبت الزكاة، لكن لا في المئونة بل في الباقي «2»، انتهى. و يظهر هذا القول من الشهيد في «الدروس» قال: و تجب في الزائد و إن قلّ، كلّ ذلك بعد المئونة و حصّة السلطان «3»، انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 191، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 8، الحديث 4.

(2) تذكرة الفقهاء 5: 154.

(3) الدروس الشرعية 1: 237.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 251

..........

______________________________

الثاني: اعتبار النصاب بعد إخراج المؤن؛ فيستثنى المؤن من تمام الغلّة أوّلًا كحصّة السلطان ثمّ ينظر في الباقي؛ فإن كان في حدّ النصاب تعلّق به الزكاة مع اجتماع سائر الشرائط، و إن لم يبلغه فلا زكاة. و هذا القول هو الأشهر، و في «الجواهر»: بل المشهور، و في «مصباح الفقيه»: و هو الأشبه، و اختاره السيّد (رحمه اللّٰه) في

«العروة الوثقى» و أكثر محشّيها، و هو المختار؛ قال في «المبسوط»: فالنصاب ما بلغ خمسة أوساق بعد إخراج حقّ السلطان و المؤن كلّها «1»، انتهى.

و في «المقنعة»: لا زكاة على غلّة حتّى تبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة بعد الخرص و الجذاذ و الحصاد و خروج مئونتها منها و خراج السلطان «2»، انتهى.

و في «المقنع»: ليس على الحنطة و الشعير شي ء حتّى تبلغ خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعاً، و الصاع أربعة أمداد، و المدّ مائتان (و اثنان خ. ل) و تسعون درهماً و نصف، فإذا بلغ ذلك و حصل بعد خراج السلطان و مؤنة القرية أُخرج منه العشر «3»، انتهى. و جزم به العلّامة (رحمه اللّٰه) في «المنتهي» قال في الفرع الثاني من فروع مسألة زكاة الزرع و الثمار: المئونة تخرج وسطاً من المالك و الفقراء؛ فما فضل و بلغ نصاباً أُخذ منه العشر أو نصفه «4».

الثالث: التفصيل بين المؤن السابقة على زمان تعلّق الوجوب كالسقي و الحرث فيعتبر النصاب بعد استثنائها فإن لم يبلغ الباقي نصاباً فلا زكاة، و بين اللاحقة به كالحصاد و الجذاذ و نحوهما فيعتبر النصاب قبل استثنائها، و هو مختار

______________________________

(1) المبسوط 1: 214.

(2) المقنعة: 239.

(3) المقنع: 156.

(4) منتهى المطلب 1: 500/ السطر 9.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 252

..........

______________________________

الشهيد الثاني في «الروضة» و المسالك و صاحب «جامع المقاصد» و «الإيضاح».

و استدلّ للقول الأوّل بأنّ الظاهر من أدلّة اعتبار النصاب في وجوب الزكاة هو أنّ الموضوع لوجوب الزكاة بلوغ متعلّقه حدّ النصاب؛ فإذا بلغت إحدى الغلّات الأربع على النصاب فقد وجبت الزكاة، إلّا أنّ المئونة مستثناة عن موضوع هذا الحكم بالدليل، مثلًا الظاهر من صحيحة زرارة

عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعاً، فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر. «1»

الحديث، هو وجوب العشر في تمام ما أنبتت الأرض و بلغ خمسة أوساق من الحنطة و غيرها من الغلّات الأربع. فالبلوغ خمسة أوساق تمام الموضوع لوجوب العشر، و لو لا أدلّة استثناء المؤن لقلنا بوجوب العشر في تمام المحصول، لكن تستثني المئونة بالدليل و يؤدّى زكاة ما بقي و إن كان قليلًا.

و استدلّ للقول الثاني بما رواه في «المستدرك» عن «فقه الرضا (عليه السّلام)»

و ليس في الحنطة و الشعير شي ء إلى أن يبلغ خمسة أوسق.

إلى أن قال

فإذا بلغ ذلك و حصل بعد خراج السلطان و مئونة العمارة و القرية أُخرج منه العشر «2».

و حكى أيضاً في «المستدرك» عن الصدوق (رحمه اللّٰه) في «المقنع»: فإذا بلغ ذلك أي خمسة أوسق و حصل بعد خراج السلطان و مئونة العمارة و القرية أُخرج منه العشر «3». و الاستدلال بهما منوط على تعلّق الظرف؛ و هي كلمة «بعد» بالفعل الواقع قبله؛ و هو قوله: «بلغ و حصل» لا بالفعل الواقع بعده؛ و هو قوله: «أُخرج».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 176، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 5.

(2) مستدرك الوسائل 7: 91، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 6، الحديث 1.

(3) مستدرك الوسائل 7: 91، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 6، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 253

..........

______________________________

و بأصالة البراءة عن وجوب الزكاة فيما نقص بعد إخراج المئونة عن النصاب.

و استدلّ له أيضاً بما حكاه في «مصباح الفقيه» و أوضحه بقوله: و

استدلّ له أيضاً بأنّ ظاهر أدلّة اعتبار النصاب ثبوت العشر و نصف العشر في مجموع النصاب؛ فيكون الواجب عشر النصاب. فما دلّ على استثناء المؤن لا بدّ و أن يجعل مقيّداً لأدلّة اعتبار النصاب بما بعد وضع المؤن؛ إبقاءً للفظ «العشر و نصف العشر» على ظاهره من الإطلاق.

توضيح ذلك: أنّ المنساق من قوله (عليه السّلام) في صحيحة زرارة

ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعاً، فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر

، إرادة عشر مجموع الثلاثمائة صاع و هو ثلاثون صاعاً، فهذه الصحيحة ظاهرها أنّه إذا بلغ ما أنبتته الأرض ثلاثمائة صاع ثبت فيه ثلاثون صاعاً، و قد علم بما دلّ على استثناء المئونة إجمالًا أنّه إذا كان جميع ما أنبتته الأرض بالغاً ثلاثمائة صاع لم يجب عشر جميعه أي ثلاثون صاعاً فيحتمل أن يكون المراد بقوله: «ففيه العشر» أي فيما يبقى منه بعد إندار المئونة؛ فيكون إطلاقه منزّلًا على الغالب من عدم استيعاب المئونة للجميع، و أن يكون المراد بقوله: «ما بلغ خمسة أوساق» ما بلغ هذا المقدار بعد وضع المؤن كلّها. و لكن الاحتمال الثاني أوفق بظاهر قوله: «ففيه العشر» حيث إنّ ظاهره إرادة عشر مجموع الخمسة أوسق، لا ما يبقى منه بعد إخراج المؤن، فهذا هو الأولى. و مقتضاه جعل ما دلّ على استثناء المئونة مقيّداً لأدلّة اعتبار النصاب بما بعد وضع المؤن.

و يرد عليه: أنّ هذا ليس بأولى من العكس بجعل ما دلّ على استثناء المئونة مقيّداً لإطلاق «فيه العشر» بما بعد وضع المؤن إبقاءً لظاهر ما دلّ على اعتبار النصاب على ظاهره من الإطلاق، حيث إنّ ظاهره: إذا بلغ مجموع

ما أنبتت الأرض

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 254

..........

______________________________

خمسة أوساق لا الباقي منه بعد إخراج المؤن، فليس ارتكاب أحد التقييدين بأهون من الآخر؛ فالاحتمالان متكافئان، و المرجع حينئذٍ الأُصول العملية؛ و هي براءة الذمّة عن وجوب الزكاة فيما نقص عن خمسة أوسق بعد إخراج المئونة عنه، و كفى بهذا دليلًا على المطلوب «1»، انتهى.

و قد يؤيّد هذا القول بإشعار صحيح الفضلاء الثلاثة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال

يترك للحارس أجراً معلوماً، و يترك من النخل معافارة و أُمّ جعرور، و يترك للحارس يكون في الحائط العذق و العذقان و الثلاثة لحفظه إيّاه «2»

، الدالّ على استثناء اجرة الحارس يكون في الحائط و هي العذق و العذقان و الثلاثة فاجرة الحارس لا تلاحظ في النصاب، بل تترك كترك المعافارة و أُمّ جعرور قبل الخرص. و هذا القول أشهر، بل هو مشهور، و هو الأقوى، و إن كان الأوّل أحوط.

و يظهر جواب الاستدلال للقول الأوّل ممّا حكيناه عن «مصباح الفقيه».

و استدلّ للقول الثالث بما حكاه في «مصباح الفقيه» قال: و استدلّ للقول بالتفصيل بين المؤن السابقة على الوجوب و المتأخّرة عنه بإطلاق الحكم بوجوب العشر فيما بلغ خمسة أوسق، حيث إنّ ظاهر قوله (عليه السّلام)

ففيه العشر

إرادة عشر جميع الخمسة أوسق؛ فإنّ مقتضاه الحكم بسببية بلوغ النصاب لوجوب إخراج عشرة مطلقاً، و حيث علم أنّه لا يجب الزكاة فيما قابل المئونة اقتضى إبقاء ذلك الحكم على ظاهره تقييد بلوغ النصاب بكونه بعد إخراج مثل البذر و أُجرة الحرث و غيرهما من المؤن السابقة على الوجوب. و أمّا المؤن اللاحقة كالحصاد و نحوه فليس إخراجه من الوسط منافياً لاعتبار النصاب قبله، بل

هو من مقتضيات قاعدة

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 384.

(2) وسائل الشيعة 9: 191، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 8، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 255

و المراد بالمئونة: كلّ ما يغرمه المالك في نفقة هذه الثمرة؛ و يصرفه في تنميتها و حفظها و جمعها، كالبذر و ثمن الماء المشترىٰ لسقيها، و أُجرة الفلّاح و الحارث و الحارس و الساقي و الحصّاد و الجذّاذ، و أُجرة العوامل التي يستأجرها للزرع، و أُجرة الأرض و لو كانت غصباً و لم ينوِ إعطاء أُجرتها لمالكها، و ما يصرفه لتجفيف الثمرة و إصلاح النخل و تسطيح الأرض و تنقية النهر، بل و في إحداثه لو كان هذا الزرع و النخل و الكرم محتاجاً إليه (11).

______________________________

الشركة التي اقتضاها إطلاق قوله

ما بلغ خمسة أوسق ففيه العشر

كما لا يخفى على المتأمّل «1»، انتهى.

و لا يخفى: أنّ استدلاله للشقّ الأوّل من التفصيل مقبول، و يرد على استدلاله للشقّ الثاني: أنّ الشركة على القول بها تقتضي كون المئونة على المالك و الفقراء لا على المالك فقط، و لا دلالة لها على اعتبار النصاب قبلها أو بعدها.

(11) قد ذكر جماعة من فقهائنا أمثلة كثيرة للمئونة في كتبهم، كما في «الروضة» و «المسالك» و «فوائد الشرائع» و محكي «نهاية الإحكام» و غيرها، و الحال أنّه لم يرد في شي ء من النصوص لفظ «المئونة» إلّا في «الفقه الرضوي» المتقدّم.

و لقد أجاد المحقّق الهمداني (رحمه اللّٰه) في بيان هذا المطلب و قال في «مصباح الفقيه»: إنّه لم يرد في شي ء من النصوص الواصلة إلينا التصريح باستثناء المئونة عدا ما وقع في عبارة «الفقه الرضوي» من التعبير بلفظ «المئونة» من غير إضافتها

إلى الزرع أو الغلّة كما هو المدّعى بل إلى القرية، و إنّما التزمنا باستثنائها بدعوى

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 387.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 256

..........

______________________________

استكشافه من الشهرة المعتضدة بالإجماعات المحكية و عدم القول بالفصل بين بعض المؤن التي دلّت الأدلّة على استثنائه كأجر الحارس و العذق و العذقين له، فإن بنينا على أنّ ما استكشفناه بهذا الدليل هو كون لفظ «المئونة» الواقعة في كلمات الأصحاب في فتاويهم و معاقد إجماعاتهم المحكية بمنزلة كونها واردة في نصّ معتبر في وجوب الرجوع إلى العرف في تشخيص، مفهومها كما ليس بالبعيد فنقول: إنّ هذه الكلمة و كذا لفظ «النفقة» و شبهها من الألفاظ التي تؤدّي مؤدّاها لا تخلو من إجمال، و القدر المتيقّن من ذلك ما ينفقه على نفس هذه الزراعة من مثل البذر و أُجرة الحرث و إجارة الأرض في تلك المدّة و تسطيح الأرض و تنقية النهر ممّا لا يبقى له بإزائه مال بعد استيفاء الحاصل. و أمّا مثل ثمن الأرض أو العوامل التي يشتريها للزراعة أو الآلات التي يستعملها فيها ممّا يبقى عينها في ملكه بعد استيفاء الحاصل فهي خارجة عن ذلك، بل لا يعدّ شي ء من مثل ذلك نفقة الزراعة، بل الزراعة تعدّ عرفاً من فوائد تلك الأشياء التي تملكها لتحصيل الزرع.

و الحاصل: أنّ نفقة الشي ء ما يصرف فيه، لا ما ينفق في تحصيل الأشياء التي يتوقّف الزرع على تحصيلها.

نعم لاحتساب ما يرد على الآلات و الأدوات أو لثياب العامل أو الأرض التي حصل فيها الزرع من النقص من المؤن وجه. و لكن الأوجه انصراف إطلاق المئونة عنها، و لا أقلّ من خروج مثلها عن القدر المتيقّن الذي يمكن

الالتزام باستثنائه؛ ففي مواضع الشكّ يجب الأخذ بعمومات أدلّة الزكاة. نعم بناءً على ما صرّح به غير واحد من موافقة القول باستثناء المئونة للأصل و أنّه ليس في الأدلّة السمعية ما يدلّ بإطلاقه أو عمومه على ثبوت الزكاة فيما يقابل المئونة اتّجه الرجوع في موارد الشكّ إلى أصالة البراءة، و لكن المبنى ضعيف كما عرفت «1»،

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 390.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 257

و الظاهر أنّه ليس منها ما يصرفه مالك البستان مثلًا في حفر بئر أو نهر أو بناء دولاب أو ناعور أو حائط، و نحو ذلك ممّا يعدّ من مئونة تعمير البستان، لا من مئونة ثمرته (12). نعم إذا صرف ذلك مشتري الثمرة و نحوه؛ لأجل الثمر الذي اشتراه أو ملكه بالإجارة، يكون من مئونته (13). و لا يحسب منها اجرة المالك إذا كان هو العامل، و لا اجرة المتبرّع بالعمل، و لا أُجرة الأرض و العوامل إذا كانت مملوكة له (14).

______________________________

انتهى. و قد نقلنا عبارته بطولها لجودتها.

(12) الظاهر: التفصيل في حفر البئر و النهر و بناء الدولاب و الناعور هما آلتا نزح الماء و نحوها بأنّه إن كان مقصود المالك من الحفر و البناء سقي خصوص الغلّات الزكوية في وقت مخصوص فهو من المئونة، و إن كان المقصود منه إحياء الأرض و تعمير البستان ليستفاد منها في تحصيل الثمار و الغلّات، فلا يعدّ من المئونة. و هذا التفصيل يجري في شراء الأرض أيضاً؛ فمن اشترى أرضاً لخصوص زراعة الحبّين الحنطة و الشعير فقط كان ثمنها مئونة. و به أفتى المحقّق الهمداني (رحمه اللّٰه) في «مصباح الفقيه» قال: نعم لو دعاه إلى حفر بئر أو قناة خصوص

زراعة لعدّت عرفاً من مئونتها، كما أنّه لو اشترى أرضاً لذلك لكان ذلك أيضاً كذلك «1»، انتهى.

(13) إذا تملّك الثمرة بسبب من أسباب التمليك كالبيع و إجارة البستان و غيرهما و حفر بئراً أو نهراً أو بنىٰ دولاباً أو ناعوراً لسقي الزراعة و النخيل و الكرم، فكلّما صرفه في ذلك يكون مئونة الثمرة عرفاً بلا إشكال فيه.

(14) فرض المسألة أن يقدّر المالك لعمل نفسه أو عمل المتبرّع من زوجته

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 390.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 258

بل الأحوط عدم احتساب ثمن العوامل و الآلات التي يشتريها للزرع و السقي ممّا يبقىٰ عينها بعد استيفاء الحاصل. نعم في احتساب ما يرد عليها من النقص بسبب استعمالها في الزرع و السقي وجه (15)، لكن الأحوط خلافه. و في احتساب ثمن الزرع و الثمر إشكال، لا يبعد الاحتساب، لكن يقسّط على التبن و الحنطة مثلًا بالنسبة (16).

______________________________

و ولده أو أجنبي أُجرة المثل و يحسبها مئونة، و كذا يفرض أرضه المملوكة أو عوامله المملوكة بحيث لو كانت مستأجرة لكانت لها اجرة كذا و كذا فيحسبها مئونة، و هذا الفرض و التقدير لا يساعده العرف؛ فالعرف لا يحسبها مئونة الثمرة؛ لأنّ المئونة خسارة مالية و لا خسارة على المالك في الفرض.

و في «المستمسك»: و عمل العامل المالك ليس منها، و كذا عمل المتبرّع من ولده أو زوجته أو أجنبي، و كذا أُجرة الأرض و العوامل؛ فإنّ ذلك من قبيل فوات منفعة لا خسارة مالية «1»، انتهى.

(15) العوامل و الآلات التي تشترى للاستفادة بها لتحصيل الثمر إن صرفت بحيث استهلكت و لم يبق من عينها أثر أو لم تستهلك و لكن سقطت ماليتها بالمرّة

و كلّيةً، فلا إشكال في كون ثمنها مئونة، و كذا تحتسب من المئونة لو حصل نقص فيها بسبب استعمالها في تحصيل الثمر فيحسب قيمة مقدار نقصها من المئونة. و إن لم يحصل التغيّر في عينها أو حصل و لكن لم تتفاوت قيمتها فلا تحسب مئونة بلا إشكال؛ لعدم حصول الخسارة المالية في تحصيل الثمر.

(16) الأقوى احتساب ثمن الزرع و الثمر من المئونة؛ لأنّ بذل الثمن خسارة

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 9: 163.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 259

[ (مسألة 3): الظاهر أنّه يلاحظ في البذر قيمته يوم الزرع لا مثله]

(مسألة 3): الظاهر أنّه يلاحظ في البذر قيمته يوم الزرع لا مثله؛ سواء كان من ماله أو اشتراه (17)،

______________________________

مالية في تحصيل الثمر، لكنّه يقسط الثمن بالنسبة إلى الحبّ و التبن، فالثمن المعادل للحبّ مئونة دون ما يعادل التبن، هذا بناءً على كون التبن مقصوداً عقلائياً يبذل بإزائه مال كما في زماننا هذا. و أمّا إذا لم يكن له قيمة معتنى به فلا يوزّع الثمن بإزائه بل يكون كلّه مئونة، و هذا أمر واضح لا إشكال فيه.

(17) وجه كون قيمة يوم الزرع مئونة هو أنّ المئونة عبارة عن الخسارة المالية، و هي تتحقّق بتلف البذر، و تلفه نثرة في الأرض؛ فالمئونة قيمة يوم تلف البذر و إن كان البذر مضموناً بالمثل في باب الضمانات، و المئونة ليست من ذلك الباب حتّى يحكم بإخراج المثل.

و يحتمل أن يكون المئونة عبارة عن الثمن المسمّى إذا اشترى البذر للزرع، و قد أفتى به آية اللّٰه البروجردي (رحمه اللّٰه) في حاشيته على «العروة الوثقى»، قال (رحمه اللّٰه) في حاشيته على المتن «قيمة البذر»: بل مثله، نعم إذا كان اشتراه للزرع فالمعتبر ثمنه المسمّى لا مثله و لا قيمته «1»،

انتهى.

و الاحتمال المزبور مبتنٍ على أنّ المراد من المئونة ما يحتاج إليه الزرع. و أمّا بناءً على أنّ المئونة هي الخسارة المالية لتحصيل الزرع و الثمر؛ فالثمن المسمّى المشترىٰ به البذر و إن ذهب من كيس صاحبه و لكنّه ليس فيه خسارة عليه؛ لقيام بدله أعني البذر مقامه، فالخسارة عليه إنّما تتحقّق بتلف البذر يوم الزرع بنثره في الأرض؛ سواء كان قيمته مساوياً للثمن المسمّى أو أكثر أو أقلّ.

______________________________

(1) العروة الوثقى 4: 74 (ط مؤسسة النشر الإسلامي).

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 260

..........

______________________________

و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) بعد أن حكى عن «المسالك»: أنّ عين البذر من المئونة إن كان من ماله المزكّى، و أنّه لو اشتراه تخيّر بين استثناء ثمنه و عينه، و حكى عن «الروضة» نحو ما حكاه عن «المسالك»، ثمّ حكى عن فوائد «الشرائع»: أنّ البذر من المئونة فيستثنى، لكن إذا كان مزكّىٰ سابقاً أو لم تتعلّق به الزكاة سابقاً و لو اشتراه لم يبعد أن يقال: يجب أكثر الأمرين من ثمنه و قدر قيمته، و حكى أيضاً عن الشهيد الأوّل في «البيان»: أنّه لو اشترى بذراً فالأقرب أنّ المخرج أكثر الأمرين من الثمن و القدر، و يحتمل إخراج القدر خاصّة؛ لأنّه مثلي، أمّا لو ارتفعت قيمة ما بذره أو انخفضت و لم يكن قد عاوض عليه فإنّ المثل معتبر قطعاً.

قال: و ممّا يمكن أن يكون محلّا للنظر أيضاً ما سمعته من التخيير في إخراج ثمن البذر أو قدره إذا كان قد اشتراه؛ خصوصاً إذا لم يكن قد اشتراه للبذر بل اشتراه للقوت و نحوه ثمّ بدا له فبذره؛ إذ الذي يعدّ أنّه من مؤن الزرع و صار هو سبباً

لإتلافه عين البذر لا ثمنه، و لو منع ذلك و جعل نفس الثمن لم يؤخذ القدر. و بالجملة: التخيير المزبور لا يخلو من نظر أو منع «1»، انتهى موضع الحاجة.

و في «المستمسك»: و لعلّ وجه التخيير أنّه كما يصدق على البذر أنّه محتاج إليه الزرع يصدق على المال الذي يشترى به البذر أنّه محتاج إليه الزرع؛ لتوقّف الزرع على كلّ منهما، غاية الأمر: أنّ أحدهما مقدّمة للآخر، و البذر مقدّمة قريبة و ثمنه مقدّمة بعيدة. فكلّ منهما مئونة لا في عرض واحد بل أحدهما في طول الآخر؛ فاستثناؤهما معاً غير ممكن، و استثناء أحدهما بعينه ترجيح بلا مرجّح. و لأجل أنّه لا يمكن البناء على عدم استثنائهما معاً كان اللازم استثناء أحدهما لا بعينه، و مفاده التخيير. و هكذا الحال في جميع المقدّمات الطولية. إلى أن قال (رحمه اللّٰه):

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 236.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 261

فلو كان بعضه من ماله الغير المزكّى، فالظاهر صيرورة الفقراء شريكاً مع الزارع بمقدار حصّتهم، و تحسب البقيّة من المئونة (18).

______________________________

اللهمّ إلّا أن يقال: ليس المراد من المئونة ما يحتاج إليه الزرع ليصدق على كلّ من المقدّمات الطولية، بل خصوص الخسارة المالية، و ثمن البذر ليس منها؛ لوجود بدله، بخلاف نفس البذر التالف بنثره في الأرض «1»، انتهى.

(18) إذا كان نصف البذر مثلًا من ماله الغير المزكّى و نصفه الآخر من المزكّى، فالظاهر صيرورة نصف الحاصل مشتركاً بين الفقراء و الزارع و يكون النصف الآخر المزكّى من البذر مئونة مستثناة من النصف الآخر من الحاصل، ثمّ يؤدّى زكاة الباقي، هذا إذا كان بعض البذر غير مزكّى.

و أمّا إذا كان تمام البذر غير مزكّى كان

تمام الحاصل مشتركاً بين الفقراء و الزارع، و لا فائدة للاستثناء حينئذٍ، إلّا في حالتين أشار إليهما السيّد الحكيم (رحمه اللّٰه) في «المستمسك» قال: أمّا إذا كان (البذر) من المال الذي فيه الزكاة فلا فرق بين استثنائه و عدمه؛ لوجوب الزكاة فيه على كلتا الحالتين. نعم تفترق الحالتان من جهتين أُخريين: إحداهما ما إذا كان متمّماً للنصاب فإنّ استثناءه موجب لنقص النصاب و انتفاء الزكاة بالمرّة، إلّا ما وجب فيه أوّلًا.

ثانيتهما: ما إذا اختلف مقدار الزكاة الواجبة فيه و الزكاة الواجبة في الزرع؛ بأن كان الزرع ممّا سقي بالدلاء و بذره ممّا سقي سيحاً، أو بالعكس. و في هاتين الحالتين لا بدّ من العمل على الاستثناء؛ لأنّه من المؤن على كلّ حال. و البناء على عدم الاستثناء في غير الفرضين من جهة عدم الثمرة المترتّبة عليه، فإذا فرض

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 9: 162.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 262

[ (مسألة 4): لو كان مع الزكوي غيره وزّعت المئونة عليهما بالنسبة]

(مسألة 4): لو كان مع الزكوي غيره وزّعت المئونة عليهما بالنسبة، و كذا الخراج الذي يأخذه السلطان؛ إن كان مضروباً على الأرض باعتبار مطلق الزرع لا خصوص الزكوي (19)،

______________________________

ترتّبها على الاستثناء وجب البناء عليه كما لا يخفىٰ «1»، انتهى.

(19) و قيّد في «المسالك» توزيع المئونة على الزكوي و غيره بما إذا كانا مقصودين، قال: و لو كانا مقصودين ابتداءً وزّع عليهما ما يقصد لهما «2»، انتهى. و مثله السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» و المحشّون لها.

و لا يخفى: أنّ المصنّف (رحمه اللّٰه) طابق رأيه متن «العروة الوثقى» في التقييد المزبور، و لكنّه أطلق في «تحرير الوسيلة» توزيع المئونة على الزكوي و غيره بالنسبة و لم يقيّده بما إذا كانا مقصودين.

و يمكن

أن يقال: إنّه (رحمه اللّٰه) لم يقيّد كلامه في «التحرير» بالقيد المذكور؛ لوضوحه لا لعدوله عن رأيه المطابق ل «العروة الوثقى». و يشهد له حكمه بكون الخراج المضروب على الأرض باعتبار مطلق الزرع شبه المئونة المصروفة على الزكوي و غيره، حيث إنّ توزيع الخراج على الزكوي و غيره إنّما هو فيما كان المقرّر المقصود هو الضرب على مطلق الزرع، و أمّا إذا كان المقرّر هو الضرب على الأرض باعتبار خصوص الزكوي لا توزّع المئونة، كما أنّه إذا كان المقرّر هو الضرب على الأرض باعتبار خصوص غير الزكوي لا يحسب مئونة للزكوي أصلًا، و هذا واضح.

و في «المسالك»: و لو كان المقصود بالذات غير الزكوي ثمّ عرض قصد

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 9: 161.

(2) مسالك الأفهام 1: 393.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 263

و الظاهر توزيعها على التبن و الحبّ (20).

[ (مسألة 5): لو كان للعمل مدخليّة في ثمر سنين عديدة]

(مسألة 5): لو كان للعمل مدخليّة في ثمر سنين عديدة، فلا يبعد التفصيل بين ما كان عمله لها فيوزّع عليها، و بين ما إذا عمل للسنة الأُولىٰ و إن انتفع منه في سائر السنين قهراً، فيحسب من مئونة الاولىٰ، فيكون غيرها بلا مئونة من هذه الجهة (21).

______________________________

الزكوي بعد تمام العمل لم يحتسب من المؤن «1»، انتهى. و كذا في «العروة الوثقى»، و زاد في «العروة» قوله: و إذا كان بالعكس حسب منها «2».

أقول: و الوجه في ذلك كلّه ما ذكر في تعريف المئونة من أنّها خسارة مالية لتحصيل المال الزكوي؛ فكلّما صرف بقصد تحصيل المال الزكوي فهي مئونة.

و منه يظهر ضعف مناقشة بعض المعاصرين في تعليقه على «العروة الوثقى» بأنّ مئونة الشي ء ما صرف فيه خارجاً قصد أم لم يقصد فضلًا عمّا

تبدّل القصد فيه. فلو ألقى السماد في الأرض بقصد الذرّة مثلًا ثمّ بدا له فزرع الحنطة معتمداً على السماد الملقى فكون السماد ممّا صرف في تحصيل الحنطة أمر واضح، فيعدّ من المئونة عرفاً فتأمّل «3»، انتهى. و لعلّ وجه تأمّله ما أشرنا إليه من الوجه.

(20) قد مرّ الكلام فيه في ذيل المسألة الثانية، فراجع.

(21) هذا التفصيل هو المتعيّن؛ ففيما قصد من العمل تحصيل الغلّة و الثمر في سنين عديدة و كان للعمل مدخلية فيها فيوزّع عليها مثلًا إذا أحدث نهراً

______________________________

(1) مسالك الأفهام 1: 393.

(2) العروة الوثقى 2: 295.

(3) الزكاة، المحقّق المنتظري 2: 72.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 264

[ (مسألة 6): لو شكّ في كون شي ء من المؤن أو لا لم يُحسب منها]

(مسألة 6): لو شكّ في كون شي ء من المؤن أو لا لم يُحسب منها (22).

______________________________

و استحكمه بحيث يبقى و يستفاد منه عشر سنين متواليات فيوزّع عليها. و فيما قصد من العمل تحصيلها في سنة واحدة و إن انتفع منه في سنين عديدة فيحسب من مئونة الاولى و يكون غيرها بلا مئونة.

و في «العروة الوثقى»: إذا كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة لا يبعد احتسابه على ما في السنة الأُولى، و إن كان الأحوط التوزيع على السنين «1».

و استشكل عليه السيّد الحكيم (رحمه اللّٰه) في «المستمسك» بقوله: في كونه الأحوط إشكال ظاهر؛ فإنّه إذا كان مئونة للسنة الأُولى فقط تجب الزكاة في الثانية و إن لم يبلغ الحاصل النصاب على تقدير الاستثناء «2»، انتهى.

(22) و ذلك لوجوب الأخذ بإطلاق أدلّة وجوب الزكاة، مثل قوله (عليه السّلام)

ما بلغ خمسة أوساق ففيه العشر «3»

، فيلتزم باستثناء ما هو المئونة متيقّناً بالشهرة و الإجماع؛ ففي مواضع الشكّ يرجع إلى الإطلاق المزبور.

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 295.

(2)

مستمسك العروة الوثقى 9: 164.

(3) وسائل الشيعة 9: 176، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 265

[المطلب الثالث كلّ ما سقي سيحاً و لو بحفر نهر و نحوه أو بعلًا ففيه العشر]
اشارة

المطلب الثالث كلّ ما سقي سيحاً و لو بحفر نهر و نحوه أو بعلًا و هو ما يشرب بعروقه أو عذياً و هو ما يسقى بالمطر ففيه العشر، و ما يُسقىٰ بالعلاج بالدلو و الدوالي و النواضح و المكائن و نحوها من العلاجات ففيه نصف العشر (1)،

______________________________

(1) وجوب العشر فيما سقي سيحاً أو بعلًا أو عذياً و نصف العشر فيما سقي بالعلاج إجماعي بين الأصحاب، و نسبه في «المعتبر» إلى إجماع العلماء.

و يدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع أخبار مستفيضة إن لم تكن متواترة، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

في الصدقة فيما سقت السماء و الأنهار إذا كانت سيحاً أو كان بعلًا العشر و ما سقت السواني و الدوالي أو سقي بالغرب فنصف العشر «1».

و مرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح (عليه السّلام) قال في حديث طويل

و الأرضون التي أُخذت عنوة.

إلى أن قال

فإذا أخرج اللّٰه منها ما أخرج يداً فاخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحاً، و نصف العشر ممّا سقي بالدوالي و النواضح. «2»

الحديث.

و صحيحة زرارة و بكير جميعاً عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال في الزكاة

ما كان يعالج بالرشا و الدوالي و النضح ففيه نصف العشر، و إن كان يسقى من غير علاج

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 183، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 4، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 183، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 4، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة -

الزكاة و الخمس، ص: 266

و إن سقي بهما فالحكم للأكثر الذي يسند السقي إليه عرفاً، و إن تساويا بحيث لم يتحقّق الإسناد المذكور، بل يصدق أنّه سقي بهما ففي نصفه العشر و في نصفه الآخر نصف العشر (2).

______________________________

بنهر أو عين أو بعل أو سماء ففيه العشر كاملًا «1».

و غيرها من روايات الباب و غيره.

و في «الجواهر»: و المراد بالسيح الجريان على وجه الأرض؛ سواء كان قبل الزرع كالنيل أو بعده. و البعل بالعين المهملة ما يشرب بعروقه في الأرض التي تقرب من الماء، و إليه يرجع ما في «الوافي» من أنّه ما لا يسقى من نخل أو شجر أو زرع.

و بالعذي ما سقته السماء. و الدوالي جمع دالية؛ و هي الناعورة التي تديرها البقر أو غيرها. و النواضح جمع ناضح؛ و هو البعير يستقى عليه. و الرشاء: الحبل. و الغَرب بالغين المعجمة و سكون الراء، و في «المنجد» بفتح الغين الدلو العظيم الذي يتّخذ من جلد الثور. و السواني جمع سانية؛ و هي الناقة التي يسقى عليها.

ثمّ إنّه (رحمه اللّٰه) بعد ذكر الأخبار في المسألة قال: إلى غير ذلك من النصوص الظاهر منها كالفتاوى ما صرّح به بعضهم من أنّ المدار في وجوب العشر و نصفه احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من دولاب و نحوه و عدمه، و أنّه لا عبرة بغير ذلك من الأعمال كحفر الأنهار و السواقي و إن كثرت مئونتها؛ لعدم اعتبار الشارع إيّاه «2»، انتهى.

(2) يعني أنّه متى اجتمع السقيان فأيّهما غلب عرفاً تبعه الحكم من العشر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 184، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 4، الحديث 5.

(2) جواهر الكلام 15: 237.

مدارك تحرير الوسيلة -

الزكاة و الخمس، ص: 267

..........

______________________________

و نصفه، و مع التساوي يؤخذ من نصفه العشر و من نصفه الآخر نصف العشر؛ فيكون الفرض ثلاثة أرباع العشر، و هذا ممّا لا خلاف فيه.

بل يظهر من «التذكرة» و «الغنية» و «المفاتيح» و «الرياض» و «المدارك» و «مجمع البرهان» الإجماع عليه؛ قال في «التذكرة»: مسألة لو سقي بعض المدّة بالسيح و بعضها بالآلة فإن تساويا أُخذت الزكاة بحسب ذلك فأُخذ للسيح نصف العشر و للدوالي ربع العشر؛ فتجب ثلاثة أرباع العشر، و به قال مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي، و لا نعلم فيه خلافاً. إلى أن قال (رحمه اللّٰه): و إن تفاوتا كان الحكم للأغلب عند علمائنا، و به قال عطا و الثوري و أبو حنيفة و الشافعي في أحد القولين، و أحمد في إحدى الروايتين «2»، انتهى.

و في «نهاية» الشيخ: و إن كان ممّا قد سقي سيحاً و غير سيح اعتبر الأغلب في سقيه. إلى أن قال: فإن استويا في ذلك يؤخذ منه من نصفه بحساب العشر و من النصف الآخر بحساب نصف العشر «3».

و تدلّ على المسألة حسنة معاوية بن شريح عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

فيما سقت السماء و الأنهار أو كان بعلًا فالعشر، فأمّا ما سقت السواني و الدوالي فنصف العشر

، فقلت له: فالأرض تكون عندنا تُسقىٰ بالدوالي ثمّ يزيد الماء و تُسقى سيحاً، فقال

إنّ ذا ليكون عندكم كذلك؟

قلت: نعم، قال

النصف و النصف؛ نصف بنصف العشر و نصف بالعشر

، فقلت: الأرض تسقى بالدوالي ثمّ يزيد الماء (و) فتسقى السقية و السقيتين سيحاً؟ قال

و كم تسقى السقية و السقيتين سيحاً؟

قلت: في ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة، و قد

مكث قبل ذلك في الأرض ستّة

______________________________

(2) تذكرة الفقهاء 5: 151.

(3) النهاية: 178.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 268

..........

______________________________

أشهر، سبعة أشهر، قال

نصف العشر «1».

الظاهر: أنّ معاوية في السند هو معاوية بن ميسرة بن شريح نسب إلى جدّه، و عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق (عليه السّلام) و أنّ له كتاباً «2».

وجه الاستدلال بالرواية: أنّ السؤال الأوّل ظاهر في مساواة السقيتين، و أجاب (عليه السّلام) بقوله

النصف بالنصف؛ نصف بنصف العشر و نصف بالعشر

؛ يعني أنّ مقدار الزكاة نصف العشر في النصف الذي سقي بالدوالي و السواني، و العشر في النصف الآخر الذي سقي سيحاً. و السؤال الثاني ظاهر بل صريح في اختلاف السقيتين من جهة أنّ عمدة السقي كان بالدوالي و أمّا السقي بالسيح فسقية أو سقيتان، و أجاب (عليه السّلام) بنصف العشر؛ لكون السقي بالدوالي أكثر.

ثمّ إنّه اختلف فقهاؤنا في أنّ الاعتبار في الأكثرية بالأكثرية عدداً أو زماناً أو نموّاً و نفعاً على أقوال؛ قد أنهاها النراقي (رحمه اللّٰه) في «مستند الشيعة» إلى خمسة، و قال: فمنهم من اعتبر بالنسبة إلى العدد بشرط التساوي في النفع و إلّا فبالنفع. و منهم من اعتبر بالنسبة إلى الزمان بالشرط المذكور و إلّا فبالنفع. و منهم من اعتبر بالنسبة إلى العدد مطلقاً. و منهم من قال: إنّ العبرة بالزمان كذلك، و هو المحكي عن ابن زهرة و «المنتهي» و «المسالك» و «حواشي القواعد» للشهيد الثاني. و منهم من اعتبر النفع مطلقاً، قوّاه الشهيد الثاني في «حواشي الإرشاد» و استقربه في «القواعد» و «التذكرة» و «الإيضاح» بل في «حواشي القواعد»: أنّه الأشهر «3»، انتهى.

أقول: و العمدة في الأقوال ثلاثة:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 187،

كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 6، الحديث 1.

(2) رجال الطوسي: 303/ 485.

(3) مستند الشيعة 9: 179.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 269

..........

______________________________

الأوّل: اعتبار الأكثر عدداً مطلقاً.

الثاني: اعتبار الأكثر زماناً مطلقاً، ذهب إليه ابن زهرة و العلّامة و الشهيد الثاني في «المسالك» و «حواشي القواعد» و كاشف الغطاء.

الثالث: اعتبار الأكثر نموّاً و نفعاً، ذهب إليه الشهيد الأوّل و ابن فهد و الكركي و الصيمري.

و استدلّ للأوّل بأنّه المتبادر من حسنة معاوية بن شريح المتقدّمة، و لا ينافيه استفصال الإمام (عليه السّلام) عن زمان تحقّق السقية و السقيتين؛ لإمكان جريه مجرى العادة من كون أكثرية الزمان علامة أكثرية العدد؛ فاستفصاله (عليه السّلام) في الحقيقة يؤول إلى الاستفصال عن عدد السقيات بالدوالي.

و استدلّ للثاني بأنّ الإمام (عليه السّلام) رتّب جوابه على أغلبية الزمان من غير استفصال عن عدد السقيات في تلك المدّة.

و استدلّ للثالث بأنّ المقصود بالاستفصال استكشاف حال السقية و السقيتين من حيث الكيفية و وفور الماء؛ إذ رُبّ سقية كاملة تحصل بالسيح تقوم مقام عدّة سقيات بالدوالي، و هذا يستكشف عن طول مدّة السقية و السقيتين و قصره من حيث النفع؛ إذ لا اعتداد بعدد السقيات و لا بطول مدّتها من حيث هو فيما ينسبق إلى الذهن من إطلاق قوله

ما سقي بالسيح ففيه العشر، و ما سقي بالدوالي ففيه نصف العشر

، بل المنساق منه إرادة السقي الذي يتقوّم به تعيّش الزرع و حياته، و إلّا فربّ سقي لا فائدة فيه بل قد يكون مضرّاً؛ فالعبرة بالسقي المفيد للزرع.

و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) بعد اختياره القول الأخير، و أنّ المدار على الحصول و التعيّش و النموّ المعتدّ به قال: و إيضاح ذلك

أنّ السقي يقع على أنحاء لا يعدّوها:

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 270

..........

______________________________

الأوّل: أن يكون فيه النفع التامّ، فإن كان مع السيح و الدوالي على السواء أو بتفاوت يسير فالواجب ثلاثة أرباع، فإن كان أحدهما أغلب حتّى يكون الآخر في جنبه نادراً ندرةً تلحقه بالعدم فالحكم حينئذٍ منوط بالأغلب، تنزيلًا للنادر منزلة المعدوم.

الثاني: أن يكون السقي مضرّاً بالزرع على اختلاف مراتب الضرر؛ إذ رُبّما لزم من السقي تلف الزرع أو أكثره.

الثالث: أن لا يكون مضرّاً و لا نافعاً، بل يكون كالعبث أو عبثاً.

الرابع: أن يكون فيه نفع يسير جدّاً، و يكون النموّ و التكوّن و التعيّش إنّما هو من جهة أُخرى، كالجذب بالعروق مثلًا.

و لا ريب أنّ قولهم (عليهم السّلام)

ما سقي بكذا ففيه العشر.

إلى آخره إنّما ورد على القسم الرابع و الأوّل إن كانا من سنخ واحد، و هذا أمر واضح لا مجال للإشكال فيه؛ إذ من المعلوم أنّ الأخبار ليس موردها ما كان فيه نفع يسير جدّاً و إن دام السقي به طول السنة «1»، انتهى.

ثمّ إنّه يقع الكلام في أنّه هل المعتبر في الأكثرية على القول بها هي الأكثرية الحقيقية الحاصلة بزيادة واحدة بحيث لو كان السقي بأحدهما ثلاثين و بالآخر إحدى و ثلاثين لكان الثاني أكثر و يتبعه الحكم، أو الأكثرية العرفية بأن كان التفاوت بين السقيين بمقدار يعتدّ به بحيث لو سئل عن أنّ الزراعة بأيّهما سقي لُاجيب: أنّه سقي بهما و لكن أحدهما أغلب من الآخر، أو الأكثرية العرفية و لكن التفاوت بينهما لم يكن بمقدار يعتدّ به بل أكثرية أحدهما كان بحيث يلحق الآخر بالنادر كالمعدوم؟ وجوه:

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 241.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و

الخمس، ص: 271

لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإخراج العشر إذا كان الأكثر بغير علاج و لو مع صدق السقي بهما (3)، و مع الشكّ فالواجب الأقلّ (4) إلّا في المسبوق بالسقي بغير علاج (5)،

______________________________

استدلّ للأوّل بصدق الأكثرية الحقيقية بمطلق الزيادة و لو كانت بواحدة، و للثاني بأنّ الفتاوى و معاقد الإجماعات منصرفة إلى الأكثرية العرفية الأغلبية من الآخر، و هذا هو المختار عندنا. و للثالث بأنّ عمدة الدليل لتبعية الحكم على الأكثر هو النصّ و الإجماع، و القدر المتيقّن منه الأكثرية بالمعنى الأخير.

(3) لا يخفى: أنّه إذا كان الأكثر بغير علاج بحيث أُسند السقي إليه عرفاً فالواجب العشر، و إذا كان الأكثر بعلاج بحيث أُسند السقي إليه عرفاً فنصف العشر، و مراد المصنّف (رحمه اللّٰه) من استحباب الاحتياط بإخراج العشر إنّما هو فيما إذا صدق عرفاً أنّه سقي بهما، و مع ذلك كان الأكثر بغير علاج.

(4) للاقتصار على المتيقّن، و لأنّ المورد من قبيل الأقلّ و الأكثر الاستقلاليين؛ فتجري البراءة بالنسبة إلى الأكثر، و مع ذلك فالاحتياط أولى.

(5) أي يجب الأقلّ مع الشكّ في أنّ أيّ السقيين أكثر؟ إلّا في بعض الموارد؛ و هو ما كان السقي بغير علاج مسبوقاً و متأخّراً عن السقي بعلاج فالواجب فيه هو الأكثر، و لو مع الشكّ في سلب السقي بغير علاج لأجل الشكّ في قلّة السقي بعلاج و كثرته، بل الأحوط وجوب الأكثر مطلقاً.

و في حاشية المصنّف (رحمه اللّٰه) على «العروة الوثقى»: «و لو شكّ في صدق الاشتراك أو غلبة صدق أحدهما فيكفي الأقلّ» وقع بهذه العبارة «إلّا في بعض الصور، كما إذا كان مسبوقاً بانتساب السقي بمثل الجاري و شكّ في سلب الانتساب

مدارك تحرير الوسيلة

- الزكاة و الخمس، ص: 272

و لو شكّ في سلب ذلك يجب الأكثر، بل الأحوط ذلك مطلقاً (6).

[ (مسألة 1): الأمطار العادية في أيّام السنة لا تُخرج ما يُسقىٰ بالدوالي عن حكمه]

(مسألة 1): الأمطار العادية في أيّام السنة لا تُخرج ما يُسقىٰ بالدوالي عن حكمه، إلّا إذا استُغني بها عن الدوالي أو صار مشتركاً بينهما (7).

[ (مسألة 2): لو أخرج شخص الماء بالدوالي علىٰ أرض مباحة مثلًا عبثاً أو لغرض، فزرعها آخر و شرب الزرع بعروقه]

(مسألة 2): لو أخرج شخص الماء بالدوالي علىٰ أرض مباحة مثلًا عبثاً أو لغرض، فزرعها آخر و شرب الزرع بعروقه، يجب العشر على الأقوىٰ. و كذا إذا أخرجه هو بنفسه لغرض آخر غير الزرع، ثمّ بدا له أن يزرع زرعاً يشرب بعروقه، بل و كذا إذا أخرجه لزرع، فزاد و جرىٰ علىٰ أرض أُخرى، فبدا له أن يزرع فيها زرعاً يشرب بعروقه (8).

______________________________

الكذائي لأجل الشكّ في قلّة السقي بالعلاج و كثرته؛ فيجب الأكثر» «1»، انتهى.

(6) و لعلّ الوجه في وجوب الأكثر في المورد المزبور اندراجه تحت قوله (عليه السّلام)

فيما سقت السماء العشر

بعد استصحاب عدم تعلّق وجوب الزكاة إلى انقضاء السقي بعلاج، و المفروض تأخّر السقي بغير علاج وجداناً و واقعاً، و يترتّب عليه حكمه.

(7) قد علم ممّا سبق أنّ الغالب في السقي إذا كان بالدوالي و نسب سقي الزراعة إليه عرفاً يتبعه الحكم، فيجب نصف العشر؛ فلا يعتنىٰ بالأمطار العادية في أيّام السنة، و إن لم تكن نادرة ملحقة بالمعدوم. نعم إذا نسب السقي إلى الأمطار العادية بحيث استغني بها عن السقي بالدوالي يتبعه الحكم فيجب العشر، كما أنّه إذا صار السقي مشتركاً بين الأمطار العادية و الدوالي حكم بالنصف و النصف، فيجب العشر في نصفه و نصف العشر في نصفه الآخر.

(8) في هذه المسألة فروع ثلاثة:

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 292، الهامش 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 273

..........

______________________________

الأوّل: أنّه إذا أخرج شخص الماء بالدوالي على أرض مباحة عبثاً من غير قصد الزراعة أو بقصد الزراعة ثمّ

لم يزرع هو بل زرعه شخص آخر و كان الزرع يشرب بعروقه، فالأقوى عند المصنّف (رحمه اللّٰه) و السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين هو وجوب العشر، و قال جماعة منهم بالاحتياط في العشر.

و في «المستمسك»: «كأنّه لأجل أنّ المفهوم من النصوص كون المعيار في العشر و نصفه تكلّف السقي للزرع و عدمه» «1»؛ فعلى القول باعتبار تكلّف السقي على الزارع يكون الواجب العشر؛ لعدم تكلّف الزارع حينئذٍ.

و على القول بعدم اعتباره، الواجب نصف العشر فيصدق على الزرع الكذائي أنّه سقي بالدوالي فيجب فيه نصف العشر. و هذا القول مختار جماعة من فقهائنا؛ منهم صاحب رسالة «نجاة العباد» و كاشف الغطاء.

و لا يخفى: أنّ المستفاد من مثل قوله (عليه السّلام)

ما سقي بالدوالي ففيه نصف العشر

وجوب النصف في مطلق ما سقي بها أي و لو كان الساقي غير الزارع و لم يكن عليه تكلّف و هذا القول أقوى عندي.

و ممّا ذكرنا في هذا الفرع يعلم حكم الفرعين الآخرين: أحدهما أن يخرج شخص الماء بالدوالي لغرض من الأغراض غير زرع الحبّين ثمّ بدا له فزرع الحنطة أو الشعير مثلًا و شرب الزرع بعروقه. ثانيهما: أن يخرجه لزرع في قطعة من الأرض فزاد الماء و جرى في قطعة اخرى منها فبدا له أن يزرع في تلك أيضاً فزرع فيها زرعاً يشرب بعروقه.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 9: 151.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 275

[القول في أصناف المستحقّين للزكاة و مصارفها]

اشارة

القول في أصناف المستحقّين للزكاة و مصارفها و هي ثمانية:

[الأوّل و الثاني: الفقراء و المساكين]
اشارة

الأوّل و الثاني: الفقراء و المساكين، و الثاني أسوأ حالًا من الأوّل (1)، و هم الذين لا يملكون مئونة سنتهم اللائقة بحالهم لهم و لمن يقومون به لا فعلًا و لا قوّة،

______________________________

(1) حصر أصناف المستحقّين للزكاة في ثمانية إجماعي، كما في «المنتهي» و «التذكرة» و «الغنية» و غيرها، و عدّها المحقّق (رحمه اللّٰه) في «الشرائع» سبعة بعَدّ الفقراء و المساكين صنفاً واحداً. و يظهر من العلّامة (رحمه اللّٰه) أنّه إجماعي بين علماء الفريقين؛ قال في «التذكرة»: أصناف المستحقّين للزكاة ثمانية بإجماع العلماء، و في «المنتهي»: مستحقّ الزكاة ثمانية أصناف بالنصّ و الإجماع. إلى أن قال: و لا خلاف بين المسلمين في ذلك، انتهى.

و تدلّ على الحصر في الثمانية الآية الشريفة:

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 276

..........

______________________________

إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «1».

و مرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح (عليه السّلام) (في حديث طويل) قال

و الأرضون التي أُخذت عنوةً.

إلى أن قال

فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سُقي سيحاً، و نصف العشر ممّا سقي بالدوالي و النواضح، فأخذه الوالي فوجّهه في الجهة التي وجّهها اللّٰه على ثمانية أسهم: لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ ثمانية أسهم يقسّم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا

تقتير، فإن فضل من ذلك شي ء ردّ إلى الوالي. «2»

الخبر، و غيرها من الروايات المتضمّنة للآية المزبورة.

ثمّ إنّه اختلف في الفرق بين الفقير و المسكين؛ ففي «مجمع البيان» في تفسير الآية قال: و اختلف في الفرق بين الفقير و المسكين على قولين: أحدهما أنّهما صنف واحد و إنّما ذكر الصنفان تأكيداً للأمر؛ و هو قول أبي علي الجبائي، و إليه ذهب أبو يوسف و محمّد؛ فقالا فيمن قال: ثلث مالي للفقراء و المساكين و فلان: إنّ لفلان نصف الثلث و نصفه الآخر للفقراء و المساكين؛ لأنّهما صنف واحد. و الآخر و هو قول الأكثرين أنّهما صنفان و هو قول الشافعي و أبي حنيفة فإنّه قال في المسألة المذكورة: إنّ لفلان ثلث الثلث و ثلثي الثلث للفقراء و المساكين.

ثمّ اختلف هؤلاء على أقوال؛ فقيل: إنّ الفقير هو المتعفّف الذي لا يسأل، و المسكين: الذي يسأل، عن ابن عبّاس و الحسن و الزهري و مجاهد ذهبوا إلى أنّ المسكين مشتقّ من المسكنة بالمسألة، و روى ذلك عن أبي جعفر (عليه السّلام). و قيل: إنّ

______________________________

(1) التوبة (9): 60.

(2) وسائل الشيعة 9: 266، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 28، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 277

..........

______________________________

الفقير: الذي يسأل، و المسكين: الذي لا يسأل. و جاء في الحديث ما يدلّ على ذلك؛ فقد روي عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّه قال

ليس المسكين الذي يردّه الأكلة و الأكلتان و التمرة و التمرتان، و لكن المسكين الذي لا يجد غنياً فيغنيه و لا يسأل الناس شيئاً و لا يفطن به فيتصدّق عليه.

و قيل: الفقير: هو الزمن المحتاج، و المسكين: هو الصحيح

المحتاج، عن قتادة. و قيل: الفقراء: المهاجرون، و المساكين: غير المهاجرين، عن الضحّاك و إبراهيم.

ثمّ اختلفوا من وجه آخر؛ فقيل: إنّ الفقير أسوأ حالًا من المسكين فإنّ الفقير هو الذي لا شي ء له و المسكين الذي له بلغة من العيش لا تكفيه، و إليه ذهب الشافعي و ابن الأنباري، و احتجّا بقوله تعالىٰ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكٰانَتْ لِمَسٰاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ «1»، و بأنّ الفقير مشتقّ من فقار الظهر فكأنّ الحاجة قد كسرت فقار ظهره. و قيل: إنّ المسكين أسوأ حالًا من الفقير الذي له بلغة من العيش، و المسكين الذي لا شي ء له، و هو قول أبي حنيفة و القتيبي و ابن دريد و أئمّة اللغة «2»، انتهى.

إذا عرفت هذا فاعلم: أنّ الفقير و المسكين ليسا مترادفين و لا متباينين، بل هما متغايران و من قبيل العامّ و الخاصّ المطلقين.

و يظهر من الشيخ (رحمه اللّٰه) في «النهاية»: أنّ المسكين أسوأ حالًا من الفقير، و في «الخلاف» و «المبسوط» و «الجمل»: إنّ الفقير أسوأ حالًا؛ قال في «النهاية»: الفقير هو الذي له بلغة من العيش، و المسكين: الذي لا شي ء معه. و قال في «الخلاف»: الفقير أسوأ حالًا من المسكين؛ لأنّ الفقير هو الذي لا شي ء له، أو معه شي ء يسير

______________________________

(1) الكهف (18): 79.

(2) مجمع البيان 5: 64.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 278

..........

______________________________

لا يعتدّ به، و المسكين: الذي له شي ء فوق ذلك «1» و كذا قال في «المبسوط» و «الجمل». و في «المسالك»: اعلم أنّ الفقراء و المساكين متى ذكر أحدهما دخل فيه الآخر بغير خلاف، نصّ على ذلك جماعة؛ منهم الشيخ و العلّامة كما في آية الكفّارة فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ

فَإِطْعٰامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً «2» المخصوصة بالمسكين فيدخل فيه الفقير، و إنّما الخلاف فيما لو جمعا كما في آية الزكاة لا غير.

و الأصحّ: أنّهما حينئذٍ متغايران لنصّ أهل اللغة و صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ، قال

الفقير الذي لا يسأل الناس، و المسكين أجهد منه، و البائس أجهدهم.

«3» الحديث. و لا ثمرة مهمّة في تحقيق ذلك؛ للاتّفاق على استحقاقهما من الزكاة حيث ذكرا، و دخول أحدهما تحت الآخر حيث يذكر أحدهما. و إنّما تظهر الفائدة نادراً فيما لو نذر أو وقف أو أوصىٰ لأسوئهما حالًا فإنّ الآخر لا يدخل فيه، بخلاف العكس «4»، انتهى.

و في «المدارك»: أنّ المتّجه بعد ثبوت التغاير عدم دخول أحدهما في إطلاق لفظ الآخر إلّا بقرينة، انتهى. و في «الجواهر»: و كيف كان فلا ريب في أنّ الأقوى كون المسكين أسوأ حالًا من الفقير مع الاجتماع، انتهى. و به قال السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» و المحشّون لها و المصنّف (رحمه اللّٰه) و هو المشهور المختار.

ثمّ إنّه استدلّ القائلون بكون المسكين أسوأ حالًا بقوله تعالىٰ:

______________________________

(1) الخلاف 4: 229/ مسألة 10.

(2) المجادلة (58): 4.

(3) وسائل الشيعة 9: 210، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 1، الحديث 3.

(4) مسالك الأفهام 1: 409.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 279

..........

______________________________

أَوْ مِسْكِيناً ذٰا مَتْرَبَةٍ «1»، و في «مجمع البيان» في تفسير الآية: أي فقيراً قد لصق بالتراب من شدّة فقره و ضرّه «2». و بأنّ الفقير يؤكّد بالمسكين فيقال: فقير مسكين، و بقول يونس: قلت لأعرابي: أ فقيرٌ أنت؟ قال: لا و اللّٰهِ بل مسكين.

و استدلّ القائلون بكون

الفقير أسوأ حالًا بأنّ القرآن أطلق المساكين على من كان لهم مال بقوله عزّ من قائل أَمَّا السَّفِينَةُ فَكٰانَتْ لِمَسٰاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ حيث إنّ المساكين كانوا مالكين للسفينة، و بأنّ الفقير مشتقّ من فقار الظهر، فكأنّ الحاجة كسّرت فقار ظهره.

و لا يخفى: أنّ استدلال الطرفين بالوجوه المزبورة لا يخلو من إشكال، و القول بأنّ المسكين أسوأ حالًا من الفقير هو المشهور. و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) أنّه سأله عن الفقير و المسكين، فقال

الفقير: الذي لا يسأل، و المسكين: الذي هو أجهد منه الذي يسأل «3».

و صحيح أبي بصير المتقدّم حيث فسّر (عليه السّلام) المسكين بأنّه أجهد من الفقير، و هو الذي يسأل، و قد فسّر في كلام كثير من أهل اللغة أنّ المسكين من لا شي ء له، و أنّه أخصّ حالًا من الفقير، و أنّه أذلّه الفقر. و فسّر الفقير بأنّه من يجد القوت، و أنّه من له بلغة من العيش.

و المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه» بعد اختياره أنّ المشهور نصّاً و فتوى هو كون المسكين أسوأ حالًا، و استدلاله له بالأخبار قال: و لا يخفى عليك أنّ المقصود بمثل هذه الأخبار و كذا في كلمات الأصحاب المصرّحين بأنّ المسكين أسوأ حالًا من الفقير بيان المائز بين اللفظين بأخصّية المسكين من الفقير الموجبة

______________________________

(1) البلد (90): 16.

(2) مجمع البيان 10: 751.

(3) وسائل الشيعة 9: 210، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 1، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 280

فمن كان ذا اكتساب يمون به نفسه و عياله علىٰ وجه يليق بحاله، ليس من الفقراء و المساكين، و لا تحلّ له الزكاة (2)،

______________________________

لإرادة مورد

الافتراق من الأخير لدى اجتماعه مع الأوّل في اللفظ؛ و لذا قالوا: إذا اجتمعا افترقا، و إلّا فمن الواضح عدم صحّة سلب اسم الفقير عمّن لا يملك شيئاً أصلًا و التجأ إلى تحمّل ذلّ السؤال «1»، انتهى. و حاصله: أنّ الفقير و المسكين إذا اجتمعا افترقا و إذا افترقا اجتمعا.

(2) يعني أنّ الفقير شرعاً هو من لا يملك المئونة اللائقة بالحال له و لمن في عيلولته في سنته، و يقابله الغني الشرعي تقابل العدم و الملكة؛ و هو من يقدر على مئونة نفسه و من في عيلولته سنة. فالغِنى أمر وجودي؛ و هو ملك مئونة السنة له و لعياله و الفقر عدمه، و هذا التعريف هو المشهور بين أصحابنا و أنّ عليه عامّة المتأخّرين.

و قيل: إنّ الفقير من لا يملك أحد النصب الزكوية، و نسب هذا القول إلى المفيد و الشيخ و السيّد، و لكن النسبة غير متحقّقة. و في «مفتاح الكرامة»: نظرتُ الخلاف مرّة بعد اولى و كرّة بعد اخرى فلم أجد فيه تصريحاً بشي ء من النقلين، إلّا قوله في باب الفطرة: تجب زكاة الفطرة على من ملك نصاباً تجب فيه الزكاة أو قيمة نصاب، و به قال أبو حنيفة و أصحابه «2»، انتهى.

و قال في «المبسوط»: و الغنى الذي يحرم معه أخذ الصدقة أن يكون قادراً على كفايته و كفاية من يلزم كفايته على الدوام، فإن كان مكتفياً بصنعة و كانت

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 480.

(2) مفتاح الكرامة، الزكاة 3: 132/ السطر 15.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 281

..........

______________________________

صنعته تردّ عليه كفايته و كفاية من تلزمه نفقته حرمت عليه، و إن كانت لا تردّ عليه حلّ له ذلك، و

هكذا حكم العقار. و إن كان من أهل الصنائع احتاج أن يكون معه بضاعة تردّ عليه قدر كفايته، فإن نقصت عن ذلك حلّت له الصدقة. و يختلف ذلك على حسب اختلاف حاله؛ حتّى إن كان الرجل بزّازاً أو جوهرياً يحتاج إلى بضاعة قدرها ألف دينار أو ألفي دينار فنقص عن ذلك قليلًا حلّ له أخذ الصدقة، هذا عند الشافعي.

و الذي رواه أصحابنا أنّه تحلّ لصاحب السبعمائة و تحرم على صاحب الخمسين، و ذلك على قدر حاجته إلى ما يتعيّش به، و لم يرووا أكثر من ذلك. و في أصحابنا من قال: إن ملك نصاباً تجب عليه فيه الزكاة كان غنياً و تحرم عليه الصدقة، و ذلك قول أبي حنيفة «1»، انتهى.

و يدلّ على قول المشهور صحيح أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره، قلت: فإنّ صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟ قال: زكاته صدقة على عياله، و لا يأخذها إلّا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفدها في أقلّ من سنة فهذا يأخذها، و لا تحلّ الزكاة لمن كان محترفاً و عنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة «2».

و رواية علي بن إسماعيل الدغشي قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن السائل و عنده قوت يوم؛ أ يحلّ له أن يسأل و إن اعطي شيئاً من قبل أن يسأل يحلّ له أن يقبله؟ قال

يأخذ و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزكاة؛ لأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة «3»

، و في سند الرواية علي بن إسماعيل الدغشي و هو مجهول الحال،

______________________________

(1) المبسوط 1: 256 257.

(2) وسائل الشيعة 9: 231، كتاب الزكاة،

أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 8، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 233، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 8، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 282

و كذا صاحب الصنعة و الضيعة و غيرهما ممّا يحصل به مئونته (3).

______________________________

نعم روى عنه صفوان بن يحيى من أصحاب الإجماع.

و مرسلة المفيد في «المقنعة» عن يونس بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة، و يجب الفطرة على من عنده قوت السنة، و هي سنّة مؤكّدة على من قبل الزكاة لفقره، و فضيلة لمن قبل الفطرة لمسكنته، دون السنّة المؤكّدة و الفريضة «1».

و مرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح في حديث طويل قال

يقسّم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير.

إلى أن قال

و لكن يقسّمها على قدر من يحضره من أصناف الثمانية على قدر ما يقيم (يغني) كلّ صنف منهم بقدر سنته.

الخبر «2».

(3) و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

إنّ الصدقة لا تحلّ لمحترف و لا لذي مِرّة سَويٍّ قويٍّ؛ فتنزّهوا عنها «3».

و صحيح معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «يروون عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): أنّ الصدقة لا تحلّ لغني و لا لذي مرّة سويّ»، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لا تصلح لغني «4».

و صحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم):

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 234، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 8، الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة 9: 266، كتاب الزكاة،

أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 28، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 9: 231، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 8، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 9: 231، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 8، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 283

و لو كان قادراً على الاكتساب لكن لم يفعل تكاسلًا، فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عن أخذها و إعطائها إيّاه، بل عدم الجواز لا يخلو من قوّة (4).

______________________________

لا تحلّ الصدقة لغني و لا لذي مِرّة سويّ و لا لمحترف و لا لقويّ

، قلنا: ما معنى هذا؟ قال

لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها «1».

بقي الكلام فيما رواه الصدوق (رحمه اللّٰه) في «الفقيه» أنّه قيل للصادق (عليه السّلام): إنّ الناس يروون عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّه قال

إنّ الصدقة لا تحلّ لغني و لا لذي مِرّة سَويّ

، فقال

قد قال: لغني و لم يقل: لذي مِرّة سَويّ «2».

و قال في «الوسائل»: هذا محمول على أنّه لم يقل ذلك مطلقاً بل مقيّداً بكونه يقدر أن يكفّ نفسه عنها. و يحتمل أن يكون قال هذا الكلام مرّتين: مرّةً خالياً عن هذه الزيادة و مرّةً مشتملًا عليها. و يحتمل حمل الزيادة على التقية في الرواية و إن كان مضمونها حقّا؛ لما مرّ «3»، انتهى.

و في «المستمسك»: و إن كان من المحتمل أيضاً أن يكون الوجه في الاقتصار عليه أمراً آخر كما قيل، مثل عدم الاحتياج إليه لدخوله في الغني «4».

(4) اختلف فقهاؤنا في جواز أخذ الزكاة للقادر على الاكتساب و لكن لم يفعل تكاسلًا، و عدمه؛ فقال جماعة بالجواز كالشيخ في «النهاية» على ما نسب إليه

و العلّامة في «التحرير» و الشهيد في «الدروس» و «البيان»، و نسب إلى المشهور عدم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 233، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 8، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 9: 232، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 8، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 9: 233، ذيل الحديث 9.

(4) مستمسك العروة الوثقى 9: 219.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 284

..........

______________________________

الجواز؛ منهم المفيد في «المقنعة» و ابنا زهرة و إدريس في «الغنية» و «السرائر»، و لا بأس بنقل عبارة بعضهم:

قال الشيخ في «النهاية»: و لا يجوز أن تعطى الزكاة لمحترف يقدر على الاكتساب ما يقوم بأوده و أوَد عياله الأود بفتحتين الكدّ و التعب فإن كانت حرفته لا تقوم به جاز له أن يأخذ ما يتّسع به على أهله «1»، انتهى.

أقول: نسبة الجواز إلى الشيخ مبني على أنّ مراده من «المحترف» هو المشتغل فعلًا، و لكن يحتمل أن يكون مراده مَن في قوّته الاحتراف، بقرينة قوله: «يقدر على الاكتساب»، تأمّل دقيقاً.

و قال في «المقنعة»: و لا تجوز الزكاة في اختصاص الصنفين إلّا لمن حصلت له حقيقة الوصفين؛ و هو أن يكون مفتقراً إليها بزمانة تمنعه من الاكتساب أو عدم معيشة تغنيه عنها، فيلتجئ إليها للحاجة و الاضطرار «2»، انتهى.

و الوجه في احتياط المصنّف و كلّ من لم يفت بالمنع هو أنّ صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم). «3»

إلى آخره، و إن كان ظاهره المنع إلّا أنّ صحيحه الآخر عنه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول. إلى أن قال

فتنزّهوا عنها «4»

ظاهر في الجواز، و كذلك صحيح معاوية بن وهب المتقدّمة قلت لأبي

عبد اللّٰه (عليه السّلام). إلى أن قال

لا تصلح لغني «5»

؛ فالممنوع عن الزكاة هو الغني،

______________________________

(1) النهاية: 187.

(2) المقنعة: 241.

(3) وسائل الشيعة 9: 233، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 8، الحديث 8.

(4) وسائل الشيعة 9: 231، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 8، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 9: 231، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 8، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 285

..........

______________________________

و لا يصدق على من لا يملك شيئاً أنّه غني. و مع ذلك فالاحتياط عدم أخذه و عدم الإعطاء له.

و استدلّ للجواز بأُمور نذكر عمدتها:

منها: السيرة المستمرّة في جميع الأعصار و الأمصار على إعطاء الزكاة للأقوياء القابلين للاكتساب و لكن لم يكن لهم اكتساب فعلًا. و فيه: أنّ السيرة غير ثابتة، و من الواضح أنّ من يتعب نفسه و أهله في تحصيل المال الزكوي لا يعطي زكاته لمن له قوّة بدنية يمكن له تحصيل المعيشة و لكنّه لا يعمل لبطالته و تكاسله. نعم المتديّنون يعطون زكاتهم لمن كان قادراً على العمل قبلًا و لم يعمل تكاسلًا حتّى صار عاجزاً عن الاكتساب فعلًا.

و منها: أنّ الممنوع عن الزكاة هو الغني المقابل للفقير؛ فمن ليس له اشتغال فعلًا ليس غنياً. و فيه: أنّ من يقدر على الاكتساب لا يصدق عليه أنّه فقير، بل العرف يحكم بأنّه غني و أنّه يملك قوت سنته بالقوّة.

و منها: أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) اقتصر في عدم حلّية الزكاة على الغني كما في مرسلة الصدوق المتقدّمة؛ فلا يصدق الغني على من ليس له اشتغال فعلًا و لو لتكاسلٍ. و فيه: أنّ المرسلة مع إرسالها فيها احتمالات أشرنا إليها؛ فلا تصلح

للاعتماد عليها.

و منها: أنّ ما دلّ على جواز أخذ الزكاة لمن لا يملك قوت سنته مطلق شامل لمن يقدر على التكسّب و لكن لم يشتغل فعلًا و لو لتكاسل. و فيه: أنّ إطلاق الأدلّة مقيّد بما دلّ على التقييد بعدم القدرة على التكسّب، كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): لا تحلّ الصدقة لغنيّ و لا لذي مِرّة سَويّ و لا لمحترف و لا لقويّ

قلنا: ما معنى هذا؟ قال

لا يحلّ له أن يأخذها و هو

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 286

[ (مسألة 1): مبدأ السنة التي تدور صفتا الفقر و الغنىٰ مدار مالكيّة مئونتها و عدمها هو زمان إعطاء الزكاة]

(مسألة 1): مبدأ السنة التي تدور صفتا الفقر و الغنىٰ مدار مالكيّة مئونتها و عدمها هو زمان إعطاء الزكاة، فيلاحظ كفايته و عدمها في ذلك الزمان، فكلّ زمان كان مالكاً لمقدار كفاية سنته كان غنيّاً، فإذا نقص عن ذلك بعد صرف بعضه يصير فقيراً (5).

______________________________

يقدر على أن يكفّ نفسه عنها «1».

و قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه): الأقوى في النظر الجواز مطلقاً، و إن كان الأولى له التنزّه عنها إذا لم يكن مشغولًا بطلب العلم على وجه لا يمكنه الاجتماع مع الكسب. إلى أن قال: يصدق اسم الفقير عليه بمجرّد عدم ملكه لما يمون نفسه و عياله سنة، و عدم تلبّسه بما يقوم بذلك، و لا تكفي القدرة عليه إذا لم يكن متلبّساً به عازماً عليه «2»، انتهى.

و الأقوى عدم جواز أخذ القادر على الاكتساب و لكن لم يشتغل للتكاسل؛ للصحيحة المزبورة و غيرها من روايات الباب التي تدلّ بإطلاقها على حرمة أخذ الزكاة لمن يقدر على التكسّب فعلًا أو قوّة؛ فمن لا يملك فعلًا شيئاً و لكن

يقدر على التكسّب و لم يشتغل للتكاسل فهو في حكم الغني و إن لم يكن غنياً حقيقة، فالعرف لا يراه فقيراً مستحقّاً للزكاة.

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، در يك جلد، ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس؛ ص: 286

(5) قد ذكرنا في تعريف الفقير و الغني: أنّ الفقير من لا يملك مئونة نفسه و عياله سنة، و الغني من يملكها فيها. و يقع الكلام هنا في أنّ مبدء السنة أيّ زمان هو؟ فلقائل أن يقول: إنّ مبدأها حين حصول المحصولات باختلاف الأمكنة من

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 233، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 8، الحديث 8.

(2) جواهر الكلام 15: 314 315.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 287

..........

______________________________

حيث حرارة الهواء و برودته؛ فربّ مكان تحصل غلّاته في أوائل فصل الربيع، و في آخر تحصل في أواخر الصيف؛ فمن يملك مئونة سنته في زمان ادّخار القوت فهو غني و من لا يملكها فهو الفقير.

و يمكن الاستشهاد لهذا من صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي القرشي اللهبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث أنّه قال لعمرو بن عبيد في احتجاجه عليه: «ما تقول في الصدقة؟» فقرأ عليه الآية إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا. «1» إلى آخر الآية، قال

نعم، فكيف تقسّمها؟

، قال: اقسّمها على ثمانية أجزاء فاعطي كلّ جزء من الثمانية جزءً، قال

و إن كان صنف منهم عشرة آلاف و صنف منهم رجلًا واحداً أو رجلين أو ثلاثة جعلت لهذا الواحد ما جعلت للعشرة آلاف؟

قال: نعم، قال

و تجمع صدقات أهل الحضر و أهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟

قال:

نعم، قال

فقد خالفت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في كلّ ما قلت في سيرته، كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر، و لا يقسّمها (يقسّمه) بينهم بالسوية و إنّما يقسّمها (يقسّمه) على قدر ما يحضرها (يحضره) منهم و ما يرى، (و) ليس عليه في ذلك شي ء موقّت موظّف، و إنّما يصنع ذلك بما يرى على قدر من يحضرها منهم «2».

و نحوها مرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح (عليه السّلام) في حديث طويل. إلى أن قال

و كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يقسّم صدقات البوادي في البوادي و صدقات أهل الحضر في أهل الحضر «3».

وجه الاستشهاد: أنّ تقسيم

______________________________

(1) التوبة (9): 60.

(2) وسائل الشيعة 9: 265، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 28، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 266، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 28، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 288

[ (مسألة 2): لو كان له رأس مال يكفي لمئونة سنته لكن لم يكفه ربحه]

(مسألة 2): لو كان له رأس مال يكفي لمئونة سنته لكن لم يكفه ربحه، أو ضيعة تقوم قيمتها بمئونة سنة أو سنوات لكن لا تكفيه عوائدها، لا يكون غنياً، فيجوز له أن يبقيها و يأخذ من الزكاة بقيّة المئونة (6).

______________________________

الصدقة على أهل البوادي و أهل الحضر كان في زمان جمعها و هو زمان حصول المحصولات.

و لك أن تستدلّ عليه بموثّقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال

نعم، إلّا أن تكون داره دار غلّة فخرج له من غلّتها

دراهم ما يكفيه لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة، فإن كانت غلّتها تكفيهم فلا «1».

وجه الاستدلال: أنّ الزمان الذي يلاحظ فيه كفاية غلّة داره لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و سائر حوائجهم هو زمان حصول الغلّة، و لعلّ ذلك الزمان هو زمان إعطاء الزكاة للفقراء، فيلاحظ فيه كفاية ما يملكه لمئونة نفسه و عياله طول سنته و عدم كفايته فيها، هذا. و لكن تحديد أوّل السنة بزمان حصول المحصولات إنّما هو في الغلّات الأربع، و أمّا في غيرها من الأموال الزكوية فابتداء السنة فيها زمان إعطاء الزكاة؛ فيلاحظ حين دفع الزكاة من الأنعام و النقدين إلى الفقراء أنّهم يملكون مئونة سنتهم، أم لا.

(6) لمّا عرّف الغني الشرعي بمن يملك مئونة نفسه و عياله سنة فلو توهّم أنّ من كان له رأس مال لا يكفي ربحه مئونة نفسه و عياله سنة و لكنّه لو صرف نفس رأس ماله في معيشته لكفاه طول السنة فلا تحلّ له الزكاة، فكذلك من كان ضيعته

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 235، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 9، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 289

..........

______________________________

لا يكفي حاصلها مئونة سنته و لكن تقوم قيمتها بمئونة سنته، و كذا من كانت له صنعة تقوم آلاتها بمئونته، فهؤلاء أغنياء لا تحلّ لهم الزكاة، نقول: لا مجال لهذا التوهّم، و لا يجب على مالك رأس المال و الضيعة و الصنعة بيعها و صرف ثمنها في المئونة، و يجوز له أن يبقيها و يأخذ من الزكاة مئونته.

و يدلّ على جواز أخذ الزكاة لمن كان له رأس مال و لم يكف

لمئونته صحيح أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل له ثمانمائة درهم و هو رجل خفاف و له عيال كثير، إله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال

يا أبا محمّد أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل؟

قال: نعم، قال

كم يفضل؟

قال: لا أدري، قال

إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة، و إن كان أقلّ من نصف القوت أخذ الزكاة

، قال: قلت: فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال

بلى

قال: قلت: كيف يصنع؟ قال

يوسّع بها على عياله في طعامهم و كسوتهم و يبقي منها شيئاً يناوله غيرهم، و ما أخذ من الزكاة فضّه على عياله حتّى يلحقهم بالناس «1».

و صحيح معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم و له عيال و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها، أ يكب فيأكلها و لا يأخذ الزكاة، أو يأخذ الزكاة؟ قال

لا، بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله، و يأخذ البقية من الزكاة و يتصرّف بهذه لا ينفقها «2».

و موثّق هارون بن حمزة الغنوي الكوفي الصيرفي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) يروى عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّه قال

لا تحلّ الصدقة لغني و لا لذي مِرّة سَويّ

، فقال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 232، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 8، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 238، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 12، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 290

..........

______________________________

لا تصلح لغني

، قال: فقلت له: الرجل يكون له ثلاثمائة

درهم في بضاعة و له عيال، فإن أقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها، قال

فلينظر ما يستفضل منها فليأكله هو و من يسعه ذلك، و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله «1».

و يدلّ على جواز أخذها لمن تكفيه قيمة ضيعته موثّق سماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال

نعم، إلّا أن تكون داره دار غلّة فخرج له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله، فإن لم يكن الغلّة تكفيه لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة، فإن كانت غلّتها تكفيهم فلا «2».

و يدلّ على جواز أخذها لصاحب صنعة تقوم آلاتها بمئونته خبر إسماعيل بن عبد العزيز الأموي عن أبيه قال: دخلت أنا و أبو بصير على أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقال له أبو بصير: إنّ لنا صديقاً. إلى أن قال: و له دار تسوي أربعة آلاف درهم، و له جارية و له غلام يستقي على الجمل كلّ يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل، و له عيال، إله أن يأخذ من الزكاة؟ قال

نعم

، قال: و له هذه العروض؟ فقال

يا أبا محمّد فتأمرني أن آمره ببيع داره و هي عزّه و مسقط رأسه أو ببيع خادمه الذي يقيه الحرّ و البرد و يصون وجهه و وجه عياله؟! أو آمره أن يبيع غلامه و جمله و هو معيشته و قوته؟! بل يأخذ الزكاة فهي له حلال و لا يبيع داره و لا غلامه و لا جمله «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 239، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 12، الحديث 4.

(2)

وسائل الشيعة 9: 235، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 9، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 236، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 9، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 291

[ (مسألة 3): الأحوط عدم إعطاء الفقير أزيد من مئونة سنته]

(مسألة 3): الأحوط عدم إعطاء الفقير أزيد من مئونة سنته، كما أنّ الأحوط للفقير عدم أخذه، و أنّ الأحوط أيضاً في المكتسب الذي لا يفي كسبه، و صاحب الضيعة التي لا يفي حاصلها، و التاجر الذي لا يكفي ربحه بمئونته، الاقتصار على التتمّة أخذاً و إعطاءً (7).

______________________________

(7) اعلم: أنّ في تحديد أكثر ما يعطى الفقير خلاف بين أصحابنا؛ فالمشهور عندهم شهرة عظيمة كادت أن يكون إجماعاً كما ادّعاه في «المنتهي» أنّه لا حدّ له بل يجوز أن يعطى الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته مطلقاً دفعةً بحيث يصدق عليه الغني العرفي.

و عن «السرائر»: أنّه ليس لأكثر ما يعطى الفقير حدّ محدود، بل إذا أعطاه دفعة واحدة فجائز له ما أراد، و لو كان ألف قنطار «1».

و في «المنتهي»: يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه و ما يزيد على غناه، و هو قول علمائنا أجمع «2».

و اختار جماعة عدم جواز إعطاء الزائد عن مئونة السنة مطلقاً.

و فصّل ثالث بين المكتسب و غيره بجواز الإعطاء فوق حدّ الغنىٰ لغير المكتسب و إعطاء تتمّة المئونة للمكتسب، اختار هذا القول الشهيد في «البيان»، قال (رحمه اللّٰه): و يأخذ الفقير و المسكين غناهما دفعةً و ذو التكسّب القاصر على خلاف، و قيل: يأخذ التتمّة و هو حسن، و ما ورد في الحديث من الإغناء بالصدقة محمول على غير المتكسب «3».

______________________________

(1) السرائر 1: 464.

(2) منتهى المطلب 1: 528/ السطر 34.

(3) البيان: 311.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة

و الخمس، ص: 292

..........

______________________________

و استدلّ للقول المشهور مضافاً إلى الشهرة العظيمة المدّعاة في كلام جماعة و إجماع «المنتهي» بصحيحة سعيد بن غزوان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

تعطيه من الزكاة حتّى تغنيه «1».

و موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام) قال: قلت له: اعطي الرجل من الزكاة ثمانين درهماً؟ قال

نعم و زده

، قلت: أُعطيه مائة؟ قال

نعم و أغنه إن قدرتَ أن تغنيه «2».

و موثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه سئل كم يعطى الرجل من الزكاة؟ قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام)

إذا أعطيته فأغنه «3».

و صحيحة اخرى لسعيد بن غزوان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة؟ قال

أعطه من الزكاة حتّى تغنيه «4».

و رواية أُخرى لإسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): اعطي الرجل من الزكاة مائة درهم؟ قال

نعم

، قلت: مائتين؟ قال

نعم

، قلت: ثلاثمائة؟ قال

نعم

، قلت: أربعمائة؟ قال

نعم

، قلت: خمسمائة؟ قال

نعم حتّى تغنيه «5».

و مرسلة بشر بن بشّار قال: قلت للرجل يعني أبا الحسن (عليه السّلام) ما حدّ المؤمن الذي يعطى الزكاة؟ قال

يعطى المؤمن ثلاثة آلاف

، ثمّ قال

أو عشرة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 258، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 24، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 259، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 24، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 9: 259، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 24، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 9: 259، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 24، الحديث 5.

(5) وسائل الشيعة 9: 260، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 24، الحديث 7.

مدارك تحرير

الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 293

..........

______________________________

آلاف، و يعطى الفاجر بقدر؛ لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة اللّٰه و الفاجر في معصية اللّٰه «1»

، و الظاهر أنّ عشرة آلاف درهم أزيد من مئونة السنة.

و مرسلة المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال

إذا أعطيت الفقير فأغنه «2».

و وجه الاستدلال بالروايات المذكورة: أنّ إطلاق الغنىّ في أكثرها يشمل الغني الشرعي و العرفي؛ أي من يملك مئونة السنة أو أزيد؛ سواء كانت مئونة غير المكتسب أو تتمّة للمئونة.

و يمكن أن يستدلّ أيضاً بموثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا أخذ الرجل الزكاة فهي كماله يصنع بها ما يشاء

قال: و قال

إنّ اللّٰه فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون بأدائها؛ و هي الزكاة، فإذا هي وصلت إلى الفقير فهي بمنزلة ماله يصنع بها ما يشاء

، فقلت: يتزوّج بها و يحجّ منها؟ قال

نعم هي ماله

، قلت: فهل يوجر الفقير إذا حجّ من الزكاة كما يؤجر الغني صاحب المال؟ قال

نعم «3».

و صحيحة أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ شيخاً من أصحابنا يقال له عمر، سأل عيسى بن أعين و هو محتاج، فقال له عيسى ابن أعين: أما إنّ عندي من الزكاة، و لكن لا أُعطيك منها، فقال له: و لِمَ؟ فقال: لأنّي رأيتك اشتريت لحماً و تمراً، فقال: إنّما ربحت درهماً فاشتريت بدانقين لحماً و بدانقين تمراً ثمّ رجعت بدانقين لحاجة، قال: فوضع أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) يده على جبهته ساعة ثمّ رفع رأسه ثمّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 260، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 24، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 9: 261،

كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 24، الحديث 11.

(3) وسائل الشيعة 9: 289، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 41، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 294

..........

______________________________

قال

إنّ اللّٰه عزّ و جلّ نظر في أموال الأغنياء ثمّ نظر في الفقراء فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو لم يكفهم لزادهم، بلىٰ فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوّج و يتصدّق و يحجّ «1».

و رواية الحكم بن عتيبة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يعطي الرجل من زكاة ماله يحجّ بها؟ قال

مال الزكاة يحجّ به

، فقلت له: إنّه رجل مسلم أعطى رجلًا مسلماً، فقال

إن كان محتاجاً فليعطه لحاجته و فقره و لا يقل له: حجّ بها، يصنع بها بعده ما يشاء «2».

و الحكم بن عتيبة (عيينة) حكي عن علي بن الحسن بن فضّال أنّه قال: كان الحكم من فقهاء العامّة و كان أُستاذ زرارة و حمران و الطيّار قبل أن يروا هذا الأمر، و قيل: إنّه كان مرجئاً، و كيف كان: فهو ممّن أضلّوا كثيراً ممّن ضلّ من هؤلاء و انّهم ممّن قال اللّٰه تعالىٰ وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ مٰا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ «3».

وجه الاستدلال بهذه الأخبار: أنّ تصدّق الفقير من الزكاة التي أخذها و حجّه بها و تصرّفه فيها كيف يشاء، زائد على مئونة سنته، إلّا أن يقال: إنّ التصرّفات المذكورة من الفقير الآخذ للزكاة تعدّ من المئونة عرفاً.

و قد يجاب بأنّ غاية ما تدلّ عليه الروايات المذكورة هو جواز إعطاء الزكاة للفقراء حدّ غناهم، و من المحتمل أن يكون الغنى بمعناها الشرعي، و حينئذٍ فمقتضى الاحتياط

عدم جواز الإعطاء أزيد من مئونة سنته، لكن المشهور أفتوا بالجواز، و سيأتي.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 289، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 41، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 290، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 41، الحديث 3.

(3) البقرة (2): 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 295

..........

______________________________

و استدلّ للقول بعدم جواز الإعطاء للفقراء أزيد من مئونة السنة برواية علي بن إسماعيل الدغشي قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) قال

يأخذ و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزكاة؛ لأنّها إنّما هي من سنة إلى سنة «1».

و صحيحة معاوية بن وهب المتقدّمة حيث إنّه اكتفي فيها بأخذ تتمّة القوت من الزكاة «2».

و موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قد تحلّ الزكاة لصاحب السبعمائة، و تحرم لصاحب الخمسين درهماً

، فقلت له: و كيف يكون هذا؟ قال

إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسّمها بينهم لم تكفه فليعف عنها نفسه و ليأخذها لعياله، و أمّا صاحب الخمسين فإنّه يحرم عليه إذا كان وحده و هو محترف يعمل بها و هو يصيب منها ما يكفيه إن شاء اللّٰه «3»

، وجه الاستدلال: أنّه يجوز لهم الأخذ بقدر الكفاية فقط.

و موثّقة هارون بن حمزة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) يروى عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّه قال

لا تحلّ الصدقة لغني و لا لذي مِرّة سَويّ

، فقال

لا تصلح لغني

، قال: فقلت له: الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة و له عيال، فإن أقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها، قال

فلينظر ما يفضل منها فليأكله هو و من يسعه ذلك و ليأخذ

لمن لم يسعه من عياله «11».

و مرسلة عبد الرحمن بن الحجّاج عمّن سمعه و قد سمّاه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 233، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 8، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 9: 238، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 12، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 239، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 12، الحديث 2.

(11) وسائل الشيعة 9: 239، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 12، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 296

..........

______________________________

قال: سألته عن الزكاة ما يأخذ منها الرجل، و قلت له: إنّه بلغنا أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال

أيّما رجل ترك دينارين فهما كيّ بين عينيه

، قال: فقال

أُولئك قوم كانوا أضيافاً على رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فإذا أمسى قال: يا فلان اذهب فعشّ هذا، و إذا أصبح قال: يا فلان اذهب فغدّ هذا، فلم يكونوا يخافون أن يصبحوا بغير غداء و لا بغير عشاء، فجمع الرجل منهم دينارين فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فيه هذه المقالة، فإنّ الناس إنّما يعطون من السنة إلى السنة، فللرجل أن يأخذ ما يكفيه و يكفي عياله من السنة إلى السنة «1».

و مرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح (عليه السّلام) في حديث طويل قال

يقسّم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير.

إلى أن قال (عليه السّلام)

و لكن يقسّمها على قدر من يحضره من أصناف الثمانية على قدر ما يقيم (يغني) كلّ صنف منهم بقدر سنته، ليس في ذلك شي ء موقوت و لا مسمّى

و لا مؤلّف، إنّما يصنع ذلك على قدر ما يرى و ما يحضره حتّى يسدّ كلّ فاقة كلّ قوم منهم، و إن فضل من ذلك فضل عرضوا المال جملة إلى غيرهم «2».

و قد يستدلّ أيضاً بالأخبار الدالّة على أنّ اللّٰه جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يسعهم، و لو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم، كما في صحيحة زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

إنّ اللّٰه فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم، و لو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم، إنّهم لم يؤتوا من قبل فريضة اللّٰه عزّ و جلّ و لكن أُوتوا من منع من منعهم لا ممّا فرض اللّٰه لهم. و لو أنّ الناس

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 260، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 24، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 9: 266، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 28، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 297

..........

______________________________

أدّوا حقوقهم لكانوا عائشين بخيرٍ «1»

، و غيرها من روايات الباب و غيره.

فيستفاد منها: أنّ المؤدّى إلى الفقراء من الزكاة مقدار الحاجة لا أزيد منه، و قد صرّح في بعض الروايات بأنّ المؤدّى إليهم مقدار رفع الفقر و الفاقة و الجوع و العرى، كما في رواية الفضل بن إسماعيل عن معتب مولى الصادق (عليه السّلام) قال: قال الصادق (عليه السّلام)

إنّما وضعت الزكاة اختباراً للأغنياء و معونةً للفقراء، و لو أنّ الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً و لاستغنى بما فرض اللّٰه له و إنّ الناس ما افتقروا و لا احتاجوا و لا جاعوا و لا عروا إلّا بذنوب الأغنياء، و حقيق على اللّٰه

تبارك و تعالى أن يمنع رحمته ممّن منع حقّ اللّٰه في ماله، و أُقسم بالذي خلق الخلق و بسط الرزق إنّه ما ضاع مال في برّ و لا بحر إلّا بترك الزكاة، و ما صيد صيد في برّ و لا بحر إلّا بترك التسبيح في ذلك اليوم، و إنّ أحبّ الناس إلى اللّٰه تعالى أسخاهم كفّاً و أسخى الناس مَن أدّى زكاة ماله و لم يبخل على المؤمنين بما افترض اللّٰه لهم في ماله «2».

و استدلّ للقول بالتفصيل بصحيحة معاوية بن وهب، و موثّقة هارون بن حمزة المتقدّمتين و غيرهما؛ فهي تدلّ على جواز أخذ المحترف تتمّة مئونة سنته.

و لا يخفى: أنّ الأخبار الدالّة على عدم جواز أخذ أزيد من مئونة سنة واحدة و إعطائه و إن كانت أقوى ظهوراً من الأخبار الظاهرة في إطلاق الغني الشامل للغنيّ العرفي المالك أزيد من مئونة سنته، و أيضاً يمكن تقييد إطلاق الغنى في الأخبار المجوّزة لأخذ أزيد من مئونة السنة بالأخبار المقيّدة بالسنة إلى السنة، إلّا أنّ الشهرة قامت على الجواز، و قد عرفت حكاية الإجماع عليه من «المنتهي»،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 10، كتاب الزكاة، أبواب ما يجب فيه الزكاة، الباب 1، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 12، كتاب الزكاة، أبواب ما يجب فيه الزكاة، الباب 1، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 298

[ (مسألة 4): دار السكنى و الخادم و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله]

(مسألة 4): دار السكنى و الخادم و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله و لو لعزّة و شرفه و الثياب و الألبسة الصيفيّة و الشتويّة و السفريّة و الحضريّة و لو كانت للتجمّل و الفرش و الظروف و غير ذلك، لا يمنع عن إعطاء الزكاة و أخذها (8).

______________________________

هذا. مضافاً

إلى أنّه يمكن حمل الأخبار المقيّدة بالسنة إلى السنة على أقلّ ما يعطى للفقير؛ و هو حدّ الكفاية لمئونة سنته؛ أعني حدّ الغنىٰ شرعاً.

(8) و ذلك لكون المذكورات كلّها مئونة لمن يحتاج إليها؛ لاقتضاء حاله و شأنه إيّاها، و لو لعزّة و شرفه. و في «العروة الوثقى»: بل لو كان فاقداً لها مع الحاجة جاز أخذ الزكاة لشرائها، و كذا يجوز أخذها لشراء الدار و الخادم و فرس الركوب و الكتب العلمية و نحوها مع الحاجة إليها «1». و عن العلّامة (رحمه اللّٰه) نفي الخلاف في المسألة، قال في «التذكرة»: يجوز دفع الزكاة إلى صاحب الدار و السكنى و عبد الخدمة و فرس الركوب و ثياب التجمّل، و لا نعلم فيه خلافاً، لإمساس الحاجة إلى هذه الأشياء و عدم الخروج بها عن حدّ الفقر إلى الغني «2»، انتهى. و في «الجواهر»: بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه «3».

و يدلّ عليه موثّقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال

نعم، إلّا أن تكون داره دار غلّة، فخرج له من غلّتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله. «4»

الخبر.

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 307.

(2) تذكرة الفقهاء 5: 275.

(3) جواهر الكلام 15: 318.

(4) وسائل الشيعة 9: 235، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 9، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 299

نعم لو كان عنده أزيد من مقدار حاجته المتعارفة بحسب حاله و زيّه بحيث لو صرفها تكفي لمئونة سنته، لا يجوز له الأخذ (9).

______________________________

و صحيحة عمر بن أُذينة عن غير واحد عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) أنّهما سُئلا عن

الرجل له دار و خادم أو عبد أ يقبل الزكاة؟ قالا

نعم، إنّ الدار و الخادم ليسا بمال «1».

و رواية إسماعيل بن عبد العزيز عن أبيه قال: دخلت أنا و أبو بصير على أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقال له أبو بصير: إنّ لنا صديقاً. إلى أن قال: و له دار تسوي أربعة آلاف درهم و له جارية و له غلام يستقي على الجمل كلّ يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل و له عيال، إله أن يأخذ من الزكاة؟ قال

نعم. «2»

الخبر.

و ذيل موثّقة أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الزكاة تحلّ لصاحب الدار و الخادم «3».

(9) و في «العروة الوثقى»: بل إذا كانت عنده دار تزيد عن حاجته و أمكنه بيع المقدار الزائد منها عن حاجته وجب بيعه، بل لو كانت له دار تندفع حاجته بأقلّ منها قيمةً فالأحوط بيعها و شراء الأدون. و كذا في العبد و الجارية و الفرس «4»، انتهى.

و الوجه فيما ذكروه: خروج الشخص بملك أزيد من مقدار حاجته المتعارفة في الدار و غيرها من المذكورات عن حدّ الفقر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 235، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 9، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 236، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 9، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 9: 244، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 14، الحديث 6.

(4) العروة الوثقى 2: 307.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 300

[ (مسألة 5): لو كان قادراً على التكسّب و لو بالاحتطاب و الاحتشاش]

(مسألة 5): لو كان قادراً على التكسّب و لو بالاحتطاب و الاحتشاش لكن ينافي شأنه، أو يشقّ عليه مشقّة شديدة لكبر أو مرض و نحو ذلك، يجوز له أخذ الزكاة (10)،

______________________________

و في «المدارك»:

و لو كانت دار السكنى تزيد عن حاجته بحيث تكفيه قيمة الزيادة حولًا و أمكنه بيعها منفردةً فالأظهر خروجه بذلك عن حدّ الفقر، أمّا لو كانت حاجته تندفع بالأقلّ منها قيمةً فالأظهر أنّه لا يكلّف بيعها و شراء الأدون؛ لإطلاق النصّ، و لما في التكليف بذلك من العسر و المشقّة، و به قطع في «التذكرة»، ثمّ قال: و كذا الكلام في العبد و الفرس «1»، انتهى.

(10) و المحقّق الهمداني (رحمه اللّٰه) في «مصباح الفقيه» بعد أن قال بعدم حلّية الزكاة للغني و كذا ذي الصنعة اللائقة بحاله التي تقوم بكفايته كالصياغة و الحياكة و الخياطة و نحوها قال: و أمّا القدرة على الكسب و الصنعة الغير اللائقين بحاله فليست مانعة عن تناولها جزماً؛ فلا يكلّف الرفيع ببيع الحطب و الحرث و الكنس و خدمة من دونه في الشرف و أشباه ذلك ممّا فيه مذلّة في العرف و العادة؛ فإنّ ذلك أصعب من بيع خادمه و داره الذي قد سمعت في خبر إسماعيل المتقدّم التصريح بعدم لزومه، مع ما فيه من الحرج المنفي بأدلّتها، و منه يعلم عدم مانعية القدرة على الحِرَف و الصنائع الشاقّة التي لا تتحمّل في العادة و إن لم تكن منافية لشأنه. مضافاً إلى أنّ القدرة على مثل هذه الأُمور لا تجعله كالغني، و إلّا فقلّما يوجد فقير في العالم «2»، انتهى.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 201.

(2) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 495.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 301

و كذا إذا كان صاحب صنعة أو حرفة لا يمكنه الاشتغال بها؛ لفقد الأسباب أو عدم الطالب (11).

______________________________

و بعض المعاصرين في تعليقته على «العروة الوثقى» بعد أن تسلّم ما ذكره الهمداني (رحمه اللّٰه)

اعترض عليه بتخطئة العقل و العقلاء كثيراً من الشؤون، و أنّها من الأُمور الموهومة التي توهّمها ضعفة النفوس و جعلوها أغلالًا على أنفسهم و تركوا الأعمال التي قد عملها أشرف الكائنات و وصيه أمير المؤمنين و بنته فاطمة الزهراء و أولاده المعصومون صلوات اللّٰه و سلامه عليهم أجمعين من الاحتطاب و الاستسقاء و الحرث و الزرع و نحوها من الأعمال، و كيفية إدارة شؤون الحياة الفردية و الاجتماعية. و استشهد عليه بعدّة من الروايات «1».

و فيه: أنّ ما ذكره و إن كان صحيحاً و لكن شرائط الزمان و المكان ممّا لها دخالة في الأحكام، و الأشخاص بالنسبة إلى شؤونهم و اشتغالاتهم مع ملاحظة شرائطهم و موضع أعدائهم ليسوا سواء؛ فلو عمل أحدٌ من رؤساء الأُمور القائمين مقام المعصومين (عليهم السّلام) أو الشاغلين في الإدارات و مراكز العقيدتي و السياسي في النظام الإلهي الإسلامي كالجمهوري الإسلامي في إيران عمل الزرع و الاستسقاء مثلًا بالمسحاة أو بالآلات الجديدة المرسومة اليوم أو اشتغل حرفة أو صنعة من حِرَف و صنائع زماننا، لاتّهمه المخالفون بأنّه صرف بيت المال و سهم الفقراء لتحصيل الثروة؛ فيكون موهوناً في المجتمع؛ فيوجب وهن النوع، و هذا أمر واضح؛ فللعلماء أن يجتنبوا عن مواضع التهَم.

(11) و ذلك لصدق الفقير، و المسألة إجماعية و لك أن تقول: إنّ من كانت له

______________________________

(1) الزكاة، المحقّق المنتظري 2: 348.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 302

[ (مسألة 6): إن لم يكن له حرفة و صنعة لائقة بشأنه فعلًا، و لكن يقدر علىٰ تعلّمها بغير مشقّة شديدة]

(مسألة 6): إن لم يكن له حرفة و صنعة لائقة بشأنه فعلًا، و لكن يقدر علىٰ تعلّمها بغير مشقّة شديدة، ففي جواز تركه التعلّم و أخذه الزكاة إشكال، فلا يترك الاحتياط (12). نعم لا إشكال في جوازه إذا اشتغل

بالتعلّم ما دام مشتغلًا به (13).

______________________________

آلات صنعة و لم يكن طالب لما صنعه و لا يحتمل وجود الطالب له في المستقبل و لكن يمكن له بيع تلك الآلات و صرفها في مئونة سنته فلا يجوز له أخذ الزكاة.

(12) وجه جواز ترك التعلّم و عدم وجوبه هو الأصل و عدم الدليل على الوجوب.

و وجه جواز أخذ الزكاة صدق اسم الفقير عليه بمجرّد عدم ملكه لما يمون به نفسه و عياله سنة و عدم تلبّسه بما يقوم بذلك، و لا تكفي القدرة عليه إذا لم يكن متلبّساً به عازماً عليه.

و وجه عدم جواز أخذها ما ذكرناه في مسألة عدم جوازه لمن كان قادراً على التكسّب و لكن لم يفعل تكاسلًا من أنّ من لا يملك فعلًا شيئاً و لكن يقدر على التكسّب فهو في حكم الغني و إن لم يكن غنياً حقيقةً. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

لا يحلّ له أن يأخذها و هو يقدر على أن يكفّ نفسه عنها «1».

هذا بالنسبة إلى من يقدر على تعلّمها في زمان يسير بغير مشقّة. و أمّا بالنسبة إلى من لا يقدر عليه إلّا في زمان طويل أو يسير مع المشقّة الشديدة الغير القابل للتحمّل عادةً فهو فقير يحلّ له أخذ الزكاة.

(13) لأنّه ما دام مشتغلًا و لم يتحقّق التعلّم ليس بحكم الغني، فهو في تلك

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 233، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 8، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 303

[ (مسألة 7): يجوز لطالب العلم القادر على التكسّب اللائق بشأنه أخذُ الزكاة من سهم سبيل اللّٰه]

(مسألة 7): يجوز لطالب العلم القادر على التكسّب اللائق بشأنه أخذُ الزكاة من سهم سبيل اللّٰه؛ إذا كان التكسّب مانعاً عن الاشتغال أو موجباً للفتور

فيه؛ سواء كان ممّا يجب تعلّمه عيناً أو كفاية أو يستحبّ (14).

______________________________

الحال فقير. و في «المستمسك»: هذا إذا لم يكن قادراً فعلًا على التعيّش بدون الزكاة. أمّا لو كان قادراً على ذلك و لو بالاستدانة لسهولة الوفاء بعد التعلّم و الاكتساب بالحرفة فجواز الأخذ غير ظاهر؛ لصدق كونه قادراً على أن يكفّ نفسه عنها. لكن الإنصاف: أنّ الظاهر من القدرة المذكورة ما لا يشمل مثل الاستدانة مع طول المدّة «1»، انتهى.

(14) طالب العلم القادر على الاكتساب اللائق بشأنه إن كان اشتغاله غير مانع عن طلب العلم في حدّ مطلوب فلا إشكال في عدم جواز أخذ الزكاة؛ لقدرته الفعلية على تحصيل المئونة. و في «مستند الشيعة»: و لو أمكنه الجمع بين التعلّم و الاحتراف لم يجز الأخذ «2»، انتهى.

و أمّا إن كان اشتغاله على الكسب مانعاً عن طلب العلم أو موجباً للفتور فيه ففي جواز أخذ الزكاة مطلقاً، أو عدم جوازه كذلك، أو التفصيل بين العلم الواجب تعلّمه و بين غيره، أو بين الواجب عيناً و غيره، أو بين العلم المطلوب المطلق وجوباً أو ندباً و بين غيره، وجوه.

قال في «مستند الشيعة»: لو اشتغل عن التكسّب بطلب العلم المانع عن الكسب فإن كان ممّا لا يجب تعلّمه و لا يستحبّ كالرياضيات و الفلسفة و كثير من

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 9: 226.

(2) مستند الشيعة 9: 268.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 304

..........

______________________________

الكلاميات و السير و العروض و الأدبية لمن لا يريد التفقّه في الدين فلا شكّ في عدم جواز أخذ الزكاة له؛ لصدق المحترف و عدم الدليل على التخصيص. و إن كان يستحبّ كالتفقّه في الدين تقليداً أو اجتهاداً. فظاهر «الذخيرة» عدم جواز

الأخذ، و هو ظاهر حواشي «القواعد» للشهيد الثاني، و عن «التحرير» و «المنتهي» و «الدروس» و «البيان» و «الروضة» و «المسالك» و حواشي «النافع» للشهيد الثاني و «المهذّب» جوازه، و هو الأقرب؛ للأمر به و لو استحباباً المستلزم لطلب ترك الحرفة المستلزم لجواز أخذ الزكاة، و كذا مقدّمات علم التفقّه إذا تعلّمه من باب مقدّمته «1»، انتهى.

و استشكل عليه الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه) في كتاب الزكاة فيما كان طلب العلم مستحبّاً، فقال: و لو كان طلب العلم ممّا يستحبّ في حقّ الطالب فالظاهر أنّه لا يسوغ ترك الكسب كما في سائر المستحبّات؛ لصدق الغني و المحترف و القادر على ما يكفّ نفسه عن الزكاة. و الإذن في طلب العلم بل الأمر الاستحبابي به لا يوجب الإذن في ترك التكسّب، بل طلب تركه المستلزم لجواز أخذ الزكاة كما عن بعض مشايخنا المعاصرين لا وجه له؛ إذ بعد عمومات تحريم الزكاة على القادر على التكسّب يصير الكسب واجباً لأجل حفظ نفسه و عياله؛ فلا يزاحمه استحباب ذلك؛ لأنّ المستحبّ لا يزاحم الواجب إجماعاً «2»، انتهى.

و السيّد الحكيم (رحمه اللّٰه) في «المستمسك» اختار القول بالتفصيل بين وجوب الاشتغال بالعلم فيجوز، و عدمه فلا يجوز، و قال: و هذا هو الأظهر؛ لأنّ الوجوب يوجب صدق كونه غير قادر على أن يكفّ نفسه عنها؛ إذ المراد من القدرة ما يعمّ

______________________________

(1) مستند الشيعة 9: 268.

(2) الزكاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 10: 271 272.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 305

[ (مسألة 8): لو شكّ أنّ ما في يده كافٍ لمئونة سنته، لا يجوز له أخذ الزكاة]

(مسألة 8): لو شكّ أنّ ما في يده كافٍ لمئونة سنته، لا يجوز له أخذ الزكاة، إلّا إذا كان مسبوقاً بعدم وجود ما به الكفاية، ثمّ وجد ما

يشكّ في كفايته (15).

______________________________

القدرة الشرعية فانتفاؤها كافٍ في صدق عدم القدرة؛ و لذا يجوز أخذ الزكاة لمن كان لا يقدر على المال الحلال و إن كان يقدر على المال الحرام، فإذا انتفى الوجوب صدق أنّه قادر على أن يكفّ نفسه عن الزكاة. و مجرّد الاستحباب فضلًا عن الإباحة غير كافٍ في سلب القدرة، كما هو ظاهر. إلى أن قال (رحمه اللّٰه): و من ذلك يظهر أنّ الوجوب الكفائي لا يجدي في جواز أخذها إذا وجد من يقوم به؛ لأنّه حينئذٍ لا يكون موجباً لانتفاء القدرة، و إنّما يكون كذلك إذا لم يوجد من يقوم به؛ فيكون كالعيني «1»، انتهى.

و لا يخفى: أنّ ما ذكروه من عدم جواز أخذ الزكاة لطالب العلم الغير الواجب العيني إنّما هو بالنسبة إلى سهم الفقراء من الزكاة، و أمّا سهم سبيل اللّٰه فيجوز أخذه مطلقاً؛ سواء كان ممّا يجب تعلّمه عيناً أو كفاية أو ممّا يستحبّ.

و لا يخفى أيضاً: أنّ طالب العلم بناءً على جواز أخذه الزكاة لا ينحصر لطالب علم الفقه فقط، بل يشمل طالب كلّ علم يتوقّف عليه نظام الاجتماع و حياة البشر في شؤونها كما لا يخفى.

و القائلون بعدم جواز أخذ الزكاة لطالب العلم و إن كان طلبه واجباً استدلّوا بأنّ وجوب التكسّب لحفظ نفسه و عياله عن الهلاك أهمّ؛ فلا يزاحمه وجوب طلب العلم، فضلًا عن رجحانه، و هو كما ترى.

(15) أمّا عدم جواز أخذها فيما إذا شكّ في كفاية ما في يده لمئونة سنته مع

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 9: 227 228.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 306

[ (مسألة 9): لو كان له دَين على الفقير جاز احتسابه زكاةً]

(مسألة 9): لو كان له دَين على الفقير جاز احتسابه زكاةً؛ و لو كان

ميّتاً بشرط أن لا يكون له تركة تفي بدينه، و إلّا لا يجوز (16).

______________________________

عدم حالة سابقة فلعدم إحراز أنّه فقير لا يملك مئونة سنته. و أمّا جواز أخذه فيما إذا وجد أوّلًا ما لا يكفيه يقيناً لمئونة سنته ثمّ وجد ما يشكّ في كفايته مع الضمّ إلى ما وجد أوّلًا فلاستصحاب عدم الكفاية لمئونة سنته، فهو فقير تعبّدي بحكم الاستصحاب؛ فيجوز له الأخذ.

(16) الفقير الذي يجوز احتساب دينه زكاة أعمّ من أن لا يملك قوت سنته أو يملكه و لكن لا يتمكّن من قضاء دينه؛ فيجوز احتساب دين الفقير من الزكاة المستحقّة عليه، و هو ممّا لا خلاف فيه بين أصحابنا؛ ففي «المدارك»: و هذا الحكم أعني جواز مقاصّة المديون بما عليه من الزكاة مقطوع به في كلام الأصحاب، بل ظاهر المصنّف (رحمه اللّٰه) في «المعتبر» و العلّامة في «التذكرة» و «المنتهي» أنّه لا خلاف فيه بين العلماء «1».

و يدلّ على جواز احتسابه على الفقير الحيّ صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السّلام) عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال

نعم «2».

و موثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة، فقال

إن كان الفقير عنده وفاء بما كان

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 226.

(2) وسائل الشيعة 9: 295، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 46، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 307

..........

______________________________

عليه من دين من عرض من دار أو متاع من متاع البيت

أو يعالج عملًا يتقلّب فيها بوجهه، فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دينه، فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها. فإن لم يكن عند الفقير وفاء و لا يرجو أن يأخذ منه شيئاً فيعطيه من زكاته و لا يقاصّه بشي ء من الزكاة «1».

و رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث: أنّ عثمان بن عمران قال له: إنّي رجل موسر و يجيئني الرجل و يسألني الشي ء و ليس هو إبّان زكاتي، فقال له أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

القرض عندنا بثمانية عشر و الصدقة بعشرة، و ما ذا عليك إذا كنت كما تقول موسراً أعطيته؟! فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة، يا عثمان لا تردّه فإنّ ردّه عند اللّٰه عظيم «2».

و يدلّ على جواز احتسابه على الفقير الميّت خبر يونس بن عمّار الصيرفي قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

قرض المؤمن غنيمة و تعجيل أجر (خير) إن أيسر قضاك و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة «3»

، و السند ضعيف بإبراهيم بن السندي و يونس بن عمّار الإماميين المجهولين.

و خبر إبراهيم بن السندي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قرض المؤمن غنيمة و تعجيل خير، إن أيسر أدّى و إن مات احتسب من زكاته «4».

و صحيح محمّد بن أبي عمير عن هيثم الصيرفي و غيره عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

القرض الواحد بثمانية عشر، و إن مات احتسب بها من الزكاة «5»

، و الرواية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 296، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 46، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 9: 300، كتاب الزكاة، أبواب

المستحقّين للزكاة، الباب 49، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 299، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 49، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 9: 300، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 49، الحديث 3.

(5) وسائل الشيعة 9: 301، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 49، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 308

..........

______________________________

حسنة بهيثم الصيرفي قد حسّنه المامقاني (رحمه اللّٰه) في «رجاله»، و صحيحة بمن روىٰ عنه ابن أبي عمير، بناءً على أنّ مرسلاته كمسنداته.

و لا يخفى: أنّ احتساب دين الميّت من الزكاة فيما لا يكون له تركة تفي بدينه ممّا لا كلام فيه. و أمّا لو كان له تركة تفي بدينه فقد صرّح جماعة كثيرة من فقهائنا بأنّه لا يجوز احتسابه من الزكاة، كالشيخ في «المبسوط» و العلّامة في «التذكرة» و «التحرير» و الشهيد في «الدروس» و «البيان» و غيرهم؛ قال في «المبسوط»: فإنّ الزكاة لا تقع موقعها إلّا أن يكون لم يخلفا شيئاً، فعندنا يجوز أن يحتسب به من الزكاة، و إن خلّف تركة لا يجوز له معها لو كان حيّاً الزكاة استرجعت من تركته «1»، انتهى.

و في «التحرير»: و الظاهر أنّ جواز المقاصّة إنّما هو مع قصور التركة «2»، انتهى. و في «الدروس»: و يجوز مقاصّة غريم المستحقّ حيّاً و ميّتاً إذا لم يترك ما يصرف في دينه «3»، انتهى.

و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين، أ يؤدّي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟ فقال

إن كان أبوه أورثه مالًا ثمّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذٍ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث

و لم يقضه من زكاته، و إن لم يكن أورثه مالًا لم يكن أحدٌ أحقّ بزكاته من دين أبيه، فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه «4».

______________________________

(1) المبسوط 1: 229.

(2) تحرير الأحكام: 69/ السطر 7.

(3) الدروس الشرعية 1: 241.

(4) وسائل الشيعة 9: 250، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 18، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 309

نعم لو كانت له تركة، لكن لا يمكن استيفاء الدَّين منها لامتناع الورثة أو غيره، فالظاهر الجواز (17).

______________________________

و قيل: إنّه يجوز احتساب دين الميّت من الزكاة مطلقاً أي و إن كانت له تركة وافية بدينه نسب هذا القول إلى العلّامة (رحمه اللّٰه) في «المختلف»؛ فإنّه (رحمه اللّٰه) بعد نقل اشتراط جواز احتساب دين الميّت من الزكاة بعجز الميّت عن أداء ذلك عن ابن الجنيد قال: و الأقرب عندي عدم الاشتراط. لنا: عموم الأمر بجواز احتساب الدين على الميّت من الزكاة، و لأنّه بموته انتقلت التركة إلى ورثته فصار في الحقيقة عاجزاً «1».

و يرد عليه أوّلًا: أنّ عموم الأخبار الدالّة على جواز احتساب الدين على الميّت من الزكاة و إطلاقها على فرض التسليم يقيّد بصحيحة زرارة المتقدّمة، حيث إنّ جواز أداء دين الميّت من الزكاة كان مشروطاً بعدم إيراثه مالًا.

و ثانياً: أنّ تمام التركة لا ينتقل إلى الوارث مطلقاً، بل فيما لم يكن له وصية أو دين، كما هو صريح آية الإرث مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ «2». و على فرض أنّ التركة تنتقل إلى الوارث نقول: إنّ حقّ الدين متعلّق بها.

(17) و في «العروة الوثقى»: نعم لو كان له تركة لكن لا يمكن الاستيفاء منها لامتناع الورثة أو غيرهم فالظاهر

الجواز، انتهى. و قبله الشهيد الثاني في «المسالك» قال: نعم لو لم يعلم الوارث بالدين و لم يكن للمدين إثباته شرعاً أو أتلف الوارث التركة و تعذّر الاقتضاء منه جاز الاحتساب على الميّت قضاءً و مقاصّةً.

______________________________

(1) مختلف الشيعة 3: 88.

(2) النساء (4): 11.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 310

..........

______________________________

و حكى في «الجواهر» عن «كشف» أُستاذه: أنّه لو أتلف الوارث المال و تعذّر الاقتضاء لم يبعد جواز الاحتساب و القضاء. ثمّ أيّده و قال: بل لا يبعد جواز الاحتساب مطلقاً إذا تعذّر الاستيفاء من التركة؛ إمّا لعدم إمكان إثباته أو لغير ذلك، كما صرّح به في «المسالك» «1»، انتهى.

و لا يخفى: أنّه لا فرق في الفقير في احتساب دينه من الزكاة بين من تجب نفقته و بين الأجنبي بلا خلاف.

قال في «الجواهر»: و كذا لو كان الدين على من تجب نفقته جاز أن يقضى عنه حيّاً و ميّتاً و إن يقاصّ، بلا خلاف بل و لا إشكال؛ ضرورة كونه كالأجنبي بالنسبة إلى وفاء الدين، فتشمله الأدلّة.

بل لعلّ ظاهر «المعتبر» و «التذكرة» و «المنتهي» أنّه موضع وفاقٍ، و قد سمعت حسن زرارة السابق و هو صحيح زرارة المتقدّم و قال إسحاق بن عمّار: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل على أبيه دين و لابنه مئونة أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال

نعم، و من أحقّ من أبيه «2».

و لا ينافي ذلك ما في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج

خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً: الأب و الأُمّ و الولد و المملوك و الامرأة؛ و ذلك أنّهم عياله لازمون له «3»

؛ لأنّ المراد إعطاؤهم النفقة الواجبة، كما يدلّ عليه قوله: «و

ذلك.» إلى آخره؛ فإنّ قضاء الدين لا يلزمه اتّفاقاً «4»، انتهى.

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 366.

(2) وسائل الشيعة 9: 250، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 18، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 240، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 13، الحديث 1.

(4) جواهر الكلام 15: 366 367.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 311

[ (مسألة 10): لو ادّعى الفقر فإن عُرف صدقه أو كذبه عومل به]

(مسألة 10): لو ادّعى الفقر فإن عُرف صدقه أو كذبه عومل به (18)، و لو جُهل حاله اعطي من غير يمين مع سبق فقره (19)،

______________________________

(18) فمع العلم بصدقه يعطى له الزكاة، و مع العلم بكذبه لا يعطى، بلا خلاف و لا إشكال.

(19) المشهور بين الفقهاء جواز إعطاء الفقير الزكاة بمجرّد دعوى الفقر من غير يمين؛ سواء كان ضعيف البُنية أو قويَّها. و قد أنهى الشهيد الثاني (رحمه اللّٰه) أزيد من عشرين موضعاً من مواضع قبول قول المدّعى مع عدم تكليفه باليمين و البيّنة «1».

و استدلّ له بأُمور بعضها غير خالٍ عن الإشكال:

منها: أصالة عدم المال، قال في «المبسوط»: فإن لم يكن عرف له مال فالقول قوله، و يعطى من غير بيّنة و لا استحلاف؛ لأنّ الأصل عدم المال «2»، انتهى.

و فيه: أنّ الغالب في غالب الأشخاص تحصيل المال للمعيشة؛ فالعدم الأزلي منقوض غالباً؛ فلا يقين لنا سابقاً بأنّ المدّعى للفقر كانت حالته السابقة عدم المال له.

و منها: أصالة الصحّة في دعوى المسلم؛ أي أصالة الصحّة في فعل المسلم الشامل لقوله.

و فيه: أنّ المترتّب على أصالة الصحّة هو صحّة الفعل مقابل فساده، و المقصود فيما نحن فيه إثبات صدق قول الفقير و دعواه، و هو غير الصحّة.

و في «مصباح الفقيه»: نعم لو ادّعي أنّ الأصل قبول قول المسلم و أُريد منه

القاعدة المستفادة من بعض الروايات الآمرة بحمل فعل المسلم على أحسنه و عدم

______________________________

(1) مسالك الأفهام 13: 501 503.

(2) المبسوط 1: 253.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 312

..........

______________________________

اتّهامه بسوء و تصديقه فيما يقول فله وجه، و إن كان الأوجه قصور مثل هذه الأخبار عن إفادة المدّعى، كما قرّر في الأُصول «1»، انتهى.

و منها: أصالة العدالة فيه.

و يرد عليه: أنّه لا أصل لنا يثبت العدالة بمعنى الملكة؛ فوجودها في شخص يثبت بالممارسة و المواظبة الدائمة على الإطاعة، و يثبت وجودها في الغير بالمراودة و الاطّلاع على خفاياه. و كذلك العدالة بمعنى حسن الظاهر أيضاً لا يثبت بالأصل؛ فأيّ أصل يثبتها؟

و منها: أنّ في مطالبته بالبيّنة و اليمين إذلالًا له، و هو منهي عنه.

و فيه: أنّ مدّعي الفقر يدّعي استحقاقه لما في يد مالك النصاب من الزكاة، و حينئذٍ فلو احتمل المالك كذبه فلا بدّ له من إحراز فقره، و لو انحصر السبيل على البيّنة فلا بدّ من إقامتها على نحو لا يوجب الإذلال.

و منها: أنّ دعواه الفقر من قبيل الدعوى بلا معارض، و هي مقبولة؛ فتقبل دعواه. و يدلّ عليه خبر منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: عشرة كانوا جلوساً وسطهم كيس فيه ألف درهم، فسأل بعضهم بعضاً أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا كلّهم: لا، و قال واحد منهم: هو لي، فلمن هو؟ قال

للّذي ادّعاه «2»

، و هذه الرواية مرسلة منجبرة من طريق الكليني (رحمه اللّٰه) عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن منصور بن حازم، و صحيحة من طريق الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن الوليد الخزّاز عن يونس

بن عبد الرحمن كما في «النهاية»، أو حسنة من طريقه بيونس بن يعقوب كما في «التهذيب»، و اختلف في يونس بن

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 515.

(2) وسائل الشيعة 27: 273، كتاب القضاء، أبواب كيفية الحكم، الباب 17، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 313

..........

______________________________

يعقوب فقال الشيخ: إنّه إمامي عدل، و قال النجاشي: هو موثّق و كان قد قال بعبد اللّٰه بن جعفر ثمّ رجع، و قال ابن بابويه: إنّه فطحي هو و أخوه يوسف، و روى الكشّي أحاديث تدلّ على صحّة عقيدته و قال: و الذي أعتمد عليه قبول روايته.

و يرد عليه ما أورده عليه في «مصباح الفقيه» من أنّه لا يقاس ما نحن فيه بمسألة الكيس الذي لا يد لأحد عليه، و لا هو مضمون على أحدٍ «1»، انتهى. و هذا بخلاف ما نحن فيه؛ فإنّ الزكاة في يد مالك النصاب أمانة يجب إيصالها إلى أهلها بعد إحراز أهليته.

و منها: تعذّر إقامة البيّنة على دعوى الفقر؛ فيشمله ما تضمن قبول الدعوى إذا كانت كذلك، مثل ما ورد في المرأة المدّعية أنّها بلا زوج، كما في صحيح ميسر بن عبد العزيز قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد، فأقول لها: لكِ زوج؟ فتقول: لا، فأتزوّجها؟ قال

نعم، هي المصدّقة لنفسها «2»

، و سند الرواية متقن، و ميسر هو ميسرة بن عبد العزيز بيّاع الزطّي، قد وثّقه المامقاني في «رجاله» و نقل إنّه وثّقه علي بن الحسن.

و رواية محمّد بن عبد اللّٰه بن عيسى الأشعري قال: قلت للرضا (عليه السّلام): الرجل يتزوّج بالمرأة فيقع في قلبه أنّ لها زوجاً، فقال

و ما عليه؟! أ

رأيت لو سألها البيّنة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج؟! «3»

، و في «المستمسك»

أ رأيت لو كلّفتها البيّنة تجد بين لابتيها من يشهد أن ليس لها زوج؟! «4».

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 515.

(2) وسائل الشيعة 21: 30، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب 10، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 21: 32، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب 10، الحديث 5.

(4) مستمسك العروة الوثقى 9: 229.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 314

..........

______________________________

و لا يخفى: أنّ إقامة البيّنة على الفقر تتعذّر غالباً كإقامتها على أداء الحقوق الواجبة من الزكاة و الخمس و إقامتها من المرأة المدّعية أنّها خلية من الزوج أو الحيض أو أنّها زوّجت بعد الطلاق الثالث، ففي هذه الموارد كلّها و غيرها من الموارد التي تتعذّر إقامة البيّنة عليها و قد أنهاها الشهيد الثاني (رحمه اللّٰه) إلى أزيد من عشرين موضعاً «1» تقبل الدعوى.

و لقد أجاد في «مصباح الفقيه» حيث قال: و عمدة ما يصحّ الاعتماد عليه في إثبات المدّعى هي أنّ إخبار الشخص بفقره و غناه كإخباره بسائر حالاته من الصحّة و المرض معتبر عرفاً و شرعاً، و إلّا فلا طريق لتعرف حاجة المحتاجين في الغالب سوى إخبارهم. إلى آخر ما ذكره، فراجع «2».

و منها: أنّ تكليف الفقير بالبيّنة حرج عليه، و ما جعل عليه في الدين من حرج.

و منها: ما ورد فيمن نذر للكعبة أو أهدى إليها، من أنّه يعطي للفقراء من غير مطالبة البيّنة أو اليمين منهم، كما في صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل جعل جاريته هدياً للكعبة، فقال

مُر منادياً يقوم على الحجر فينادي: ألا من قصرت به

نفقته أو قطع به أو نَفَد طعامه فليأت فلان بن فلان، و مُره أن يعطي أوّلًا فأوّلًا حتّى ينفد ثمن الجارية «3».

و صحيح أبي الحرّ عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: جاء رجل إلى أبي جعفر (عليه السّلام)

______________________________

(1) مسالك الأفهام 13: 501 503.

(2) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 516.

(3) وسائل الشيعة 13: 247، كتاب الحج، أبواب مقدّمات الطواف، الباب 22، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 315

..........

______________________________

فقال له: إنّي أهديت جارية إلى الكعبة، فأعطيت بها خمسمائة دينار فما ترى؟ فقال

بعها، ثمّ خذ ثمنها، ثمّ قم على حائط الحجر، ثمّ ناد و أعط كلّ منقطع به و كلّ محتاج من الحاجّ «1»

، و أبو الحرّ هو أديم بن الحرّ الجعفي الحذّاء الكوفي، ثقة، له أصل.

و مرسل محمّد بن خالد عمّن حدّثه عن عبد الرحمن العرزمي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

جاء رجل إلى الحسن و الحسين (عليهما السّلام) و هما جالسان على الصفاء فسألهما، فقالا: إنّ الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع أو غرم مفظع أو فقر مدقع، ففيك شي ء من هذا؟ قال: نعم، فأعطياه. «2»

الحديث.

و مصحّح عامر بن جذاعة قال: جاء رجل إلى أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقال له: يا أبا عبد اللّٰه قرض إلى ميسرة، فقال له أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إلى غلّة تدرك؟

فقال الرجل: لا و اللّٰهِ، قال

فإلى تجارة تؤوب؟

قال: لا و اللّٰهِ، قال

فإلى عقدة تباع؟

فقال: لا و اللّٰهِ، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

فأنت ممّن جعل اللّٰه له في أموالنا حقّا

، ثمّ دعا بكيس فيه دراهم فأدخل يده فيه فناوله منه قبضة ثمّ قال له

اتّق اللّٰه و لا تبذر تبذيراً

«3».

و منها: السيرة القطعية إلى زمان الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام)؛ إذ لو كان بناء المسلمين على مطالبة اليمين أو البيّنة من الفقراء في دعوى الفقر لضاع و شاع؛ لكثرة الابتلاء في كلّ زمان، و إنكارها مكابرة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 13: 251، كتاب الحج، أبواب مقدّمات الطواف، الباب 22، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 9: 211، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 1، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 9: 45، كتاب الزكاة، أبواب ما يجب فيه الزكاة، الباب 7، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 316

و إلّا فالأحوط اعتبار الظنّ بصدقه الناشئ من ظهور حاله، خصوصاً مع سبق غِناه (20).

[ (مسألة 11): لا يجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة]

(مسألة 11): لا يجب إعلام الفقير أنّ المدفوع إليه زكاة، بل يُستحبّ دفعها علىٰ وجه الصلة ظاهراً و الزكاة واقعاً؛ إذا كان ممّن يترفّع و يدخله الحياء منها (21).

______________________________

(20) و لا يترك هذا الاحتياط؛ إذ مع عدم حصول الظنّ المطلق بصدقه الناشئ من ظهور حاله ككونه مستحيياً في السؤال و ضعيف البنية مثلًا لا يؤمن من وقوع الزكاة في موقعها؛ خصوصاً فيما كان الفقير مسبوقاً بالغنى؛ إذ حينئذٍ يستصحب غناه فلا يعطىٰ شيئاً. و أمّا مع الظنّ بفقره يعطى له و إن كان مسبوقاً بالغنى؛ لتقدّم الظنّ على الاستصحاب، بناءً على كونه من الأُصول.

(21) قد ادّعي الإجماع من جماعة من فقهائنا على عدم وجوب إعلام الفقير أنّ المعطىٰ له زكاة؛ و في «التذكرة»: أنّه لا يعرف فيه خلاف.

و يدلّ عليه مضافاً إلى إطلاق أدلّة إعطاء الزكاة و دفعها إلى الفقراء و عدم تقييدها بوجوب الإعلام بكونه زكاة صحيح أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ من الزكاة فأُعطيه

من الزكاة، و لا اسمّي له أنّها من الزكاة، فقال

أعطه و لا تسمّ له و لا تذلّ المؤمن «1».

و الإشكال في سند الرواية بأنّ أبا بصير مشترك بين الثقة و هو ليث بن البختري المرادي و غيره مدفوعٌ أوّلًا: بأنّ المشهور أنّه مشترك بين المرادي و هو ثقة جليل القدر، و بين يحيى بن القاسم أبي بصير الأسدي و قد وثّقه النجاشي.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 314، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 58، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 317

..........

______________________________

و ثانياً: أنّ الظاهر كونه المرادي بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه، و قد يطلق أبو بصير على يوسف بن الحارث و هو مجهول الحال.

و لا يعارض الصحيح المزبور صحيح محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): الرجل يكون محتاجاً فيبعث إليه بالصدقة فلا يقبلها على وجه الصدقة يأخذه من ذلك ذمام و استحياء و انقباض، فنعطيها إيّاه على غير ذلك الوجه و هي منّا صدقة؟ فقال

لا، إذا كانت زكاة فله أن يقبلها، و إن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إيّاه، و ما ينبغي له أن يستحيي ممّا فرض اللّٰه، إنّما هي فريضة اللّٰه له فلا يستحيي منها «1».

وجه عدم المعارضة: أنّ التعارض بين الدليلين إنّما يتحقّق إذا كان مصبّهما واحداً، و ليس كذلك مصبّ الصحيحين؛ لأنّ مصبّ صحيح أبي بصير عبارة عن تسمية ما أعطاه للفقير و أنّه لا يجب الإعلام بكونه زكاة، و هذا ليس مصبّ صحيح ابن مسلم؛ لأنّه ناظر إلى أنّه لا يجوز في الزكاة إعطاؤها على وجه غير الزكاة بحيث يكون المقصود هو العنوان المغاير للزكاة، و المنع عن قصد الغير

في إعطاء الزكاة لا لازم وجوب الإعلام بكونها زكاة، كما لا يخفى.

و ممّا ذكرنا يظهر ضعف ما ذكره صاحب «الوسائل» من حمل صحيح ابن مسلم على صورة كون الامتناع لعدم الاحتياج و انتفاء الاستحقاق، و كذا ما ذكره صاحب «المدارك» من حمله على الكراهة. وجه الضعف: أنّ الجمع بين الصحيحين بالحملين المذكورين إنّما هو على فرض تحقّق التعارض بينهما في مورد واحد، و قد عرفت عدمه.

و في «الحدائق»: أنّ صحيح محمّد بن مسلم غير معمول به على ظاهره و لا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 315، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 58، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 318

[ (مسألة 12): لو دفع الزكاة إلىٰ شخص علىٰ أنّه فقير فبان غناه، استرجعت منه مع بقاء العين]

(مسألة 12): لو دفع الزكاة إلىٰ شخص علىٰ أنّه فقير فبان غناه، استرجعت منه مع بقاء العين، بل مع تلفها ضامن مع علمه بكونها زكاة؛ و إن كان جاهلًا بحرمتها على الغني (22)،

______________________________

قائل به، بل الأخبار و كلام الأصحاب على خلافه؛ فلا يلتفت إليه «1».

و في «العروة الوثقى»: بل لو اقتضت المصلحة التصريح كذباً بعدم كونها زكاة جاز إذا لم يقصد القابض عنواناً غير الزكاة بل قصد مجرّد التملّك «2»، انتهى.

و لا يخفى: أنّ الكذب الذي هو من الكبائر لا يسوغ بمجرّد المصلحة في إيصال الزكاة إلى الفقير، إلّا أن يكون مصلحته أهمّ و غالبة على مفسدة الكذب، هذا، مضافاً إلى أنّ قصد القابض لا دخالة له أصلًا في وقوع المقبوض بعنوان الزكاة.

(22) مفروض المسألة أن يعطي مالك النصاب زكاته على شخص باعتقاد أنّه فقير و قبضها الشخص مع كونه غنياً فبان على المعطي غناه، استرجعت منه مع التمكّن و بقاء العين؛ لكون القابض حينئذٍ غاصباً؛ لعلمه بكونها زكاة؛ فيجري عليه حكم

الغاصب.

بل يضمنها القابض مع تلفها عنده و علمه بكون المقبوض زكاة؛ سواء كان عالماً بحرمتها على الغني أو جاهلًا بها؛ لأنّ الجهل بالحكم الشرعي إنّما يعذر فيه بالنسبة إلى العقاب؛ فلا يعذر فيه بالنسبة إلى الضمان. و وجه الضمان: كونه من موارد قاعدة «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه»، و كذا يضمن فيما لو أتلفها القابض؛ لقاعدة الإتلاف.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 12: 172.

(2) العروة الوثقى 2: 309.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 319

بل مع احتمال أنّها زكاة فالظاهر ضمانه (23). نعم مع إعطائه بغير عنوانها سقط الضمان، كما أنّه مع قطعه بعدمها سقط (24). و لا فرق في ذلك بين الزكاة المعزولة و غيرها (25). و كذا الحال فيما لو دفعها إلىٰ غنيّ جاهلًا بحرمتها عليه (26). و لو تعذّر استرجاعها في الصورتين، أو تلفت بلا ضمان أو معه، و تعذّر أخذ العوض منه، كان ضامناً و عليه الزكاة، إلّا إذا أعطاه بإذن شرعيّ، كدعوى الفقر بناء على اعتبارها، فالأقوىٰ حينئذٍ عدم الضمان (27).

______________________________

(23) لأنّه مع فرض كونه غنياً لا يجوز له قبض ما احتمل كونه زكاة، فلو تلف يضمنه؛ لقاعدة «على اليد.» و كذا يضمنه إذا أتلفه.

(24) لأنّ الدافع دفعه لا على وجه و عنوان يوجب ضمانه، و القابض أخذه لا على وجه الضمان؛ لأنّ الظاهر كونه صلة فلا وجه لضمانه، كما أنّه في صورة القطع بأنّ المدفوع غير الزكاة يسقط الضمان.

(25) أي لا فرق في ثبوت الضمان فيما أعطاه بعنوان الزكاة بين الزكاة المعزولة و غيرها؛ لعدم الفارق بينهما.

(26) أي يضمن القابض الغني فيما كان الدافع جاهلًا بحرمتها على الغني مع علم القابض بكونها زكاة؛ و ذلك لقاعدة اليد. و جهل

الدافع بالحرمة على الغني لا يوجب سقوط ضمان القابض. و في «المستمسك»: نعم لو كان القابض مغروراً من قبل الدافع رجع إلى الدافع بالقيمة و استقرّ الضمان عليه، و إلّا فعليه ضمانها و إن كان جاهلًا «1».

(27) المراد من الصورتين ما لو دفع الزكاة إلى شخص باعتقاد أنّه فقير فبان

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 9: 239.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 320

..........

______________________________

غناه، و ما لو دفعها إلى غني مع جهل الدافع بحرمتها عليه، و حكم هاتين الصورتين استرجاع العين مع وجودها و التمكّن من استرجاعها. و لو تعذّر و لم يتمكّن الدافع من استرجاعها ضمن الزكاة، و كذا يضمنها فيما إذا دفعها إلى الغني بغير عنوان الزكاة، و يضمنها أيضاً فيما إذا دفعها إلى الغني بعنوان الزكاة مع علم القابض بكونها زكاة و تلفت عنده و تعذّر أخذ عوضها.

فهذه صور أربع يضمن مالك النصاب الزكاة فيها، فليؤدّها ثانياً إلى أهلها.

نعم لو دفعها بإذن من يعتبر إذنه إلى من يعتقده مستحقّاً فبان غناه و تعذّر استرجاعها أو تلفت و تعذّر أخذ قيمتها فالدافع حينئذٍ لا يضمنه و لا يجب أداؤه ثانياً؛ لأنّ دفعها إلى غير المستحقّ كان بإذن شرعي و اعتماداً على الحجّة. و الظاهر من أدلّة الأُصول الشرعية و الأمارات المجعولة بجعل الشارع هو الإجزاء كما حقّق في محلّه. فالأصل البراءة من ضمانها، كما أنّه لا يضمنها فيما لو ادّعى الفقر و جهل حاله فيجوز إعطاؤها إيّاه من غير بيّنة و لا يمين؛ اعتماداً على دعواه مع الظنّ بصدقه الناشئ من ظهور حاله، بناءً على اعتبار دعواه شرعاً مع الظنّ المذكور.

ثمّ إذا انكشف خلافه و أنّ القابض غير مستحقّ فمع وجود العين

و تعذّر الاسترجاع أو تلفها مع تعذّر أخذ قيمتها لا يضمن الدافع و لا يجب أداؤها ثانياً.

و لا يخفى: أنّ القول بالضمان في الصور الأربع المذكورة مطلقاً أحد الأقوال في المسألة، اختاره المصنّف (رحمه اللّٰه) و السيّد في «العروة الوثقى» و المحشّين لها تبعاً للمفيد (رحمه اللّٰه) و الحلبي و صاحب «الجواهر» و الشيخ الأنصاري و غيرهم.

و في المسألة قولان آخران:

أحدهما: عدم الضمان مطلقاً، اختاره الشيخ (رحمه اللّٰه) في «الخلاف» و المحقّق (رحمه اللّٰه) في «الشرائع»؛ قال في «الخلاف»: إذا دفع صاحب المال الصدقة إلى من ظاهره

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 321

..........

______________________________

الفقر ثمّ بان أنّه كان غنياً في الباطن لا ضمان عليه «1»، انتهى.

ثانيهما: التفصيل بين ما إذا اجتهد و أعطى و بين ما لم يجتهد، قال الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه) في كتاب الزكاة: و لو كان الدافع هو المالك ففي إجزائه أقوال: ثالثها: التفصيل بين ما إذا اجتهد فأعطى و بين ما إذا أعطى اعتماداً على مجرّد دعوى الفقر و أصالة عدم المال، و الأقوى هو عدم الإجزاء؛ وفاقاً للمحكي عن المفيد و الحلبي؛ لأصالة اشتغال الذمّة و عموم ما دلّ على أنّها كالدين، مضافاً إلى مقتضى قاعدة الشركة في العين، على أنّ الموضوع من الزكاة في غير موضعه بمنزلة العدم، و ما دلّ على وجوب إعادة المخالف زكاته معلّلًا بأنّه لم يضعها في موضعها، مضافاً إلى خصوص مرسلة الحسين بن عثمان عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يعطي زكاة ماله رجلًا يرىٰ أنّه معسر فوجده موسراً، قال

لا تجزي عنه «2»

، انتهى موضع الحاجة «3».

و استدلّ للقول بعدم الضمان مطلقاً بأنّه إذا دفعها إلى

من ظاهره الفقر فقد امتثل المأمور به، و إيجاب الضمان عليه بعد ذلك يحتاج إلى دليل و الأصل براءة الذمّة.

و استدلّ للتفصيل بين ما إذا اجتهد و أعطى فلا يضمن، و ما إذا أعطى بدون اجتهاد فيضمن، بصحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: قلت له: رجل عارف أدّى زكاته إلى غير أهلها زماناً، هل عليه أن يؤدّيها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟ قال

نعم

، قال: قلت: فإن لم يعرف لها أهلًا فلم يؤدّها أو لم يعلم أنّها

______________________________

(1) الخلاف 4: 240.

(2) وسائل الشيعة 9: 215، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 2، الحديث 5.

(3) الزكاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 10: 288.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 322

نعم لو كان إحرازه بأمارة عقليّة كالقطع فالظاهر الضمان (28). و لو كان الدافع هو المجتهد أو وكيله لا ضمان عليه مع عدم التقصير، بل و لا على المالك أيضاً لو دفعه إليه أو إلىٰ وكيله بعنوان أنّه وليّ عامّ على الفقراء (29)،

______________________________

عليه فعلم بعد ذلك؟ قال

يؤدّيها إلى أهلها لما مضى

، قال: قلت له: فإنّه لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل و قد كان طلب و اجتهد ثمّ علم بعد ذلك سوء ما صنع؟ قال

ليس عليه أن يؤدّيها مرّة أُخرى «1».

و لا يخفى: أنّ هذه الرواية لا ترتبط بما نحن فيه من إعطاء الزكاة لمن اعتقده فقيراً ثمّ بان غناه، بل هي مربوطة بمن أعطى زكاته إلى غير أهلها. و لا يخفى أيضاً: أنّ القول بعدم الضمان مطلقاً مخالف للمشهور، و المشهور هو القول بالضمان مطلقاً، و هو المختار؛ لما نقلناه عن الشيخ

الأنصاري (رحمه الهّٰو).

(28) حيث إنّ القطع حجّة ما لم ينكشف الخلاف فإذا قطع بكون الشخص فقيراً و أعطاه الزكاة ثمّ بان خلافه فالظاهر ضمانه و تكليفه ثانياً بالأداء لو تعذّر استرجاعها أو تلفت و تعذّر أخذ عوضه من القابض. و كذا يضمن فيما إذا قامت أمارة عقلائية عليه، كما إذا دفع الزكاة إلى من كان فقيراً سابقاً يقيناً ثمّ انكشف أنّه صار غنياً حال القبض، هذا بناءً على حجّية الاستصحاب من باب كونه أمارة عقلائية لا أصلًا شرعياً.

(29) إذا دفع المجتهد أو وكيله الزكاة مع عدم التقصير لا ضمان عليه، و هذه المسألة ممّا لا خلاف فيه. و كذا لا خلاف في عدم الضمان على المالك إذا دفعه إلى المجتهد بعنوان أنّه وليّ عامّ على الفقراء.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 214، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 2، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 323

و أمّا إذا كان بعنوان الوكالة عن المالك فالظاهر ضمانه، فيجب عليه أداء الزكاة ثانياً (30).

______________________________

قال العلّامة في «المنتهي»: و لو دفع الإمام أو نائبه إلى من يظنّه فقيراً فبان غنياً لم يضمن الدافع و لا المالك بلا خلاف؛ أمّا المالك فلأنّه أدّى الواجب و هو الدفع إلى الإمام (عليه السّلام) فيخرج عن العهدة، و أمّا الدافع فلأنّه نائب عن الفقراء و أمين لهم لم يوجد منه تفريط من جهة فلا يضمن، و لأنّه فعل المأمور به؛ لأنّ الواجب الدفع إلى من يظهر منه الفقر؛ إذ الاطّلاع على الباطن متعذّر؛ فيخرج عن العهدة، و لا نعلم فيه خلافاً «1»، انتهى.

و علّل الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه) في كتاب الزكاة نفي الضمان عن الإمام أو نائبه بأصالة البراءة و كونهم

مأذونين من المالك الحقيقي و من طرف الفقراء في هذا الدفع الخاصّ، و لا يترتّب على التلف الحاصل من دون تفريط منهم ضمان، مع أنّ الضمان لو كان ففي بيت مال المسلمين؛ فيكون الغرامة أيضاً في مال الفقراء. إلى أن قال: أمّا المالك فلا إشكال في براءة ذمّته من الزكاة لإيصالها إلى يد وكيلهم فبرئت ذمّته «2»، انتهى.

(30) إذا دفع مالك النصاب زكاته إلى المجتهد أو وكيله، لا باعتبار أنّه وليّ عامّ للفقراء بل بما أنّه وكيل عن المالك في إيصالها إلى أهلها و دفعه المجتهد أو وكيله إلى من ليس أهلًا لها في الواقع، فمع وجود العين و التمكّن من استرجاعها يرجع المالك إلى المجتهد أو وكيله، و هما يرجعان إلى القابض.

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 527/ السطر 1.

(2) الزكاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 10: 288.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 324

[الثالث: العاملون عليها]

الثالث: العاملون عليها، و هم الساعون في جبايتها، المنصوبون من قِبَل الإمام (عليه السّلام) أو نائبه لأخذها و ضبطها و حسابها (31)،

______________________________

و مع التعذّر يضمنه المالك فليؤدّها ثانياً. و الإشكال بأنّ الوكيل أمين و يد الأمين غير ضامنة، مدفوع بأنّ عدم الضمان إنّما هو فيما تلفت بغير تفريط، و مع الإتلاف و لو عن غير عمد يثبت الضمان، و هذا كما لو دفع الأمين الأمانة إلى غير صاحبها باعتقاد أنّه صاحبها فإنّه ضامن بلا إشكال، و هذا واضح.

(31) و زاد بعضهم على المذكورات قسمتها و غيرها، كما في شرح «اللمعة»؛ قال: و هم السعاة في تحصيلها و تحصينها بجباية و ولاية و كتابة و حفظ و حساب و قسمة و غيرها «1».

و في «الجواهر» بعد قوله: و نحو ذلك ممّا

له مدخل في التحصيل أو التحصين إلى أن تصل إلى المستحقّين، قال حكايةً عن شرح الفاضل-: و القسمة ممّا له مدخلية في ذلك؛ لأنّها تحصيل الزكاة لمستحقّيها و تحصين لها عن غيره و عن استبداد البعض بجميعها. قلت: لكن قال العالم (عليه السّلام) في المروي عنه في «تفسير علي بن إبراهيم»

و العاملين عليها هم السعاة و الجباة في أخذها و جمعها و حفظها حتّى يؤدّوها إلى من يقسّمها «2»

، و ظاهره خروج القسمة عن العمل، انتهى «3».

و الظاهر من الرواية: أنّ المراد من القسمة هي قسمة الزكاة بين أهلها من الأصناف، و لكن قال في «الجواهر»: و يمكن إرادة أوّل الشهيدين و غيره من القسمة

______________________________

(1) الروضة البهيّة 2: 45.

(2) وسائل الشيعة 9: 211، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 1، الحديث 7.

(3) جواهر الكلام 15: 333.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 325

فإنّ لهم من الزكاة سهماً لأجل عملهم و إن كانوا أغنياء (32)، و الإمام (عليه السّلام) أو نائبه مخيّر بين أن يقدّر لهم جعالة أو اجرة عن مدّة مقرّرة،

______________________________

المذكورة في العمل القسمة مع المالك «1»، انتهى.

و فيه: أنّه خلاف ظاهر الرواية المذكورة. و كيف كان: فكون العاملين عليها منصوبين من قِبَل الإمام (عليه السّلام) أو نائبه ممّا لا خلاف فيه.

(32) يعني أنّ للعاملين عليها سهماً من الزكاة و أنّ ما يأخذونه معنون بعنوان الصدقة و الزكاة لا بعنوان الأُجرة و العوض للعمل باتّفاق أصحابنا و جماعة من العامّة، و هو صريح آية الزكاة في القرآن إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا. «2» إلى آخره، خلافاً لأبي حنيفة فقال: إنّ ما يأخذه العامل يكون اجرة و عوضاً لا

زكاة؛ لأنّه لا يعطي إلّا من العمل، و لا يشترط في العامل أن يكون فقيراً باتّفاق الفريقين.

قال في «الخلاف» في المسألة الثالثة و العشرين من مسائل قسمة الصدقات: و أمّا العامل فيعطى مع الفقر و الغنى بلا خلاف، و عندنا أنّه يأخذ الصدقات صدقة دون الأُجرة، و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: يأخذ أُجرة. إلى أن قال: و أمّا الدليل على أنّ سهم العامل صدقة دون الأُجرة: أنّه لا خلاف أنّ آل الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لا يجوز أن يتولّوا الصدقة، و لو كان ذلك اجرة لجاز لهم أن يتولّوها كسائر الإجازات «3»، انتهى.

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 333.

(2) التوبة (9): 60.

(3) الخلاف 4: 237/ مسألة 23.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 326

و بين أن لا يجعل لهم جعلًا فيعطيهم ما يراه (33)،

______________________________

(33) قال في «المبسوط»: فالإمام في العامل بالخيار إن شاء استأجره مدّة معلومة، و إن شاء عقد جعالة و إذا و في العمل دفع إليه العوض الذي شرط له «1».

و في «المدارك» «2»: لا ريب في جواز كلّ من الأمرين جعالة مقدّرة و أُجرة عن مدّة مقدّرة مع ثالث؛ و هو عدم التعيين و إعطاؤهم ما يرى الإمام كباقي الأصناف؛ لما رواه الكليني (رحمه اللّٰه) في الحسن عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: ما يعطى المصدّق؟ قال

ما يرى الإمام، و لا يقدّر له شي ء «3».

و في «الحدائق»: و الظاهر أنّ المراد من آخر الخبر أنّه ليس له سهم مقدّر مفروض لا يحتمل الزيادة و النقصان.

ثمّ إنّه قد ذكر جمع من الأصحاب منهم الشهيد في «البيان» و المحقّق الشيخ علي في حاشية

«الشرائع» أنّه لو عيّن له اجرة فقصر السهم عن أُجرته أتمّه الإمام من بيت المال أو من باقي السهام، و لو زاد نصيبه عن أُجرته فهو لباقي المستحقّين.

و لا يخفىٰ ما فيه؛ فإنّ هذا إنّما يتمّ على القول بوجوب البسط على الأصناف بالسوية، و هو غير معمول به عندنا، انتهى «4».

و يظهر من صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) أنّه منافاة بين كون سهم العاملين من الصدقات و بين التقدير لهم اجرة أو جعالة؛ قال: نعم قد ينافيه ما أشرنا إليه سابقاً من

______________________________

(1) المبسوط 1: 248.

(2) مدارك الاحكام 5: 213.

(3) وسائل الشيعة 9: 211، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 1، الحديث 4.

(4) الحدائق الناضرة 12: 174.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 327

..........

______________________________

أنّه حيث تقدّر للعامل اجرة يخرج عن كونه مصرفاً للزكاة؛ ضرورة ملكه لها بعد الإجارة؛ و لذا وجب الإتمام من بيت المال، بل لو لم يأت بشي ء أو ذهب ما جاء به أخذ من الإمام (عليه السّلام) ما يستحقّه، و من المعلوم أنّ المراد من الآية إعطاء العامل من الصدقات على وجه الصدقة، و هو الذي لم يقدر له شي ء، و قد سأل عنه الحلبي فأجابه (عليه السّلام) بما عرفت، فتأمّل جيّداً «1»، انتهى.

و فيه: أنّه لا تنافي بينهما؛ فإنّ الزكاة و كذا سائر الوجوه الشرعية من بيت المال و زمامه بيد وليّ الأمر يصرفه حسب ما يراه من المصالح بالإجارة و الجعل و الهبة و غيرها، فله أن يستأجر العامل و يعطيه أُجرته المعيّنة في مدّة معلومة من سهم العاملين من الزكاة. و قوله: «بما عرفت» إشارة إلى ما رواه الكليني في الحسن المتقدّم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام).

ثمّ

إنّ جماعة من فقهائنا ذكروا شروطاً للعاملين عليها؛ قال في «المبسوط»: و إذا أراد الإمام (عليه السّلام) أن يولّي رجلًا على الصدقات احتاج أن يجمع ستّ شرائط: البلوغ و العقل و الحرّية و الإسلام و الأمانة و الفقه، فإن أخلّ بشي ء منها لم يجز أن يولّيه «2». و قال المحقّق في «الشرائع»: و يجب أن يستكمل فيهم أربع صفات: التكليف و الإيمان و العدالة و الفقه، و لو اقتصر على ما يحتاج إليه منه جاز «3».

و قال صاحب «الجواهر» في شرح عبارة «الشرائع»: و على كلّ حالٍ فللعمّال أحكام كثيرة قد اشتمل صحيح بريد «4» على جملة منها، إلّا أنّ الذي يجب

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 338.

(2) المبسوط 1: 248.

(3) شرائع الإسلام 1: 148.

(4) وسائل الشيعة 9: 129، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 14، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 328

..........

______________________________

أن يستكمل فيهم أربع صفات: التكليف، بلا خلاف أجده فيه و لا إشكال؛ فلا تجوز عمالة الصبي و المجنون و لو بإذن وليهما؛ لأنّها نيابة عن الإمام (عليه السّلام) في الولاية على قبض مال الفقراء و حفظه لهم، و هما قاصران عن ذلك.

و من هنا اعتبر فيهم الإيمان بالمعنى الأخصّ؛ لعدم جواز هذه الولاية لغيره؛ إذ هي غصن من شجرة العهد الذي لا يناله الظالمون، مضافاً إلى عموم ما دلّ على عدم جواز إعطائهم الصدقات، و إلى ما حكى من الإجماع في «الروضة» و «المفاتيح» على اعتبار العدالة فيهم المعلوم انتفاؤها في غير المؤمن. إلى أن قال (رحمه اللّٰه): و أمّا اعتبار الفقه فلا دليل عليه في غير ما يحتاجون إليه في عملهم؛ و لذا قال المصنّف: و لو اقتصر

على ما يحتاج إليه فيه جاز، بل قد يظهر من المصنّف في «المعتبر» الميل إلى عدم اعتبار الفقه في العامل و الاكتفاء فيه بسؤال العلماء، و استحسنه في «البيان»، و نفى البأس عنه في «المدارك». و كذا يعتبر في العامل أن لا يكون هاشمياً بلا خلاف أجده «1»، انتهى.

و استدلّ على لزوم كون العامل غير هاشمي بعموم ما دلّ على حرمة الصدقة الواجبة على الهاشمي، كصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام): قالا

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس و إنّ اللّٰه قد حرّم عليَّ منها و من غيرها ما قد حرّمه، و إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطّلب «2»

، و نحوها غيرها من روايات الباب.

و خصوص صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ أُناساً من بني هاشم أتوا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 334 335.

(2) وسائل الشيعة 9: 268، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 29، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 329

و الأقوى عدم سقوط هذا الصنف في زمان الغيبة؛ مع بسط يد الحاكم و لو في بعض الأقطار (34).

[الرابع: المؤلّفة قلوبهم]

الرابع: المؤلّفة قلوبهم، و هم الكفّار الذين يراد الفتهم إلى الجهاد أو الإسلام، و المسلمون الذين عقائدهم ضعيفة، فيعطون لتأليف قلوبهم،

______________________________

و قالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعل اللّٰه عزّ و جلّ للعاملين عليها فنحن أولىٰ به، فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): يا بني عبد المطّلب (هاشم) إنّ الصدقة لا تحلّ لي

و لا لكم، و لكنّي قد وعدت الشفاعة.

إلى أن قال

أ تروني مؤثراً عليكم غيركم «1».

(34) هذه المسألة مبتنية على ثبوت الولاية المطلقة للفقيه الجامع لشرائط الولاية و بسط يده و لو في بعض الأقطار؛ فعلى القول بثبوتها كما هو الأقوى لا يسقط هذا الصنف في زمان الغيبة، و على القول بعدمه يسقط.

و عن الشيخ في «المبسوط» اختصاص إعطاء سهم العاملين و المؤلّفة قلوبهم بالنبي و الإمام صلوات اللّٰه و سلامه عليهما قال: و للمؤلّفة سهم من الصدقات كان ثابتاً في عهد النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و كلّ من قام مقامه عليه جاز له أن يتألّفهم مثل ذلك و يعطيهم السهم الذي سمّاه اللّٰه تعالى لهم، و لا يجوز لغير الإمام (عليه السّلام) القائم مقام النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ذلك و سهمهم مع سهم العامل ساقط اليوم «2». و في «مستند الشيعة»: و لا يبعد جوازه للنائب العامّ أو عدول المؤمنين؛ سيّما إذا كان فيه نوع مصلحة «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 268، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 29، الحديث 1.

(2) المبسوط 1: 249.

(3) مستند الشيعة 9: 272.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 330

و الظاهر عدم سقوطه في هذا الزمان (35).

______________________________

(35) اختلف فقهاؤنا في المراد من «المؤلّفة قلوبهم»؛ فقال جماعة باختصاصهم بالكفّار كالشيخ في «المبسوط» قال: «و المؤلّفة قلوبهم» عندنا هم الكفّار الذين يستمالون بشي ء من مال الصدقات إلى الإسلام و يتألّفون ليستعان بهم على قتال أهل الشرك، و لا يعرف أصحابنا مؤلّفة أهل الإسلام «3». و عن الشهيد في «الدروس»: و «المؤلّفة قلوبهم» و هم كفّار يستمالون بها إلى الجهاد «1». و عن

المحقّق في «الشرائع»: و هم الكفّار الذين يستمالون إلى الجهاد، و لا نعرف مؤلّفة غيرهم «2». و نسب إلى المفيد (رحمه اللّٰه) في كتاب «الإشراف» اختصاص المؤلّفة قلوبهم بالمسلمين، قال فيه: هم الداخلون في الإيمان على وجه يخاف عليهم معه مفارقتهم؛ فيتألّفهم الإمام بقسط من الزكاة لتطيب أنفسهم بما صاروا إليه و يقيموا عليه فيألفوه و يزول عنهم بذلك دواعي الارتياب «13»، انتهى. و اختاره صاحب «الحدائق».

و قال بعضهم: إنّ «المؤلّفة قلوبهم» أعمّ من الكفّار و المسلمين. و قد نسب العلّامة في «التذكرة» هذا القول إلى المفيد و الشافعي و قوّاه؛ فقال: قال المفيد (رحمه اللّٰه): المؤلّفة ضربان: مسلمون و مشركون، و به قال الشافعي، و هو الأقوى عندي؛ لوجود المقتضي؛ و هو المصلحة الناشئة من الإجماع و الكثرة على القتال «14»، انتهى.

______________________________

(3) المبسوط 1: 249.

(1) الدروس الشرعية 1: 241.

(2) شرائع الإسلام 1: 149.

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، در يك جلد، ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس؛ ص: 330

(13) انظر جواهر الكلام 15: 339، الإشراف، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 9: 39.

(14) تذكرة الفقهاء 5: 251.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 331

..........

______________________________

و في «المقنعة»: و «الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ» و هم الذين يستمالون و يتألّفون للجهاد و نصرة الإسلام «1»، انتهى.

و قال صاحب «الجواهر»: و التحقيق بعد التأمّل التامّ في كلمات الأصحاب و الأخبار المزبورة و معقد الإجماع و نفي الخلاف أنّ «المؤلّفة قلوبهم» عامّ للكافرين الذين يراد الفتهم للجهاد أو للإسلام و المسلمين الضعفاء العقائد، لا أنّهم خاصّون بأحد القسمين «2»، انتهى.

و اختاره المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه» و السيّد في «العروة الوثقى»

و أكثر المحشّين لها؛ و منهم المصنّف (رحمه اللّٰه).

و نسب إلى ابن الجنيد اختصاصهم بالمنافقين حيث عرّفهم بأنّهم مَن أظهر الدين بلسانه و أعان المسلمين و إمامهم (عليه السّلام) بيده و كان معهم إلّا قلبه «3».

ثمّ إنّ صاحب «الحدائق» «4» بعد اختياره اختصاص «المؤلّفة قلوبهم» بالمسلمين المقرّين بالإسلام قد دخلوا فيه، و لكن لم يستقرّ في قلوبهم و لم يثبت ثبوتاً راسخاً، استدلّ له بأخبار بعضها صحيح:

منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

المؤلّفة قلوبهم قوم وحّدوا اللّٰه و خلعوا عبادة مَنْ يُعبد من دون اللّٰه و لم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّداً رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يتألّفهم و يعرفهم لكيما يعرفوا و يعلّمهم «5».

______________________________

(1) المقنعة: 241.

(2) جواهر الكلام 15: 341.

(3) انظر مختلف الشيعة 3: 77.

(4) الحدائق الناضرة 12: 177.

(5) الكافي 2: 410/ 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 332

..........

______________________________

و فيه: أنّه لا يدلّ على كون القوم مسلمين، بل يدلّ على كونهم موحّدين قبال المنكرين للمبدإ، و مجرّد التوحيد لا يكفي في الإسلام.

و هذه الرواية رواها الكليني بطريقين: أحدهما طريق محمّد بن يحيى أبي جعفر العطّار شيخ الكليني و ينتهي السند إلى موسى بن بكر الواسطي الذي حسّنه المامقاني (رحمه اللّٰه) و قد شهد الشيخ بأنّه واقفي، أقول: و لكنّه تعتبر رواياته؛ لشهادة صفوان بن يحيى بيّاع الصابري بأنّ كتاب موسى بن بكر ممّا لا يختلف فيه أصحابنا، و لوقوعه في «تفسير علي بن إبراهيم».

و ثانيهما: طريق علي بن إبراهيم، و السند و إن كان ينتهي إلى رجل و لكن الراوي عنه يونس، و

هو من أصحاب الإجماع.

و منها: صحيحة ثانية لزرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، قال

هم قوم وحّدوا اللّٰه عزّ و جلّ و خلعوا عبادة من يعبد من دون اللّٰه و شهدوا أن لا إله إلّا اللّٰه و أنّ محمّداً رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و هم في ذلك شُكّاك في بعض ما جاء به محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فأمر اللّٰه عزّ و جلّ نبيّه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أن يتألّفهم بالمال و العطاء لكي يحسن إسلامهم و يثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه و أقرّوا به. و إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يوم حنين تألّف رأساً من رؤساء العرب و من قريش و سائر مصر؛ منهم أبو سفيان بن حرب و عيينة بن حصين الفزاري و أشباههم من الناس فغضبت الأنصار و اجتمعت إلى سعد بن عبادة، فانطلق بهم إلى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بالجعرانة فقال: يا رسول اللّٰه: أ تأذن لي في الكلام؟ فقال: نعم، فقال: إن كان هذا الأمر من هذه الأموال التي قسّمت بين قومك شيئاً أنزله اللّٰه رضينا، و إن كان غير ذلك لم نرض

، قال زرارة: و سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): يا معشر الأنصار أ كلّكم على قول

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 333

..........

______________________________

سيّدكم سعد؟ فقالوا: سيّدنا اللّٰه و رسوله؛ ثمّ قالوا في الثالثة: نحن على مثل قوله ورائه

، قال زرارة: فسمعتُ أبا

جعفر (عليه السّلام) يقول

فحطّ اللّٰه نورهم و فرض اللّٰه للمؤلّفة قلوبهم سهماً في القرآن «1».

و منها: مرسلة موسى بن بكر الواسطي عن رجلٍ قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام)

ما كانت المؤلّفة قلوبهم قطّ أكثر منهم اليوم، و هم قوم وحّدوا اللّٰه و خرجوا من الشرك و لم تدخل معرفة محمّد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قلوبهم و ما جاء به، فتألّفهم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و تألّفهم المؤمنون بعد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لكيما يعرفوا «2»

، و هذه الرواية مرسلة غير منجبرة، مضافاً إلى أنّ في سنده سهل بن زياد، و هو ضعيف أو ممّن لم يثبت وثاقته. و دلالتها كدلالة الصحيحة الأُولى لزرارة غير تامّة.

و منها: ما رواه الشيخ (رحمه اللّٰه) بإسناده عن علي بن إبراهيم صاحب التفسير أنّه ذكر في «تفسيره» تفصيل هذه الثمانية أصناف، فقال: فسّر العالم. إلى أن قال وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، قال

هم قوم وحّدوا اللّٰه و خلعوا عبادة من دون اللّٰه و لم يدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّداً رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يتألّفهم و يعلّمهم و يعرّفهم كيما يعرفوا، فجعل لهم نصيباً في الصدقات لكي يعرفوا و يرغبوا «3»

، و هذه الرواية أيضاً لا دلالة لها على المطلوب. نعم دلالة الصحيحة الثانية لزرارة المتقدّمة على المطلوب و أنّ «المؤلّفة قلوبهم» هم المسلمون تامّة.

و في صحيحة زرارة و محمّد بن مسلم قالا لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أ رأيت قول اللّٰه

______________________________

(1) الكافي 2: 411/ 2.

(2) الكافي 2: 412/

5.

(3) تفسير القمي 1: 299، وسائل الشيعة 9: 211، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 1، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 334

..........

______________________________

تبارك و تعالى إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ أ كلّ هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ فقال

إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعاً؛ لأنّهم يقرّون له بالطاعة

، قال زرارة: قلت: فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال

يا زرارة لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، و إنّما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأمّا اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلّا من يعرف؛ فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفاً فأعطه دون الناس

، ثمّ قال

سهم المؤلّفة قلوبهم و سهم الرقاب عامّ و الباقي خاصّ. «1»

الخبر.

فقرة يظهر منها أنّ الزكاة يعطى للمسلم أيضاً؛ و هي قوله (عليه السّلام)

يا زرارة لو كان يعطىٰ من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع.

و يمكن الاستشهاد بفقرات أُخر من الصحيحة على الاختصاص بالمسلم؛ و هي قوله (عليه السّلام)

لأنّهم يقرّون له بالطاعة

، و قوله (عليه السّلام)

و إنّما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه

، فالثبوت على الدين قرينة على أنّ المراد من «مَن لا يعرف» هو المسلم الغير العارف؛ فحينئذٍ يكون في الصحيحة دلالة على الاختصاص بالمسلم.

و أمّا قوله (عليه السّلام) في الرواية

سهم المؤلّفة قلوبهم و سهم الرقاب عامّ و الباقي خاصّ

، فيحتمل أن يراد من العامّ العارف و غير العارف و من الخاصّ خصوص العارف، بقرينة سائر الفقرات من الرواية.

و على فرض كونه عامّاً للمسلم و الكافر لا بدّ من تخصيصه بالمسلم بالصحيحة الثانية المتقدّمة لزرارة، فتدبّر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 209، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 1، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 335

[الخامس: في الرقاب]

الخامس: في الرقاب، و هم المكاتَبون العاجزون عن أداء مال الكتابة، و العبيد تحت الشدّة، بل مطلق عتق العبد (36)؛

______________________________

ثمّ إنّه إن ثبت إجماع على شمول «المؤلّفة قلوبهم» للكفّار، فهو، بل في «المبسوط» التصريح بأنّ الإجماع قام على كون «المؤلّفة قلوبهم» هم الكفّار فقط لا المسلمون، كما تقدّم نقله في صدر البحث. و إن لم يثبت الإجماع فيختصّ بالمسلمين.

(36) و في «الجواهر»: و عدل أي المصنّف عن «اللام» إلى «في» تبعاً للآية، و لعلّ الوجه فيه ما قيل من أنّ الأصناف الأُول يصرف إليهم المال فيتصرّفون فيه كيف شاؤوا، بخلاف الأربعة الأخيرة؛ فإنّ المال يصرف في جهات حاجاتهم التي لأجلها استحقّوا الزكاة، فيخلص به الرقاب من الأسر و الرقّ و يقضى به الدين، و كذا في «سبيل اللّٰه» و «ابن السبيل» و في «الكشّاف»: إنّما عدل للإيذان بأنّهم أرسخ في استحقاق التصدّق عليهم ممّن سبق ذكره؛ لأنّ «في» للوعاء؛ فنبّه به على أنّهم أحقّاء بأن توضع فيهم الصدقات و يجعلوا مظناً لها و مصبّاً. إلى أن قال: و تكرير «في» في قوله تعالىٰ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب و الغارمين «1»، انتهى.

الأشهر بل المشهور عند فقهائنا: أنّ الرقاب هم ثلاثة: المكاتبون، و العبيد تحت الشدّة، و العبيد مطلقاً يشترى و يعتق و إن لم يكن في شدّة.

أمّا المكاتبون فلا خلاف بيننا و بين العامّة في أنّ سهم

الرقاب يصرف و يعطى لمولى العبد المكاتب فيعتق؛ سواء أدّى بعضه أم لا. و في مرسلة الصدوق قال: سئل

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 343 344.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 336

..........

______________________________

الصادق (عليه السّلام) عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدّى بعضها، قال

يؤدّى عنه من مال الصدقة؛ إنّ اللّٰه عزّ و جلّ يقول في كتابه وَ فِي الرِّقٰابِ «2».

و الأصحاب لم يفرّقوا بين تأدية بعض المكاتب و عدمها؛ فالقيد في المرسلة: «و قد أدّى بعضها» غير معمول به عندهم، و كذا لم يفرّقوا بين الكتابة المطلقة و المشروطة بالردّ إلى الرقّ مع العجز عن أداء مال المكاتبة.

و أمّا العبيد تحت الشدّة فيدلّ على جواز شرائهم من سهم الرقاب قبل الإجماع المحكي مستفيضاً صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و الستّمائة يشتري بها نسمة و يعتقها، فقال

إذن يظلم قوماً آخرين حقوقهم

، ثمّ مكث مليّاً ثمّ قال

إلّا أن يكون عبداً مسلماً في ضرورة فيشتريه و يعتقه «3».

و الإشكال على الاستدلال بالصحيحة بأنّه لا يدلّ على جواز الاشتراء من خصوص سهم الرقاب، بل من المحتمل جواز اشترائه من سبيل اللّٰه، مدفوعٌ بأنّ الاشتراء من سبيل اللّٰه لا يختصّ بالعبد تحت الشدّة و الضرورة، بل يعمّ العبيد كلّهم؛ فالتخصيص بالعبد المسلم في ضرورة يدلّ على كونه من سهم الرقاب.

و أمّا مطلق العبيد سواء كانوا تحت الشدّة أم لا فيجوز شراؤهم من سهم الرقاب و عتقهم. و يدلّ عليه موثّق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم، فلم يجد موضعاً يدفع ذلك

إليه، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه، هل يجوز ذلك؟ قال

نعم لا بأس بذلك

، قلت: فإنّه لمّا أن أُعتق و صار حرّا اتّجر

______________________________

(2) وسائل الشيعة 9: 293، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 44، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 291، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 43، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 337

سواء وجد المستحقّ للزكاة أم لا (37)،

______________________________

و احترف فأصاب مالًا (كثيراً) ثمّ مات و ليس له وارث، فمَن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال

يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقّون الزكاة؛ لأنّه اشترى بمالهم «1».

و صحيح أيّوب بن الحرّ أخي أديم بن الحرّ قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه أشتريه من الزكاة فأُعتقه؟ قال: فقال

اشتره و أعتقه

، قلت: فإن هو مات و ترك مالًا؟ قال

ميراثه لأهل الزكاة؛ لأنّه اشتري بمالهم «2».

و رواية أبي محمّد الوابشي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله؟ قال

اشترى خير رقبته، لا بأس بذلك «3»

، و الرواية ضعيفة؛ لجهالة أبي محمّد الوابشي الذي هو عبيد اللّٰه بن سعيد.

(37) اختلف فقهاؤنا في أنّ جواز شراء العبيد من الزكاة هل هو مشروط بعدم وجود المستحقّ لها أم لا؟ فقال المحقّق بالاشتراط؛ قال في «الشرائع»: و العبد يشترى و يعتق و إن لم يكن في شدّة لكن بشرط عدم المستحقّ «4» و وافقه السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين لها. و استدلّ عليه بموثّق عبيد بن زرارة المتقدّم حيث سأل

عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم و لم يجد موضعاً يدفع ذلك إليه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 292، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 43، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 293، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 43، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 9: 251، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 19، الحديث 1.

(4) شرائع الإسلام 1: 149.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 338

فهذا الصنف عامّ لمطلق عتق الرقبة (38)، لكن يُشترط في المكاتب العجز المذكور (39).

[السادس: الغارمون]
اشارة

السادس: الغارمون، و هم الذين علّتهم الديون في غير معصية و لا إسراف، و لم يتمكّنوا من وفائها و لو ملكوا قوت سنتهم (40).

______________________________

و نسب إلى السيّد المرتضى (رحمه اللّٰه) في «الانتصار» و سلّار في «المراسم» و ابن إدريس في «السرائر» و العلّامة في «القواعد» و في حواشي «القواعد» و «الإرشاد» و «الإيضاح» و «الكنز» و «المسالك» و إلى غيرهم جواز شراء العبد مطلقاً من الزكاة و إن وجد المستحقّ لها، و المصنّف (رحمه اللّٰه) في حاشية «العروة» و في المتن اختار هذا القول، و هو المختار، و لعلّه لإطلاق الآية و الروايات الدالّة على جواز شراء العبيد.

و أمّا الموثّق المتقدّم فلا دلالة فيها على أنّ الزكاة المشتري بها المملوك كان خصوص سهم الرقاب، و هو مفروض المسألة، بل هو ظاهر أو صريح في أنّ ثمن المملوك كان عبارة عن تمام زكاة مال الرجل لا سهم الرقاب فقط، هذا أوّلًا. و ثانياً: أنّ التقييد فيه بعدم وجدان موضع الزكاة إنّما وقع في كلام السائل لا في كلام الإمام (عليه السّلام)؛ فلا يوجب تقييد الآية و الروايات المطلقة المذكورة.

(38) أي صنف الرقاب عامّ لمطلق الرقبة؛ مكاتباً كان

أو غير مكاتب، وجد المستحقّ أو لم يوجد؛ و ذلك لإطلاق الروايات المذكورة.

(39) و الدليل على الاشتراط مرسلة الصدوق (رحمه اللّٰه) المتقدّمة حيث قيّد المكاتب المؤدّى عنه عن مال الصدقة بالعاجز عن أداء مال مكاتبته، و المرسلة منجبرة بالإجماع تحصيلًا و نقلًا من الفريقين.

(40) يشترط في احتساب سهم الغارمين من الزكاة أُمور:

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 339

..........

______________________________

الأوّل: أن لا يكون الدين مصروفاً في المعصية، و إلّا لم يقض من هذا السهم و إن جاز إعطاؤه من سهم الفقراء. و لا خلاف في عدم جواز الاحتساب لو صرف الدين في المعصية، بل ادّعى عليه الإجماع في «الخلاف» و «المنتهي» و «التذكرة».

و يدلّ عليه مضافاً إلى ما ذكره صاحب «الجواهر» من أنّ الزكاة إرفاق لا تناسب المعصية، بل في وفائه منها إغراءً بالقبيح ما ورد في «تفسير علي بن إبراهيم» من تفسير العالم (عليه السّلام) «الغارمين» ب

أنّهم قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّٰه من غير إسراف، فيجب على الإمام (عليه السّلام) أن يقضي ذلك عنهم و يفكّهم من مال الصدقات «1».

و رواية محمّد بن سليمان عن رجل من أهل الجزيرة يكنّى أبا محمّد قال: سأل الرضا (عليه السّلام) رجل و أنا أسمع فقال له: جعلت فداك إنّ اللّٰه عزّ و جلّ يقول وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ «2»، أخبرني عن هذه النظرة التي ذكر اللّٰه عزّ و جلّ في كتابه، لها حدّ يعرف إذا صار هذا المعسر إليه لا بدّ له من أن ينتظر و قد أخذ مال هذا الرجل و أنفقه على عياله و ليس له غلّة ينتظر إدراكها و لا دين ينتظر محلّه و

لا مال غائب ينتظر قدومه، قال

نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام، فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّٰه عزّ و جلّ فإن كان أنفقه في معصية اللّٰه عزّ و جلّ فلا شي ء له على الإمام

، قلت: فما لهذا الرجل الذي ائتمنه و هو لا يعلم فيما أنفقه، في طاعة اللّٰه أم في معصيته؟ قال

يسعى له في ماله فيردّه عليه و هو صاغر «3».

______________________________

(1) تفسير القمي 1: 299، وسائل الشيعة 9: 211، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 1، الحديث 7.

(2) البقرة (2): 280.

(3) وسائل الشيعة 18: 336، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض، الباب 9، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 340

..........

______________________________

و رواية الصباح بن سيابة عن الصادق (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

أيّما مسلم مات و ترك ديناً لم يكن في فساد و على إسراف فعلى الإمام أن يقضيه، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك، إنّ اللّٰه يقول إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ فهو من الغارمين و له سهم عند الإمام، فإن حبسه فإثمه عليه «1».

و صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج لا يخلو من إشعار بل دلالة عليه قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل عارف فاضل توفّى و ترك عليه ديناً قد ابتلي به لم يكن بمفسد و لا بمسرف و لا معروف بالمسألة، هل يقضى عنه من الزكاة الألف و الألفان؟ قال

نعم «2».

و ضعف بعض الروايات المذكورة منجبر بالإجماع في المسألة.

الثاني: أن لا يصرف ما تملّكه

بالدين بإسراف و تبذير. و يدلّ عليه ما ورد في «تفسير علي بن إبراهيم» المتقدّم من قول العالم (عليه السّلام) من غير إسراف، و رواية الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه

أنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: يعطي المستدينون من الصدقة و الزكاة دينهم كلّ ما بلغ إذا استدانوا في غير سرف. «3»

الخبر.

الثالث: عدم تمكّنهم من أدائها و لو لم يكونوا فقراء اصطلاحاً بل ملكوا قوت سنتهم.

و لقد أجاد صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) حيث اختار أنّ من ملك قوت سنته و كان عليه دين و لم يتمكّن من أدائه فهو فقير، و يعجبني نقل عبارته بطولها لفائدته:

______________________________

(1) مستدرك الوسائل 7: 127، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 27، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 295، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 46، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 261، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 24، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 341

..........

______________________________

قال (رحمه اللّٰه): نعم صرّح غير واحد باعتبار كونه غير متمكّن من القضاء، بل في محكي «الخلاف» و «الغنية» و ظاهر «التذكرة» الإجماع منّا على اعتبار الفقر فيه، بل عن «المبسوط» الإجماع من أهل العلم كافّة على ذلك، و هو المراد ممّا في «المعتبر»: أنّ الغارم لا يعطى مع الغنىٰ. لكن في «المدارك»: الظاهر أنّ المراد من الغنى انتفاء الحاجة إلى القضاء لا الغنى الذي هو ملك قوت السنة؛ إذ لا وجه لمنع مالك قوت السنة من أخذ ما يوفى به الدين إذا كان غير متمكّن من قضائه، و قد أخذ ذلك ممّا في «المسالك» حيث صرّح بالفرق بين الفقير و الغارم؛ فمنع من إعطاء مالك قوت السنة من سهم

الفقراء و إن كان دينه أضعاف ما عنده؛ لأنّه حينئذٍ غارم غير فقير. و في شرح «اللمعة» للأصبهاني: يمكن أن لا يكون المراد بالفقير هنا ما عرفته في الفقراء و المساكين من عدم مئونة السنة فعلًا أو قوّةً، بل عدم التمكّن من قضاء الدين، بدليل أنّ جماعة منهم الشارح عبّروا بذلك و نحوه ممّا يفيد مفاده.

قلت: الأصل في ذلك ما دلّ على أنّ الزكاة إنّما شرّعت لسدّ الخلّة و دفع الحاجة، و أنّها لا تحلّ لغني، و أنّ اللّٰه شرّك بين الأغنياء و الفقراء، إلى غير ذلك ممّا دلّ على كونها للفقراء، و قد صرّح غير واحد باعتبار الفقر فيهم، بل قد عرفت أنّه معقد الإجماعات المزبورة.

فيمكن أن ينقدح من ذلك اعتبار القدرة على قضاء الدين مع مئونة السنة في الغني؛ فمن عجز عنهما أو أحدهما فهو فقير، و مَن ملك ما يقابلهما معاً كان غنياً، كما صرّح به الأُستاذ في «كشفه» في تعريف الفقر و الغنى؛ ضرورة أنّ الحاجة إلى وفاء الدين أشدّ من الحاجة إلى غيرها من المؤن. مضافاً إلى صدق الفقير على من ملك قوت سنته و كان عليه أضعافها ديناً؛ و خصوصاً إذا كان قد اشتراها به؛ و لذا يعطى في الخمس و غيره ممّا يشترط فيه الفقر، و دعوى أنّ مثله غني كما ترى؛

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 342

..........

______________________________

فحينئذٍ اشتراط الفقر ممّن عرفت في محلّه؛ إذ متى كان عاجزاً عن وفاء الدين كلّا أو بعضاً كان فقيراً و إن ملك قوت سنته، و هو المراد من اشتراط عدم التمكّن من القضاء «1»، انتهى.

هنا فروع:

الأوّل: إذا شكّ في أنّ الغارم الغير المتمكّن من الأداء صرف الدين في

المعصية أم لا فهل يجوز أن يقضي دينه من سهم الغارمين أم لا؟

حكي عن «نهاية» الشيخ المنع منه، و نسب الميل إليه إلى أوّل الشهيدين، و استدلّ له بما في رواية محمّد بن سليمان المتقدّم من قوله: قلت: فما لهذا الرجل الذي ائتمنه و هو لا يعلم في طاعة اللّٰه أنفقه أو في معصيته، فأجابه (عليه السّلام) ب

أنّه يسعى له فيردّه عليه و هو صاغر «2».

و فيه منع الدلالة؛ إذ لم يقع السؤال فيها عن تكليف الدافع عند جهله بالحال من حيث جواز الاحتساب و عدمه، بل السؤال كان عمّا يستحقّه صاحب الدين، و أنّه هل عليه أن ينصرف عن حقّه و يسقطه بعد علمه بأنّه ليس له شي ء حتّى ينظر إلى وصوله و إحقاق حقّه منه، فسأل الإمام (عليه السّلام) عن ذلك، فأجابه بأنّ على المدين السعي في ماله و ردّه إليه و هو صاغر.

و استدلّ له أيضاً بأنّ الظاهر من الأخبار: أنّ شرط احتساب الدين من سهم الغارمين هو صرفه في طاعة اللّٰه، و لا بدّ من إحرازه؛ فما لم يحرز الشرط لم يجز الدفع؛ لأصالة عدمه.

و فيه: أنّ الظاهر من بعض الأخبار و إن كان ذلك كما في رواية محمّد بن

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 356.

(2) وسائل الشيعة 18: 336، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض، الباب 9، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 343

..........

______________________________

سليمان المتقدّمة قال

فيقضى عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّٰه عزّ و جلّ

و لكن المراد منه بقرينة ذيلها و سائر الروايات المذكورة المتقدّمة عدم كونه مصروفاً في المعصية؛ فيكون الصرف في المعصية في الحقيقة مانعاً

عن جواز احتساب الدين من الزكاة.

و القول الآخر في المسألة جواز الاحتساب، و هذا القول نسب إلى الأكثر كما في «التذكرة»، و إلى المشهور كما في «الجواهر» و غيره، و هو الأقوى؛ لإطلاق الأدلّة بالنسبة إلى اشتراط صرف الدين في الطاعة. و يشهد له الأخبار الواردة في جواز قضاء ديون أبيه أو غيره من المؤمنين الأموات و الأحياء من الزكاة، من غير تقييد بالعلم بكونها في طاعة اللّٰه أو عدم كونها في معصيته مع قضاء العادة بالجهل بمصرف ديون الغير في الغالب؛ فلو كان العلم بحالها شرطاً في جواز التصرّف لم يجز الرخصة في قضائها من الزكاة على الإطلاق.

الثاني: يجوز إعطاء الزكاة من سهم الفقراء للغارم الغير المتمكّن من أداء دينه مع صرفه في المعصية و إن لم يتب عن معصيته، بناءً على عدم اشتراط العدالة في الفقير. و لا منافاة بين كونه مالكاً لقوت سنته و بين كونه فقيراً من ناحية دينه؛ لما عرفته تفصيلًا ممّا نقلناه من صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه).

الثالث: لو كان الغارم معذوراً في صرف الدين في المعصية جهلًا بالموضوع أو الحكم أو اضطراراً أو إكراهاً أو نسياناً أو في حال عدم التكليف لصغر أو جنون و لم يتمكّن من أدائه جاز إعطاؤه من سهم الغرماء؛ لانصراف المعصية في لسان الأدلّة إلى المعصية الفعلية، و هي القدر المتيقّن من الإجماع.

الرابع: إذا دفع الزكاة من سهم الغارم ثمّ بان أنّه صرفه في المعصية وجب الارتجاع منه مع البقاء؛ لعدم ملك الغارم لها، و مع التلف استرجع عوضها لعدم

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 344

..........

______________________________

إيصالها إلى أهلها، و يجب على الغارم دفعها إليه لقاعدة على اليد. نعم لو كان

فقيراً جاز احتسابه عليه من سهم الفقراء، و كذا يجب الارتجاع إذا دفعها إليه من سهم الغارم ثمّ تبيّن أنّه غير مدين.

الخامس: هل يجوز إعطاء الزكاة من سهم سبيل اللّٰه للغارم الغير المتمكّن من الأداء مع صرفه الدين في المعصية مطلقاً و إن لم يتب؟ فيه خلاف؛ ففي «العروة الوثقى»: أنّه يجوز إعطاؤه من سهم سبيل اللّٰه، و وافقه كثير من المحشّين لها، و قال السيّد الحكيم (رحمه اللّٰه) في «المستمسك»: إنّ الجواز مبني على أنّ سهم سبيل اللّٰه لكلّ خير و قربة و المقام منها، و قال (رحمه اللّٰه) في حاشيته على «العروة الوثقى»: إنّه لا يخلو من شبهة، و قال في «المسالك» بالجواز مع التوبة.

و لا يخفى: أنّ عنوان «سبيل اللّٰه» ينافي صرف الزكاة و إعطاءها للغارم الغير المتمكّن من الأداء مع صرفه في المعصية، و لعلّه لذا استشكل السيّد الگلپايگاني (رحمه اللّٰه) في حاشيته على «العروة»: بأنّ انطباق سبيل اللّٰه عليه لا يخلو من إشكال؛ فلا يترك الاحتياط.

السادس، ذكره الشيخ (رحمه اللّٰه) في «المبسوط» قال: و أمّا الغارمون فصنفان: صنف استدانوا في مصلحتهم و معروف في غير معصية ثمّ عجزوا عن أدائه، فهؤلاء يعطون من سهم الغارمين بغير خلاف و قد الحق بهذا قوم أدانوا مالًا في دم؛ بأن وجد قتيل لا يدرى مَنْ قتله و كاد أن تقع بسببه فتنة، فتحمّل رجل ديته لأهل القتيل، فهؤلاء أيضاً يعطون؛ أغنياءً كانوا أو فقراء؛ لقوله (عليه السّلام)

لا تحلّ الصدقة لغني إلّا لخمس: غازٍ في سبيل اللّٰه أو عامل عليها أو غارم «1»

و أُلحق به أيضاً قوم تحمّلوا في ضمان مال؛ بأن يتلف مال الرجل و لا يدرى من أين أتلفه و كاد أن

يقع بسببه

______________________________

(1) السنن الكبرى، البيهقي 7: 15.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 345

[ (مسألة 13): المراد بالدين: كلّ ما اشتغلت به الذِّمّة]

(مسألة 13): المراد بالدين: كلّ ما اشتغلت به الذِّمّة و لو كان مهراً لزوجته، أو غرامة لما أتلفه أو تلف عنده مضموناً (41).

______________________________

فتنة، فتحمّل رجل قيمته و أطفأ الفتنة.

و ذكر (رحمه اللّٰه) الصنف الآخر من الغارمين بقوله: و الغارمون في مصلحة أنفسهم فعلى ثلاثة أضرب: ضرب أنفقوا المال في الطاعة و الحجّ و الصدقة و نحو ذلك، و ضربٌ أنفقوا في المباحات من المأكول و الملبوس، فهذان يدفع إليهما مع الفقر. و الضرب الثالث من أتلف ماله في المعاصي كالزنا و شرب الخمر و اللواط، فإن كان غنياً لم يعط شيئاً و إن كان فقيراً نظر؛ فإن كان مقيماً على المعصية لم يعطه؛ لأنّه إعانة على المعصية، و إن تاب فإنّه يجوز أن يعطى من سهم الفقراء و لا يعطى من سهم الغارمين «1».

و في «العروة الوثقى»: لو استدان لإصلاح ذات البين كما لو وجد قتيل لا يدرى قاتله و كاد أن تقع بسببه الفتنة فاستدان للفصل فإن لم يتمكّن من أدائه جاز الإعطاء من هذا السهم، و كذا لو استدان لتعمير مسجد أو نحو ذلك من المصالح العامّة. و أمّا لو تمكّن من الأداء فمشكل، نعم لا يبعد جواز الإعطاء من سهم سبيل اللّٰه و إن كان لا يخلو من إشكال أيضاً، إلّا إذا كان من قصده حين الاستدانة ذلك «2»، انتهى.

(41) يعني أنّه ليس المراد من الدين خصوص الاستدانات و القروض، بل يعمّ كلّ مال اشتغلت به الذمّة و لو بغير عوض مالي، كمن كان عليه دية أو كفّارة أو

______________________________

(1) المبسوط 1: 251.

(2) العروة الوثقى

2: 315/ مسألة 29.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 346

..........

______________________________

مهر زوجته أو ثمن مبيع، و يشمل أيضاً غرامة ما أتلفه أو تلف عنده بالضمان.

و في زكاة الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه): الظاهر أنّه لا يعتبر وقوع أسبابها في غير المعصية، بل لو كان سبب الكفّارة الظهار المحرّم أو حنث اليمين أو قتل الصيد و لو عمداً أو إتلاف مال عمداً فالظاهر جواز الإعطاء و لو بعد التوبة، بناءً على اشتراط العدالة؛ لإطلاق الغارم و اختصاص المقيّد بما إذا استدان في المعصية و أُنفق فيها. و لا يشمل ما إذا كان سبب الضمان معصية، إلّا أن يفهم العموم بتنقيح المناط أو اعتمدنا في الحكم بالتقييد على وجوه اعتبارية ذكروها من كونه إغراءً بالقبيح، و أنّ الزكاة إرفاق فلا يناسب كون المعصية سبباً لها «1»، انتهى.

و في «العروة الوثقى»: فلو كان الإتلاف جهلًا أو نسياناً و لم يتمكّن من أداء العوض جاز إعطاؤه من هذا السهم، بخلاف ما لو كان على وجه العمد و العدوان «2».

و علّل السيّد الحكيم (رحمه اللّٰه) في «المستمسك» «3» عدم جواز إعطائه من هذا السهم في صورة العمد و العدوان بأنّه من الدين في المعصية. و أجاب عنه بما أفاده الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه) فقال: اللهمّ إلّا أن يقال: الظاهر من الدين في المعصية الدين في سبيل المعصية لا الدين المسبّب عن المعصية فإنّه معصية في الدين؛ فيكون المقام من قبيل ثمن البيع وقت النداء إذا كان ثمن البيع ديناً.

نعم يمكن أن يستفاد المنع من إعطاء سهم الغارمين من صحيح ابن الحجّاج

و لا تعطين من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئاً

، قلت: و ما نداء الجاهلية؟ قال (عليه

السّلام)

هو الرجل يقول: يا آل بني فلان فيقع بينهم القتل

______________________________

(1) الزكاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 10: 306.

(2) العروة الوثقى 2: 313/ مسألة 16.

(3) مستمسك العروة الوثقى 9: 259.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 347

و الأقوى عدم اعتبار الحلول فيه، و الأحوط اعتباره (42).

______________________________

و الدماء، فلا تؤدّوا ذلك من سهم الغارمين «1»

، انتهى كلام المستمسك.

(42) و في «الجواهر»: و في اعتبار الحلول وجهان، و لكن مقتضى إطلاق النصّ و الفتوى عدمه، و في «المستمسك» بعد نقل قول «الجواهر» قال: و كأنّ منشأ اعتبار الحلول انصراف الدليل إليه؛ لأنّ المؤجّل غير معدود عرفاً من النفقات إلّا بعد الحلول، انتهى.

أقول: و ما دام لم يحلّ أجل الدين لا يصدق على الغريم أنّه غير متمكّن من أداء دينه؛ فالأحوط وجوباً عدم الإعطاء من سهم الغرماء قبل حلول أجله.

و ينبغي ذكر فرع عنونه السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» كما ذكره قبله النراقي (رحمه اللّٰه) في «مستند الشيعة» «2» قال في مسألة 23: إذا لم يكن الغارم متمكّناً من الأداء حالّا و تمكّن بعد حين كأن يكون له غلّة لم يبلغ أوانها أو دين مؤجّل يحلّ أجله بعد مدّة ففي جواز إعطائه من هذا السهم إشكال، و إن كان الأقوى عدم الجواز مع عدم المطالبة من الدائن أو إمكان الاستقراض و الوفاء من محلّ آخر ثمّ قضائه من محلّ آخر «3»، انتهى.

أقول: مفروض المسألة: كون الدين حالّا و لكن الدائن لا يطالب المديون فعلًا بل يمهله، أو يطالبه فعلًا و لكن يمكن للمديون الاستقراض من شخص آخر و أداء دينه الحالّ؛ فلا يجوز حينئذٍ إعطاء دينه من هذا السهم؛ لعدم صدق الغير المتمكّن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9:

298، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 48، الحديث 1.

(2) مستند الشيعة 9: 287.

(3) العروة الوثقى 2: 314/ مسألة 23.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 348

[ (مسألة 14): لو كان المديون كسوباً يتمكّن من قضائه تدريجاً]

(مسألة 14): لو كان المديون كسوباً يتمكّن من قضائه تدريجاً، فإن لم يرضَ بذلك الديّان، و يطلبون منه التعجيل، فلا إشكال في جواز إعطائه من هذا السهم، و إلّا فالأحوط عدم إعطائه (43).

______________________________

من الأداء عليه، بل هو متمكّن منه. و يشير إليه رواية محمّد بن سليمان المتقدّمة: «و ليس له غلّة ينتظر إدراكها و لا دين ينتظر محلّه و لا مال غائب ينتظر قدومه» «1».

و قال في «المستمسك»: لكن لمّا كان الدين حالّا فقد احتاج إلى وفائه و عجز عنه؛ و لأجل ذلك لم يبعد القول بالجواز كما مال إليه غير واحد أخذاً بإطلاق الآية و بعض النصوص. إلى أن قال: نعم إذا كانت مدّة الانتظار قريبة بحيث يسهل عرفاً انتظارها لا يجوز الدفع من الزكاة؛ لصدق التمكّن حينئذٍ عرفاً بذلك، كما أنّها لو كانت بعيدة جدّاً فلا ينبغي التأمّل في جواز الدفع فلاحظ، انتهى «2».

و فيه: أنّه بناءً على اعتبار عدم التمكّن من الأداء في جواز الإعطاء من هذا السهم لا يجوز الدفع إليه مطلقاً، من غير فرق بين قرب مدّة الانتظار و بُعدها.

(43) من لم يقدر على أداء دينه المعجّل مع مطالبة الديّان إيّاه من غير إمهالٍ، و لكنّه يتمكّن من أدائه تدريجاً لكونه كسوباً و مع ذلك لا يتمكّن من الاستقراض من شخص آخر و أداء دينه ثمّ وفاء القرض من كسبه، فلا إشكال حينئذٍ في جواز إعطائه من سهم الغارمين؛ لصدق الغارم الغير المتمكّن من الأداء عليه حقيقةً.

و أمّا مع رضا الديّان

بأدائه تدريجاً ففيه وجهان: جواز الإعطاء؛ لحاجته فعلًا و عجزه عن الأداء، و القدرة على اكتساب ما يقضي به الدين أو القدرة على

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 336، كتاب التجارة، أبواب الدين و القرض، الباب 9، الحديث 3.

(2) مستمسك العروة الوثقى 9: 262.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 349

[ (مسألة 15): لو كان المديون ممّن تجب نفقته علىٰ من عليه الزكاة]

(مسألة 15): لو كان المديون ممّن تجب نفقته علىٰ من عليه الزكاة، جاز له إعطاؤه لوفاء دينه و إن لم يجز لنفقته (44).

______________________________

الاستقراض غير القدرة على الأداء؛ فهو غير قادر على الأداء. و عدم جوازه؛ لانصراف دليل الجواز إلى صورة عدم القدرة على الأداء أصلًا، و هو قادر على الكسب، و القدرة على الكسب كالقدرة على المال. و الأحوط وجوباً عدم إعطائه.

(44) يجوز لمن عليه الزكاة إعطاء زكاته لمن وجبت نفقته عليه لوفاء دينه بلا خلاف و لا إشكال؛ لأنّ من وجبت نفقته على مالك النصاب كالأجنبي بالنسبة إلى وفاء الدين. و يظهر من العلّامة في «التذكرة» و «المنتهي» و المحقّق في «المعتبر» الإجماع على المسألة.

و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين أ يؤدّي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟ فقال

إن كان أبوه أورثه مالًا ثمّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذٍ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته، و إن لم يكن أورثه مالًا لم يكن أحدٌ أحقّ بزكاته من دين أبيه، فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه «1».

و موثّق إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل على أبيه دين

و لأبيه مئونة أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال

نعم، و من أحقّ من أبيه؟! «2».

و في «الجواهر»: و لا ينافي ذلك أي جواز إعطاء زكاته أباه لقضاء دينه ما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 250، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 18، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 250، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 18، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 350

[ (مسألة 16): كيفيّة صرف الزكاة في هذا المصرف]

(مسألة 16): كيفيّة صرف الزكاة في هذا المصرف: إمّا بدفعها إلى المديون ليوفي دينه، و إمّا بالدفع إلى الدائن وفاءً عن دينه (45)، و لو كان الغريم مديوناً لمن عليه الزكاة جاز له احتساب ما في ذمّته زكاة (46)،

______________________________

في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً: الأب و الأُمّ و الولد و المملوك و المرأة؛ و ذلك أنّهم عياله لازمون له «1»

، و علّل (رحمه اللّٰه) عدم المنافاة بينهما بقوله: لأنّ المراد إعطاؤهم النفقة الواجبة، كما يدلّ عليه قوله

و ذلك.

إلى آخره؛ فإنّ قضاء الدين لا يلزمه اتّفاقاً «2»، انتهى.

أقول: و يدلّ عليه أيضاً تعليله (عليه السّلام) بالإجبار على النفقة عليهم في صحيحة أبي طالب عبد اللّٰه ابن الصلت عن عدّة من أصحابنا يرفعونه إلى أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد و الوالدان و المرأة و المملوك؛ لأنّه يجبر على النفقة عليهم «3».

(45) هذه المسألة ممّا لا خلاف و لا إشكال فيه، و لا فرق في المديون بين الأجنبي و من تجب نفقته عليه.

(46) و يدلّ عليه صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السّلام)

عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال

نعم «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 240، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 13، الحديث 1.

(2) جواهر الكلام 15: 366.

(3) وسائل الشيعة 9: 241، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 13، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 9: 295، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 46، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 351

كما جاز له أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاءً للدين الذي على الغريم، و يبرأ بذلك ذمّته و إن لم يقبضها و لم يوكّل المالك في قبضها، بل و لم يكن له اطّلاع بذلك (47).

______________________________

(47) يعني أنّه يجوز للدائن المالك للنصاب أن يحتسب ما عنده من الزكاة للمديون وفاءً للدين و يأخذها مقاصّة، و إن لم يقبضها المديون و لم يوكّل المديون مالك النصاب في قبضها، بل و لم يكن للمديون اطّلاع بذلك، و هذا نوع من المقاصّة. و في «المستمسك»: و كأنّ المراد بالمقاصّة مجرّد الاستيفاء بالزكاة إشارةً إلى أنّه فيه نوع من المقاصّة باعتبار أنّ الزكاة للفقراء و منهم المديون فكان الاستيفاء مقاصّة «1»، انتهى.

و يظهر من «المدارك» التوقّف في صحّة الاحتساب المذكور؛ قال (رحمه اللّٰه): و ذكر الشارح أنّ معنى المقاصّة احتساب الزكاة على الفقير ثمّ أخذها مقاصّة من دينه، و هو بعيد «2»، انتهى. و وجه البعد عدم قبول المديون و عدم قبضه و عدم ولاية الدائن عليه.

و فيه: أنّ صحّته متّفق عليه عند الأصحاب.

و يدلّ عليه موثّق سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يكون

له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة، فقال

إن كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من دين من عرض من دار أو متاع من متاع البيت أو يعالج عملًا يتقلّب فيها بوجهه، فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دينه، فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها، فإن لم يكن عند الفقير وفاء و لا يرجو

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 9: 263.

(2) مدارك الأحكام 5: 225.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 352

[ (مسألة 17): لو كان لمن عليه الزكاة دين علىٰ شخص، و كان لذلك الشخص دين علىٰ فقير]

(مسألة 17): لو كان لمن عليه الزكاة دين علىٰ شخص، و كان لذلك الشخص دين علىٰ فقير، جاز له احتساب ما علىٰ ذلك الشخص زكاة، ثمّ احتسابه له وفاءً عمّا له علىٰ ذلك الفقير (48)، كما جاز أن يُحيله ذلك الشخص علىٰ ذلك الفقير، فيبرأ بذلك ذمّةُ ذلك الشخص عن دين من عليه الزكاة، و ذمّةُ الفقير عن دين ذلك الشخص، و يشتغل لمن عليه الزكاة، فجاز له أن يحسب ما في ذمّته زكاة كما مرّ (49).

______________________________

أن يأخذ منه شيئاً فيعطيه من زكاته و لا يقاصّه بشي ء من الزكاة «1»

، حيث إنّ قوله (عليه السّلام)

فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها

صريح في المطلوب.

(48) لو كان على زيد زكاة و كان له دين على عمرو و كان لعمرو دين على خالد الفقير، جاز لزيد استيفاء دينه بأحد الطريقين: الأوّل: احتساب دينه على عمرو زكاةً؛ فصارت الزكاة ملكاً لعمرو بهذا الاحتساب، و كان احتساب زيد زكاته لعمرو لا لأجل أنّه غارم غير متمكّن من الأداء بل وفاءً عن دين عمرو على ذلك الفقير؛ و حينئذٍ فقد

استوفى دين زيد من عمرو و دين عمرو من الفقير بالاحتسابين المذكورين.

(49) هذا ثاني الطريقين، فإذا طالب زيد دينه عن عمرو جاز لعمرو أن يحيله على الفقير المديون لعمرو؛ فإذا قبل زيد الحوالة على الفقير فقد برئت ذمّة عمرو عن دين زيد، و كذلك برئت ذمّة الفقير عن دين عمرو، و بقي الفقير مشغول الذمّة لزيد بالحوالة، و يشمله إطلاقات جواز الحوالة؛ و حينئذٍ جاز لزيد أن يحسب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 296، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 46، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 353

[ (مسألة 18): قد مرّ اعتبار كون الدين في غير معصية]

(مسألة 18): قد مرّ اعتبار كون الدين في غير معصية، و المدار صرفه فيها، لا كون الاستدانة لأجلها، فلو استدان لا للمعصية فصرفه فيها، لم يعط من هذا السهم، بخلاف العكس (50).

[السابع: في سبيل اللّٰه]

السابع: في سبيل اللّٰه، و لا يبعد أن يكون هو المصالح العامّة للمسلمين و الإسلام، كبناء القناطر و إيجاد الطرق و الشوارع و تعميرها، و ما يحصل به تعظيم الشعائر و عُلُوّ كلمة الإسلام، أو دفع الفتن و المفاسد عن حوزة الإسلام و بين القبيلتين من المسلمين و أشباه ذلك، لا مطلق القربات كالإصلاح بين الزوجين و الولد و الوالد (51).

______________________________

ما في ذمّة الفقير زكاة، فبالاحتساب زكاة يبرأ ذمّة الفقير على نحو ما تقدّم في المسألة السابقة. و قد أشار إليه المصنّف (رحمه اللّٰه) هناك بقوله: «كما جاز له أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاءً للدين الذي على الغريم و يبرأ ذمّته.» إلى آخره، فراجع ما علّقناه على عبارة المصنّف (رحمه اللّٰه).

(50) فرق بين صرف الدين في المعصية و الاستدانة للمعصية، و الظاهر من النصوص المذكورة الواردة في جواز احتساب الدين زكاة و فتاوى الأصحاب هو أنّ المناط هو الصرف في المعصية لا القصد من حين الاستدانة. فالمانع من جواز احتساب الدين زكاة هو الأوّل دون الثاني؛ فلو استدان للمعصية و صرفه في غير المعصية يعطى من سهم الغارمين، و لو استدان لأمر مباح ثمّ صرفه في المعصية لم يعط منها.

(51) اختلف أصحابنا و كذا علماء العامّة في المراد من «سبيل اللّٰه»؛ فقال جماعة هو الجهاد خاصّة، قال الصدوق (رحمه اللّٰه) في «الفقيه»: «و سبيل اللّٰه الجهاد» «1»،

______________________________

(1) الفقيه 2: 3/ 4.

ل

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 354

..........

______________________________

و قال

المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة»: «و في سبيل اللّٰه» و هو الجهاد «1»، و مثله الشيخ (رحمه اللّٰه) في «النهاية» «2»، و به قال: أبو حنيفة و مالك.

و قال جماعة كثيرة بأنّه جميع سبل الخير و المصالح، و هذا القول هو المشهور المختار؛ فعن الشيخ (رحمه اللّٰه) في «المبسوط»: و يدخل في سبيل اللّٰه معونة الحاجّ و قضاء الديون عن الحيّ و الميّت و جميع سبل الخير و المصالح، و سواء كان الميّت الذي يقضى عنه إذا لم يخلف شيئاً كان ممّن يجب عليه نفقته في حياته أو لم يكن، و يدخل فيه معونة الزوّار و الحجيج و عمارة المساجد و المشاهد و إصلاح القناطر و غير ذلك من المصالح «3»، انتهى.

و قال في «التذكرة» مسألة: لسبيل اللّٰه سهم في الصدقة بالنصّ و الإجماع و اختلف قول الشيخ في معناه.

ففي بعض أقواله: أنّه الجهاد يصرف إلى الغزاة الذين يغزون إذا نشطوا، و هم غير الجند المقرّرين الذين هم أهل الفي ء، و به قال الشافعي و مالك و أبو حنيفة؛ لأنّ العرف في ذلك الغزاة؛ لقوله تعالىٰ في عدّة مواضع يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ يريد الجهاد؛ فوجب حمله عليه. و في البعض الآخر: أنّه أعمّ من ذلك؛ و هو كلّ مصلحة و قربة إلى اللّٰه تعالى، فتدخل فيه الغزاة و معونة الحاجّ و قضاء الديون عن الحيّ و الميّت و بناء القناطر و عمارة المساجد و جميع المصالح. و هو أولى؛ لأنّ السبيل هو الطريق فإذا أُضيف إلى اللّٰه تعالى كان عبارة عن كلّ ما يتوسّل به إلى ثوابه، و لقول العالم (عليه السّلام)

و في سبيل اللّٰه: قوم يخرجون إلى الجهاد و ليس عندهم ما ينفقون

به، و قوم مؤمنون ليس لهم ما يحجّون به، و في جميع سبل الخير.

______________________________

(1) المقنعة: 241.

(2) النهاية: 184.

(3) المبسوط 1: 252.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 355

..........

______________________________

و قال أحمد: يجوز أن يصرف ذلك في الحجّ فيدفع إلى من يريد الحجّ. إلى أن قال (رحمه اللّٰه): و نمنع اختصاص السبيل بالجهاد أو به و بالحجّ، و لا يلزم من إرادة أحدهما في بعض الصور انصرافه عند الإطلاق إلى أحدهما «1»، انتهى. نقلنا عبارة «التذكرة» بطولها لاشتمالها على دليل القولين.

و قال في «القواعد»: السابع في سبيل اللّٰه، و هو كلّ مصلحة كبناء القناطر و عمارة المساجد و إعانة الزائرين و الحاجّ و مساعدة المجاهدين «2».

و قال في «الدروس»: «و في سبيل اللّٰه» و هو الجهاد. إلى أن قال: و الأقرب إلحاق القرب به كعمارة المسجد و الربُط و معونة الحاجّ و الزائرين «3». و في «الجواهر»: الأقوى عمومه لكلّ قربة «4».

و يدلّ على المشهور المختار مضافاً إلى ما ذكره العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» من إضافة السبيل إلى اللّٰه تعالى، و كونه عبارة عن كلّ ما يتوسّل به إلى ثوابه، و من تفسير العالم (عليه السّلام) السبيل بجميع سبل الخير صحيح علي بن يقطين أنّه قال لأبي الحسن (عليه السّلام): يكون عندي المال من الزكاة فأحجّ به موالي و أقاربي؟ قال

نعم لا بأس «5».

و صحيح محمّد بن مسلم أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصرورة أ يحجّ من الزكاة؟ قال

نعم «6».

و صحيح جميل عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الصرورة

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 260.

(2) قواعد الأحكام 1: 350.

(3) الدروس الشرعيّة 1: 241.

(4) جواهر الكلام 15: 370.

(5)

وسائل الشيعة 9: 290، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 42، الحديث 1.

(6) وسائل الشيعة 9: 290، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 42، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 356

..........

______________________________

أ يحجّه الرجل من الزكاة؟ قال

نعم «4».

وجه الاستدلال بهذه الروايات ما أشار إليه صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) بقوله: و ترك الاستفصال فيه عن كيفية إحجاجهم كافٍ في الاحتجاج «5».

و قد يستدلّ أيضاً على القول المشهور بصحيح الحسن بن راشد هو أبو علي البغدادي مولى آل مهلب، ثقة قال: سألت أبا الحسن العسكري (عليه السّلام) بالمدينة عن رجل أوصى بمال (له) في سبيل اللّٰه، قال

سبيل اللّٰه شيعتنا «1».

و رواية الحسين بن عمر بن يزيد ثقة من أصحاب أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ رجلًا أوصى إليّ بمال في السبيل، فقال لي

اصرفه في الحجّ

قلت: أوصى إليّ في السبيل، فقال

اصرفه في الحجّ فإنّي لا أعلم سبيلًا من سبله أفضل من الحجّ «2»

، و الرواية ضعيفة بمحمّد بن سليمان الديلمي، و هو مجهول الحال. و في «الجواهر»: أنّ هذا الخبر ظاهر في تعدّد سبل اللّٰه و إن كان الحجّ أفضلها «3».

و استدلّ على القول باختصاص سبيل اللّٰه لخصوص الجهاد برواية يونس بن يعقوب هو أبو علي الجلاب البجلي الدهني، ثقة، و قيل فطحي موثّق إنّ رجلًا كان بهمدان ذكر أنّ أباه مات و كان لا يعرف هذا الأمر، فأوصى بوصية عند الموت و أوصى أن يعطى شي ء في سبيل اللّٰه، فسُئل عنه أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) كيف نفعل، و أخبرناه

______________________________

(4) وسائل الشيعة 9: 291، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 42، الحديث

4.

(5) جواهر الكلام 15: 369.

(1) وسائل الشيعة 19: 338، كتاب الوصايا، الباب 32، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 19: 339، كتاب الوصايا، الباب 32، الحديث 2.

(3) جواهر الكلام 15: 369.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 357

..........

______________________________

أنّه كان لا يعرف هذا الأمر، فقال

لو أنّ رجلًا أوصى إليَّ أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما؛ إنّ اللّٰه يقول فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ «1» فانظروا إلى من يخرج إلى هذا الأمر (الوجه) يعني بعض الثغور فابعثوا به إليه «2».

و لا يخفى ما في الاستدلال بهذه الرواية أوّلًا: أنّها ضعيفة سنداً بسهل بن زياد الآدمي. و ثانياً: أنّ الجهاد سبيل من سبل اللّٰه لا أنّ سبيل اللّٰه متعيّن فيه. و ثالثاً: أنّها معارضة بما دلّ على أنّ سبيل اللّٰه خصوص الشيعة، و بما دلّ على صرفه في الحجّ، كما عرفت في صحيح الحسن بن راشد و رواية الحسين بن عمر.

و ممّا حقّقناه إلى هنا يظهر أنّ ما ذهب إليه المصنّف (رحمه اللّٰه) من أنّ مطلق القربات ليس من سبيل اللّٰه فيه تأمّل و إشكال.

هنا فرعان:

الأوّل: أنّه لو اعطي الغازي من سهم سبيل اللّٰه و غزا و صرف مقداراً من الزكاة مدّة الغزو و بقي مقدار آخر و لو بالتقتير على نفسه لم يسترجع، قال في «التذكرة»: أمّا لو غزا و عاد و قد فضل معه شي ء من الصدقة فإنّه لا يستردّ منه قولًا واحداً «3»، و علّله في «الجواهر» بأنّه ملكه بالقبض و كونه كالإجارة له على عمله أو كالنفقة التي لا ريب في ملك ذيها ما يفضل منها بما يضيق على نفسه؛ فلا يستردّ «4»، انتهى. و لو

اعطي و لم يغز أو شرع في الغزو و رجع في الوسط استردّ منه؛ لأنّه إنّما

______________________________

(1) البقرة (2): 181.

(2) وسائل الشيعة 19: 341، كتاب الوصايا، الباب 33، الحديث 4.

(3) تذكرة الفقهاء 5: 285.

(4) جواهر الكلام 15: 371.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 358

..........

______________________________

ملكه ليصرفه في الوجه المخصوص و لم يحصل.

الثاني: أنّه يسقط سهم سبيل اللّٰه في زمن الغيبة بناءً على قول غير المشهور. و أنّه عبارة عن خصوص الجهاد و أنّ الجهاد لا يكون إلّا بإذن الإمام (عليه السّلام)، هذا في الجهاد الابتدائي. و أمّا الجهاد بالدفاع عن بيضة الإسلام و دفع الأعداء؛ إذا دهموا على المسلمين فلا يسقط هذا السهم، بل يصرف إليه.

بقي الكلام في أنّه هل يعتبر الحاجة إلى الزكاة في مصرف سبيل اللّٰه أم لا؟

ففي «التذكرة»: و هل يشترط حاجتهم أي الزوّار و الحجيج-؟ إشكال ينشأ من اعتبار الحاجة كغيره من أهل السهمان، و من اندراج إعانة الغني تحت سبيل الخير «1».

و في «المدارك»: و المعتمد جواز صرف هذا السهم في كلّ قربة لا يتمكّن فاعلها من الإتيان بها بدونه، و إنّما صرنا إلى هذا التقييد لأنّ الزكاة إنّما شرّعت بحسب الظاهر لدفع الحاجة؛ فلا تدفع مع الاستغناء عنها، و مع ذلك فاعتباره محلّ تردّد «2».

و في «المسالك» بعد أن اختار قول المشهور في دخول المصالح كلّها في سبيل اللّٰه قال: و يجب تقييده بما لا يكون فيه معونة لغني مطلقاً بحيث لا يدخل في شي ء من الأصناف الباقية؛ فيشترط في الحاجّ و الزائر الفقر أو كونه ابن سبيل أو ضيفاً، و الفرق بينهما حينئذٍ و بين الفقراء: أنّ الفقير لا يعطى الزكاة ليحجّ بها من جهة كونه

فقيراً و يعطى لكونه في سبيل اللّٰه «3»، انتهى.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 282.

(2) مدارك الأحكام 5: 232.

(3) مسالك الأفهام 1: 420.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 359

[الثامن: ابن السبيل]
اشارة

الثامن: ابن السبيل، و هو المنقطع به في الغُربة و إن كان غنيّاً في بلده (52) إذا كان سفره مباحاً،

______________________________

أقول: قد عرفت في شرح المسألة الثالثة من مسائل الصنف الأوّل و الثاني من أصناف المستحقّين للزكاة: أنّ المشهور شهرة عظيمة عند الأصحاب جواز إعطاء الفقير و المسكين من الزكاة بمقدار يصدق عليه الغني حتّى يحجّ، فراجع.

و قال كاشف الغطاء بعدم اشتراط الحاجة و الفقر، قال: إنّه لا يعتبر في المدفوع إليه إسلام و لا إيمان و لا عدالة و لا فقر و لا غير ذلك «1»؛ و قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه): إنّ الأقوى عدم اعتبار الحاجة؛ لإطلاق الأدلّة. و أجاب (رحمه اللّٰه) عن استدلال صاحب «المدارك» على التقييد: «لأنّ الزكاة إنّما شرّعت لدفع الحاجة؛ فلا تدفع مع الاستغناء عنها» بأنّ حكمه المشروعية لا تصلح للتقييد، و إلّا اقتضت الصرف في خصوص سدّ الخلّة «2»، انتهى. و يؤيّد عدم التقييد بالحاجة اتّفاق الفقهاء على أنّ الغازي يعطى من سهم سبيل اللّٰه و إن كان غنيّاً. و يؤيّده أيضاً أنّ ما صنع من سهم سبيل اللّٰه كالقناطر و الشوارع و الخانات و المنازل المعدّة للحجّاج و الزوّار لا يختصّ الانتفاع بها للفقراء، بل ينتفع بها الأغنياء كالفقراء.

(52) لا بأس بالتعرّض لتعاريف الفقهاء ل «ابن السبيل»:

ففي «الفقيه»: و «ابن السبيل»: الذي لا مأوىٰ له و لا مسكن، مثل المسافر الضعيف و مارّ الطريق «3». و في «المقنعة»: و «ابن السبيل» و هم المنقطع بهم في

______________________________

(1) كشف

الغطاء: 355/ السطر 17.

(2) جواهر الكلام 15: 371.

(3) الفقيه 2: 3/ 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 360

..........

______________________________

الأسفار، و قد جاءت رواية أنّهم الأضياف يراد به من أُضيف لحاجته إلى ذلك، و إن كان له في موضع آخر غنى و يسار «1».

و في «التذكرة»: و هو المنقطع به و الضيف «2». و في «القواعد»: «ابن السبيل» و هو المنقطع به و إن كان غنياً في بلده، و كذا الضيف «3». و في حاشية «القواعد»: أي يلحق بابن السبيل في جواز ضيافته من الزكاة، و يشترط فيه أن يكون محتاجاً إلى الضيافة و إن كان غنياً في بلده «4». و في «الشرائع»: «ابن السبيل» هو المنقطع به و إن كان غنياً، و كذا الضيف «5».

و في «الجواهر»: و «ابن السبيل» و إن كان عامّاً لمطلق المسافر، إلّا أنّ المراد به هنا المنقطع به، فعجز عن سفره بذهاب نفقته أو نفادها أو تلف راحلته أو نحو ذلك ممّا لا يقدر معه أن يتحرّك؛ فلا يستعمل إلّا في المسافر إلى غير وطنه و مقرّه و لو بالعارض، كالبلد التي دخلها مسافراً فعزم على استيطانها. إلى أن قال (رحمه اللّٰه): و كذا الكلام في الضيف الذي هو محتاج للضيافة فإنّه لا يخرج بها عن كونه ابن سبيل؛ ضرورة تحقّق الصدق عليه فيعطى من سهم ابن السبيل، بل يحتسب عليه ما يأكله عنده منه؛ لعدم وجوب نفقته عليه، و كأنّ الداعي إلى نصّ المصنّف عليه بيان أنّه لا يخرج بالضيافة عن كونه ابن سبيل و دفع توهّم فرد آخر لابن السبيل أو أنّه يلحق به «6»، انتهى.

______________________________

(1) المقنعة: 241.

(2) تذكرة الفقهاء 5: 261.

(3) قواعد الأحكام 1: 350.

(4)

حاشية القواعد، ضمن قواعد الأحكام: 58 (ط الحجري).

(5) شرائع الإسلام 1: 150.

(6) جواهر الكلام 15: 372 374.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 361

..........

______________________________

و يظهر من «المسالك»: أنّ المسافر يلحق بابن السبيل في جواز ضيافته من الزكاة بشرط أن يكون مسافراً محتاجاً إلى الضيافة «1».

و لا يخفى: أنّه لا دليل على إلحاق الضيف بابن السبيل في الحكم، فهو إن كان مسافراً محتاجاً إلى الضيافة يدخل في ابن السبيل، و إلّا فلا يعطى له الزكاة من سهم ابن السبيل.

إذا عرفت هذا فاعلم: أنّ الشيخ (رحمه اللّٰه) قال بانقطاع السفر بالنسبة إلى المقيم عشرة، قال في «المبسوط»: فإن دخل بلداً في طريقه فإن أقام به يوماً أو يومين إلى عشرة أُعطي نفقته، و إن أقام أكثر من ذلك لم يعط؛ لأنّه يخرج من حكم المسافرين «2». و نسب هذا القول إلى العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» «3».

و الشهيد (رحمه اللّٰه) في «الدروس» اكتفى بنسبة القول بالانقطاع إلى الشيخ و عدمه إلى ابن إدريس و لم يختر شيئاً منهما؛ قال: و لو نوى المسافر إقامة عشرة خرج عن ابن السبيل عند الشيخ و لم يخرج عند ابن إدريس «4».

أقول: إنّ المقيم عشراً و كذا المتردّد ثلاثين يوماً و من نوى إقامة العشرة و صلّى أربعاً صحيحاً ثمّ انصرف عن قصده، و إن انقطع سفرهم الموجب للقصر شرعاً و لكنّهم مسافرين عرفاً، و يصدق عليهم أنّهم أبناء السبيل. و لا دليل على تقييد ابن السبيل بكون سفره موجباً للتقصير.

و اعلم أيضاً: أنّ من لم يشرع في السفر و لم يتلبّس به بعد و لكنّه عازم و مريد

______________________________

(1) مسالك الأفهام 1: 420.

(2) المبسوط 1: 257.

(3) تذكرة الفقهاء

5: 355.

(4) الدروس الشرعية 1: 242.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 362

..........

______________________________

لإنشائه و محتاج إليه مع عدم القدرة عليه هل يصدق عليه ابن السبيل كي يعطي له الزكاة من هذا السهم؟

يظهر من الشيخ في «المبسوط» صدقه عليه قال: و «ابن السبيل» فأمره ظاهر أيضاً؛ سواء كانوا أنشؤوا السفر أو كانوا مجتازين، و قال أيضاً: و ابن السبيل المنشئ للسفر من بلد لا يأخذ إلّا مع الفقر و الحاجة «1».

و نسب العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» المنع إلى الشيخ و قال: هل منشئ السفر داخل فيه؟ منعه الشيخ، و به قال مالك و أبو حنيفة؛ لأنّه إنّما سمّي ابن سبيل بملازمته الطريق و كونه فيه، و من يريد إنشاء السفر فليس بابن الطريق، و لقول العالم (عليه السّلام)

ابن السبيل و هو ابن الطريق يكون في السفر في طاعة اللّٰه فينقطع بهم و يذهب مالهم، فعلى الإمام (عليه السّلام) أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات

، و قال الشافعي: إنّه داخل؛ لأنّه يريد إنشاء سفر لغير معصية؛ فجاز أن يدفع إليه من سهم أبناء السبيل «2»، انتهى.

و قال في موضع آخر من «التذكرة»: ابن السبيل إذا كان مجتازاً و كان محتاجاً دفعنا إليه الزكاة و إن كان غنياً في بلده؛ لوجود الحاجة حال الدفع، و به قال الشافعي. و إن كان مُنشئاً للسفر من بلده فإن كان غنياً لم يدفع إليه و إن كان فقيراً دفعنا إليه لسفره و عوده «3»، انتهى. و نسب صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) إلى الشهيد في «الدروس» و «اللمعة» دعوى صدق ابن السبيل على منشئ السفر «4».

______________________________

(1) المبسوط 1: 254 و 255.

(2) تذكرة الفقهاء 5: 261.

(3) نفس المصدر: 282.

(4)

جواهر الكلام 15: 373.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 363

فلو كان في معصية لم يعط (53).

______________________________

و فيه: أنّه من المحتمل في عبارة الشهيد أن يكون مراده إلحاق منشئ السفر بابن السبيل في الحكم، و عليك بعبارته في «الدروس» قال: «و ابن السبيل» و هو المنقطع به في غير بلده و إن كان غنياً في بلده، فيأخذ ما يبلغه بلده، و لو فضل أعاده، و قيل: منشئ السفر كذلك، و هو حسن مع فقره إلى السفر و لا مال يبلغه و إن كان له كفاية في الحضر «2»، انتهى.

و التحقيق عندي: أنّ المنشئ للسفر إن كان المراد منه من أُوجد السفر و هو في ابتداء سفره و شرع فيه يصدق عليه أنّه ابن السبيل، و إن كان المراد منه من أراد السفر فما دام لم يتلبّس به لا يصدق عليه ابن السبيل حقيقةً.

(53) اشتراط إباحة السفر في جواز إعطاء الزكاة لابن السبيل ممّا لا خلاف فيه بين أصحابنا، و يظهر من صاحب «المدارك»: أنّه لا خلاف فيه بين الفريقين «3». و الدليل عليه قول العالم (عليه السّلام)

و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّٰه فيقطع عليهم و يذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات «4»

، و المراد من الطاعة ما لا معصية فيه؛ فلو كان سفره مباحاً جاز له الأخذ، قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة»: يأخذ ابن السبيل إذا كان سفره واجباً كالحجّ و العمرة، أو ندباً كزيارة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمّة (عليهم السّلام)، و لا يعطى إذا كان معصية كقطع الطريق و ما أشبه ذلك إجماعاً. و

إن كان مباحاً كسفر التنزّه جاز له

______________________________

(2) الدروس الشرعية 1: 241 242.

(3) مدارك الأحكام 5: 236.

(4) وسائل الشيعة 9: 211، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 1، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 364

و كذا لو تمكّن من الاقتراض و غيره (54)، فيدفع إليه منها ما يوصله إلىٰ بلده علىٰ وجه يليق بحاله و شأنه، أو إلىٰ محلّ يمكنه تحصيل النفقة و لو بالاستدانة، و لو وصل إلىٰ بلده و فضل ممّا اعطي شي ء و لو بسبب التقتير علىٰ نفسه أعاده على الأقوىٰ (55)،

______________________________

الأخذ أيضاً؛ لأنّه فعل سائغ غير معصية، فأُشبه سفر الطاعة؛ و لهذا يترخّص في القصر كسفر الطاعة «1»، انتهى.

و يظهر من ابن الجنيد اشتراط كون السفر واجباً أو ندباً. و فيه: أنّه مخالف لفتوى الأصحاب على جواز الإعطاء على المنقطع به في السفر المباح؛ فيحمل الطاعة في قول العالم (عليه السّلام) على ما لا معصية فيه. و علّل في «المدارك» عدم جواز إعطاء الزكاة من سهم ابن السبيل لمن كان سفره معصية بأنّه إعانة على الإثم و العدوان «2».

(54) أي لا يجوز إعطاء الزكاة لابن السبيل المنقطع به إذا تمكّن من الاقتراض في السفر و أداء القرض في الوطن أو بيع ما يملكه أو نحو ذلك ممّا يمكن له تحصيل ما يكفيه في السفر بلا مشقّة حتّى يعود إلى بلده؛ و ذلك لعدم صدق المنقطع به على المتمكّن بالاقتراض و نحوه.

(55) أي لا يجوز دفع أزيد ممّا يوصل ابن السبيل إلى بلده أو إلى محلّ الاستدانة؛ لدخالة السبيل في مصرف هذا السهم؛ فلو صرف أقلّ ممّا أخذه و لو بالتقتير على نفسه وجب ردّ ما فضله؛ لعدم

كونه مالكاً لما فضله. و ليس هذا

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 283.

(2) مدارك الأحكام 5: 236.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 365

حتّى في مثل الدابّة و الثياب و نحوها (56)،

______________________________

المصرف كالفقير المالك لما أخذه، و إن كان زائداً على نفقة سنته و لو بالتقتير بل هو كالغارم الذي يملك مقدار ما يؤدّي به دينه. فلو اشتغلت ذمّته بألف و أخذ من الزكاة ألفاً ليؤدّي به دينه ثمّ أبرأ الدائن ذمّته بمقدار خمس مائة وجب عليه أن يعيد هذا المقدار.

و نسب إلى الشيخ في «الخلاف» عدم الإعادة «1»، و علّله في «المستمسك» بأنّ الاستحقاق له بسبب السفر «2». و في «التذكرة»: و إن سافر و عاد و فضل معه شي ء لم يستردّ؛ لأنّه ملكه بسبب السفر و قد وجد فلا يحكم عليه فيما يدفع إليه، و قال الشافعي: يستردّ «3».

و يرد على الشيخ و العلّامة: إنّ ابن السبيل ليس مستحقّاً لما أخذه مطلقاً كالفقير، بل باعتبار الصرف في السبيل؛ فيجب ردّ ما لم يصرفه فيه، كما أنّه يجب ردّ تمام ما أخذه فيما كان منصرفاً عن السفر بعد الأخذ.

(56) و في «الجواهر»: و كأنّه أشار إلى ما عن «نهاية» الفاضل من أنّه لا يستردّ منه الدابّة؛ لأنّه ملكها بالإعطاء، بل عن بعض الحواشي إلحاق الثياب و الآلات بها، و لعلّ ذلك لأنّ المزكّي يملّك المستحقّ عين ما دفعه إليه و المنافع تابعة، و الواجب على المستحقّ ردّ ما زاد من العين على الحاجة، و لا زيادة في هذه الأشياء إلّا في المنافع، و لا أثر لها مع ملكية تمام العين. اللهمّ إلّا أن يلتزم انفساخ

______________________________

(1) الخلاف 4: 235/ مسألة 18.

(2) مستمسك العروة

الوثقى 9: 270.

(3) تذكرة الفقهاء 5: 285.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 366

فيوصله إلى الدافع أو وكيله، و مع تعذّره أو حرجيّته يوصله إلى الحاكم، و عليه أيضاً إيصاله إلىٰ أحدهما، أو الاستئذان من الدافع في صرفه على الأحوط لو لم يكن الأقوىٰ (57).

[ (مسألة 19): إذا التزم بنذر أو شبهه أن يعطي زكاته فقيراً معيّناً، أو صرفها في مصرف معيّن من مصارف الزكاة]

(مسألة 19): إذا التزم بنذر أو شبهه أن يعطي زكاته فقيراً معيّناً، أو صرفها في مصرف معيّن من مصارف الزكاة، وجب عليه (58)، لكن لو سها و أعطى غيره أو صرفها في غيره أجزأه (59)، و لا يجوز استردادها من الفقير حتّى مع بقاء العين (60)،

______________________________

ملكه عن العين بمجرّد الاستغناء؛ لأنّ ملكه متزلزل، فهو كالزيادة التي تجدّد الاستغناء عنها «1»، انتهى.

و لا يخفى: أنّه إذا بنينا على أنّ سهم ابن السبيل لا يصرف إلّا في السبيل فما زاد على المصرف لا يكون ملكاً له، و المنافع تابعة للملك، فيجب ردّه.

(57) هذه المسألة مبنية على ولاية المالك على تعيين المصرف؛ فالمقدار الزائد عن المصرف الباقي في يد ابن السبيل كان أمانة يجب ردّه إلى من له الولاية على تعيين المورد و المصرف؛ و هو المالك.

(58) رجحان متعلّق النذر شرط في صحّته؛ فلا بدّ في المنذور فقيراً كان أو غيره من المصارف من أن يكون راجحاً حتى ينعقد نذره و يجب عليه الوفاء به؛ فلو كان مورد النذر غير راجح لم يجب الوفاء به.

(59) وجه الإجزاء تحقّق الامتثال بالأمر بالزكاة بوضعها في موضعها الشرعي.

(60) لأنّ الفقير ملكها بالقبض، و لا يجوز للدافع استردادها؛ لانقطاع ولايته

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 377.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 367

بل الظاهر كذلك فيما لو أعطاه أو صرفها مع الالتفات و العمد؛

و إن أثم بسبب مخالفة النذر حينئذٍ و تجب عليه الكفارة (61).

______________________________

عليها بمجرّد الدفع إلى الفقير؛ فهي كسائر أموال الفقير لا يجوز لأحد مزاحمته فيها بغير سبب شرعي.

(61) و ذلك لوصولها إلى محلّها بشرائطها، و هذا ليس كالصلاة في الدار المغصوبة؛ فإنّها مبغوضة بما أنّها تصرّف عدواني في مال الغير بهيئة الصلاة؛ فلا تصلح للمعراجية و القربانية. نعم هو عاصٍ بسبب مخالفة النذر و تجب عليه كفّارة حنثه.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 369

[القول في أوصاف المستحقّين للزكاة]

اشارة

القول في أوصاف المستحقّين للزكاة و هي أُمور:

[الأوّل: الإيمان]

الأوّل: الإيمان (1)،

______________________________

(1) الإيمان هو الاعتقاد بولاية أهل البيت و إمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم الصلاة و السلام.

و يدلّ على اشتراطه صحيح بريد بن معاوية العجلي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

كلّ عمل عمله في حال نصبه و ضلالته ثمّ منَّ اللّٰه عليه و عرّفه الولاية فإنّه يؤجر عليه، إلّا الزكاة لأنّه يضعها في غير مواضعها؛ لأنّها لأهل الولاية، و أمّا الصلاة و الحجّ و الصيام فليس عليه قضاء «1»

، و كذا سائر روايات الباب.

و مفهوم صحيح إسماعيل بن سعد الأحوص الأشعري عن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال

لا، و لا زكاة الفطرة «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 216، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 3، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 221، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 5، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 370

..........

______________________________

و صريح صحيح ضريس بن عبد الملك بن أعين الشيباني قال: سأل المدائني أبا جعفر (عليه السّلام) قال: إنّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا ففي من نضعها؟ فقال

في أهل ولايتك

، فقال: إنّي في بلاد ليس بها أحد من أوليائك، فقال

ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم، و لا تدفعها إلى قوم إذا دعوتهم إلى أمرك لم يجيبوك و كان و اللّٰه الذبح «1».

و صحيح علي بن بلال قال: كتبتُ إليه أسأله: هل يجوز أن أدفع زكاة المال و الصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب

لا تعط الصدقة و الزكاة إلّا لأصحابك «2».

و صحيح عبد اللّٰه بن أبي يعفور العبدي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام):

جعلت فداك ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال: فقال

هي لأصحابك

، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ فقال

فأعد عليهم

، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال

فأعد عليهم

، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال

فأعد عليهم

، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟ قال

فأعد عليهم

، قلت: فنعطي السؤّال منها شيئاً؟ قال: فقال

لا و اللّٰه إلّا التراب، إلّا أن ترحمه، فإن رحمته فأعطه كسرة

ثمّ أومأ بيده فوضع إبهامه على أُصول أصابعه «3».

و صحيح زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) قالا

الزكاة لأهل الولاية، قد بيّن اللّٰه لكم موضعها في كتابه «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 222، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 5، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 9: 222، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 5، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 9: 222، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 5، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 9: 224، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 5، الحديث 9.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 371

فلا يُعطى الكافر (2)، و لا المخالف للحقّ و إن كان من فرق الشيعة (3)،

______________________________

و صحيح الفضلاء الخمسة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) أنّهما قالا

موضع الزكاة أهل الولاية «1»

، و ضعف السند منجبر.

(2) و يدلّ عليه قول الحسن بن علي العسكري (عليه السّلام) في «تفسيره» في قوله تعالىٰ وَ أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ «2»، قال

أقيموا الصلاة بإتمام وضوئها و تكبيراتها و قيامها و قراءتها و ركوعها و سجودها و حدودها، و آتوا الزكاة مستحقّها، و لا تؤتوها كافراً و لا منافقاً و لا ناصباً «3».

(3) و يدلّ عليه في خصوص

الناصب قول العسكري (عليه السّلام) المتقدّم، و في خصوص الجبرية خبر عبد السلام بن صالح الهروي أبو الصلت عن الرضا (عليه السّلام) قال

من قال بالجبر فلا تعطوه من الزكاة شيئاً و لا تقبلوا له شهادة أبداً «4».

و يدلّ على حرمته على كلّ مخالفٍ للحقّ و إن كان من فرق الشيعة الغير الاثني عشرية، صحيح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون قال

لا يجوز أن يعطى الزكاة غير أهل الولاية المعروفين «5»

، و مفهوم الروايات المتقدّمة الحاصرة موضع الزكاة في خصوص أهل الولاية القائلين بإمامة الأئمّة المعصومين الاثني عشر، فلا يعطىٰ غيرهم و إن كان من فرق الشيعة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 225، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 5، الحديث 12.

(2) البقرة (2): 110.

(3) وسائل الشيعة 9: 225، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 5، الحديث 13.

(4) وسائل الشيعة 9: 224، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 5، الحديث 11.

(5) وسائل الشيعة 9: 224، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 5، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 372

بل و لا المستضعف من فرق المخالفين (4)، إلّا من سهم المؤلّفة قلوبهم (5)، و لا يُعطى ابن الزنا من المؤمنين في حال صغره، فضلًا عمّن كان من غيرهم (6). و يُعطى أطفال الفرقة الحقّة؛ من غير فرق بين الذكر و الأُنثى، و لا بين المميّز و غيره (7)، بل لو تولّد بين المؤمن و غيره اعطي منها إذا كان الأب مؤمناً،

______________________________

(4) و ذلك لإطلاق غير أهل الولاية على المستضعف و غيره.

(5) جواز إعطاء الزكاة من سهم المؤلّفة قلوبهم مبني على عدم اختصاص المؤلّفة قلوبهم على خصوص المؤلّفة من

الكفّار، بل هو عامّ للمستضعفين من فرق المسلمين غير الشيعة و الكفّار، و قد سبق تحقيق ذلك في شرح «المؤلّفة قلوبهم»، فراجع.

(6) هذا الحكم مشهور بين الأصحاب، و علّله في «الجواهر» بعدم التبعية، قال: و ولد الزنا من المؤمنين كولده من الكافرين لا تبعية فيه لأحدهما، بناءً على كونها في النكاح الصحيح «1». و في «مصباح الفقيه»: ثمّ إنّ المنساق من أولاد الرجل المسلم و ذريّته من يلتحق به بنسب صحيح؛ فولد الزنا خارج عن هذا الحكم «2»، انتهى. هذا في ابن الزنا من المؤمنين، و في ابن الزنا من غير المؤمنين بطريق أولى.

و ليعلم: أنّ ولد الزنا بعد بلوغه إن كان مؤمناً فيستحقّ الزكاة، و إلّا فلا.

(7) و يدلّ عليه صحيح أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يموت و يترك العيال، أ يعطون من الزكاة؟ قال

نعم حتّى ينشأوا و يبلغوا و يسألوا من أين

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 384.

(2) مصباح الفقيه، الزكاة 13: 600.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 373

و مع عدم إيمانه لا يُعطىٰ و إن كانت الأُمّ مؤمنة (8).

______________________________

كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم

، فقلت: إنّهم لا يعرفون؟ قال

يحفظ فيهم ميّتهم و يحبب إليهم دين أبيهم فلا يلبثون أن يهتمّوا بدين أبيهم، فإذا بلغوا و عدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم «1».

و رواية أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ذريّة الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة و الفطرة كما كان يعطى أبوهم حتّى يبلغوا، فإذا بلغوا و عرفوا ما كان أبوهم يعرف أُعطوا، و إن نصبوا لم يعطوا «2».

و موثّق يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): عيال

المسلمين أُعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثياباً و طعاماً و أرى أنّ ذلك خير لهم؟ قال: فقال

لا بأس «3»

، فإطلاق العيال و الذرّية يشمل الذكر و الأُنثى و المميّز و غيره. و قال أحمد بن حنبل في أحد قوليه: إنّه لا يجوز دفعها إلّا إلى من أكل طعاماً.

(8) إذا كان الأب مؤمناً و الأُمّ كافرة يلحق الولد بالأب و يعطى له الزكاة إلحاقاً له بالأشرف. و أمّا إذا كان أبوه كافراً و أُمّه مؤمنة فقال المصنّف (رحمه اللّٰه): إنّه لا يعطى، و لعلّه (رحمه اللّٰه) استفاده من لفظ الرجل و أبيهم و العيال الواقعة في صحيحة أبي بصير، و رواية أبي خديجة المتقدّمتين.

و يظهر من «المسالك» عدم الفرق بين كون الأب مؤمناً و بين كون الأُمّ مؤمنة؛ قال: و لو تولّد بين المؤمن و الكافر تبع الأشرف. و ارتضاه صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه)

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 226، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 6، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 227، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 6، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 227، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 6، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 374

و لا تُسلّم إلى الطفل، بل تُدفع إلىٰ وليّه، أو يصرفها عليه بنفسه أو بواسطة أمين (9).

______________________________

حيث حكاه عن «المسالك» و «البيان» و لم يردّه، قال: و مقتضاه عدم الفرق بين كون الأب المسلم أو الأُمّ، و لعلّه لدليل التبعية لأشرف الأبوين، و لو لكون الشرف بالنسبة إلى الإسلام و الكفر أتمّ من الرقّية بالنسبة إلى الحرّية «1»، انتهى.

(9) وجه عدم تسليم الزكاة إلى الطفل عدم ترتّب الأثر شرعاً على أفعال الصبي كأقواله؛

فلا يكون قبضه مؤثّراً في التملّك، هذا بناءً على اعتبار كون سهم الفقراء ملكاً لهم؛ فلا بدّ حينئذٍ من الدفع إلى وليه، و مع عدم الوليّ يصرفها المالك عليه بنفسه أو بواسطة أمين. قال في «التذكرة»: فإن لم يكن وليّ جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره و يعتني بحاله «2». و في «المدارك» بعد نقل قول «التذكرة» قال: بل لا يبعد جواز تسليمها إلى الطفل بحيث تصرف في وجه يسوغ للولي صرفها فيه «3». و المحقّق الهمداني (رحمه اللّٰه) في «مصباح الفقيه» استجود ما ذكره صاحب «المدارك».

و لا يخفى: أنّه إن كان الفقراء مصرفاً للزكاة جاز للمالك صرفها على الصبي بنفسه أو بواسطة أمين مع وجود الوليّ، و أمّا بناءً على القول بكونها ملكاً للفقراء لم يجز صرفها للصبي مع وجود الوليّ، لأنّ الظاهر من الأدلّة أنّهم يملكون لها يتصرّفون فيها كيف يشاؤون، و لا يستردّ منهم ما فضل عن مئونة سنتهم؛ فلا يجوز للمالك صرفها للطفل مع وجود الوليّ بنفسه أو بواسطة أمين.

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 384.

(2) تذكرة الفقهاء 5: 280.

(3) مدارك الأحكام 5: 242.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 375

و المجنون كالطفل (10). أمّا السفيه فيجوز الدفع إليه و إن تعلّق الحجر به مع شرائطه (11).

[الثاني: أن لا يكون شارب الخمر على الأحوط]

الثاني: أن لا يكون شارب الخمر على الأحوط (12)،

______________________________

(10) بلا خلاف في المسألة، و قال في «المستند»: إن ثبت إجماع فهو، و إلّا فمحلّ نظر؛ لعدم كون المجنون عارفاً «1». و لقد أجاد في «المستمسك» حيث إنّه بعد قبول قول «المستند» و تعليله بظهور النصوص المتقدّمة الواردة في اشتراط كون المصارف أهل الولاية في اختصاصها بالعارف، قال: اللهمّ إلّا أن يدّعى انصرافها إلى

من كان موضوعاً للتكليف أعني البالغ العاقل و في غيرهما يرجع إلى الإطلاق، لكن مقتضى ذلك جواز إعطاء مجانين غيرهم أيضاً «2»، انتهى. و لكن يرد على استدراكه أنّ الفقراء في الآية و الروايات و إن كان مطلقاً إلّا أنّه قيّد في لسان الروايات بأهل الولاية، و هو منصرف إلى العاقل البالغ؛ فيخرج المجنون مطلقاً.

(11) وجه جواز الدفع إلى السفيه مع كونه من المحجورين كونه قابلًا للقبض و التملّك؛ فلا مانع من تملّكه شرعاً. نعم إذا ملكه تعلّق به الحجر كسائر أمواله مع وجود شرائط الحجر فيه.

(12) وجه الاحتياط رواية داود الصرمي قال: سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئاً؟ قال

لا «3»

، و لا يخفى: أنّ طريق الشيخ (رحمه اللّٰه) إلى داود الصرمي ضعيف بابن بُطّة و هو محمّد بن جعفر بن أحمد بن بطّة المؤدّب أبو جعفر القمّي-

______________________________

(1) مستند الشيعة 9: 303.

(2) مستمسك العروة الوثقى 9: 277.

(3) وسائل الشيعة 9: 249، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 17، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 376

بل غير متجاهر بمثل هذه الكبيرة على الأحوط. و لا يشترط فيه العدالة و إن كان أحوط، فيجوز الدفع إلىٰ غير العادل من المؤمنين مع عدم التجاهر بما ذكر؛ و إن تفاوتت مراتب الرجحان في الأفراد. نعم يقوىٰ عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم أو إغراء بالقبيح، و في المنع ردع عن المنكر (13).

______________________________

و النجاشي و إن وصفه بأنّه كبير المنزلة بقم كثير الأدب و الفضل و العلم لكنّه ضعّفه بأنّه كان يتساهل في الحديث و يعلّق الأسانيد بالإجازات، و في فهرست ما رواه غلط كثير. و قال ابن الوليد: كان

محمّد بن جعفر بن بطّة ضعيفاً مخلطاً فيما يسنده «1».

(13) اختلف فقهاؤنا و العامّة في اشتراط العدالة على أقوال:

أحدها: اعتبارها، و هو قول أكثر القدماء؛ منهم الشيخ و السيّد المرتضى و الحلبي أبو الصلاح و ابنا إدريس و البرّاج؛ فيظهر من الشيخ أنّ اشتراط العدالة هو المشهور المعروف بين الأصحاب؛ قال في «الخلاف»: الظاهر من أصحابنا أنّ زكاة الأموال لا تعطى إلّا العدول من أهل الولاية دون الفسّاق منهم. و يظهر من «الغنية»: الإجماع عليه، و حكي عن المرتضى في «الانتصار» أيضاً. و لم يعلم مخالف من القدماء في اشتراط العدالة عدا ما يحكى عن ظاهر الصدوقين و الديلمي من عدم اشتراط العدالة، و قد وجّه صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) كلامهم بأنّه ليس فيه الظهور المعتدّ به في المخالفة، فضلًا عن أن يقدح في الإجماع المنقول. فقد يحتمل اكتفاؤهم بذكر الإيمان بناءً على احتمال اعتبار العمل فيه كما يعزى إلى غيرهم من القدماء؛ منهم المفيد (رحمه اللّٰه) «2».

______________________________

(1) رجال النجاشي: 372/ 1019.

(2) جواهر الكلام 15: 389.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 377

..........

______________________________

ثانيها: اعتبار مجانبة الكبائر، و حكي هذا القول عن ابن الجنيد.

ثالثها: عدم اشتراط العدالة و لا اجتناب الكبائر حتّى شرب الخمر و جواز دفعها إلى الفسّاق و مرتكبي الكبائر و شاربي الخمر بعد كونهم فقراء و أهل الولاية.

و استدلّ للقول الأوّل بأُمور:

الأوّل: الإجماع المحكي عن «الغنية» و «الانتصار» و الشهرة المحقّقة بين القدماء.

الثاني: الاحتياط و أنّ اشتغال الذمّة على الزكاة لا يحصل البراءة منه إلّا بالردّ إلى العادل.

الثالث: ما يشعر به منع ابن السبيل إذا كان سفره معصية، و الغارم إذا كان غرمه كذلك.

الرابع: ما دلّ على النهي عن الإعانة على

الإثم و العدوان و الركون إلى الظالمين و موادتهم و معونتهم و تقويتهم. و في «الجواهر»: المراد منها فعل ما يقتضي الإعانة و إن لم يكن بقصد الإعانة على الفسق، كما يومئ إليه ما ورد من النصوص في إعانة الظالمين، و أنّ منها معاملتهم و مساعدتهم في بناء المساجد فضلًا عن غيره «1»، انتهى.

الخامس: خبر داود الصرمي المتقدّم.

السادس: رواية أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). إلى أن قال (عليه السّلام)

فليقسّمها في قوم ليس بهم بأس أعفّاء «2».

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، در يك جلد، ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس؛ ص: 377

السابع: صحيحة بريد بن معاوية في حديث طويل قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام)

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 390.

(2) وسائل الشيعة 9: 244، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 14، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 378

..........

______________________________

يقول

بعث أمير المؤمنين (عليه السّلام) مصدِّقاً من الكوفة.

إلى أن قال

فيقسّمن بإذن اللّٰه على كتاب اللّٰه و سنّة نبيّه على أولياء اللّٰه «1».

الثامن: الأخبار الدالّة على اختصاص الزكاة بأهل الولاية.

و الجواب عن الأوّل: أنّ الإجماع غير ثابت بل نقطع بعدم تحقّقه؛ و لذا ذهب في «الخلاف» إلى أنّ الاشتراط مذهب جماعة من أصحابنا. و لنا أن ندّعي أنّ الشهرة بين القدماء أيضاً غير ثابتة، و على المدّعى إثباتها.

و عن الثاني: أنّ الاحتياط لا يقابل إطلاق ألفاظ الكتاب و السنّة، حيث إنّ أهل الولاية و الشيعة في الروايات مطلق يشمل غير العادل أيضاً.

و عن الثالث و الرابع: أنّ المفروض ما لم يصرف الآخذ الزكاة في المعصية، فهو و إن كان فاسقاً

عاصياً لكنّه يصرف ما يأخذه من الزكاة في معيشته المباحة. نعم فيما كان إعطاء الزكاة إعانة على ظلم الآخذ و إثمه لا يجوز الإعطاء له، و نحن نقول به.

و عن الخامس: أنّ خبر داود الصرمي غير قابل للاعتماد عليه؛ لإضماره و ضعف سنده.

و عن السادس: أنّ نفي البأس عن قوم لا يلازم العدالة بل يلازم الولاية، و أهل الولاية مطلق.

و عن السابع: أنّ أولياء اللّٰه و إن كانت لهم مرتبة لا خوف عليهم و لا يحزنون لكنّهم ليسوا منحصرين في مصرف الزكاة، و لنا أن نقول: إنّ ذكر خصوصهم في الرواية لكونهم أفضل مصارف الفقراء، و سيجي ء أفضلية تقديم الأفضل.

و عن الثامن: أنّ أهل الولاية مطلق شامل لغير العادل أيضاً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 129، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 14، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 379

..........

______________________________

و استدلّ للقول الثاني: بمضمرة داود الصرمي المتقدّمة بضميمة عدم القول بالفصل بين شرب الخمر و سائر الكبائر.

و يرد عليه: أنّ المضمرة قد تقدّم حالها؛ فلا تصلح للاستدلال بها على اشتراط الاجتناب عن شرب الخمر؛ حتّى يتمّ اشتراط الاجتناب عن غيره من الكبائر بعدم القول بالفصل.

و استدلّ للقول الثالث و هو المختار بالأصل و إطلاق الآية و الروايات التي ذكر فيها مصرف الزكاة بعبارة «أهل الولاية» و «العارف» و «أصحابك» و «شيعتنا» و نحوها، و معلوم بالوجدان أنّ فيهم عدولًا و فسّاقاً و لم يفصّلوا (عليهم السّلام) في الشيعة بين العادل و غيره.

و في «الجواهر»: و ترك الاستفصال من أبي الحسن (عليه السّلام) لمّا سأله أحمد بن حمزة في الصحيح: رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقولون بك و له زكاة، أ يجوز أن

يعطيهم جميع زكاته؟ فقال له

نعم «1»

؛ خصوصاً مع استبعاد العدالة في جميع القرابة حتّى النساء «2»، انتهى.

و يؤيّده مرسل «العلل» عن بشر بن بشّار قال: قلت للرجل يعني أبا الحسن (عليه السّلام) ما حدّ المؤمن الذي يعطى من الزكاة؟ قال

يعطى المؤمن ثلاثة آلاف

، ثمّ قال

أو عشرة آلاف، و يعطى الفاجر بقدرٍ؛ لأنّ المؤمن ينفقها في طاعة اللّٰه و الفاجر في معصية اللّٰه «3».

هذا كلّه مضافاً إلى أنّه لو اشترط العدالة أو اجتناب الكبائر في الفقراء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 245، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 15، الحديث 1.

(2) جواهر الكلام 15: 393.

(3) وسائل الشيعة 9: 249، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 17، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 380

..........

______________________________

و المساكين لم تعط الزكاة عليهم إلّا لأقلّ من قليل منهم، مع أنّ سيرة المتديّنين على خلافه؛ و لذا قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه): إنّ من تصفّح النصوص لا يستريب في توسعة الأمر في الزكاة بالنسبة إلى المؤمنين الذين يكفي إيمانهم في استحقاق الرأفة و الرحمة و العطف و الإعانة و الموادّة في اللّٰه تعالى؛ خصوصاً بعد ملاحظة السيرة و الطريقة في إعطاء مجهول الحال و غير العدل، و خصوصاً مع ملاحظة تصديق من ادّعى كونه من أهلها لفقر أو غرم أو كتابة من غير بيّنة «1»، انتهى. نعم لو علم أو ظنّ بصرف الزكاة في المعصية فلا يجوز إعطاؤها؛ لكونه إعانة على الإثم أو إغراء بالقبيح.

و لا يخفى: أنّ الأفضل و الأحوط استحباباً تقديم العادل على غيره؛ خصوصاً إذا كان مرتكب الكبيرة، فضلًا عن كونه متجاهراً بها، بل الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل و الأفضل فالأفضل

و الأحوج فالأحوج، و مع تعارض الأحوال يلاحظ الأهمّ فالأهمّ.

و يمكن استفادة ذلك من صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السّلام) عن الزكاة يفضل بعض من يعطى ممّن لا يسأل على غيره؟ فقال

نعم يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل «2».

و خبر عبد اللّٰه بن عجلان السكوني قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): إنّي ربّما قسمت الشي ء بين أصحابي أصِلهم به فكيف أُعطيهم؟ قال

أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و العقل «3».

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 393.

(2) وسائل الشيعة 9: 261، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 25، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 262، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 25، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 381

و الأحوط اعتبار العدالة في العامل حال عمله؛ و إن لا تبعد كفاية الوثوق و الاطمئنان به (14). و أمّا في الغارم و ابن السبيل و الرقاب فغير معتبرة، فضلًا عن المؤلّفة و في سبيل اللّٰه (15).

______________________________

(14) الأحوط لو لم يكن الأقوى اعتبار العدالة في العامل؛ للإجماع المحكي عن «الإرشاد» و «الدروس» و «المهذّب البارع» و «الروضة» و غيرها، و في «الجواهر»: و هو الحجّة بعد اعتضاده بالتتبّع، و بما في العمالة من تضمّن الاستئمان، و قد سمعت ما في الصحيح من أنّه لا توكل بها إلّا ناصحاً شفيقاً أميناً و لا أمانة لغير العدل «1»، انتهى.

أقول: إن ثبت الإجماع على اعتبار العدالة في العامل فهو، و إلّا فلا دليل على اعتبارها فيه. و المستفاد من الصحيح

لا توكّل بها إلّا ناصحاً شفيقاً أميناً «2»

هو اعتبار الوثوق و الاطمئنان لا خصوص العدالة، و نفي الأمانة عن غير

العادل مطلقاً غير ثابت؛ إذ قد يكون الفاسق ببعض الجوارح أميناً في الأموال و مجتنباً عن الخيانة.

(15) وجه عدم اشتراط العدالة في المذكورين إطلاق أدلّتها، و قد عرفت في خصوص المؤلّفة أنّه عبارة عمّن لا إيمان له؛ إمّا لكفره أو لكونه من سائر فرق المسلمين غير الشيعة، فكيف يشترط فيه العدالة؟! و كذلك الصرف في سبيل اللّٰه لا ينحصر في العدول، نعم يعتبر في المذكورين كلّهم عدم صرفهم الزكاة في المعصية.

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 394.

(2) وسائل الشيعة 9: 129، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 14، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 382

[الثالث: أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المالك]
اشارة

الثالث: أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المالك كالأبوين و إن علوا، و الأولاد و إن نزلوا، و الزوجة الدائمة التي لم يسقط عنه وجوب نفقتها بشرط أو غيره من الأسباب الشرعيّة، فلا يجوز دفعها إليهم للإنفاق (16)،

______________________________

(16) و يدلّ على اشتراط كون المستحقّين غير واجب النفقة على المالك مضافاً إلى الإجماع بقسميه الأخبار المستفيضة: منها صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً: الأب و الأُمّ و الولد و المملوك و المرأة؛ و ذلك أنّهم عياله لازمون له «1».

و موثّق أو صحيح إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام) في حديث قال: قلت: فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتّى لا أحتسب الزكاة عليهم؟ فقال

أبوك و أُمّك

، قلت: أبي و أُمّي؟ قال

الوالدان و الولد «2».

و صحيح أبي طالب عبد اللّٰه بن الصلت عن عدّة من أصحابنا يرفعونه إلى أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد

و الوالدان و المرأة و المملوك؛ لأنّه يجبر على النفقة عليهم «3».

و قد يتوهّم معارضة هذه الأخبار ببعضها الآخر الدالّ على جواز إعطاء الزكاة لواجب النفقة، كمكاتبة عمران بن إسماعيل القمي، قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السّلام): إنّ لي ولداً رجالًا و نساءً أ فيجوز أن أُعطيهم من الزكاة شيئاً؟ فكتب (عليه السّلام)

إنّ ذلك جائز لك «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 240، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 13، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 241، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 13، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 241، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 13، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 9: 243، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 14، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 383

..........

______________________________

و مرسلة محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي عن محمّد بن جزك قال: سألت الصادق (عليه السّلام) أدفع عشر مالي إلى ولد ابنتي؟ قال

نعم لا بأس «1».

لا يخفى: أنّ محمّد بن جزك بتشديد الزاء أو بتخفيفه من أصحاب الهادي (عليه السّلام)، و المراد من الصادق هو الهادي (عليه السّلام) لا جعفر بن محمّد (عليهما السّلام)؛ فإنّ التعبير بالصادق عن جعفر بن محمّد و إن كان متعارفاً كالتعبير باسمه و كنيته أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، لكن الراوي المذكور ليس من أصحابه بل من أصحاب الهادي (عليه السّلام)، و قد وثّقه الشيخ و تبعه العلّامة.

و كيف كان: فيدفع التوهّم المزبور أوّلًا بأنّ الخبرين المزبورين ضعيفان سنداً. و ثانياً بأنّهما معرض عنهما عند الأصحاب. و ثالثاً بأنّه يمكن الجمع بينهما و بين الأخبار المانعة بحملهما على جواز صرف الزكاة في التوسعة على العيال.

و يشهد له موثّق

أو صحيح إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل له ثمانمائة درهم و لابن له مائتا درهم و له عشر من العيال و هو يقوتهم فيها قوتاً شديداً، و ليس له حرفة بيده، إنّما يستبضعها فتغيب عنه الأشهر ثمّ يأكل من فضلها، أ ترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يتّسع عليهم بها النفقة؟ قال

نعم، و لكن يخرج منها الشي ء الدرهم «2».

و موثّق سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يكون له ألف درهم يعمل بها و قد وجب عليه فيها الزكاة و يكون فضله الذي يكسب بماله كفاف عياله لطعامهم و كسوتهم، و لا يسعه لأُدمهم و إنّما هو ما يقوتهم في الطعام و الكسوة، قال

فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئاً قلّ أو كثر فيعطيه بعض من

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 243، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 14، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 242، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 14، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 384

و إن سقط عنه وجوبه لعجزه (17)؛ من غير فرق بين إعطاء تمام الإنفاق أو إتمام ما يجب عليه بها، كما لو كان قادراً علىٰ إطعامهم و عجز عن إكسائهم فأراد إعطاءه منها (18). نعم لا يبعد جوازه للتوسعة عليهم و إن كان الأحوط خلافه (19).

______________________________

تحلّ له الزكاة، و ليعد بما بقي من الزكاة على عياله فليشتر بذلك إدامهم و ما يصلحهم من طعامهم في غير إسراف، و لا يأكل هو منه؛ فإنّه ربّ فقير أسرف من غني

، فقلت: كيف يكون الفقير أسرف من الغني؟

فقال

إنّ الغني ينفق ممّا اوتي و الفقير ينفق من غير ما أُوتي «1».

(17) يعني أنّ مالك الزكاة إذا كانت زكاته موجودة عنده و لكن كان فاقداً لما ينفقه على من تجب نفقته عليه سقط عنه وجوب الإنفاق؛ لعدم التمكّن. و مع ذلك لا يجوز له إعطاء زكاة نفسه عليهم؛ و ذلك لإطلاق الأدلّة المانعة من إعطائها للخمسة.

(18) يعني أنّه لا يجوز إعطاء الزكاة لواجب النفقة مطلقاً؛ أي سواء كان المعطىٰ بالفتح تمام نفقته كالطعام و الكسوة، أو بعضها بأن يحصل له بعض نفقته كالطعام فقط و أراد تتميم كسوته من الزكاة، فلا يجوز إعطاء جميع نفقته و لا بعضها من الزكاة؛ لإطلاق الأدلّة.

(19) وجه الجواز للتوسعة عليهم من الزكاة موثّق سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) المتقدّم

و ليعد بما بقي من الزكاة على عياله فليشتر بذلك إدامهم و ما يصلحهم من طعامهم في غير إسراف «2».

و مصحّح إسحاق بن عمّار المتقدّم: أ ترى له إذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 242، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 14، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 242، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 14، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 385

و يجوز دفعها إليهم لأجل إنفاقهم علىٰ من تجب نفقته عليهم دونه، كالزوجة للوالد أو الولد مثلًا، كما أنّه يجوز دفع الغير إليهم و لو للإنفاق (20).

______________________________

حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يتّسع عليهم بها النفقة؟ قال

نعم «1».

و وجه الاحتياط في ترك التوسعة احتمال أن يكون ما به التوسعة في بعض الروايات عبارة عن زكاة مال التجارة.

قال في «المستمسك»: و الأخبار المذكورة ظاهرة في زكاة مال التجارة،

و التعدّي منها إلى الزكاة الواجبة غير ظاهر؛ و لا سيّما مع قرب احتمال أن يكون ذلك من باب ترجيح التوسعة على العيال على أداء زكاة مال التجارة. مضافاً إلى أنّ موردها صورة عدم القدرة على الإنفاق اللازم، و أنّ دفع الزكاة لتتميمه لا للتوسعة «2»، انتهى.

يرد عليه أوّلًا: أنّ الأخبار المذكورة ليس كلّها ظاهرة في زكاة مال التجارة بل موثّق سماعة المتقدّم صريح في أنّ المورد هي الزكاة الواجبة

و قد وجب عليه فيها الزكاة.

و ثانياً: أنّه لا فرق في عدم الجواز بين إعطاء تمام الإنفاق أو إتمام ما يجب عليه بها.

(20) و ذلك لأنّ من نفقته واجبة على الوالد كزوجته و أولاده و مملوكه ليس واجب النفقة على الولد، و كذا زوجة الولد و مملوكه ليس واجب النفقة على الوالد؛ فيجوز للوالد دفعها إلى ولده للإنفاق على من تجب نفقته على الولد، و كذا يجوز

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 242، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 14، الحديث 1.

(2) مستمسك العروة الوثقى 9: 288.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 386

و لو كان من تجب عليه باذلًا فالأحوط عدم الدفع؛ و إن كان الأقوىٰ في غير الزوجة جوازه (21).

______________________________

للولد دفع زكاته إلى والده للإنفاق على من تجب نفقته على الوالد، كما يجوز للغير دفع زكاته إليهم لنفقة أنفسهم لو كانوا فقراء، و كذا للإنفاق إلى من وجبت نفقته عليهم.

(21) إذا لم يكن من تجب عليه نفقة واجبي النفقة قادراً على الإنفاق أو كان قادراً و لكن لم يكن باذلًا لها فلا إشكال في أنّه يجوز للغير دفع زكاته إليهم. و أمّا إذا كان قادراً و باذلًا فهل يجوز للغير حينئذٍ دفع

زكاته إليه أو لا؟ قيل بالجواز مطلقاً؛ لصدق الفقير عليهم، و الأحوط عند المصنّف (رحمه اللّٰه) عدم الدفع إليهم مطلقاً في الزوجة و غيرها من واجبي النفقة، و الأقوى عنده جوازه في غير الزوجة. و قد أفتى في «التذكرة» و «مجمع البرهان» بعدم الجواز مطلقاً؛ لحصول الكفاية الموجبة لصدق الغنى.

و أمّا وجه القوّة في جواز دفع الغير زكاته إلى غير الزوجة من واجبي النفقة على القادر الباذل، هو أنّ غير الزوجة و إن كان واجب النفقة عليه إلّا أنّه لا يملك شيئاً لا فعلًا و لا قوّةً؛ فيتحقّق موضوع الزكاة و هو الفقير و مجرّد لزوم الإنفاق على من تجب عليه نفقته لا يكفي في صدق الغنى عليه؛ إذ الغني من يملك مئونته سنةً فعلًا أو قوّةً؛ لكونه ذا حرفة أو صنعة؛ فعلى هذا يكون الاحتياط في عدم الدفع إلى غير الزوجة مستحبّاً.

و أمّا وجه القوّة في عدم جواز الدفع إلى زوجة من وجبت نفقته مع كونه باذلًا لها فللإجماع على عدم جواز تناولها من الزكاة مع يسار زوجها و بذله لها، فهي

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 387

و لو عال أحداً تبرّعاً جاز له و لغيره دفع زكاته إليه حتّى للإنفاق؛ من غير فرق بين كون الشخص المزبور قريباً أو أجنبيّا (22). و لا بأس بدفع الزوجة زكاتها إلىٰ زوجها و إن أنفقها عليها، و كذا غيرها ممّن تجب نفقته عليه بسبب من الأسباب (23).

______________________________

لاحقة بذي الصنعة بل من أفراده، و يصدق عليها أنّها غنية قوّة.

(22) و في «المدارك»: إجماعاً منّا؛ لأنّه داخل في الأصناف المستحقّين، و لم يرد في منعه نصّ و لا إجماع «1»، انتهى.

و موثّق أبي خديجة

عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا تعط من الزكاة أحداً ممّن تعول. «2»

الخبر، محمول على واجبي النفقة؛ فلا يشمل غيرهم حتّى الأقرباء.

و قد ورد في بعض الروايات المعتبرة: أنّ دفع الزكاة إلى الأقرباء الغير الواجبي النفقة أفضل، كما في موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام) قال: قلت له: لي قرابة أُنفق على بعضهم و أُفضّل بعضهم على بعض، فيأتيني إبّان الزكاة أ فأُعطيهم منها؟ قال

مستحقّون لها؟

قلت: نعم، قال

هم أفضل من غيرهم، أعطهم. «3»

الحديث.

(23) إذا كان الزوج فقيراً جاز لزوجته دفع زكاتها إليه، و يجوز له صرفها لنفسه، و كذا يجوز له إنفاقها لمن وجبت نفقته عليه؛ فإذا قبض الزوج زكاة زوجته ملكها فيجوز له إنفاقها لنفس زوجته التي أخذها منها؛ و ذلك لإطلاق أدلّة جواز

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 248.

(2) وسائل الشيعة 9: 244، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 14، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 9: 245، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 15، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 388

[ (مسألة 1): الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة]

(مسألة 1): الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة؛ هو ما كان من سهم الفقراء و لأجل فقرهم، و أمّا من غيره كسهم الغارمين و المؤلّفة قلوبهم و سبيل اللّٰه و الرقاب و ابن السبيل فيما زاد علىٰ نفقته الواجبة في الحضر، فلا مانع منه إذا كانوا من مصاديقها علىٰ إشكال في الأخير، فيجوز للوالد إعطاء الزكاة ولده المشتغل بتحصيل العلم؛ لما يحتاج إليه من الكتب العلميّة و غيرها من سهم سبيل اللّٰه (24).

______________________________

دفع الزكاة إلى الفقير مطلقاً و إن كان زوجاً، و عموم النفقة لكلّ ما يملكه المنفق بالكسر و لو من الزكاة.

و منع

ابن بابويه من إعطاء الزوجة زكاتها لزوجها، و ابن الجنيد جوّز إعطاء الزوجة زكاتها لزوجها و لكن منع من إنفاق الزوج عليها منها. و لا وجه ظاهر لمدّعاهما.

(24) و ذلك لأنّ الزائد على أصل النفقة ليس واجباً، و في «التذكرة»: إنّما منعنا من الأخذ للقريب بسبب الفقر و المسكنة، أمّا لو كان من غير هذين فإنّه يجوز له أخذها، كما لو كان الأب أو الولد غازياً أو مؤلَّفاً أو غارماً في إصلاح ذات البين أو عاملًا لعدم المانع؛ و لأنّ هؤلاء يأخذون مع الغنى و الفقر فكان للأب ذلك «1»، انتهى.

و قد ورد في بعض الروايات جواز إعطاء الولد زكاته لمن هو دائن لأبيه أو إعطائه لأبيه لقضاء دينه، و كذا يجوز شراء أبيه من زكاته، كما في صحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين أ يؤدّي

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 265 266.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 389

[ (مسألة 2): يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة، التي سقط وجوب نفقتها بالشرط و نحوه]

(مسألة 2): يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة، التي سقط وجوب نفقتها بالشرط و نحوه كما مرّ (25).

______________________________

زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟ فقال

إن كان أبوه أورثه مالًا ثمّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذٍ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته، و إن لم يكن أورثه مالًا لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه، فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه «1».

و مصحّح إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل على أبيه دين و لأبيه مئونة، أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟

قال

نعم، و من أحقّ من أبيه؟! «2».

و رواية عبد اللّٰه بن سعيد أبي محمّد الوابشي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله، قال

اشترى خير رقبته، لا بأس بذلك «3»

، و ضعف سندها منجبر بالإجماع القطعي.

(25) تسقط نفقة الزوجة الدائمة بشرط سقوطها، و بكونها ناشزة، و بالارتداد، و بعدم قابليتها للاستمتاع و التلذّذ لصغرها، و بالسفر بغير إذن الزوج سواء كان سفرها حراماً أو مندوباً أو مباحاً و كذا بالخروج من بيت الزوج بغير إذنه لغير السفر و لو لأمر مباح أو مندوب فيجوز حينئذٍ للزوج دفع زكاته إلى زوجته في الموارد المذكورة في الجملة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 250، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 18، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 250، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 18، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 251، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 19، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 390

و أمّا إذا كان السقوط لأجل النشوز فيشكل الجواز؛ لتمكّنها من تحصيلها بتركه (26). و كذا يجوز الدفع إلى المتمتَّع بها حتّى من زوجها (27). نعم لو وجب على الزوج نفقتها من جهة الشرط، لا يجوز له أن يدفع إليها، و لا لغيره مع يسار الزوج و كونه باذلًا (28).

______________________________

(26) وجه الجواز اندراجها في إطلاق الأدلّة و عمومها بعد عدم وجوب نفقتها للزوج بالنشوز مع إمكان منع صدق الغني عليها. و مجرّد القدرة على الطاعة و تحصيل النفقة لا تدرجها في الغني، و إلّا لم يجز إعطاؤها للفقير أيضاً فيما تمكّن من تحصيل مئونته بالسؤال، و المسألة مشكلة جدّاً و لا

يترك الاحتياط.

و وجه عدم الجواز كونها متمكّنة من تحصيل نفقتها بسهولة بترك النشوز. و ادّعى في «المعتبر» الإجماع على عدم جواز إعطاء الزكاة للناشزة، قال: لا تعطى الزوجة من سهم الفقراء و المسكينة مطيعة كانت أم عاصية إجماعاً؛ لتمكّنها من النفقة «1»، انتهى. و في «كشف الغطاء»: و الزوجة الناشزة حكمها في المنع حكم غيرها «2».

(27) و ذلك لصدق الفقير عليها مع عدم وجوب نفقتها على زوجها، و إطلاق الزوجة عليها كالدائمة لا يوجب منعها من الزكاة؛ لأنّ الزوجة بما أنّها زوجة ليست مانعة من الزكاة، بل بما أنّها لازمة و واجبة نفقتها على الزوج مانعة.

(28) لكونها حينئذٍ لازمة على الزوج؛ فتدخل في عموم العلّة في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج

و ذلك أنّهم عياله لازمون له «3».

______________________________

(1) المعتبر 2: 582.

(2) كشف الغطاء: 356/ السطر 8.

(3) وسائل الشيعة 9: 240، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 13، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 391

[الرابع: أن لا يكون هاشميّاً لو كانت الزكاة من غيره]

الرابع: أن لا يكون هاشميّاً لو كانت الزكاة من غيره (29)،

______________________________

(29) قال في «المبسوط»: الصدقة المفروضة محرّمة على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و آله و هم ولد هاشم و لا تحرم على من لم يلده هاشم من المطّلبين و غيرهم، و لا يوجد هاشمي إلّا من ولد أبي طالب العلويين و العقيليّين و الجعفريّين و من ولد العبّاس بن عبد المطّلب و من أولاد الحرث بن عبد المطّلب و يوجد من أولاد أبي لهب أيضاً «1»، انتهى.

و اشتراط كون مصرف الزكاة غير هاشمي إجماعي؛ قال العلّامة في «التذكرة»: و يشترط أن لا يكون هاشمياً، و قد أجمع المسلمون كافّة على تحريم الصدقة المفروضة

على بني هاشم؛ لقوله (عليه السّلام)

إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، إنّما هي أوساخ الناس.

و أخذ الحسن (عليه السّلام) و هو صغير تمرة من تمر الصدقة، فقال النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

كِخْ كِخْ ليطرحها، و قال: أما شعرت أنّا لا نأكل الصدقة؟

، و من طريق الخاصّة قول الباقر و الصادق (عليهما السّلام)

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): الصدقة أوساخ الناس؛ فلا تحلّ لبني عبد المطّلب «2»

، انتهى.

و في «الجواهر» ادّعى إجماع الفريقين على الاشتراط؛ قال: بلا خلاف أجده بين المؤمنين، بل و بين المسلمين، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما متواتر «3»، انتهى.

و يدلّ عليه صحيح الفضلاء الثلاثة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) قالا

قال

______________________________

(1) المبسوط 1: 259.

(2) تذكرة الفقهاء 5: 268.

(3) جواهر الكلام 15: 406.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 392

أمّا زكاة الهاشمي فلا بأس بتناولها منه (30)،

______________________________

رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس، و إنّ اللّٰه قد حرّم عليّ منها و من غيرها ما قد حرّمه، و إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطّلب «1».

و صحيح عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس و لا لنظرائهم من بني هاشم «2»

، و غيرهما من روايات الباب.

و لا فرق في الهاشمي بين المعصوم (عليه السّلام) و غيره. و ما ورد في بعض الروايات من الفرق بينهما على فرض صحّة سنده معرض عنه عند الأصحاب؛ ففي خبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

أعطوا

الزكاة من أرادها من بني هاشم فإنّها تحلّ لهم، و إنّما تحرم على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و على الإمام الذي من بعده و على الأئمّة (عليهم السّلام) «3».

و في «الوسائل»: حمل الأصحاب ما تضمّن الجواز على الضرورة أو على زكاة بعضهم لبعض أو على المندوبة «4».

(30) و يدلّ عليه قبل الإجماع بقسميه الأخبار المستفيضة:

منها: مرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح في حديث طويل قال

و إنّما جعل اللّٰه هذا الخمس خاصّة لهم يعني بني عبد المطّلب عوضاً لهم من صدقات الناس تنزيهاً من اللّٰه لهم، و لا بأس بصدقات بعضهم على بعض «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 268، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 29، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 269، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 29، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 9: 269، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 29، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 9: 270، ذيل الحديث 7.

(5) وسائل الشيعة 9: 274، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 32، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 393

كما لا بأس بتناولها من غيره مع الاضطرار (31)، و لكن الأحوط إن لم يكن الأقوى الاقتصار علىٰ قدر الضرورة يوماً فيوماً (32)،

______________________________

و منها: خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم، فقال

هي الزكاة

، قلت: فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال

نعم «2».

و منها: موثّقة زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: صدقة بني هاشم بعضهم على بعض تحلّ لهم؟ فقال

نعم إنّ صدقة الرسول تحلّ لجميع الناس من بني هاشم و غيرهم، و صدقات بعضهم على بعض تحلّ

لهم، و لا تحلّ لهم صدقات إنسان غريب «3»

، و غيرها من روايات الباب و غيره من الأبواب.

(31) هذه المسألة إجماعية. و يدلّ عليه موثّق زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

إنّه لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطّلبي إلى صدقة، إنّ اللّٰه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم

، ثمّ قال

إنّ الرجل إذا لم يجد شيئاً حلّت له الميتة، و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئاً و يكون ممّن يحلّ له الميتة «1».

(32) يظهر من جماعة من العلماء: أنّه إذا قصر الخمس عن كفاية الهاشميين جاز لهم أخذ الزكاة الواجبة على قدر الكفاية زائداً عن قدر الضرورة. و نسبه العلّامة (رحمه اللّٰه) في «المختلف» إلى الأشهر، و حكي عن السيّد (رحمه اللّٰه) في «الانتصار» أيضاً،

______________________________

(2) وسائل الشيعة 9: 274، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 32، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 9: 275، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 32، الحديث 6.

(1) وسائل الشيعة 9: 276، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 33، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 394

..........

______________________________

قال: و ممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ الصدقة إنّما تحرم على بني هاشم إذا تمكّنوا من الخمس الذي جعل لهم عوضاً عن الصدقة، فإذا حرموه حلّت لهم الصدقة. إلى أن قال (رحمه اللّٰه) دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه الإجماع المتردّد «1»، انتهى. و يظهر الإجماع من «المعتبر» أيضاً، قال: قال علماؤنا: إذا منع الهاشميون من الخمس حلّت لهم الصدقة «2»، انتهى.

فالمستفاد من عبارة هؤلاء الأعلام و نظائرهم جواز أخذ الهاشميين الزكاة بمجرّد عدم التمكّن من الخمس مطلقاً؛ أي

و إن تمكّنوا من الزكاة المندوبة أو من الواجبة من مثلهم.

و قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) بما حاصله و نعم ما قال إنّه لا دليل على هذا الإطلاق إلّا كون الخمس للهاشمي عوضاً عن الزكاة، و إنّ الثابت من العوضية رفع حكم حرمة الزكاة فيما لم يتمكّن من الخمس، و لا إطلاق لها بالنسبة إلى المتمكّن من المندوبة أو من الواجبة من مثلهم. فالأحوط لو لم يكن الأقوى الاقتصار على قدر الضرورة يوماً فيوماً «3».

و يمكن الاستدلال عليه بموثّق زرارة المتقدّم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) حيث شبّه (عليه السّلام) حلّية الزكاة على الهاشمي بحلّية الميتة على الرجل، و معلوم أنّ الميتة لا تحلّ إلّا إذا لم يجد شيئاً من المأكولات، و كذلك الزكاة لا تحلّ على الهاشمي إلّا إذا لم يتمكّن من زكاة الهاشمي الواجبة و المندوبة من الهاشمي و غيره. و كذا رواية محمّد بن عبد اللّٰه العرزمي عن أبيه عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) قال

لا تحلّ الصدقة

______________________________

(1) الانتصار: 85.

(2) المعتبر 2: 586.

(3) جواهر الكلام 15: 409 410.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 395

كما أنّ الأحوط له اجتناب مطلق الصدقة الواجبة و لو كان بالعارض و إن كان الأقوىٰ خلافه (33).

______________________________

لبني هاشم إلّا في وجهين: إن كانوا عطاشاً فأصابوا ماءً فشربوا، و صدقة بعضهم على بعض «1».

(33) هل يحرم على الهاشمي غير الزكاة من الصدقات الواجبة بالأصل كالكفّارات و الهدي الواجب و المظالم الواجبة و اللقطة، و غيرها كمجهول المالك و الوقف، أو بالعارض كالصدقات الواجبة بالنذر و أخويه و الوصية؟

فيه خلاف بين أصحابنا؛ حكي عن السيّد و الشيخ و المحقّق و العلّامة إلحاقها كلّها بالزكاة، و

استدلّ عليه بالإجماع المحكي عن السيّد و الشيخ و المحقّق، و بإطلاق الصدقة في كثير من الأخبار الواردة عنهم (عليهم السّلام)، فراجع إلى الأبواب التاسع و العشرين و الحادي و الثلاثين و الثاني و الثلاثين من أبواب المستحقّين للزكاة من «الوسائل».

و لا يخفى ما فيه: من أنّ الإجماع غير ثابت بل موهون بمصير جماعة من القدماء و أكثر المتأخّرين إلى خلافه، و أنّ إطلاق الصدقة منصرف إلى الزكاة بقرينة الأخبار المصرّحة بذلك:

منها: خبر زيد الشحّام عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الصدقة التي حرّمت عليهم، فقال

هي الزكاة المفروضة، و لم يحرم علينا صدقة بعضنا على بعض «2»

، و في سند الخبر مفضل بن صالح أبو جميلة كذّاب يضع الحديث.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 275، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 32، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 9: 274، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 32، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 396

نعم لا بأس بدفع الصدقات المندوبة إليهم (34).

______________________________

و منها: صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي؟ فقال

هي الزكاة

، قلت: فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال

نعم «1».

و منها: صحيح جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: أ تحلّ الصدقة لبني هاشم؟ فقال

إنّما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا، فأمّا غير ذلك فليس به بأس، و لو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكّة، هذه المياه عامّتها صدقة «2».

و لا يخفى: أنّه قد تداول النذر على بني هاشم و السادة العظام، و الوقف عليهم

أكثر بمراتب من الوقف على غيرهم، و لا قائل بالفرق بين الصدقة الواجبة بالنذر و الوقف و غيرهما.

(34) هذه المسألة إجماعية نقلًا و تحصيلًا، و الأخبار الدالّة عليها فوق حدّ الاستفاضة، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

لو حرّمت علينا الصدقة لم يحلّ لنا أن نخرج إلى مكّة؛ لأنّ كلّ ما بين مكّة و المدينة فهو صدقة «3»

، حيث إنّ الصدقة محمولة على غير الزكاة الواجبة بقرينة الدلالة القطعية من الإجماع بقسميه و الأخبار المتواترة على حرمة الواجبة عليهم. و صحيحة جعفر بن إبراهيم الهاشمي المتقدّم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 274، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 32، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 9: 272، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 31، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 9: 272، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 31، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 397

و المشكوك كونه هاشميّاً مع عدم بيّنة أو شياع بحكم غيره، فيُعطىٰ من الزكاة. نعم لو ادّعىٰ كونه هاشميّاً لا تُدفع إليه من جهة إقراره بعدم الاستحقاق (35)، لا من جهة ثبوت مدّعاه بمجرّد دعواه، و لذا لا يُعطىٰ من الخمس أيضاً بذلك ما لم يثبت صحّة دعواه من الخارج (36).

______________________________

(35) يحرم الزكاة على من ثبت كونه هاشمياً بالبيّنة و الشياع المفيد للعلم أو الموجب للاطمئنان. و من جهل نسبه و شكّ في كونه هاشمياً في حكم المقطوع بعدم كونه هاشمياً؛ فيعطى من الزكاة؛ لأصالة عدم الانتساب عند الشكّ في كونه منهم، كما أنّه لا يعطى منها من ادّعى كونه هاشمياً؛ لإقراره بعدم كونه مستحقّاً لها.

(36) من ادّعى أنّه هاشمي لا يثبت نسبه و كونه

هاشمياً بمجرّد ادّعائه ما لم يثبت بالبيّنة و الشياع، فلا يعطى له الخمس ما لم يثبت صحّة دعواه بأحد الطريقين.

و حكي عن كاشف الغطاء الاكتفاء بادّعائه مع عدم مظنّة الكذب، و أنّ الأحوط طلب الحجّة منه على دعواه، و أمّا ادّعاؤه في الفقر فمسموع «1».

و أورد عليه صاحب «الجواهر» بأنّ الانتساب لا يثبت بمجرّد الدعوى «2».

قلت: مدّعي نسب الهاشمية لا يدفع إليه الخمس ما لم يثبت صحّة دعواه في الخارج بالبيّنة أو الشياع، و لا الزكاة من جهة ادّعائه النسب المذكور إلزاماً له بإقراره بعدم الاستحقاق، و هذا بخلاف ما لو ادّعى استحقاقه للخمس فإنّه يقبل بلا خلاف و لا إشكال، كمدّعي استحقاق الزكاة ما لم يعلم خلاف دعواه، و قد تقدّم تحقيق ذلك في شرح المسألة العاشرة من مسائل «القول في أصناف المستحقّين للزكاة و مصارفها»، فراجع.

______________________________

(1) كشف الغطاء: 356/ السطر 24.

(2) جواهر الكلام 15: 407.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 399

[القول في بقيّة أحكام الزكاة]

اشارة

القول في بقيّة أحكام الزكاة

[ (مسألة 1): لا يجب بسط الزكاة على الأصناف الثمانية]

(مسألة 1): لا يجب بسط الزكاة على الأصناف الثمانية؛ و إن استُحبّ مع سعتها و وجود الأصناف، فيجوز التخصيص ببعضها، و كذا لا يجب في كلّ صنف البسط علىٰ أفراده، فيجوز التخصيص ببعض (1).

______________________________

(1) هذه المسألة إجماعية، كما ادّعاه جماعة؛ منهم العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة».

و يدلّ عليه صحيح عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث. إلى أن قال (عليه السّلام)

و لا يقسّمها بينهم بالسوية، و إنّما يقسّمها على قدر ما يحضرها منهم و ما يرى؛ و ليس عليه في ذلك شي ء موقّت موظّف، و إنّما يصنع ذلك بما يرى على قدر من يحضرها منهم «1».

و ذيل مرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح في حديث طويل. إلى أن قال

و كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يقسّم صدقات البوادي في البوادي و صدقات أهل الحضر في أهل الحضر، و لا يقسّم بينهم بالسوية على ثمانية حتّى يعطي أهل كلّ سهم ثمناً، و لكن يقسّمها على قدر من يحضره من أصناف الثمانية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 265، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 28، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 400

[ (مسألة 2): تجب النيّة في الزكاة]

(مسألة 2): تجب النيّة في الزكاة، و لا تجب فيها أزيد من القربة و التعيين، دون الوجوب و الندب و إن كان أحوط، فلو كان عليه زكاة و كفارة مثلًا وجب تعيين أحدهما حين الدفع، بل الأقوىٰ ذلك بالنسبة إلىٰ زكاة المال و الفطرة (2).

______________________________

على قدر ما يقيم (يغني) كلّ صنف منهم بقدر سنته، ليس في ذلك شي ء موقوت و لا مسمّى و لا مؤلّف، إنّما يصنع ذلك

على قدر ما يرى و ما يحضره حتّى يسدّ كلّ فاقة كلّ قوم منهم. «1»

الحديث.

و رواية العيّاشي في «تفسيره» عن أبي مريم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ. الآية، فقال

إن جعلتها فيهم جميعاً و إن جعلتها لواحدٍ أجزأ عنك «2».

و موثّق إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل على أبيه دين و لأبيه مئونة أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال

نعم، و من أحقّ من أبيه؟! «3».

و يدلّ على استحباب بسطها على الأصناف مع سعتها و وجود الأصناف موثّق زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): و إن كان بالمصر غير واحد؟ قال

فأعطهم إن قدرت جميعاً «4».

و الأمر بإعطائها جميعاً محمول على الاستحباب بقرينة الروايات المتقدّمة الدالّة على عدم وجوب التقسيم بينهم بالسوية.

(2) الدليل على وجوب النية في أداء الزكاة و عدم صحّتها من دون نية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 266، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 28، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 9: 267، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 28، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 9: 250، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 18، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 9: 267، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 28، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 401

..........

______________________________

مضافاً إلى الإجماع بقسميه هو أنّها عبادة فتفتقر إلى النية؛ لقوله تعالىٰ وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ «3»، و لقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

إنّما الأعمال بالنيات «4».

و لا يعتبر في النية أزيد من القربة التي بها تمتاز العبادات من غيرها، و التعيين؛ و المراد به

قصد خصوصية مأخوذة في موضوع الحكم كما في الصلاة و الصوم و سائر العبادات؛ فلا بدّ من قصد التعيين فيما كان المدفوع قابلًا لانطباق عناوين مختلفة عليه، حيث إنّ المال المدفوع إلى الفقراء يصلح أن يكون زكاة و غيرها، فلا بدّ في تعيّنه للزكاة من نية التعيين.

فلو كان المعطي بالكسر غير هاشمي و كان عليه زكاة و خمس و كفّارة و أعطى شيئاً من الطعام هاشمياً فإنّه يجب عليه أن يقصد أنّ المدفوع من أيّها؛ فلا يتعيّن كون المدفوع زكاة إلّا بالنية، و كذا يجب عليه التعيين فيما كان عليه زكاة فطرة و زكاة مال؛ لاختلاف حقيقتهما و موجبهما و وقتهما و أحكامهما، كما هو واضح.

و عن بعض المعاصرين نسبة عدم وجوب تعيين أنّها زكاة مال أو فطرة إلى إطلاق كلام الشيخ و أنّه يجزي في الكلّ نية الصدقة المفروضة، كما أنّه إذا وجب عليه فطرة رؤوس أجزأه إخراج صيعان بعددها، و لم يكن عليه أن ينوي أنّه فطرة فلان أو فلان؛ لعدم تأثير ذلك في اختلاف الحقيقة، كذلك الحال في نية أنّها زكاة مال أو فطرة، انتهى.

و فيه: أنّه قياس مع الفارق؛ لأنّ زكاة المال و زكاة البدن نوعان مختلفان، بخلاف أفراد الفطرة بحسب الرؤوس فإنّها متّحدة حقيقةً. و أمّا قصد الوجه و هو نية الوجوب أو الندب فلا يجب؛ للأصل و عدم الدليل عليه.

______________________________

(3) البيّنة (98): 5.

(4) وسائل الشيعة 1: 48، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 402

نعم لا يُعتبر تعيين الجنس الذي تخرج منه الزكاة؛ أنّه من الأنعام أو النقدين أو الغلّات، فيكفي مجرّد كونه زكاة، لكن ذلك إذا كان المدفوع

من غير الجنس الزكوي قيمة فيوزّع عليها بالنسبة، و أمّا إذا كان من أحدها فينصرف إليه إلّا مع قصد كونه بدلًا أو قيمة (3). نعم لو كان عنده أربعون من الغنم و خمس من الإبل، فأخرج شاة من غير تعيين، يوزّع بينهما إلّا مع الترديد في كونه إمّا من الإبل و إمّا من الغنم، فإنّ الظاهر عدم الصحّة (4)،

______________________________

(3) لو كان للمالك جنس واحد من الأجناس الزكوية الثلاثة الأنعام الثلاثة، و الغلّات الأربع، و النقدين فلا كلام في عدم وجوب تعيين الجنس الزكوي؛ لكونه متعيّناً بنفسه في الخارج؛ سواء فيه كون المدفوع عيناً أو قيمةً.

و لو كان له كلّ واحد منها و أراد إخراج الزكاة و دفعها من غير الجنس الزكوي بعنوان أنّ المدفوع قيمة العين التي تعلّقت به الزكاة، فمن حيث إنّ المدفوع يصلح أن يكون زكاة كلّ من الأجناس الثلاثة فلا بأس أن يعيّنه لأحدها بالخصوص، و لكن التعيين غير واجب، و مع عدم التعيين يوزّع عليها بالنسبة.

و لو أراد إخراجها من الجنس الزكوي فينصرف المدفوع حينئذٍ إلى ذلك الجنس و يتعيّن بأنّه زكاته، إلّا أن يقصد كونه بدلًا فيتعيّن كونه زكاة عمّا قصد كونه بدلًا عنه أو يقصد كونه قيمة فيوزّع عليها بالنسبة.

(4) وجه توزيع شاة واحدة لكلّ من أربعين من الغنم و خمس من الإبل صلاحية كون الشاة زكاة لكلّ منهما، و لا ترجيح لأحدهما على الآخر؛ فيوزّع بينهما على السوية. و لو أخرجه من أحدهما المردّد إمّا من الإبل و إمّا من الغنم فالظاهر عدم الصحّة و عدم وقوعه عن أحدهما، و لا بدّ في وقوعه عن أحدهما من قصد التعيين لئلّا يلزم الترجيح بلا مرجّح.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة

و الخمس، ص: 403

..........

______________________________

و يظهر من السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين أنّه يجزي عن أحدهما من غير تعيين، قال: بل لو كان له مالان متساويان أو مختلفان حاضران أو غائبان أو مختلفان فأخرج الزكاة عن أحدهما من غير تعيين أجزأه و له التعيين بعد ذلك «1».

و في «المستمسك»: لكن يشكل ذلك بناءً على تعلّق الزكاة بالعين؛ إذ حينئذٍ يكون حال الزكاة حال الديون المتعلّقة برهون متعدّدة، كما لو استقرض عشرة و جعل فرسه رهناً عليها ثمّ عشرة و جعل بعيره رهناً عليها فإذا دفع إليه عشرة دراهم و لم يعيّن أحد الدينين بعينه لم يسقط كلّ منهما و لم يصحّ قبضه وفاءً، فإن عيّن الاولى تحرّر الفرس دون البعير، كما أنّه لو عيّن الثانية تحرّر البعير دون الفرس، و في المقام كذلك إذا نوى في الشاة المدفوعة زكاة أنّها زكاة الأربعين شاة تحرّرت الشياه و جاز له فيها التصرّف من كلّ وجه و بقيت الإبل على حالها موضوعاً للحقّ لا يجوز له التصرّف فيها، و لو عكس النية انعكس الحكم.

و كذا يختلف الحكم في التلف فإنّه إذا نواها عن الشياه فتلفت بقيت عليه زكاة الإبل، و لو نواها عن الإبل و قد تلفت الشياه لا شي ء عليه، و مع الاختلاف بهذا المقدار لا بدّ من النية لئلّا يلزم الترجيح بلا مرجّح.

نعم يتمّ ما ذكروه فيما لو كان عنده مائة و إحدى و عشرون من الغنم فوجب عليه شاتان؛ فإنّه لمّا لم يكن ميز بينهما فإذا دفع إحداهما بلا تعيين سقطت إحداهما و بقيت الأُخرى، و لا مجال للتعيين هنا؛ لعدم التعيّن في مقابل الفرد الآخر «2»، انتهى.

______________________________

(1) العروة الوثقى

2: 331.

(2) مستمسك العروة الوثقى 9: 347.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 404

و يتولّى النيّة الحاكم عن الممتنع (5)، و لو وكّل أحداً في أداء زكاته، يتولّى الوكيل النيّة إذا كان المال الذي يزكّيه عند الوكيل و كان مُخرجاً لزكاته، و أمّا إذا أخرج مقدار الزكاة و دفع إلىٰ شخص ليوصله إلىٰ محلّه، يجب عليه أن ينوي كون ما أوصله الوكيل إلى الفقير زكاة، و يكفي بقاؤها في خزانة نفسه و إن لم يحضرها وقت الأداء تفصيلًا (6). و لو دفع المال إلى الفقير بلا نيّة، فله تجديدها و لو بعد زمان طويل مع بقاء العين، و أمّا لو كانت تالفة، فإن كانت مضمونة علىٰ وجه لم يكن معصية اللّٰه، و اشتغلت ذمّة الآخذ بها له أن يحسبها زكاة كسائر الديون، و أمّا مع الضمان علىٰ وجه المعصية لا يجوز احتسابها زكاة، كما أنّه مع تلفها بلا ضمان لا محلّ لما ينويها زكاة (7).

______________________________

أقول: مع وجود الثمرتين المذكورتين الدخيلتين في الحكم لا بدّ من التعيين و أنّ الشاة زكاة أيّهما.

(5) لكون الحاكم ولياً عن الممتنع الذي يسقط اعتبار نيته، و يكون الاعتبار بنية الحاكم عند الدفع إلى المورد، و كذلك إذا أخذها الحاكم من الكافر يتولّى النية عند الدفع إلى موردها.

(6) فرق بين التوكيل في أداء الزكاة و بين التوكيل في إيصالها إلى مواردها؛ ففي الأوّل يكون المؤدّي لها هو الوكيل، و لا بدّ أن يتولّى هو بنفسه النية عند تأديته إيّاها إلى موردها.

و في الثاني يكون المؤدّي هو المالك الموكّل، و لا بدّ أن يتولّى الموكّل للنية حين الدفع إلى الوكيل، و لا يلزم للموكّل تولّي النية حين إيصال الوكيل إيّاها

لموردها، بل يكفي بقاء النية في خزانة نفسه.

(7) لا بدّ في كلّ عبادة و منها الزكاة من مقارنة النية لأوّل العمل؛ فوقت

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 405

[ (مسألة 3): لو كان له مال غائب و دفع إلى الفقير مقدار زكاته، و نوى أنّه إن كان باقياً فهذا زكاته]

(مسألة 3): لو كان له مال غائب و دفع إلى الفقير مقدار زكاته، و نوى أنّه إن كان باقياً فهذا زكاته، و إلّا فصدقة مستحبّة، أو من المظالم مثلًا صحّ و أجزأ (8).

______________________________

النية في الزكاة حين الدفع إلى موردها، و لا يجزي تقدّمها عليه و لو يسيراً. و قال أبو حنيفة و أصحابه بجواز تقديمها عليه.

و لو دفعها إلى موردها و لم ينوِ حين الدفع فهل يجوز له أن ينوي بعد الدفع و لو بزمان طويل؟ ففي المسألة صور:

الاولى: أن تكون العين باقية، فلا ريب في جواز النية؛ لعدم خروج العين عن ملك المالك بمجرّد انتقالها إلى المورد، فتصحّ النية حال بقاء العين كحال دفعها إليه.

الثانية: أن تكون تالفة في موردها و كانت مضمونة عليه على وجه لم يكن معصية، فله أن يحسبها زكاة؛ لكونها في ذمّة الآخذ و الآخذ مشغول الذمّة بالعوض؛ فيجوز احتسابها كاحتساب سائر ديونه من الزكاة.

الثالثة: أن تكون تالفة في يد آخذها و كانت يده عليها موجبة للضمان مع المعصية، كأن يكون غاصباً لها، فلا يجوز احتسابها زكاة.

الرابعة: أن تكون العين التالفة غير مضمونة لآخذها؛ بأن كانت في يده أمانة، فلا تصادف النية حينئذٍ شيئاً؛ لعدم الضمان.

(8) و في «الجواهر»: بلا خلاف أجده بين من تعرّض له منّا. بل في «فوائد الشرائع»: لا مانع من صحّته بوجه من الوجوه، بل عن الشيخ الإجماع عليه «1»، انتهى.

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 479.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 406

[ (مسألة 4): الأحوط لو لم يكن الأقوىٰ عدم جواز تأخير الزكاة]

(مسألة 4): الأحوط لو لم يكن الأقوىٰ عدم جواز تأخير الزكاة و لو بالعزل مع الإمكان عن وقت وجوبها الذي يغاير وقت التعلّق كالغلّات، بل فيما يعتبر فيه الحول أيضاً؛ لاحتمال أن

يكون وقت الوجوب هو وقت الاستقرار بمُضيّ السنة، بل الأحوط عدم تأخير الدفع و الإيصال أيضاً مع وجود المستحقّ، و إن كان الأقوى الجواز، خصوصاً مع انتظار مستحقّ معيّن أو أفضل إلىٰ شهرين أو أزيد في خلال السنة، و الأحوط عدم التأخير عن أربعة أشهر (9)،

______________________________

و لا يخفى: أنّ نية الزكاة مع الترديد في كون المال الغائب باقياً أو غير باقٍ لا مانع من صحّتها و إجزائها؛ لأنّ الترديد في الواقع في المنويّ لا في النية، و الترديد في المنويّ غير مخلّ للجزم بالوجوب على تقدير بقاء المال، و المخلّ إنّما هو الترديد في نفس النية بأن ينوي أنّ هذا المدفوع إمّا واجب أو نفل.

ثمّ على فرض كون ما نحن فيه من قبيل الترديد في النية نقول: لا إشكال في صحّتها و إجزائها في خصوص ما نحن فيه؛ للإجماع المزبور، كما في الفائتة الأربع ركعات المردّدة بين الظهرين و العشاء يأتي بها بقصد ما في الذمّة.

(9) قد تقدّم من المصنّف (رحمه اللّٰه) في المطلب الأوّل من زكاة الغلّات في المسألة الثالثة: أنّ وقت تعلّق الزكاة عند المشهور من المتأخّرين هو حين اشتداد الحبّ في الزرع، و حين بدوّ الصلاح في ثمرة النخيل، و عند انعقاد الحصرم في ثمرة الكرم. و أنّ الأقوى عنده و هو المختار كون المدار على التسمية، و تقدّم أيضاً: أنّ وقت وجوب الإخراج حين تصفية الغلّة و اجتذاذ التمر و اقتطاف الزبيب.

و ليعلم: أنّ وقت الوجوب فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام و النقدين هو وقت

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 407

..........

______________________________

الاستقرار بمضيّ السنة بتمامية الشهر الحادي عشر.

و وجه عدم جواز تأخيرها و لو بالعزل مع الإمكان عن

وقت وجوبها مضافاً إلى الإجماع منّا، و به قال الشافعي و أحمد و أبو الحسن الكرخي من الحنفية صحيح سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات، أ يؤخّرها حتّى يدفعها في وقت واحد؟ فقال

متى حلّت أخرجها. «1»

الخبر، حيث سأل عن جواز تأخيرها، فأجاب (عليه السّلام) بوجوب إخراجها فوراً؛ أي متى حلّت.

و رواية علي بن حمزة عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إذا أردت أن تعطي زكاتك قبل حلّها بشهر أو شهرين فلا بأس، و ليس لك أن تؤخّرها بعد حلّها «2».

و الوجه في الاحتياط في عدم تأخير الدفع و الإيصال مع وجود المستحقّ ظهور الخبرين المذكورين في عدم جواز التأخير مع وجود المستحقّ فعلًا مطلقاً و لو مع انتظار مستحقّ معيّن أو أفضل.

و وجه القوّة في جواز تأخير الدفع و الإيصال مع الانتظار المذكور موثّق يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): زكاتي تحلّ عليّ في شهر، أ يصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة؟ فقال

إذا حال الحول فأخرجها من مالك لا تخلطها بشي ء، ثمّ أعطها كيف شئت

، قال: قلت: فإن أنا كتبتها و أثبتها يستقيم لي؟ قال

نعم لا يضرّك «3»

، و صدر هذا الخبر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 306، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 52، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 308، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 52، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 9: 307، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 52، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 408

و

لو تلفت مع التأخير بغير عذر ضمنها (10).

______________________________

يدلّ على عدم جواز تأخير الزكاة فيما يعتبر فيه الحول.

و يدلّ على جواز تأخيرها إلى شهر أو شهرين صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين «1».

و يدلّ على جواز التأخير إلى ثلاثة أشهر في خلال السنة صحيح عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوّله و آخره ثلاثة أشهر، قال

لا بأس «2».

و يدلّ على جوازه إلى أربعة أشهر رواية المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» قال: قد جاء عن الصادقين (عليهم السّلام) رخص في تقديم الزكاة شهرين قبل محلّها و تأخيرها شهرين عنه و جاء ثلاثة أشهر أيضاً و أربعة عند الحاجة إلى ذلك و ما يعرض من الأسباب «3».

و وجه الاحتياط في عدم التأخير عن أربعة أشهر مفهوم تقييد التأخير إلى أربعة أشهر في موثّق معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرّم؟ قال

لا بأس

، قال: قلت: فإنّها لا تحلّ عليه إلّا في المحرّم فيعجّلها في شهر رمضان؟ قال

لا بأس «11».

(10) و في «الجواهر»: بلا خلاف و لا إشكال. و يدلّ على الضمان صحيح

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 302، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 49، الحديث 11.

(2) وسائل الشيعة 9: 308، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 53، الحديث 1.

(3) المقنعة: 240، وسائل الشيعة 9: 303، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 49، الحديث 13.

(11) وسائل الشيعة 9: 301،

كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 49، الحديث 9.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 409

و لا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب إلّا قرضاً على المستحقّ، فيحسبها حينه عليه زكاة مع بقائه علىٰ صفة الاستحقاق و بقاء الدافع و المال علىٰ شرائط الوجوب (11)،

______________________________

محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل بعث بزكاة ماله لتقسَّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال

إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان؛ لأنّها قد خرجت من يده، و كذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه، فإن لم يجد فليس عليه ضمان «1».

و صحيح زرارة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت، فقال

ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان

، قلت: فإنّه لم يجد لها أهلًا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟ قال

لا، و لكن إن (إذا) عرف لها أهلًا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها «2».

(11) الزكاة من العبادات، و لا يجوز تقديمها على وقتها. و يدلّ عليه في خصوص الزكاة صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سأله عن رجل حال عليه الحول و حلّ الشهر الذي كان يزكّي فيه و قد أتى لنصف ماله سنة و لنصف الآخر ستّة أشهر، قال

يزكّي الذي مرّت عليه سنة، و يدع الآخر حتّى تمرّ عليه سنة

، قلت: فإنّه اشتهى أن يزكّي ذلك، قال

ما أحسن ذلك «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة

9: 285، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 39، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 286، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 39، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 300، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 49، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 410

و له أن يستعيد منه و يدفع إلىٰ غيره، إلّا أنّ الأحوط الأولى الاحتساب حينئذٍ (12).

______________________________

نعم يجوز تمليك المال الزكوي بل مطلق المال قرضاً للمستحقّ و احتسابه زكاة عليه حين تعلّق الوجوب بشرط بقاء المقترض على صفة الاستحقاق و بقاء الدافع و المال الذي تعلّقت به الزكاة على شرائط الوجوب حتّى يحسب زكاة. و في «الجواهر»: بلا خلاف و لا إشكال.

و يدلّ عليه رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث: إنّ عثمان بن عمران قال له: إنّي رجل موسر و يجيئني الرجل و يسألني الشي ء و ليس هو إبان زكاتي، فقال له أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

القرض عندنا بثمانية عشر و الصدقة بعشرة، و ما ذا عليك إذا كنت كما تقول موسراً أعطيته فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة، يا عثمان لا تردّه فإنّ ردّه عند اللّٰه عظيم «1».

(12) وجه جواز استعادة الدافع من الفقير كونه مالكاً لما في ذمّة الفقير؛ فله استعادة مثل ما ملّكه على الفقير أو قيمته. و لا يجوز له استعادة عين ما دفعه إليه و إن كان موجوداً؛ لكونه ملكاً للفقير بالقرض، نعم يجوز للفقير إعادة عين ما ملكه بالقرض.

و وجه الاحتياط في الاحتساب: أنّ النصوص الواردة في جواز أداء الزكاة قبل الوقت واردة في مورد احتساب الدين المعطىٰ على الفقير زكاة، و الاستعادة منه و الدفع إلى

غيره منافٍ للاحتساب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 300، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 49، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 411

[ (مسألة 5): الأفضل بل الأحوط دفع الزكاة إلى الفقيه في عصر الغيبة]

(مسألة 5): الأفضل بل الأحوط دفع الزكاة إلى الفقيه في عصر الغيبة، سيّما إذا طلبها؛ لأنّه أعرف بمواقعها، و إن كان الأقوىٰ عدم وجوبه إلّا إذا حكم بالدفع إليه لمصلحة الإسلام أو المسلمين، فيجب اتّباعه و إن لم يكن مقلّداً له (13).

______________________________

(13) لعلّ وجه كون دفع الزكاة إلى الفقيه أفضل فتوى جماعة من فقهائنا بالاستحباب، بناءً على شمول قاعدة التسامح للفتوى. و الوجه في الاحتياط في دفع الزكاة إلى الفقيه في عصر الغيبة أجزاؤه بلا خلاف من أحدٍ فيه.

و لا يخفى ما في التعليل بكون الفقيه أعرف بمواقعها؛ إذ لا كلّية له، بل قد يكون المقلّد أعرف بها من الفقيه.

و وجه القوّة في عدم وجوب الدفع إلى الفقيه حتّى مع المطالبة الأخبار الكثيرة الدالّة على جواز دفع المالك إيّاها إلى مواردها، لا بأس بالإشارة إلى بعضها.

منها: صحيح أحمد بن حمزة عن أبي الحسن الثالث (عليه السّلام) قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام): رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك و له زكاة، أ يجوز له أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال

نعم «1»

و غيره من روايات الباب.

و منها: موثّق إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام) قال: قلت له: اعطي الرجل من الزكاة ثمانين درهماً؟ قال

نعم و زده

، قلت: أُعطيه مائة؟ قال

نعم، و أغنه إن قدرت أن تغنيه «2».

و منها: صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يعطى الزكاة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 245، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 15،

الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 259، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 24، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 412

[ (مسألة 6): يستحبّ ترجيح الأقارب علىٰ غيرهم]

(مسألة 6): يستحبّ ترجيح الأقارب علىٰ غيرهم، و أهل الفضل و الفقه و العقل علىٰ غيرهم، و من لا يسأل من الفقراء علىٰ غيره (14).

______________________________

يقسّمها، إله أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال

لا بأس «1»

، و غيره من روايات الباب.

و منها: صحيح علي بن يقطين أنّه قال لأبي الحسن الأوّل (عليه السّلام): يكون عندي المال من الزكاة فأحجّ به موالي و أقاربي؟ قال

نعم، لا بأس «2»

، و من أراد أن يطّلع على أكثر من هذه الروايات فليرجع إلى أبواب الزكاة من كتب الأخبار.

نعم لو حكم الفقيه بالدفع إليه ليصرفها في مصلحة الإسلام و المسلمين وجب إتباعه و إن لم يكن مقلّداً له؛ لنفوذ حكمه و حجّيته على كلّ مكلّف؛ حتّى سائر المجتهدين إن لم يكن منشأ حكمه مخدوشاً عندهم.

(14) الدليل على استحباب ترجيح الأقارب على غيرهم موثّق إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام) قال: قلت له: لي قرابة أُنفق على بعضهم و أُفضّل بعضهم على بعض فيأتيني إبّان الزكاة أ فأُعطيهم منها؟ قال

مستحقّون لها؟

قلت: نعم، قال

هم أفضل من غيرهم أعطهم «3».

و يدلّ على استحباب ترجيح أهل الفضل و الفقه و العقل حسنة عبد اللّٰه بن عجلان السكوني قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): إنّي ربّما قسمت الشي ء بين أصحابي أصلهم به فكيف أُعطيهم؟ قال

أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و العقل «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 282، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 37، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة

9: 290، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 42، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 245، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 15، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 9: 262، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 25، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 413

[ (مسألة 7): يجوز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص حتّى مع وجود المستحقّ]

(مسألة 7): يجوز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص حتّى مع وجود المستحقّ. و التعيين في غير الجنس محلّ إشكال و إن لا يخلو من وجه، فتكون أمانة في يده، لا يضمنها إلّا مع التعدّي أو التفريط أو التأخير مع وجود المستحقّ (15)،

______________________________

و عن المجلسي (رحمه اللّٰه) في كتاب «روضة المتّقين» في شرح هذه الرواية قال: و الظاهر أنّ المهاجرة في الدين عبارة عن تغرّبه لطلب العلوم الدينية (أو) للعبادة (أو) للمذهب. و المراد بالفقه العلم مطلقاً، و المعنى المصطلح لم يكن في زمن الأئمّة صلوات اللّٰه عليهم على الظاهر فإنّهم (عليهم السّلام) كانوا ينفون الاجتهاد و التقليد كما هو ظاهر للمتتبّع. و المراد بالعقل آثاره من التديّن بدين الحقّ (أو) العمل الصالح، كما نقل عنهم (عليهم السّلام)

إنّ العقل ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان «1»

، و كثيراً ما يطلق على المعنى الأوّل، كما هو الظاهر للمتدبّر في الأخبار «2»، انتهى.

و لا يخفى ما في كلامه (رحمه اللّٰه) من نفي الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) الاجتهاد و التقليد؛ فإنّ بعضهم (عليهم السّلام) عرّف بعض أصحابهم بالمرجعية في الإفتاء، كقول الباقر (عليه السّلام) لأبان بن تغلب

اجلس في مسجد المدينة و أفت الناس فإنّي أُحبّ أن يرى في شيعتي مثلك «3».

(15) و الدليل على جواز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص من النصاب صحيح أبي بصير عن

أبي جعفر (عليه السّلام) قال

إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سمّاها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 15: 205، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 8، الحديث 3.

(2) روضة المتّقين 3: 93.

(3) مستدرك الوسائل 17: 315، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 11، الحديث 14.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 414

..........

______________________________

لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه «2».

و صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

إذا أخرجها الرجل من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحدٍ فقد برئ منها «3».

و موثّق يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): زكاتي تحلّ عليّ في شهر أ يصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة؟ فقال

إذا حال الحول فأخرجها من مالك لا تخلطها بشي ء، ثمّ أعطها كيف شئت

، قال: قلت: فإن أنا كتبتها و أثبتها يستقيم لي؟ قال

نعم لا يضرّك «4».

و صحيح عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوّله و آخره ثلاثة أشهر، قال

لا بأس «1».

فهذه الروايات تدلّ على جواز عزلها مطلقاً و لو مع وجود المستحقّ.

و بعض الروايات مقيّد بعدم وجود المستحقّ، كما في خبر علي بن حمزة عن أبيه عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الزكاة يجب عليّ في مواضع لا تمكنني أن أُؤدّيها، قال

اعزلها، فإن اتّجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح، و إن نويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء، فإن لم تعزلها

فاتّجرت بها في جملة مالك فلها تقسيطها من الربح و لا و ضيعة عليها «12»

، و الخبر مرسل غير منجبر بالنسبة إلى التقييد المزبور. و علي بن أبي حمزة سالم البطائني

______________________________

(2) وسائل الشيعة 9: 286، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 39، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 9: 286، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 39، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 9: 307، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 52، الحديث 2.

(1) وسائل الشيعة 9: 308، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 53، الحديث 1.

(12) وسائل الشيعة 9: 307، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 52، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 415

..........

______________________________

ضعيف في الغاية، قال علي بن الحسن بن فضّال في حقّه: إنّه كذّاب متّهم ملعون قد رويت عنه أحاديث كثيرة و كتبتُ تفسير القرآن كلّه من أوّله إلى آخره، إلّا أنّي لا أستحلّ أن أروي عنه «1». و قال ابن الغضائري: علي بن حمزة لعنه اللّٰه أصل الوقف و أشدّ الخلق عداوةً للولي من بعد أبي إبراهيم (عليه السّلام) «2».

و وجه الإشكال في التعيين من غير الجنس هو تعلّق الزكاة بالعين عند المصنّف (رحمه اللّٰه)؛ فيشكل حينئذٍ إفرازها من غير الجنس الزكوي. و الروايات المذكورة الدالّة على جواز الإفراز لا تشمل إفراز غير المال الزكوي زكاة.

و الوجه في جواز تعيين الزكاة من غير الجنس الزكوي ما ذكرنا في شرح قول المصنّف (رحمه اللّٰه) «و لا يتعيّن عليه أن يدفع من النصاب و لا من جنس ما تعلّقت به الزكاة، بل له أن يدفعها من القيمة السوقية» المتقدّم في المسألة الثالثة من مسائل «الكلام فيما يؤخذ في الزكاة» من صحيح محمّد

بن خالد البرقي قال: كتبتُ إلى أبي جعفر الثاني (عليه السّلام): هل يجوز أن أخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة أو الشعير و ما يجب على الذهب، دراهم قيمته ما يسوي، أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شي ء ما فيه، فأجاب

أيّما تيسّر يخرج «3»

، و غيره من روايات الباب، فراجع. فيجوز عزل الزكاة من غير الجنس الزكوي للنصّ.

ثمّ إنّه إذا جاز عزل الزكاة و تعيينها تكون ملكاً للمستحقّين أمانة في يد مالك النصاب، و حينئذٍ لو تلفت عنده لا يضمنه إلّا مع التعدّي و التفريط أو التأخير مع وجود المستحقّ:

أمّا في صورة التعدّي و التفريط فلرواية علي بن حمزة المتقدّمة المنجبر

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال: 404/ 756.

(2) انظر رجال العلّامة الحلّي: 232/ 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 167، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضة، الباب 14، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 416

و ليس له تبديلها بعد العزل (16).

[ (مسألة 8): لو أتلف الزكاة المعزولة متلف]

(مسألة 8): لو أتلف الزكاة المعزولة متلف، فإن كان مع عدم ما يوجب الضمان كالتأخير مثلًا يكون الضمان على المُتلِف فقط، و إلّا فعلى المالك أيضاً و إن كان قراره على المُتلِف (17).

______________________________

ضعفها بالإجماع القطعي على الضمان في فرض المسألة.

و أمّا في صورة التأخير مع وجود المستحقّ فلصريح صحيح ابن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال

إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها. «1»

الحديث.

(16) لعدم الدليل على ولايته على التبديل، و مقتضى الأصل عدم جوازه. و عن الشهيد (رحمه اللّٰه) في «الدروس»: فليس له إبداله في الموضعين زكاة المال

و الفطرة في وجه «2». و في «الجواهر»: أنّ المتّجه القطع بعدم جواز الإبدال «3». و في «العروة الوثقى» في المسألة الرابعة و الثلاثين من فصل زكاة الغلّات الأربع بعد الإشكال في جواز الإبدال للمالك بعد العزل قال: و إن كان الأظهر عدم الجواز. أقول: و لعلّ وجه الجواز النصوص الواردة في جواز دفع القيمة، و فيه: أنّ دفع القيمة ليس من باب إبدال الزكاة بغيرها.

(17) لو أتلف الزكاة المعزولة متلف غير المالك فإن كان مع عدم ما يوجب الضمان على المالك كان الضمان على المتلف فقط لقاعدة الإتلاف، و إن كان مع ما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 285، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 39، الحديث 1.

(2) الدروس الشرعيّة 1: 247.

(3) جواهر الكلام 15: 442.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 417

[ (مسألة 9): لو اتّجر بما عزله تكون الخسارة عليه و الربح للفقير]

(مسألة 9): لو اتّجر بما عزله تكون الخسارة عليه و الربح للفقير؛ إذا كان الاتّجار لمصلحة الزكاة فأجاز وليّ الأمر (18)، و كذا في الاتّجار بالنصاب قبل إخراج الزكاة على الأقرب (19). و أمّا إذا اتّجر بهما لنفسه و أوقع التجارة بالعين الخارجي، فتصحيحهما في الموردين بالإجازة محلّ إشكال، بل يقع باطلًا في الجميع في الأوّل، و بالنسبة في الثاني (20).

______________________________

يوجب الضمان على المالك كالتأخير بغير عذر مع وجود المستحقّ فعلى المالك أيضاً للتفريط، و على الحاكم أو نائبه الرجوع إلى أيّهما شاء؛ فإن رجع إلى المتلف فهو، و إن رجع إلى المالك رجع هو على المتلف؛ لقرار الضمان عليه، كما هو المقرّر في الأيادي المتعاقبة على مال الغير.

(18) لو اتّجر بما عزله تكون الخسارة على المالك؛ لقاعدة «من أتلف مال الغير فهو له ضامن»، و المفروض أنّه غير مأذون

من طرف الوليّ، و تكون الفائدة و الربح للفقير إذا كان الاتّجار لمصلحة الزكاة و أجاز وليّ الأمر، فصحّة اتّجار المالك بإجازة وليّ الأمر منوط بكون الاتّجار لمصلحة الزكاة، و ليس كبيع الفضولي مال المالك فإنّه يصحّ بإجازته مطلقاً و إن لم يكن البيع لمصلحة المالك، بل هو كبيع الفضولي مال الصغير فإنّه يصحّ بإجازة وليه إذا كان البيع لمصلحة الصغير.

(19) يعني أنّه يكون الخسارة في حصّة الزكاة على المالك كخسارة حصّته. و أمّا إذا كان الاتّجار لمصلحة الزكاة و كان فيه الربح كان الربح بين المالك و الفقراء بالنسبة إذا أجاز وليّ الأمر.

(20) إذا اتّجر بمال الزكاة المعزولة أو بالنصاب لنفسه و أوقع التجارة بالعين الخارجي بأن كان المبيع نفس العين الخارجية فصحّة التجارة و وقوعها بين مالك

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 418

..........

______________________________

الزكاة و هو الفقير و مالك الثمن بإجازة وليّ الأمر مشكل عند المصنّف (رحمه اللّٰه)، بل يقع باطلًا في جميع المبيع فيما باع ما عزله و في حصّة الزكاة فيما باع النصاب.

و لا يخفى: أنّه لم يظهر لي وجه الإشكال في صحّة الاتّجار بالزكاة المعزولة إلّا كون الاتّجار لمصلحة نفس البائع حيث قصد من الاتّجار المزبور تملّكه ثمن المعاملة، و أنّ الشارع قد منعه من التصرّف في الزكاة لغير مصلحة مصرفها. و في الحقيقة تكون ولاية وليّ الأمر في إجازة اتّجار الفضولي و تنفيذه محدودة و مختصّة بما إذا كان الاتّجار لمصلحة مال الزكاة.

و أشار (رحمه اللّٰه) إلى الإشكال المزبور في كتاب البيع من «تحرير الوسيلة» في المسألة الخامسة من مسائل الشرط الخامس كون المتعاقدين مالكين للتصرّف من «شرائط المتعاقدين»، و قال (رحمه اللّٰه): مسألة 5: لا

فرق في صحّة البيع الصادر من غير المالك مع إجازته بين ما إذا قصد وقوعه للمالك أو لنفسه، كما في بيع الغاصب و من اعتقد أنّه مالك، كما لا فرق بين ما إذا سبقه منع المالك عنه و غيره على إشكال فيه «1»، انتهى.

أقول: إن ثبت منع الشارع المالك من التصرّف المزبور أي البيع لنفسه فتصحيح الاتّجار بإجازة وليّ الأمر مشكل، و إلّا فمقتضى القاعدة وقوع الاتّجار للفقير و لغوية قصد المالك الاتّجار لنفسه فيما إذا كان الاتّجار في الواقع و نفس الأمر لمصلحة مال الزكاة، هذا.

و للمصنّف (رحمه اللّٰه) كلام في المجلّد الثاني من كتاب «البيع» في البيع الفضولي لنفسه يظهر منه عدم تمامية الدليل الدالّ على صحّة الفضولي في البيع لنفسه، و لعلّه وجه الإشكال عنده فيما نحن فيه؛ قال (رحمه اللّٰه): و أمّا البيع الفضولي لنفسه فالمنسوب

______________________________

(1) تحرير الوسيلة 1: 485/ مسألة 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 419

و إن أوقع التجارة بالذمّة و ادّى من المعزول أو النِّصاب، يكون ضامناً و الربح له، إلّا إذا أراد الأداء بهما حال إيقاع التجارة، فإنّه حينئذٍ محلّ إشكال (21).

[ (مسألة 10): يجوز نقل الزكاة من بلده]

(مسألة 10): يجوز نقل الزكاة من بلده؛ سواء وجد المستحقّ في البلد أم لا (22)،

______________________________

إلى المشهور صحّته، و استدلّ لها بالعموم و الإطلاق و بعض ما تقدّم من الشواهد.

أقول: يتوقّف التمسّك بالعمومات على رفع بعض الإشكالات التي لو تمّت لم يصحّ التمسّك بها لتصحيحه، بل مع احتمال تماميتها تصير الشبهة موضوعية بالنسبة إلى العمومات و الإطلاقات «1»، انتهى.

(21) ففيما أوقع التجارة لا بالعين الخارجية من الزكاة بل بما في ذمّته تكون التجارة صحيحة؛ لكونها واقعة بين الثمن المنتقل إليه من المشتري

و بين ما في ذمّته، و لكنّه إذا أدّى ما في ذمّته من المعزول أو النصاب فقد أتلف المعزول و يكون ضامناً للفقير، و يكون ربح التجارة للمالك. نعم إذا قصد حال إيقاع العقد الأداء بالمعزول أو بالنصاب توجّه الإشكال المذكور.

(22) يجوز للمالك نقل الزكاة من بلدها إلى البلد الآخر؛ سواء وجد المستحقّ في بلدها أم لا، و هو قول جماعة كثيرة من فقهائنا القدماء و المتأخّرين.

و يدلّ عليه صحيح هشام عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها، إله أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال

لا بأس «2».

و موثّق درست بن أبي منصور واقفي موثّق قال: قال: أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) في

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 2: 189.

(2) وسائل الشيعة 9: 282، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 37، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 420

..........

______________________________

الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده، قال

لا بأس (أن) يبعث بالثلث أو الربع «1».

و صحيح أحمد بن حمزة القمي قال: سألت أبا الحسن الثالث (عليه السّلام) عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها في إخوانه فهل يجوز ذلك؟ قال

نعم «2».

و يدلّ عليه أيضاً سيرة ولاة الأمر على إرسال الجباة إلى البلاد لجباية الزكاة و نقلها من بلدها إلى غيرها.

و يظهر من العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» الإجماع على عدم جواز نقلها عن بلدها مع وجود المستحقّ فيه «3». و مال إليه المحقّق (رحمه اللّٰه) في «الشرائع»، قال: و لا أي لا يجوز نقلها إلى غير أهل البلد مع وجود المستحقّ في البلد «4». و نسبه

في «الحدائق» إلى المشهور «5».

و استدلّ عليه مضافاً إلى الشهرة و الإجماع المحكيين عن «الحدائق» و «التذكرة» بأنّ النقل إلى بلد آخر يستلزم التأخير المنافي لفورية الإخراج، كما عن المحقّق (رحمه اللّٰه) و جماعة، و بأنّه يستلزم تعريضها في معرض التلف.

و بصحيح الحلبي عن أبي عبد الهّٰي (عليه السّلام) قال

لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب و لا صدقة الأعراب في المهاجرين «6».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 283، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 37، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 283، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 37، الحديث 4.

(3) تذكرة الفقهاء 5: 341.

(4) شرائع الإسلام 1: 153.

(5) الحدائق الناضرة 12: 239.

(6) وسائل الشيعة 9: 284، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 38، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 421

و لو تلفت يضمن في الأوّل دون الثاني (23)، كما أنّ مئونة النقل عليه مطلقاً (24).

______________________________

و صحيح عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر «2».

و فيه: أنّ الشهرة لم يثبت تحقّقها، و الإجماع حاكيه العلّامة (رحمه اللّٰه)، و قد اختار في «المنتهي» و «المختلف» و «التحرير» الجواز على كراهية. و أنّ الفورية لم يثبت وجوبها، و على فرض ثبوت وجوبها، النقل إلى بلد آخر شروع في الإخراج فلم تفت الفورية. و التعريض لتلفها بالنقل إلى بلد آخر يجبر بالضمان. و الصحيحان لا تعرّض فيهما للنقل إلى بلد آخر.

(23) و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل بعث بزكاة

ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال

إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، و إن لم يجد من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان؛ لأنّها قد خرجت من يده. «11»

الخبر. و نحوه صحيح زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «12».

(24) لا وجه لكون مئونة النقل على المالك فيما لم يوجد مستحقّ في بلده، و الأصل براءة ذمّته من وجوب المئونة عليه.

______________________________

(2) وسائل الشيعة 9: 284، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 38، الحديث 2.

(11) وسائل الشيعة 9: 285، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 39، الحديث 1.

(12) وسائل الشيعة 9: 286، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 39، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 422

[ (مسألة 11): لو قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية علىٰ أخذها، برأت ذمّة المالك]

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، در يك جلد، ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس؛ ص: 422

(مسألة 11): لو قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية علىٰ أخذها، برأت ذمّة المالك و إن تلفت عنده بتفريط أو غيره، أو أعطىٰ غير المستحقّ اشتباهاً، و إذا قبضها بعنوان الوكالة عن المالك، لم تبرأ ذمّته إلّا بعد الدفع إلى المحلّ (25).

[ (مسألة 12): أُجرة الكيّال و الوزّان و الكيل و نحو ذلك على المالك]

(مسألة 12): أُجرة الكيّال و الوزّان و الكيل و نحو ذلك على المالك (26).

______________________________

(25) مقتضى ثبوت الولاية للفقيه جواز أخذها له من المالك و جواز دفع المالك إليه، فإن قبضها بعنوان الولاية تسقط ذمّة المالك، و حينئذٍ فإن تلفت عند الفقيه بتفريط منه يضمنها، و لو تلفت بغير تفريط لا يضمن.

و لو أعطى غير المستحقّ اشتباهاً يستردّها منه مع وجودها، و كذا لو أتلفها غير المستحقّ مع العلم بكونها زكاة فيستردّ قيمتها، و لا يضمنها بدون العلم بكونها زكاة. و لو قبضها الفقيه بعنوان الوكالة عن المالك فما دام لم تدفع إلى محلّها كانت في ذمّة المالك.

(26) اختلف فقهاؤنا في أنّ اجرة الكيّال و الوزّان و الكيل و نحو ذلك على المالك أو على الزكاة؛ فالأكثر قائلون بالأوّل بل هو المشهور؛ قال الشيخ (رحمه اللّٰه) في «المبسوط»: و إن احتيج إلى كيّال أو وزّان في قبض الصدقة فعلى من تجب؟ قيل: فيه وجهان: أحدهما على أرباب الأموال؛ لأنّ عليهم أيضاً الزكاة كأُجرة الكيّال و الوزّان في البيع على البائع، و الآخر أنّه على أرباب الصدقات؛ لأنّ اللّٰه تعالى أوجب عليهم أي على أرباب الأموال قدراً معلوماً من الزكاة. فلو قلنا: إنّ الأُجرة تجب عليهم لزدنا على قدر الواجب،

و الأوّل أشبه «1»، انتهى.

و اختار القول الأوّل العلّامة في «التذكرة» و علّله بأنّ ذلك إيفاءٌ لا أنّه زيادة

______________________________

(1) المبسوط 1: 256.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 423

[ (مسألة 13): من كان عليه أو في تَرِكَته الزكاة و أدركه الموت]

(مسألة 13): من كان عليه أو في تَرِكَته الزكاة و أدركه الموت، يجب عليه الإيصاء بإخراجها من تركته، و كذا سائر الحقوق الواجبة (27).

______________________________

في الزكاة «1». و به أفتى المصنّف (رحمه اللّٰه) و السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» و أكثر المحشّين.

و وجه الوجوب على المالك: أنّ الكيل و الوزن مقدّمة للواجب الذي هو أداؤها و لا يتمّ إلّا بالكيل أو الوزن؛ فهما واجبان على المالك مقدّمة للواجب.

و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) نسب القول بالاحتساب من الزكاة إلى الشيخ عند شرح قول المحقّق في «الشرائع»: الرابعة إذا احتاجت الصدقة إلى كيل أو وزن كانت الأُجرة على المالك، و قيل: يحتسب من الزكاة «2». و قد نسب النراقي (رحمه اللّٰه) «3» أيضاً القول المذكور إلى الشيخ في «المبسوط»، و الحال أنّ «المبسوط» صرّح بأنّ القول الأوّل وجوب الأُجرة على أرباب الأموال أشبه، فراجع.

و كيف كان: فقد استدلّ لاحتساب الأُجرة من الزكاة بأصالة براءة ذمّة المالك من وجوب دفعها، و ظهور أدلّة وجوب الزكاة التي هي بمعنى القدر المخصوص في عدم وجوب غيرها عليه.

و فيه: أنّه لا يجري الأصل مع وجود الأمر الصريح في الكتاب و السنّة على أدائها المتوقّف على الكيل و الوزن و غيرهما ممّا يتوقّف الواجب عليه.

(27) من كانت الزكاة في ذمّته أو كانت معزولة متعيّنة أو كانت في جملة أمواله و لم يؤدّها و أدركه الموت يجب عليه الإيصاء بلا إشكال و لا خلاف؛ لوجوب

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 354.

(2) جواهر

الكلام 15: 446.

(3) مستند الشيعة 9: 358.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 424

و لو كان الورّاث مستحقّين جاز للوصيّ أداؤها إليهم من مال الميّت، و كذا جاز أخذها لنفسه؛ مع الاستحقاق و عدم انصرافٍ في الوصية إلى أدائها إلى الغير (28).

______________________________

مقدّمة الواجب الذي هو الأداء. و يدلّ عليه عمومات الأمر بالوصية.

و قد عقد صاحب «الوسائل» (رحمه اللّٰه) «باب وجوب الوصية على من عليه حقّ»، و أورد جملة من الروايات الدالّة عليه. و لكن الإنصاف عدم دلالة روايات الباب على الوجوب: منها صحيح محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام)

الوصية حقّ و قد أوصى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فينبغي للمسلم أن يوصي «1»

، و نحوه غيره من روايات الباب فراجع.

و عقد أيضاً «باب وجوب الوصية بما بقي في الذمّة من الزكاة». و روى عن الصدوق (رحمه اللّٰه) عن مسعدة بن صدقة الربعي عن جعفر بن محمّد عن أبيه قال

قال علي (عليه السّلام): الوصية تمام ما نقص من الزكاة «2»

، بل يجب الإيصاء في غير الزكاة من الحقوق الواجبة كالخمس و المظالم و الديون الغائب عنها صاحبها غيبة منقطعة و كذلك اللقطة.

(28) لو كان ورّاث الميّت الذي كانت عليه زكاة مستحقّين جاز للوصي أداؤها إليهم و إن كانوا ممّن وجبت نفقتهم عليه في حال حياته؛ لانقطاع وجوب نفقتهم عنه بموته. و كذا يجوز للوصي أخذها لنفسه مع استحقاقه و عدم انصراف في الوصية إلى أدائها إلى الغير؛ فلا يجوز حينئذٍ أداؤها للورّاث، و لا أخذها لنفسه كالوصية بأدائها لفقراء العلماء و لم يكن الورّاث و لا الوصي منهم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 2: 446، كتاب الطهارة، أبواب الاحتضار،

الباب 29، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 19: 259، كتاب الوصايا، الباب 2، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 425

و يُستحبّ دفع شي ء منها إلىٰ غير الوارث إذا أراد دفعها إليه (29).

[ (مسألة 14): يكره لربّ المال أن يطلب من الفقير تملّك ما دفعه إليه صدقة و لو مندوبة]

(مسألة 14): يكره لربّ المال أن يطلب من الفقير تملّك ما دفعه إليه صدقة و لو مندوبة؛ سواء كان التملّك مجّاناً أو بالعوض (30)،

______________________________

(29) و يدلّ عليه صحيح علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن الأوّل (عليه السّلام): رجل مات و عليه زكاة و أوصى أن تقضى عنه الزكاة و ولده محاويج إن دفعوها، أضرّ ذلك بهم ضرراً شديداً، فقال

يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم و يخرجون منها شيئاً فيدفع إلى غيرهم «1»

، و ظاهر الجملة الخبرية و إن كان هو وجوب دفع شي ء منها إلى غير الورثة و لكن الأصحاب أجمعوا على استحباب ذلك.

(30) لا خلاف في كراهة طلب ربّ المال تملّك ما أخرجه في الصدقة الواجبة و المندوبة ببيع و غيره من المملّكات، بل ادّعي عليه الإجماع كما عن المحقّق في «المعتبر» و صاحب «المدارك». و العمدة في الاستدلال على الكراهة هو الإجماع، و قد يستدلّ على الحكم كما في «المنتهي» و «المدارك» بأنّ الزكاة طهارة للمال؛ لأنّها وسخ؛ فيكره له شراء طهوره، فالراجع فيها كالراجع في قيئه، و أنّه ربّما أستحيي الفقير فيترك المماكسة معه، و يكون ذلك وسيلة إلى استرجاع بعض الزكاة من الفقير إلى المالك، و ربّما طمع الفقير في غيرها منه فأسقط بعض ثمنها «2». و لا يخفى ما في الاستدلال المذكور و أنّه أشبه بالاستحسان.

و يمكن الاستدلال على الكراهة بما ورد في عدم حلّية اشتراء مالك النصاب و استيهابه و استرداده الصدقة ممّن

أعطاها إيّاه مع ملاحظة الإجماع على الكراهة،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 244، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 14، الحديث 5.

(2) منتهى المطلب 1: 531/ السطر 9، مدارك الأحكام 5: 285.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 426

و لو أراد الفقير بيعه بعد تقويمه عند من أراد، كان المالك أحقّ به، لكن زوال الكراهة غير معلوم (31).

______________________________

بحيث لولا الإجماع على الكراهة تعيّن الحمل على الحرمة، كما في صحيح منصور بن حازم قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إذا تصدّق الرجل بصدقة لم تحلّ له أن يشتريها و لا يستوهبها و لا يستردّها إلّا في ميراث «1»

، و صحيح آخر عنه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا تصدّقت بصدقة لم ترجع إليك و لم تشترها إلّا أن تورث «2».

(31) و يدلّ على أحقّية المالك بشراء الصدقة من الفقير إذا أراد بيعه، صحيح محمّد بن خالد أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصدقة، فقال

إنّ ذلك لا يقبل منك

، فقال: إنّي أحمل ذلك في مالي، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

مر مصدّقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء، و لا يجمع بين المتفرّق و لا يفرق بين المجتمع. و إذا دخل المال فليقسّم الغنم نصفين ثمّ يخيّر صاحبها أيّ القسمين شاء، فإذا اختار فليدفعه إليه، فإن تتبّعت نفس صاحب الغنم من النصف الآخر منها شاة أو شاتين أو ثلاثاً فليدفعها إليه، ثمّ ليأخذ صدقته، فإذا أخرجها فليقسّمها فيمن يريد، فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها، و إن لم يردها فليبعها «3».

و لا يخفى: أنّ الإجماع قام على الكراهة فيما إذا طلب المالك التملّك من الفقير ابتداءً لا

فيما طلبه الفقير ابتداءً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 19: 207، كتاب الوقوف و الصدقات، الباب 12، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 19: 208، كتاب الوقوف و الصدقات، الباب 12، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 9: 131، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 14، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 427

نعم لو كانت الصدقة جزء حيوان لا يتمكّن الفقير من الانتفاع به، و لا يشتريه غير المالك، أو يحصل للمالك ضرر بشراء غيره، جاز شراؤه من دون كراهة (32).

[ (مسألة 15): لو دفع شخص زكاته إلىٰ شخص ليصرفها في الفقراء، أو خمسه إليه ليصرفه في السادة، و لم يعيّن شخصاً]

(مسألة 15): لو دفع شخص زكاته إلىٰ شخص ليصرفها في الفقراء، أو خمسه إليه ليصرفه في السادة، و لم يعيّن شخصاً، و كان المدفوع إليه مصرفاً، و لم ينصرف اللفظ عنه، جاز له أن يأخذ مثل أحدهم من غير زيادة، و كذا له أن يصرفه في عياله، خصوصاً إذا قال: هذا للفقراء أو للسادة، أو هذا مصرفه الفقراء و السادة؛ و إن كان الأحوط عدم الأخذ إلّا بإذن صريح، و كذا الحال لو دفع إليه مالَ آخر ليصرفه في طائفة، و كان المدفوع إليه بصفتهم (33).

______________________________

(32) زوال الكراهة في الصور المذكورة في المتن و كذا فيما إذا عاد إلى المالك بالإرث إجماعي، كما في «المنتهي» «1».

(33) وجه جواز أخذ الفقير لنفسه فيما كان مصرفاً للزكاة موثّق سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يعطى الزكاة فيقسّمها في أصحابه أ يأخذ منها شيئاً؟ قال

نعم «2».

و صحيح الحسين بن عثمان عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) في رجل اعطى مالًا يفرّقه فيمن يحلّ له إله أن يأخذ منه شيئاً لنفسه و إن لم يسمّ له؟ قال

يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره «3».

و صدر

صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها و يضعها في مواضعها، و هو ممّن تحلّ له الصدقة، قال

لا بأس أن يأخذ لنفسه

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 531/ السطر 13.

(2) وسائل الشيعة 9: 287، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 40، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 288، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 40، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 428

..........

______________________________

كما يعطي غيره

، قال

و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه «1».

و يدلّ على عدم جواز أخذه لنفسه فيما عيّن المالك مصرفاً خاصّاً و إن كان المدفوع بأوصاف المصرف الخاصّ، إطلاق ذيل صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج المزبور عن أبي الحسن (عليه السّلام) فلاحظ.

و لعلّ الوجه في الاحتياط و عدم أخذ المدفوع إليه هو اقتضاء ظاهر الحال إيّاه و كون المدفوع إليه واسطة بين المالك و الفقراء و السادة في إيصال الزكاة و الخمس إليهم. و أمّا وجه جواز صرف المدفوع إليه ما أخذه في عياله فلكونهم ممّن ينطبق عليه عنوان المصرف واقعاً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 288، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 40، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 429

[المقصد الثاني في زكاة الأبدان]

اشارة

المقصد الثاني في زكاة الأبدان و هي المسمّاة بزكاة الفطرة (1)، و قد ورد فيها: «أنّه يتخوّف الفوت علىٰ من لم تدفع عنه»،

______________________________

(1) و في «الجواهر»: و هي فِعلة من الفطر، واصلة الشقّ، و استعمل بمعنى الخلق، فهي حينئذٍ بمعنى الخلقة؛ أي الحالة التي عليها الخلق، بل لعلّ منه إطلاقها على الإسلام و لو مجازاً باعتبار كونه حالة لا

ينفكّ الخلق عنها، و هو المراد من قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه و ينصّرانه. «1»

إلى آخر ما ذكره (رحمه اللّٰه) «2». و في الآية الشريفة فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِي فَطَرَ النّٰاسَ عَلَيْهٰا لٰا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّٰهِ ذٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ «11»، و في «مجمع البيان»: «فطرة اللّٰه» الملّة؛ و هي الدين و الإسلام و التوحيد التي خلق

______________________________

(1) مسند الإمام أحمد بن حنبل 2: 233.

(2) جواهر الكلام 15: 483.

(11) الروم (30): 30.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 430

و «أنّها من تمام الصوم، كما أنّ الصلاة على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من تمام الصلاة» (2).

و الكلام فيمن تجب عليه، و في جنسها و في قدرها، و في وقتها، و في مصرفها:

______________________________

الناس عليها و لها و بها؛ أي لأجلها و التمسّك بها «1».

(2) روى الصدوق (رحمه اللّٰه) بإسناده عن إسحاق بن عمّار عن مُعَتّب مولى أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، كان خير مواليه و ثقة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة و عن الرقيق (و) أجمعهم، و لا تدع منهم أحداً؛ فإنّك إن تركت منهم إنساناً تخوّفتُ عليه الفوت

، قلت: و ما الفوت؟ قال

الموت «2».

و في صحيح أبي بصير و زرارة قالا: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني الفطرة كما أنّ الصلاة على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من تمام الصلاة؛ لأنّه مَن صام و لم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّداً، و لا صلاة له إذا

ترك الصلاة على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، إنّ اللّٰه قد بدأ بها قبل الصوم (الصلاة)، فقال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى. وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى «3» «4».

______________________________

(1) مجمع البيان 8: 474.

(2) وسائل الشيعة 9: 328، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 5.

(3) الأعلى (87): 14 15.

(4) وسائل الشيعة 9: 318، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 1، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 431

[القول فيمن تجب عليه]

اشارة

القول فيمن تجب عليه

[ (مسألة 1): تجب زكاة الفطرة على المكلّف الحرّ الغنيّ فعلًا أو قوّة]

(مسألة 1): تجب زكاة الفطرة على المكلّف الحرّ الغنيّ فعلًا أو قوّة، فلا تجب على الصبيّ، و لا المجنون؛ و لو أدواريّاً إذا كان دور جنونه عند دخول ليلة العيد، و لا يجب علىٰ وليّهما أن يؤدّي عنهما من مالهما (1)،

______________________________

(1) من شرائط وجوب الفطرة التكليف؛ فلا تجب على الصبي و المجنون و لو أدوارياً عند دخول ليلة العيد إجماعاً. و يظهر من العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة»: أنّ المسألة إجماعية من الفريقين، و أنّه زعم ابن عبد البرّ أنّ بعض المتأخّرين من أصحاب مالك و داود يقولون هي سنّة مؤكّدة «1».

و يدلّ على عدم وجوبها على الصبي و المجنون الحديث المعروف بحديث رفع القلم؛ ففي «الخصال» عن الحسن بن محمّد السكوني عن الحضرمي عن إبراهيم بن أبي معاوية عن أبيه عن الأعمش عن ابن ظبيان قال

اتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها، فقال علي (عليه السّلام): أما علمتَ أنّ القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتّى يحتلم، و عن المجنون حتّى يفيق، و عن النائم حتّى يستيقظ؟! «2»

، فلا يشمل إطلاق الأمر بإيتاء الزكاة الصبي و المجنون.

و يمكن الاستدلال أيضاً على عدم وجوب الفطرة على الصبي و المجنون بالمرفوع المحكي عن «المقنعة» عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 365.

(2) وسائل الشيعة 1: 45، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4، الحديث 11.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 432

بل الأقوىٰ سقوطها عنهما بالنسبة إلىٰ من يعولانه (2)،

______________________________

قال

تجب الفطرة على كلّ من تجب عليه الزكاة «1».

و في زكاة الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه): و كون التمسّك هنا بمفهوم الوصف

لا يقدح؛ لأنّ المقام مقام بيان الضابط؛ فلا بدّ من الاطّراد و الانعكاس «2»، انتهى.

و أمّا تكليف الوليّ في تأديتها عن مالهما فهو منفي بالأصل، و لا دليل يقتضيه.

و يدلّ على نفي التكليف عن الوليّ في خصوص مال الصغير صحيح محمّد بن القاسم بن الفضيل البصري أنّه كتب إلى أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) يسأله عن الوصي يزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب (عليه السّلام)

لا زكاة على يتيم «3».

(2) وجه سقوط وجوب فطرة عيال الصبي و المجنون هو الوجه في سقوطه عن أنفسهما. نعم قد ورد في بعض الروايات أنّ فطرة المملوك الذي هو ملك لليتيم من مال اليتيم، كما في صحيح محمّد بن القاسم بن الفضيل أنّه كتب إلى أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) يسأله عن المملوك يموت عنه مولاه و هو عنه غائب في بلدة أُخرى و في يده مال لمولاه و يحضر الفطرة، أ يزكّي عن نفسه من مال مولاه و قد صار لليتامى؟ قال

نعم «4».

و فيه أوّلًا: أنّ التصرّف في مال المولى المنتقل إلى اليتامى لا يجوز لغير الوليّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 325، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 4، الحديث 1.

(2) الزكاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 10: 398.

(3) وسائل الشيعة 9: 326، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 4، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 9: 326، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 4، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 433

و لا علىٰ من هو مُغمى عليه عند دخول ليلة العيد (3)،

______________________________

بلا إذن؛ فلا يجوز للمملوك إخراج فطرته عن مال المالك بلا إذن، مع أنّ الوليّ لا يجوز له إخراج فطرة اليتيم

عن ماله كما عرفت.

و ثانياً: أنّ الرواية غير معمول بها عند الأصحاب، و في «الجواهر»: لم أجد عاملًا به، و قد حملها صاحب «الوسائل» على موت المولى بعد الهلال؛ يعني و كانت فطرة المملوك على مولاه الحيّ حين أهلّ الهلال و قد أخرجه المملوك.

(3) و ذلك لعدم تعلّق الحكم التكليفي عليه و لو بالقوّة، كما يتعلّق على النائم و الناسي و الساهي؛ و لذا تبطل الوكالة بعروض الإغماء للموكّل أو الوكيل.

و في زكاة الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه): و ربّما يومئ إلى ذلك قوله (عليه السّلام) في أخبار كثيرة في مقام تعليل نفي القضاء على المغمىٰ عليه في الصوم و الصلاة

ما غلب اللّٰه عليه فاللّٰه أولى بالعذر

؛ فإنّ الإغماء ليس في وقت القضاء حتّى يكون عذراً فيه؛ فالمراد العذر في الأداء، و من البيّن أنّ المعذورية في الأداء لا يوجب نفي القضاء كما في النائم و الناسي، فالمراد من المعذورية هو عدم الحكم الواقعي الشأني أعني المطلوبية بالمغمى عليه فيلزمه عدم القضاء؛ لأنّه حقيقة تدارك ما فات، و لا فوت مع عدم المطلوبية الواقعية.

و بالجملة: فما ذكره المشهور من كون المغمىٰ عليه بمنزلة الصبي و المجنون قد قطع الشارع النظر عنه في مقام إنشاء التكاليف قويّ جدّاً. و حاصل الفرق: أنّ عدم التكليف في المغمىٰ عليه كالصبي و المجنون لعدم المقتضي، و في النائم و الساهي للمانع «1»، انتهى.

______________________________

(1) الزكاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 10: 399 400.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 434

و لا على المملوك (4)،

______________________________

و في «المدارك»: هذا الحكم أي عدم وجوب الفطرة على المغمىٰ عليه مقطوع به في كلام الأصحاب، و قد ذكره العلّامة و غيره مجرّداً عن الدليل،

و هو مشكل على إطلاقه. نعم لو كان الإغماء مستوعباً لوقت الوجوب اتّجه ذلك «1»، انتهى.

و لا يخفى: أنّ اشتراط عدم الإغماء لم يقم عليه إجماع و لم يذكره الشيخ في كتبه. نعم لم يصرّح أحد من القدماء و المتأخّرين بنفي اشتراطه.

و يمكن أن يقال: إنّه تجب زكاة الفطرة على المغمىٰ عليه؛ لرواية المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

تجب الفطرة على كلّ من تجب عليه الزكاة «2»

، حيث إنّ الزكاة تجب على المغمىٰ عليه فتجب الفطرة عليه. اللهمّ إلّا أن تقوم الشهرة على خلاف الرواية المذكورة في المغمىٰ عليه.

و لقد أشكل السيّد الخوئي (رحمه اللّٰه) في اشتراط عدم الإغماء في حاشيته على «العروة الوثقى» و قال بالاحتياط وجوباً «3».

(4) لا تجب الفطرة على المملوك؛ سواء كان قنّاً أو مدبراً أو أُمّ ولد أو مكاتباً مشروطاً و هو الذي شرط المولى عليه ردّه إلى الرقّ متى عجز عن أداء مال الكتابة أو مطلقاً و هو الذي لم يشترط المولى عليه في المكاتبة ردّه إلى الرقّ بالعجز عن

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 308.

(2) وسائل الشيعة 9: 325، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 4، الحديث 1.

(3) العروة الوثقى 2: 354، الهامش 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 435

..........

______________________________

ردّ مال الكتابة و لم يؤدّ شيئاً من مال الكتابة.

و لو كان بعض المكاتب المطلق حرّا بأداء بعض مال الكتابة و بعضه الآخر رقّاً فهل يجب عليهما بالنسبة، أو لا يجب عليهما؛ لا على المولى و لا على العبد؟

يظهر من «المبسوط» في كتاب زكاة المال قوّة عدم وجوب الزكاة عليهما، فقال: و إن كان غير

مشروط عليه يلزمه مقدار ما تحرّر منه، و يلزم مولاه بمقدار ما يبقى. و إن قلنا لا يلزم واحد منهما لأنّه لا دليل عليه؛ لأنّه ليس بحرّ فيلزمه حكم نفسه، و لا هو مملوك لأنّه يحرّر منه جزء، و لا هو من عيلولة مولاه فيلزمه فطرته لمكان العيلولة كان قوياً «1»، انتهى.

و اختار (رحمه اللّٰه) في كتاب الفطرة من «المبسوط» وجوبها عليه بالنسبة، قال: فإن كان مطلقاً و قد تحرّر منه جزء يلزمه بحساب ذلك إن لم يكن في عيلته «2».

و كيف كان: فوجوب فطرة المملوك مطلقاً على مولاه إجماعي، و الأخبار الدالّة عليه في حدّ الاستفاضة؛ ففي صحيح صفوان الجمّال قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفطرة، فقال

عن الصغير و الكبير و الحرّ و العبد، عن كلّ إنسان منهم صاع من حنطة أو صاع من تمر أو صاع من زبيب «3».

و مرفوعة محمّد بن أحمد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبته و رقيق امرأته و عبده النصراني و المجوسي و ما أغلق عليه بابه «4».

______________________________

(1) المبسوط 1: 206.

(2) نفس المصدر 1: 239.

(3) وسائل الشيعة 9: 327، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 1.

(4) وسائل الشيعة 9: 330، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 9.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 436

و لا على الفقير الذي لا يملك مئونة سنته له و لعياله زائداً علىٰ ما يقابل الدين و مستثنياته لا فعلًا و لا قوّة (5)،

______________________________

و صحيح حمّاد بن عيسى الجهني البصري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه و رقيق امرأته و

عبده النصراني و المجوسي و ما أغلق عليه بابه «3»

، و غيرها من روايات الباب.

(5) لا تجب الزكاة على الفقير الذي لا يملك مئونة سنته له و لعياله لا فعلًا و لا قوّةً، و إن كان له مال كثير يقابل ديونه و مستثنيات ديونه.

و عدم وجوب الزكاة على الفقير إجماعي، و لا يعتنى بخلاف ابن جنيد في المسألة، و قد حكي عنه أنّها تجب على من فضل من مئونته و مئونة عياله ليومه و ليلته صاع «1». و لا يحتاج في الاستدلال على عدم الوجوب على الفقير إلى الأصل، كما توهّمه صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه)؛ لأنّ الأصل يتمسّك به حيث لا دليل، و الحال أنّ الأخبار في المسألة في حدّ الاستفاضة:

منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن رجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة؟ قال

لا «12».

و صحيح عبد اللّٰه بن ميمون عن أبي عبد اللّٰه عن أبيه (عليهما السّلام) في حديث زكاة الفطرة قال

ليس على من لا يجد ما يتصدّق به حرج «13».

و صحيح إسحاق بن المبارك قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السّلام): على الرجل

______________________________

(3) وسائل الشيعة 9: 331، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 13.

(1) انظر مختلف الشيعة 3: 137.

(12) وسائل الشيعة 9: 321، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 2، الحديث 1.

(13) وسائل الشيعة 9: 321، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 2، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 437

..........

______________________________

المحتاج صدقة الفطرة؟ فقال

ليس عليه فطرة «1».

و صحيح يزيد بن فرقد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) على المحتاج صدقة الفطرة؟ فقال

لا «2».

و صحيح آخر عنه قال:

سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل يقبل الزكاة هل عليه صدقة الفطرة؟ قال

لا «3».

و موثّق إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السّلام): على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال

ليس عليه فطرة «4»

، و غيرها من روايات الباب.

و قد ورد في قبال الروايات المذكورة بعض الروايات تدلّ بظاهرها على أنّ على الفقير الفطرة، كما في رواية الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أعلى من قبل الزكاة زكاة؟ فقال

أمّا من قبل زكاة المال فإنّ عليه زكاة الفطرة، و ليس عليه لما قبله زكاة، و ليس على من يقبل الفطرة فطرة «5».

و رواية علي بن إبراهيم في «تفسيره» قال: قال الصادق (عليه السّلام) في قوله تعالىٰ حكاية عن عيسى وَ أَوْصٰانِي بِالصَّلٰاةِ وَ الزَّكٰاةِ «6»، قال

زكاة الرؤوس؛ لأنّ كلّ الناس ليست لهم أموال، و إنّما الفطرة على الفقير و الغني و الصغير و الكبير «7»

، و هذه الأخبار محمولة على الاستحباب؛ جمعاً بينها و بين الأخبار السابقة الدالّة على نفي وجوب الفطرة على الفقير. و على فرض المعارضة فهي معرض عنها عند الأصحاب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 321، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 2، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 9: 321، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 2، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 9: 321، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 2، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 9: 322، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 2، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 9: 322، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 2، الحديث 10.

(6) مريم (19): 31.

(7) وسائل الشيعة 9: 323، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 2، الحديث 12.

مدارك تحرير الوسيلة -

الزكاة و الخمس، ص: 438

و الأحوط اعتبار الدين الحالّ في هذه السنة لا غيره (6). نعم الأحوط الأولىٰ لمن زاد علىٰ مئونة يومه و ليلته صاعٌ إخراجها (7)، بل يستحبّ للفقير مطلقاً إخراجها؛ و لو بأن يُدير صاعاً علىٰ عياله، ثمّ يتصدّق على الأجنبي بعد أن ينتهي الدور إليه (8)، هذا إذا لم يكن بينهم قاصر، و إلّا فالأحوط أن يقتصر في الإدارة بينهم على المكلّفين، و لو أخذ الوليّ عن القاصر يصرفها له، و لا يردّها إلىٰ غيره (9).

______________________________

و ليعلم: أنّ من لا يملك قوت سنته له و لعياله و لكن كان له أموال كثيرة يقابل دينه و مستثنياته فهو فقير يستحقّ الزكاة و الفطرة، و قد تقدّم في البحث عن المصرف السادس أي الغارمين من مصارف الزكاة ما ينفعك هذا فلا نطيل بالإعادة، فراجع.

(6) و الأحوط في الدين الحالّ اعتبار مطالبة الدائن حيث إنّه لو لم يكن الدين حالّا في هذه السنة أو كان حالّا فيها و لكن لم يطالبه الدائن فيها يخرج الزائد على ما يقابل الدين و مستثنياته فطرة.

(7) و ذلك لإطلاق الأخبار الدالّة على أنّ على الفقير فطرة.

(8) و ذلك لموثّقة إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل لا يكون عنده شي ء من الفطرة إلّا ما يؤدّي عن نفسه وحدها، أ يعطيه غريباً (عنها) أو يأكل هو و عياله؟ قال

يعطي بعض عياله ثمّ يعطي الآخر عن نفسه يتردّدونها، فتكون عنهم جميعاً فطرة واحدة «1».

(9) لو كان في جملة من في عيلولة الوليّ قاصر كالمجنون و الصغير، فهل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 325، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 3، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة -

الزكاة و الخمس، ص: 439

..........

______________________________

يجوز للولي أن يتقبّل من الكبير للقاصر ثمّ يردّه عن القاصر إلى آخر، أو لا يجوز ردّها إلى غيره بل يجب صرفها للقاصر؟ فيه خلاف بين فقهائنا:

يظهر من صاحب «المدارك» (رحمه اللّٰه) اختصاص الحكم بالترديد بينهم بالمكلّفين؛ لانتفاء ما يدلّ على تكليف وليّ القاصر بذلك «1»، مع وجود الدليل على عدم جواز صرف مال القاصر في غير مصلحته. و إليه ذهب المصنّف (رحمه اللّٰه)، و قوّاه السيّد الحكيم (رحمه اللّٰه) في «المستمسك».

و يمكن أن يستدلّ عليه مضافاً إلى ما ذكر بقوله (عليه السّلام) في موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة

ثمّ يعطي الآخر عن نفسه

، حيث إنّه وظيفة المكلّف؛ فلا يشمل القاصر.

و استشكل الفاضل النراقي في «مستند الشيعة» و صاحب «الجواهر» و بعض محشي «العروة الوثقى» عموم الحكم لغير المكلّف؛ و قال جماعة يجوز للولي أن يخرج ما ملكه القاصر بالترديد عنه إلى الآخر أو إلى الأجنبي؛ و ذلك لإطلاق النصّ، و لأنّ المكلّف قد ملكها للقاصر على أن يخرج عنها صدقةً؛ لظهور النصّ في بيان كيفية الاحتيال للمعيل في إخراج الفطرة الواحدة عن نفسه و عن كلّ من في عيلولته.

و الذي ينسبق إلى الذهن من الموثّقة خصوصاً من الجملة الأخيرة

يتردّدونها فتكون عنهم جميعاً فطرة واحدة

أنّ الفطرة الواحدة فطرة المعيل و فطرة كلّ من كان في عيلولته قاصراً كان أو غيره و كأنّ الرواية في صدد تعليم الاحتيال في إخراج الصاع الواحد عن الجميع بإعطاء المعيل الصاع واحداً من عياله على وجه الفطرة و الآخر للثالث، و هكذا إلى أن ينتهي الدور إليه، فكأنّ المعيل قد

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 315.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 440

[ (مسألة 2): يعتبر وجود الشرائط المذكورة عند دخول ليلة العيد]

(مسألة 2): يعتبر وجود الشرائط المذكورة عند دخول ليلة العيد؛ أي قبيله و لو بلحظة؛ بأن كان واجداً لها فأدرك الغروب، فلا يكفي وجودها قبله إذا زال عنده، و لا بعده لو لم يكن عنده، فتجب علىٰ من بلغ مثلًا عنده أو زال جنونه، و لا تجب علىٰ من بلغ بعده أو زال جنونه (10).

______________________________

أخرج عن نفسه و عن كلّ من في عيلولته فطرة مستقلّة كالغني المتمكّن.

و قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه): مع أنّه أي الخبر الموثّق وارد مورد الغالب من تسلّط الوليّ على المولّى عليهم بذلك و غيره لما له من كمال اليد عليهم في الإنفاق و غيره، كما هو واضح «1»، انتهى.

(10) تجب زكاة الفطرة على من وجد الشرائط؛ من العقل و البلوغ و عدم الإغماء و الحرّية و الغنى حين غروب ليلة العيد؛ فلا يكفي وجودها قبل الغروب مع زوال واحد منها حين الغروب، و كذا لا تجب على من كان فاقداً لأحدها حين الغروب و إن كان واجداً لها بعد الغروب. و هذه المسألة إجماعية نقلًا و تحصيلًا.

و يدلّ عليه صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في المولود يولد ليلة الفطر و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر، قال

ليس عليهم فطرة، و ليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر «2».

و صحيح آخر له قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال

لا، قد خرج الشهر

، و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال

لا «3»

، وجه الاستدلال: أنّ إدراك الشهر لا يكون إلّا بتمام الشهر

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 494.

(2) وسائل الشيعة 9: 352، كتاب الزكاة، أبواب

زكاة الفطرة، الباب 11، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 352، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 11، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 441

نعم يُستحبّ أداؤها إذا كان ذلك قبل الزوال من يوم العيد (11).

______________________________

بدخول ليلة العيد.

و الروايتان و إن كان موردهما خصوص من أدرك الشهر و كان مولوداً و مسلماً حين هلّ هلال ليلة العيد، لكن الخصوصية لا دخالة لها؛ للإجماع على أنّ كلّ واحدٍ من الشرائط لا بدّ أن يكون موجوداً عند دخول ليلة العيد؛ لعدم القول بالفصل. و في «الجواهر»: و خصوص مورده لا يقدح في العموم الشامل لما نحن فيه «1»، انتهى.

بقي الكلام في تفسير المصنّف (رحمه اللّٰه) دخول ليلة العيد بقوله: «أي قُبيله و لو بلحظة»، و لعلّه (رحمه اللّٰه) استفاد ذلك من لفظ الرواية في قوله (عليه السّلام)

و ليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر

، و قوله (عليه السّلام)

لا، قد خرج الشهر

المتقدّم في صحيحي معاوية بن عمّار حيث إنّ إدراك الشهر لا يكون إلّا بإدراكه قبل دخول ليلته و لو بلحظة، و كذلك من لم يدرك لحظة قبل دخول الليلة يصدق عليه أنّه قد خرج الشهر و هو فاقد للشرط. و تظهر الثمرة فيمن تولّد حين دخول ليلة الفطر و لم يدرك لحظة قبل الدخول فإنّه لا تجب عليه الفطرة بناءً على تفسير المصنّف (رحمه اللّٰه).

(11) و به أفتى أكثر الأصحاب؛ قال الصدوق (رحمه اللّٰه) في «الفقيه»: و إن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة استحباباً، و إن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه. و كذلك الرجل إذا أسلم قبل الزوال أو بعده فعلى هذا، و هذا على الاستحباب و الأخذ

بالأفضل. فأمّا الواجب فليست الفطرة إلّا على من أدرك الشهر «2»، انتهى.

و يدلّ عليه مرسل الشيخ (رحمه اللّٰه) في «التهذيب»، قال: و قد روي أنّه إن ولد له

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 499.

(2) الفقيه 2: 116/ 499.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 442

[ (مسألة 3): يجب علىٰ من استكمل الشرائط المزبورة إخراجها عن نفسه و عمّن يعوله]

(مسألة 3): يجب علىٰ من استكمل الشرائط المزبورة إخراجها عن نفسه و عمّن يعوله؛ من مسلم و كافر و حرّ و عبد و صغير و كبير؛ حتّى المولود قبل هلال شوّال و لو بلحظة (12).

______________________________

قبل الزوال يخرج عنه الفطرة، و كذلك من أسلم قبل الزوال «1».

و مصحّح «الفقيه» عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عمّا يجب على الرجل في أهله من صدقه الفطرة؟ قال

تصدّق عن جميع من تعول؛ من حرّ أو عبد أو صغير أو كبير من أدرك منهم الصلاة «2»

، و المراد صلاة العيد.

و حمل هذين الخبرين على الاستحباب هو مقتضى الجمع بينهما و بين صحيحي معاوية بن عمّار الدالّين على نفي وجوب الفطرة عمّن لم يدرك الشهر.

(12) و يدلّ عليه أكثر روايات الباب الخامس و السادس من أبواب زكاة الفطرة من «الوسائل» «3»، و لم يتعرّض في أكثر الروايات بإخراجها عن نفسه إلّا في بعضها، كموثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفطرة. إلى أن قال: و قال

الواجب عليك أن تعطي عن نفسك و أبيك و أُمّك و ولدك و امرأتك و خادمك «4».

و رواية محمّد بن مسعود العيّاشي عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) و ليس عنده غير ابنه جعفر عن زكاة الفطر، فقال

يؤدّي الرجل عن نفسه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 353،

كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 11، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 9: 329، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 9: 327، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5 و 6.

(4) وسائل الشيعة 9: 328، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 443

و كذا كلّ من يدخل في عيلولته قبله؛ حتّى الضيف و إن لم يتحقّق منه الأكل، مع صدق كونه ممّن يعوله و إن لم يصدق أنّه عياله (13)،

______________________________

و عياله و عن رقيقه الذكر و الأُنثى و الصغير منهم و الكبير صاعاً من تمر عن كلّ إنسان. «1»

الخبر.

و أمّا وجوب الفطرة عن خصوص المولود قبل هلال شوّال و لو بلحظة فيدلّ عليه صحيحا معاوية بن عمّار المتقدّمان.

(13) ينبغي الإشارة إلى المعنى اللغوي للفظ العَوْل و العيالة و العُؤول؛ و هو الكفاية على معاش الغير و التكفّل و القيام به، يقال: عال اليتيم أي كفّله و قام بمعاشه، و العيال و العيايل و العالة جمع العيل: أهل بيت الرجل الذين تجب نفقتهم عليه. فعلى هذا يمكن أن يكون شخص في عيلولة الرجل و تحت تكفّله و لم يكن من أهل بيته، كالضيف و المحبوس و الأسير.

و لا يخفى: أنّ شرط وجوب فطرة الضيف على المضيف نزوله عليه قبل غروب ليلة الفطر و لو بلحظة، و حضوره يوم الفطر ليس شرطاً للوجوب؛ فلو نزل الضيف قبل غروب ليلة الفطر و صدق عليه أنّه ممّن يعوله المضيف و إن لم يتحقّق منه الأكل قبل الغروب وجبت فطرته على المضيف. و ادّعى في «الجواهر» الإجماع بقسميه على وجوب فطرة الضيف على المضيف «11».

و يدلّ

عليه صحيح عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه، فيحضر يوم الفطرة يؤدّي عنه الفطرة؟ فقال

نعم الفطرة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 339، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 23.

(11) جواهر الكلام 15: 494.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 444

..........

______________________________

واجبة على كلّ من يعول من ذكر أو أُنثى، صغير أو كبير، حرّ أو مملوك «1»

، و قد ذكرنا أنّ حضور الضيف يوم الفطر ليس شرطاً للوجوب.

و عموم صحيح عبد اللّٰه بن سنان قال

كلّ من ضممت إلى عيالك من حرّ أو مملوك فعليك أن تؤدّي الفطرة عنه «2».

و عموم ما أغلق عليه بابه في مرفوعة محمّد بن أحمد بن يحيى عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

يؤدّي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه و رقيق امرأته و عبده النصراني و المجوسي و ما أغلق بابه عليه «3»

، و لا يضرّ إرسالها؛ لموافقة مضمونها الصحيحين و غيرهما.

و لا يعارض الأخبار المذكورة صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج الدالّ على عدم وجوب فطرة غير العيال على الرجل، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلّا أنّه يتكلّف له نفقته و كسوته، أ تكون عليه فطرته؟ فقال

لا، إنّما تكون فطرته على عياله صدقة دونه

، و قال

العيال: الولد و المملوك و الزوجة و أُمّ الولد «4»

، فهو إمّا مطروح لمخالفته الإجماع القطعي على وجوب فطرة الضيف على المضيف، أو محمول على من لم يكن في العيلولة. و لعلّ إنفاقه عليه كان على سبيل الهدية لا بنحو الضيافة العيلولية و إغلاق الباب عليه. و في «الوسائل»: المفروض

أنّ الرجل المذكور ليس من عياله بل يتصدّق عليه بنفقته و كسوته أو يبعث بهما إليه هدية، انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 327، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 329، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 9: 330، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 9.

(4) وسائل الشيعة 9: 328، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 445

..........

______________________________

بقي الكلام في بيان قدر الضيافة الموجبة لوجوب الفطرة على المضيف؛ فعن المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» اعتبار النصف الأخير من شهر رمضان، و عن الشيخ (رحمه اللّٰه) في «الخلاف» و السيّدين في «الانتصار» و «الغنية» اعتبار طول الشهر؛ قال في «الخلاف»: روى أصحابنا أنّ من أضاف إنساناً طول شهر رمضان و تكفّل بعيلولته لزمته فطرته، و خالف جميع الفقهاء في ذلك. دليلنا: إجماع الفرقة و طريق الاحتياط «1»، و عن ابن إدريس اعتبار آخر الشهر بليلتين؛ قال في «السرائر»: فإن لم يفطر عنده إلّا في محاق الشهر و آخره بحيث يتناوله اسم الضيف فإنّه يجب عليه إخراج الفطرة عنه، و لو كان إفطاره عنده في الليلتين الأخيرتين فحسب «2»، انتهى. و عن العلّامة في «المنتهي» و «التذكرة» و «التحرير» اعتبار آخر ليلته من الشهر بحيث يهلّ الهلال و هو في ضيافته، و عن ابن حمزة في «الوسيلة» و الشيخ في «النهاية» الاكتفاء بمسمّى الإفطار عنده في الشهر، و عن المحقّق في «المعتبر» اعتبار آخر جزء من الشهر بحيث يهلّ الهلال و هو في ضيافته، و كذا في «الدروس».

و مبنى الاختلاف و الأقوال المذكورة هو صدق العيلولة؛

فكلّ من القائلين بتلك الأقوال يدّعي توقّف صدقها على القدر الذي قدّره للضيافة، و لا وجه ظاهر لأكثر الأقوال. و الظاهر من الروايات صدق العيلولة عند دخول ليلة العيد.

و لقد أجاد في «المسالك» و قال: الضيف نزيل الإنسان و إن لم يكن قد أكل عنده؛ لأنّ ذلك هو المفهوم منه لغةً و عرفاً؛ فلا يشترط أن يفطر عنده مجموع الشهر، و لا نصفه الثاني، و لا العشر الآخر، و لا ليلتين من آخره، و لا آخر ليلته على الأصحّ،

______________________________

(1) الخلاف 2: 133/ مسألة 162.

(2) السرائر 1: 466.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 446

بخلاف المولود بعده، و كذا من دخل في عيلولته بعده، فلا تجب عليه فطرتهم (14). نعم هي مستحبّة إذا كان ما ذكر قبل الزوال من العيد (15).

[ (مسألة 4): من وجبت فطرته على الغير لضيافة أو عيلولة، سقطت عنه]

(مسألة 4): من وجبت فطرته على الغير لضيافة أو عيلولة، سقطت عنه و لو كان غنيّاً جامعاً لشرائط الوجوب لولا العيلولة (16).

______________________________

بل يكفي نزوله عليه قبل دخول شوّال و بقائه عنده إلى أن يدخل «1»، انتهى.

و لكن لا يخفى: أنّ مجرّد نزوله قبل دخول شوّال و بقائه عنده إلى أن يدخل شوّال لا يكفي في وجوب الفطرة على المضيف؛ لعدم صدق عنوان الضيف بمجرّد ذلك، بل لا بدّ في صدقه من بقائه عنده مدّة و لو قصيرة بمقدار التعيّش و أكل ما تهيّأ له من الطعام كأحد أهل بيته؛ و ذلك لاعتبار العيلولة في وجوب الفطرة.

(14) قد مرّ أنّ المولود بعد دخول ليلة الفطر ليس ممّن أدرك الشهر؛ فلا يكون مشمولًا للروايات المتقدّمة، و كذا من دخل في عيلولته من المملوك و الزوجة و الضيف و غيرهم ممّن يعوله بعد هلال شوّال.

(15) و

يدلّ عليه مصحّح «الفقيه» عن محمّد بن مسلم المتقدّم «2»، فراجع.

(16) سقوط الفطرة عمّن وجبت فطرته على الغير ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب، و نسب إلى ابن إدريس وجوبها على الضيف و المضيف «3». و في «المدارك»: أنّ سقوطه عمّن لو كان منفرداً بلا عيلولة لوجبت عليه كالزوجة و الضيف الغنيين ممّا قطع به أكثر الأصحاب، و سقوطه عمّن لو كان منفرداً لم تجب

______________________________

(1) مسالك الأفهام 1: 445.

(2) وسائل الشيعة 9: 329، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 6.

(3) السرائر 1: 468.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 447

بل الأقوىٰ سقوطها عنه و إن كان المضيِّف و المعيل فقيراً و هو غنيّ (17)،

______________________________

عليه لفوات الشرط كالزوجة و الضيف المعسرين إجماعي «1».

فلا إشكال في سقوط وجوب الفطرة عمّن في عيلولة الغير و إن كان موسراً؛ للأخبار الدالّة على أنّ التكليف متوجّه إلى المعيل.

و في بعض الأخبار صرّح بأنّ التكليف متوجّه إلى المعيل، كما في موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفطرة. إلى أن قال: و قال

الواجب عليك أن تعطي عن نفسك و أبيك و أُمّك و ولدك و امرأتك و خادمك «2».

و مصحّح محمّد بن مسلم المتقدّم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عمّا يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة؟ قال

تصدّق عن جميع من تعول؛ من حرّ أو عبد أو صغير أو كبير من أدرك منهم الصلاة

، و المصحّح و إن كان محمولًا على الاستحباب فيمن لم يدرك الشهر و لكن التكليف متوجّه إلى المعيل.

و في بعض الأخبار قد صرّح بالصغير و العبد، كما في أكثر روايات الباب الخامس

من أبواب زكاة الفطرة من «الوسائل»، فراجع. مع عدم كون الصغير مكلّفاً و عدم نفوذ تصرّف المملوك فيما يملكه على فرض كونه مالكاً. فالتكليف بأداء الفطرة متوجّه إلى المعيل؛ و لذا لا يجوز له إذا كان غير هاشمي إعطاء فطرة المعال الهاشمي إلى الفقير الهاشمي؛ لكونها زكاة المعيل الغير الهاشمي و إن كان عن أهله الهاشمي، و سيجي ء البحث فيه.

(17) لا خلاف في سقوط الفطرة عن المعال فيما لو كان المعيل موسراً، و أمّا

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 324 325.

(2) وسائل الشيعة 9: 328، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 448

..........

______________________________

إذا كان بالعكس بأن كان المعيل فقيراً مع كون المعال غنياً فلا إشكال في سقوطه عن المعيل لفقره.

و هل يسقط من المعال أو لا؟ فيه خلاف؛ فقال ابن إدريس بالوجوب عليه، و قوّاه المحقّق (رحمه اللّٰه) في «المعتبر»؛ لعموم أدلّة وجوب الفطرة على كلّ إنسان، و يقتصر في تخصيصه على الزوجة الموسر زوجها لمكان العيلولة.

و قال الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» و الفخر في «الإيضاح» بعدم الوجوب عليه؛ لأصالة البراءة.

و فصّل العلّامة (رحمه اللّٰه) في «المختلف» فقال: و الأقرب أن نقول: إن بلغ الإعسار بالزوج إلى حدّ تسقط عنه نفقة الزوجة؛ بأن لا يفضل معه شي ء البتّة، فالحقّ ما قاله ابن إدريس، و إن لم تنته الحال إلى ذلك بل كان الزوج ينفق عليها مع إعساره فلا فطرة هنا فالحقّ ما قاله الشيخ.

و استدلّ (رحمه اللّٰه) على الأوّل بعموم الأدلّة الدالّة على وجوب الفطرة لكلّ غني، خرج منه الزوجة الموسر زوجها، و بقي الباقي تحت العامّ. و على الثاني بأنّها في عيلولة الزوج، فسقطت

فطرتها عن نفسها و عن زوجها لفقره. ثمّ قال (رحمه اللّٰه): و التحقيق: أنّ الفطرة إن كانت بالأصالة على الزوج سقطت لإعساره عنه و عنها، و إن كانت بالأصالة على الزوجة و إنّما يتحمّلها الزوج سقطت عنه لفقره و وجبت عليها عملًا بالأصل «1»، انتهى.

و الأقوى عندنا وفاقاً لجماعة؛ منهم ابن إدريس و المحقّق في «المعتبر» و الشهيد في «الدروس» و النراقي في «المستند» و الشيخ الأنصاري في «كتاب الزكاة» و السيّد في «العروة» و أكثر محشّيها وجوب الفطرة على المعال الموسر مع

______________________________

(1) مختلف الشيعة 3: 152.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 449

..........

______________________________

إعسار المعيل؛ لعموم أدلّة وجوب الفطرة على كلّ مكلّف غني، كصحيحة زرارة و أبي بصير جميعاً قالا: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني الفطرة كما أنّ الصلاة على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من تمام الصلاة؛ لأنّه من صام و لم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّداً، و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و إنّ الهّٰ قد بدأ بها قبل الصوم (الصلاة) فقال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى «1».

و رواية الصدوق (رحمه اللّٰه) قال: و خطب أمير المؤمنين (عليه السّلام) يوم الفطر فقال. و ذكر خطبة، منها

فاذكروا اللّٰه يذكركم و ادعوه يستجب لكم و أدّوا فطرتكم فإنّها سنّة نبيكم و فريضة واجبة من ربّكم «2»

، حيث تدلّ على أنّه يجب الفطرة على كلّ متمكّن، كما يجب الصوم على كلّ مكلّف.

و خرج عن عموم هذه الأدلّة من كان في عيلولة الرجل عند دخول ليلة

العيد مع تمكّن الرجل من الأداء، فالتكليف بفطرة المعال متوجّه إلى المعيل مع التمكّن؛ لأنّ التمكّن من شرائط وجوبها، هذا كلّه مع التمكّن من العيلولة؛ سواء كان المعال واجب النفقة على المعيل كالعمودين الفقيرين و الأولاد الفقراء و المملوك، أو لا كالضيف.

و مع عدم التمكّن من عيلولته لا يتوجّه خطاب الفطرة إليه؛ لا لنفسه لإعساره، و لا لمن يتعلّق به كائناً من كان لانتفاء العيلولة الفعلية بالإعسار، و لا أثر لوجوب الإنفاق في وجوب الفطرة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 318، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 1، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 9: 318، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 1، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 450

و الأحوط إخراجه عن نفسه لو علم بعدم إخراج الغير الذي خوطب بها نسياناً أو عصياناً و إن كان الأقوىٰ عدم وجوبه (18)، و الأقوى وجوبها على الضيف إذا لم يصدق أنّه ممّن يعوله، لكن لا ينبغي للمضيف ترك الاحتياط بالإخراج أيضاً، مضافاً إلىٰ إخراج الضيف (19).

[ (مسألة 5): الغائب عن عياله يجب عليه أن يخرجها عنهم]

(مسألة 5): الغائب عن عياله يجب عليه أن يخرجها عنهم، إلّا إذا وكّلهم في إخراجها من ماله، و كانوا موثوقاً بهم في الأداء (20).

______________________________

(18) و الأقوى عدم وجوب إخراج الفطرة على المعال و الضيف فيما علم بعدم إخراج المعيل و المضيف نسياناً أو عصياناً مع كونهما موسرين؛ إذ مع يسارهما يتوجّه التكليف إليهما، و نسيانهما أو عصيانهما لا يكونان موجبين لتوجّه التكليف الساقط عن المعال و الضيف إليهما. و الأحوط استحباباً إخراجهما عن نفسهما؛ لاحتمال أنّ المعيل و المضيف مكلّف بدفع الفطرة الثابتة على المعال و الضيف و أنّهما مكلّفان بإسقاط ذمّتهما و إبرائها.

(19) لا يخفى: أنّ معقد الإجماع

و المستفاد من الدليل وجوب فطرة الضيف على المضيف بعنوان أنّه ممّن في العيلولة لا بمجرّد كونه ضيفاً و نازلًا على الشخص، كما في صحيح عمر بن يزيد المتقدّم «1» حيث سأل السائل عن تأدية الرجل فطرة الضيف، و أجاب الإمام (عليه السّلام) بوجوب فطرة كلّ من يعوله و منهم الضيف. و لعلّ وجه الاحتياط على المضيف كون مجرّد عنوان الضيف متعلّقاً للحكم و إن لم يكن في عيلولة المضيف.

(20) هنا مسألتان:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 327، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 451

[ (مسألة 6): الظاهر أنّ المدار في العيال هو فعليّة العيلولة، لا علىٰ وجوب النفقة]

(مسألة 6): الظاهر أنّ المدار في العيال هو فعليّة العيلولة، لا علىٰ وجوب النفقة و إن كان الأحوط مراعاة أحد الأمرين، فلو كانت له زوجة دائمة في عيلولة الغير، تجب علىٰ ذلك الغير فطرتها لا عليه، و لو لم تكن في عيلولة أحد تجب عليها مع اجتماع الشرائط، و مع عدمه لا تجب علىٰ أحد. و كذا الحال في المملوك (21).

______________________________

الاولى: أنّه يجب على المعيل نفسه إخراج فطرة نفسه و من في عيلولته؛ سواء كانوا حاضرين عنده أو غائبين عنه؛ و ذلك لإطلاق الأخبار الدالّة على توجّه التكليف بأدائها إليه نفسه.

الثانية: أنّه لا يجزي أداؤهم إيّاها عن المعيل و عن أنفسهم من مال المعيل و إن كان بإذنه؛ لعدم توجّه الخطاب إليهم، إلّا إذا انضمّت الوكالة إلى الإذن مع الوثوق بأدائهم. فمجرّد الإذن و التوكيل في الأداء لا يكفي في سقوط التكليف ما لم يحصل الاطمئنان بإخراجهم.

و يدلّ على حكم المسألتين صحيح جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا بأس بأن يعطي الرجل عن عياله و هم

غيّب عنه، و يأمرهم فيعطون عنه و هو غائب عنهم «1».

(21) المراد من فعلية العيلولة هو الإنفاق الفعلي، و إنّ المنفق عليه لا يلزم أن يكون هو العيال.

اختلف أصحابنا في مدار وجوب فطرة العيال كالزوجة و المملوك على أقوال ثلاثة:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 366، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 19، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 452

..........

______________________________

الأوّل: أنّ المدار هو وجوب الإنفاق؛ فمن كان واجب النفقة تجب فطرته على المنفق؛ فلا تجب فطرة الناشزة و الصغيرة و غير المدخولة إذا كانت غير ممكّنة. نسب هذا القول إلى الشيخ (رحمه اللّٰه)، و قال صاحب «المدارك»: إنّه صرّح الأكثر بأنّ فطرة الزوجة إنّما تجب إذا كانت واجب النفقة «1».

الثاني: أنّ المدار هو العيلولة و إن لم يكن من في العيلولة واجب النفقة كالضيف؛ فمن كان واجب النفقة و لم يكن في عيلولته كالزوجة الدائمة إذا كانت في عيلولة غير الزوج في ليلة الفطر لم تجب فطرته على الزوج.

الثالث: أنّ المدار هو صدق أحد المذكورين من العناوين في النصوص المعتبرة مطلقاً أي و لو لم يكونوا واجبي النفقة و لا في العيلولة كما في موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفطرة؟. إلى أن قال

الواجب عليك أن تعطي عن نفسك و أبيك و أُمّك و ولدك و امرأتك و خادمك «2».

و هو ظاهر المحقّق في «الشرائع» قال: الثانية: الزوجة و المملوك تجب الزكاة عنهما و لو لم يكونا في عياله إذا لم يعلهما غيره، و قيل: لا تجب إلّا مع العيلولة، و فيه تردّد «3».

و حكي عن «السرائر» أنّه يجب إخراج الفطرة عن الزوجات سواء كنّ نواشز

أو لم يكن، وجبت النفقة عليهنّ أو لم تجب، دخل بهنّ أو لم يدخل، دائمات أو منقطعات للإجماع و العموم، من غير تفصيل من أحدٍ من أصحابنا «4».

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 322.

(2) وسائل الشيعة 9: 328، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 4.

(3) شرائع الإسلام 1: 159.

(4) السرائر 1: 466.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 453

[ (مسألة 7): لو كان شخص في عيلولة اثنين تجب فطرته عليهما مع يسارهما]

(مسألة 7): لو كان شخص في عيلولة اثنين تجب فطرته عليهما مع يسارهما، و مع يسار أحدهما تجب عليه حصّته دون الآخر على الأحوط في الصورتين (22).

______________________________

و قال صاحب «المدارك»: قد قطع الأصحاب بوجوب فطرة المملوك على المولى مطلقاً «1»، انتهى.

أقول: المستفاد من النصوص المستفيضة وجوب إخراج فطرة من يعوله الرجل مطلقاً أي سواء كان واجب النفقة أو لا. فوجوب فطرة المعال على المعيل ممّا لا خلاف فيه و لا إشكال، كما في صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «2»، و صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج «3» المتقدّمين، و غيرهما من الروايات الصريحة في أنّ الواجب هو فطرة من يعوله الرجل. و بها يقيّد موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة و غيرها ممّا اكتفى بذكر العناوين، كالأب و الأُمّ و غيرهما.

و لا إشكال أيضاً في عدم وجوبها مع عدم لزوم الإنفاق لنشوز و نحوه و عدم العيلولة. فلو كانت الزوجة دائمة فإن كانت في عيلولة الزوج وجبت فطرتها عليه و إن لم تجب نفقتها عليه لنشوز و غيره، و أمّا مع عدم العيلولة لا تجب فطرتها عليه و إن وجبت نفقتها عليه؛ و حينئذٍ إن عالها غير الزوج يجب فطرتها على ذلك الغير، و إن لم يعلها أحد كانت فطرتها عليها

إن كانت غنية، و إلّا فلا تجب على أحد. و كذا الحال في المملوك.

(22) هنا مسألتان:

الاولى: لو كان شخص في عيلولة اثنين كالضيف و المملوك و العمودين

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 323.

(2) وسائل الشيعة 9: 327، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 328، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 454

..........

______________________________

مثلًا وجبت فطرته عليهما مع يسارهما عند الأكثر؛ لإطلاق أدلّة وجوب فطرة من في العيلولة على العائل؛ سواء كان من في العيلولة إنساناً تامّاً أو بعض إنسان، و سواء اتّحد العائل أو تعدّد.

و لم يعرف خلاف من أحد من أصحابنا في المملوك المشترك بين شريكين في وجوب فطرته عليهما إذا كان في عيلولتهما. و كذا لم يعرف الخلاف في وجوب فطرة المكاتب الذي تحرّر جزء منه على مولاه بالنسبة.

و قد استدلّ للمسألة أيضاً بفحوى مكاتبة محمّد بن القاسم بن الفضيل البصري أنّه كتب إلى أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) يسأله عن المملوك يموت عنه مولاه و هو عنه غائب في بلدة أُخرى و في يده مال لمولاه و يحضر الفطرة، أ يزكّي عن نفسه من مال مولاه و قد صار لليتامى؟ قال

نعم «1».

و لا يخفى: أنّ الرواية و إن كان غير معمول بها عند الأصحاب إلّا أنّ عدم العمل بها لكون البلوغ شرطاً في وجوب الفطرة، بحيث لو كان ورثة المولى مكلّفين كفى أداء العبد فطرته من مال مواليه بإذنهم، هذا غاية ما يستدلّ به في الرواية للمسألة، و هو كما ترى.

و الأولى في الاستدلال التمسّك بإطلاق الأدلّة.

و حكي عن ابن بابويه عدم وجوب فطرة المملوك المشترك على

مواليه إلّا أن يكمل لكلّ واحد منهم رأس تامّ، و وافقه صاحب «الذخيرة» و صاحب «المدارك» و النراقي في «مستند الشيعة».

و استدلّ لذلك بخبر زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت عبد بين قوم عليهم فيه زكاة الفطرة؟ قال

إذا كان لكلّ إنسان رأس فعليه أن يؤدّي عنه فطرته، و إذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 326، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 4، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 455

..........

______________________________

كان عدّة العبيد و عدّة الموالي سواء و كانوا جميعاً فيهم سواء أدّوا زكاتهم لكلّ واحد منهم على قدر حصّته، و إن كان لكلّ إنسان منهم أقلّ من رأس فلا شي ء عليهم «1».

و الخبر ضعيف سنداً؛ لاشتماله على الضعيف و المجهول الحال.

و صاحب «المدارك» (رحمه اللّٰه) بعد اختيار قول الصدوق قال: و هذه الرواية و إن كانت ضعيفة السند إلّا أنّه لا يبعد المصير إلى ما تضمّنته؛ لمطابقتها لمقتضى الأصل و سلامتها عن المعارض «2».

و فيه: أنّ الأصل دليل حيث لا دليل، و إطلاق الأدلّة دليل على وجوب الفطرة عليها، و خبر زرارة لا يعارض الإطلاقات لضعفه.

المسألة الثانية: لو كان شخص في عيلولة اثنين و كان أحدهما موسراً و الآخر معسراً بالنسبة إلى سهم الفطرة تجب على الموسر حصّته و تسقط حصّة المعسر لإعساره. و الدليل عليه إطلاق الأدلّة، هذا.

و لقائل أن يدّعي في المسألتين أنّ المنساق من الأدلّة كون كلّ من العائل و المعال إنساناً تامّاً؛ فلا تشمل نصف الإنسان مثلًا.

خصوصاً في مثل صحيح صفوان الجمّال قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفطرة؟ فقال

عن الصغير و الكبير و الحرّ و العبد عن كلّ إنسان منهم صاع من

حنطة أو صاع من تمر أو صاع من زبيب «3»

، حيث إنّ الفطرة تجب على كلّ إنسان.

و صحيح سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 365، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 18، الحديث 1.

(2) مدارك الأحكام 5: 329.

(3) وسائل الشيعة 9: 327، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 456

[ (مسألة 8): تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي]

(مسألة 8): تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي. و المدار هو المعيل لا العيال، و الأحوط مراعاة كليهما (23).

______________________________

الفطرة كم يدفع عن كلّ رأس من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب؟ قال

صاع بصاع النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «1»

، حيث إنّ الفطرة وجبت عن كلّ رأس؛ فلا يشتمل الإنسان و الرأس على نصف الإنسان. و أيضاً فقد قدّر مقدارها بالصاع عن كلّ رأس و إنسان؛ فلا يشمل بعض الإنسان و لا تنقص عن الصاع.

و قد أجاب صاحب «الجواهر» عن هذه الدعوى بأنّ الانسياق، انسياق أظهرية؛ فلا ينافي الحجّية في غيره؛ سيّما بعد فهم الأصحاب الإطلاق في العائل و من في العيلولة و عدم معروفية الخلاف بينهم في ذلك «2»، انتهى بتوضيح منّا.

و الأحوط في المسألتين لو لم يكن الأقوى وجوب الفطرة عليهما مع يسارهما و وجوبها على الموسر منهما في حصّته دون المعسر.

(23) قد أشرنا إجمالًا في شرح المسألة الرابعة إلى أنّ المعيل إذا كان غير هاشمي لا يجوز له إعطاء فطرة عياله الهاشمي إلى الفقير الهاشمي.

و العمدة في عدم جواز إعطاء فطرة الغير الهاشمي إلى الهاشمي قبل الإجماع بعض الأخبار الواردة في حرمة مطلق الصدقة الواجبة على الهاشمي

الدالّة على المطلب من جهة إطلاقها الشامل للفطرة أيضاً.

و قد يطلق الزكاة على الفطرة، كما في صحيح السكوني بإسناده يعني عن الصادق عن آبائه (عليهم السّلام)

أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال: من أدّى زكاة الفطرة تمّم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 332، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 1.

(2) جواهر الكلام 15: 511.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 457

..........

______________________________

اللّٰه له بها ما نقص من زكاة ماله «1».

و صحيح أبي بصير و زرارة جميعاً قالا: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني الفطرة كما أنّ الصلاة على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من تمام الصلاة؛ لأنّه من صام و لم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّداً، و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، إنّ اللّٰه قد بدأ بها قبل الصوم (الصلاة)، فقال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى «2».

و رواية إسحاق بن المبارك هو مهمل في كتب الرجال قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن صدقة الفطرة، أ هي ممّا قال اللّٰه أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ؟ فقال

نعم. «3»

الحديث.

و رواية العيّاشي في «تفسيره» عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن صدقة الفطرة أ واجبة هي بمنزلة الزكاة؟ فقال

هي ممّا قال اللّٰه أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ، هي واجبة «4».

و موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن قول اللّٰه عزّ و جلّ أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ، قال

هي الفطرة التي افترض اللّٰه على المؤمنين «11».

فما في «المستمسك» من

أنّ العمدة فيه الإجماع، و المناقشة في إطلاق

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 318، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 1، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 318، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 1، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 9: 319، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 1، الحديث 9.

(4) وسائل الشيعة 9: 320، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 1، الحديث 10.

(11) وسائل الشيعة 9: 320، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 1، الحديث 11.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 458

..........

______________________________

الزكاة أو الزكاة المفروضة أو الصدقة الواجبة على الناس بنحو يشمل الفطرة؛ و لا سيّما بملاحظة ما في خبر الشحّام من تفسير الممنوع إعطاؤها لبني هاشم بالزكاة المفروضة المطهّرة للمال «1» لا يخلو من الإشكال؛ لما ذكرنا من الأخبار الدالّة على أنّ الفطرة من الزكاة الواجبة في الشرع؛ و هي المراد من قوله تعالىٰ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ.

و الوجه في أنّ المدار هو المعيل لا العيال، هو أنّ التكليف بأداء الفطرة بل أصل وجوب الفطرة متوجّه إلى المعيل و تعطى من ماله. فالعبرة بمن يجب عليه الإخراج من ماله و هو المعيل لا بمن يخرج عنه و هو المعال فالمعال في الحقيقة سبب وجوب الفطرة على المعيل؛ فحينئذٍ يجوز للهاشمي جواز إعطاء فطرة زوجته الغير الهاشمية إلى الفقير الهاشمي. كما أنّه لا يجوز لغير الهاشمي إعطاء فطرة زوجته الهاشمية إلى الفقير الهاشمي.

و قال صاحب «الحدائق» (رحمه اللّٰه): و الذي يقرب عندي هو أنّ الاعتبار بالمعال؛ لأنّه هو الذي تضاف إليه الفطرة؛ فيقال: فطرة فلان و إن وجب إخراجها عنه على غيره لمكان العيلولة و أُضيفت إليه أيضاً من هذه الجهة، و إلّا فهي أوّلًا

و بالذات إنّما تضاف إلى المعال.

ثمّ أيّده بعدّة من الروايات الدالّة على أنّ الفطرة فطرة كلّ رأس من العيال و الأهل، كقول الصادق (عليه السّلام) لمعتّب

اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة و عن الرقيق، و أجمعهم، و لا تدع منهم أحداً فإنّك إن تركت منهم إنساناً تخوّفت عليه الفوت «2»

، قال (رحمه اللّٰه): فهي منسوبة إليهم و متعلّقة بهم؛ و لهذا خاف عليهم الفوت مع

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 9: 404.

(2) وسائل الشيعة 9: 328، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 459

[ (مسألة 9): تجب فيها النيّة كغيرها من العبادات]

(مسألة 9): تجب فيها النيّة كغيرها من العبادات، و يجوز أن يتولّى الإخراج من وجبت عليه، أو يوكّل غيره في التأدية، فحينئذٍ لا بدّ للوكيل من نيّة التقرّب، و إن وكّله في الإيصال يجب عليه أن ينوي كون ما أوصله الوكيل إلى الفقير زكاة. و يكفي بقاء النيّة في خزانة نفسه، و لا يجب خطورها تفصيلًا (24).

______________________________

عدم إخراجها عنهم.

و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك الصغير و الكبير و الحرّ و المملوك و الغني و الفقير. «1»

الحديث. قال (رحمه اللّٰه): و معنى قوله (عليه السّلام)

على كلّ رأس

إمّا بمعنى عن كلّ رأس أو بمعنى ثبوتها على كلّ رأس، و إن كان وجوب الإخراج على المعيل من حيث العيلولة لا من حيث إنّ أصل الوجوب متعلّق به «2»، انتهى.

و فيه: أنّ نسبة الفطرة إلى المعال مجاز لأدنى ملابسة؛ فالفطرة في الحقيقة زكاة من أُمر بها، و يخرج من مالها و يثاب بفعلها و يعاقب على تركها، هذا. و الاحتياط بمراعاة كلّ من المعيل و

المعال أولى؛ فلا تعطى الهاشمي إذا كان المعيل أو المعال غير هاشمي. و لا يخفى: أنّ الفطرة بمعنى الخلقة، و التعبير عن زكاة الفطرة بزكاة البدن يؤيّد الاحتياط المزبور.

(24) وجه وجوب النية في أداء الفطرة كونها كزكاة المال عبادة؛ وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ «3»، و قد مرّ تفصيل الكلام في شرح المسألة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 330، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 10.

(2) الحدائق الناضرة 12: 317.

(3) البيّنة (98): 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 460

..........

______________________________

الثانية من مسائل «القول في بقيّة أحكام الزكاة»، فراجع.

فمن وجبت عليه الفطرة يجوز له إخراج فطرته من ماله بنفسه، و حينئذٍ وجبت عليه النية. و لو وكّل الغير في تأدية فطرته يكون الوكيل نائباً مناب الموكّل، فيجب النية على الوكيل؛ لأنّه المؤدّي للزكاة. و لو وكّله في مجرّد الإيصال بأن كان المؤدّي هو الموكّل يجب النية عليه؛ لكونه مؤدّياً حقيقة و الوكيل واسطة في الإيصال.

و يكفي بقاء نية الموكّل في خزانة نفسه إلى زمان الإيصال، و لا يلزم عليه تجديد النية و خطورها تفصيلًا عند الإيصال.

و بعبارة اخرى: اللازم على الموكّل نية الإيصال إلى الفقير بواسطة الوكيل في الإيصال، و لا يلزم عليه النية حين الوصول إلى الفقير؛ فتكون النية متحقّقة قبل وقوع الواجب بزمان، و يكفي بقاؤها في خزانة نفسه إلى حال وقوعه، و لا يجب خطورها تفصيلًا في تلك الحال؛ لعدم الدليل عليه.

و أمّا جواز التوكيل في أداء الفطرة، فيدلّ عليه صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عمّن يلي صدقة العشر (على) من لا بأس به، فقال

إن كان ثقة فمره أن يضعها

في مواضعها، و إن لم يكن ثقة فخذها أنت وضعها في مواضعها «1».

و رواية شهاب بن عبد ربّه في حديث قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي إذا وجبت زكاتي أخرجتها فأدفع منها إلى من أثق به يقسّمها، قال

نعم لا بأس بذلك، أما أنّه أحد المعطين «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 280، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 35، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 280، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 35، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 461

و يجوز أن يوكّل غيره في الدفع من ماله و الرجوع إليه، فيكون بمنزلة الوكيل في دفعه من مال الموكّل، و لا يبعد جواز التوكيل في التبرّع؛ بأن يوكّله أن يؤدّي زكاته من ماله بدون الرجوع إليه. نعم أصل التبرّع بها بلا توكيل محلّ إشكال (25).

______________________________

و صحيح الحسين بن عثمان عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) في رجل اعطى مالًا يفرّقه فيمن يحلّ له، إله أن يأخذ منه شيئاً لنفسه و إن لم يسمّ له؟ قال

يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره «1».

و صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها و يضعها في مواضعها و هو ممّن تحلّ له الصدقة، قال

لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره

، قال

و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه «2».

و هذه الروايات و إن كان مورد بعضها خصوص زكاة المال لكن مورد أكثرها مطلق يشمل الفطرة.

و لا يخفى: أنّ الزكاة عبادة لا بدّ فيها من نية القربة ممّن وجبت عليه، و جواز التوكيل فيها يحتاج إلى

الدليل، و الدليل ما ذكرنا من الأخبار؛ فيجوز للوكيل أن ينوي القربة و يؤدّي الفطرة من مال الموكّل.

(25) يجوز توكيل الغير في أن يدفع من ماله فطرة الموكّل ثمّ الرجوع إليه بالمثل أو القيمة؛ فيكون بمنزلة الوكيل في دفعها من مال الموكّل. كما أنّه لا يبعد جواز التوكيل في أن يدفع الوكيل من ماله فطرة الموكّل تبرّعاً من دون أن يرجع

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 288، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 40، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 288، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 40، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 462

..........

______________________________

إليه؛ ففي صورة التوكيل ينوي الوكيل و يجزي عن الموكّل. و أمّا إجزاؤه فيما لو أدّاها متبرّع بنية القربة من غير توكيل فمحلّ إشكال. وجه الإشكال: أنّ الزكاة عبادة لا بدّ فيها من النية ممّن وجبت عليه، خرج مورد التوكيل في الأداء عنه، و بقي الباقي. و لا يجزي أداء الغير تبرّعاً بدون التوكيل. و من أنّه يجوز تأدية الغير زكاة من وجبت عليه تبرّعاً في زكاة المال و ينوي ذلك الغير القربة، و كذلك الفطرة؛ لاشتراكهما في اعتبار النية فيهما ممّن وجبت عليه و عدم القول بالفصل.

و الدليل على جواز تأدية الغير زكاة المال عن المالك تبرّعاً بغير توكيل هو صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل استقرض مالًا فحال عليه الحول و هو عنده، قال

إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه، و إن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 101، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، الباب 7، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و

الخمس، ص: 463

[القول في جنسها]

اشارة

القول في جنسها

[ (مسألة 1): لا يبعد أن يكون الضابط فيه ما يتعارف في كلّ قوم أو قطر التغذّي به و إن لم يكتفوا به]

(مسألة 1): لا يبعد أن يكون الضابط فيه ما يتعارف في كلّ قوم أو قطر التغذّي به و إن لم يكتفوا به، كالبُرّ و الشعير و الأرُز في مثل غالب بلاد إيران و العراق، و الأرُز في مثل الجيلان و حواليه، و التمر و الأقط و اللبن في مثل النجد و براري الحجاز؛ و إن كان الأقوى الجواز في الغلّات الأربع مطلقاً، فإذا غلب في قطر التغذّي بالذرة و نحوها، يجوز إخراجها، كما يجوز إخراج الغلّات الأربع، و مع عدم الغلبة فالأحوط إخراج الغلّات الأربع (1).

______________________________

(1) اختلف فقهاؤنا في جنس الفطرة:

قال المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة»: و هي فضلة أقوات أهل الأمصار على اختلاف أقواتهم في النوع من التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير و الأرز و الأقط و اللبن، فيخرج أهل كلّ مصر فطرتهم من قوتهم، و لا بأس أن يخرجوا قيمتها ذهباً أو فضّة.

ثمّ روى (رحمه اللّٰه) مرسلًا عن أبي الحسن علي بن محمّد العسكري (عليهما السّلام) أسأله عن ذلك، فكتب

إنّ الفطرة صاع من قوت بلدك على أهل مكّة و المدينة و اليمن و الطائف و أطراف الشام و اليمامة و البحرين و العراقين و فارس و الأهواز و كرمان من التمر، و على أهل أوساط الشام و مرو من خراسان و الري من الزبيب، و على أهل الجزيرة و الموصل و الجبال كلّها و باقي خراسان من الحبّ الحنطة و الشعير، و على أهل طبرستان من الأرز، و على أهل مصر من البرّ، و من سكن الوادي من الأعراب فعليه الفطرة من الأقط و مَن عُدم الأقط من الأعراب

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 464

..........

______________________________

و وجد اللبن فعليه الفطرة منه «1»

، انتهى.

و قال في «الخلاف»: يجوز إخراج صاع من الأجناس السبعة: التمر أو الزبيب أو الحنطة أو الشعير أو الأرز أو الأقط أو اللبن. إلى أن قال: فالأجناس التي اعتبرناها لا خلاف أنّها تجزي، و ما عداها ليس على جوازها دليل «2»، انتهى. و كذا في «المبسوط» «3».

و اختار هذا القول سلّار و أبو الصلاح و أبناء حمزة و إدريس و جنيد، و نسبه في «الدروس» إلى أكثر الأصحاب.

و قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة»: الجنس في الفطرة ما كان قوتاً غالباً، كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأرز و الأقط و اللبن. ثمّ قال (رحمه اللّٰه): يجوز إخراج ما كان قوتاً و إن غاير الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و اللبن و الأقط مع وجودها «4». و اختار هذا القول المحقّق في «المعتبر» و «الشرائع» و الشهيد في «الدروس».

و قال صاحب «المدارك»: و المعتمد وجوب إخراج الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأقط خاصّة «5»، انتهى.

و لا يخفى: أنّ منشأ اختلاف الفقهاء في جنس الفطرة اختلاف الأخبار؛ ففي بعضها اكتفي بالحنطة و التمر و الزبيب، كما في صحيح صفوان الجمّال قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفطرة؟ فقال

عن الصغير و الكبير و الحرّ و العبد، عن كل

______________________________

(1) المقنعة: 249 250.

(2) الخلاف 2: 150/ مسألة 188.

(3) المبسوط 1: 241.

(4) تذكرة الفقهاء 5: 381.

(5) مدارك الأحكام 5: 333.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 465

..........

______________________________

إنسان منهم صاع من حنطة أو صاع من تمر أو صاع من زبيب «1».

و في خطبة أمير المؤمنين (عليه السّلام) ذكر التمر و البرّ و

الشعير، قال (عليه السّلام)

أدّوا فطرتكم فإنّها سنّة نبيكم و فريضة واجبة من ربّكم، فليؤدّها كلّ امرئ منكم عن عياله كلّهم؛ ذكرهم و أُنثاهم و صغيرهم و كبيرهم و حرّهم و مملوكهم، عن كلّ إنسان منهم صاعاً من تمر أو صاعاً من برّ أو صاعاً من شعير «2».

و ذكر التمر و الزبيب و الشعير و الأقط في صحيح عبد اللّٰه بن ميمون عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

زكاة الفطرة صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من أقط، عن كلّ إنسان؛ حرّ أو عبد، صغير أو كبير «3».

و ذكر التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير في صحيح سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن الفطرة كم يدفع عن كلّ رأس من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب؟ قال

صاع بصاع النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «4».

و مثله رواية ياسر القمي خادم الرضا (عليه السّلام) عنه (عليه السّلام) «5»، و صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «6»، و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «7»، و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «8». و قد اكتفي في بعض الروايات بما يغذّى به

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 327، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 329، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 7.

(3) وسائل الشيعة 9: 330، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 11.

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، در يك جلد، ه

ق

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس؛ ص: 465

(4) وسائل الشيعة 9: 332، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 9: 334، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 5.

(6) وسائل الشيعة 9: 335، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 8.

(7) وسائل الشيعة 9: 336، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 11.

(8) وسائل الشيعة 9: 337، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 15.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 466

..........

______________________________

القوم، كما في صحيح زرارة و ابن مسكان جميعاً عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الفطرة على كلّ قوم ممّا يغذون عيالهم؛ من لبن أو زبيب أو غيره «1».

و في بعض الروايات اكتفي بما اقتات قوتاً، كما في مرسلة يونس عمّن ذكره عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: جعلت فداك هل على أهل البوادي الفطرة؟ قال: فقال

الفطرة على كلّ من اقتات قوتاً فعليه أن يؤدّي من ذلك القوت «2».

و في بعضها ذكر التمر و الزبيب و الشعير و الذرّة و الحنطة، كما في صحيح الحذّاء عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه ذكر صدقة الفطرة

أنّها على كلّ صغير و كبير من حرّ أو عبد ذكر أو أُنثى، صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من ذرّة

، قال

فلمّا كان زمن معاوية و خصب الناس عدل الناس (عن) ذلك إلى نصف صاع من حنطة «3».

و في بعضها ذكر القمح و العدس (و السلت) و الذرّة و التمر و الزبيب لمن لا يجد الحنطة و الشعير، كما في صحيح محمّد بن مسلم

قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

الصدقة لمن لا يجد الحنطة و الشعير، يجزي عنه القَمْح و العدس (و السلت) و الذرّة، نصف صاع من ذلك كلّه أو صاع من تمر أو زبيب «4».

و قد أُضيف على الغلّات الأربع الدقيق و السويق و الذرّة و السلت في رواية حمّاد و بريد و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) قالوا: سألناهما (عليهما السّلام) عن زكاة الفطرة، قالا

صاع من تمر أو زبيب أو شعير، أو نصف ذلك كلّه حنطة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 343، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 8، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 344، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 8، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 9: 335، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 10.

(4) وسائل الشيعة 9: 337، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 13.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 467

و يجوز دفع الأثمان قيمة (2)،

______________________________

أو دقيق أو سويق أو ذرّة أو سلت، عن الصغير و الكبير و الذكر و الأُنثى و البالغ و من تعول في ذلك سواء «1».

إذا عرفت هذا فنقول: الضابط في جنس الفطرة ما كان قوتاً غالباً لغالب الناس؛ فلا ينحصر في الغلّات الأربع و لا في السبع المذكور في بعض الروايات.

و يدلّ على الضابط المذكور صحيح زرارة و ابن مسكان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، و مرسل يونس عنه (عليه السّلام) المتقدّمان، بل مرسل يونس يدلّ على جواز أدائها ممّا هو غالب في قطر أو بلد و إن لم يكن غالباً لغالب الناس، كالذرّة و نحوها في قطر؛ فيجوز إخراجها كما يجوز إخراج

الغلّات الأربع. و أمّا لو لم يكن ما عدا الغلّات الأربع قوتاً غالباً في قطر أو بلد فالأحوط وجوباً إخراج إحدى الغلّات الأربع.

(2) و يدلّ على جواز دفع الأثمان من الدرهم و الدينار و غيرهما من النقد الرائجة في أثمان المعاملات قبل الإجماع بقسميه، صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال: بعثت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) بدراهم لي و لغيري، و كتبت إليه أخبره أنّها فطرة العيال، فكتب بخطّه

قبضتُ

، و في رواية الكليني عنه

قبضتُ و قبلتُ «2».

و ذيل صحيح عمر بن يزيد في حديث قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) تعطى الفطرة دقيقاً مكان الحنطة؟ قال

لا بأس، يكون أجر طحنه بقدر ما بين الحنطة و الدقيق

، قال: و سألته يعطي الرجل الفطرة دراهم ثمن التمر و الحنطة يكون أنفع

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 338، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 17.

(2) وسائل الشيعة 9: 345، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 9، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 468

و في إخراج غيرها ممّا لا يكون من جنسها قيمة إشكال، بل عدم الاجتزاء لا يخلو من وجه (3)،

______________________________

لأهل بيت المؤمن، قال

لا بأس «1».

و حسن سليمان بن حفص المروزي بل صحيحه قال: سمعته يقول

إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فأعزلها تلك الساعة قبل الصلاة و الصدقة بصاع من تمر أو قيمته في تلك البلاد دراهم «2»

، و في «الوسائل»: سليمان بن جعفر المروزي، و الصحيح حفص بدل جعفر، و هو الموافق لنسخة «التهذيب» و بعض نسخ «الفقيه»، و هو ممّن أدرك الهادي (عليه السّلام)، و وقع في طريق «كامل الزيارات».

و رواية إسحاق

بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا بأس أن يعطيه قيمتها درهماً «3»

، و الرواية ضعيفة لأحمد بن هلال العبرتائي الملعون.

(3) الأقوى جواز إخراج غير الأثمان ممّا لا يكون من جنس الفطرة؛ وفاقاً للشيخ (رحمه اللّٰه) في «المبسوط»، قال: و يجوز إخراج القيمة من أحد الأجناس التي قدّمناها؛ سواء كان الثمن سلعة أو حبّا أو خبزاً أو ثياباً أو دراهم أو شيئاً له ثمن بقيمة الوقت «4»، انتهى.

و يدلّ على جوازه صحيح إسحاق بن عمّار الصيرفي قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): جعلت فداك ما تقول في الفطرة، يجوز أن أُؤدّيها فضّة بقيمة هذه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 347، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 9، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 9: 347، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 9، الحديث 7.

(3) وسائل الشيعة 9: 348، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 9، الحديث 11.

(4) المبسوط 1: 242.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 469

..........

______________________________

الأشياء التي سمّيتها؟ قال

نعم إنّ ذلك أنفع له يشتري ما يريد «1».

و رواية إسحاق بن المبارك في حديث قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن صدقة الفطرة يجعل قيمتها فضّة؟ قال

لا بأس أن يجعلها فضّة، و التمر أحبّ إليّ «2».

و إطلاق موثّق إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا بأس بالقيمة في الفطرة «3».

و موثّق إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الفطرة؟ فقال

الجيران أحقّ بها، و لا بأس أن يعطى قيمة ذلك فضّة «4».

و مرسلة المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» قال: سئل الصادق (عليه السّلام) عن القيمة مع وجود النوع؟ فقال

لا بأس بها «5».

ثمّ

إنّه يجوز إخراج الدقيق قيمةً عن الحنطة و الشعير، و يدلّ عليه صدر صحيح عمر بن يزيد المتقدّم، فراجع. و كذلك يجوز إخراج الخبز قيمة.

و لعلّ وجه إشكال المصنّف (رحمه اللّٰه) في كفاية غير الأثمان قيمة، انصراف القيمة مطلقةً إلى الأثمان أو خصوص النقدين.

و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) بعد اختياره القول بكفاية إخراج غير الأثمان قيمةً، ادّعى الإجماع عليه بقسميه، و استدلّ عليه بالأخبار، قال: نعم قد يشكل بانصراف خصوص النقدين من القيمة، بل الظاهر المسكوك منهما، لكن قد تقدّم في الزكاة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 347، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 9، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 9: 348، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 9، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 9: 348، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 9، الحديث 9.

(4) وسائل الشيعة 9: 348، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 9، الحديث 10.

(5) وسائل الشيعة 9: 349، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 9، الحديث 13.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 470

و تعتبر في القيمة حال وقت الإخراج و بلده (4).

[ (مسألة 2): يعتبر في المدفوع فطرة أن يكون صحيحاً]

(مسألة 2): يعتبر في المدفوع فطرة أن يكون صحيحاً، فلا يجزي المعيب. كما لا يجزي الممزوج بما لا يتسامح فيه، بل يشكل إعطاء المعيب و الممزوج قيمة عن الصحيح و غير الممزوج (5).

______________________________

المالية ما يستفاد منه قوّة التعميم المزبور هنا «1»، انتهى.

(4) أي بلد الإخراج؛ فلا يجزي قيمة وقت الوجوب و لا قيمة غير بلد الإخراج، و إن كان وطنه و محلّ سكونته.

و الوجه في الاعتبار المذكور انصراف النصوص، و لأنّ القيمة إنّما اجزئت بدلًا و ليست واجبة بالأصالة؛ فالمعتبر فيه وقت الإخراج.

(5) قال الشهيد (رحمه اللّٰه) في «الدروس»:

لا يجزي المعيب و لا غير المصفّى إلّا بالقيمة «2»، و قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه): بل الظاهر انسياق الصحيح منها؛ فلا يجزي المعيب كما نصّ عليه في «الدروس»، و بل و لا الممزوج بما لا يتسامح فيه، إلّا على جهة القيمة؛ لفقد الاسم المتوقّف عليه الامتثال أو المنساق عنه عند الإطلاق؛ خصوصاً مع ملاحظة عدم إجزاء ذات العوار و المريضة في الزكاة المالية، و إن كان هو من القوت الغالب «3»، انتهى.

و لعلّ وجه الإشكال في إعطاء المعيب و الممزوج قيمة عن الصحيح و غير الممزوج كون القيمة بدلًا عن الجنس؛ فيعتبر فيه ما اعتبر في الأصل المبدّل.

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 519.

(2) الدروس الشرعية 1: 251.

(3) جواهر الكلام 15: 518.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 471

[ (مسألة 3): الأفضل إخراج التمر ثمّ الزبيب]

(مسألة 3): الأفضل إخراج التمر ثمّ الزبيب (6)،

______________________________

أقول: إن كان المعيب و الممزوج يصدق عليهما اسم جنس الفطرة مع كونهما قوتاً غالباً فلا وجه لعدم إجزائهما، و إلّا فلا يجزي جزماً. و لا يترك الاحتياط بعدم إخراج المعيب و الممزوج و قيمتهما.

(6) و يدلّ على أفضلية التمر صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث في صدقة الفطرة، قال: و قال

التمر أحبّ ذلك إليّ؛ يعني الحنطة و الشعير و الزبيب «1».

و رواية إسحاق بن المبارك عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) في حديث في الفطرة، قال

صدقة التمر أحبّ إليّ؛ لأنّ أبي كان يتصدّق بالتمر

ثمّ قال

و لا بأس بأن يجعلها فضّة، و التمر أحبّ إليّ «2».

و صحيح منصور بن حازم (خارجة) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن صدقة الفطرة، قال

صاع من تمر.

إلى أن قال

و التمر أحبّ إليّ

«3».

و موثّق إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن صدقة الفطرة، قال

التمر أفضل «4».

و مرسلة أحمد بن محمّد عمّن حدّثه عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث أنّه سأله عن صدقة الفطرة، فقال

التمر أحبّ إليّ؛ فإنّ لك بكلّ تمرة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 349، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 10، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 350، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 10، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 350، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 10، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 9: 350، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 10، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 472

و قد يترجّح الأنفع بملاحظة المرجّحات الخارجيّة، كما يرجّح لمن يكون قوته من البُرّ الأعلى الدفع منه، لا من الأدون أو الشعير (7).

______________________________

نخلة في الجنّة «1».

و صحيح هشام بن الحكم عن الصادق (عليه السّلام) أنّه قال

التمر في الفطرة أفضل من غيره؛ لأنّه أسرع منفعةً؛ و ذلك أنّه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه

، قال

و نزلت الزكاة و ليس للناس أموال و إنّما كانت الفطرة «2»

، و التعليل في هذا الصحيح يدلّ على أفضلية الزبيب بعد التمر.

(7) يعني أنّ أفضلية التمر و الزبيب على غيرهما مع قطع النظر عن المرجّحات الخارجية؛ فمع كون غيرهما أنفع و أصلح بحال الفقير يترجّح الأنفع و الأصلح، و لو كان من الأثمان أو سائر الأجناس قيمة.

و يدلّ عليه صحيح إسحاق بن عمّار الصيرفي المتقدّم، حيث علّل (عليه السّلام) جواز أداء الفضّة قيمة بدل أجناس الفطرة بقوله

نعم إنّ ذلك أنفع له يشتري ما يريد «3»

، و يشير

إليه التعليل في صحيح هشام المتقدّم

لأنّه أسرع منفعةً.

و كذا يرجّح دفع الجنس الأعلى من أجناس الفطرة برّاً كان أو غيره لمن كان قوته الأعلى بمقتضى شأنه و طبعه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 350، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 10، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 9: 351، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 10، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 9: 347، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 9، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 473

[القول في قدرها]

القول في قدرها و هو صاع من جميع الأقوات (1)

______________________________

(1) مقدار الفطرة هو الصاع، و الدليل عليه قبل الإجماع بقسميه الأخبار المعتبرة فوق حدّ الاستفاضة: منها صحيح صفوان الجمّال قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفطرة، فقال

عن الصغير و الكبير و الحرّ و العبد، عن كلّ إنسان منهم صاع من حنطة أو صاع من تمر أو صاع من زبيب «1».

و خطبة أمير المؤمنين (عليه السّلام). إلى أن قال (عليه السّلام)

عن كلّ إنسان منهم صاعاً من تمر أو صاعاً من برّ أو صاعاً من شعير «2».

و صحيح عبد اللّٰه بن ميمون عن أبي عبد اللّٰه عن أبيه (عليهما السّلام) قال

زكاة الفطرة صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من أقط «3».

و مرسلة أحمد بن محمّد عمّن حدّثه عن عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن صدقة الفطرة، قال

عن كلّ رأس من أهلك؛ الصغير منهم و الكبير و الحرّ و المملوك و الغني و الفقير كلّ من ضممت إليك، عن كلّ إنسان صاع من حنطة أو صاع من شعير أو تمر أو زبيب

«4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 327، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 329، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 7.

(3) وسائل الشيعة 9: 330، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 11.

(4) وسائل الشيعة 9: 330، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 12.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 474

..........

______________________________

و صحيح سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن الفطرة كم يدفع عن كلّ رأس من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب؟ قال

صاع بصاع النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «1».

و رواية عبد اللّٰه بن المغيرة عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) في الفطرة، قال

تعطى من الحنطة صاع و من الشعير صاع و من الأقط صاع «2»

، و في سند الرواية جعفر بن محمّد بن يحيى و هو مهمل.

و مكاتبة إبراهيم بن عقبة من أصحاب الهادي (عليه السّلام) يسأله عن الفطرة كم هي برطل بغداد عن كلّ رأس؟ و هل يجوز إعطاؤها غير مؤمن؟ فكتب إليه

عليك أن تخرج عن نفسك صاعاً بصاع النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و عن عيالك أيضاً، و لا ينبغي أن تعطي زكاتك إلّا مؤمناً «3».

و صحيح أبي عبد الرحمن الحذّاء هو أيّوب بن عطية عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه ذكر

صدقة الفطرة على كلّ صغير و كبير من حرّ أو عبد ذكر أو أُنثى، صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من ذرّة

، قال

فلمّا كان زمن معاوية و خصب الناس عدل الناس (عن) ذلك إلى

نصف صاع من حنطة «4».

و صحيح معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

في الفطرة جرت السنّة بصاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير، فلمّا كان زمن عثمان و كثرت الحنطة قوّمه الناس فقال: نصف صاع من برّ بصاع من شعير «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 332، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 333، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 9: 334، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 9: 335، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 10.

(5) وسائل الشيعة 9: 335، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 475

..........

______________________________

و رواية سلمة أبي حفص عن أبي عبد اللّٰه عن أبيه (عليهما السّلام) قال

صدقة الفطرة على كلّ صغير و كبير حرّ أو عبد، عن كلّ من تعول يعني من تنفق عليه صاع من تمر أو صاع من شعير أو صاع من زبيب، فلمّا كان زمن عثمان حوّله مُدّين من قمح «1»

، سلمة من أصحاب الصادق (عليه السّلام)، و لكنّه مهمل في كتب الرجال. و غيرها من روايات الباب.

و قد ورد في عدّة من الروايات المعتبرة أنّ مقدار الفطرة نصف الصاع، كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك.

إلى أن قال

عن كلّ إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين «2».

و صحيح آخر للحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن صدقة الفطرة،

فقال

على كلّ من يعول الرجل على الحرّ و العبد و الصغير و الكبير صاع من تمر أو نصف صاع من برّ، و الصاع أربعة أمداد «3».

و صحيح الفضلاء الخمسة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) في حديث قال

فإن أعطى تمراً فصاع لكلّ رأس، و إن لم يعط تمراً فنصف صاع لكلّ رأس من حنطة أو شعير، و الحنطة و الشعير سواء ما أجزأ عنه الحنطة فالشعير يجزي عنه «4».

و غيرها من روايات الباب.

و وردت في بعض الروايات كفاية نصف ربع، كما في موثّقة عمّار بن موسى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 335، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 9: 336، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 11.

(3) وسائل الشيعة 9: 336، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 12.

(4) وسائل الشيعة 9: 337، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 14.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 476

..........

______________________________

الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام): كم يعطي الرجل؟ قال

كلّ بلدة بمكيالهم نصف ربع لكلّ رأس «1»

، الظاهر إضافة نصف إلى ربع أي ثُمن الصاع و يحتمل عدم الإضافة؛ أي يكفي النصف و الربع من الصاع.

و كيف كان فنقول: إنّ الأخبار الدالّة على كفاية أقلّ من الصاع محمولة على التقية؛ لكونها موافقة لمذهب أبي حنيفة، قال في «الخلاف»: و ذهب أبو حنيفة إلى أنّه إن أخرج تمراً أو شعيراً فصاع، و إن أخرج البرّ فنصف صاع، و عنه في الزبيب روايتان. إلى أن قال: و روى أبو سعيد الخدري قال: كنّا نخرج إذ كان فينا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه

و آله و سلّم) صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب و لم نزل نخرجه حتّى قدم علينا معاوية حاجّاً أو معتمراً و هو يومئذٍ خليفة، فخطب الناس على منبر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و ذكر زكاة الفطرة، فقال: إنّي لأرى مدّين من سمن (سمراء خ. ل) الشام تعدل صاعاً من تمر، و كان ذلك أوّل ما ذكر الناس المدّين. قال أبو سعيد: فأمّا أنا فلا أخرجه إلّا ذاك ما عشت أبداً «2»، انتهى.

و قد حمل الشيخ (رحمه اللّٰه) موثّقة عمّار الساباطي على كفاية الأقلّ من الصاع للفقير استحباباً، و قال: المراد بالرأس الفقير، و أنّه يجوز إعطاؤه من دون ذلك. و قال صاحب «الوسائل» (رحمه اللّٰه): يمكن حمل تلك الأخبار على المحتاج الفقير؛ فإنّه يستحبّ له و يكفيه أقلّ من صاع «3».

و لك أن تقول بطرح الأخبار الدالّة على أنّ مقدار الفطرة أقلّ من الصاع؛

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 338، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 16.

(2) الخلاف 2: 148/ مسألة 187.

(3) وسائل الشيعة 9: 339، ذيل الحديث 19.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 477

حتّى اللبن (2). و الصاع أربعة أمداد، و هي تسعة أرطال بالعراقي، و ستّة بالمدني، و هي عبارة عن ستّمائة و أربعة عشر مثقالًا صيرفيّاً و ربع مثقال،

______________________________

لكونها مخالفة لما أجمع عليه الأصحاب؛ فلا تعارض بين الأخبار الدالّة على أنّ مقدارها صاع.

(2) قد نقلنا في شرح المسألة الاولى من مسائل «القول في جنسها» عن المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» جملة من أقوات أهل الأمصار؛ و منها اللبن، و قد

روى (رحمه اللّٰه) عن أبي الحسن علي بن محمّد العسكري (عليهما السّلام) خبراً مرسلًا متضمّناً لفطرة من سكن البوادي من الأعراب و أنّ عليه الفطرة من الأقط، و مَن عُدم الأقط من الأعراب و وجد اللبن فعليه الفطرة منه. و نقلنا عن «الخلاف» هناك الإجماع على جواز إخراج صاع من الأجناس السبعة التي عدّ منها اللبن، فراجع.

و قد ذهب جماعة من فقهائنا إلى كفاية أربعة أرطال من اللبن، كالشيخ (رحمه اللّٰه) في أكثر كتبه و ابني إدريس و حمزة و المحقّق (رحمه اللّٰه) في «الشرائع» و «النافع» و العلّامة في «التذكرة» و «القواعد» و غيرهما و غيرهم.

و استدلّ عليه بمرفوعة إبراهيم بن هاشم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن الرجل في البادية لا يمكنه الفطرة، قال

يتصدّق بأربعة أرطال من لبن «1».

و فيه: أنّ الرواية مرفوعة لا يعتمد عليها، و قد حملها صاحب «وسائل الشيعة» (رحمه اللّٰه) على الاستحباب؛ لأنّ من لا يمكنه الفطرة لا تجب عليه فيجزيه أقلّ من صاع.

و فيه: أنّه من المحتمل أنّ الرجل في البادية لم يكن فقيراً بل لم يجد شيئاً

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 341، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 7، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 478

فيكون بحسب حُقّة النجف التي هي تسعمائة مثقال و ثلاثة و ثلاثون مثقالًا و ثُلُث مثقال نصفَ حُقّةٍ و نصف وقيّة و أحد و ثلاثون مثقالًا إلّا مقدار حمّصتين، و بحسب حُقّة إسلامبول و هي مائتان و ثمانون مثقالًا حُقّتان و ثلاثة أرباع الوقيّة و مثقال و ثلاثة أرباع المثقال، و بحسب المنّ الشاهي و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالًا نصف منّ

إلّا خمسة و عشرون مثقالًا و ثلاثة أرباع المثقال، و بحسب الكيلو في هذا العصر ما يقارب ثلاث كيلوات (3).

______________________________

من أجناس الفطرة إلّا اللبن؛ لسكونته في البادية و كانت فطرته أربعة أرطال.

(3) مقدار الصاع أربعة أمداد، و يدلّ عليه صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن صدقة الفطرة، فقال

على كلّ من يعول الرجل على الحرّ و العبد و الصغير و الكبير، صاع من تمر أو نصف صاع من برّ، و الصاع أربعة أمداد «1»

، و رواية الصدوق (رحمه اللّٰه) بأسانيده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) أنّه كتب إلى المأمون لعنه اللّٰه في كتاب طويل

الزكاة الفريضة في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم.

إلى أن قال

و العشر من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب إذا بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستّون صاعاً، و الصاع أربعة أمداد «2».

و قد قدّر الصاع في بعض الروايات بستّة أرطال مدني و تسعة أرطال عراقي، كما في حسنة جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمداني: و كان معنا حاجّاً، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السّلام) على يدي أبي: جعلت فداك إنّ أصحابنا اختلفوا في الصاع؛ بعضهم يقول: الفطرة بصاع المدني، و بعضهم يقول: بصاع العراقي، قال: فكتب إليّ:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 336، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 6، الحديث 12.

(2) وسائل الشيعة 9: 179، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلّات، الباب 1، الحديث 13.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 479

..........

______________________________

الصاع بستّة أرطال بالمدني، و تسعة أرطال بالعراقي

، قال: و أخبرني

أنّه يكون بالوزن ألفاً و مائة و سبعين وزنة «1».

و مكاتبة علي بن بلال قال: كتبتُ إلى الرجل (عليه السّلام)

أسأله عن الفطرة و كم تدفع؟ قال: فكتب (عليه السّلام)

ستّة أرطال من تمر بالمدني، و ذلك تسعة أرطال بالبغدادي «2»

، و قد تقدّم منّا في شرح الأمر الأوّل من المطلب الأوّل من مطالب «الكلام في زكاة الغلّات» ما ينفعك هنا، فراجع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 340، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 7، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 341، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 7، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 480

[القول في وقت وجوبها]

اشارة

القول في وقت وجوبها و هو دخول ليلة العيد (1)،

______________________________

(1) اختلف أصحابنا في مبدأ وقت وجوب الفطرة؛ فقال جماعة: إنّ مبدأه دخول ليلة العيد، و اختار هذا القول الشيخ (رحمه اللّٰه) في «الجمل» و «الاقتصاد» و ابنا حمزة و إدريس و المحقّق و العلّامة و الشهيدان و غيرهم، و نسب إلى المشهور بين المتأخّرين، و قوّاه صاحب «الحدائق» و «الجواهر» و السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» و أكثر محشّيها و المصنّف (رحمه اللّٰه). و قد استفاد صاحب «الجواهر» من كلام صاحب «المدارك» أنّه قال بالإجماع في المسألة؛ قال في «المدارك» في مسألة من تجب عليه الفطرة: أمّا الوجوب مع استكمال الشرائط قبل رؤية الهلال و المراد به غروب الشمس من ليلة الفطر، كما نصّ عليه في «المعتبر» فموضع وفاق بين العلماء «1»، انتهى.

أقول: يحتمل في كلامه أن يكون مورد الإجماع هو وجوب الفطرة على من استكمل الشرائط قبل رؤية الهلال أي من أدرك الشهر لا أنّ مورده وجوبها عند دخول ليلة الفطر، و سيأتي الإشارة إليه.

فقد استدلّ لهذا القول بصحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في المولود يولد ليلة الفطر و اليهودي و النصراني

يسلم ليلة الفطر، قال

ليس عليهم فطرة، و ليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر «2».

و صحيح آخر له قال: سألت

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 320.

(2) وسائل الشيعة 9: 352، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 11، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 481

..........

______________________________

أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن مولود ولد ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال

لا، قد خرج الشهر

، و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال

لا «1».

و يرد عليه: أنّ غاية ما يدلّ عليه الصحيح الأوّل عدم وجوب الفطرة على المولود و من أسلم في ليلة الفطر و وجوب الفطرة على من أدرك الشهر، و كذا الصحيح الآخر. و لا دلالة فيهما على مبدأ وقت الوجوب و أنّه دخول ليلة الفطر أو غيره.

و قال جماعة أُخرى من الأصحاب: إنّ مبدأه طلوع الفجر من يوم الفطر، و اختاره كثير من القدماء، كأبناء الجنيد و البرّاج و زهرة و المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» و السيّد المرتضى (رحمه اللّٰه) و أبي الصلاح و سلّار و الشيخ (رحمه اللّٰه) في كتبه الثلاثة: «الخلاف» و «المبسوط» و «النهاية»، و جماعة من المتأخّرين و صاحب «المدارك» و الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه).

و استدلّ له بصحيح العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الفطرة متى هي؟ فقال

قبل الصلاة يوم الفطر

، قلت: فإن بقي منه شي ء بعد الصلاة؟ قال

لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه ثمّ يبقى فنقسّمه «2»

، و الاستدلال به مبني على أنّ السؤال وقع عن وقت الوجوب، و أنّ المراد من

قبل الصلاة يوم الفطر

خصوص طلوع الفجر؛ إذ لا قائل بكون مبدأ وقت الوجوب بعد طلوع

الفجر من يوم الفطر. و رواية إبراهيم بن ميمون قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

الفطرة إن أُعطيت قبل أن تخرج إلى العيد فهي فطرة، و إن كانت بعد ما يخرج إلى العيد فهي صدقة «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 352، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 11، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 354، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 12، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 9: 353، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 12، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 482

و يستمرّ وقت دفعها إلىٰ وقت الزوال (2)،

______________________________

و أُجيب عن الاستدلال: بأنّ صحيح العيص يحتمل أن يكون السؤال فيه عن وقت الوجوب، و يحتمل أن يكون السؤال عن وقت الإخراج، بل جوابه (عليه السّلام) ظاهر في وقت الإخراج، حيث إنّ المراد بقوله

نحن نعطي عيالنا منه ثمّ يبقى فنقسّمه

عزل الفطرة و إعطاؤها للعيال حتّى يقسّمها على الفقراء. و رواية ابن ميمون صريحة في زمان الإعطاء و هو قبل صلاة العيد فلا دلالة في الخبرين على وقت الوجوب أصلًا، هذا.

و التحقيق: أنّ صحيحتي معاوية بن عمّار المتقدّمتين لا تدلّان على أزيد من سببية إدراك الشهر لوجوب الفطرة، و أنّ صحيح العيص بن القاسم و رواية ابن ميمون يدلّان على وقت الإخراج؛ فلا دلالة في الأخبار المذكورة على مبدأ وجوب الفطرة؛ فيحتمل أن يكون مبدأه دخول ليلة الفطر و يحتمل أن يكون حين طلوع فجر يوم العيد. فمقتضى الأصل أي أصالة عدم الوجوب و استصحابه إلى أن يحصل اليقين يقتضي كونه طلوع الفجر. و في «المدارك»: أنّ في هذا الوقت حين طلوع الفجر متحقّق و قبله مشكوك فيه؛ فيجب الاقتصار على المتيقّن «1».

و يظهر

الثمرة بين القولين فيمن أدرك الشهر و فقد فيه أحد شروط الوجوب في الليل قبل طلوع الفجر؛ فإنّه تجب الفطرة بناءً على القول الأوّل، و لا تجب بناءً على القول الثاني.

(2) اختلف أصحابنا في انتهاء وقت الفطرة على أقوال ثلاثة:

الأوّل: أنّ آخر وقتها فعل صلاة العيد. و يظهر من العلّامة في «التذكرة»

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 344.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 483

..........

______________________________

و «المنتهي» الإجماع عليه؛ قال في «التذكرة»: لو أخّرها عن صلاة العيد اختياراً، أثِمَ عند علمائنا أجمع، و نسبه في «المدارك» إلى الأكثر، و اختار هذا القول الشيخ في «النهاية» و «الخلاف» و «المبسوط» و «الاقتصاد».

قال في «النهاية»: الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد، و هو قول ابني بابويه و سلّار و المفيد (رحمهم اللّٰه). قال في «المقنعة»: وقت وجوبها يوم العيد بعد الفجر من قبل صلاة العيد.

و استدلّ لهذا القول برواية إبراهيم بن ميمون المتقدّمة، و رواية علي بن طاوس في كتاب «الإقبال» قال: روينا بإسنادنا إلى أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ينبغي أن يؤدّى الفطرة قبل أن يخرج الناس إلى الجبّانة، فإن أدّاها بعد ما يرجع فإنّما هو صدقة و ليس هو فطرة «1».

و رواية محمّد بن مسعود العيّاشي في «تفسيره» عن سالم بن مكرم الجمّال عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

أعط الفطرة قبل الصلاة، و هو قول اللّٰه وَ أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ، و الذي يأخذ الفطرة عليه أن يؤدّي عن نفسه و عن عياله، و إن لم يعطها حتّى ينصرف من صلاته فلا يعدّ له فطرة «2»

، و غيرها من روايات الباب.

و لا يخفى: أنّ تحديد انتهاء

وقت الفطرة بالصلاة بناءً على إقامة الصلاة في يوم الفطر و لو لم يكن المزكّي مصلّياً صلاة العيد، و مع عدم إقامتها و لو منه فإلى الزوال.

القول الثاني في المسألة: أنّ آخر وقتها زوال يوم العيد، و هو مختار ابن الجنيد و العلّامة في «المختلف» و «الإرشاد» و الشهيد في «البيان» و «الدروس».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 355، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 12، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 9: 355، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 12، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 484

..........

______________________________

و استدلّ له بذيل صحيح العيص بن القاسم المتقدّم.

و فيه: أنّ قوله (عليه السّلام)

لا بأس

في جواب السائل: «فإن بقي شي ء منه بعد الصلاة؟» ظاهر في جواز التأخير إلى بعد الصلاة، من غير تقييد بغاية الزوال.

و ربّما يؤيّد هذا القول بما ورد من استحباب إخراج الفطرة عمّن يولد أو يسلم قبل الزوال، كما في مرسلة الشيخ (رحمه اللّٰه) قال: و قد روي أنّه

إن ولد له قبل الزوال يخرج عنه الفطرة، و كذلك من أسلم قبل الزوال «1»

، و رواية أبي الحسن الأحمسي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ الفطرة عن كلّ حرّ و مملوك، فإن لم تفعل خفتُ عليك الفوت

، قلت: و ما الفوت؟ قال

الموت

، قلت: أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال

إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة، و إن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة و لا يجزيك

، قلت: فأُصلّي الفجر و أعزلها فيمكث يوماً أو بعض يوم آخر ثمّ أتصدّق بها؟ قال

لا بأس، هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة

، قال: و قال

هي واجبة على كلّ مسلم محتاج أو موسر يقدر على فطرة «2».

و

الاستدلال بها مبني على إرادة الظهر من الصلاة، كما في «الجواهر».

و القول الثالث: أنّ انتهاء وقتها آخر يوم الفطر، و هو قول العلّامة (رحمه اللّٰه) في «المنتهي» و مال إليه صاحب «المدارك».

و استدلّ له بصحيح العيص بن القاسم المتقدّم حيث قال (عليه السّلام)

نحن نعطي عيالنا منه ثمّ يبقى فنقسّمه

، و المفروض أنّ وقته قبل الصلاة يوم الفطر؛ فإذا لم يخرج قبل الصلاة ينتهي إلى بعد الصلاة في يوم الفطر، و بعد الصلاة يشمل إلى انتهاء اليوم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 353، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 11، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 9: 331، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 5، الحديث 16.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 485

و الأفضل بل الأحوط التأخير إلى النهار (3)، و لو كان يصلّي العيد فلا يترك الاحتياط بإخراجها قبل صلاته (4)،

______________________________

و صحيح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) أنّهما قالا

على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول؛ من حرّ و عبد و صغير و كبير، يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل، و هو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره. «1»

الحديث، وجه الاستدلال: أنّه يجزي إعطاء الفطرة في يوم الفطر و قبل الصلاة أفضل، و من المحتمل قويّاً: أنّ هذا الصحيح يدلّ على أنّه يجزي إعطاؤها من أوّل يوم يدخل من شهر رمضان إلى زمان فعل الصلاة يوم الفطر، و لكن الأفضل إعطاؤها قبل الصلاة يوم الفطر.

(3) يعني أنّ وقت الوجوب عند المصنّف (رحمه اللّٰه) و إن كان دخول ليلة الفطر و لكن الأفضل بل الأحوط التأخير إلى النهار؛ لما دلّ عليه صحيح عبد

اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

و إعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل «11»

، و صحيح الفضلاء المتقدّم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام).

(4) و ذلك لتقييد كون الفطرة فطرة بإخراجها قبل الصلاة، كما في جملة من روايات الباب الثاني عشر من أبواب زكاة الفطرة من «الوسائل»، و للأمر بها قبل الصلاة في رواية محمّد بن مسعود العيّاشي في «تفسيره» عن سالم بن مكرم الجمّال عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

أعط الفطرة قبل الصلاة، و هو قول اللّٰه وَ أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ، و الذي يأخذ الفطرة عليه أن يؤدّي عن نفسه و عن عياله، و إن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 354، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 12، الحديث 4.

(11) وسائل الشيعة 9: 353، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 12، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 486

فإن خرج وقتها و كان قد عزلها دفعها إلىٰ مستحقّها، و إن لم يعزلها فالأحوط عدم سقوطها، بل يؤدّي ناوياً بها القُربة من غير تعرّض للأداء و القضاء (5).

______________________________

لم يعطها حتّى ينصرف من صلاته فلا يعدّ له فطرة «1».

و قد يستفاد ذلك من مفهوم صحيح سليمان بن حفص المروزي قال: سمعته يقول

إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فأعزلها تلك الساعة قبل الصلاة «2»

، حيث دلّ بمفهومه على وجوب إخراجها قبل الصلاة لمن يجد موضعها.

و قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «المنتهي»: مسألة لا يجوز تأخيرها عن الصلاة اختياراً، و إن أخّرها أثم، و به قال علماؤنا أجمع، و قال بعد أسطر: و الأقرب عندي جواز تأخيرها عن الصلاة و تحريم التأخير عن

يوم العيد؛ لما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم «3»، انتهى. و لا يخفى ما فيه من التهافت.

(5) لو عزل الفطرة في وقت وجوبها يجب إخراجها في وقت الإخراج و إن خرج وقت الإخراج و كان قد عزلها قبل الصلاة يكون آثماً بالتأخير عن وقته اختياراً، و لا تسقط الفطرة بل دفعها إلى مستحقّها في خارج وقت الإخراج.

و يدلّ عليه موثّق إسحاق بن عمّار قال: سألته عن الفطرة؟ فقال

إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها؛ قبل الصلاة أو بعد الصلاة

، و رواه الصدوق بإسناده عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام). و ذكر مثله «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 355، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 12، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 9: 356، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 13، الحديث 1.

(3) منتهى المطلب 1: 541/ السطر 2.

(4) وسائل الشيعة 9: 357، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 13، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 487

..........

______________________________

قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «المنتهي»: و إن لم يكن قد عزلها ففيها لأصحابنا أقوال:

أحدها: السقوط نسب هذا القول إلى المفيد و ابني بابويه و أبي الصلاح و ابني البرّاج و زهرة، و اختاره النراقي (رحمه اللّٰه) في «مستند الشيعة»، و به قال الحسن بن زياد.

و ثانيها: أنّها يكون قضاءً، ذهب إليه الشيخان و الشهيد الثاني و الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه) و به قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد.

و ثالثها: يكون أداءً دائماً، و اختاره ابن إدريس.

و الأقرب عندي مذهب الشيخين. لنا على عدم السقوط: أنّه حقّ ثابت في الذمّة للفقراء؛ فلا يسقط بخروج وقته كالدين

و زكاة المال. و على كونها قضاءً أنّها عبادة موقّتة فات وقتها و فعلت بعد فواته؛ فيكون قضاءً.

و احتجّ القائلون بالسقوط بأنّها موقّت فيسقط لفواته كالأضحية، و لأنّ الأمر لا يقتضي القضاء إلّا بأمر جديد، و لقوله (عليه السّلام)

هي قبل الصلاة زكاة مقبولة، و بعد الصلاة صدقة من الصدقات

، و هو يدلّ على أنّها ليست زكاة بعد الصلاة، بل صدقة مستحبّة.

و احتجّ القائلون بكونها أداءً بأنّها زكاة تجب بوقتها؛ فلا يكون قضاء بفواته كزكاة المال «1»، انتهى موضع الحاجة. ثمّ أجاب (رحمه اللّٰه) عن استدلال سائر الأقوال، فراجع.

و قال المصنّف (رحمه اللّٰه): و إن لم يعزلها فالأحوط عدم سقوطها، بل يؤدّيها ناوياً بها القربة، من غير تعرّض للأداء و القضاء.

و قال في «العروة الوثقى»: الأحوط الأقوى عدم سقوطها، و هو المختار عندنا؛ و ذلك لاستصحاب بقاء ما في الذمّة و إن خرج وقته؛ لأنّ التوقيت ليس لما

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 541/ السطر 14.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 488

[ (مسألة 1): لا يجوز تقديمها علىٰ شهر رمضان]

(مسألة 1): لا يجوز تقديمها علىٰ شهر رمضان، بل مطلقاً على الأحوط. نعم لا بأس بإعطاء الفقير قرضاً، ثمّ احتسابه عليه فطرة عند مجي ء وقتها (6).

______________________________

في الذمّة، فهو ثابت حتّى يحصل المسقط، كما في زكاة المال و سائر الديون المؤجّلة المؤخّر أداؤها عن أجلها.

(6) اختلف علماؤنا في جواز تقديم الفطرة على وقت وجوبها:

فقال جماعة منهم: لا يجوز تقديمها بعنوان الفطرة، من غير فرق بين شهر رمضان و غيره، و هو مختار الشيخ (رحمه اللّٰه) في «الاقتصاد» و المفيد (رحمه اللّٰه) و أبي الصلاح و ابن إدريس و المحقّق في «الشرائع» و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه)، و نسبه في «المدارك» إلى المشهور، و

اختاره المصنّف (رحمه اللّٰه) و السيّد في «العروة الوثقى» و بعض محشّيها. و استدلّ عليه بأنّها عبادة موقّتة لا يجوز تقديمها على وقتها، كما في الصلوات الموقّتة و الصوم. و في «الجواهر»: بل يكفي الشكّ في مشروعيتها.

و قال جماعة أُخرى بجواز تقديمها بعنوان الفطرة من أوّل شهر رمضان إلى آخره، و هو المختار عندنا، و به قال الصدوقان و الشيخ في «النهاية» و «الخلاف» و «المبسوط» و العلّامة في «التذكرة» و «المختلف» و نسبه في «المنتهي» إلى الأكثر، و في «الدروس» و «المسالك»: أنّه المشهور، و اختاره صاحب «الحدائق» و جماعة من المحشّين ل «العروة الوثقى»، و ادّعى في «الخلاف» الإجماع عليه. و استدلّ عليه بصحيح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) قالا

و هو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره «1».

و قد يؤيّد هذا القول بصحيحي معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 354، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 12، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 489

..........

______________________________

المتقدّمين «1» حيث دلّا على أنّ وجوب الفطرة منوط على إدراك الشهر؛ فإنّهما ظاهران في سببية شهر رمضان و إدراكه لوجوب الفطرة.

و في «الجواهر»: و تعليل عدم الوجوب عن المولود ليلة الفطر بأنّه قد خرج الشهر المشعر؛ خصوصاً الأوّل أي الصحيح الأوّل لمعاوية بن عمّار بأنّ إدراك الشهر هو السبب في الوجوب، و إن كان يتحقّق ذلك بإدراك آخره، فالفرد الأكمل حينئذٍ منه إدراكه تامّاً، فهو على حسب قوله (عليه السّلام)

من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كلّه

، و قوله (عليه السّلام)

من أدرك الإمام راكعاً فقد

أدرك الجماعة

، و غيرهما؛ فإنّ في لفظ «الإدراك» رمزاً إلى كونه هو الغاية التي لا بدّ لها من بداية، و ليست هنا نصّاً و فتوى إلّا أوّل الشهر. مضافاً إلى ما في ذلك من المصلحة للفقراء بتعجيل الإعانة لهم و رفع الحاجة عنهم، و إلى ما في «خلافه» من طرح صحيح الفضلاء الذي قد عرفت عمل جملة من الأصحاب به، بل دعوى الإجماع عليه «2»، انتهى.

و في المسألة قول ثالث؛ و هو جواز تقديمها على وقت وجوبها قرضاً لا بعنوان الفطرة، اختاره المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» و الشيخ (رحمه اللّٰه) في «الاقتصاد» و غيرهما. و الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه؛ لأنّ زكاة الفطرة كزكاة المال يجوز إعطاؤها قرضاً للفقير ثمّ احتسابها عند وقت وجوبها، بل المال المعطىٰ للفقير قرضاً لا يتّصف بعنوان زكاة المال و الفطرة عند الإعطاء، و يكون ملكاً للفقير بالقرض و يملك المعطي ذمّة الفقير؛ فإذا حلّ وقتها و كان الفقير على صفة الفقر باقياً يحتسب ما في ذمّة الفقير زكاة ماله أو فطرته و يسقط عنه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 352، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 11، الحديث 1 و 2.

(2) جواهر الكلام 15: 530.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 490

[ (مسألة 2): يجوز عزل الفطرة و تعيينها في مال مخصوص من الأجناس]

(مسألة 2): يجوز عزل الفطرة و تعيينها في مال مخصوص من الأجناس (7)،

______________________________

و في «المقنعة» في مبحث الفطرة بعد اختيار أنّ وقت وجوبها يوم العيد بعد الفجر منه قبل صلاة العيد قال: و قد جاء في الخبر أنّه لا بأس بإخراجها في شهر رمضان من أوّله إلى آخره، و هو على جواز تقديم الزكاة «1»، و قال (رحمه اللّٰه) في مبحث زكاة المال: و الذي

أعمل عليه و هو الأصل المستفيض عن آل محمّد (عليهم السّلام) لزوم الوقت. فإن حضر قبله من المؤمنين محتاج يجب صلته و أحبّ الإنسان أن يقدم له من الزكاة جعلها قرضاً له، فإذا حلّ وقت الزكاة و المقترض على حاله من الفقر أجزأت عنه في الزكاة «2».

ثمّ إنّه لا خصوصية لشهر رمضان في جواز إعطائها قرضاً قبل وقت وجوبها، بل يجوز مطلقاً؛ فلا إشكال في جواز إعطائها قرضاً في أيّ زمان شاء. و يجوز تقديمها بعنوان الفطرة من أوّل شهر رمضان إلى آخره؛ لصحيحة الفضلاء المتقدّمة و إن كان وقت وجوبها أوّل طلوع الفجر عن يوم الفطر. و الأحوط الأفضل تأخيرها من زمان الوجوب، بل من أوّل شهر رمضان إلى زمان طلوع الفجر من يوم الفطر و بعده إلى زمان فعل الصلاة أو إلى الزوال على ما قدّمناه.

(7) الدليل على جواز عزل الفطرة و تعيينها من مال مخصوص من الأجناس هو صحيح سليمان بن حفص المروزي قال: سمعته يقول

إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فأعزلها تلك الساعة قبل الصلاة «3».

______________________________

(1) المقنعة: 249.

(2) نفس المصدر: 240.

(3) وسائل الشيعة 9: 356، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 13، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 491

أو عزل قيمتها من الأثمان، و الأحوط بل الأوجه الاقتصار في عزل القيمة على الأثمان (8)،

______________________________

و صحيح زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أخرج فطرته فعزلها حتّى يجد لها أهلًا، فقال

إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ، و إلّا فهو ضامن لها حتّى يؤدّيها إلى أربابها «1».

و موثّق إسحاق بن عمّار قال: سألته عن الفطرة، فقال

إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها قبل الصلاة

أو بعد الصلاة «2».

و مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

في الفطرة إذا عزلتها و أنت تطلب بها الموضع أو تنتظر بها رجلًا فلا بأس «3».

فهذه الروايات كلّها تدلّ على جواز العزل.

(8) الأوجه عند المصنّف (رحمه اللّٰه) الاكتفاء بالأثمان في عزل القيمة، كما هو الأوجه عنده في إخراج القيمة، و قد تقدّم منّا سابقاً في المسألة الاولى من مسائل «القول في جنسها» في شرح قوله: «و في إخراج غيرها ممّا لا يكون من جنسها قيمة إشكال، بل عدم الإجزاء لا يخلو من وجه» أنّ الأقوى جواز إخراج غير الأثمان ممّا لا يكون من جنس الفطرة؛ لما ذكرنا هناك من الدليل و الروايات المعتبرة؛ فنقول: إنّه يجوز عزل غير الأثمان قيمة من أجناس الفطرة؛ و ذلك لإطلاق نصوص العزل بضميمة أدلّة جواز إخراج غير الأثمان قيمةً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 356، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 13، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 357، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 13، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 9: 357، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 13، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 492

و لو عزل أقلّ ممّا تجب عليه اختصّ الحكم به، و بقي الباقي غير معزول (9)، و لو عزلها في الأزيد ففي انعزالها بذلك حتّى يكون المعزول مشتركاً بينه و بين الزكاة إشكال. نعم لو عيّنها في مال مشترك بينه و بين غيره مشاعاً، فالأظهر انعزالها بذلك إذا كانت حصّته بقدرها أو أقلّ منها (10).

______________________________

(9) و حكم المعزول أنّه يجب النية عند العزل، و أنّ المعزول يصير فطرة بالعزل، و به يخرج الواجب عن ذمّة المكلّف إلى الخارج

و يكون في يده أمانة، من غير فرق في المعزول بين كونه تمام الفطرة أو بعضها؛ فإذا عزل أقلّ ممّا تجب عليه يجري أحكام العزل عليه و بقي الباقي غير معزول.

(10) وجه الإشكال في انعزال الفطرة بعزل أزيد منها: هو أنّه يصير المال المعزول مشتركاً بينه و بين أرباب الزكاة، و لم يتحقّق حينئذٍ عزل الفطرة حقيقة؛ لأنّ المراد من عزلها تعيينها في مال خاصّ بقدرها في وقتها، و لم يحصل تعيينها، بل بعزل الأزيد تحقّقت الشركة.

و في «المسالك»: و إنّ ذلك أي عزلها في الأزيد يوجب جواز عزلها في جميع ماله، و هو غير المعروف من العزل «1»، انتهى.

و ردّه في «الجواهر» بقوله: قلت: ينبغي أن يكون المدار على صدق العزل عرفاً، و لا ريب في عدم صدقه بالعزل في جميع المال و نحوه «2»، انتهى.

قلت: لو عزلها و عيّنها في ضمن مال مشترك بينه و بين غيره مشاعاً و كانت حصّته في المال المشترك بقدر الفطرة الواجبة عليه أو أقلّ منها ينعزل في مقدار

______________________________

(1) مسالك الأفهام 1: 452.

(2) جواهر الكلام 15: 535.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 493

و لو خرج الوقت و قد عزلها في الوقت جاز تأخير دفعها إلى المستحقّ (11)، خصوصاً مع ملاحظة بعض المرجّحات (12)؛ و إن كان يضمنها مع التمكّن و وجود المستحقّ لو تلفت. بخلافه فيما إذا لم يتمكّن، فإنّه لا يضمن إلّا مع التعدّي و التفريط في حفظه كسائر الأمانات (13).

______________________________

حصّته و يتعيّن فطرة، و كذا ينعزل لو عزلها في الأزيد مع رفع اليد عن الزيادة و قصد كونها للفقير.

(11) و يدلّ عليه موثّق إسحاق بن عمّار قال: سألته عن الفطرة، فقال

إذا

عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها؛ قبل الصلاة أو بعد الصلاة «1».

(12) يستحبّ تقديم بعض المستحقّين على بعض؛ و لذا يجوز تأخيرها، كما في زكاة المال. و قد أوردنا بعض الروايات الدالّة على جواز تأخير زكاة المال عن وقت وجوبها في مبحث زكاة المال في شرح قول المصنّف (رحمه اللّٰه): «و إن كان الأقوى الجواز؛ خصوصاً مع انتظار مستحقّ معيّن أو أفضل» في ضمن المسألة الرابعة من مسائل «القول في بقية أحكام الزكاة»، فراجع. و لا فرق في ذلك بين زكاة المال و الفطرة.

(13) و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت، فقال

ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان

، قلت: فإنّه لم يجد لها أهلًا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟ قال

لا، و لكن إن (إذا) عرف لها أهلًا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها «2»

، وجه الاستدلال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 357، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 13، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 286، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 39، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 494

[ (مسألة 3): الأحوط عدم نقلها بعد العزل إلىٰ بلد آخر مع وجود المستحقّ]

(مسألة 3): الأحوط عدم نقلها بعد العزل إلىٰ بلد آخر مع وجود المستحقّ (14).

______________________________

أنّ الزكاة أعمّ من زكاة المال و الفطرة.

و يمكن أن يستدلّ بصحيح محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجلٌ بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال

إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان؛ لأنّها قد

خرجت من يده. و كذلك الوصي الذي يوصىٰ إليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أُمر بدفعه إليه، فإن لم يجد فليس عليه ضمان «1».

و يمكن الاستدلال أيضاً بصحيح زرارة الوارد في عزل الفطرة و عدم إخراجها فعلًا حتّى يجد لها أهلًا عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل أخرج فطرته فعزلها حتّى يجد لها أهلًا، فقال

إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ، و إلّا فهو ضامن لها حتّى يؤدّيها إلى أربابها «2».

و أورد النراقي في «مستند الشيعة» على الاستدلال بهذا الصحيح بأنّه لا يخلو عن الإجمال.

(14) لعلّ الوجه فيه موثّق الفضيل عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كان جدّي (عليه السّلام) يعطي فطرته الضعفة (الضعفاء) و من لا يجد و من لا يتولّى

، قال: و قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

هي لأهلها إلّا أن لا تجدهم، فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب، و لا تنقل من أرض إلى أرض

و قال

الإمام يضعها حيث يشاء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 285، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 39، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 356، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 13، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 495

..........

______________________________

و يصنع فيها ما رأى «1».

و مكاتبة علي بن بلال البغدادي قال: كتبتُ إليه: هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة و رجل آخر من إخوانه في بلدة اخرى يحتاج أن يوجّه له فطرة أم لا؟ فكتب (عليه السّلام)

تقسّم الفطرة على من حضر، و لا يوجّه ذلك إلى بلدة اخرى و إن لم يجد موافقاً «2».

و الأقوى عندي جواز نقلها إلى بلدة اخرى مع وجود المستحقّ في بلده؛ وفاقاً لجماعة من

فقهائنا كالشهيدين في «الدروس» و «المسالك» و النراقي في «مستند الشيعة» و السيّد في «العروة الوثقى».

و يدلّ عليه الأخبار الدالّة على جواز نقل زكاة المال من بلده إلى بلد آخر مع اشتراك زكاة المال و الفطرة في الأحكام إلّا في بعضها لدليل.

و لذا قال النراقي في «مستند الشيعة»: و الخلاف هنا يتفرّع على الخلاف في المالية، كما صرّح به جماعة «3».

و قد ذكرنا الأخبار الدالّة على جواز النقل في شرح المسألة العاشرة من مسائل «القول في بقيّة أحكام الزكاة» فلا نطيل بإعادتها، فراجع.

و أمّا موثّق فضيل و مكاتبة علي بن بلال فمحمولان على الكراهة، كما عن «المسالك»، و في «مستند الشيعة»: و أمّا مكاتبة علي بن بلال و رواية الفضيل بن يسار فغير صريحين في عدم الجواز؛ لمكان الجملة الخبرية، بل غايتهما استحباب الصرف في البلد. نعم ربّما يقال بآكديته هنا لهما أي لأجل الموثّق و المكاتبة بل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 360، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 15، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 9: 360، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 15، الحديث 4.

(3) مستند الشيعة 9: 435.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 496

..........

______________________________

نسبها بعضهم إلى الأكثر أيضاً و لا بأس «1»، انتهى.

و يظهر من صاحب «المدارك» عدم جواز النقل؛ معلّلًا بمنافاته الفورية الواجبة.

و فيه: أنّا نفرض المسألة فيما كان في بلد كبير و كان الفقير في انتهائه و كانت المسافة إلى بلد آخر بمقدار انتهاء بلده أو أقلّ بحيث لا ينافي النقل إليه للفورية، هذا أوّلًا. و ثانياً: أنّ وجوبها الفوري لم يقل به إلّا قليل. و ثالثاً: أنّه مع العزل يجوز تأخيرها إلى ما بعد الصلاة، كما في موثّق

إسحاق بن عمّار المتقدّم «2».

و يرد على ما ذكره في «مستند الشيعة»: أنّ دلالة الجملة الخبرية على الحرمة آكد من دلالة صيغة النهي عليها، كآكدية دلالتها على الوجوب من دلالة صيغة الأمر، على ما قرّر في محلّه؛ و حينئذٍ فيحمل الموثّق و المكاتبة على الكراهة جمعاً بينهما و بين الأخبار الدالّة على جواز نقل مطلق الزكاة.

______________________________

(1) مستند الشيعة 9: 435.

(2) وسائل الشيعة 9: 357، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 13، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 497

[القول في مصرفها]

القول في مصرفها

______________________________

الأقوىٰ أنّ مصرفها مصرف زكاة المال؛ و إن كان الأحوط الاقتصار علىٰ دفعها إلى الفقراء المؤمنين و أطفالهم، بل المساكين منهم (1)؛

(1) اختلف فقهاؤنا في مصرف زكاة الفطرة؛ فقال جماعة: إنّ مصرفها مصرف زكاة المال؛ منهم الشيخ في «الخلاف» قال: مصرف زكاة الفطرة مصرف زكاة الأموال «1».

و قال في «المبسوط»: و لا يجوز أن يعطيها إلّا لمستحقّها، و مستحقّها هو كلّ من كان بالصفة التي يحلّ له معها الزكاة «2».

و العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» قال: مصرف زكاة الفطرة مصرف زكاة المال؛ لعموم قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ. الآية «3».

و المحقّق في «الشرائع» قال: الرابع في مصرفها، و هو مصرف زكاة المال «4».

و في «المدارك»: أنّه مقطوع به في كلامهم «5»، و ادّعى بعضهم كالأصبهاني في «شرح اللمعة» الإجماع عليه. و يظهر من صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) تأييد الإجماع

______________________________

(1) الخلاف 2: 154/ مسألة 196.

(2) المبسوط 1: 242.

(3) تذكرة الفقهاء 5: 398.

(4) شرائع الإسلام 1: 161.

(5) مدارك الأحكام 5: 353.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 498

..........

______________________________

قال: و لعلّه كذلك؛ إذ لم يحك فيه الخلاف إلّا عن ظاهر المفيد (رحمه

اللّٰه) في «المقنعة»، فخصّها بالمساكين «1».

و لا يخفى: أنّ المفيد (رحمه اللّٰه) لم يخصّ مصرفها في خصوص المساكين بحيث لا يعطى الفقراء، بل خصّه في الفقراء الشاملة للمساكين، و عليك بعبارته التي سننقلها عنه.

و قال جماعة باختصاصه بالفقراء و المساكين كالمفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» قال: و مستحقّ الفطرة هو من كان على صفات مستحقّ الزكاة من الفقر أوّلًا، ثمّ المعرفة و الإيمان «2»، و هو المحكي عن «اقتصاد» الشيخ (رحمه اللّٰه) قال: و مستحقّ زكاة الفطرة هو مستحقّ زكاة المال من المؤمنين الفقراء العدول و أطفالهم.

و عن المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «المنتهي»: أنّ مصرفها مختصّ بستّة من الأصناف الثمانية؛ بإسقاط العاملين عليها و المؤلّفة قلوبهم. و يظهر من كلام صاحب «الحدائق» نسبة هذا القول إلى المشهور، قال: و ظاهرهم سقوط سهم المؤلّفة و العاملين من هذه الصدقة، و التخصيص بالستّة الباقية «3».

و المختار عندنا هو القول الأوّل، و يدلّ عليه مضافاً إلى الشهرة المحقّقة و الإجماع المدّعى عموم الآية إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ. «4» الآية، و الصدقة بالمعنى الأعمّ يشمل زكاة الفطرة.

و استدلّ للقول الثاني بصحيح الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام):

______________________________

(1) جواهر الكلام 15: 538.

(2) المقنعة: 252.

(3) الحدائق الناضرة 12: 311.

(4) التوبة (9): 60.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 499

..........

______________________________

أعلى من قبل الزكاة زكاة؟ فقال

أمّا مَن قبل زكاة المال فإنّ عليه زكاة الفطرة، و ليس عليه لما قبله زكاة، و ليس على من يقبل الفطرة فطرة «1»

، حيث إنّ من يقبل الفطرة هو الفقير و لا فطرة عليه، فمصرف الفطرة هو الفقير.

و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث

إنّ زكاة الفطرة للفقراء و المساكين «2».

و حسن يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الفطرة مَن أهلها الذين (الذي) يجب لهم؟ قال

من لا يجد شيئاً «3»

، و حسن الرواية بجعفر بن محمّد؛ يعني ابن مسعود، و في السند قد وقع عبد اللّٰه بن نهيك و هو إن كان عبد اللّٰه بن محمّد النهيك فهو ثقة و إلّا فلم نجد في كتب الرجال رجلًا باسم عبد اللّٰه بن نهيك.

و رواية الفضيل عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: لمن تحلّ الفطرة؟ قال

لمن لا يجد «4»

، و الرواية ضعيفة لإسماعيل بن سهل الدهقان الكاتب، و قد قال النجاشي: إنّه ضعّفه أصحابنا.

و وجه إعراض المصنّف (رحمه اللّٰه) بلفظ «بل» عن الفقراء إلى المساكين هو أنّ المذكور في حسن يونس و رواية الفضيل هو من لا يجد، فهو منطبق على المسكين دون الفقير الذي يجد شيئاً زائداً و كثيراً بمقدار لم يبلغ قوت تمام السنة.

و لا يخفى: أنّ هذه الروايات خصوصاً صحيح الحلبي و إن ذكر فيها الفقراء و المساكين مصرفاً للفطرة لكنّها لا تدلّ على الحصر، و من المحتمل قوياً أنّ ذكرهما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 322، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 2، الحديث 10.

(2) وسائل الشيعة 9: 357، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 14، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 358، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 14، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 9: 358، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 14، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 500

و إن لم يكونوا عدولًا (2)، و يجوز إعطاؤها للمستضعفين من المخالفين عند عدم وجود

المؤمنين (3).

______________________________

باعتبار كونهما أعظم مصارف الفطرة؛ و لذا قدّمهما على سائر المصارف في الآية إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ. الآية، و مع ذلك فالأحوط الاقتصار عليهما.

(2) قد ذكرنا في ضمن البحث في الأمر الثاني من أُمور «القول في أوصاف المستحقّين للزكاة» في شرح قول المصنّف: «بل غير متجاهر بمثل هذه الكبيرة على الأحوط، و لا يشترط فيه العدالة و إن كان أحوط»: أنّه اختلف الفقهاء في اشتراط العدالة و عدمه على أقوال ثلاثة: الأوّل: اشتراطها، قد نسب هذا القول إلى المشهور بين القدماء. الثاني: اعتبار مجانبة الكبائر، و قد حكي هو عن ابن الجنيد. و الثالث: عدم اشتراط العدالة و لا اجتناب الكبائر.

و كان مختارنا هو القول الثالث، و أنّ الأفضل الأحوط استحباباً تقديم العادل على غيره، و قد تقدّم منّا هناك بيان الاستدلال على الأقوال و الجواب عن القولين الأوّلين فلا نطيل بالإعادة، فراجع.

(3) قد تقدّم في بيان الوصف الأوّل من أوصاف المستحقّين للزكاة و هو الإيمان أنّه لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير المستضعف من فِرق المخالفين، و أنّها لأهل الولاية فقط فلا يجوز إعطاؤها من سهم الفقراء للمخالف، نعم يجوز إعطاؤها له من سهم المؤلّفة قلوبهم.

و يدلّ على جواز إعطاء الفطرة للمستضعفين من المخالفين عند عدم وجود الفقراء المؤمنين موثّق الفضيل عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كان جدّي (عليه السّلام) يعطي

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 501

و الأحوط أن لا يدفع إلى الفقير أقلّ من صاع أو قيمته؛ و إن اجتمع جماعة لا تسعهم كذلك (4).

______________________________

فطرته الضعفة (الضعفاء) و من لا يجد و من لا يتولّى

، قال: و قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

هي لأهلها، إلّا أن لا

تجدهم، فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب «1».

و هذا الموثّق صريح في جواز إعطاء الفطرة للمستضعف من المخالفين بشرط عدم وجود أهل الولاية و عدم كونه ممّن ينصب. و به يقيّد سائر الروايات المطلقة الدالّة على جواز إعطائها للمخالف، كموثّق إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال: سألته عن صدقة الفطرة أُعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟ قال

نعم، الجيران أحقّ بها؛ لمكان الشهرة «2».

و مكاتبة علي بن بلال قال: كتبتُ إليه: هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة و رجل آخر من إخوانه في بلدة اخرى يحتاج أن يوجّه له فطرة أم لا؟ فكتب

تقسّم الفطرة على من حضر، و لا يوجّه ذلك إلى بلدة اخرى و إن لم يجد موافقاً «3».

(4) وجه الاحتياط في عدم دفع الفطرة إلى الفقير أقلّ من صاع أو قيمته مطلقاً أي سواء اجتمع فقراء أُخر لا يسع لكلّ منهم صاع أو اجتمعوا و يسع لكلّ منهم صاع مرسلة الحسين بن سعيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا تعط أحداً أقلّ من رأس «4».

و مرسلة الصدوق في خبر آخر قال

لا بأس

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 360، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 15، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 9: 360، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 15، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 360، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 15، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 9: 362، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 16، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 502

..........

______________________________

أن تدفع عن نفسك و عمّن تعول إلى واحد، و لا يجوز أن تدفع ما يلزم واحداً إلى نفسين

«1».

و إلى هذا القول ذهب الصدوقان و الشيخان و السيّدان و ابنا إدريس و حمزة و الديلمي و الفاضلان و الشهيدان في جملة كتبهم، بل نسب هذا القول إلى المشهور؛ ففي «الحدائق»: المشهور بين الأصحاب أنّه لا يجوز أن يعطى الفقير أقلّ من صاع، و في «الجواهر»: المشهور بين الأصحاب نقلًا و تحصيلًا أنّه لا يعطى الفقير منها أقلّ من صاع، و في «مستند الشيعة» بعد ادّعائه الشهرة في عدم جواز إعطاء أقلّ من صاع قال: و في «المختلف»: أنّه قول فقهائنا، و عن «الانتصار» و «الغنية» الإجماع عليه، انتهى.

و في رواية إسحاق بن المبارك جواز تفريقها لأكثر من واحد، قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن صدقة الفطرة يعطيها رجلًا واحداً أو اثنين؟ قال

يفرّقها أحبّ إليّ

، قلت: اعطي الرجل الواحد ثلاثة أصيع و أربعة أصيع؟ قال

نعم «2»

، و إسحاق في سند الرواية و إن كان مجهولًا إلّا أنّ الراوي عنه هو صفوان و هو من أصحاب الإجماع و ممّن لا يروي إلّا عن ثقة.

و قد نسب إلى الشيخ و جماعة جواز دفع أقلّ من الصاع إلى فقير واحد مع اجتماع جماعة لا يسع لكلّ منهم صاع، و اختار هذا القول المحقّق في «الشرائع»، و علّلوه بأنّ فيه تعميماً للنفع، و بأنّ في منع البعض أذية للمؤمن؛ فجاز حينئذٍ التشريك بينهم و إن كان نصيب كلّ واحد منهم أقلّ من صاع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 363، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 16، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 362، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 16، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 503

و يجوز أن يُعطى الواحد أصواعاً (5)، بل

إلىٰ مقدار مئونة سنته، و الأحوط عدم الإعطاء و الأخذ أزيد من مئونتها (6).

______________________________

و لا يخفى: أنّ هذا التعليل اجتهاد في مقابل النصّ أي المرسلين المتقدّمين الدالّين على عدم جواز إعطاء أقلّ من صاع لفقير واحد و بالشهرة المدّعاة مستفيضاً يجبر ضعف إرسال المرسلين. و لا يترك الاحتياط؛ فلا يدفع لفقير واحد أقلّ من صاع.

(5) هذه المسألة ممّا لا خلاف فيه.

و يدلّ عليه ذيل صحيح صفوان عن إسحاق بن المبارك المتقدّم عن أبي إبراهيم (عليه السّلام)، قلت: اعطي الرجل الواحد ثلاثة أصيع و أربعة أصيع؟ قال

نعم.

و موثّق إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا بأس أن يعطي الرجل الرجلَ عن رأسين و ثلاثة و أربعة؛ يعني الفطرة «1».

و صدر مرسل الصدوق المتقدّم قال

لا بأس أن تدفع عن نفسك و عمّن تعول إلى واحد.

و مكاتبة علي بن بلال قال: كتبت إلى الطيّب العسكري (عليه السّلام): هل يجوز أن يعطى الفطرة عن عيال الرجل و هم عشرة أقلّ أو أكثر رجلًا محتاجاً موافقاً؟ فكتب (عليه السّلام)

نعم افعل ذلك (نعم ذلك أفضل) «2».

(6) و في «العروة الوثقى»: يجوز أن يعطى فقير واحد أزيد من صاع، بل إلى

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، در يك جلد، ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس؛ ص: 503

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 362، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 16، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 9: 363، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 16، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 504

و يستحبّ اختصاص ذوي الأرحام و الجيران و أهل الهجرة في الدين و الفقه

و العقل، و غيرهم ممّن يكون فيه بعض المرجّحات (7).

______________________________

حدّ الغنى؛ و ذلك لأنّ الفطرة زكاة و يجوز أن يعطى الفقير منها إلى حدّ الاستغناء، و قد تقدّم تفصيل ذلك في زكاة المال في شرح المسألة الثالثة من مسائل «القول في أصناف المستحقّين للزكاة و مصارفها»، فراجع.

(7) و يدلّ على استحباب اختصاص ذوي الأرحام رواية السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

سئل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): أيّ الصدقة أفضل؟ قال: على ذي الرحم الكاشح «1»

، و غيرها من روايات الباب.

و يدلّ على استحباب الإعطاء للجيران موثّق إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم (عليه السّلام) قال: سألته عن صدقة الفطرة أُعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟ قال

نعم الجيران أحقّ بها؛ لمكان الشهرة «2».

و صحيح صفوان عن إسحاق بن المبارك في حديث قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن صدقة الفطرة أُعطيها غير أهل الولاية من هذا الجيران؟ قال

نعم الجيران أحقّ بها «3».

و موثّق آخر لإسحاق بن عمّار أنّه سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السّلام) عن الفطرة؟ فقال

الجيران أحقّ بها، و لا بأس أن يعطى قيمة ذلك فضّة «4».

و أمّا أهل الهجرة في الدين و الفقه و العقل فيدلّ على ترجيحهم رواية

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 411، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة، الباب 20، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 360، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 15، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 361، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 15، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 9: 361، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 15، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 505

و لا يترك الاحتياط

بعدم الدفع إلىٰ شارب الخمر و المتجاهر بمثل هذه الكبيرة (8)، و لا يجوز أن يدفع إلىٰ من يصرفها في المعصية (9).

______________________________

السكوني، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): إنّي ربّما قسّمتُ الشي ء بين أصحابي أصلهم به، فكيف أُعطيهم؟ قال

أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و العقل «1».

(8) هذا الاحتياط استحبابي؛ لما ذكرناه في زكاة المال في شرح الأمر الثاني من أُمور «القول في أصناف المستحقّين للزكاة» من أنّ الأقوى جواز إعطائها لمرتكب الكبيرة حتّى شرب الخمر و أنّ خبر داود الصرمي قال: سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئاً؟ قال

لا «2»

، محمول على الكراهة.

(9) و ذلك لحرمة الإعانة على الإثم، و لأنّ الزكاة إرفاق و مئونة و مواساة للفقراء، كما في رواية الصدوق (رحمه اللّٰه) عن مبارك العقرقوفي عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال

إنّما وضعت الزكاة قوتاً للفقراء و توفيراً لأموالهم «3»

، و رواية مُعتّب مولى الصادق (عليه السّلام) قال: قال الصادق (عليه السّلام)

إنّما وضعت الزكاة اختباراً للأغنياء و مئونةً للفقراء. «4»

إلى آخرها، و غيرها من روايات الباب و غيره؛ فلا يجوز دفعها إلى من يعلم صرفها في المعصية.

تمّ كتاب الزكاة بعون اللّٰه تعالى و منّه في صبح اليوم السبت من شهر جمادى الثانية سنة ستّة عشر بعد أربعمائة و ألف.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 262، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 25، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 249، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 17، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 10، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 1، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 9: 12، كتاب الزكاة، أبواب ما تجب فيه الزكاة، الباب 1، الحديث 6.

مدارك

تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 507

[كتاب الخمس]

اشارة

كتاب الخمس

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 509

كتاب الخُمس و هو الذي جعله اللّٰه تعالىٰ لمحمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و ذرّيّته كثّر اللّٰه نسلهم المبارك عوضاً عن الزكاة التي هي من أوساخ أيدي الناس إكراماً لهم، و من منع منه درهماً كان من الظالمين لهم و الغاصبين لحقّهم، فعن مولانا الصادق (عليه السّلام): «إنّ اللّٰه لا إله إلّا هو لمّا حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، و الخمس لنا فريضة، و الكرامة لنا حلال»، و عنه (عليه السّلام): «لا يُعذر عبد اشترىٰ من الخمس شيئاً أن يقول: يا ربّ اشتريته بمالي؛ حتّى يأذن له أهل الخمس»، و عن أبي جعفر (عليه السّلام): «و لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا نصيبنا» (1).

و الكلام فيما يجب فيه الخمس، و في مستحقّيه، و كيفيّة قسمته بينهم، و في الأنفال.

______________________________

(1) اعلم: أنّ اللّٰه تعالى جعل الخمس لمحمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و ذرّيته، و هو من شرائط الإيمان، و شرّك ذاته تعالى معهم في الآية وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ. «1» إلى آخره مبالغة في نفي احتمال الصدقة و الوسخية التي

______________________________

(1) الأنفال (8): 41.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 510

..........

______________________________

تنزّه عنها تلك الذات الجامعة لجميع صفات الكمال، و بهذه الشركة أظهر تعالى جلالتهم.

و في خبر معاذ: جعل اللّٰه حقّه لوليه قال (عليه السّلام)

إنّ اللّٰه لم يسأل خلقه ما في أيديهم قرضاً من حاجة به إلى ذلك، و ما كان للّٰه من حقّ

فإنّما هو لوليه «1»

، هذا إكرام منه تعالى لوليه، و إلّا فوليه (عليه السّلام) لا يحتاج إلى ما في أيدي الناس.

و في مرفوعة الحسين بن محمّد

من زعم أنّ الإمام يحتاج إلى ما في أيدي الناس فهو كافر، إنّما الناس يحتاجون أن يقبل منهم الإمام؛ قال اللّٰه عزّ و جلّ خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا «2».

و قال (عليه السّلام) في خبر ابن بكير

إنّي لآخذ من أحدكم الدرهم و إنّي لَمِن أكثر أهل المدينة مالًا، ما أُريد بذلك إلّا أن تطهّروا «3».

______________________________

(1) الكافي 1: 537/ 3.

(2) الكافي 1: 537/ 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 483، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 1، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 511

[القول فيما يجب فيه الخمس]

اشارة

القول فيما يجب فيه الخمس يجب الخمس في سبعة أشياء (1):

[الأوّل: ما يُغتنم قهراً]

الأوّل: ما يُغتنم قهراً، بل سرقة و غيلة إذا كانتا في الحرب و من شؤونه من أهل الحرب الذين يُستحلّ دماؤهم و أموالهم و سبي نسائهم و أطفالهم (2)؛

______________________________

(1) قال صاحب «المدارك»: هذا الحصر استقرائي مستفاد من تتبّع الأدلّة الشرعية، و ذكر الشهيد في «البيان»: أنّ هذه السبعة كلّها مندرجة في «الغنيمة» «1» انتهى.

أقول: أصل وجوب الخمس من ضروريات الإسلام و منكره كافر، و يدلّ عليه قوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ. إلى آخره، حيث إنّه تعالى نبّه أوّلًا بقوله: «اعلموا» على أهمّية الحكم ثمّ أتى ب «أنّ» المؤكّدة.

(2) أي الكافر الأصلي الغير الذمّي، و يكون الكفر بالإنكار و لو عناداً للّٰه أو النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو المعاد و بالشكّ في ذلك في غير فسحة النظر و بإثبات إله آخر أو نبي

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 360.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 512

..........

______________________________

آخر. و لا يجري الأحكام المذكورة في المتن في سائر أقسام الكفّار، كالمرتدّ الفطري و الملّي غير الناصب و إن شاركوا الأصلي الغير الذمّي في القتل و نجاسة السؤر و حرمة الذبائح و النكاح و عدم التوارث.

و الدليل على وجوب الخمس فيما يغتنم قهراً رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

كلّ شي ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه و أنّ محمّداً رسول اللّٰه فإنّ لنا خمسه، و لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا «1».

و أمّا ما يؤخذ من أهل الحرب سرقة و غيلة فيظهر من «الدروس» أنّه

لآخذه فلا يجب فيه الخمس، قال (رحمه اللّٰه): و يجب في سبعة: الأوّل ما غنم من دار الحرب على الإطلاق إلّا ما غنم بغير إذن الإمام (عليه السّلام) فله (عليه السّلام) أو سرق أو أُخذ غيلة فلآخذه «2»، انتهى.

و قال جماعة بوجوب الخمس فيه من حيث الفائدة فيتعلّق الخمس به بعد المئونة.

و قال جماعة أُخرى و منهم السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» بوجوب الخمس فيه من حيث كونه غنيمة، فلا تخرج مئونة السنة؛ و ذلك لإطلاق الآية.

و فيه: أنّ الاستدلال بالآية يتمّ بناءً على كون الغنيمة عبارة عن مطلق الفائدة، و لكن الغنيمة عبارة عمّا يصيبه المسلمون من الكفّار بالمقاتلة، كما في رواية أبي بصير المذكورة و رواية علي بن الحسين المرتضى في رسالة «المحكم و المتشابه» نقلًا عن «تفسير النعماني» عن علي (عليه السّلام) قال

و أمّا ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق و أسبابها فقد أعلمنا سبحانه ذلك من خمسة أوجه: وجه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 487، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 5.

(2) الدروس الشرعية 1: 258.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 513

إذا كان الغزو معهم بإذن الإمام (عليه السّلام) (3)؛

______________________________

الإمارة و وجه العمارة و وجه الإجارة و وجه التجارة و وجه الصدقات. فأمّا وجه الإمارة فقوله وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ فجعل للّٰه خمس الغنائم و الخمس يجري (يخرج) من أربعة وجوه: من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين و من المعادن و من الكنوز و من الغوص «1».

و مرسلة العبّاس الوَرّاق عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا غزا قوم بغير إذن الإمام (عليه السّلام) فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام (عليه السّلام)، و إذا غزوا بأمر الإمام (عليه السّلام) فغنموا كان للإمام (عليه السّلام) الخمس «2»

، و المرسلة منجبرة.

و قال المصنّف (رحمه اللّٰه) بوجوب الخمس فيما يؤخذ من أهل الحرب سرقة و غيلة إذا كانتا في الحرب و من شؤونه؛ بأن كانتا موجبتين لضعف قوّاهم، و هو المتيقّن في صدق الغنيمة على المأخوذ المذكور، هذا.

و يمكن أن يقال: إنّ الغنيمة مطلق الفائدة، و ما يؤخذ بالمقاتلة و المغالبة مصداق الفائدة.

(3) اشتراط وجوب الخمس في الغنيمة بإذن الإمام (عليه السّلام) إجماعي. و أمّا إذا كان الغزو بغير إذنه في زمن الحضور مع إمكان الاستئذان منه (عليه السّلام) فهو من الأنفال؛ لرواية معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): السرية يبعثها الإمام (عليه السّلام) فيصيبون غنائم، كيف يقسّم؟ قال

إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 489، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 12.

(2) وسائل الشيعة 9: 529، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 16.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 514

من غير فرق بين ما حواه العسكر و ما لم يحوه كالأرض و نحوها على الأصحّ (4).

______________________________

أُخرج منها الخمس لِلّٰه و للرسول و قسّم بينهم ثلاثة أخماس، و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام (عليه السّلام) يجعله حيث أحبّ «1».

و مرسلة العبّاس الورّاق المذكورة.

و هذه المسألة إجماعية عندنا، و قال الشافعي: ما أُخذ من الكفّار بغير إذن الإمام (عليه السّلام) حكمه حكم المأخوذ بإذنه في كونه غنيمة. و قال أبو حنيفة: إنّه لآخذه من

غير خمس.

و إذا كان الغزو في زمن الحضور مع عدم إمكان الاستئذان منه (عليه السّلام) أو كان في زمن الغيبة فهو من الأنفال؛ لرواية معاوية بن وهب و المرسلة المذكورتين. و فصّل السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» بين زمن الحضور و إمكان الاستئذان فالغنيمة للإمام (عليه السّلام)، و بين زمن الغيبة فقال: الأحوط إخراج خمسها من حيث الغنيمة. و قال المصنّف (رحمه اللّٰه) بقوّة وجوب الخمس فيه؛ سيّما إذا كان للدعاء إلى الإسلام، و لعلّه لإطلاق الآية، و مقتضاه وجوب الخمس.

(4) أي من غير فرق بين المنقول و غير المنقول، و هذا القول هو الأصحّ؛ لرواية أبي بصير المذكورة حيث إنّ عموم

كلّ شي ء قوتل عليه

يشمل غير المنقول أيضاً و يصدق عليه الغنيمة؛ فتشمله الآية. و قال في «الجواهر»: لا أعرف فيه خلافاً، و عن «المدارك»: أنّه إجماعي من المسلمين.

و يقابل هذا القول التفصيل بين المنقول ففيه الخمس و غيره، و هذا القول لصاحب «الحدائق» (رحمه اللّٰه) قال: لم أعرف لهذا التعميم دليلًا سوى ظاهر الآية؛ فإنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 515

و أمّا ما اغتُنم بالغزو من غير إذنه، فإن كان في حال الحضور و التمكّن من الاستئذان منه فهو من الأنفال (5)، و أمّا ما كان في حال الغيبة و عدم التمكّن من الاستئذان فالأقوىٰ وجوب الخمس فيه، سيّما إذا كان للدعاء إلى الإسلام (6)،

______________________________

الظاهر من الروايات اختصاص ذلك بالأموال المنقولة، ثمّ أيّد قوله بصحيحة ربعي عن الصادق (عليه السّلام) قال

كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه

و كان ذلك له، ثمّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه. «1»

الخبر. و فيه: أنّ هذه الرواية و إن اختصّ موردها بالمنقول إلّا أنّه لا يصلح لتقييد إطلاق الآية و لا لتخصيص عموم رواية أبي بصير و نحوها.

(5) كونه من الأنفال مشهور شهرة عظيمة، و ادّعى الحلّي (رحمه اللّٰه) كونه إجماعياً، و قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «المنتهي»: كلّ من غزا بغير إذن الإمام (عليه السّلام) إذا غنم كانت غنيمته للإمام (عليه السّلام) عندنا. و نسب في «المستمسك» إلى بعضٍ قوّة المساواة بين المأذون فيه منه (عليه السّلام) و غيره في لزوم الخمس؛ لصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة، قال

يؤدّي خمسها و يطيب له «2»

، و فيه: أنّ الرواية ليست ظاهرة في كون الغزو بغير إذن الإمام (عليه السّلام).

(6) و ذلك كما تقدّم لإطلاق الآية و رواية أبي بصير. و مرسلة الورّاق الدالّة على اشتراط وجوب الخمس بإذن الإمام (عليه السّلام) محمول على صورة التمكّن من الإذن.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 510، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 9: 488، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 516

و كذا ما اغتُنم منهم عند الدفاع إذا هجموا على المسلمين في أماكنهم و لو في زمن الغيبة (7)،

______________________________

و فصّل في «الحدائق» بين ما إذا كان الحرب للدعاء إلى الإسلام فالغنيمة للإمام (عليه السّلام) و لا خمس، و ما كان للقهر و الغلبة وجب الخمس؛ لظهور المرسل في خصوص ما كان الغزو للدعاء إلى الإسلام، و

في غيره يرجع إلى عموم الآية. و فيه: أنّ الظهور المدّعىٰ ممنوع، و الغزو غير منصرف إلى ما كان للدعاء إلى الإسلام.

(7) و ذلك لعموم قوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ. «1» إلى آخره، و لعموم رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام)

كلّ شي ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه. «2»

إلى آخره، حيث إنّ المقاتلة يشمل الدفاع و الهجوم كليهما.

و لذا قال السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» في المسألة الاولى بصدق الغنيمة حتّى على المأخوذ من الكفّار بالسرقة و الغيلة، و إطلاق رواية علي بن الحسين في رسالة «المحكم و المتشابه» نقلًا من «تفسير النعماني» عن علي (عليه السّلام) قال

الخمس يجري (يخرج) من أربعة وجوه: من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين. «3»

الخبر، حيث إنّ الإصابة على الغنيمة يشمل الدفاع و الهجوم كليهما، و غلبة الهجوم لا تصلح للتقييد.

______________________________

(1) الأنفال (8): 41.

(2) وسائل الشيعة 9: 487، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 9: 489، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 12.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 517

و ما اغتنم منهم بالسرقة و الغيلة غير ما مرّ و كذا بالربا و الدعوى الباطلة و نحوها، فالأحوط إخراج الخمس منها من حيث كونه غنيمة لا فائدة، فلا يحتاج إلىٰ مراعاة مئونة السنة، و لكن الأقوىٰ خلافه (8). و لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنيمة بلوغها عشرين ديناراً على الأصحّ (9). نعم يعتبر فيه أن لا يكون غصباً من مسلم أو ذمّي أو معاهد و نحوهم من محترمي المال (10).

______________________________

(8) هل وجوب

الخمس في المأخوذ من الكفّار بالسرقة و الغيلة اللتين لم تكونا في الحرب، أو كانتا فيه و لكن لم تكونا من شؤون الحرب و بالمعاملة الربوية و الدعوى الباطلة من باب الغنيمة كما اختاره جماعة من فقهائنا؛ و ذلك لإطلاق الآية و رواية أبي بصير أو من باب الفائدة؟

الأقوى أنّه من باب الفائدة لا من باب الغنيمة؛ لأنّ الغنيمة هي الحاصلة في المقاتلة و الغلبة. نعم مقتضى الاحتياط كونه من باب الغنيمة؛ لاحتمال كون المراد من الغنيمة مال الكافر الحاصل للمسلم من أيّ طريق، و الغالب في حصوله طريق المقاتلة، و لا دخالة له في حكم الغنيمة كما في مال الناصب، و سيجي ء حكمه. و كيف كان: فبناءً على كونه غنيمة لا يستثني مئونة السنة، و على كونه فائدة يستثنىٰ.

(9) و ذلك لإطلاق الأدلّة، و في «الجواهر»: و لا أعرف فيه خلافاً سوى ما يحكى عن ظاهر «عزّية» المفيد (رحمه اللّٰه) من اشتراط بلوغ مقدار عشرين ديناراً، و هو ضعيف جدّاً لا نعرف له موافقاً و لا دليلًا، بل هو على خلافه متحقّق «1»، انتهى.

(10) و ذلك لأدلّة احترام أموالهم؛ فلا يحلّ أموالهم لأحدٍ بغير إذنهم، فيجب ردّها إليهم إذا علم قبل القسمة. و أمّا إذا علم بعد القسمة ففي المسألة قولان: الأوّل

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 13.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 518

بخلاف ما كان في أيديهم من أهل الحرب، و إن لم يكن الحرب معهم في تلك الغزوة (11). و الأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم و تعلّق الخمس به، بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد و بأيّ نحو كان، و وجوب إخراج خمسه (12).

______________________________

أنّها

للغانمين و يغرم الإمام (عليه السّلام) قيمته على مالكه، و الثاني: أنّها تردّ إلى مالكها و الإمام (عليه السّلام) يردّ إلى الغانمين قيمته، و الثاني هو المعتبر.

(11) صورة المسألة أن يكون كلّ من الغاصب و المغصوب منه حربياً و لا احترام للمال المغصوب و كان حرب المسلمين فعلًا مع الحربي الغاصب دون المغصوب منه؛ فغنم المسلمون مال الحربي المغصوب منه من الحربي الغاصب، فهذا المال أيضاً غنيمة يجب الخمس فيه.

و الظاهر: أنّ المسألة ممّا لا خلاف فيه. و يدلّ عليه إطلاق آية الخمس و النصوص، كصحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف يقسّم؟ قال

إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أُخرج منها الخمس لِلّٰه و للرسول و قسّم بينهم ثلاثة أخماس، و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ «1»

، و مثله مرسلة الورّاق «2».

(12) أمّا جواز أخذ مال الناصب و وجوب الخمس فيه: فيدلّ عليه صحيحة ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

خذ مال الناصب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 9: 529، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 16.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 519

..........

______________________________

حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس «1».

و رواية إسحاق بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

مال الناصب و كلّ شي ء يملكه حلال، إلّا امرأته فإنّ نكاح أهل الشرك جائز؛ و ذلك أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: لا تسبّوا أهل الشرك فإنّ لكلّ

قوم نكاحاً، و لو لا أنّا نخاف عليكم أن يقتل رجل منكم برجل منهم و رجل منكم خير من ألف رجل منهم لأمرناكم بالقتل لهم، و لكن ذلك إلى الإمام «2».

و لا يخفى: أنّ القول بأنّ المراد من الناصب من نصب الحرب، لا يعتنى به؛ لكونه خلاف الاصطلاح.

و هنا مسائل لا بأس بالإشارة إليها: منها: أنّ الخمس يتعلّق بالغنيمة بعد إخراج المؤن التي أُنفقت بعد تحصيل الغنيمة من مخارج الحفظ و الحمل و الرعي في الحيوانات و نحوها، و هو مقتضى العدل. و في «الجواهر»: بل هو قضية ما تسمعه فيما يأتي من عموم ما دلّ على تأخّر الخمس عن المئونة الشامل لما هنا في وجه «3»، انتهى. نظره (رحمه اللّٰه) إلى رواية علي بن مهزيار عن محمّد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السّلام): أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطّه

الخمس بعد المئونة «4».

و فيه: أنّ الاستدلال المزبور مبني على شمول الاستفادة للغنيمة، و هو كما ترى حيث إنّ الفائدة مقابل للغنيمة كما في رواية أُخرى عن ابن مهزيار، قال (عليه السّلام):

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 487، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 15: 80، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ و ما يناسبه، الباب 26، الحديث 2.

(3) جواهر الكلام 16: 10.

(4) وسائل الشيعة 9: 499، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 520

..........

______________________________

فأمّا الغنائم و الفوائد.

إلى أن قال (عليه السّلام)

فالغنائم و الفوائد يرحمك

اللّٰه فهي الغنيمة يغنمها المرء، و الفائدة يفيدها، و الجائزة من الإنسان للإنسان. «1»

إلى آخره. فتحصّل: أنّ المراد من المئونة، مئونة الفائدة قبل تحصيلها، و هي غير مستثناة في الغنيمة.

و منها: أنّ الخمس يتعلّق بالغنيمة بعد إخراج ما جعله الإمام (عليه السّلام) لمصلحة من المصالح، فما جعله الإمام (عليه السّلام) لمصلحة لا يصدق عليه الغنيمة و يدخل في الفائدة و يتعلّق به الخمس بناءً على تعلّقه لمطلق الفائدة.

و منها: أنّ الخمس يتعلّق بالغنيمة بعد إخراج صفاياها، كالجارية الروقة و المركب الفاره و السيف القاطع و الدرع، فإنّها للإمام (عليه السّلام)، و كذا قطائع الملوك؛ لمرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح (عليه السّلام) في حديث قال

و للإمام (عليه السّلام) صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها الجارية الفارهة و الدابّة الفارهة و الثوب و المتاع ممّا يحبّ أو يشتهي فذلك له قبل القسمة و قبل إخراج الخمس.

«2» الخبر، و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن صفو المال، قال

الإمام يأخذ الجارية الروقة و المركب الفاره و السيف القاطع و الدرع قبل أن تقسّم الغنيمة، فهذا صفو المال «3».

و منها: أنّ من الغنيمة الفداء الذي يؤخذ من أهل الحرب، بل الجزية المبذولة للسرية إذا كان بالمقاتلة و الغلبة كفداء الأسير فهو بدل الغنيمة، و كذلك ما صولحوا عليه؛ و ذلك لصدق الغنيمة على هذه المذكورات.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 9: 528، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 15.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة

و الخمس، ص: 521

[الثاني: المعدن]

اشارة

الثاني: المعدن، و المرجع فيه العرف (13)، و منه الذهب، و الفضّة، و الرصاص، و الحديد، و الصفر، و الزئبق، و أنواع الأحجار الكريمة، و القير، و النفط، و الكبريت، و السبخ، و الكحل، و الزرنيخ، و الملح، و الفحم الحجري، بل و الجصّ، و المغرة، و طين الغسل و الأرمني على الأحوط (14).

______________________________

(13) في «القاموس» و «نهاية» ابن الأثير: أنّ المعدِن كالمجلِس وزناً هو منبت الجواهر من ذهب و نحوه، و الجوهر كلّ حجر يستخرج منه شي ء ينتفع به. و في «التذكرة»: المعادن كلّ ما خرج من الأرض ممّا يخلق فيها من غيرها؛ سواء كان منطبعاً بانفراده يقال: طبع و انطبع السيف عمله و صاغه كالرصاص و الصفر و النحاس و الحديد، أو مع غيره كالزيبق، أو لم يكن منطبعاً كالياقوت و الفيروزج و البلخش و العقيق و البلّور و الشبه النحاس الأصفر و الكحل و الزاج و الزرنيخ و المُغرة و الملح، أو كان مائعاً كالقير و النفط و الكبريت مادّة معدنية صفراء شديدة الاتقاد عند علمائنا أجمع «1» انتهى.

(14) يعني أنّ الأحوط كونه من المعدن فيجب الخمس فيه، من دون اعتبار الزيادة عن مئونة السنة. و في «العروة الوثقى»: و إن كان الأقوى اعتبار الزيادة المذكورة و أنّ الخمس فيها لكونها فائدة و من أرباح المكاسب. و فيه: أنّه يصدق على المذكورات أنّها معدن عرفاً و يدور الحكم مداره على الأقوى، فلا يعتبر مئونة السنة.

و الدليل على وجوب الخمس في المعدن مضافاً إلى الإجماع بقسميه و ظاهر «الغنية» و «الجواهر» نفي الخلاف بين المسلمين في معدن الذهب و الفضّة

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 409.

مدارك تحرير الوسيلة -

الزكاة و الخمس، ص: 522

و ما شُكّ أنّه منه لا يجب فيه الخمس من هذه الجهة (15). و يعتبر فيه بعد إخراج مئونة الإخراج و التصفية بلوغه عشرين ديناراً (16)

______________________________

صحيحة ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن معادن الذهب و الفضّة و الصفر و الحديد و الرصاص، فقال

عليها الخمس جميعاً «1»

، و صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الكنز كم فيه؟ قال

الخمس

، و عن المعادن كم فيها؟ قال

الخمس

، و عن الرصاص و الصفر و الحديد و ما كان من المعادن كم فيها؟ قال

يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب و الفضّة «2»

، و هذه الرواية أوسع من الاولى. و قال الشافعي: لا يجب في المعادن شي ء إلّا الذهب و الفضّة فإنّ فيهما الزكاة، و قال أبو حنيفة: كلّما ينطبع مثل الحديد و الرصاص و الذهب و الفضّة ففيه الخمس، و ما لا ينطبع فليس فيه شي ء مثل الياقوت و الزمرّد، و للعامّة في المعادن أقوال أُخر، فراجع «الخلاف» «3».

(15) لأنّ الأصل عدم تملّك الخمس ما لم يصدق اسم المعدن عليه عرفاً، و لعموم ما دلّ على الملك بالحيازة. نعم يجب فيه الخمس من جهة كونه من أرباح المكاسب؛ فيعتبر الزيادة عن مئونة السنة.

(16) و الدليل على استثناء مئونة الإخراج و التصفية هو الإجماع. و أمّا النصوص الدالّة على استثناء المئونة فيمكن أن يقال: إنّها مختصّة بخمس الفائدة التي يستثني منها مئونة نفسه و عياله؛ فلا تشمل استثناء مئونة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 491، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 492، كتاب الخمس، أبواب ما يجب

فيه الخمس، الباب 3، الحديث 2.

(3) الخلاف 2: 116 117.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 523

أو مائتي درهم عيناً أو قيمة على الأحوط. و لو اختلفا في القيمة يلاحظ أقلّهما على الأحوط، و تلاحظ القيمة حال الإخراج (17)،

______________________________

الإخراج، فراجع «وسائل الشيعة» «1».

و الدليل على اشتراط بلوغ المعدن عشرين ديناراً في وجوب الخمس صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عمّا أُخرج المعدن يخرج من المعدن من قليل أو كثير، هل فيه شي ء؟ قال

ليس فيه شي ء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً «2».

و أمّا ما دلّ على اعتبار بلوغه ديناراً كرواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن محمّد بن علي بن أبي عبد اللّٰه عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضّة هل فيها زكاة؟ فقال

إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس «3»

، فلا يعارض الصحيحة الدالّة على اعتبار عشرين ديناراً؛ لكون محمّد بن علي بن أبي عبد اللّٰه مجهولًا. و على فرض اعتبار سنده لرواية البزنطي هو أحمد بن محمّد بن أبي نصر، لقي الرضا (عليه السّلام) و الجواد (عليه السّلام) و كان عظيم المنزلة عندهما، و هو من أصحاب الإجماع عنه لا يعارض أيضاً الصحيحة؛ لكون مضمون الصحيحة موافقاً للمشهور، بل في «الرياض»: أنّها كادت أن تكون إجماعياً، و قال صاحب «الوسائل»: إنّ اشتراط بلوغ الدينار إنّما هو في الغوص لا في المعدن.

(17) الاكتفاء على مائتي درهم حتّى في الفضّة فضلًا عن غيرها يجزي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه

الخمس، الباب 8، الحديث 2- 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 494، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 4، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 493، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 524

و الأحوط الأولىٰ إخراجه من المعدن البالغ ديناراً بل مطلقاً، بل لا ينبغي تركه (18).

______________________________

بناءً على مساواته بعشرين ديناراً، و إلّا ففيه إشكال. منشأ الإشكال قوله (عليه السّلام) في صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر

حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً

، نعم هو أحوط، كما أنّ الأحوط ملاحظة أقلّ القيمتين فيما اختلفا قيمةً.

(18) لا يخفى: أنّ في المسألة أقوالًا ثلاثة:

الأوّل: عدم اعتبار النصاب في المعدن، و استدلّ عليه بإطلاق النصوص. و ذهب إليه الشيخ (رحمه اللّٰه) في «الخلاف» و «الاقتصاد»؛ قال في «الخلاف»: و لا يراعى فيها النصاب (الزكاة خ. ل) «1»، انتهى. و نقل عن ابن برّاج و ابن إدريس مدّعياً عليه الإجماع حيث قال: إجماعهم منعقد على وجوب إخراج الخمس من المعادن جميعها على اختلاف أجناسها؛ قليلًا كان أو كثيراً، ذهباً كان أو فضّة، من غير اعتبار مقدار، و هذا إجماع منهم بغير خلاف. و نقل عن ابن جنيد و ابن أبي عقيل و المفيد و السيّد المرتضى و ابن زهرة و سلّار أنّهم أطلقوا وجوب الخمس.

الثاني: اعتبار بلوغه ديناراً واحداً، رواه الصدوق في «المقنع» «2» و «الفقيه» «3» و المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» «4»؛ و هي رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر المذكورة سابقاً «5».

______________________________

(1) الخلاف 2: 119/ مسألة 142.

(2) المقنع: 172.

(3) الفقيه 2: 21/ 72.

(4) المقنعة: 283.

(5) وسائل الشيعة 9: 493،

كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 525

و لا يعتبر الإخراج دفعة على الأقوىٰ، فلو أُخرج دفعات و بلغ المجموع النصاب وجب خمس المجموع؛ حتّى فيما لو أخرج أقلّ منه و أعرض ثمّ عاد و أكمله على الأحوط لو لم يكن الأقوىٰ (19).

______________________________

الثالث: اعتبار بلوغه عشرين ديناراً.

و القول الأوّل مردود بأنّ إطلاق النصوص مقيّد بصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر «1»، و الإجماع منتفٍ بما ذكر في «المختلف» بقوله: و كيف يدّعى الإجماع من مثل ابن بابويه و الشيخ و أبي الصلاح و غيرهم.

و الثاني أيضاً مردود بأنّ رواية محمّد بن علي بن أبي عبد اللّٰه لا اعتبار بها لجهالته. فتعيّن القول الثالث؛ و هو المختار.

و احتمل صاحب «الوسائل» (رحمه اللّٰه) حمل خبر اعتبار الدينار الواحد على الاستحباب، و نسبه صاحب «الحدائق» (رحمه اللّٰه) إلى الأكثر، و قال الإمام الخميني (رحمه اللّٰه) باستحباب إخراج الخمس من دون اعتبار المقدار أصلًا.

(19) لظاهر النصوص الدالّة على وجوب الخمس في المعدن حيث إنّها لم يقيّد باشتراط عدم تخلّل الإعراض بين الدفعات، و شرط العلّامة (رحمه اللّٰه) في «المنتهي» و «التذكرة» و «التحرير» أن لا يكون بين الدفعات إعراض؛ فلو أهمله معرضاً ثمّ أخرج بعد ذلك لم يضمّ. و فيه: أنّه لا دليل على هذا الاشتراط، و اختاره السيّد الحكيم (رحمه اللّٰه) في «المستمسك» «2» مدّعياً بأنّ الإطلاق مقيّد بما دلّ على اعتبار النصاب، حيث إنّ ظاهره اعتباره في كلّ دفعة، و قال: إنّ مجرّد الإعراض غير

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 494، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 4، الحديث 1.

(2) مستمسك العروة الوثقى

9: 460.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 526

و لو اشترك جماعة في استخراجه، فالأقوى اعتبار بلوغ نصيب كلّ واحد منهم النصاب؛ و إن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ المجموع ذلك (20).

______________________________

مخلّ، بل لا بدّ في إخلاله من مدّة طويلة بحيث يعدّ العود إليه ثانياً عملًا ابتدائياً مستأنفاً لا إدامة للعمل الذي شرع به أوّلًا.

(20) و هو المختار؛ و ذلك حملًا له على الزكاة، و قال السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» و الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه) في رسالته و النراقي في «المستند» بتعلّق الخمس به إذا بلغ نصيب المجموع النصاب؛ و ذلك لإطلاق صحيح البزنطي.

و أمّا اعتبار بلوغ نصيب كلّ من الشركاء النصاب في وجوب الزكاة فيدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع بقسميه المدّعىٰ في «الجواهر» خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام): قلت له مائتي درهم بين خمسة أُناس أو عشرة حال عليها الحول و هي عندهم، أ تجب عليهم زكاتها؟ قال (عليه السّلام)

لا، هي بمنزلة تلك يعني جوابه في الحرث ليس عليهم شي ءٌ حتّى يتمّ لكلّ إنسان منهم مائتا درهم

، قلت: و كذا في الشاة و الإبل و البقر و الذهب و الفضّة و جميع الأموال؟ قال (عليه السّلام)

نعم «1».

و كم من فرق بين «الحدائق» و «المستمسك» في اشتراط بلوغ نصيب كلّ من الشركاء مقدار النصاب حيث إنّ الأوّل قال: إنّ ظاهر النصّ العدم، و الثاني قال: بأنّه غير بعيد أن يدّعى ظهور صحيحة البزنطي أحمد بن محمّد بن أبي نصر في اعتبار بلوغ نصيب كلّ واحد النصاب.

و لا يخفى: أنّ الاشتراك لا يشمل ما كان أحد الأفراد حائزاً و الآخر ناقلًا و الثالث سابكاً فيما كان الأخيران آخذين الأُجرة من

الأوّل، بل يتعلّق حينئذٍ بالأوّل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 151، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 5، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 527

و لو اشتمل معدن واحد علىٰ جنسين أو أزيد، كفىٰ بلوغ قيمة المجموع نصاباً على الأقوىٰ. و لو كانت معادن متعدّدة لا يُضمّ بعضها إلىٰ بعض على الأقوىٰ و إن كانت من جنس واحد. نعم لو عدّت معدناً واحداً تخلّل بين أبعاضها الأجزاء الأرضيّة يضمّ بعض إلىٰ بعض (21).

______________________________

(21) وجه كفاية بلوغ المجموع نصاباً أصالة عدم وجوب الخمس فيما لم يبلغ النصاب في كلّ واحدٍ من المستخرجات من المعادن، مضافاً إلى انسباق الواحد من الأدلّة؛ خصوصاً صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عمّا أُخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي ء؟ قال

ليس فيه شي ء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً «1»

، فالظاهر منه استخراج القليل أو الكثير البالغ عشرين ديناراً من معدن واحد؛ سواء كان من جنس واحد أو من جنسين، بخلاف ما كان المعدن أكثر من واحد. فالمستخرج من كلّ واحد من المعادن المتعدّدة يحسب بلوغه مقدار النصاب في نفسه مستقلا و إن كان من جنس واحد، كأن استخرج من معدن ذهب و من معدن آخر ذهب أيضاً أو فضّة أو غيرهما و كان مجموع المستخرجات بالغاً عشرين ديناراً أو أزيد بمراتب، و لكن المستخرج من كلّ واحدٍ واحدٍ لم يبلغ ذلك الحدّ لم يجب الخمس إلّا أن يعدّ كلّها معدناً واحداً عرفاً تخلّل بينها الأجزاء الأرضية، هذا.

و نسب في «الجواهر» إلى أُستاده كاشف الغطاء (رحمه اللّٰه) تبعاً ل «المسالك» و «المدارك» عدم الفرق

بين ما يخرج من معدن واحد أو معادن متعدّدة إذا بلغ مجموع الخارج منها نصاباً؛ تمسّكاً لإطلاق الأدلّة. و فيه: أنّ المنسبق من الإطلاق

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 494، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 4، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 528

[ (مسألة 1): لا فرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين كونه في أرض مباحة أو مملوكة]

(مسألة 1): لا فرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين كونه في أرض مباحة أو مملوكة (22)؛

______________________________

كما ذكرنا هو المتّحد. نعم الأحوط إخراج خمس المجموع البالغ مقدار النصاب.

فرع: لا يجزي إخراج خمس التراب أو الحجر المسبوك منهما الجوهر؛ و ذلك لجواز الاختلاف في الجوهر أي اختلاف جوهر خمس التراب بجوهر الأربعة الأخماس و مع العلم بالتساوي يجزي فيما كان الخمس المزبور قابلًا لاستخراج الجوهر منه، هذا.

و في «الجواهر»: لكن قد يشكل بظهور صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال

كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس

، و قال

ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج اللّٰه سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس «1»

، في تعلّق الخمس بعد التصفية و ظهور الجوهر «2»، انتهى. و من المحتمل أن يكون المراد أنّ الواجب هو خمس المصفّى لا خمس التراب و الحجر و أنّ التصفية ليست شرطاً لوجوب الخمس.

(22) اختلف فقهاؤنا في ملك المعادن: فقال جماعة منهم المفيد و الشيخ إنّ المعادن كلّها من الأنفال و إنّها للإمام (عليه السّلام)، و استدلّوا له بموثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الأنفال، فقال

هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها، فهي لِلّٰه و للرسول، و ما كان للملوك فهو للإمام (عليه السّلام)، و ما كان من الأرض بخربة لم

يوجف عليه بخيل و لا ركاب و كلّ أرض لا ربّ لها و المعادن منها و من

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 492، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 3.

(2) جواهر الكلام 16: 21.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 529

..........

______________________________

مات و ليس له مولى فماله من الأنفال «1».

الاستدلال بهذه الرواية على القول المذكور يتمّ بناءً على عود ضمير «منها» في قوله: «و المعادن منها» إلى «الأنفال». و من المحتمل أن يعود إلى «الأرض»؛ فحينئذٍ لا يكون المعادن كلّها من الأنفال بل خصوص المعادن الكائنة في الأراضي المذكورة في الرواية، تأمّل.

و رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

لنا الأنفال

، قلت: و ما الأنفال؟ قال (عليه السّلام)

منها المعادن و الآجام و كلّ أرض لا ربّ لها و كلّ أرض باد أهلها فهو لنا «2».

و رواية داود بن فرقد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: قلت: و ما الأنفال؟ قال

بطون الأودية و رؤوس الجبال و الآجام و المعادن. «3»

إلى آخره.

و لا يخفى: أنّ المعادن و المياه و البحار و البراري و القفار و الآجام و المفاوز و الجبال و الأراضي الموات و نحوها من الأنفال و أنّها من الأموال العمومية المربوطة بالحكومة الإسلامية تصرف منافعها في المصالح العامّة، و كلّ هذه الأُمور للإمام (عليه السّلام) و لا يملكها أحد، و الإنسان يملك الأرض بمرافقها و توابعها المتعارفة لا من تخوم الأرض إلى عنان السماء بحيث لو قال: أنا غير راضٍ بطيران الطائرات من فضاء ملكي لا يسمع قوله، و كذا لو قال: أنا غير راضٍ بإجراء المياه المذخورة تحت أرضي المملوكة لي بوسائط فعلية.

و يمكن أن

يقال: إنّ الأراضي أيضاً كذلك؛ فالإنسان يملك ما أحياه ما دام حيّاً، و بعد زوال آثار الحياة تعود الأرض إلى حالتها الاولى و أنّها للّٰه يورثها من

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 531، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 20.

(2) وسائل الشيعة 9: 533، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 28.

(3) وسائل الشيعة 9: 534، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 32.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 530

..........

______________________________

يشاء من عباده، و قد وردت به روايتان صحيحتان لمعاوية بن وهب «1» و أبي خالد الكابلي «2» و سيجي ء تفصيله و تحقيقه في الأنفال، فانتظر.

و قال جماعة أُخرى منهم المحقّق و الشهيد إنّها من المباحات الأصلية و كلّ الناس فيها شرع سواء. و استدلّ عليه في «الجواهر» في كتاب إحياء الموات بالشهرة و بالسيرة المستمرّة في جميع الأعصار و الأمصار و في زمن الأئمّة (عليهم السّلام) حتّى في أزمنة بسط أيديهم (عليهم السّلام) على أنّ الناس كانوا يستخرجون المعادن من الأرض حتى من الأراضي الموات و المفتوحة عنوة بلا إذن منهم (عليهم السّلام) من غير نكير منهم (عليهم السّلام) على المستخرجين، و بقوله تعالى خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً، و بأنّ الناس يحتاجون إلى المعادن كاحتياجهم إلى الماء و الكلاء، و بأنّ الأصل في الأشياء الإباحة، و بأنّ وجوب الخمس في المعادن يقتضي كونها بعد إخراج خمسها مباحاً لهم؛ لأنّها لو لم تكن مباحة لا يكون معنىً لوجوب الخمس عليهم «3».

و فيه: أنّ الشهرة المدّعاة غير ثابتة مع مخالفة أمثال المفيد (رحمه اللّٰه) و الشيخ (رحمه اللّٰه)، و أنّ السيرة على الإباحة لا تنافي الإذن و الإباحة منهم (عليهم السّلام) لشيعتهم؛

فتكون من الأنفال التي أباحوا لشيعتهم بأُجرة أو بلا اجرة حسب ما يراه الحاكم من المصالح، و لعلّ جعل الخمس في المعادن أيضاً من هذا القبيل؛ أي أذنوا (عليهم السّلام) و أباحوا المعادن و جعلوا (عليهم السّلام) فيها الخمس لمصالح المسلمين.

و قال الحلبي و جماعة: إنّ المعادن تتبع الأرض؛ فما كان في أراضي الأنفال

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 414، كتاب إحياء الموات، الباب 3، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 25: 414، كتاب إحياء الموات، الباب 3، الحديث 2.

(3) جواهر الكلام 38: 108 109.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 531

و إن كان الأوّل لمن استنبطه، و الثاني لصاحب الأرض و إن أخرجه غيره، و حينئذٍ إن كان بأمر من مالكها يكون الخمس بعد استثناء المئونة، و منها اجرة المخرج إن لم يكن متبرّعاً، و إن لم يكن بأمره يكون المخرج له و عليه الخمس من دون استثناء المئونة؛ لأنّه لم يصرف مئونة، و ليس عليه ما صرفه المخرج (23). و لو كان المعدن في أرض مفتوحة عنوة، فإن كان في معمورتها حال الفتح التي هي للمسلمين، و أخرجه أحد منهم ملكه، و عليه الخمس إن كان بإذن والي المسلمين (24)،

______________________________

تكون من الأنفال كما هو المحتمل في رواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة و ما كان في الأراضي المفتوحة عنوة تتبعها حكماً، و ما كان في الأراضي التي هي أملاك للأشخاص يكون لهم. قال المحقّق (رحمه اللّٰه) في «الشرائع» في كتاب إحياء الموات: لو أحيى أرضاً فظهر فيها معدن ملكه تبعاً لها؛ لأنّه من أجزائها «1».

و لا يخفى: أنّ هذا القول لا بأس من المسير إليه مع الإذن من الإمام (عليه السّلام) أو من وليّ الأمر،

و الأظهر في الأرض المملوكة الشخصية أنّ المالك أحقّ باستخراج المعدن بإذن الحاكم.

(23) لأنّ ما صرفه المخرج إذا لم يكن بإذن من مالك لم يكن مضموناً على المالك للمخرج؛ لعدم الدليل على الضمان.

(24) لقائل أن يقول: كما أنّ الأرض المعمورة حال الفتح عنوة ملك للمسلمين فكذلك المعدن المستخرج منها يكون ملكاً لهم؛ فلا يكون ملكاً للمستخرج، كما أنّ المعدن المستخرج في أرض مملوكة لمالك معيّن يكون له.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 3: 222.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 532

و إلّا فمحلّ إشكال (25)، كما أنّه لو أخرجه غير المسلمين ففي تملّكه إشكال. و إن كان في مواتها حال الفتح يملكها المخرج (26)، و عليه الخمس و لو كان كافراً كسائر الأراضي المباحة (27)،

______________________________

و في «الجواهر» قطع بكونه ملكاً لمستخرجه؛ لأنّ معدن الأرض المفتوحة عنوة المعمورة في حكم معدن الأرض الموات.

و لا يخفى: أنّ السيرة المستمرّة القائمة على استخراج الناس المعادن لرفع حوائجهم من أراضي الموات و المعمورة حال الفتح عنوة تقتضي كونها للمستخرج لا تبعيته للأرض، و لكن المتيقّن الاكتفاء بصورة الإذن منهم (عليهم السّلام) أو من الحاكم.

(25) وجه الإشكال: أنّه لمّا كانت الموات للإمام (عليه السّلام) و كان ملكه للمحيي مقصوراً على صورة الإذن منه (عليه السّلام) فكذلك ما في حكمها من المعمورة حال الفتح كانت للمسلمين، و المتيقّن من كونه لخصوص المخرج هو ما كان بإذنه (عليه السّلام).

(26) أي في المسألة وجهان: الأوّل أنّ نفس الأرض المعمورة ملك للمسلمين، فكيف يكون المخرج منها ملكاً لغيرهم؟! الثاني: أنّ الناس كلّهم مسلماً كان أو كافراً شرع سواء، إلّا أن يقال: إنّ السيرة قائمة في المسلم دون الكافر؛ و لذا حكي عن الشيخ منع الذمّي

عن العمل في المعدن، لكنّه لم يقم دليل على منع الذمّي عنه و لم يثبت السيرة في نفي الكافر؛ فتملّك الكافر إذا كان استخراجه بإذن وليّ المسلمين لا يخلو عن قرب.

(27) و ذلك لأنّ أراضي الموات من الأنفال و زمامها بيد الحاكم، فإذا رأى حاكم المسلمين المصلحة في تمليك نفس الأرض الموات للكفّار فيملكونها، فكذلك معدنها فيملكه المستخرج و لو كان كافراً. هذا، مضافاً إلى عموم أدلّة

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 533

و لو استنبط المعدن صبيّ أو مجنون تعلّق الخمس به على الأقوىٰ (28)، و وجب على الوليّ إخراجه (29).

[ (مسألة 2): قد مرّ: أنّه لا فرق في تعلّق الخمس بما خرج عن المعدن؛ بين كون المخرج مسلماً أو كافراً]

(مسألة 2): قد مرّ: أنّه لا فرق في تعلّق الخمس بما خرج عن المعدن؛ بين كون المخرج مسلماً أو كافراً بتفصيل مرّ ذكره، فالمعادن التي يستخرجها الكفّار من الذهب و الفضّة و الحديد و النفط و الفحم الحجري و غيرها يتعلّق بها الخمس، و مع بسط يد والي المسلمين يأخذه منهم (30)، لكن إذا انتقل منهم إلى الطائفة المحقّة لا يجب عليهم تخميسها؛ حتّى مع العلم بعدم التخميس، فإنّ الأئمّة (عليهم السّلام) قد أباحوا لشيعتهم خُمس الأموال غير المخمّسة، المنتقلة إليهم ممّن لا يعتقد وجوب الخمس؛ كافراً كان أو مخالفاً، معدناً كان المتعلَّق أو غيره من ربح التجارة و نحوه (31).

______________________________

الحيازة لغير المسلم أيضاً.

(28) و ذلك لأنّ الخمس من الأحكام الوضعية كالضمان لا يشترط فيها التكليف، هذا. مضافاً إلى إطلاق أدلّة الخمس.

(29) وجوبه على الوليّ بدون مطالبة أولياء الخمس محلّ تأمّل. نعم توقّف تصرّف الوليّ في أموال الصبي و المجنون لمصلحتهما يقتضي تخلّص أموالهما من مال الغير كالديون، و كذلك رعاية حقوق أولياء الخمس أيضاً يقتضي وجوب إخراجه على الوليّ.

(30)

و ذلك لولاية الوالي على الأخذ منهم.

(31) و ذلك لروايات أوردها صاحب «الوسائل» في الباب الرابع من أبواب الأنفال، فراجع «1» و خصوص الرواية عن الحسن بن علي العسكري (عليه السّلام) في تفسيره

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 1 و 5 و 6 و 8 و 9 و 10 و 16 و 19.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 534

نعم لو وصل إليهم ممّن لا يعتقد الوجوب في بعض أقسام ما يتعلّق به الخمس من الإماميّة اجتهاداً أو تقليداً أو يعتقد عدم وجوبه مطلقاً بزعم أنّهم (عليهم السّلام) أباحوه مطلقاً لشيعتهم ما يتعلّق به الخمس، يجب عليهم التخميس مع عدم تخميسه (32).

______________________________

عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السّلام)

إنّه قال لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): قد علمتُ يا رسول اللّٰه أنّه سيكون بعدك ملك غضوض و جبر فيستولى على خمسي من السبي و الغنائم و يبيعونه فلا يحلّ لمشتريه؛ لأنّ نصيبي فيه، فقد وهبتُ نصيبي منه لكلّ من ملك شيئاً من ذلك من شيعتي لتحلّ لهم منافعهم من مأكل و مشرب و لتطيب مواليدهم و لا يكون أولادهم أولاد حرام. قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): ما تصدّق أحدٌ أفضل من صدقتك، و قد تبعك رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في فعلك؛ أُحلّ الشيعة كلّ ما كان فيه من غنيمة و بيع من نصيبه على واحد من شيعتي و لا أُحلّها أنا و لا أنت لغيرهم «1».

(32) الموصول فاعل قوله «وصل» و قوله «يجب» جزاء «لو». و صورة المسألة: أنّه إذا انتقل مال من زيد

إلى عمرو و كان اعتقاد زيد اجتهاداً أو تقليداً أنّ هذا المال لا يتعلّق به الخمس كالهدية و الجائزة و المعدن الغير البالغ عشرين ديناراً مثلًا و عمرو المنتقل إليه هذا المال يعتقد كذلك أنّه وجب فيه الخمس، يجب عليه التخميس مع عدم تخميس الناقل؛ و ذلك لأدلّة وجوب الخمس في الأشياء التي هي متعلَّق الخمس باعتقاده، خرج منها ما انتقل إليه من غير الشيعة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 552، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 20.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 535

نعم مع الشكّ في رأيه لا يجب عليه الفحص و لا التخميس مع احتمال أدائه، و لكن مع العلم بمخالفة رأيهما فالأحوط بل الأقوىٰ التجنّب حتّى يخمّس (33).

[الثالث: الكنز]

الثالث: الكنز، و المرجع في تشخيص مسمّاه العرف (34)،

______________________________

و بقي الباقي. و سيجي ء التعرّض لمورد إباحتهم (عليهم السّلام) الخمس للشيعة.

(33) و ذلك لأصالة براءة ذمّة من انتقل إليه عن وجوب الفحص و التخميس مع احتمال أداء الناقل، و مع عدم احتمال الأداء و فرض كون المال ممّا تعلّق به الخمس يجب تخميسه، كما أنّه مع العلم بمخالفة رأي الناقل و المنتقل إليه و كون رأي المنتقل إليه وجوب الخمس في المال المنقول المتيقّن سابقاً تعلّق الخمس به يجب التجنّب عنه حتّى يخمس.

(34) في «المنجد»: الكنز مصدر: كلّ مجموع مدّخر يتنافس يرغب فيه، المال المدفون في الأرض، ما يحرز فيه المال كالصندوق و المخزن. و عرّفه في «الجواهر» ناقلًا عن «التنقيح» و «التذكرة» و «المنتهي» و «البيان» و «الروضة» و «المسالك» بأنّه كلّ مال مذخور تحت الأرض، و زاد في «المسالك» و «الروضة» قوله: قصداً «1»؛ أي كانت الذخيرة مقصودة للفاعل و

كان فعله بقصد الذخيرة؛ فيخرج ما كان استتاره بسبب الضياع و يلحق باللقطة؛ و هو كلّ مال ضائع عن مالكه و لم يكن يد عليه، و حكمه: أنّه إن كان قيمتها أقلّ من الدرهم و الدرهم نصف المثقال الشرعي (18 نخود) و خمسه جاز تملّكها من دون تعريف و فحص عن مالكها، فإن جاء مالكها دفعها إليه مع بقائها، و مع تلفها لا يضمن. و إن كان قيمتها درهماً أو أزيد وجب تعريفها و الفحص عن صاحبها، فمع عدم الظفر به تخيّر بين

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 25.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 536

..........

______________________________

تملّكها و التصدّق بها مع الضمان فيهما، و بين إبقائها أمانة بيده من غير ضمان.

و قال كاشف الغطاء (رحمه اللّٰه) في «كشفه»: مذخوراً بنفسه أو بفعل فاعل؛ أي لا فرق بين ما علم قصد الذخر فيه و عدمه، بل يدخل فيه ما علم عدم القصد إلى الذخيرة كما في المذخورات تحت الأرض بالزلزلة و الطوفان و نحوهما.

و لا يخفى: أنّ من عرّفه بكونه مذخوراً تحت الأرض بين قائل بعدم صدق الكنز على المذخور في غير تحت الأرض، كالمذخور في الجدار أو في بطن شجرة أو خباء من بيوت أو خشب أو تحت حطب فلا خمس فيه كما حكي عن كاشف الغطاء (رحمه اللّٰه)، و بين قائل بإلحاقه بالمذخور تحت الأرض في الحكم، بل بتنقيح المناط و إرادة المثال من الأرض؛ بأن يراد منها الموضع، كما عن صاحب الجواهر (رحمه اللّٰه)، فيجب فيه الخمس.

و التعبير الجامع هو تعبير «العروة الوثقى» قال: و هو المال المذخور في الأرض أو الجبل أو الجدار أو الشجر، و المدار الصدق العرفي.

و كيف كان: فقد

اختلف الفقهاء في الكنز؛ فقال بعضهم باختصاصه بالذهب و الفضّة كما عن «النهاية» و «المبسوط» و «السرائر» و «الجامع» و غيرهم، و في «الجواهر» حاكياً عن «كشف الغطاء»: أنّ الظاهر تخصيص الحكم بالنقدين، و غيرهما يتبع حكم اللُّقطة؛ و ذلك للشكّ في صدق اسم الكنز على غير الذهب و الفضّة و الأصل عدمه.

و يدلّ عليه صحيحة البزنطي أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال

ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس «1»

، هذا بناءً على أنّ المراد المماثلة في الجنس.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 495، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 5، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 537

فإذا لم يعرف صاحبه سواء كان في بلاد الكفّار، أو في الأرض الموات أو الخربة من بلاد الإسلام؛ سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا ففي جميع هذه الصور يكون ملكاً لواجده و عليه الخمس (35).

______________________________

و قال جماعة كالعلّامة في «التذكرة» و «المنتهي» و الشهيد في «الدروس» و «البيان» بعدم اختصاصه بهما، بل يشمل غيرهما، و هو ظاهر كلّ من فسّر الكنز بالمال المذخور. و في «مجمع البيان» في تفسير آية وَ أَمَّا الْجِدٰارُ فَكٰانَ لِغُلٰامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كٰانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمٰا «1»، و الكنز هو كلّ مال مذخور من ذهب أو فضّة أو غير ذلك. و صحيحة البزنطي ناظرة إلى بيان المقدار؛ و لذا عبّر بالمثل، و لو أراد نفس جنس الذهب و الفضّة لقال (عليه السّلام): «ما يجب الزكاة فيه».

و يؤيّد القول الأوّل بل يدلّ عليه: مرسلة «المقنعة» قال: سئل الرضا (عليه السّلام) عن

مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس، فقال

ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس، و ما لم يبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه «2»

، حيث إنّ ذيله و إن كان ظاهراً في بيان المقدار من أيّ مال مذخور كان، لكن صدره و هو قوله (عليه السّلام)

من ذلك بعينه

يراد منه خصوص المسكوك من النقدين؛ فيكون قرينة على أنّ المراد من المثل في صحيحة البزنطي المذكورة هو المماثل و تكون المرسلة و الصحيحة حاكمتين على الإطلاقات.

(35) و الدليل على كونه ملكاً لواجده هو أصالة الإباحة في الأشياء، و حرمة التصرّف في مال الغير مسلّم فيما علم كونه للغير. و يكفي في جواز تملّك المال عدم

______________________________

(1) الكهف (18): 82.

(2) وسائل الشيعة 9: 497، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 5، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 538

نعم لو وجده في أرض مملوكة له بابتياع و نحوه عرّفه المالك قبله مع احتمال كونه له (36)،

______________________________

العلم بكونه ملكاً لمحترم من مسلم أو ذمّي، من دون فرق بين أنواع الأراضي التي وجد فيها الكنز ممّا ذكره المصنّف (رحمه اللّٰه)؛ لأصالة عدم السبب الموجب لكونه ملكاً للغير، فإذا كان ملكاً لواجده وجب عليه الخمس.

و نسب إلى جماعة من فقهائنا كالشيخ و القاضي و المفيد و العلّامة و الشهيدين و المحقّق و غيرهم أنّ الكنز إذا وجد في أرض الإسلام و كان عليه أثر الإسلام كان في حكم اللقطة؛ لأنّ وجوده في أرض الإسلام و أثر الإسلام أمارة على أنّه ملك للمسلم؛ فلا يكون ملكاً لواجده.

و فيه أوّلًا: أنّ الأمارية المذكورة غير ثابتة و لا دليل عليها. و ثانياً: أنّ الكنز

الذي وجد في دار الإسلام ليس مالًا ضائعاً من مالكه و اللقطة هو المال الضائع من مالكه، فلا يجري عليه حكمها.

(36) و ذلك لأمارية يد المالك البائع عليه قبل أن يبيعه، فهي حجّة على الملكية بلا حاجة إلى بيّنة أو يمين لو ادّعاه، بل يجب الدفع إليه و لو لم يدّعه. هذا مع احتمال كون الكنز للبائع و إن لم يحتمل كونه له بأن كان تأريخ ذخره قبل مالكيته للأرض عرّفه إلى المالك السابق، إلى أن ينتهي إلى من لا يعرفه أو لا يحتمل أنّه له. و يشير إليه صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الدار يوجد فيها الورق، فقال

إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم، و إن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 447، كتاب اللقطة، الباب 5، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 539

و إن لم يعرفه عرّفه السابق إلىٰ أن ينتهي إلىٰ من لا يعرفه أو لا يحتمل أنّه له، فيكون له و عليه الخمس إذا بلغ عشرين ديناراً في الذهب و مائتي درهم في الفضّة، و بأيّهما كان في غيرهما (37). و يلحق بالكنز على الأحوط ما يوجد في جوف الدابّة المشتراة مثلًا، فيجب فيه بعد عدم معرفة البائع، و لا يعتبر فيه بلوغ النصاب (38)،

______________________________

(37) اختلف في المسألة على أقوال:

الأوّل: عدم اعتبار النصاب، نسبه في «الجواهر» إلى بعض القدماء، و لعلّ دليله إطلاق قولهم في الكنز خمس من غير تقييده بمقدار، كصحيحة الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الكنز كم فيه؟ فقال

الخمس «1».

الثاني: اعتبار عشرين ديناراً

أو مائتي درهم في الذهب و الفضّة و غيرهما.

الثالث: اعتبار بلوغ قيمته ديناراً واحداً فصاعداً، و نسبه في «الجواهر» إلى «الغنية» بدليل الإجماع، ثمّ قال: و هذا القول غريب، بل دعواه الإجماع عليه أغرب؛ إذ لم نعرف له موافقاً و لا دليلًا.

و المختار هو القول الثاني؛ لمرسلة «المقنعة» قال: سئل الرضا (عليه السّلام) من مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس، فقال

ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس، و ما لم يبلغ حدّ ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه «2»

، و بها يقيّد صحيحة الحلبي.

(38) أي ليس من أرباح المكاسب بل يلحق بالكنز، و لنا أن نقول: إنّ ما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 495، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 5، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 497، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 5، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 540

..........

______________________________

يوجد في جوف الدابّة من قبيل المال المجهول مالكه، و حكمه أنّه يجب تعريفه فيما يحتمل أن يكون له مالك سابقاً و لو بوسائط، و إن لم يعرف له مالك يتصدّق لمالكه بإذن الحاكم، إلّا ما يوجد في جوف الدابّة فإنّه لواجده مع عدم معرفة البائع؛ و ذلك لصحيحة عبد اللّٰه بن جعفر قال: كتبت إلى الرجل (عليه السّلام) أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمن يكون ذلك؟ فوقّع (عليه السّلام)

عرّفها البائع، فإن لم يكن يعرفها فالشي ء لك رزقك اللّٰه إيّاه «1»

، و ظاهر الرواية تعريف البائع خاصّة، و ظاهره أيضاً عدم وجوب الخمس، و هو مطابق للأصل، و لا

دليل على إلحاقه بالكنز، و على فرض إلحاقه بالكنز يجري عليه حكمه من وجوب الخمس بشرط بلوغ قيمته عشرين ديناراً.

و قال المصنّف (رحمه اللّٰه): لا يعتبر فيه بلوغ النصاب، و لعلّه لعدم صدق اسم الكنز على ما يوجد في جوف الدابّة، و بلوغ النصاب معتبر فيما يصدق عليه اسم الكنز.

و يظهر من الحلّي في «السرائر»: أنّه يجب تعريف ما وجد في جوف الدابّة المشتراة إن عرف صاحبه، و إن لم يعرفه أخرج منه الخمس بعد مئونة سنته؛ لأنّه من جملة الغنائم و الفوائد و كان له الباقي، و كذلك حكم من ابتاع سمكة فوجد في جوفها درّة أو سبيكة و ما أشبه ذلك؛ لأنّ البائع باع هذه الأشياء و لم يبع ما وجده المشتري؛ فلذلك وجب تعريفه «2»، انتهى.

و فيه أوّلًا: أنّه مبنيّ على القول بوجوب الخمس في مطلق الفائدة. و ثانياً: أنّ كلامه لا يخلو من تهافت؛ لأنّ وجوب الخمس بعد مئونة السنة يقتضي كون ما في

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 452، كتاب اللقطة، الباب 9، الحديث 1.

(2) السرائر 2: 106.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 541

بل يلحق به أيضاً على الأحوط ما يوجد في جوف السمكة، بل لا تعريف فيه للبائع إلّا في فرض نادر (39)، بل الأحوط إلحاق غير السمكة و الدابة من الحيوان بهما.

[الرابع: الغوص]

اشارة

الرابع: الغوص، فكلّ ما يخرج به من الجواهر مثل اللؤلؤ و المرجان و غيرهما ممّا يُتعارف إخراجه بالغوص يجب فيه الخمس إذا بلغ قيمته ديناراً فصاعداً (40)،

______________________________

جوف الدابّة من الأرباح المقصودة بالتكسّب، و هو ينافي قوله: لأنّ البائع باع هذه الأشياء و لم يبع ما وجده المشتري.

و ظاهر «الكفاية» و «الحدائق» الاتّفاق على وجوب

الخمس. و في «المدارك»: أنّ وجوب الخمس مقطوع به عند الأصحاب.

و جزم في «الحدائق» بدخوله في قسم الأرباح و ببطلان اندراجه في الكنز. و في «الجواهر»: أنّ الظاهر عدم اندراجه في قسم الأرباح؛ ضرورة كونه بمعزل عنه؛ إذ ليس هو ممّا أُعدّ أو أُخذ للتعرّض له، نعم إن قلنا بعموم الغنيمة لكلّ فائدة اتّجه وجوبه فيه على أن يكون قسماً مستقلا غير السبعة «1»، انتهى. ثمّ نقل من «السرائر» كونه من جملة الغنائم و الفوائد.

(39) المشهور: أنّ ما يوجد في جوف السمكة لواجده، و لا يجب تعريفه لبائع السمكة؛ لأنّه رزق رزقه اللّٰه تعالى لواجده، و الفرض النادر الواجب فيه التعريف للبائع صورة قصد صائد السمكة حيازة ما في جوفها و علم المشتري به.

(40) وجوب الخمس في الغوص هو المشهور، و كاد أن يكون إجماعاً.

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 36.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 542

..........

______________________________

و نسبه في «التذكرة» و «المنتهي» و «الجواهر» إلى علمائنا، و في رسالة الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه): و الأخبار به كدعوى الاتّفاق مستفيضة، و قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك و الثوري و ابن أبي ليلى: لا شي ء في الغوص، و للحنبلي فيه قولان: أحدهما عدم وجوب الخمس، و الآخر: أنّ فيه الزكاة.

و يدلّ على وجوب الخمس رواية محمّد بن أبي عمير

إنّ الخمس على خمسة أشياء: الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة «1»

، و نسي ابن أبي عمير الخامسة. و مرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح (عليه السّلام) قال

الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة «2».

و مرسلة أحمد بن محمّد في المرفوعة قال

الخمس

من خمسة أشياء: من الكنوز و المعادن و الغوص و المغنم الذي يقاتل عليه «3»

، و لم يحفظ الخامس. و صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن العنبر و غوص اللؤلؤ، فقال

عليه الخمس «4».

اعلم: أنّ ما تعارف إخراجه بالغوص يجب فيه الخمس، و يشترط في وجوب الخمس فيه بلوغ قيمته ديناراً، و يدلّ عليه رواية محمّد بن علي بن الحسين قال: سئل أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السّلام) عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضّة هل فيها زكاة؟ فقال

إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس «5»

، و هذه الرواية غير معمول بها في المعادن؛ لاشتراط وجوب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 486، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 487، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 9: 489، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 11.

(4) وسائل الشيعة 9: 498، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 7، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 9: 499، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 7، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 543

و لا فرق بين اتّحاد النوع و عدمه، و بين الدفعة و الدفعات، فيضمّ بعضها إلىٰ بعض، فلو بلغ المجموع ديناراً وجب الخمس. و اشتراك جماعة في الإخراج هاهنا كالاشتراك في المعدن في الحكم (41).

[ (مسألة 3): لو أخرج الجواهر من البحر ببعض الآلات من دون غوص يكون بحكمه على الأحوط]

(مسألة 3): لو أخرج الجواهر من البحر ببعض الآلات من دون غوص يكون بحكمه على الأحوط (42).

______________________________

الخمس فيها ببلوغها عشرين ديناراً بالإجماع. و رواية محمّد بن

علي بن أبي عبد اللّٰه عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عمّا يخرج من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد. «1» الحديث، و الراوي و إن كان مجهول الحال إلّا أنّ الراوي عنه أحمد بن محمّد بن أبي نصر المعروف بالبزنطي من أصحاب الإجماع.

و حكي عن «عزّية» المفيد (رحمه اللّٰه): أنّ النصاب في الغوص عشرون ديناراً، و ليس له دليل ظاهر.

(41) و ذلك لإطلاق النصوص الدالّة على وجوب الخمس في الغوص؛ فما أُخرج بالغوص سواء كان من نوع واحد أو من نوعين، و سواء أُخرج بغوص واحد أو متعدّد إذا بلغ قيمته ديناراً واحداً وجب فيه الخمس، و لو اشترك جماعة في الإخراج و أخرج كلّ منهم بمقدار النصاب تعلّق الخمس به، و لو أخرج المجموع مقدار النصاب لا يجب الخمس حملًا له على الزكاة، و قد تقدّم التفصيل في خمس المعدن، فراجع.

(42) لا يخفى: أنّ كلا من العنوانين أي عنوان الغوص و عنوان ما يخرج من البحر وارد في النصوص، فصحيحة الحلبي و غيرها قد اشتملت على عنوان الغوص؛

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 493، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 544

..........

______________________________

قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن العنبر و غوص اللؤلؤ، فقال (عليه السّلام)

عليه الخمس «1»

، و رواية محمّد بن علي بن الحسين المتقدّمة شاملة على ما يخرج من البحر «2».

و بين العنوانين عموم من وجه؛ فمورد الاجتماع هو المخرج من البحر بالغوص فقط و مورد صدق الغوص دون ما يخرج من البحر هو المخرج بالغوص من الشطوط و الأنهار، و مورد صدق ما يخرج من البحر فقط من غير غوص

هو الخارج منه لا بالغوص بل بالآلات.

و حينئذٍ فمن المحتمل: أن يكون متعلَّق الخمس مجمع العنوانين؛ أي ما يخرج من البحر بالغوص، و هو مختار المحقّق في «الشرائع» قال (رحمه اللّٰه): الرابع كلّ ما يخرج من البحر بالغوص كالجواهر و الدرر بشرط أن يبلغ قيمته ديناراً فصاعداً و لو أُخذ منه شي ء من غير غوص لم يجب الخمس «3»، انتهى، و اختاره المحقّق الهمداني (رحمه اللّٰه) في «مصباح الفقيه»، و مرادهما من عدم وجوب الخمس عدم وجوبه من باب الغوص، و لا ينافي وجوبه من باب الاستفادة؛ و حينئذٍ يعتبر إخراج مئونة السنة، و لا يعتبر النصاب. و مستندهما صحّة تقييد كلّ من العنوانين المطلقين بالآخر.

و يحتمل أن يكون كلّ من العنوانين موضوعاً للحكم و متعلّقاً للخمس، من دون مزاحمة في البين؛ فكلّ من المخرج بالغوص سواء أُخرج من البحر أو من الشطوط و الأنهار و المخرج من البحر سواء أُخرج بالغوص أو الآلة متعلّق للخمس.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 498، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 7، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 499، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 7، الحديث 2.

(3) شرائع الإسلام 1: 163.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 545

نعم لو خرجت بنفسها على الساحل أو علىٰ وجه الماء، فأخذها من غير غوص تدخل في أرباح المكاسب لا الغوص إذا كان شغله ذلك، فيعتبر فيها إخراج مئونة السنة، و لا يعتبر فيها النصاب. و أمّا لو عثر عليها من باب الاتّفاق، فتدخل في مطلق الفائدة، و يجي ء حكمه (43).

[ (مسألة 4): لا فرق فيما يخرج بالغوص بين البحر و الأنهار الكبيرة كدجلة و الفرات و النيل]

(مسألة 4): لا فرق فيما يخرج بالغوص بين البحر و الأنهار الكبيرة كدجلة و الفرات و النيل

إذا فرض تكوُّن الجواهر فيها كالبحر (44).

______________________________

أو يكون موضوع الحكم خصوص المخرج بالغوص سواء كان في البحر أو الشطوط و الأنهار و ذكر البحر لكون الغوص غالباً في البحر.

أو يكون الموضوع خصوص المخرج من البحر سواء كان بالغوص أو الآلة و ذكر الغوص لكونه غالباً في إخراج الأشياء من البحر.

فهذه الاحتمالات أربعة، و المختار من بين المحتملات هو الثاني و هو الأقوى؛ و ذلك كما أشرنا إليه لعدم التنافي بين الإطلاقين للعنوانين؛ فيجب الخمس فيما أُخرج بالغوص من البحر أو الشطوط و الأنهار و فيما أُخرج من البحر؛ سواء كان بالغوص أو بالآلة. و دعوى غلبة الغوص في الإخراج من البحر ممنوعة.

(43) و ذلك لأنّ الخارج بنفسه من البحر و أخذه من الساحل أو وجه الماء لا يصدق عليه الغوص كما هو واضح، و لا أنّه المخرج من البحر؛ فليس هو من العنوانين الواردين في النصوص الموضوعين لوجوب الخمس في الغوص، و يدخل في أرباح المكاسب إن كان شغله الأخذ من الساحل أو وجه الماء. و يعتبر فيه إخراج مئونة السنة و لا يعتبر نصاب الغوص، و إن لم يكن شغله ذلك و كان من باب الاتّفاق فيدخل في الفائدة و يجي ء حكمه.

(44) قد ظهر وجه عدم الفرق من بياننا في شرح قوله: «لو أُخرج الجواهر

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 546

[ (مسألة 5): لو غرق شي ء في البحر و أعرض عنه مالكه فأخرجه الغوّاص ملكه]

(مسألة 5): لو غرق شي ء في البحر و أعرض عنه مالكه فأخرجه الغوّاص ملكه، و الأحوط إجراء حكم الغوص عليه إن كان من الجواهر، و أمّا غيرها فالأقوىٰ عدمه (45).

[ (مسألة 6): لو أخرج العنبر بالغوص جرىٰ عليه حكمه]

(مسألة 6): لو أخرج العنبر بالغوص جرىٰ عليه حكمه، و إن أُخذ علىٰ وجه الماء أو الساحل، فمن أرباح المكاسب إذا أخذه المشتغل بذلك، و مع العثور الاتّفاقي دخل في مطلق الفائدة (46).

______________________________

ببعض الآلات.» إلى آخره، حيث اخترنا المحتمل الثاني من الاحتمالات الأربعة، فراجع.

(45) أمّا كونه ملكاً للغوّاص فيدلّ عليه الحسنة عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال

و إذا غرقت السفينة و ما فيها فأصابه الناس فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله و هم أحقّ به، و ما غاص عليه الناس و تركه صاحبه فهو لهم «1».

و أمّا إجراء حكم الغوص عليه إذا كان من الجواهر فهو للاحتياط. و وجه عدم الإفتاء بكونه غوصاً هو أنّ الغوص عبارة عمّا يتكوّن في قعر الماء من اللؤلؤ و غيره لا ما وقع فيه من الخارج. و أمّا غير الجواهر فالأقوى عدم إجراء حكم الغوص عليه، و يلحق بالفائدة إن كان اتّفاقياً و بأرباح المكاسب إن كان شغلًا.

(46) أي يجب فيه الخمس؛ لصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن العنبر و غوص اللؤلؤ، فقال (عليه السّلام): عليه الخمس «2»

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 455، كتاب اللقطة، الباب 11، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 498، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 7، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 547

..........

______________________________

و في «الجواهر» نفى عنه الخلاف، و في «الحدائق»

نفى عنه الريب، و حكي الإجماع عن صاحبي «المدارك» و «الحدائق».

و أمّا اعتبار النصاب ففيه خلاف بين فقهائنا؛ فالمحكي عن «النهاية» و «الوسيلة» و «السرائر» و «المدارك» عدم اعتبار النصاب، و عن المفيد: أنّ له حكم المعدن.

و عن كاشف الغطاء: أنّ العنبر من الغوص أو بحكمه، و عن الأكثر و منهم صاحب «الحدائق» أنّه إن أُخرج بالغوص فله حكمه و إن جنى من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعدن، و قال الإمام الخميني (رحمه اللّٰه): أنّه لو أُخرج العنبر بالغوص جرى عليه حكمه و إن أُخذ على وجه الماء أو الساحل فمن أرباح المكاسب إذا أخذه المشتغل بذلك. إلى آخره.

وجه القول الأوّل: إطلاق الصحيحة المذكورة حيث قال (عليه السّلام) في العنبر خمس، و ليس معدناً عرفاً حتّى يعتبر فيه نصابه، و في الصحيحة ذكر العنبر مقابل غوص اللؤلؤ. نعم لو أُخذ بالغوص جرى عليه حكمه نصاباً. و وجه الثاني عدّه من المعدن. و فيه: أنّه خلاف حكم العرف. و وجه الثالث: أنّه يؤخذ من البحر بالغوص. و فيه: أنّ أخذه لا ينحصر بالغوص. و أمّا وجه كونه معدناً فهو على ما قاله بعض أهل اللغة عين تنبع في البحر. و فيه: أنّه لا يجوز التمسّك بقول اللغوي، و في «حياة الحيوان»: أنّه رجيع روث دوابّ بحرية، و عن «المبسوط» و «الاقتصاد»: أنّه نبات في البحر.

و لا يخفى: أنّ ما يخرج بالغوص تارة يكون معدنياً، و أُخرى نباتياً، و ثالثاً غيرهما. و في «العروة الوثقى»: أنّ الأحوط اللحوق، و أحوط منه إخراج خمسة و إن لم يبلغ النصاب.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 548

[ (مسألة 7): إنّما يجب الخمس في الغوص و المعدن و الكنز]

(مسألة 7): إنّما يجب الخمس في

الغوص و المعدن و الكنز، بعد إخراج ما يغرمه على الحفر و السبك و الغوص و الآلات و نحو ذلك، بل الأقوى اعتبار النصاب بعد الإخراج (47).

[الخامس: ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله من الصناعات و الزراعات و أرباح التجارات]

اشارة

الخامس: ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله من الصناعات و الزراعات و أرباح التجارات (48)،

______________________________

(47) لأنّ ما يغرمه على المذكورات من المئونة و الخمس بعد المئونة؛ لصحيحة علي بن مهزيار عن محمّد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السّلام): أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطّه

الخمس بعد المئونة «1».

(48) وجوب الخمس فيما يفضل عن مئونة السنة مشهور بين الأصحاب، بل عن «الانتصار» و «الغنية» و «الخلاف» و «مجمع البيان» و «التذكرة» و «المنتهي» و غيرها الإجماع عليه، إلّا عن ابني جنيد و أبي عقيل فقد حكي عنهما العفو عن هذا النوع و أنّه لا خمس فيه. و فيه: أنّ خلافهما لا يقدح في الإجماع؛ لأنّ خلافهما في المسلّمات كثير معروف.

و يدلّ على وجوب الخمس فيه صحيح ابن مهزيار المتقدّم، دلّ على وجوب الخمس بعد المئونة في جميع ما يستفيده الرجل.

و في هذا المضمون روايات أُخر جملة منها صحاح: منها: صحيحة أُخرى لابن مهزيار عن علي بن محمّد محمّد بن علي بن شجاع النيسابوري أنّه سأل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 499، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 549

..........

______________________________

أبا الحسن الثالث (عليه السّلام) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ ما يُزكّى فأخذ منه العشر عشرة أكرار و ذهب منه

بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً و بقي في يده ستّون كرّاً، ما الذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟ فوقّع (عليه السّلام)

لي منه الخمس ممّا يفضل من مئونته «1».

و صحيحة ثالثة لابن مهزيار قال: قال لي أبو علي بن راشد قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك فقال لي بعضهم: و أيّ شي ء حقّه؟ فلم أدر ما أُجيبه، فقال

يجب عليهم الخمس

، فقلت: ففي أيّ شي ء؟ فقال

في أمتعتهم و صنائعهم (ضياعهم)

، قلت: و التاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال

إذا أمكنهم بعد مؤونتهم «2».

و في صحيحة رابعة لابن مهزيار فكتب (عليه السّلام) و قرأه علي بن مهزيار-

عليه الخمس بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان «3».

و في صحيحة خامسة لابن مهزيار قال: كتب إليه أبو جعفر (عليه السّلام) و قرأت أنا كتابه إليه في طريق مكّة. إلى أن كتب (عليه السّلام)

فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام.

إلى أن كتب (عليه السّلام)

فأمّا الذي أُوجب من الضياع و الغلّات في كلّ عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمئونته.

«4» الخبر. و غيرها من الروايات.

فهذه الأخبار تدلّ على وجوب الخمس فيما يفضل عن مئونة السنة، كما

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة

و الخمس، ص: 550

بل و سائر التكسّبات؛ و لو بحيازة مباحات، أو استنماءات، أو استنتاجات، أو ارتفاع قيم، أو غير ذلك ممّا يدخل في مسمّى التكسّب (49)، و لا ينبغي ترك الاحتياط بإخراج خمس كلّ فائدة و إن لم يدخل في مسمّى التكسّب، كالهبات و الهدايا و الجوائز و الميراث الذي لا يحتسب،

______________________________

أنّها تدلّ على استثناء المئونة بعبارات مختلفة. و حكي على استثنائها الإجماع عن «السرائر» و «الانتصار» و «الخلاف» و «المعتبر» و «التذكرة» و «المنتهي» و «مجمع الفائدة» و «المدارك» و «الذخيرة» و «المستند» و غيرها.

و أمّا خصوص السنة في المئونة فهو يستفاد من الإطلاق المقامي حيث إنّه لا قرينة على إرادة غير مئونة السنة. و المتفاهم العرفي من قولهم: فلان يملك مئونته و لا يملك مئونته أو يقدر على مئونته أو لا يقدر، هو الملك و القدرة في طول السنة لا في بعض الأوقات دون بعض.

و يمكن استفادة خصوص السنة من فقرأت الصحيحة الخامسة لعلي بن مهزيار؛ خصوصاً قوله (عليه السّلام)

فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام.

(49) و قد ذكر في «العروة الوثقى» بقوله: من الصناعات و الزراعات و الإجارات؛ حتّى الخياطة و الكتابة و التجارة و الصيد و حيازة المباحات و أُجرة العبادات الاستيجارية من الحجّ و الصوم و الصلاة و الزيارات و تعليم الأطفال و غير ذلك من الأعمال التي لها أُجرة «1»، انتهى.

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 389.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 551

و كذا فيما يملك بالصدقة المندوبة؛ و إن كان عدم التعلّق بغير أرباح ما يدخل في مسمّى التكسّب، لا يخلو من قوّة (50)،

______________________________

(50) اختلف عبارات فقهائنا في تحديد موضوع الخمس فيما

يفضل عن مئونة السنة؛ فقال بعضهم: بأنّه عبارة عن أرباح التجارات، و آخرون: أنّه المكاسب، و ثالث: أنّه حاصل أنواع التكسّبات من التجارة و الزراعة و الصناعة، و رابع: أنّه أرباح التجارات و الغلّات و الثمار، و كلّها مشتركة في اعتبار التكسّب الذي هو القصد إلى تحصيل المال.

و عبّر جماعة منهم بعبارات يستفاد منها أنّ موضوع الخمس هو الفائدة من أيّ طريق حصلت و لو لم يكن تكسّب في البين؛ ففي «النهاية»: هو جميع ما يغنمه الناس من أرباح التجارات و الزراعات و غير ذلك، و في «السرائر»: و سائر الاستفادات و الأرباح و المكاسب و الزراعات، و في «الخلاف»: جميع المستفاد من أرباح التجارات و الغلّات و الثمار، و في «الغنية»: كلّ مستفاد من تجارة أو زراعة و صناعة و غير ذلك من وجوه الاستفادة أيّ وجه كان، و في «العروة الوثقى»: بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة و إن لم تحصل بالاكتساب كالهبة و الهدية و الجائزة و المال الموصى به و نحوها، بل لا يخلو من قوّة.

و في «المستمسك»: أنّ الظاهر أنّ السين أي سين باب الاستفعال في كلمة «الاستفادة» في المقام للصيرورة لا للطلب، و مقتضى ذلك وجوب الخمس في كلّ فائدة و إن لم تكن بقصد.

و فيه: أنّه قد فسّرت كلمة «الاستفادة» في عبارات جماعة من الفقهاء بما هو طريق التكسّب.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 552

..........

______________________________

و كيف كان: فالدليل على القول بوجوب الخمس في مطلق الفائدة إلّا ما استثني في النصّ قوله (عليه السّلام)

فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّٰه فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها. «1»

الخبر. و موثّقة سماعة قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن

الخمس، فقال

في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير «2».

و قد صرّح جماعة من الفقهاء بأنّ المراد من «الغنيمة» في قوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ. «3» الآية، مطلق الفائدة.

و يستدلّ للقول بوجوبه في الجائزة الخطيرة بقوله (عليه السّلام) في صحيح ابن مهزيار

و الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر «4».

و ألحق بعض الفقهاء كأبي الصلاح و من وافقه الإرث مطلقاً بالهبة و أنّه لا خمس فيه، و بعضهم و منهم السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» فصّل بين المحتسب فقال بعدم الخمس فيه، و غير المحتسب فقال: إنّ الأحوط وجوباً وجوب الخمس فيه، و هذا التفصيل يستفاد من صحيح ابن مهزيار المتقدّم قال (عليه السّلام)

و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب و لا ابن

، و قوله (عليه السّلام)

من غير أب و لا ابن

إشارة إلى التوارث في الأب و الابن و إن لم يكن علم بالتوارث، كمن كان له ابن من المتعة و لم يعلم بوجوده.

فالقول بثبوت الخمس في مطلق الفائدة و إن لم تحصل بالاكتساب كالهبة و الهدية و الجائزة و المال الموصى به و نحوها لا يخلو من قوّة؛ لصحيحة خامسة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 9: 503، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 6.

(3) الأنفال (8): 41.

(4) وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 553

كما أنّ الأقوىٰ عدم تعلّقه بمطلق الإرث و المهر و عوض الخلع، و الاحتياط حسن (51).

و لا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة و إن زاد عن مئونة السنة (52).

______________________________

لابن مهزيار و موثّقة سماعة المتقدّمتين، و كذا الصدقة المندوبة لاحقة بالهبة و الهدية، غاية الأمر: أنّه يعتبر في الصدقة قصد القربة، و لا وجه لتقييد الصدقة بالمندوبة؛ لأنّ الصدقات الواجبة كالكفّارات في حكم الهبة، و لعلّ التقييد بالمندوبة لمقابلتها الواجبة التي هي الزكاة، و سيأتي حكمها.

(51) قد تقدّم حكم الإرث، وجه الاحتياط في المهر: أنّه عوض البضع كما في «الحدائق»، نعم يصدق على عوض الخلع أنّه عوض العمل، لكنّه ليس من الأعمال التي يعود نفعه إلى المستأجر، تأمّل. و في «المستمسك»: أنّه لم يتّضح الفرق بين هذين عوض الخلع و المهر و غيرهما من الفوائد، و هو حقّ، لكن المشهور عدم وجوب الخمس فيهما.

و لا يخفى: أنّ الوارث إذا علم أنّ مورّثه لم يؤدّ خمس ما تركه وجب إخراجه؛ إذ لا مقتضى لسقوطه بالموت، و كذلك لو علم تعلّق الخمس بما ترك و شكّ في أداء الخمس من ناحية المورّث، للاستصحاب.

(52) و ذلك لأنّ ما يدفع إلى السادة و الفقراء من الخمس و الزكاة ملك لهم و لا يصدق عليهما الفائدة، فضلًا عن أن يحصلا من طرق التكسّب.

و قد يستدلّ على عدم الوجوب فيما ملك بالخمس و الزكاة بمرسلة حمّاد بقوله (عليه السّلام)

و ليس في مال الخمس زكاة «1».

وجه الاستدلال تنقيح المناط و أنّ الخمس بدل عن الزكاة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 513، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 554

نعم يجب الخمس في نمائهما إذا قصد بإبقائهما الاسترباح و الاستنماء لا مطلقاً (53).

______________________________

و فيه: أنّ الرواية ناظرة إلى أنّ الخمس

قبل التقسيم الذي للإمام (عليه السّلام) ولاية له لا خمس فيه، و كذلك قوله (عليه السّلام) في المرسلة؛ و لذلك لم يكن على مال النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الوليّ زكاة و ليس في الرواية تعرّض لحكم الخمس بعد استقراره في يد المستحقّين.

و قد يستدلّ أيضاً برواية علي بن الحسين بن عبد ربّه قال: سرح الرضا (عليه السّلام) بصلة إلى أبي، فكتب إليه أبي: هل عليّ فيما سرّحت إليّ خمس؟ فكتب إليه

لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس «1»

، حيث إنّ ما سرّح به صاحب الخمس كان من بيت المال؛ لأنّ الإمام (عليه السّلام) بما أنّه إمام صاحب للخمس بما أنّ له الولاية لا أنّه مالك شخصي له.

و قال جماعة من الفقهاء و منهم السيّد الحكيم (رحمه اللّٰه) في «المستمسك»: إنّ الحكم فيما ملك بالخمس و الزكاة حكم الهبة؛ لاشتراكهما في صدق الفائدة الاختيارية. و فيه: أنّ الخمس و الزكاة ملك مجعول من الشارع للسادة و الفقراء؛ فيشكل صدق الفائدة عليهما.

(53) إذا قصد بإبقاء الخمس و الزكاة الاسترباح و الاستنماء يدخل في التكسّب؛ فيجب الخمس في ربحهما و نمائهما، و إلّا دخل في الفائدة. و من قال بوجوب الخمس فيها قال به في المسألة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 508، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 11، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 555

[ (مسألة 8): لو كان عنده من الأعيان التي لم يتعلّق بها الخمس، أو أدّى خمسها و ارتفعت قيمتها السوقيّة]

(مسألة 8): لو كان عنده من الأعيان التي لم يتعلّق بها الخمس، أو أدّى خمسها و ارتفعت قيمتها السوقيّة، لم يجب عليه خمس تلك الزيادة إن لم تكن الأعيان من مال التجارة و رأس مالها، كما إذا كان المقصود من شرائها

و إبقائها اقتناءها و الانتفاع بمنافعها و نمائها، و أمّا إذا كان المقصود الاتّجار بها، فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة إن أمكن بيعها و أخذ قيمتها، و إن لم يمكن إلّا في السنة التالية تكون الزيادة من أرباح تلك السنة لا الماضية على الأظهر (54).

______________________________

(54) الزيادة إمّا في العين و إمّا في القيمة:

أمّا الزيادة العينية متّصلة كانت أو منفصلة فقد وجب فيها الخمس. و صرّح به العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التحرير» و الشهيد الثاني في «المسالك» و غيرهما من فقهائنا، هذا بناءً منهم على وجوب الخمس في مطلق الفائدة، و لكن صدق الفائدة على النماء المتّصل مشكل. و عن السيّد الأصفهاني: أنّه إنّما يجب الخمس في النماء المتّصل إذا كان المقصود من العين و إبقائها الانتفاع و التكسّب بعينها، كالأشجار الغير المثمرة التي ينتفع بخشبها و ما يقطع من أغصانها، و كالأغنام الذكور التي تبقى لتسمن و ينتفع بلحمها. و أمّا ما كان المقصود الانتفاع و التكسّب بنمائها المنفصل كالأشجار المثمرة و كالأغنام الإناث التي ينتفع بنتاجها و لبنها فإنّما يتعلّق الخمس بنمائها المنفصل دون المتّصل، انتهى ملخّصاً منّا.

و أمّا الزيادة في القيمة: فيستفاد من تقييدها بالسوقية التفصيل بين زيادة القيمة بزيادة في العين كما في زيادة قيمة ما غرسه لزيادة نمائه فوجب فيه الخمس كما تقدّم، و بين زيادتها السوقية من غير زيادة في العين فلا يجب فيه الخمس إن لم تكن الأعيان من مال التجارة و رأس مالها؛ بأن كان المقصود من شرائها و إبقائها

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 556

[ (مسألة 9): لو كان بعض الأموال التي يتّجر بها و ارتفعت قيمتها، موجوداً عنده في آخر السنة، و بعضها ديناً على الناس]

(مسألة 9): لو كان بعض الأموال التي يتّجر بها و ارتفعت قيمتها، موجوداً عنده في

آخر السنة، و بعضها ديناً على الناس، فإن باع الموجود أو أمكن بيعه و أخذ قيمته، يجب عليه خمس ربحه و زيادة قيمته، و أمّا الذي على الناس فإن كان يطمئنّ باستحصاله متى أراد بحيث يكون كالموجود عنده يخمّس المقدار الزائد علىٰ رأس ماله، و ما لا يطمئنّ باستحصاله يصبر إلىٰ زمان تحصيله، فمتىٰ حصّله تكون الزيادة من أرباح سنة التحصيل (55).

______________________________

اتّخاذها لنفسه و عياله و الانتفاع بمنافعها و نمائها.

و وجه عدم وجوب الخمس فيه: أنّ نفس المال المشترى لم يقصد الاسترباح باشترائه؛ سواء قصد الاسترباح بنمائه كما لو اشترى داراً للاسترباح بأُجرته أو اشترى بقرة لبيع نمائه و نتاجه؛ فحينئذٍ يجب الخمس في النماء لا في أصل الدار و البقرة، أو لم يقصد الاسترباح بنمائه أيضاً كاشتراء الدار للسكونة أو البقرة لشرب لبنها، فلا يجب الخمس في القيمة الزائدة في نفس العين، هذا. مضافاً إلى عدم صدق التكسّب على ارتفاع القيمة السوقية، كما في «التحرير» و «المنتهي» و جزم به في «الجواهر»، و عدم صدق الفائدة عليه حتّى عند من يقول بوجوب الخمس في الفائدة؛ قال في «التحرير»: أمّا لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه و لم يبعه لم يجب فيه، و في «المنتهي»: و استجوده في «الحدائق» لو زرع غرساً فزادت قيمته لزيادة نمائه وجب عليه الخمس في الزيادة، أمّا لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه و لم يبعه لم يجب عليه، و تنظّر الشهيد الثاني في عدم وجوب الخمس في زيادة القيمة السوقية، و جزم بالوجوب في «الروضة».

(55) و ذلك لصدق الربح و فائدة الكسب على هذه الزيادة. و لا يشترط فعلية الربح بالبيع الفعلي كما عليه الشيخ

الأنصاري (رحمه اللّٰه) و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه)؛ حيث

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 557

..........

______________________________

قال الشيخ الأنصاري: ثمّ إنّ الظاهر تعلّق الوجوب بمجرّد ظهور الربح، من غير حاجة إلى الإنضاض؛ لصدق الاستفادة بمجرّد ذلك، خلافاً للهمداني (رحمه اللّٰه) في «مصباح الفقيه» حيث قال بوجوب الخمس فيه إذا بيع فعلًا و حصل الربح كذلك.

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، در يك جلد، ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس؛ ص: 557

و المختار ما ذكره المصنّف (رحمه اللّٰه)، و يدلّ عليه صحيح محمّد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السّلام): أخبرني عن الخمس أعلىٰ جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطّه

الخمس بعد المئونة «1».

و رواية علي بن محمّد بن شجاع النيسابوري أنّه سأل أبا الحسن الثالث (عليه السّلام) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ ما يُزكّى فأخذ منه العشر، عشرة أكرار و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً و بقي في يده ستّون كرّاً، ما الذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟ فوقّع (عليه السّلام)

لي منه الخمس ممّا يفضل من مئونته «2»

، حيث يصدق على الزيادة المذكورة الفاضل عن مئونته.

و صحيح علي بن مهزيار عن أبي علي بن راشد قال: قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقّك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: و أيّ شي ء حقّه؟ فلم أدر ما أُجيبه، فقال

يجب عليهم الخمس

، فقلت: ففي أيّ شي ء؟ فقال

في أمتعتهم و صنائعهم

(ضياعهم)

، قلت: و التاجر عليه و الصانع بيده؟ فقال

إذا أمكنهم بعد مؤونتهم «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 499، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 558

..........

______________________________

و في الصحيحة الخامسة لابن مهزيار،

و الفائدة يفيدها «1»

تشمل الزيادة المذكورة في المسألة.

و رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عن (ابن) يزيد قال: كتبتُ: جعلت لك الفداء تعلّمني ما الفائدة؟ و ما حدّها؟ رأيك أبقاك اللّٰه أن تمنّ عليّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي و لا صوم، فكتب

الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها. «2»

الخبر.

قال السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى»: مسألة إذا اشترى عيناً للتكسّب بها، فزادت قيمتها السوقية و لم يبعها غفلة أو طلباً للزيادة، ثمّ رجعت قيمتها إلى رأس مالها أو أقلّ قبل تمام السنة لم يضمن خمس تلك الزيادة؛ لعدم تحقّقها في الخارج. نعم لو لم يبعها عمداً بعد تمام السنة و استقرار وجوب الخمس ضمنه «3»، انتهى.

و لا يخفى: أنّ الحكم بعدم ضمان خمس تلك الزيادة متين، و لكن تعليله بعدم تحقّقها في الخارج عليل و مخالف لما ذكر في المسألة السابقة من كفاية إمكان بيعها و أخذ قيمتها في وجوب الخمس من غير اعتبار فعلية البيع. و الأولى التعليل بعدم صدق التفريط فيما لم يبعها غفلةً أو طلباً للزيادة، و مقتضى الأصل البراءة من ضمان الخمس.

و أمّا لو لم يبعها عمداً فقد فرّط و

ضيّع المال الذي أمكن تحصيله و ضمنه، من غير فرق في ذلك بين التفريط بعد تمام السنة أو في أثنائها. و صرّح به السيّد الحكيم (رحمه اللّٰه) في «حاشيته على العروة الوثقى».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 9: 503، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 7.

(3) العروة الوثقى 2: 391.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 559

[ (مسألة 10): الخمس في هذا القسم، بعد إخراج الغرامات و المصارف التي تُصرف في تحصيل النماء و الربح]

(مسألة 10): الخمس في هذا القسم، بعد إخراج الغرامات و المصارف التي تُصرف في تحصيل النماء و الربح (56)، و إنّما يتعلّق بالفاضل من مئونة السنة (57)؛ التي أوّلها حال الشروع في التكسّب فيمن عمله التكسّب و استفادة الفوائد تدريجاً يوماً فيوماً مثلًا، و في غيره من حين حصول الربح و الفائدة، فالزارع مبدأ سنته حين حصول فائدة الزرع و وصولها بيده، و هو عند تصفية الغلّة،

______________________________

(56) لكون المذكورات كلّها من المئونة و خراج السلطان من قبيل الغرامات.

(57) و يدلّ عليه في صحيح محمد بن الحسن الأشعري قوله: فكتب (عليه السّلام) بخطّه

الخمس بعد المئونة «1».

و رواية علي بن محمّد محمّد بن علي بن شجاع النيسابوري عن أبي الحسن الثالث (عليه السّلام) قوله: فوقّع (عليه السّلام)

لي منه الخمس ممّا يفضل من مئونته «2».

و صحيح علي بن مهزيار عن أبي علي بن راشد فقال

إذا أمكنهم بعد مؤونتهم «3»

، و غيرها من روايات الباب. و في صحيح البزنطي قال: كتبتُ إلى أبي جعفر (عليه السّلام): الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب (عليه السّلام)

بعد المئونة «4».

و في رواية إبراهيم بن محمّد الهمداني: أنّ في توقيعات الرضا (عليه السّلام) إليه

إنّ

الخمس بعد المئونة «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 499، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 9: 508، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 12، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 9: 508، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 12، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 560

و من كان عنده الأشجار المثمرة مبدأ سنته وقت اقتطاف الثمرة و اجتذاذها (58).

______________________________

(58) اختلف في مبدأ الحول: أنّه الشروع في الكسب أو ظهور الربح أو حصوله أو التفصيل بين ربح حصل بالقصد و الاختيار فالمبدأ هو الشروع و بين ما يحصل بغير قصد فإنّما هو حصول الربح.

و التحقيق: أنّ المراد من السنة سنةُ الاستفادة، و مواردها مختلفة: تارة تنطبق على زمان الشروع في التكسّب فيمن عمله التجارة و الاستفادة يوماً فيوماً، و في مثل الزارع ينطبق على زمان حصول الزراعة في يده، و في مثل من حصل له ربح بغير قصد و اختيار من حين حصوله، و في بعض الموارد من حين ظهوره.

و ما ذكره المصنّف (رحمه اللّٰه) في تعريف السنة من أنّها هي التي أوّلها حال الشروع في التكسّب فيمن عمله التكسّب و استفادة الفوائد تدريجاً يوماً فيوماً مثلًا، قد حدّدها الشهيد (رحمه اللّٰه) في «الدروس» به و كذا صاحب «الحدائق»، و مال إليه صاحب «المدارك» و «الكفاية» و المحقّق الكركي في «حاشية الشرائع»؛ لأنّ المتعارف في عام الربح حال الشروع في الاكتساب. و قال المصنّف

(رحمه اللّٰه): و في غيره أي أوّل السنة في غير من عمله التكسّب من حين حصول الربح و الفائدة، و في «المستمسك»: نعم ما لا يحصل بالاكتساب من الفوائد و الغنائم مبدأ عامه زمان حصوله. إلى أن قال: فالزارع عام زراعته التي تؤخذ مئونته من الزرع أوّل الشروع في الزرع، و كذا عام التجارة و الصناعة الذي يأخذ التاجر و الصانع مئونة سنته «1»، انتهى.

بقي الكلام في أنّه هل يتعيّن توقيت السنة بخصوص القمرية، أو يتخيّر

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 9: 535.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 561

نعم لو باع الزرع أو الثمار قبل ذلك، يكون مبدأ سنته وقت أخذ ثمن المبيع، أو كونه كالموجود بأن يستحصل بالمطالبة (59).

______________________________

المكلّف بينها و بين الشمسية؟ لكلّ وجه:

أمّا وجه الأوّل: فلأنّ السنة المتعارفة في زمن الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) هي القمرية، كما في الصحيحة الخامسة لابن مهزيار المتقدّمة من قوله (عليه السّلام)

إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه و هذه سنة عشرين و مائتين «1».

و أمّا وجه الثاني: فلأنّ الخمس في الإسلام من الموازين الموضوعة على الفوائد السنوية، و هي تختلف باختلاف حصول الفوائد في الفصول المختلفة؛ ففي مثل الزراعة و الثمار تختلف أزمنة حصولها بالنسبة إلى المناطق و البلدان حرارةً و برودةً. و يؤيّده قوله في الصحيحة المزبورة

فأمّا الذي أوجب من الضياع و الغلّات في كلّ عام فهو نصف السدس.

و كذلك حصول الربح في التجارات تارة تكون بالشهور القمرية و أُخرى بالشمسية، و في زماننا هذا كان الاعتبار بالشمسية في الفوائد الحقوقية و التجارية المنوطة باعتبار الدُّوَل و البنك.

(59) لدخوله حينئذٍ فيمن عمله التكسّب و

استفادة الفوائد تدريجاً يوماً فيوماً مثلًا.

بقي الكلام في أنّ اعتبار الحول فيما يتعلّق بالفاضل من مئونة السنة ليس في تعلّق الوجوب؛ بمعنى توقّف الوجوب عليه بل بمعنى تقدير الاكتفاء؛ فلو علم الاكتفاء في أوّل الحول وجب الخمس. و لكن يجوز تأخيره احتياطاً له و للمستحقّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 562

[ (مسألة 11): المراد بالمئونة ما ينفقه علىٰ نفسه و عياله الواجبي النفقة و غيرهم]

(مسألة 11): المراد بالمئونة ما ينفقه علىٰ نفسه و عياله الواجبي النفقة و غيرهم، و منها ما يصرفه في زياراته و صدقاته و جوائزه و هداياه و ضيافاته و مصانعاته، و الحقوق اللازمة عليه بنذر أو كفّارة و نحو ذلك، و ما يحتاج إليه من دابّة أو جارية أو عبد أو دار أو فرش أو أثاث أو كتب، بل ما يحتاج إليه لتزويج أولاده و اختتانهم و لموت عياله و غير ذلك ممّا يعدّ من احتياجاته العرفيّة (60).

______________________________

لجواز زيادة النفقة بسبب عارض أو نقصها، كما صرّح به الشهيد في «البيان». و في «الدروس»: و لا يتوقّف الوجوب على الحول خلافاً لابن إدريس.

و لا يخفى: أنّه ليس المراد من السنة في باب الخمس ما يعتبر في الزكاة من الدخول في الشهر الثاني عشر، بل المراد منها السنة الكاملة بإتمام الشهر الثاني عشر.

و يظهر من العلّامة في «التذكرة» نسبته إلى علمائنا قال: مسألة لا يجب في فوائد الاكتساب و الأرباح في التجارات و الزراعات شي ء إلّا فيما يفضل عن مئونته و مئونة عياله سنة كاملة عند علمائنا «1»، و به صرّح الشهيد (رحمه اللّٰه) في «الدروس» قال: فإذا تمّ خمّس ما فضل، و قال أيضاً: و الأقرب

أنّ الحول هنا تامّ فلا يجزئ الطعن في الثاني عشر «2».

(60) لفظ «المئونة» كسائر الألفاظ المتداولة في الكتاب و السنّة يرجع في تشخيص معانيها و تحديد مفهومها إلى العرف، و الظاهر منها مطلق ما يحتاج إليه

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 428.

(2) الدروس الشرعية 1: 259.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 563

نعم يعتبر فيما ذكر الاقتصار على اللائق بحاله دون ما يعدّ سفهاً و سرفاً، فلو زاد علىٰ ذلك لا يُحسب منها، بل الأحوط مراعاة الوسط من المئونة المناسب لمثله، لا صرف غير اللائق بحاله و غير المتعارف من مثله، بل لا يخلو لزومها من قوّة. نعم التوسعة المتعارفة من مثله من المئونة (61).

______________________________

عرفاً و يصرف في جلب المحبوب أو دفع المكروه، و في اللغة: بمعنى القوت، يقال: مانه يمونه موناً إذا احتمل مؤنته و قام بكفايته. و ليس المراد منها خصوص المأكل و المشرب كما يتوهّم من تفسير بعضهم المئونة بالقوت، بل مطلق ما يحتاج إليه العباد في أبعاد معيشتهم و معيشة عيالهم و عليه بناء العقلاء.

و استشكل بعض الأجلّة في كون الهدايا و الصلة اللائقين بحاله من المئونة، و كذا مخارج الحجّ المندوب و سائر سفر الطاعة، بل استظهر عدمه، و تبعه في «المستند» إلّا مع دعاء الضرورة، و عن ابن فهد تقييد الضيافات بالاعتياد و الضرورة، و قال في «المستند»: بل في كفاية الاعتياد أيضاً نظر، إلّا أن يكون بحيث يذمّ بتركها عادة «1».

و يرد عليهم أنّ تشخيص مفهوم المئونة موكول إلى العرف، و هو عندهم عبارة عمّا ذكرناه من مطلق ما يصرفه في حوائجه المتعارفة في جلب المحبوب أو دفع المكروه؛ فيشمل ما يصرفه لنفسه و عياله و ما

يصرفه في إدارة تجارته من اجرة الدكّان و الحارس و الحمّال و أُجرة الدلّال و أُجرة الآلات التي يتّجر بها و يوزن بها الأثقال و غير ذلك ممّا يصرفه في سبيل التجارة من السرقفلية و ضريب الحكومة و كذلك ثمن القرطاس و الدفاتر و الآلات المحتاج إليها، و يتعلّق الخمس بما زاد عنها.

(61) و ذلك كلّه لانصراف إطلاق نصوص المئونة إلى المتعارف، و في

______________________________

(1) مستند الشيعة 10: 67.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 564

و المراد من المئونة ما يصرفه فعلًا لا مقدارها، فلو قتّر علىٰ نفسه أو تبرّع بها متبرّع لم يُحسب مقداره منها، بل لو وجب عليه في أثناء السنة صرف المال في شي ء كالحج أو أداء دين أو كفارة و نحوها و لم يصرف فيه عصياناً أو نسياناً و نحوه، لم يحسب مقداره منها على الأقوىٰ (62).

______________________________

«الحدائق»: فإنّه هو المتبادر من هذا اللفظ لفظ المئونة بالنظر إلى العادة الجارية و الطريقة التي عليها الناس في جميع الأعصار و الأمصار «1».

(62) و به قال كاشف الغطاء؛ لأنّ المنصرف من أدلّة المئونة ما يصرف بالفعل لا ما كان بالقوّة، و المئونة منصرفة إلى ما يتلفه في حوائجه فلا يشمل ما لم يتلفه بالتقتير مثلًا. و خالف في ذلك جماعة؛ منهم صاحب «الحدائق» حيث قال: و إن قتر حسب له ما نقص «2».

و في «خمس» الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه): قد صرّح العلّامة (رحمه اللّٰه) و الشهيدان و المحقّق الثاني بأنّه لو قتر حسب له، بل استظهر في «المناهل» عدم الخلاف فيه، و لعلّه لما مرّ في الإسراف من أنّ المستثنىٰ هو المئونة المتعارفة، فالخمس إنّما يتعلّق بما عداها «3»، انتهى.

و فيه إشكال؛

لأنّ الظاهر من المئونة في الأخبار ما أُنفق بالفعل على غير وجه الإسراف، و ليس المراد منه مقدار المئونة المتعارفة حتّى لا يتعلّق بها الخمس؛ سواء صرفت أم لم تصرف.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 12: 353.

(2) نفس المصدر.

(3) الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 207.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 565

..........

______________________________

و في «الجواهر»: نعم لو لم يسافر مع تيسّر الرفقة عصياناً بقي الخمس على سقوطه؛ إذ هو كالتقتير حينئذٍ المصرّح باحتساب ما قتر فيه له في «البيان» و «المسالك» و «الروضة» و «المدارك» و «الكفاية»، بل لا أعرف فيه خلافاً، بل لعلّه ظاهر معقد إجماع «الغنية» و «السرائر» و «المنتهي» و «التذكرة»؛ لصدق كونه من المئونة التي لا يتعلّق الخمس إلّا بالزائد عليها و إن لم يصرفه فعلًا فيها، مع أنّه نظر فيه في الأخير بالنسبة إلى ترك الحجّ عصياناً، و لعلّه لا يخلو من وجه أو قوّة فيه و في سائر التقتيرات؛ لانصراف المئونة عرفاً إلى ما يتلفه في حوائجه و مآربه إرفاقاً من الشارع بالمالك «1»، انتهى موضع الحاجة.

و فيه: أنّه يجب الخمس في المقدار الذي لو صرف كان مئونة، و المفروض أنّه لم يصرف فعلًا. و وجهه: أنّ الظاهر من لفظ المئونة عرفاً كما عرفت ما ينفق و يصرف فعلًا بمقدار المتعارف أو أقلّ منه، و ما لم يصرف لا يصدق عليه المئونة.

و يمكن استفادة كون المئونة فعلياً من كلمة «بعد» في قوله (عليه السّلام)

الخمس بعد المئونة «2»

، و من كلمة «يفضل» في قوله (عليه السّلام)

ممّا يفضل من مئونته «3».

و كذلك قوله (عليه السّلام)

الخمس بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان «4»

، و قوله (عليه السّلام)

و حرث بعد الغرام

«5»

، و قوله (عليه السّلام) في رواية أبي بصير

أمّا ما أُكل فلا «6».

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 62.

(2) وسائل الشيعة 9: 499، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 4.

(5) وسائل الشيعة 9: 503، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 7.

(6) وسائل الشيعة 9: 504، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 566

[ (مسألة 12): لو كان له أنواع من الاستفادات من التجارة و الزرع و عمل اليد و غير ذلك]

(مسألة 12): لو كان له أنواع من الاستفادات من التجارة و الزرع و عمل اليد و غير ذلك يلاحظ آخر السنة مجموع ما استفاده من الجميع، فيخمّس الفاضل عن مئونة سنته، و لا يلزم أن يلاحظ لكلّ فائدة سنة علىٰ حدة (63).

______________________________

(63) إذا كان لشخص أنواع من التكسّب و كان زمان الشروع في بعضها مقدّماً على بعضها الآخر، فهل يعتبر الحول في كلّ تكسّب على حدة، أو لا يلزم أن يكون لكلّ فائدة سنة مستقلّة، بل يلاحظ في آخر السنة مجموع ما استفاده من الجميع؟

قال في «الروضة»: و لو حصل الربح في الحول تدريجاً اعتبر لكلّ خارج حول بانفراده «1». و قال في «المسالك»: و إنّما يعتبر الحول بسبب الربح، فأوّله ظهور الربح فيعتبر منه مئونة السنة المستقبلة، و لو تجدّد ربح آخر في أثناء الحول كانت مئونة بقية حول الأوّل معتبرة منهما و له تأخير إخراج خمس الربح الثاني إلى حوله، و يختصّ بمئونة بقية حوله بعد انقضاء حول الأوّل و هكذا

«2»، انتهى.

و ذهب أكثر الفقهاء كالشهيد في «الدروس» و صاحب «الكفاية» و «المدارك» و الكركي في «حاشية الشرائع» و صاحب «الحدائق» و غيرهم إلى القول الثاني.

و قد يستدلّ عليه بصحيح علي بن مهزيار عن محمّد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السّلام): أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطّه

الخمس بعد المئونة «3».

و فيه: أنّ الصحيح ليس في صدد بيان

______________________________

(1) الروضة البهية 2: 78.

(2) مسالك الأفهام 1: 468.

(3) وسائل الشيعة 9: 499، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 567

..........

______________________________

استقلال كلّ من الضروب أو انضمام بعضها ببعض. و كذا يقال في صحيح آخر لعلي بن مهزيار قال: كتب إليه أبو جعفر و قرأت أنا كتابه إليه في طريق مكّة. إلى أن قال

فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام «3».

و يمكن الاستدلال للقول الأوّل بأنّ ملاحظة الأرباح المختلفة المتعدّدة الحاصلة من التجارات المختلفة أمراً واحداً يحتاج إلى دليل مفقود، و الدليل على اعتبار ملاحظتها مستقلّة موجود حيث إنّ الآية الشريفة وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ. الآية بناءً على شمول الغنيمة لكلّ فائدة حصلت لا خصوص غنائم الحرب و كذا موثّقة سماعة عن أبي الحسن (عليه السّلام)

الخمس في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير «1»

تدلّان على أنّ كلّ فرد من أفراد الربح و الفائدة يجب فيه الخمس، فيعتبر الحول في كلّ منها مستقلا. و هذا القول وجيه. بل لا يخلو من قوّة فيما لم يستلزم

حرجاً.

و تظهر الثمرة بين القولين فيما استفاد فائدتين حصلت إحداهما من تجارة في أوّل السنة و أُخراهما من تجارة أُخرى في وسط السنة أو آخرها؛ فبناءً على الأوّل لا يجب خمس الفائدة الحاصلة في وسط السنة أو آخرها، بل في وسط السنة الثانية أو آخرها، و بناءً على الثاني يجب خمس مجموع الفائدتين في آخر السنة بعد استثناء المؤن.

و تظهر الثمرة أيضاً في المئونة المصروفة من زمان حصول الفائدة الاولى إلى زمان حصول الفائدة الثانية؛ فإنّه تحسب من الاولى بناءً على القول الأوّل، و بناءً على القول الثاني تحسب منهما.

______________________________

(3) وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5.

(1) وسائل الشيعة 9: 503، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 568

[ (مسألة 13): الأحوط بل الأقوىٰ عدم احتساب رأس المال مع الحاجة إليه من المئونة]

(مسألة 13): الأحوط بل الأقوىٰ عدم احتساب رأس المال مع الحاجة إليه من المئونة، فيجب عليه خمسه إذا كان من أرباح المكاسب، إلّا إذا احتاج إلىٰ مجموعة في حفظ وجاهته أو إعاشته ممّا يليق بحاله، كما لو فرض أنّه مع إخراج خمسه، يتنزّل إلىٰ كسب لا يليق بحاله أو لا يفي بمئونته، فإذا لم يكن عنده مال، فاستفاد بإجارة أو غيرها مقداراً، و أراد أن يجعله رأس ماله للتجارة و يتّجر به، يجب عليه إخراج خمسه، و كذلك الحال في الملك الذي يشتريه من الأرباح ليستفيد من عائداته (64).

______________________________

(64) في كون رأس المال و ما يدّخر للقَنِيَّة كالفرش و الظرف من المئونة خلاف، مبني على الخلاف في معنى «المئونة»؛ فقيل: إنّ المئونة عبارة عمّا يصرفه الإنسان في معيشته من الغذاء و الملبس و المسكن و نحوها،

و رأس المال ليس منها بل هو منشأ و منبع يتولّد منه المئونة فلا يجب فيه الخمس، و قيل: إنّ المئونة عبارة عمّا يتوقّف عليه نظام معاشه فعلًا بحسب شأنه فيشمل ما يصرف فعلًا في معيشته، و ما هو منبع العائدة أعني رأس المال فيقيّد بمئونة هذه السنة، و قيل: إنّها عبارة عمّا يتوقّف عليه نظام حياته و لو في المستقبل و السنين الآتية فيشمل ما يصرفه فعلًا للمعيشة في هذه السنة و السنين الآتية.

فعلى هذه المعاني يكون قوله (عليه السّلام)

الخمس بعد المئونة

من قبيل المخصّص المنفصل المجمل، فيرجع إلى عموم قوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ. الآية، فيكتفى في الخروج عنه بالقدر المتيقّن؛ و هو غير رأس المال و رأس المال المحتاج إليه في تحصيل القوت و هو كمخارج تعمير الضيعة و إصلاحها كما سأل عنه ابن شجاع النيسابوري عن أبي الحسن الثالث (عليه السّلام): و ذهب منه بسبب

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 569

..........

______________________________

عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً و بقي في يده ستون كرّاً، ما الذي يجب لك من ذلك؟. فوقّع (عليه السّلام)

لي منه الخمس ممّا يفضل من مئونته «1»

، و في رواية صحيحة عن علي بن مهزيار فقال

إذا أمكنهم بعد مؤونتهم «2»

، و الحاصل: أنّ رأس المال إن كان ممّا يحتاج إليه و لا يمكنه المعيشة بدونه فهي من المئونة.

و به أفتى جماعة من المحشّين على «العروة الوثقى»؛ قال الميرزا القمي (رحمه اللّٰه) في «الغنائم»: لا إشكال في أنّ رأس المال و ما لا يعدّ للصرف و يدّخر للقنيّة الاتّخاذ لنفسه كالفرش و الظروف و نفس الضيعة التي هي مستغلّ لها و أمثال ذلك لا يحسب من

المئونة، و الظاهر أنّ تتميم رأس المال لمن احتاج إليه في المعاش من المئونة كاشتراء الضيعة لأجل المستغلّ «3»، انتهى. الظاهر من صدر عبارته أنّ رأس المال في صورة عدم الحاجة إليه ليس من المئونة فيجب فيه الخمس؛ فلا منافاة بين صدر عبارته و ذيلها.

و قال السيّد الحكيم (رحمه اللّٰه) في «المستمسك»: المراد من الحاجة أن يكون المالك بنحو يحتاج بحسب شأنه أن يكون له رأس مال يتّجر به بحيث يكون اتّجاره عامل مضاربة مثلًا نقصاً عليه و خلاف ما ينبغي له، فهذا المقدار الذي يحتاجه في تجارته حاله حال الفرش و الأواني المحتاج إليها معدود من مئونته، فإذا لم يجب الخمس فيها آخر السنة لم يجب الخمس فيه؛ لإطلاق ما دلّ على استثناء المئونة و كأنّ وجه توقّف المصنّف (رحمه اللّٰه) فيه احتمال انصراف المئونة عنه أو عدم شمولها له فإنّه يحتاج إليه في حصول المئونة لا نفس المئونة «4»، انتهى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 3.

(3) غنائم الأيام 4: 327.

(4) مستمسك العروة الوثقى 9: 534.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 570

[ (مسألة 14): لو كان عنده أعيان من بستان أو حيوان مثلًا و لم يتعلّق بها الخمس]

(مسألة 14): لو كان عنده أعيان من بستان أو حيوان مثلًا و لم يتعلّق بها الخمس، كما إذا انتقل إليه بالإرث، أو تعلّق بها لكن أدّاه، فتارة يُبقيها للتكسّب بعينها، كالأشجار غير المثمرة التي لا ينتفع إلّا بخشبها و أغصانها، فأبقاها للتكسّب بهما، و كالغنم الذكر الذي يُبقيه ليكبر و يسمن فيكتسب بلحمه. و أُخرى للتكسّب بنمائها المنفصل، كالأشجار المثمرة التي يكون المقصود الانتفاع بثمرها،

و كالأغنام الأُنثى التي ينتفع بنتاجها و لبنها و صوفها. و ثالثة للتعيّش بنمائها و ثمرها؛ بأن كان لأكل عياله و أضيافه. أمّا في الصورة الأُولىٰ: فيتعلّق الخمس بنمائها المتّصل، فضلًا عن المنفصل. كالصوف و الشعر و الوبر. و في الثانية: لا يتعلّق بنمائها المتّصل، و إنّما يتعلّق بالمنفصل منه. كما أنّ في الثالثة: يتعلّق بما زاد علىٰ ما صرفه في معيشته (65).

______________________________

(65) و في «الجواهر» نقلًا عن «المسالك»: و لو زاد ما لا خمس فيه زيادةً متّصلة أو منفصلة وجب الخمس في الزائد، و في «المنتهي» و «كشف الغطاء»: الغرس الذي يراد الاكتساب بنمائه دون أُصوله لا خمس فيها في زيادة أعيانه إذا لم يقصد الاكتساب بها.

و في «كشف الغطاء» أيضاً: أنّ ما لم يقصد الاسترباح به و لا بفوائده و إنّما الغرض الانتفاع بها فالظاهر أنّه كسابقه و فوائده كفوائده أي يتعلّق الخمس بها دون أعيانه و لعلّه لإطلاق صحيحة علي بن مهزيار المتقدّمة

فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام «1».

و في «المستمسك» في شرح قول «العروة الوثقى»: إذا كان عنده من الأعيان

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 571

[ (مسألة 15): لو اتّجر برأس ماله في السنة في نوع واحد من التجارة، فباع و اشترىٰ مراراً، فخسر في بعضها و ربح في بعض آخر]

(مسألة 15): لو اتّجر برأس ماله في السنة في نوع واحد من التجارة، فباع و اشترىٰ مراراً، فخسر في بعضها و ربح في بعض آخر، يجبر الخسران بالربح، فإذا تساويا فلا ربح (66)،

______________________________

التي لم يتعلّق بها الخمس أو تعلّق بها و لكنّه أدّاه فنمت و زادت زيادة متّصلة أو منفصلة وجب الخمس في الزائد، قال (رحمه اللّٰه): كما عن جمع التصريح

به؛ منهم العلّامة في «التحرير» و الشهيد الثاني في «المسالك» قال ثانيهما: لو زاد ما لا خمس فيه زيادة متّصلة أو منفصلة وجب الخمس في الزائد. لكن إطلاق وجوب الخمس فيه مبني على وجوبه في مطلق الفائدة «1»، انتهى.

و على هذا المبنى قال الشاهرودي (رحمه اللّٰه) في «حاشية العروة» بالاحتياط في وجوب الخمس في النماءات المتّصلة في الأعيان المقصود بها التكسّب و الانتفاع من نماءاتها المنفصلة كالأشجار المثمرة و الحيوانات الأُنثى.

و فيه: أنّ النمو المتّصل بالعين إذا لم يكن مقصوداً للتكسّب لا يحسبه العقلاء فائدة إلّا في أوان الاستفادة من نفس العين أو تبديلها بالثمن، حيث إنّ بعض الثمن يقع في مقابل النمو المتّصل فيجب فيه الخمس حينئذٍ.

(66) إذا كان الخسران بمقدار الربح في نوع واحد من التجارة فلا يتعلّق الخمس بالربح؛ إذ مع فرض الخسران بمقدار الربح لا يصدق عرفاً أنّه استفاد في تجارته فيجبر الخسران بالربح، و في الحقيقة و الواقع ما زاد على رأس ماله شي ء، فإذا تساوى الربح و الخسران فلا ربح و لا خمس، و ذلك ليس لأجل كونه من المئونة بل لعدم صدق الفائدة و الاستفادة.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 9: 526.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 572

و إذا زاد الربح فقد ربح في تلك الزيادة (67).

و كذا لو اتّجر في أنواع مختلفة من الأجناس في مركز واحد ممّا تعارف الاتّجار بها فيه من غير استقلال كلّ برأسه، كما هو المتعارف في كثير من البلاد و التجارات، بل و كذا لو اتّجر بالأنواع المختلفة في شعب كثيرة يجمعها مركز واحد، كما لو كان لتجارة واحدة بحسب الدفتر و الجمع و الخرج شعب كثيرة مختلفة، كلّ شعبة تختصّ

بنوع تجمعها شعبة مركزية، أو مركز واحد بحسب المحاسبات و الدخل و الخرج، كلّ ذلك يجبر خسران بعض بربح بعض (68).

______________________________

(67) إذا زاد الربح على الخسران يجبر مقدار الخسران من الربح و يتعلّق الخمس بما زاد من الربح، و ذلك لا إشكال فيه.

(68) و في «المستمسك»: و كذا لو كان له مال ففرّقه في أنواع من الزراعة فإنّه إذا ربح في شخص خاصّ من الزراعة لا يصدق عرفاً أنّه استفاد إذا كان قد خسر في شخص آخر منها. و كذا الحال في سائر أنواع الاكتساب «1».

و عن كاشف الغطاء: أنّ الأحوط أن لا يجبر خسران تجارة بربح اخرى بل يقتصر على التجارة الواحدة «2»، و اختاره صاحب «الجواهر» «3».

و الأقوى: ما اختاره المصنّف (رحمه اللّٰه)؛ و ذلك لأنّ موضوع وجوب الخمس ما أفاد الناس من قليل أو كثير كما في موثّقة سماعة قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الخمس،

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 9: 553.

(2) كشف الغطاء: 362/ السطر 16.

(3) جواهر الكلام 16: 61.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 573

..........

______________________________

فقال

في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير «1».

و الموضوع في بعض الروايات ما يستفيده الرجل كما في صحيحة ابن مهزيار عن محمّد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السّلام): أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطّه

الخمس بعد المئونة «2».

و في بعضها الفائدة كما في صحيح أحمد بن محمّد بن عيسى عن (بن) يزيد قال: كتبتُ: جعلتُ لك الفداء تعلّمني ما الفائدة و ما حدّها؟ رأيك أبقاك اللّٰه

أن تمنّ عليّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي و لا صوم، فكتب

الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها و حرث بعد الغرام أو جائزة «3».

و لا يخفى: أنّه إذا كان للتاجر دفتر واحد مركزي قد ضبط فيه محاسبات أنواع مختلفة من الأمتعة و الأجناس و لو كانت متفرّقة في شعب كثيرة مختلفة بتعداد أنواع الأمتعة فيلاحظ في كلّ يوم أو في كلّ شهر أو في آخر السنة أنّه أيّ مقدار حصلت الفائدة و أيّ مقدار كان الخسران.

فإن كان الخسران مساوياً للفائدة في المجموع من حيث المجموع يقال عرفاً: إنّ التاجر الفلاني لم يربح شيئاً في هذه السنة مع وجود الفائدة الكثيرة في خصوص تجارة نوع خاصّ من الأمتعة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 503، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 9: 499، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 503، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 574

نعم لو كان أنواع مختلفة من التجارة، و مراكز متعدّدة غير مربوطة بعضها ببعض بحسب الخرج و الدخل و الدفتر و الحساب، فالظاهر عدم جبر نقص بعض بالآخر، بل يمكن أن يقال: إنّ المعيار استقلال التجارات لا اختلاف أنواعها (69).

[ (مسألة 16): لو اشترىٰ لمئونة سنته من أرباحه بعض الأشياء]

(مسألة 16): لو اشترىٰ لمئونة سنته من أرباحه بعض الأشياء، كالحنطة و الشعير و الدهن و الفحم و غير ذلك، و زاد منها مقدار في آخر السنة، يجب إخراج خمسه قليلًا كان أو كثيراً (70)،

______________________________

(69) و ذلك لحكم العرف بالاستفادة في إحدى التجارتين المستقلّتين الغير المربوطة

إحداهما بالأُخرى في جهة من الجهات؛ فلا تناسب بينهما حتّى يجبر خسران إحداهما بفائدة الأُخرى، فيجب الخمس فيما أفاد و إن خسر في الأُخرى.

(70) و ذلك لكون المقدار الزائد فاضلًا عن مئونة السنة، و أنّ المئونة كانت أقلّ ممّا اشتراه و ادّخره، فيشمله إطلاق أدلّة وجوب الخمس فيما أفاد بعد إخراج مئونة السنة، و المفروض اشتراؤه ممّا أفاد؛ ففي صحيح علي بن مهزيار عن محمّد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السّلام): أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطّه

الخمس بعد المئونة «1»

، و في رواية علي بن محمّد بن شجاع النيسابوري عن أبي الحسن الثالث (عليه السّلام): فوقّع

لي منه الخمس ممّا يفضل من مئونته «2»

، و صحيح علي بن مهزيار عن أبي علي بن راشد عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 499، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 575

و أمّا لو اشترىٰ فرشاً أو ظرفاً أو فرساً و نحوها ممّا ينتفع بها مع بقاء عينها، فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها، إلّا إذا خرجت عن مورد الحاجة، فيجب الخمس فيها على الأحوط (71).

______________________________

العسكري (عليه السّلام) فقال (عليه السّلام)

إذا أمكنهم بعد مؤونتهم «1»

، و غيرها من روايات الباب.

و في صحيح البزنطي قال: كتبتُ إلى أبي جعفر (عليه السّلام): الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب

بعد المئونة «2».

و صحيح إبراهيم بن محمّد الهمداني: إنّ في

توقيعات الرضا (عليه السّلام) إليه

إنّ الخمس بعد المئونة «3».

(71) و ذلك لكونها على الأحوط عند المصنّف (رحمه اللّٰه) من المئونة عرفاً فيما كانت مورد الحاجة، و يجب الخمس فيما خرج عن مورد الحاجة منها؛ لصدق الفاضل من مئونة السنة عليه مع كونه من أرباح كسبه، فما دام لم يخرج شي ء من المذكورات عن مورد الحاجة لا يجب فيه الخمس.

و مقتضى الاستصحاب عدم وجوبه حيث إنّ مثل الفرش و الأواني و الألبسة و نحوها ممّا ينتفع بها مع بقاء عينها كانت مئونة لم يجب الخمس فيها، و في رأس السنة يستصحب عدم وجوبه، و القول بوجوب الخمس فيها قول بلا دليل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 500، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 9: 508، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 12، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 508، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 12، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 576

..........

______________________________

لا يقال: إنّه يصدق عليها بعد تمام الحول أنّها مشتراة من الربح، و ليست مئونة السنة حتّى يدخل في المخصّص؛ فيدخل في عموم دليل وجوب الخمس.

لأنّا نقول: إنّ دليل الخاصّ ناظر إلى أفراد المئونة بحيث إذا صدق على شي ء أنّه مئونة يخرج عن عموم دليل وجوب الخمس. و ليس مقيّداً لإطلاق دليل وجوب الخمس من حيث الأحوال، هذا بالنسبة إلى سنة الربح. و أمّا بالنسبة إلى السنة الآتية و بعدها فلا يجب الخمس فيها؛ لعدم كونها من أرباح السنة الآتية و بعدها. و متعلّق وجوب الخمس هو أرباح السنة حيث قال (عليه السّلام)

فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ

عام «1».

و لك أن تقول: لو احتاج إلى شي ء في بعض الشهور في السنة بحيث ينتفع بها في مورد خاصّ في فصل خاصّ لا في طول السنة فهو من المئونة بلا إشكال. نعم لو كان الاحتياج إليه مرّة أو مرّتين، في يوم أو يومين مثلًا و كان تحصيله بالاستعارة من الجار مثلًا ممكناً و كان في شأنه، و مع ذلك اشتراه و ادّخره فلا يحسب عرفاً مئونة و يجب خمسه.

هذا كلّه فيما لم يخرج شي ء من المذكورات في المتن عن مورد الحاجة.

و أمّا مع خروجها عن مورد الحاجة فقد تأمّل النراقي (رحمه اللّٰه) في «مستند الشيعة» في وجوب الخمس فيها. و الأقوى عدم وجوب الخمس فيها؛ لأنّ ما صدق عليه المئونة في السنة قد خرج عن متعلّق وجوب الخمس، و دخوله فيه يحتاج إلى دليل. نعم لو خرج عن مورد الحاجة قبل تمام الحول و لم يكن ممّا يحتاج إليه في بعض الحول بل ادّخره للانتفاع به في طول السنة و اتّفق الحاجة إليه قبل تمام السنة تعلّق به الخمس.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 577

[ (مسألة 17): إذا احتاج إلىٰ دار لسكناه مثلًا و لا يمكنه شراؤها إلّا من أرباحه في سنين عديدة]

(مسألة 17): إذا احتاج إلىٰ دار لسكناه مثلًا و لا يمكنه شراؤها إلّا من أرباحه في سنين عديدة، فالأقوىٰ أنّه من المئونة إن اشترىٰ في كلّ سنة بعض ما يحتاج إليه الدار، فاشترىٰ في سنة أرضها مثلًا، و في اخرىٰ أحجارها، و في ثالثة أخشابها و هكذا، أو اشترىٰ مثلًا أرضها و ادّى من سنين عديدة قيمتها إذا لم يمكنه إلّا كذلك (72). و أمّا إبقاء الثمن في سنين للاشتراء فلا

يُعدّ من المئونة، فيجب إخراج خمسه (73). كما أنّ جمع صوف غنمه من سنين عديدة لفراشه اللازم أو لباسه إذا لم يمكنه بغير ذلك، يُعدّ من المئونة على الأقوىٰ. و كذلك اشتراء الجهيزيّة لصبيّته من أرباح السنين المتعدّدة في كلّ سنة مقدارها، يعدّ من المئونة لا إبقاء الأثمان للاشتراء (74).

______________________________

(72) و ذلك لأنّه يحتاج في سنة الربح إلى الدار، و إذا أنفق و صرف الربح و اشترى أرضها به يصدق أنّه صرفه في المئونة حيث إنّ المئونة عبارة عمّا يصرفه و ينفقه فيما يحتاج إليه في تعيّشه و تعيّش أهله.

و لا يشترط في صدق المئونة تحصيل جميع أجزاء ما يحتاج إليه في سنة الربح، بل يكفي في صدقها تحصيلها في سنين عديدة كلّ جزء منها بربح سنة.

(73) و ذلك لعدم إنفاق الربح؛ فلم يصرف شي ء منه فيما يحتاج إليه في ربح السنة.

(74) قد علم وجه القوّة في جمع صوف غنمه من سنين عديدة، و كذا اشتراء الجهيزية من السنين المتعدّدة، ممّا ذكرناه في اشتراء ما يحتاج إليه من مصالح الدار في سنين عديدة، من صدق المئونة عليه.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 578

[ (مسألة 18): لو مات في أثناء حول الربح، سقط اعتبار إخراج مئونة بقيّة السنة علىٰ فرض حياته]

(مسألة 18): لو مات في أثناء حول الربح، سقط اعتبار إخراج مئونة بقيّة السنة علىٰ فرض حياته، و يخرج خمس ما فضل عن مئونته إلىٰ زمان الموت (75).

[ (مسألة 19): لو كان عنده مال آخر لا يجب فيه الخمس]

(مسألة 19): لو كان عنده مال آخر لا يجب فيه الخمس، فالأقوىٰ جواز إخراج المئونة من الربح خاصّة (76)

______________________________

(75) و ذلك لانتفاء مورد صرف المئونة و صارفها في بقية الحول؛ فلا وجود للصارف بوصفه العنواني حتّى يصرف من الربح لمئونته؛ فحينئذٍ يرجع إلى عموم وجوب الخمس في بقية الحول، فلا يوضع من الربح مقدارها على فرض الحياة. و بعبارة اخرى: المئونة ما يصرف فعلًا لا مقدارها تقديراً، كما تقدّم في المسألة الحادية عشرة في شرح قول المصنّف (رحمه اللّٰه): «فلو قتر على نفسه أو تبرّع عنها متبرّع لم يحسب مقداره منها».

(76) كما في «شرح اللمعة» و «جامع المقاصد» و «المدارك» و «الكفاية» و «الذخيرة» و «الحدائق» و «كشف الغطاء» و رسالة الشيخ الأنصاري و «الجواهر» و «العروة الوثقى». لا شكّ و لا إشكال في جواز إخراج المئونة من الربح فيما لم يكن عنده مال آخر حتّى رأس المال و كذلك لا إشكال في عدم وجوب إخراجها من مال لم يكن صرفه متداولًا في المئونة كأثاث البيت و رأس المال.

و مورد البحث و الخلاف وجود أموال أُخر لا يجب الخمس فيها و لكن يتداول صرفها في المئونة مع وجود الربح، فيقع الكلام في أنّه هل يجب صرف المئونة من تلك الأموال و يجب إخراج الخمس من الربح، أو يجوز إخراج المئونة كلّها من الربح و إبقاء الأموال الأُخر بحالها، أو إخراجها من الربح و الأموال الأُخر بنحو التوزيع؟

الأقوى: جواز إخراجها من الربح و إبقاء الأموال الأُخر التي لا

يجب الخمس

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 579

و إن كان الأحوط التوزيع (77)، فلو قام بمئونته غيره لوجوب أو تبرّع لم تُحسب المئونة، و وجب الخمس من جميع الربح (78).

[ (مسألة 20): لو استقرض في ابتداء سنته لمئونته، أو اشترىٰ بعض ما يحتاج إليه في الذمّة]

(مسألة 20): لو استقرض في ابتداء سنته لمئونته، أو اشترىٰ بعض ما يحتاج إليه في الذمّة، أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح، يجوز له وضع مقداره من الربح (79).

______________________________

فيها بحالها؛ و ذلك للأصل، و لإطلاق أدلّة الخمس بعد المئونة الشامل لوجود مال آخر غير الربح و عدمه. و يظهر من المحقّق الأردبيلي (رحمه اللّٰه) تعيّن المئونة من غير الربح و وجوب الخمس في جميع الربح من غير استثناء شي ء منه؛ و ذلك للاحتياط. مضافاً إلى أنّ المتبادر من قوله (عليه السّلام)

الخمس بعد المئونة

صورة الاحتياج إليها غالباً.

و فيه أوّلًا: أنّ الغلبة غير ثابتة، و ثانياً: أنّ الغلبة لا توجب سقوط الإطلاق عن الحجّية بالنسبة إلى المورد غير الغالب.

(77) و لعلّه للجمع بين الحقّين و مراعاة العدل. و لا يخفى: أنّه مع الإطلاق في أدلّة الخمس لا ملزم لمراعاة العدل المذكور. نعم هو حسن، و أحسن منه هو القول بتخميس الربح و صرف المئونة من مال آخر.

(78) و ذلك لأنّ المتبادر من المئونة ما يصرفه فعلًا في حوائجه؛ فمع قيام الغير بحوائجه لا مورد للصرف؛ فوجب الخمس من جميع الربح.

(79) و الوجه في ذلك صدق المئونة عرفاً في الموارد المذكورة في المتن، هذا بناءً على كون مبدأ السنة أوّل الشروع في التجارة، و قد مرّ تحقيق ذلك في المسألة العاشرة في شرح قول المصنّف (رحمه اللّٰه): «و إنّما يتعلّق بالفاضل من مئونة السنة التي أوّلها حال الشروع في التكسّب».

مدارك تحرير

الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 580

[ (مسألة 21): الدين الحاصل قهراً]

(مسألة 21): الدين الحاصل قهراً مثل قيم المتلفات و أُروش الجنايات، و يُلحق بها النذور و الكفّارات يكون أداؤه في كلّ سنة من مئونة تلك السنة، فيوضع من فوائدها و أرباحها كسائر المؤن (80)،

______________________________

(80) و ذلك لصدق تعريف المئونة عليها. و قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه): و المعتبر أي في المئونة الوسط المعتاد الذي لا يعدّ بتركه مقتراً و إن كان بفعله لا يعدّ سرفاً؛ لأنّه الذي ينصرف إليه الإطلاق كما في أمثاله، أو لأنّه من غير المعتاد، كما لو اتّفق أنّه ظلم أو غصب منه شي ء أو أنكر عليه بعض من له في ذمّته ممّن لا يستطيع إثباته عليه أو سرق منه أو نحو ذلك؛ فإنّ احتساب ذلك كلّه من المئونة و إن لم يكن من مال التجارة لا يخلو من إشكال أو منع. و من هنا صرّح في «المسالك» و «الروضة» و «الدروس» و غيرها بعدم جبر تلف أو خسران غير مال التجارة بالربح و إن كان في عامه. إلى أن قال: و كذا الإشكال في احتساب أُروش جناياته و قيم متلفاته العمدية منها. بخلاف الخطأية، و إن كان قد يدفع بأنّه من الديون التي قد عرفت احتسابها من المئونة، بل هي ممّا يحتاجه الناس في كثير من الأوقات، بل هو من أعظم مؤنهم «1».

أقول: و لعلّ وجه الإشكال في احتساب أُروش جناياته و قيم متلفاته العمدية و كذلك الكفّارات، هو أنّ المذكورات تتوجّه إلى الإنسان و لا بدّ له من أدائها من ناحية معصيته؛ فلا يحسب من المئونة. و فيه: أنّ الجناية و إتلاف مال الغير بغير حقّ مثلًا و إن كان حراماً و

لكن صرف المال لأجل البراءة عن العهدة ليس حراماً؛ فيحسب مئونة عرفاً، و هذا ليس كصرف المال في الحرام حتّى لا يعدّ مئونة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 60 62.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 581

و كذا الحاصل بالاستقراض و النسيئة و غير ذلك؛ إن كان لأجل مئونة السنوات السابقة إذا أدّاه في سنة الربح، فإنّه من المئونة على الأقوىٰ، خصوصاً إذا كانت تلك السنة وقت أدائه (81). و أمّا الدين الحاصل من الاستقراض عن وليّ الأمر من مال الخمس المعبّر عنه ب «دستگردان» فلا يُعدّ من المئونة حتّى لو أدّاه في سنة الربح، أو كان زمان أدائه في تلك السنة و أدّاه، بل يجب تخميس الجميع ثمّ أداؤه من المخمّس، أو أداؤه و احتسابه حين أداء الخمس و ردّ خمسه (82).

______________________________

(81) لا يخفى: أنّ أداء الدين من المئونة فيما صرف الدين في مئونة سنته أو كسبه، و أمّا إذا ربح و لم يؤدّ دينه من الربح تعلّق به الخمس إن لم يصرفه فعلًا في شي ء ممّا يحتاجه.

و تفصيل الكلام في المسألة: أنّ الدين تارة يصرف في المئونة الباقية عينها كالفرش و الأواني، و أُخرى يصرف في المئونة التالفة كالمأكول و المشروب، و ثالثة يصرف في غير المئونة؛ فعلى الأُوليين يحسب أداؤه من المئونة دون الثالثة. و وجه الخصوصية فيما إذا كانت سنة الربح وقت أداء الدين هو أنّه يصدق على أداء الدين المذكور أنّه من مئونة سنة الربح، فكأنّه بأداء الدين صرف نفس الربح في أثناء سنته في سائر ما يحتاج إليه من المؤن.

و في «العروة الوثقى»: أو كان سابقاً و لكن لم يتمكّن من أدائه إلى عام حصول الربح، و إذا لم

يؤدّ دينه حتّى انقضى العام فالأحوط إخراج الخمس أوّلًا و أداء الدين ممّا بقي. و فيه: أنّه لا وجه لهذا التقييد. غاية الأمر: أنّ التمكّن يوجب التكليف بأداء الدين و يعاقب على تأخيره، و هو لا ينافي صدق المئونة على أدائه في سنة الربح.

(82) الدين الحاصل من الاستقراض عن وليّ الأمر من مال الخمس الذي

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 582

[ (مسألة 22): لو استطاع في عام الربح]

(مسألة 22): لو استطاع في عام الربح، فإن مشىٰ إلىٰ الحجّ في تلك السنة يكون مصارفه من المئونة (83)،

______________________________

كان من بيت المال و لم يكن من خمس المستقرض، بل يستقرضه و يصرفه في مئونة كسبه أو مئونة نفسه و عياله هو كسائر ديونه يجوز أداؤه من الربح فهو من أعظم المؤن، و هذا ليس من محلّ الكلام و لا إشكال فيه.

و أمّا إذا كان عليه خمس و استقرض ذلك الخمس من وليّ الأمر بأن أقبض خمسه له ثمّ قبضه منه استقراضاً و يعبّر عنه في الفارسية ب «دستگردان» فأداء هذا الدين ليس من المئونة و لا يخرج من الربح. و حاله حال الخمس الذي تعلّق به و كان موجوداً عنده، إلّا أنّه يصرفه في معيشته بلا إذن من الحاكم و لا استقراض منه. و الفرق بينهما: أنّ صرفه بلا استقراض حرام تكليفاً و صرفه مع الاستقراض جائز؛ لكونه صرفاً فيما ملكه بالاستقراض.

و بالجملة: يجب تخميس جميع الربح ثمّ أداء القرض المزبور من الباقي المخمّس، و يجوز له أداؤه من الربح، و يجب حينئذٍ احتسابه حين أداء خمس الربح و ردّ خمسة؛ أي ردّ خمس الخمس الاستقراضي الذي أدّاه من الربح.

(83) أي لو تمكّن من المسير إلى الحجّ في عام الاستطاعة

و مشى إليه يكون مصارفه من المئونة عرفاً بلا إشكال. و إن لم يتمكّن منه حتّى انقضى العام يجب إخراج خمسه؛ لأنّ الحجّ لم يجب عليه لمانعية عدم التمكّن فلا يجوز استثناء المئونة من الربح. نعم لو بقي الاستطاعة إلى السنة الآتية يجب الحجّ فيها؛ فإن ربح في السنة الآتية يحسب مخارج الحجّ مئونة و تستثنى من الربح. و لو تمكّن من الحجّ و لكن أخّره لعذر كالمرض مثلًا أو عصياناً يجب إخراج خمسه أيضاً. فلا يستثني المئونة بمجرّد التمكّن؛ لأنّ استثناءها مشروط بالمسير.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 583

و إذا أخّر لعذر أو عصياناً يجب إخراج خمسه (84)، و لو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعدّدة، وجب الخمس فيما سبق علىٰ عام الاستطاعة.

______________________________

قال السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى»: فإذا استطاع في أثناء حول حصول الربح و تمكّن من المسير بأن صادف سير الرفقة في ذلك العام احتسب مخارجه من ربحه «1».

أقول: الظاهر أنّ مراده من التمكّن من المسير هو المشي إلى الحجّ؛ إذ بمجرّد التمكّن بدون المشي لا يصرف شي ء من الربح إلّا لمقدّمات المشي.

(84) إذا أخّر الحجّ لعذر حتّى انقضى العام وجب خمس الربح، و حينئذٍ فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة الآتية و هكذا وجب عليه الحجّ، و إلّا سقط وجوبه. و أمّا إذا أخّر عصياناً فلو صرف شيئاً من الربح فلا يحسب مئونة بل يجب إخراج خمس جميع الربح على الأقوى؛ لعموم أدلّة وجوب الخمس.

و قال السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى»: و لو تمكّن و عصى حتّى انقضى الحول فكذلك على الأحوط.

و وجه احتياطه و عدم الفتوى بوجوب الخمس: أنّ التكليف بالحجّ مع التمكّن منه ملزم لصرف

الربح في مخارجه، و بالإلزام المذكور يصدق على مقدار مخارج الحجّ من الربح أنّه مئونة و خارج عن متعلّق الخمس.

و قال المحقّق الهمداني (رحمه اللّٰه) في «مصباح الفقيه»: نعم لو لم يتمكّن فيما بعد من أن يحجّ إلّا بحفظ هذا الربح لمئونته لا يبعد أن يعدّ حينئذٍ من مئونته في

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 396.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 584

..........

______________________________

هذه السنة حيث يجب عليه حفظه لتفريغ ذمّته عن الواجب، كما لو وجب عليه أمرٌ بنذر و شبهه و لم يتمكّن من الخروج عن عهدته إلّا بجمع ما يفضل عن مئونته من الأرباح في سنين متعدّدة فإنّه على الظاهر يعدّ حينئذٍ من المئونة، بل من أهمّها «1»، انتهى.

و قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه): نعم لو لم يسافر مع تيسّر الرفقة عصياناً بقي الخمس على سقوطه؛ إذ هو كالتقتير حينئذٍ المصرّح باحتساب ما قتّر فيه له في «البيان» و «المسالك» و «الروضة» و «المدارك» و «الكفاية»، بل لا أعرف فيه خلافاً، بل لعلّه ظاهر معقد إجماع «الغنية» و «السرائر» و «المنتهي» و «التذكرة»؛ لصدق كونه من المئونة التي لا يتعلّق الخمس إلّا بالزائد عليها، و إن لم يصرفه فعلًا فيها. مع أنّه نظر فيه في الأخير بالنسبة إلى ترك الحجّ عصياناً، و لعلّه لا يخلو من وجه أو قوّة فيه. و في سائر التقتيرات لانصراف المئونة عرفاً إلى ما يتلفه في حوائجه و مآربه إرفاقاً من الشارع بالمالك «2»، انتهى.

أقول: المئونة كما تقدّم منّا ما صرف فعلًا في حوائجه المتعارفة، و ما لم يصرف فعلًا ليست مئونة؛ فيجب إخراج خمسه.

و أمّا ما ذكر صاحب «مصباح الفقيه» من وجوب حفظ ربح سنة الاستطاعة لأجل

كونه مئونة الحجّ في سنة الربح، ففيه: أنّ المفروض عدم صرف شي ء لا للحجّ و لا لمقدّماته في سنة الربح كي يحسب مئونة و في رأس السنة يتعلّق الخمس بربح التكسّب، نعم يستقرّ عليه الحجّ مع التمكّن من الذهاب و تركه عصياناً.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الخمس 14: 133.

(2) جواهر الكلام 16: 62.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 585

و أمّا المقدار المتمّم لها في تلك السنة فلا خمس فيه لو صرفه في المشي إلى الحج (85). و قد مرّ جواز صرف ربح السنة في المئونة (86)، و لا يجب التوزيع بينه و بين غيره ممّا لا يجب فيه الخمس، فيجوز صرف جميع ربح سنته في مصارف الحجّ، و إبقاء أرباح السنوات السابقة المخمّسة لنفسه (87).

[ (مسألة 23): الخمس متعلّق بالعين]

(مسألة 23): الخمس متعلّق بالعين (88)،

______________________________

(85) حصول الاستطاعة تدريجاً يكون بجمع أرباح السنين المتعدّدة؛ فيجب إخراج خمس ربح كلّ سنة و ادّخار الزائد عن الخمس في كلّ سنة إلى أن تحصل الاستطاعة؛ ففي عام حصول الاستطاعة بربحه يحسب الربح مئونة لو صرف في المشي إلى الحجّ.

و وجه وجوب إخراج الخمس من أرباح السنوات السابقة على عام الاستطاعة: أنّه لم يكن في تلك السنوات مستطيعاً حتّى يحتاج إلى صرف الربح في مقدّماته؛ فلا يستثني من الربح شي ء فيها. و أمّا المقدار المتمّم في السنة التي يمشي إلى الحجّ فيصدق عليه أنّه مئونة؛ فيستثنى من الربح.

(86) قد مرّ تفصيله في بيان المسألة التاسعة عشرة، فراجع.

(87) قد مرّ وجه ذلك في شرح المسألة التاسعة عشرة، فراجع.

(88) أي لا بالذمّة، و يستفاد ذلك من تعبيرات الآية الشريفة و الروايات، حيث عبّر بقوله تعالى خُمُسَهُ و الضمير يعود إلى «الشي ء» في الآية الشريفة وَ

اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ، و قوله (عليه السّلام)

إنّ الخمس على خمسة أشياء «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 486، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 586

..........

______________________________

و قوله (عليه السّلام)

الخمس من خمسة أشياء «1»

، و قوله (عليه السّلام)

عليها الخمس جميعاً «2»

، و قوله (عليه السّلام)

ففيه الخمس «3».

و بالجملة: فإرجاع الضمير إلى الأعيان المذكورة في الروايات يدلّ على تعلّق الخمس بنفس الأعيان. و يدلّ عليه مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يكون له إبل أو بقر أو غنم أو متاع، فيحول عليه الحول فتموت الإبل و البقر و الغنم و يحترق المتاع، قال

ليس عليه شي ء «4»

، و المفروض أنّ أحكام الخمس و الزكاة مشتركة إلّا في بعض الموارد.

و لا يخفى: أنّ العين متعلّقُ الخمس من حيث ماليتها لا من حيث خصوصيتها الخارجية؛ فلذا يتخيّر المالك بين دفع الخمس من نفس العين الخارجية، و بين دفع قيمته من الأثمان أو من أموال أُخر.

توضيح ذلك: أنّ عين الشي ء قد تكون متعلّق الحكم من حيث خصوصياته الخارجية القائمة بشخصها؛ فبانتفائها ينتفي الحكم المترتّب عليها، كما في الشفعة و الخيار المتعلّقين بالعين حيث إنّ حقّي الشفعة و الخيار ثابتان للشفيع و ذي الخيار ما دامت العين باقية. و قد تكون متعلّق الحكم باعتبار ماليتها من غير دخالة لخصوصياتها الخارجية، كما في الرهن حيث إنّ حقّ الرهن يتعلّق بالعين المرهونة بماليتها بحيث إذا تلفت يبقى الحقّ متعلّقاً بمال آخر من أموال الراهن.

و لا يخفى أيضاً: أنّ تعلّق الخمس بالأموال ليس من قبيل حقّ الشفعة و الخيار

______________________________

(1)

وسائل الشيعة 9: 487، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 491، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 492، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 9: 127، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الأنعام، الباب 12، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 587

..........

______________________________

حتّى يكون المال مشتركاً بين المالك و أرباب الخمس كي لا يجوز للمالك دفعه من غير العين، بل هو من قبيل حقّ الرهانة؛ فيجوز للمالك دفعه من مال آخر.

و الدليل على أنّ العين بخصوصياتها ليست مشتركة أُمور:

الأوّل: أنّ المال ينسب إلى المالك أوّلًا ثمّ يتعلّق به حقّ أرباب الخمس ثانياً، كما هو المستفاد من قوله تعالى أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ حيث أسند الغنم إلى المالكين كذا قيل و لكنّه من المحتمل أن تكون الآية في صدد بيان أنّ جميع ما غنمتم لا يكون ملكاً لكم من حين غنمتم، بل خمسه ملك لغيركم.

الثاني: أنّه لا يعقل مالكية الطوائف الثلاث المذكورة في الآية اليتامىٰ و المساكين و ابن السبيل للخمس؛ لأنّ الكلّي لا يكون مالكاً؛ فحينئذٍ لا تعقل الشركة في العين.

الثالث: الأخبار الواردة في جواز بيع المعدن و تعلّق الخمس بالثمن، كرواية الحارث بن حصيرة الأزدي قال: وجد رجل ركازاً على عهد أمير المؤمنين (عليه السّلام)، فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم و مائة شاة متبع، فلامته أُمّي و قالت: أخذت هذه بثلاثمائة شاة أولادها مائة و أنفسها مائة و ما في بطونها مائة؟! قال: فندم أبي فانطلق ليستقيله، فأبى عليه الرجل فقال: خذ منّي عشر شياة، خذ منّي

عشرين شاة فأعياه، فأخذ أبي الركاز و أخرج منه قيمة ألف شاة، فأتاه الآخر فقال: خذ غنمك و آتني ما شئت، فأبى فعالجه فأعياه، فقال: لأضرنّ بك، فاستعدى أمير المؤمنين (عليه السّلام) على أبي فلمّا قصّ أبي على أمير المؤمنين (عليه السّلام) أمره، قال لصاحب الركاز

أدّ خمس ما أخذت فإنّ الخمس عليك فإنّك أنت الذي وجدت الركاز و ليس على الآخر شي ء؛ لأنّه إنّما أخذ ثمن غنمه «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 497، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 6، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 588

..........

______________________________

و مصحّح ريّان بن الصلت قال: كتبتُ إلى أبي محمّد (عليه السّلام): ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى أرض في قطيعة لي، و في ثمن سمك و بردي و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب (عليه السّلام)

يجب عليك فيه الخمس إن شاء اللّٰه تعالى «2».

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كتبتُ إليه في الرجل يهدي إليه مولاه و المنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب (عليه السّلام)

الخمس في ذلك

، و عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنّما يبيع منه الشي ء بمائة درهم أو خمسين درهماً هل عليه الخمس؟ فكتب

أمّا ما أُكل فلا و أمّا البيع فنعم، هو كسائر الضياع «1».

و من المحتمل أن يقال: إنّ الخمس تعلّق بالعين و يجوز بيعها و انتقال الخمس إلى ثمنها لأجل هذه الروايات.

إن قلت: إنّ الروايات المذكورة تدلّ على جواز بيع مال فيه الخمس، و لا إطلاق لها يشمل على جوازه بعد تمام الحول، و

الإجماع على جواز تأخير الخمس إلى آخر السنة إرفاقاً للمكتسب يدلّ على جواز بيعه في أثناء الحول.

قلت: يكفي في جوازه بعد الحول استصحاب ولاية المالك على البيع الثابتة في أثناء الحول.

و قد يستدلّ أيضاً على دفع الخمس من غير العين بالأخبار الواردة في الزكاة الدالّة على جواز أدائها من غير جنس المال الزكوي، كصحيح محمّد بن خالد البرقي قال: كتبتُ إلى أبي جعفر الثاني (عليه السّلام): هل يجوز أن أخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة و الشعير و ما يجب على الذهب دراهم قيمته ما يسوى، أم

______________________________

(2) وسائل الشيعة 9: 504، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 9.

(1) وسائل الشيعة 9: 504، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 589

و تخيير المالك بين دفعه منها أو من مال آخر لا يخلو من إشكال؛ و إن لا يخلو من قرب (89) إلّا في الحلال المختلط بالحرام، فلا يترك الاحتياط فيه بإخراج خمس العين (90)،

______________________________

لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شي ء ما فيه؟ فأجاب (عليه السّلام)

أيّما تيسّر يخرج «1».

و صحيح محمّد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم بالقيمة، أ يحلّ ذلك؟ قال

لا بأس به «2».

(89) وجه الإشكال في تخيير المالك بين دفع الخمس من العين أو من مال آخر احتمال أن يكون المراد من الأخبار المذكورة المستدلّ بها على التخيير المزبور هو جواز إيقاع المعاملة على المال الذي فيه الخمس باعتبار انتقال الخمس من عين المال

إلى مقابله الذي هو الثمن.

و وجه قرب تخيير المالك ما نطقت به جملة من الأخبار التي ذكرناها في مقام الاستدلال على نفي كون العين بخصوصيتها مشتركة بين المالك و أرباب الخمس، و كذا الأخبار الواردة في الزكاة المصرّحة فيها بالتخيير بقوله (عليه السّلام)

أيّما تيسّر يخرج

، و كذا قوله (عليه السّلام)

لا بأس به

في جواب السؤال عن إعطاء الدنانير عن خمسه الذي هو الدراهم أو العكس.

(90) يشكل دفع القيمة في الحرام المخلوط بالحلال؛ لرواية الحسن بن زياد العطّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ رجلًا أتى أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 167، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 14، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 167، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضّة، الباب 14، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 590

و ليس له أن ينقل الخمس إلىٰ ذمّته ثمّ التصرّف في المال المتعلَّق للخمس (91).

______________________________

يا أمير المؤمنين إنّي أصبت مالًا لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له: أُخرج الخمس من ذلك المال؛ فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ قد رضي من ذلك المال بالخمس، و اجتنب ما كان صاحبه يعلم «1».

و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال

لا، إلّا أن لا يقدر على شي ء يأكل و لا يشرب و لا يقدر على حيلة؛ فإن فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت «2»

، و غيرهما من روايات الباب؛ فلا يترك الاحتياط بإخراج خمس العين في الحرام المختلط بالحلال.

(91) و ذلك لعدم الدليل على انتقاله إلى ذمّة المالك بمجرّد ضمانه.

و لا يخفى: أنّ موضوع المسألة

نقل الخمس إلى ذمّته و التصرّف فيه بعد تمام الحول و استقرار الخمس عليه؛ إذ قبل تمام الحول لا بأس بالتصرّف فيه؛ إذ لم يستقرّ عليه الخمس. فالنقل إلى الذمّة في أثناء الحول سالبة بانتفاء الموضوع.

و قال صاحب «الجواهر» في باب خمس المعدن: له ضمانه، و له أن يؤدّي من مال آخر. و قال (رحمه اللّٰه) في مسألة جواز تأخير ما يجب في الأرباح: نعم، لو ضمنه و جعله في ذمّته جاز له ذلك. لكن ليس في الأدلّة هنا تعرّض لبيان أنّ له ضمانه مطلقاً أو بشرط الملاءة أو الاطمئنان من نفسه بالأداء أو غير ذلك، بل لا تعرّض فيها لأصل الضمان «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 505، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 10، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 506، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 10، الحديث 2.

(3) جواهر الكلام 16: 22 و 80.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 591

..........

______________________________

و قال الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه) في «كتاب الخمس» بجواز التصرّف في الأعيان الخمسية مع ضمان الخمس لسيرة الناس به. و بأنّه مقتضى الجمع بين النصوص الدالّة على جواز بيع ما فيه الخمس و إخراج الخمس من ثمنه و بين ما دلّ من النصوص على عدم جواز التصرّف في الخمس، مثل رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

كلّ شي ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه و أنّ محمّداً رسول اللّٰه فإنّ لنا خمسه، و لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا «1»

، و رواية إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

لا يعذّر

عبد اشترى من الخمس شيئاً أن يقول: يا ربّ اشتريته بمالي حتّى يأذن له أهل الخمس «2».

و يمكن أن يقال: إنّ الظاهر من النصوص الدالّة على عدم جواز التصرّف صورة نية عدم إعطاء الخمس عنها، و النصوص المجوّزة محمولة على صورة الأداء، نظير الإجازة في عقد الفضولي.

هنا فروع: الأوّل: إذا استقرّ عليه الخمس في آخر السنة و أتلفه ضمن قيمته أو مثله؛ لقاعدة «مَن أتلف مال الغير فهو له ضامن».

الثاني: لو باع ما فيه الخمس كان البيع بالنسبة إلى مقدار الخمس فضولياً؛ فإن أجازه أرباب الخمس أخذ ما يعادله من الثمن و إن لم يجز رجع إلى العين، هذا بناءً على تعلّق الخمس بالعين. و أمّا بناءً على كون الخمس حقّا فالإجازة لا توجب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 487، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 9: 542، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 11.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 592

نعم يجوز للحاكم الشرعي و وكيله المأذون أن يصالح معه و نقل الخمس إلىٰ ذمّته، فيجوز حينئذٍ التصرّف فيه. كما أنّ للحاكم المصالحة في المال المختلط بالحرام أيضاً (92).

[ (مسألة 24): لا يعتبر الحول في وجوب الخمس في الأرباح و غيرها]

(مسألة 24): لا يعتبر الحول في وجوب الخمس في الأرباح و غيرها (93)؛

______________________________

ملك ما يعادله من العوض لأربابه و لا ثبوت حقّ في خصوص العوض، و يكون العوض ملكاً للبائع و يكون الخمس في ذمّته؛ فله أن يؤدّي ما في ذمّته من أيّ مالٍ شاء.

الثالث: لو باع ما في ذمّته و في مقام الوفاء أدّى مال الخمس يكون البيع صحيحاً، فللحاكم أن يرجع في مقدار الخمس إلى المشتري و يستردّه إن كانت العين موجودة، و له

أن يرجع إلى كلّ من البائع و المشتري بقيمته إن كانت تالفة، كما في تعاقب الأيدي.

(92) و ذلك لولاية الحاكم الشرعي على المصالحة؛ حتّى في خمس الحلال المختلط بالحرام.

(93) يعني أنّ مضيّ الحول ليس شرطاً لوجوب الخمس في الأرباح، بل متى حصل الربح و كان زائداً على مئونة السنة تعلّق به الخمس، و هذا القول هو المشهور بين الأصحاب، و يقتضيه إطلاق الأدلّة.

نعم حكي عن «السرائر»: أنّ تعلّق الخمس بعد السنة أي يعتبر في وجوبه مضيّ السنة فبعد مضيّ السنة إن بقي شي ء من الربح تعلّق به الخمس. و قال بوجوب الخمس بمجرّد الحصول في الكنز و المعدن. و أمّا سائر الاستفادات و الأرباح فلا يجب فيها بمجرّد حصولها، بل بعد مئونة السنة؛ فلا يجب فيها إخراج

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 593

و إن جاز التأخير إلىٰ آخره في الأرباح احتياطاً للمكتسب (94)، و لو أراد التعجيل جاز له،

______________________________

الخمس بعد حصولها؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة. بل بعد نفقته طول السنة، و المئونة لا يعلم كمّها و لا كيفها إلّا بعد مضيّ السنة. و تمسّك في ذلك كلّه بقولهم

الخمس بعد المئونة.

و فيه: أنّ البَعدية ليست زمانية، بل المراد تحديد موضوع الخمس و أنّ الخمس لا يتعلّق بكلّ الربح بل يتعلّق بغير المئونة، و لا دخالة للعلم بكمّية المئونة في وجوب الخمس، بل الوجوب يتعلّق بالزائد عليها واقعاً و إن لم يعلم به، كما هو المفروض في الشبهات الموضوعية. و يلزم عليه (رحمه اللّٰه) أن يلتزم بوجوب الخمس قبل تمام الحول فيما علم كمّية المئونة، إلّا أن يجيب بعدم القول بالفصل بين العلم بكمّية المئونة و عدمه في عدم الوجوب قبل تمام

الحول.

و بالجملة: فالمستفاد من النصوص بيان موضوع الخمس، و البعدية ليست زمانية، بل رتبية كما في الإرث، فإنّه بعد الوصية و الدين و أنّه ما سواهما.

(94) أي إرفاقاً للمكتسب؛ لإمكان تجدّد مؤن؛ من ولادة ولد و شراء مملوك و تزويج زوجة لنفسه أو ولده و ضيف غير متعارف و غرامة لا يترقّبها و خسارة في تجارة و نحوها.

و زاد في «البيان»: أنّه قد يكون احتياطاً للمستحقّ؛ لاحتمال نقصان المئونة. و استدلّ على جواز التأخير بالإجماع. و في «الجواهر»: بل لا أجد فيه خلافاً، بل الظاهر الإجماع عليه، بل قد يشعر به صحيح ابن مهزيار الطويل «1»، انتهى.

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 79.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 594

و ليس له الرجوع على الآخذ لو بان عدم الخمس؛ مع تلف المأخوذ و عدم علمه بأنّه من باب التعجيل (95).

______________________________

و المشعر به في الصحيح قوله (عليه السّلام)

فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام «1»

، و المتيقّن من الإجماع غير صورة العلم بعدم المئونة. و يظهر من عبارة المصنّف (رحمه اللّٰه) أي من تقييد جواز التأخير إلى آخر السنة عدم جواز التأخير عن آخرها و وجوب الأداء فوراً في آخرها.

(95) إذا عجّل في أداء الخمس ثمّ زادت المئونة و انكشف عدم الزيادة على المئونة قال في «المسالك» و «الجواهر» و الشيخ الأنصاري في «كتاب الخمس»: أنّه لم يرجع إلى الآخذ مطلقاً أي سواء كان المأخوذ موجوداً عند الآخذ أو تالفاً، و سواءً كان الآخذ عالماً بالحال أو جاهلًا لأنّ تخمين المئونة و ظنّها عند إرادة التعجيل أخذ على نحو الموضوعية لا الطريقية. و يكون المراد بقولهم

الخمس بعد المئونة

أنّه بعد ملاحظة المئونة و

تخمينها و ظنّها عند إرادة التعجيل؛ فالمستحقّ يملك الخمس بمجرّد حصول الربح و التأخير إرفاق للمالك؛ فإذا دفعه إلى مستحقّه لا يجوز له الرجوع و استرجاعه و إن كان موجوداً عند الآخذ.

و فيه: أنّ الظاهر من المئونة المستثناة هي المئونة بحسب الواقع و نفس الأمر، و مقتضى أدلّة استثناء المئونة اختصاص الخمس واقعاً بالزائد عليها، فله الرجوع على الآخذ مع وجودها و مع علم الآخذ بالحال؛ لقاعدة اليد، و مع تلفه و جهله بالحال لا يرجع إليه؛ لقاعدة الغرور. و لذا فصّل المصنّف (رحمه اللّٰه) و السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» و المحشّين لها بين بقاء العين فيرجع إلى الآخذ لأنّ تجدّد المئونة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 595

[السادس: الأرض التي اشتراها الذمّي من مسلم]

اشارة

السادس: الأرض التي اشتراها الذمّي من مسلم، فإنّه يجب على الذمّي خمسها، و يؤخذ منه قهراً إن لم يدفعه بالاختيار (96)،

______________________________

يكشف عن عدم تعلّق الخمس من أوّل الأمر؛ إذ لا خمس إلّا بعد المئونة و بين تلفها مع جهل الآخذ فلا يرجع إليه؛ لكونه مغروراً حيث سلّطه المالك، و يرجع إليه مع علمه بالحال و قد أخذه بغير استحقاق؛ حتّى أنّه لو أتلفه الآخذ مع علمه بالحال يرجع إليه؛ لقاعدة «من أتلف مال الغير فهو له ضامن».

(96) ذهب إليه ابنا حمزة و زهرة و أكثر المتأخّرين، و نسبه في «الروضة» إلى الشيخ و المتأخّرين أجمع، و في «المنتهي» و «التذكرة» نسبه إلى علمائنا، و في «الغنية» ادّعى الإجماع عليه.

قال الشيخ في «النهاية» في عداد ما يجب فيه الخمس: و الذمّي إذا اشترى من مسلم أرضاً وجب

عليه فيها الخمس، و عن «الغنية» في عداد ما يجب فيه الخمس: و في الأرض التي يبتاعها الذمّي بدليل الإجماع، و في «مستند الشيعة»: و هو المشهور بين المتأخّرين، و عن «المعتبر» و «المنتهي» الإجماع عليه. إلى أن قال: خلافاً لظاهر كثير من القدماء حيث لم يذكروا هذا النوع، و مال إليه الشهيد الثاني في بعض فوائده لتضعيف الرواية و هو ضعيف، أو لمعارضتها مع ما مرّ من الأخبار الحاصرة للخمس في خمسة أو في الغنائم خاصّة. و يضعّف بأنّ التعارض بالعموم و الخصوص المطلق؛ فيقدّم الخاصّ بلا إشكال «1»، انتهى.

و يدلّ على وجوب الخمس في تلك الأرض صحيح أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه

______________________________

(1) مستند الشيعة 10: 34.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 596

..........

______________________________

الخمس «1»

، و مرسل المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» عن الصادق (عليه السّلام) قال

الذمّي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس «2».

و ظاهر ابن أبي عقيل و ابن الجنيد و سلّار و الحلبي و غيرهم عدم الخمس فيها، و في «المختلف» و عن «الروضة» في وجه هذا القول: أنّ رواية أبي عبيدة موثّقة أو معارضة لما دلّ على حصر الخمس في خمسة، كمرسل «المقنع» قال: روى محمّد بن أبي عمير

إنّ الخمس على خمسة أشياء: الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة

، و نسي ابن أبي عمير الخامسة «3». و مرسل حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح قال

الخمس في خمسة أشياء: من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة «4»

، و غيرهما من روايات الباب.

و فيه أوّلًا: أنّ الرواية

صحيحة. و ثانياً: أنّ الموثّقة حجّة. و ثالثاً: أنّه لا حصر في الروايات الواردة في بيان خمسة أشياء متعلّقة للخمس. نعم في بعض الروايات قد حصر الخمس في الغنائم، كما في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة «5»

، و قد وجّهه صاحب «وسائل الشيعة» بأنّ الحصر في الغنائم إنّما هو في القرآن لا في الشريعة حتّى السنّة، أو المراد بالغنائم معناه الأعمّ أي ما حصل للإنسان فيشمل جميع الأصناف التي يجب فيها الخمس.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 505، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 9، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 505، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 9، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 9: 486، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 9: 488، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 9.

(5) وسائل الشيعة 9: 485، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 597

و لا فرق بين كونها أرض مزرع أو بستان أو دار أو حمّام أو دكّان أو خان أو غيرها مع تعلّق البيع و الشراء بأرضها مستقلا، و لو تعلّق بها تبعاً؛ بأن كان المبيع الدار و الحمّام مثلًا فالأقوىٰ عدم التعلّق بأرضه (97).

______________________________

و في «المعتبر»: روى جماعة من الأصحاب: أنّ الذمّي إذا اشترى أرضاً من مسلم فإنّ عليه الخمس، ذكر ذلك الشيخان و من تابعهما، و رواه الحسن بن محبوب. و قال مالك: يمنع الذمّي من شراء أرض المسلم إذا كانت عشريّة؛ لأنّه تمنع الزكاة فإن

اشتروها ضوعف عليهم العشر فأُخذ منهم الخمس، و هو قول أهل البصرة و أبي يوسف، و يروى عن عبيد اللّٰه بن الحسن العنبري و ظاهر هذه الأقوال يقتضي أن يكون ذلك مصرف الزكاة عندهم لا مصرف خمس الغنيمة، و قال الشافعي و أحمد: يجوز بيعها من الذمّي و لا خمس عليه و لا زكاة «1».

و في «المنتهي»: قال أبو حنيفة: تصير أرض خراج. و احتمل بعض فقهائنا المعاصرين أن يكون الخمس في حاصل الأرض لا في رقبتها. و استشهد عليه بعنوان المسألة في «الخلاف» بقوله: إنّ الذمّي إذا اشترى أرضاً عشرية وجب عليه فيها الخمس، ثمّ يطرح مسائل ثلاث اختلف فيها في مقدار المأخوذ أنّه خمس أو عشر و أنّه جزية أو غيرها، فعليك بالمراجعة إلى «الخلاف» «2».

(97) وجه عدم الفرق بين الأراضي المذكورة في المتن إطلاق الأرض و صدقها عليها فيما كان المبيع أرضها مستقلّة و موردة للشراء، كما هو المتداول في معاملة أبنية كان المقصود بها أرضها بحيث يخرب البناء بعد التملّك لإحداث بناء

______________________________

(1) المعتبر 2: 624.

(2) الخلاف 2: 73/ مسألة 84 و 85 و 86.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 598

و هل يختصّ وجوب الخمس بما إذا انتقلت إليه بالشراء أو يعمّ سائر المعاوضات؟ فيه تردّد (98)،

______________________________

جديد. و أمّا فيما كانت المعاملة مقصوداً بها البناء بالأصالة و كانت أرضها تابعة فالأقوى عند المصنّف (رحمه اللّٰه) عدم الخمس، و المختار عندنا أنّه لو قوّمت الأرض أيضاً كالبناء و كان مقدار من الثمن واقعاً في مقابل الأرض و إن كانت تابعة للعمارة و كان المقصود الأصلي من المعاملة الدار و الدكّان مثلًا ففيها الخمس.

و في «مستند الشيعة»: و لا فرق

في الأرض بين أرض السكنى و الزراعة و البستان و العقار؛ وفاقاً لظاهر عبارة جماعة و تصريح بعضهم منه «الروضة» لإطلاق الرواية. و عن «المعتبر» و «المنتهي» التخصيص بأرض الزراعة، و استجوده بعض المتأخّرين استناداً إلى أنّها المتبادر. و فيه منع ظاهر «1»، انتهى.

و في «المعتبر»: أنّ مراد الأصحاب أرض الزراعة لا المسكن، كذا في «المنتهي». و استجوده في «المدارك» و علّله بأنّه المتبادر.

و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) قال: و لعلّه أي الاختصاص بأرض المزرع لا يخلو من وجه؛ للأصل و دعوى تبادر ذلك من الأرض و تعارف التعبير عن غيرها بالدار و المسكن، إلّا أنّ فيهما أي فيما ذكر في «المنتهي» و «المعتبر» معاً تأمّلًا؛ خصوصاً إن أرادا حتّى الأرض المتّخذة للمسكن، فالأولى ثبوت الخمس؛ سواء كان مسكناً أو مزرعاً «2»، انتهى كلام «الجواهر».

(98) في المسألة وجهان: الأوّل: الاختصاص بالشراء؛ لظاهر النصّ حيث

______________________________

(1) مستند الشيعة 10: 35.

(2) جواهر الكلام 16: 66.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 599

و الأحوط اشتراط أداء مقدار خمس الأرض عليه في عقد المعاوضة (99)؛ لنفوذه في مورد عدم ثبوته (100)، و لا يصحّ اشتراط سقوطه في مورد ثبوته (101)،

______________________________

عبّر بخصوص الاشتراء، فلا خمس فيما انتقلت الأرض من مسلم إلى ذمّي بغير الشراء من المعاوضات. الثاني: إلغاء خصوصية الشراء و التعدّي إلى مطلق المعاوضات كما عن كاشف الغطاء، أو إلى مطلق الانتقال و لو بالهبة و مجّاناً كما عن «البيان» و «اللمعة» و «الروضة».

و لا يخفى: أنّه لا دليل على إلغاء خصوصية الشراء فيكتفى بمورد النصّ و هو خصوص الشراء نعم الأحوط التعدّي إلى مطلق المعاوضة، بل الهبة المجّانية.

(99) يعني أنّ أخذ الخمس من الذمّي فيما انتقلت

الأرض إليه بغير الشراء من سائر المعاوضات و الهبة جائز بالاشتراط عليه في ضمن عقد المعاوضة أو الهبة، لا أنّ المعاوضة في نفسها مشروطة بأداء الخمس.

(100) أي لنفوذ الشرط الجائز في مورد لم يثبت فيه الخمس، فمع فرض عدم ثبوت الخمس فيما انتقل الأرض إلى ملك الذمّي بغير الشراء من المملّكات لا مانع من ثبوته من ناحية الاشتراط عليه في ضمن عقد المعاوضة.

(101) أي لا يصحّ اشتراط سقوط الخمس عن الذمّي فيما تملك الأرض بخصوص الشراء؛ لأنّ وجوب الخمس بالشراء ثابت بالسنّة و اشتراط سقوطه مخالف للسنّة، و كذلك اشتراط ثبوت الخمس على عهدة البائع المسلم مخالف للسنّة أيضاً؛ فلا يجوز اشتراطه في ضمن عقد المعاوضة.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 600

فلو اشترط الذمّي في ضمن عقد المعاوضة مع المسلم عدم الخمس أو كونه على البائع بطل. نعم لو اشترط عليه أن يعطي مقداره عنه صحّ (102). و لو باعها من ذمّيّ آخر أو مسلم لم يسقط عنه الخمس بذلك، كما لا يسقط لو أسلم بعد الشراء (103)،

______________________________

(102) و كذا لو اشترط البائع المسلم في ضمن عقد المعاوضة بيعاً كان أو غيره عدم الخمس أو كونه على عهدة البائع بطل الشرط؛ لكون الشرط مخالف السنّة، و بطلان البيع منوط على القول بإفساد الشرط الفاسد. نعم لو اشترط في ضمن العقد أن يؤدّي البائع ما على عهدة الذمّي من الخمس فلا مانع منه و يصحّ الشرط؛ لأنّ إعطاء المسلم ما على عهدة الذمّي و إبراء ذمّته عمل جائز شرعاً يصحّ اشتراطه في ضمن عقد المعاوضة و تسقط ذمّة الذمّي بوفاء المسلم على الشرط خارجاً. و لو لم يفِ المسلم بشرطه لم يسقط ذمّة

الذمّي عن الخمس، و للذمّي فسخ المعاوضة بخيار تخلّف الشرط.

(103) وجه عدم سقوط الخمس عن الذمّي ببيعه هو أنّ وجوب الخمس متعلّق بالشراء المملّك و لو آناً ما؛ فلا يسقط عنه ببيعه من ذمّي آخر أو من مسلم. و كذا لا يسقط من الذمّي إذا انتقل منه إلى وارثه المسلم؛ لأنّه وجب بمجرّد الاشتراء خمس الأرض المشتراة على الذمّي، فإذا مات يكون خمس الأرض من جملة ديونه، فيخرج من تركته. و كذا لا يسقط منه إذا أسلم بعد الشراء و التملّك؛ كلّ ذلك لقوله (عليه السّلام)

أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 505، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 9، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 601

..........

______________________________

إن قيل: قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

الإسلام يجبّ ما قبله «1»

أو

ما سبق

يقتضي سقوط الخمس عن الذمّي، كما يقتضي سقوط الزكاة عنه. قال السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» في كتاب الزكاة: لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه الزكاة سقطت عنه و إن كانت العين موجودة؛ فإنّ الإسلام يجبّ ما قبله «2»، و قال المصنّف (رحمه اللّٰه) في كتاب الزكاة من «تحرير الوسيلة» في المسألة العاشرة: تجب الزكاة على الكافر، و إن لم تصحّ منه لو أدّاها. إلى أن قال (رحمه اللّٰه): نعم لو أسلم بعد ما وجبت عليه سقطت عنه و إن كانت العين موجودة، على إشكال. و قد احتاط بعض فقهائنا المعاصرين في المسألة و لم يفت بوجوبها.

قلنا: إنّ حديث

الإسلام يجبّ ما قبله

و إن كان معتبراً سنداً باعتماد أصحابنا عليه و إن لم يثبت من طرق أصحابنا و دلالةً بتسالم

الأصحاب، و أنّ المقطوع عليه من سيرة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) عدم مطالبة من أسلم بقضاء العبادات و أداء الخمس ممّا يجب فيه و الزكاة و سائر الماليات، إلّا أنّه بالنسبة إلى ما كان شرط صحّته الإسلام؛ فلا يشمل مثل العقود و الإيقاعات و الضمانات و النجاسات و الأغسال؛ فإنّها لا تجبّ بالإسلام.

و بالجملة: الماليات كلّها ساقطة عن الكافر الذمّي بإسلامه، إلّا خمس الأرض التي اشتراها من مسلم؛ للتعبّد بصحيحة أبي عبيدة الحذّاء المتقدّمة.

و قال صاحب «المدارك»: و قد نصّ المصنّف في «المعتبر» و العلّامة في جملة من كتبه على أنّ الزكاة تسقط عن الكافر بالإسلام و إن كان النصاب موجوداً؛ لقوله (عليه السّلام)

الإسلام يجبّ ما قبله

، و يجب التوقّف في هذا الحكم لضعف الرواية

______________________________

(1) عوالي اللآلي 2: 54/ 145 و 224/ 38، كنز العمال 1: 66/ 243 و 75/ 297.

(2) العروة الوثقى 2: 272.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 602

و مصرف هذا الخمس كغيره على الأصحّ (104). نعم لا نِصاب له (105)، و لا نيّة حتّى على الحاكم، لا حين الأخذ و لا حين الدفع على الأصحّ (106).

______________________________

المتضمّنة للسقوط سنداً و متناً، و لما روي في عدّة أخبار صحيحة من أنّ المخالف إذا استبصر لا يجب عليه إعادة شي ء من العبادات التي أوقعها في حال ضلالته، سوى الزكاة فإنّه لا بدّ من أن يؤدّيها. و مع ثبوت هذا الفرق في المخالف يمكن إجراؤه في الكافر. و بالجملة: الوجوب على الكافر متحقّق؛ فيجب بقاؤه تحت العهدة إلى أن يحصل الامتثال أو يقوم على السقوط بالإسلام دليل يعتدّ به «1»، انتهى.

و فيه: أنّ

سند حديث

الإسلام يجبّ

منجبر و الدلالة ممّا تسالم عليها الأصحاب، و قياس الكافر على المخالف غير صحيح.

(104) و ذلك لتبادر ما هو المعهود من لفظ «الخمس» في زمن الصادقين (عليهما السّلام)، و تأمّل بعض الفقهاء في مصرف هذا الخمس، و لعلّ منشأه فتوى مالك بأنّ الأرض المشتراة كانت عشرية، و إذا اشتراها الذمّي يضاعف عليه عشر آخر و يصير خمساً، فحينئذٍ كان مصرفه مصرف الزكاة من الأصناف الثمانية، و بناءً على رأي أبي حنيفة تصير الأرض أرض خراج و يصرف خمسه في مصرف بيت المال.

(105) و كذلك لا حول فيه؛ و ذلك لإطلاق الدليل، و لا خلاف في المسألة. و في «مستند الشيعة» ادّعى الإجماع عليه.

(106) أمّا عدم اعتبار النية على الكافر: لأنّه لا يصلح للتقرّب عنه؛ لأنّ الإيمان فضلًا عن الإسلام شرط في صحّة العبادات و منها الخمس و كذلك الزكاة و أمّا عدم اعتبارها على الحاكم: لإطلاق الدليل، و لأنّ الحاكم ليس نائباً

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 42.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 603

[ (مسألة 25): إنّما يتعلّق الخمس برقبة الأرض]

(مسألة 25): إنّما يتعلّق الخمس برقبة الأرض (107)، و الكلام في تخييره كالكلام فيه علىٰ ما مرّ قريباً (108)،

______________________________

عن الكافر في الأداء، بل وظيفته الأخذ و الاستيفاء و الأداء لمصارفه، و لا يعتبر فيها النية. خلافاً ل «الدروس» حيث أوجب النية عند الأخذ و الدفع عن الآخذ و الدافع لا عن الذمّي، و في «المسالك»: و يتولّيان أي الإمام (عليه السّلام) و الحاكم النية عند الأخذ و الدفع وجوباً عنهما لا عنه «1»، انتهى.

بقي الكلام و الإشكال في وجوب الخمس على الكافر الذمّي مع عدم صحّته عنه، و حاصل الإشكال: أنّه إن أُريد من الوجوب عليه

وجوب أدائها حال الكفر فهو تكليف بما لا يصحّ، و إن أُريد بعد الإسلام فهو ينافي سقوطه بالإسلام؛ لقاعدة الجبّ.

و الجواب: أنّ المراد من الوجوب على الكافر تعلّقه بماله قبال انتفائه رأساً لا الوجوب الفعلي، و يترتّب على الوجوب بالمعنى المذكور جواز انتزاعها منه للحاكم قهراً أو اختياراً.

(107) و ذلك لرواية المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» عن الصادق (عليه السّلام) قال

الذمّي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس «2»

، فالخمس يجب في رقبة الأرض فقط دون البناء و الأشجار و النخيل إذا كانت فيها؛ و ذلك لخروج المذكورات من مفهوم الأرض.

(108) مرّ في المسألة الثالثة و العشرين في شرح قوله (رحمه اللّٰه): «و إن لا يخلو عن قرب». و لقائل أن يقول: إنّ مرسلة المفيد (رحمه اللّٰه) المذكورة تدلّ على تعلّق

______________________________

(1) مسالك الأفهام 1: 466.

(2) وسائل الشيعة 9: 505، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 9، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 604

و لو كانت مشغولة بالغرس أو البناء مثلًا ليس لوليّ الخمس قلعه، و عليه أُجرة حصّة الخمس لو بقيت متعلّقة له (109)، و لو أراد دفع القيمة في الأرض المشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء، تقوّم مع وصف كونها مشغولة بها بالأُجرة، فيؤخذ خمسها (110).

______________________________

الخمس بنفس رقبة الأرض، كما أنّ في الحلال المختلط بالحرام كان كذلك؛ فالأحوط إخراج الخمس من نفس العين.

(109) و ذلك لكون الخمس من قبيل الحقّ المتعلّق بالعين؛ فيجوز للذمّي دفع قيمة خمس الأرض؛ فلا يجوز لأرباب الخمس قلع الغرس و البناء. و لقاعدة لا ضرر حيث إنّ الغرس و البناء و غيرهما من أموال الذمّي لها احترام فلا يجوز إضراره

بقلعها و قاعدة لا ضرر حاكمة على قاعدة سلطنة وليّ الأمر على الخمس من الأرض. فحينئذٍ إن أخذ الحاكم قيمة الأرض خمساً فبها، و إن لم يأخذها فعلى الذمّي أُجرة حصّة الخمس للولي لأجل إشغاله حصّة الخمس من الأرض بالغرس و البناء مثلًا.

(110) و في «الجواهر»: و مقصودهم بقولهم: «مشغولة.» إلى آخره يعني أنّ مقصود كاشف الغطاء و غيره من قولهم و طريق معرفة الخمس أن تقوّم مشغولة بما فيها بأُجرة للمالك مراعاة ذلك في التقويم؛ احترازاً عن دخول النقص لمن له الخمس لو قوّم بدون ملاحظة الأُجرة، بل لولاه لأحاط بالقيمة كما اعترف به في «المسالك»، و عن دخوله لمن عليه لو لم يلاحظ استحقاق بقاء المشغولية «1»، انتهى.

و لا يخفى: أنّ دفع الذمّي القيمة إلى أرباب الخمس لا يعدّ اشتراءً ثانياً لخمس

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 69.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 605

[ (مسألة 26): لو اشترى الذمّي الأرض المفتوحة عنوة]

(مسألة 26): لو اشترى الذمّي الأرض المفتوحة عنوة، فإن بيعت بنفسها في مورد صحّ بيعها كذلك كما لو باعها وليّ المسلمين في مصالحهم فلا إشكال في وجوب الخمس عليه (111).

______________________________

الأرض بعد اشتراء تمام الأرض أوّلًا؛ فلا يجب عليه خمس خمس الأرض ثانياً، بل دفع القيمة خروج عن عهدة الخمس. نعم لو تملّك أرباب الخمس خمس الأرض ثمّ قوّم و انتقل منهم إلى الذمّي بإزاء القيمة تعلّق به الخمس؛ لكونه اشتراءً حقيقياً.

(111) الأرض المفتوحة عنوةً إن كانت مواتاً حال الفتح أو كانت معمورة ثمّ صارت مواتاً فهي من الأنفال للإمام (عليه السّلام). و إن كانت معمورة حاله فهي للمسلمين فإذا تملّكها الذمّي ببيع الإمام (عليه السّلام) أو نائبه لبعض مصالح العامّة، أو باعها بعض المسلمين إذا كان له

فيها أثر من الغرس أو البناء و قلنا بأنّ ملك الآثار يستتبع ملك الرقبة فلا إشكال في وجوب خمس الأرض على الذمّي؛ و ذلك لإطلاق النصّ الشامل للاشتراء التبعي.

و أمّا إذا لم يشترها أصلًا و لا تبعاً للآثار بل كان المبيع عبارة عن خصوص الآثار فقط، و للذمّي حقّ الاختصاص في الأرض قد انتقل إليه هذا الحقّ من المسلم المتقبّل للأرض من وليّ الأمر فالأقوى عدم وجوب الخمس فيها؛ لأنّه لم ينقل إليه الأرض و لم يتملّكها أصلًا، و لا يصدق على هذا الانتقال شراء الأرض؛ حتّى مسامحةً.

و في «المستمسك»: و كفاية صدق الشراء و لو بنحو من العناية و المسامحة غير ظاهرة «1»، انتهى.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 9: 511.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 606

و أمّا إذا بيعت تبعاً للآثار فيما كانت فيها آثار من غرس أو بناء (112)، و كذا فيما إذا انتقلت إليه الأرض الزراعيّة بالشراء من المسلم المتقبّل من الحكومة الذي مرجعه إلىٰ تملّك حقّ الاختصاص الذي كان للمتقبّل فالأقوىٰ عدم الخمس (113) و إن كان الأحوط اشتراط دفع مقدار الخمس إلىٰ أهله عليه (114).

______________________________

(112) و الحقّ في المسألة التفصيل بأنّه إن كانت الأرض تقوّمت و وقع بعض الثمن بإزائها وجب الخمس فيها، و إن كان المقصود بالأصالة بالبيع هو البناء و الآثار. و أمّا إن لم يقع شي ء من الثمن بإزائها أصلًا لم يجب الخمس فيها.

و العجب من السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» حيث قال في المسألة الأربعين: لو كانت الأرض من المفتوحة عنوة و بيعت تبعاً للآثار ثبت فيها الحكم؛ لأنّها للمسلمين فإذا اشتراها الذمّي وجب عليه الخمس، و إن قلنا بعدم دخول الأرض في

المبيع و إنّ المبيع هو الآثار و يثبت فيه حقّ الاختصاص للمشتري «1».

و فيه: أنّ متعلّق الخمس عبارة عن الأرض المشتراة؛ أي المنتقلة إلى ملك الذمّي بالاشتراء الذي حقيقته التملّك؛ و لذا استشكل عليه جماعة من المحشّين و قالوا: إنّ ثبوت الخمس على القول بعدم كون الأرض مبيعاً مشكل، بل ممنوع.

(113) وجه عدم وجوب الخمس فيما تملّك الذمّي حقّ الاختصاص من المسلم المتقبّل من الحكومة هو أنّ حقّ الاختصاص بالأرض المتقبّلة من الحكومة و إن كان مالًا قابلًا للانتقال و النقل إلّا أنّه لا يصلح أن يكون متعلّق وجوب الخمس؛ لأنّ متعلّقه عبارة عن نفس الأرض و رقبتها المملوكة للذمّي.

(114) الظاهر: أنّ هذا الاحتياط استحبابي، فإذا اشترط على الذمّي كان أداء

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 387.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 607

[ (مسألة 27): إذا اشترى الذمّي من وليّ الخمس الخمس الذي وجب عليه بالشراء]

(مسألة 27): إذا اشترى الذمّي من وليّ الخمس الخمس الذي وجب عليه بالشراء، وجب عليه خمس ذلك الذي اشتراه و هكذا (115) على الأحوط؛ و إن كان الأقوىٰ عدمه فيما إذا قوّمت الأرض التي تعلّق بها الخمس و ادّى قيمتها. نعم لو ردّ الأرض إلىٰ صاحب الخمس أو وليّه ثمّ بدا له اشتراؤها، فالظاهر تعلّقه بها (116).

______________________________

مقدار الخمس إلى أهله لازماً على الذمّي، و يجبر على دفعه إليهم لو امتنع منه.

(115) فرض المسألة أن يشتري الذمّي خمس الأرض المشتراة أوّلًا من أربابه ثانياً قبل أن يردّه إليهم أو بعده، فإذا اشتراه وجب عليه خمس الخمس المشترىٰ ثانياً؛ و ذلك لصدق الاشتراء عليه؛ فيشمله إطلاق قوله (عليه السّلام)

أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس «1»

، و كذا إذا اشترى من وليّ الخمس خمس الخمس، و هكذا.

(116) قال المحقّق الهمداني

(رحمه اللّٰه) في «مصباح الفقيه»: و ليس للذمّي دفع القيمة عوضاً عن خمس الأرض إلّا برضا مستحقّه، و عليه فهل هو بمنزلة شرائه منه ثانياً حتّى يثبت فيه أيضاً الخمس؟ وجهان، أوجههما العدم؛ فإنّ هذا لا يعدّ في العرف شراء الخمس الذي هو من الأرض بل هو لديهم خروج عن عهدة الخمس المتعلّق بالأرض التي اشتراها بدفع قيمته، فلا يندرج عرفاً في المعاوضات، فضلًا عن أن يطلق عليه اسم الشراء «2»، انتهى.

و في «العروة الوثقى» في المسألة التاسعة و الثلاثين: و يتخيّر الذمّي بين دفع

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 505، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 9، الحديث 1.

(2) مصباح الفقيه، الخمس 14: 149.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 608

..........

______________________________

الخمس من عينها أو قيمتها. و لعلّ وجه التخيير: أنّ تعلّق الخمس على الأرض من قبيل تعلّق حقّ أرباب الخمس عليها. كما أنّ وجه ما ذكره في «مصباح الفقيه» من أنّه ليس للذمّي دفع القيمة عوضاً عن خمس الأرض إلّا برضا مستحقّه هو تعلّق الخمس بنفس الأرض و شخصيتها.

و لعلّ وجه احتياط المصنّف (رحمه اللّٰه): أنّ الخمس و إن كان يتعلّق بالأرض بماليتها، فإذا اشترى الذمّي من وليّ الخمسِ الخمسَ الذي وجب عليه بالشراء فقد اشترى ماليتها لا عينها و شخصيتها فلا يجب عليه الخمس ثانياً، و لكنّه من المحتمل واقعاً أن يتعلّق الخمس بها بنحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن؛ فالاحتياط في تعلّق الخمس عليه، و أحوط منه اشتراط وليّ الخمسِ خمسَ الخمس على الذمّي.

و الأقوى عندنا وجوب الخمس عليه؛ لصدق الاشتراء فيما أدّى خمس الأرض إلى صاحب الخمس أو وليّه ثمّ اشتراه ثانياً؛ لصدق اشتراء الأرض حقيقةً كالمشتراة أوّلًا.

و أمّا إذا قوّمت الأرض المشتراة التي تعلّق بها الخمس و ادّى قيمة خمس الأرض فلا يجب عليه خمس مقدار الخمس من القيمة؛ و ذلك لعدم صدق شراء الأرض.

و ينبغي ذكر فروع سبقت الإشارة إلى بعضها في طيّ ما علّقنا على المتن:

الأوّل: لو اشترى الذمّي الأرض من مسلم ثمّ ردّها إليه بالإقالة أو بالخيار فهل يجب عليه الخمس أو لا؟ قال في «المسالك»: و لا يسقط بإقالة المسلم له في البيع مع احتمال السقوط هنا، انتهى. و نسب أيضاً إلى الشهيد في «البيان». و لعلّ السقوط بالإقالة مبني على كونها فسخاً من حين البيع، فكأنّ الذمّي لم يشترها و لم يتملّكها أصلًا. و السقوط بالخيار مبني على أنّ وجوب الخمس إنّما هو فيما كانت الأرض ملكاً مستقرّاً للذمّي غير عائد منه إلى البائع.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 609

..........

______________________________

و لا يخفى ما في المبنيين من الضعف؛ خصوصاً الثاني منهما؛ إذ يلزم عليه أن يسقط عنه إذا باعها الذمّي ثانياً للبائع أوّلًا، و لم يقل به أحدٌ. فالأقوى في المسألة ثبوت الخمس للذمّي إذا اشتراها من مسلم مطلقاً أي سواء بقي في ملكه أو ردّها إلى البائع المسلم بإقالة أو خيار؛ كلّ ذلك لإطلاق الاشتراء في صحيحة أبي عبيدة الحذّاء «1».

الثاني: لو اشترى الذمّي الأرض من مسلم و تملّكه ثمّ باعها منه لم يسقط الخمس عن الذمّي؛ لاستقرار الوجوب عليه بمجرّد الشراء الموجب لملكه و لو آناً ما فرضاً.

الثالث: قال في «الجواهر»: و لو اشتراها من مسلم ثمّ باعها منه أو من مسلم آخر ثمّ اشتراها كان عليه خمس الأصل مع خمس الأربعة الأخماس، و هكذا حتّى تفني قيمتها «11».

هذا بناءً على تعلّق

الخمس على العين بنحو الإشاعة. و أمّا بناءً على تعلّقه عليها بنحو تعلّق حقّ الرهانة تعلّق الخمس الثاني أيضاً بمجموع الأرض لا بالأربعة الأخماس.

الرابع: إذا أدّى الذمّي خمس الأرض المشتراة ثمّ اشترى ذلك الخمس من أربابه وجب عليه خمس ذلك الخمس الذي اشتراه؛ و ذلك لإطلاق صحيحة الحذّاء المتقدّمة. و في «الجواهر»: و لو اشترى الخمس في جميع الدفعات أُخذ منه خمسه «2». و لا يخفى: أنّ هذا مبني على تعلّق الخمس على العين بنحو الإشاعة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 505، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 9، الحديث 1.

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، در يك جلد، ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس؛ ص: 609

(11) جواهر الكلام 16: 67.

(2) نفس المصدر.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 610

[السابع: الحلال المختلط بالحرام مع عدم تميّز صاحبه أصلًا]

اشارة

السابع: الحلال المختلط بالحرام مع عدم تميّز صاحبه أصلًا و لو في عدد محصور، و عدم العلم بقدره كذلك؛ فإنّه يخرج منه الخمس حينئذٍ (117).

______________________________

الخامس: إذا أسلم الذمّي قبل تمام العقد؛ بأن ملّكه البائع بالإيجاب و أسلم الذمّي قبل قبوله ثمّ قبله لا يجب الخمس؛ لعدم تملّكه بالشراء حال كونه ذمّيا.

السادس: إذا تمّ العقد و توقّف حصول الملك على القبض و أسلم الذمّي قبل القبض ثمّ قبضه ففي وجوب الخمس إشكال؛ من تحقّق الاشتراء من الذمّي، و من أنّ الاشتراء هو التملّك بالبيع، و ما دام لم يقبض لم يحصل الملك. هذا بناءً على كون القبض ناقلًا لا كاشفاً، لا يخلو ثانيهما من قوّة.

السابع: إذا باع ذمّي من ذمّي أرضاً بعقد مشروط بالقبض و أسلم البائع قبل قبض المشتري ففي وجوب الخمس على

الذمّي المشتري إشكال. وجه الإشكال: أنّ إنشاء الاشتراء قد تحقّق حال كون البائع ذميّاً.

الثامن: ليس للذمّي خيار الفسخ من حيث تضرّره و إن كان جاهلًا؛ لأنّ وجوب الخمس على الذمّي حكم تعبّدي، و نفس المعاملة من حيث هي ليست ضررية.

(117) الحرام المختلط بالحلال له صور أربعة: الاولى: أن يكون مالكه و مقداره مجهولين. الثانية: أن يكون كلاهما معلومين. الثالثة: أن يكون قدره معلوماً و صاحبه مجهولًا. الرابعة: عكس الثالثة.

و وجوب الخمس إنّما هو في الصورة الأُولى فقط، و أمّا أحكام بقيّة الصور فأشار إليها المصنّف (رحمه اللّٰه)، و نبحث فيها مختصراً.

و لا يخفى: أنّ مالك الحلال المختلط بالحرام لو منع من التصرّف فيه مطلقاً

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 611

..........

______________________________

فقد توجّه عليه ضرر عظيم. و لو أُبيح له التصرّف في جميع المال لزم إباحة الحرام، و هو غير جائز. و طريق التخلّص عن الضرر و ارتكاب الحرام هو الخمس.

و لا يخفى أيضاً: أنّ الحكم بوجوب الخمس في الحلال المختلط بالحرام إنّما هو فيما علم مقدار مجموع المال المختلط من الحلال و الحرام و لم يعلم مقدارهما بخصوصهما.

و أمّا إذا لم يعلم مقدار مجموع المختلط ففي المسألة وجوه: الأوّل: وجوب دفع ما يحصل به اليقين بالبراءة. الثاني: وجوب دفع ما ينتفي معه اليقين بالاشتغال؛ أي الأقلّ المتيقّن. الثالث: الصلح مع الحاكم الشرعي، كما في المال المعلوم صاحبه. الأحوط هو الأوّل، ثمّ الثالث.

و الدليل على وجوب الخمس في الحلال المختلط بالحرام مصحّح عمّار بن مروان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس «1».

و

خبر السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقال: إنّي كسبتُ مالًا أغمضتُ في مطالبه حلالًا و حراماً و قد أردتُ التوبة و لا أدري الحلال منه و الحرام و قد اختلط عليّ، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام): تصدّق بخمس مالك؛ فإنّ اللّٰه قد رضي من الأشياء بالخمس، و سائر المال لك حلال «2».

و الاستدلال به مبني على أنّ المراد من الصدقة في قوله

تصدّق بخمس مالك

هو المعنى الأعمّ؛ أي المال المتقرّب به إلى اللّٰه تعالى؛ فيشمل الخمس المصطلح.

و رواية الحسن بن زياد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ رجلًا أتى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 494، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3، الحديث 6.

(2) وسائل الشيعة 9: 506، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 10، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 612

..........

______________________________

أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقال: يا أمير المؤمنين (عليه السّلام) إنّي أصبت مالًا لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له: أخرج الخمس من ذلك المال؛ فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ قد رضي من ذلك المال بالخمس، و اجتنب ما كان صاحبه يعلم «1».

و رواية المفيد (رحمه اللّٰه) في الزيادات مرسلًا عن الصادق (عليه السّلام) عن رجل اكتسب مالًا من حلال و حرام ثمّ أراد التوبة عن ذلك و لم يتميّز الحلال بعينه من الحرام، فقال

يخرج منه الخمس و قد طاب؛ إنّ اللّٰه طهّر الأموال بالخمس «2».

و لا يخفى: أنّ دلالة هذه الروايات بضميمة بعضها إلى بعض خصوصاً مصحّح عمّار حيث ذكر فيه الحلال المختلط بالحرام في عداد ما يجب فيه الخمس على وجوب الخمس في الحلال

المختلط بالحرام تامّة لا قصور فيها. و ما في «مصباح الفقيه» من الإشكال في دلالة رواية الحسن بن زياد بأنّ الخمس خمس ربح الكسب من حيث كونه غنيمة لا من حيث كونه ممّا لا يعرف حلاله و حرامه «3». ففيه: أنّ مورد السؤال هو العلاج عن مشكل الحرام المخلوط بالحلال لا خمس ربح كسبه من حيث كونه غنيمة. و يؤيّده تعليله (عليه السّلام) ب

إنّ اللّٰه عزّ و جلّ قد رضي من المال بالخمس.

و كيف كان: فوجوب الخمس في الحلال المختلط بالحرام مشهور بين الفقهاء القدماء و المتأخّرين شهرة عظيمة.

و قال جماعة من القدماء بعدم وجوب الخمس فيه، و استدلّ بعضهم بعدم تعرّض الأخبار به، و ردّ بكفاية الروايات المذكورة.

و قال صاحب «المدارك» بما حاصله: يجب عزل ما يتيقّن أنّه ليس له،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 505، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 10، الحديث 1.

(2) مصباح الفقيه، الخمس 14: 155، المقنعة: 283.

(3) مصباح الفقيه، الخمس 14: 150.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 613

أمّا لو علم قدر المال فإن علم صاحبه دفعه إليه و لا خمس (118)، بل لو علمه في عدد محصور فالأحوط التخلّص منهم، فإن لم يمكن فالأقوى الرجوع إلى القرعة (119)،

______________________________

و يجب التفحّص عن مالكه إلى حصول اليأس من الوصول إليه؛ فحينئذٍ يتصدّق على الفقراء كسائر الأموال المجهول مالكها، و قد وردت الروايات على تصدّق مجهول المالك «1».

و فيه: أنّ الروايات الواردة في وجوب خمس الحلال المختلط بالحرام تكفي في ردّ قول صاحب «المدارك»، و أنّها حاكمة على روايات تصدّق مجهول المالك.

(118) إذا كان الحلال المختلط بالحرام المعلوم المقدار بحيث لا يتميّز حصلت الشركة في العين بنسبة المالين،

و إذا أراد القسمة دفع سهم صاحبه إليه إذا كان حيّاً، و إلى وارثه إن كان ميّتاً، و إلى الإمام (عليه السّلام) إن لم يكن له وارث.

(119) و ذلك لقاعدة اليد؛ فيجب عليه إيصال حقّ صاحب الحرام إليه، و لا يحصل إلّا بالصلح أو بأن يؤدّي إلى كلّ من الأفراد المحصورين مثل المقدار الحرام. و هذا و إن يستلزم ضرراً عظيماً للمؤدّي إلّا أنّ هذا الضرر إذا كان بسوء اختياره فليتحمّله، إلّا أن يؤدّي إلى الحرج بأن لا يمكنه أداء مثل مقدار الحرام لكلّ منهم. فحينئذٍ فهل يرجع إلى القرعة؛ لأنّها لكلّ أمر مشكل؟ و هو الأقوى.

إن قلت: يشكل العمل بنصوص القرعة هنا؛ لعدم بناء الأصحاب على العمل بها في موارد العلم الإجمالي.

قلت: هذا مسلّم مع إمكان الاحتياط بإرضاء كلّ من أفراد الشبهة المحصورة،

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 388.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 614

و لو جهل صاحبه، أو كان في عدد غير محصور، تصدّق بإذن الحاكم على الأحوط (120)

______________________________

و مع عدم إمكانه لا بأس بالقرعة.

أو يتصدّق به؛ لكونه مجهول المالك كما قيل؟ و فيه: أنّ مجهول المالك عبارة عمّا لا يمكن إيصاله إلى صاحبه لعدم معرفته، لا لعدم وجود المال الكافي.

أو أنّه يوزّع بينهم؛ للأخبار الواردة في الوديعة المردّدة بين اثنين؟ و فيه: أنّه منصوص فيقتصر على مورد النصّ؛ و هي الوديعة.

و قال الشيخ الأنصاري: يدفع الحرام إلى الحاكم الشرعي، و هو يوزّعه بينهم أو يقرع. و فيه: أنّه لا دليل على ولايته مع حضور المالك واقعاً و إن تردّد بين محصورين. هذا كلّه فيما كان الاختلاط مستنداً إلى فعل من يده على مال الغير عدواناً.

و أمّا إذا كان بفعل ثالث فلا

يجب عليه أزيد من مقدار الحرام، و يتعيّن القرعة؛ لكون الأمر مشكلًا. نعم لو كان مال الغير وديعة عنده فاختلط بماله بغير تفريط منه حكم بالتوزيع إذا كان الغير مردّداً بين محصورين؛ للأخبار الواردة في الوديعة المردّدة بين شخصين.

(120) أمّا وجوب التصدّق فيما جهل صاحبه فلرواية علي بن أبي حمزة قال: كان لي صديق من كُتّاب بني أُميّة فقال لي: استأذن لي على أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، فاستأذنت له فأذن له، فلمّا أن دخل سلّم و جلس ثمّ قال: جعلت فداك إنّي كنتُ في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالًا كثيراً و أغمضت في مطالبه، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

لولا أنّ بني أُمية وجدوا لهم من يكتب و يجبي لهم الفي ء و يقاتل

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 615

..........

______________________________

عنهم و يشهد جماعتهم لما سلبونا حقّنا، و لو تركهم الناس و ما في أيديهم ما وجدوا شيئاً إلّا ما وقع في أيديهم

، قال: فقال الفتى: جعلت فداك فهل لي مخرج منه؟ قال

إن قلتُ لك تفعل؟

قال: أفعل، قال له

فاخرج من جميع ما كسبتَ (اكتسبت) في ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله و من لم تعرف تصدّقت به و أنا أضمن لك على اللّٰه عزّ و جلّ الجنّة

، فأطرق الفتى طويلًا ثمّ قال له: لقد فعلتُ جعلتُ فداك، قال ابن أبي حمزة: فرجع الفتى معنا إلى الكوفة فما ترك شيئاً على وجه الأرض إلّا خرج منه؛ حتّى ثيابه التي كانت على بدنه، قال: فقسمتُ له قسمة و اشترينا له ثياباً و بعثنا إليه بنفقة، قال: فما أتى عليه إلّا أشهر قلائل حتّى مرض فكنّا نعوده، قال: فدخلتُ يوماً و

هو في السوق، قال: ففتح عينيه ثمّ قال لي: يا علي وفى لي و اللّٰهِ صاحبك، قال: ثمّ مات، فتولّينا أمره فخرجتُ حتّى دخلتُ على أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فلمّا نظر إليّ قال لي

يا علي وفينا و اللّٰهِ لصاحبك

، قال: فقلت: صدقت جعلتُ فداك و اللّٰه هكذا، و اللّٰهِ قال لي عند موته «1». نقلناها بطولها لكونها موعظة.

و الدليل على وجوب التصدّق فيما كان صاحبه في عدد غير محصور صحيحة يونس بن عبد الرحمن قال: سئل أبو الحسن الرضا (عليه السّلام) و أنا حاضر. إلى أن قال: فقال: رفيق كان لنا بمكّة فرحل منها إلى منزله و رحلنا إلى منازلنا، فلمّا أن صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا، فأيّ شي ء نصنع به؟ قال

تحملونه حتّى تحملوه إلى الكوفة

، قال: لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع، قال

إذا كان كذا فبعه و تصدّق بثمنه

، قال له: على مَنْ جعلت فداك؟ قال

على أهل الولاية «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 17: 199، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 47، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 25: 450، كتاب اللقطة، الباب 7، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 616

..........

______________________________

و أمّا كون التصدّق بإذن الحاكم الشرعي فنقول أوّلًا: إنّه لا يخلو من قوّة؛ لموثّقة داود بن أبي يزيد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رجل إنّي أصبت مالًا و إنّي قد خفتُ فيه على نفسي، و لو أصبتُ صاحبه دفعته إليه و تخلّصت منه، قال: فقال له أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

و اللّٰهِ إن لو أصبته كنتَ تدفعه إليه؟

قال: إي و اللّٰه، قال

فأنا و اللّٰهِ ما له

صاحب غيري

، قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره، قال: فحلف فقال

فاذهب فاقسمه في إخوانك، و لك الأمن ممّا خفتَ منه

، قال: فقسّمته بين إخواني «2».

حيث إنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام)

و اللّٰه ما له صاحب غيري

الإيصال إلى المصرف بإذن وليّ الأمر، و لم يكن المال ماله الشخصي (عليه السّلام) بقرينة أمره (عليه السّلام) على تقسيمه في إخوانه المؤمنين. و في «المستمسك»: و هذا المعنى أولى من حمله على أنّه مال الإمام (عليه السّلام) و حكمه التصدّق به عن الإمام (عليه السّلام) لا عن صاحبه «3».

و ثانياً: أنّه على فرض عدم تمامية الرواية سنداً أو دلالةً فمقتضى الاحتياط لزوم الرجوع إلى وليّ الأمر و صرفه في مورده بإذنه؛ لأنّ الأصل عدم جواز التصرّف في مال بدون الإذن من المالك أو الشارع، و الحاكم الشرعي ولايته على التصرّف فيه ثابتة بالدليل المعتبر، و غيره لا ولاية له؛ فلا بدّ له من الإذن في التصرّف في المصارف المقرّرة.

و لا يخفى: أنّ وجوب التصدّق فيما علم قدر الحرام و جهل صاحبه أو كان في عدد غير محصور يعمّ ما كان الحرام بقدر الخمس أو أكثر أو أقلّ. و صاحب «الحدائق» (رحمه اللّٰه) حكى فيما كان الحرام المعلوم مقداره زائداً عن الخمس قولًا

______________________________

(2) وسائل الشيعة 25: 450، كتاب اللقطة، الباب 7، الحديث 1.

(3) مستمسك العروة الوثقى 9: 493.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 617

علىٰ من شاء ما لم يظنّه بالخصوص، و إلّا فلا يترك الاحتياط بالتصدّق به عليه إن كان محلّا له (121). نعم لا يجدي ظنّه بالخصوص في المحصور (122). و لو علم المالك و جهل بالمقدار تخلّص منه بالصّلح (123).

______________________________

بوجوب إخراج مقدار

الخمس خمساً ثمّ الصدقة بالزائد، و لم يسمّ قائله، و هو ضعيف؛ لعدم الدليل عليه مع قيام الدليل على وجوب تصدّق المال الحرام كلّه. و أضعف منه القول بوجوب دفع المقدار المعلوم و إن كان أكثر أو أقلّ من الخمس خمساً لا صدقة.

(121) لأنّ مَن بيده المال مخيّر في إيصاله إلى أيّ شخص شاء من أشخاص مصرف الصدقة، هذا إذا لم يظنّ بأنّ المالك هو أحد الأفراد الغير المحصورين. و أمّا إذا ظنّ بالظنّ المعتبر أنّ المالك هو أحدهم الفلاني المعيّن فلا يتعيّن الردّ إليه؛ لعدم معرفته، و قد أُخذ العلم و المعرفة في وجوب الردّ إلى المالك، كما في رواية علي بن أبي حمزة المذكورة سابقاً حيث قال (عليه السّلام)

فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، و من لم تعرف تصدّقت به

فلا يردّ إليه بالخصوص مع كونه مظنون المالكية.

نعم لو كان مظنون المالكية فقيراً مثلًا فمقتضى الاحتياط التصدّق عليه؛ لأنّه إن كان مالكاً في الواقع فقد ردّ ماله إليه، و إن لم يكن مالكاً واقعياً فقد ردّت الصدقة إلى أهله و وقعت في محلّه لفقره، فوصل الحقّ إلى ذيه واقعاً.

(122) و ذلك لتنجّز التكليف بالنسبة إلى كلّ فرد من أفراد الشبهة المحصورة بالعلم الإجمالي فلا تصل النوبة إلى الظنّ بالخصوص.

(123) هذا إذا رضي الطرف الآخر بالصلح، و مع عدم رضائه به ففي المسألة وجوه:

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 618

..........

______________________________

الأوّل: الاكتفاء بالخمس، فيؤدّي خمس مجموع المال إلى مالك الحرام المجهول المقدار إن عرفه كما هو المفروض. و استدلّ له بما في خبر الحسن بن زياد السابق ذكره من قوله (عليه السّلام)

إنّ اللّٰه عزّ و جلّ قد رضي من ذلك بالخمس

، و إن

لم يعرف يصرفه في مصارفه المعهودة.

و فيه أوّلًا: أنّ وجوب الخمس إنّما هو فيما كان صاحب المال مجهولًا، و هو في فرض المسألة معروف. و ثانياً: أنّ الخمس الذي رضي اللّٰه به هو الخمس الواصل إلى أربابه لا إلى مالك الحرام المجهول المقدار.

و ثالثاً: أنّ صريح خبر عمّار بن مروان هو وجوب الخمس، لا مطلقاً بل فيما لم يعرف صاحبه، و به يقيّد خبر الحسن بن زياد.

الثاني: الاكتفاء بالأقلّ؛ لأمارية يد ذي اليد على ملكية ما في يده، إلّا في المقدار الذي علم أنّه ليس له و هو الأقلّ و لأصالة براءة ذمّته بالنسبة إلى أكثر ممّا علم أنّه للغير.

و فيه: أنّ أمارية اليد مسلّمة فيما يدّعي مدّعٍ على ذي اليد شيئاً و لم يكن للمدّعي بيّنة، و أمّا أماريتها بالنسبة إلى غير نفس ذي اليد ففيه إشكال. و أصالة البراءة لا ينفع في إثبات أنّ المشكوك ملك لنفسه.

الثالث: وجوب إعطاء الأكثر، و هو الأحوط؛ للجزم بالخروج عن العهدة، و لأصالة عدم ملكية الزائد و عدم تحقّق السبب المملّك و المحلّل؛ فيجب إعطاؤه لوجوب التخلّص.

الرابع: الحكم بالتنصيف أو القرعة في المقدار المشكوك، كما يحكم بالتنصيف في الدينار المودّع و الدرهم المتنازع فيه. و عليه ورد خبر السكوني عن الصادق (عليه السّلام) عن أبيه في رجل استودع رجلًا دينارين فاستودعه آخر ديناراً فضاع

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 619

..........

______________________________

دينار منها، قال

يعطى صاحب الدينارين ديناراً و يقسّم الآخر بينهما نصفين «1»

، و خبر عبد اللّٰه بن المغيرة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجلين كان معهما درهمان، فقال أحدهما: الدرهمان لي و قال الآخر: هما بيني و بينك، فقال

أمّا الذي

قال هما بيني و بينك فقد أقرّ بأنّ أحد الدرهمين ليس له و أنّه لصاحبه و يقسّم الآخر بينهما «2».

و وجه القرعة أنّه لكلّ أمر مشكل.

و لا يخفى: أنّ التنصيف خلاف الأصل و يكتفى فيه بمورد النصّ؛ و هو الدينار المودّع و الدرهم المتنازع فيه؛ فيتعيّن القرعة، و في القرعة إشكال.

الخامس: التفصيل بين ما علم مقدار الحرام أوّلًا ثمّ عرض الجهل به و الاشتباه فحينئذٍ يجب الأكثر، و بين ما جهل المقدار من أوّل الأمر فالأقلّ. و نسب هذا القول إلى الشيخ البهائي (رحمه اللّٰه)؛ و ذلك لتنجّز التكليف بمجرّد حصول العلم و إن زال، حيث إنّ احتماله احتمال للتكليف المنجّز الموجب للعقوبة. نظير ما إذا تلف أحد الأطراف بعد تحقّق العلم الإجمالي فإنّه منجّز للتكليف بالنسبة إلى باقي الأطراف.

و الأرجح من هذه الوجوه المذكورة هو الثالث؛ لما ذكر.

و قال المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه»: فالوجه أن يقال: إنّا إن بنينا على أنّ العلم الإجمالي في مثل هذه الموارد يوجب تنجّز التكليف بمتعلّقه على إجماله فلا محيص عن الالتزام بالاحتياط بدفع مقدار يعلم بعدم زيادة الحرام عنه. و إن قلنا بأنّ العلم الإجمالي مآله لدى التحليل إلى علم تفصيلي و شكّ بدوي فالمتّجه الرجوع إلى البراءة و الأخذ بمقتضى اليد بالنسبة إلى المشكوك دون سائر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 452، كتاب الصلح، الباب 12، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 18: 450، كتاب الصلح، الباب 9، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 620

و مصرف هذا الخمس كمصرف غيره على الأصحّ (124).

[ (مسألة 28): لو علم أنّ مقدار الحرام أزيد من الخمس و لم يعلم مقداره]

(مسألة 28): لو علم أنّ مقدار الحرام أزيد من الخمس و لم يعلم مقداره، فالظاهر كفاية إخراج الخمس في تحليل المال و

تطهيره، إلّا أنّ الأحوط مع إخراج الخمس المصالحةُ عن الحرام مع الحاكم الشرعي بما يرتفع به اليقين بالاشتغال و إجراء حكم مجهول المالك عليه، و أحوط منه تسليم المقدار المتيقّن إلى الحاكم و المصالحة معه في المشكوك فيه، و يحتاط الحاكم بتطبيقه على المصرفين (125).

______________________________

الاحتمالات التي تقدّمت الإشارة إليها، و قد أشرنا آنفاً إلى أنّ دعوى الانحلال على إطلاقه أي فيما إذا لم يحصل بعد التأمّل انحلال حقيقي بحيث لم يبق معه العلم على إجماله لا تخلو عن تأمّل، فرفع اليد بالنسبة إليه عمّا يقتضيه قاعدة الشغل مشكل «1»، انتهى.

(124) و ذلك لصحيحة عمّار المتقدّمة حيث إنّ الحلال المختلط بالحرام عدّ في عداد سائر ما يجب فيه الخمس، و الخمس في الرواية هو الخمس المصطلح، و مصرفه في الكتاب العزيز هو اللّٰه و الرسول و ذوو القربى. و من توهّم أنّ مصرفه مصرف الزكاة تمسّك برواية السكوني المتقدّمة المشتملة على الأمر بالتصدّق؛ فقال (عليه السّلام)

تصدّق بخمس مالك «2»

، و قد تقدّم أنّه ليس المراد من الصدقة المعنى الخاصّ، بل المراد منه المعنى العامّ الشامل للخمس المصطلح أيضاً.

(125) أي كان مقدار الحرام مجهولًا تفصيلًا و لكنّه يعلم أنّه أكثر من الخمس

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الخمس 14: 180.

(2) وسائل الشيعة 9: 506، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 10، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 621

..........

______________________________

أو أقلّ، فالظاهر عند المصنّف و جماعة من الفقهاء كفاية الخمس؛ و ذلك لإطلاق النصوص و الفتاوى حيث إنّ كفاية الخمس فيما لم يعلم صاحبه و مقداره يشمل ما نحن فيه و يصدق عليه أنّه لا يعلم مقداره. و إنّ تعليله (عليه السّلام) في خبر السكوني

فإنّ اللّٰه قد رضي من الأشياء بالخمس، و سائر المال لك حلال

ظاهر في كفاية الخمس عن الحرام الواقعي و لو كان زائداً.

و استشكل في «الجواهر»: بأنّه لو اكتفى بإخراج الخمس هنا لحلّ ما علم من ضرورة الدين خلافه إذا فرض زيادته عليه، كما أنّه لو كلّف به مع فرض نقيصته عنه وجب عليه بذل ماله الخالص له «1»، انتهى. و هذا الإشكال متين.

و الأحوط وجوباً إخراج الخمس و المصالحة عن الحرام الزائد على الخمس مع الحاكم الشرعي بما يرتفع به اليقين بالاشتغال و إجراء حكم المجهول المالك على الزائد المذكور.

و أحوط منه تسليم المقدار المتيقّن إلى الحاكم و المصالحة معه في المشكوك فيه، و يصرفهما المالك في الموارد المقرّرة عنده بتطبيقه على المصرفين.

و في «المدارك»: أنّ الاحتياط يقتضي دفع الجميع إلى الأصناف الثلاثة من الهاشميين؛ لأنّ هذه الصدقة لا تحرم عليهم قطعاً «2»، خلافاً للشهيد (رحمه اللّٰه) في «البيان» حيث قال بالتصدّق به على مصارف الزكاة «3».

______________________________

(1) جواهر الكلام 16: 74.

(2) مدارك الأحكام 5: 389.

(3) البيان: 347.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 622

[ (مسألة 29): لو كان حقّ الغير في ذمّته لا في عين ماله لا محلّ للخمس]

(مسألة 29): لو كان حقّ الغير في ذمّته لا في عين ماله (126) لا محلّ للخمس (127)، بل حينئذٍ لو علم مقداره و لم يعلم صاحبه حتّى في عدد محصور تصدّق بذلك المقدار عن صاحبه (128) بإذن الحاكم الشرعي، أو دفعه إليه (129). و إن علم صاحبه في عدد محصور فالأقوى الرجوع إلى القرعة (130).

______________________________

(126) بأن أتلف مال الغير و استقرّ في ذمّته المثل أو القيمة.

(127) لأنّ موضوع الخمس هو المختلط، و هو لا يصدق على ما في الذمّة؛ لأنّ الاختلاط لا يتحقّق إلّا في الخارج؛ فيستحيل أن يكون

الذمّة ظرفاً له.

(128) و هذا القول معروف بين الأصحاب، و لا سبيل إلى الاحتياط بإرضاء الكلّ، و لا يعقل التوزيع و لا القرعة. و في صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل كان له على رجل حقّ ففقده و لا يدري أين يطلبه، و لا يدري أ حيّ هو أم ميّت؟ و لا يعرف له وارثاً و لا نسباً و لا ولداً، قال

اطلب

، قال: فإنّ ذلك قد طال فأتصدّق به؟ قال

اطلبه «1»

، هذا بناءً على ظهور الخبر في الصدقة و أنّه مفروغ عنه عند السائل بعد سقوط وجوب الطلب باليأس عن الوصول إلى صاحبه و ورثته، و لو كان المصرف غير الصدقة لنهى (عليه السّلام) عنه.

(129) و ذلك لعدم ولايته على التصدّق بدون الإذن من الحاكم الشرعي كما تقدّم.

(130) أي إذا علم مقدار حقّ الغير في الذمّة و علم صاحبه في عدد محصور ففيه وجوه؛ من وجوب التخلّص من الجميع و لو بإرضائهم بأيّ وجه كان، أو إجراء

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 297، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه، الباب 6، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 623

و إذا لم يعلم مقداره و تردّد بين الأقلّ و الأكثر، أخذ بالأقلّ و دفعه إلىٰ مالكه لو كان معلوماً بعينه. و إن كان مردّداً بين محصور فحكمه كما مرّ (131). و لو كان مجهولًا أو معلوماً في غير محصور تصدّق به كما مرّ (132)،

______________________________

حكم مجهول المالك عليه، أو استخراج المالك بالقرعة، أو توزيع ذلك المقدار عليهم بالسوية. الأقوى عند المصنّف (رحمه اللّٰه) هو الرجوع إلى القرعة، و الأحوط التخلّص بإرضاء كلّ من

الأفراد المحصورين بإعطاء كلّ منهم مثل ما في ذمّته، أو بالصلح معهم إن أمكن، و إلّا فالقرعة لكلّ أمر مشكل.

(131) أي إذا لم يعلم مقدار الحقّ في ذمّته و علم صاحبه بعينه أخذ بالأقلّ و دفعه إليه؛ لبراءة ذمّته عن ضمان الزائد. و إن علم صاحبه مردّداً بين عدد محصور فحكمه كما مرّ؛ من وجوب التخلّص إن أمكن، و إن لم يمكن فالرجوع إلى القرعة.

(132) أي لو لم يعلم مقداره و كان صاحبه مجهولًا أو معلوماً في غير محصور تصدّق عن صاحبه بإذن الحاكم الشرعي أو يدفعه إليه. و مراد المصنّف (رحمه اللّٰه) من المالك المجهول هو المجهول المطلق؛ أي من لا يعلم أصلًا؛ حتّى بالشبهة الغير المحصورة.

و من هذا البيان يظهر: أنّ ما في «المستمسك» من أنّ العلم بوجود الحقّ في الذمّة مستلزم للعلم بصاحبه في الجملة، ففرض عدم العلم بصاحبه أصلًا غير ظاهر «1»، انتهى. غير متين؛ إذ لا منافاة بين العلم بصاحب ما في الذمّة في الجملة، و بين عدم العلم به أصلًا و رأساً قبال الشبهة الغير المحصورة.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 9: 499.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 624

و الأحوط حينئذٍ المصالحة مع الحاكم بمقدار متوسّط بين الأقلّ و الأكثر (133)، فيعامل معه معاملة معلوم المقدار (134).

[ (مسألة 30): لو كان الحرام المختلط بالحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاص أو العامّ]

(مسألة 30): لو كان الحرام المختلط بالحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاص أو العامّ، فهو كمعلوم المالك (135)، و لا يجزيه إخراج الخمس (136).

[ (مسألة 31): لو كان الحلال الذي في المختلط ممّا تعلّق به الخمس]

(مسألة 31): لو كان الحلال الذي في المختلط ممّا تعلّق به الخمس، وجب عليه بعد تخميس التحليل خمس آخر للمال الحلال الذي فيه (137)،

______________________________

(133) لعلّه مراعاة لحقّ الطرفين الباذل المبرئ لذمّته و مالك ما في الذمّة.

(134) المعاملة في المعلوم مقداره المجهول صاحبه أو المعلوم في عدد غير محصور هو التصدّق بإذن الحاكم الشرعي أو دفعه إليه.

(135) أي إن كان مقداره معلوماً يردّ إلى أربابها من الحاكم و الفقراء و سائر مصارف الزكاة و الموقوف عليهم. و لا فرق بين المالك الشخصي في الأموال الشخصية و المالك الكلّي. و إن لم يعلم مقداره و تردّد بين الأقلّ و الأكثر أخذ بالأقلّ و دفعه إلى مالكه. و الأحوط المصالحة مع الحاكم بمقدار متوسّط بينهما جمعاً بين الحقّين. و الدليل على كونه كمعلوم المالك قاعدة ضمان المال للمالك؛ أيّ مال كان لأيّ مالك.

(136) قال كاشف الغطاء (رحمه اللّٰه): و لو كان الاختلاط من أخماس أو زكاة فيحتمل أن يكون كمعلوم الصاحب يردّ إلى أربابه و أن يكون كالسابق أي يجب عليه الخمس و هو أقوى. و لو كان من الأوقاف فهو كمعلوم الصاحب «1»، انتهى. و نحن تأمّلنا في وجه الفرق و التفصيل غاية التأمّل و لم نجد وجهاً له.

(137) هذا دفع لما توهّمه بعض من سقوط خمس الباقي بعد إخراج خمس

______________________________

(1) كشف الغطاء: 361/ السطر 29.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 625

..........

______________________________

التحليل. و وجه التوهّم إطلاق قوله (عليه السّلام)

و سائر المال لك حلال

في رواية السكوني المتقدّمة.

و فيه:

أنّ خمس التحليل يحلّل المال بالنسبة إلى الحرام المختلط لا مطلقاً؛ لأنّ الإطلاق لم يسق لبيان ذلك؛ فلو كان معدناً أو كنزاً أو أرباح المكاسب مثلًا يجب خمس آخر بعد تخميس التحليل؛ و ذلك لتعدّد الأسباب المقتضي تعدّد المسبّبات.

و عن الشهيد (رحمه اللّٰه) في «الدروس» النظر في تعدّد الخمس «1»، و يظهر من «مصباح الفقيه» الإشكال في لزوم تعدّد الخمس؛ لرواية السكوني من حيث احتمال ورودها في المال المجتمع بالكسب في الأزمنة السابقة حلالًا و حراماً، و قد اكتفى فيه بخمس واحد قد رضي اللّٰه تعالى به، و أحلّ سائر المال، و قال بعد الإشكال: الأظهر ما ذكروه من عدم سقوط خمس الاكتساب «2».

بقي الكلام في لزوم تقديم خمس التحليل على الخمس الآخر: الظاهر من المصنّف و «العروة الوثقى» و الشهيد في «المسالك» و «اللمعة» و «مستند الشيعة» و غيرهم لزوم تقديم خمس التحليل على الخمس الآخر، و قال الشيخ الأنصاري في «رسالته»: لو كان الحلال ممّا فيه الخمس لم يسقط بإخراج هذا الخمس؛ لعدم الدليل على سقوطه، فيجب حينئذٍ أوّلًا هذا الخمس، فإذا حلّ لمالكه و طهر عن الحرام أخرج خمسه، و لو عكس صحّ. لكن تظهر الفائدة فيما لو جعلنا مصرف هذا الخمس غير الهاشمي، و حينئذٍ فليس له العكس «3»، انتهى.

______________________________

(1) الدروس الشرعية 1: 259.

(2) مصباح الفقيه، الخمس 14: 163.

(3) الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 263.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 626

..........

______________________________

أقول: يشترط فيما تعلّق به الخمس من أرباح المكاسب و غيرها أن يكون مالًا حلالًا كلّه لمالكه؛ أي يكون مطالبه حلالًا بحيث لو كان مقدار من مجموع المال حراماً لم يكن موضوع الخمس الآخر محقّقاً.

فلا بدّ أوّلًا

من إخراج الحرام منه و تخليصه حتّى يتحقّق موضوع الخمس الآخر؛ سواء قلنا بأنّ مصرف خمس التحليل هو مصرف سائر الأخماس أو أنكرنا اتّحاد المصرفين، و سواء كان الباقي للمالك مقداراً غير متفاوت في الصورتين كما لو فرضنا المقدار الحرام خمس تمام البقية في الواقع؛ بأن يفرض مجموع المال خمسين و كان أحد الخمسين عشرة و الآخر ثمانية فالباقي بعد إخراج الخمسين اثنان و ثلاثون أو كان متفاوتاً، و ذلك فيما كان مجموع المال مفروضاً خمسة و سبعين مثلًا و كان للربح الحلال متيقّن في البين كخمسين؛ فحينئذٍ لو قدّم خمس التحليل يكون الباقي للمالك بعد التخميسين ثمانية و أربعون، و لو قدّم الخمس الآخر و هو العشرة خمس الخمسين المتيقّن كونه ربحاً حلالًا ثمّ أخرج خمس التحليل من البقية التي هي خمسة و ستّين و خمسه ثلاثة عشر يكون الباقي هو اثنان و خمسون.

و لا يخفى: أنّ مقرّر «مستند العروة الوثقى» إذ قد لاحظ تفاوت الباقي في الصورتين فيما كان للحلال متيقّن في البين و كان أقلّ من تمام البقية بعد إخراج خمس التحليل.

و توهّم أنّ الباقي بعد تخميس التحليل ليس حلالًا لأجل وجود الخمس الآخر فيه، فحكم بلزوم تقديم إخراج الخمس الآخر ليتحقّق موضوع خمس التحليل و هو الحلال المختلط بالحرام و يظهر ضعفه ممّا حقّقناه.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 627

و له الاكتفاء بإخراج خمس القدر المتيقّن من الحلال؛ إن كان أقلّ من خمس البقيّة بعد تخميس التحليل، و بخمس البقيّة إن كان بمقداره أو أكثر على الأقوىٰ، و الأحوط المصالحة مع الحاكم في موارد الدوران بين الأقلّ و الأكثر (138).

[ (مسألة 32): لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس ضمنه]

(مسألة 32): لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس

ضمنه، فعليه غرامته له على الأحوط (139)،

______________________________

(138) يعني أنّه بعد تخميس التحليل يخمس تمام الباقي إذا لم يكن للربح الحلال متيقّن في البين. و إذا كان الربح الحلال متيقّناً و كان أقلّ من تمام الباقي بعد تخميس التحليل يخمّس المتيقّن؛ فيكون الخمس الآخر أقلّ من خمس تمام الباقي. و لو كان الربح الحلال أكثر من الباقي بأن كان المجموع خمسين و الباقي بعد تخميس التحليل أربعين و تيقّن أنّ ربحه الحلال كان أكثر من أربعين فالأقوى عند المصنّف (رحمه اللّٰه) كفاية خمس الباقي، و هو المختار عندنا، و لا يجب عليه خمس الأكثر لصرف الزيادة في خمس التحليل. و كأنّ الزيادة كانت مئونة مصروفة في تخميس التحليل قبل إخراج الثاني، و إن كان الأحوط استحباباً المصالحة مع الحاكم فيما كان الربح الحلال أقلّ من تمام الباقي بعد خمس التحليل، أو أكثر منه فيصالحه بأقلّ من خمس تمام الباقي في الأوّل، و بأكثر منه في الثاني.

(139) الضمان لا يخلو من قوّة؛ و ذلك لقاعدة اليد و الإتلاف، و الإذن في إخراج الخمس لا تدلّ على رفع الضمان بل هو لتحليل الباقي و سبب إباحة التصرّف فيه، فغايته رفع الإثم لا رفع الضمان كما في صدقة مجهول المالك و اللقطة و كلّها مال مجهول مالكها.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 628

..........

______________________________

و قد وردت الروايات في ضمان المتصدّق باللقطة إذا لم يرض صاحبها بالأجر؛ منها رواية أبان عن الحسين بن كثير عن أبيه قال: سأل رجل أمير المؤمنين (عليه السّلام) عن اللقطة، فقال

يعرّفها، فإن جاء صاحبها دفعها إليه و إلّا حبسها حولًا، فإن لم يجي ء صاحبها أو من يطلبها تصدّق بها، فإن جاء صاحبها

بعد ما تصدّق بها إن شاء اغترمها الذي كانت عنده و كان الأجر له، و إن كره ذلك احتسبها و الأجر له «1»

، و رواية حنان قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا أسمع عن اللقطة، فقال

تعرّفها سنة، فإن وجدت صاحبها و إلّا فأنت أحقّ بها

، و قال

هي كسبيل مالك

و قال

خيّره إذا جاءك بعد سنة بين أجرها و بين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها «2»

، و رواية علي بن جعفر عن أخيه قال: و سألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرّفها سنة ثمّ يتصدّق بها فيأتي صاحبها، ما حال الذي تصدّق بها؟ و لِمَن الأجر؟ هل عليه أن يردّ على صاحبها أو قيمتها؟ قال

هو ضامن لها و الأجر له، إلّا أن يرضى صاحبها فيدعها و الأجر له «3».

و بالجملة: الروايات في ضمان اللقطة على حدّ الاستفاضة. و فرّق جماعة من فقهائنا بين التصدّق في اللقطة و الحكم بالضمان فيها إذا جاء مالكها و لم يرض بالتصدّق للأخبار المستفيضة المذكورة، و بين الخمس و صدقة مجهول المالك و الحكم بعدم الضمان فيهما؛ لقوله (عليه السّلام)

إنّ الهّٰد قد رضي من الأشياء بالخمس، و سائر المال لك حلال «4»

، حيث إنّه ظاهر في نفي الضمان.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 441، كتاب اللقطة، الباب 2، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 25: 442، كتاب اللقطة، الباب 2، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 25: 445، كتاب اللقطة، الباب 2، الحديث 14.

(4) وسائل الشيعة 9: 506، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 10، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 629

و لو علم بعد إخراج الخمس أنّ الحرام أقلّ منه لا يستردّ الزائد

(140)، و لو علم أنّه أزيد منه فالأحوط التصدّق بالزائد؛ و إن كان الأقوىٰ عدم وجوبه لو لم يعلم مقدار الزيادة (141).

______________________________

و فيه: أنّ الخمس في الحلال المختلط و صدقة مجهول المالك في موارده إيصال اضطراري للمال إلى مالكه ليستفيد منه استفادة أُخروية ما دام لم يوجد مالكه و لم يصل إلى يده، و إذا وجد و لم يرض بالتصدّق و ارتفع الاضطرار يضمنه لمالكه و يؤدّى ثوابه إلى المؤدّي المتصدّق نظير بدل الحيلولة لاستفادة المالك من بدل ماله، فإذا ارتفعت الحيلولة يضمن للمالك نفس العين.

(140) لأنّ الخمس و الصدقة حيث وقعا لا يستردّان؛ لأنّهما عبادتان و العبادة إذا وقعت لِلّٰه لا يجوز إبطالها بالاسترداد؛ قال الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه): لو دفع الخمس فبان الخليط أقلّ من الخمس فالظاهر الإجزاء و عدم وجوب الصدقة بما تبيّن من المقدار و عدم جواز استرجاع ما دفع إلى السادة؛ لأنّ ظاهر التعليل و هو قوله (عليه السّلام) في رواية السكوني و غيرها

فإنّ اللّٰه قد رضي من الأشياء بالخمس

كون المدفوع بدلًا و عوضاً عمّا في المال على تقدير زيادته عنه أو نقصه أو مساواته؛ فيكون شبه المصالحة و المراضاة من الشارع مع المالك، نظير ما إذا وقع هذا من مالك الحرام في صورة معرفته مع مالك الحلال «1»، انتهى.

(141) إذا أخرج الخمس ثمّ علم أنّ الحرام أزيد من مقدار الخمس فهل يجب تصدّق المقدار الزائد أم لا؟ الأقوى عند المصنّف (رحمه اللّٰه) عدم وجوبه لو لم يعلم مقدار الزيادة؛ و ذلك لإطلاق النصوص و الفتاوى حيث إنّ كفاية الخمس فيما لم يعلم

______________________________

(1) الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 271.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 630

[ (مسألة 33): لو تصرّف في المال المختلط بالحرام بالإتلاف قبل إخراج الخمس]

(مسألة 33): لو تصرّف في المال المختلط بالحرام بالإتلاف قبل إخراج الخمس، تعلّق الحرام بذمّته، و الظاهر سقوط الخمس، فيجري عليه حكم ردّ المظالم، و هو وجوب التصدّق (142)،

______________________________

صاحبه و مقداره يشمل ما نحن فيه و يصدق عليه أنّه لا يعلم مقداره.

و فيه كما في «الجواهر»: أنّه يلزم تحليل ما هو الحرام واقعاً و قطعاً؛ فالأحوط وجوباً إخراج الخمس و المصالحة مع الحاكم الشرعي بالنسبة إلى الزائد المجهول المقدار بما يرتفع به اليقين بالاشتغال. و تقييده (رحمه اللّٰه) عدم وجوب التصدّق بعدم العلم بمقدار الحرام لأجل أنّه لو علم مقدار الحرام يجب التصدّق بلا إشكال و لا كلامٍ فيما جهل صاحبه.

(142) وجه سقوط الخمس: أنّ متعلّق وجوب الخمس هي العين الخارجية حال بقائها التي يصدق عليها الحلال المختلط بالحرام و بإتلاف العين الخارجية ينتفي موضوع الخمس، فلا يبقى مختلط في البين حتّى يحتاج إلى التطهير بالخمس؛ فيجري حينئذٍ حكم ردّ المظالم و هو وجوب التصدّق لتعلّق الحرام بذمّته.

و فيه: أنّه قبل الإتلاف قد توجّه التكليف بأداء الخمس فعلًا، و أرباب الخمس لهم حقّ فعلي في المال المختلط فينتقل الخمس إلى ذمّته بالإتلاف.

قال السيّد (رحمه الهّٰ ) في «العروة الوثقى» بعدم سقوط الخمس بالإتلاف و إن صار الحرام في ذمّته «1».

و قال الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه) في «رسالته»: لو تصرّف في المال المختلط

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 385.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 631

و الأحوط الاستئذان من الحاكم (143)، كما أنّ الأحوط دفع مقدار الخمس إلى الهاشمي بقصد ما في الذمّة بإذن الحاكم (144).

______________________________

بالحرام بحيث صار في ذمّته تعلّق الخمس في ذمّته «1». و قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه): و لو تصرّف

في المختلط بحيث صار الحرام منه في ذمّته لم يسقط الخمس «2».

و لا يرد عليهم أنّ كون الحرام في ذمّته مقتضاه جري حكم ردّ المظالم عليه؛ لأنّ صيرورة الحرام في ذمّته بعنوان كونه خمساً بحكم الشارع كما كان قبل الإتلاف.

(143) هذا الاحتياط لا يترك بناءً على مبنى المصنّف (رحمه اللّٰه)؛ و ذلك لأنّ المظالم من قبيل المجهول المالك و لا ولاية للمؤدّي في التصرّف فيه، فليكن ردّها بإذن مَن له الولاية.

(144) و أحوط منه دفع الخمس المزبور إلى الحاكم الشرعي، و طريق الاحتياط المذكور في المتن في دفع مقدار الخمس إلى الهاشمي بقصد ما في الذمّة بإذن الحاكم هو أن لا يقصد خصوص عنوان الخمس المعهود و لا يقصد خصوص التصدّق.

هذا، مع جواز إعطاء الصدقات المندوبة و كذا الواجبة بالعرض كالمنذورة و الموصى بها و المظالم و الكفّارات للفقراء من السادات. و في «تحرير الوسيلة» في بيان مصرف الكفّارات قال: و في جواز إعطاء غير الهاشمي إلى الهاشمي قولان،

______________________________

(1) الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 368.

(2) جواهر الكلام 16: 76.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 632

و لو تصرّف فيه بمثل البيع يكون فضوليّاً بالنسبة إلى الحرام المجهول المقدار، فإن أمضاه الحاكم يصير العوض إن كان مقبوضاً متعلَّقاً للخمس؛ لصيرورته من المختلط بالحرام الذي لا يعلم مقداره و لم يعرف صاحبه، و يكون المعوّض بتمامه ملكاً للمشتري. و إن لم يمضه يكون العوض المقبوض من المختلط بالحرام الذي جهل مقداره و علم صاحبه، فيجري عليه حكمه. و أمّا المعوّض فهو باقٍ علىٰ حكمه السابق، فيجب تخميسه، و لوليّ الخمس الرجوع إلى البائع، كما أنّ له الرجوع إلى المشتري بعد قبضه (145).

______________________________

لا يخلو الجواز

من رجحان، و إن كان الأحوط الاقتصار على مورد الاضطرار و الاحتياج الذي يحلّ معه أخذ الزكاة «1»، انتهى. و لتحقيق هذه المسألة محلّ آخر ليس هنا موضع ذكره.

(145) أي يكون بيع المال المختلط بالنسبة إلى أربعة أخماس المبيع لازماً. و أمّا بالنسبة إلى مقدار الخمس فهو فضولي صحّته منوطة بإجازة أرباب الخمس؛ فإن أجازه صحّ البيع و ينتقل تمام المبيع إلى المشتري و الثمن يصير حلالًا مختلطاً بالحرام متعلّقاً للخمس، و إن لم يجزه كان البيع صحيحاً. إلّا أنّ جهالة مقدار الحلال و الحرام في المبيع يسري إلى العوض المقبوض و يجعله مختلطاً؛ فلم يعلم أنّ أيّ مقدار منه صار ملكاً للبائع، و أيّ مقدار منه لم ينتقل إلى ملكه؛ لكونه في مقابل الحرام الواقعي.

و حينئذٍ يكون مقدار غير معيّن من العوض المقبوض باقياً في ملك المشتري، فهو من قبيل الحرام المجهول المقدار، المعلوم المالك قد اختلط بالحلال و هو

______________________________

(1) تحرير الوسيلة 2: 125/ مسألة 18.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 633

..........

______________________________

المنتقل إلى البائع الواصل إلى ملكه عوضاً عن المبيع و حكمه التخلّص منه بالصلح إن رضي الطرف الآخر، و إلّا ففيه وجوه قد ذكرنا و المختار منها في شرح قوله (رحمه اللّٰه): «و لو علم المالك و جهل المقدار تخلّص منه بالصلح»، فراجع. هذا كلّه بالنسبة إلى العوض المنتقل إلى البائع ببيع المختلط.

و أمّا بالنسبة إلى المعوّض و المبيع المنتقل إلى المشتري فأربعة أخماسه ملك للمشتري بلا كلام. و أمّا خمسه فهو باقٍ على حكمه السابق و ملك لأربابه، فلا يدخل في ملك المشتري؛ لعدم إجازة بيعه من الحاكم، و يجوز لوليّ الخمس أن يرجع إلى البائع في الخمس

إذا كان المبيع عنده، و أن يرجع إلى المشتري بعد قبضه؛ و ذلك لما هو المقرّر في تعاقب الأيدي.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 635

[القول في قسمته و مستحقّيه]

اشارة

القول في قسمته و مستحقّيه

[ (مسألة 1): يقسّم الخمس ستّة أسهم]

(مسألة 1): يقسّم الخمس ستّة أسهم: سهم للّٰه تعالىٰ، و سهم للنبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و سهم للإمام (عليه السّلام) (1)،

______________________________

(1) و العمدة في المسألة قولان: الأوّل: أنّه يقسّم ستّة أسهم، و هو الأصحّ. الثاني: أنّه يقسّم خمسة أسهم.

قال الشيخ الأنصاري في رسالته: المعروف بين الأصحاب: أنّ الخمس يقسّم ستّة أقسام، بل من «الغنية» و «الانتصار» الإجماع عليه، و عن «مجمع البيان» و «كنز العرفان»: أنّه مذهب أصحابنا و عن الأمالي: أنّه من دين الإمامية «1»، انتهى.

و قال في «الشرائع»: يقسّم ستّة أقسام. إلى أن قال: و قيل بل يقسّم خمسة أقسام، و الأوّل أشهر «2»، انتهى.

و قال في «المنتهي»: يقسّم الخمس في الأشهر بين الأصحاب ستّة أقسام.

______________________________

(1) الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 286.

(2) شرائع الإسلام 1: 135.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 636

..........

______________________________

إلى أن قال: و قال بعض أصحابنا: يقسّم خمسة أقسام: سهم اللّٰه لرسوله و سهم لذي القربى. إلى أن قال: و به قال الشافعي و أبو حنيفة «1».

و قال في «المسالك»: المشهور قسمته ستّة أقسام، و الآية الشريفة دالّة عليه صريحاً و كذا الروايات. و القول الآخر مع شذوذه لا يعلم قائله «2»، انتهى.

و قال في «التذكرة» بما ملخّصه: يقسّم الخمس ستّة أقسام عند جمهور علمائنا، و به قال أبو العالية الرياحي، و قال بعض علمائنا: يقسّم خمسة أقسام: سهم لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و سهم لذي القربى.، و به قال الشافعي و أبو حنيفة؛ لأنّه (عليه السّلام) قسّم الخمس خمسة أقسام، و ليس بذاك؛ لجواز ترك بعض حقّه «3»، انتهى.

و قال في «المدارك»

بما ملخّصه: ذهب أكثر علمائنا إلى أنّه يقسّم ستّة أقسام. إلى أن قال: و حكى المصنّف و العلّامة عن بعض الأصحاب قولًا بأنّه يقسّم خمسة أقسام: سهم اللّٰه لرسوله، ثمّ ذكر أدلّة الطرفين «4».

و في «الجواهر»: و المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل هي كذلك في صريح «الانتصار» و ظاهر «الغنية» و «كشف الرموز»، أو صريحهما أنّه يقسّم ستّة أقسام «5»، انتهى.

و قال السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى»: يقسّم الخمس ستّة أسهم على الأصحّ «6»، انتهى.

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 550/ السطر 18.

(2) مسالك الأفهام 1: 470.

(3) تذكرة الفقهاء 5: 431.

(4) مدارك الأحكام 5: 393.

(5) جواهر الكلام 16: 84.

(6) العروة الوثقى 2: 403.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 637

..........

______________________________

و يكفي دليلًا على تقسيمه ستّة أسهم قوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ.

و الأخبار المستفيضة: منها: موثّقة عبد اللّٰه بن بكير عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما السّلام) في قول اللّٰه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ. الآية، قال

خمس اللّٰه للإمام و خمس الرسول للإمام و خمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام. «1»

الحديث. و مرسلة حمّاد بن عيسى الطويلة عن العبد الصالح (عليه السّلام). إلى أن قال (عليه السّلام)

و يقسّم بينهم الخمس على ستّة أسهم «2».

و مرسلة أحمد بن محمّد الظاهر أنّه أحمد بن محمّد بن عبد اللّٰه بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري، لقي الرضا و الجواد و الهادي (عليهم السّلام)، و اللّٰه أعلم عن بعض أصحابنا رفع الحديث، قال

الخمس من خمسة أشياء.

إلى أن قال

فأمّا الخمس فيقسّم على

ستّة أسهم. «3»

الحديث. و حسنة الريان بن الصلت عن الرضا (عليه السّلام) في حديث طويل. إلى أن قال

فبدأ بنفسه ثمّ برسوله ثمّ بذي القربى.

إلى أن قال

لأنّه لا أحد أغنى من اللّٰه و لا من رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فجعل لنفسه منها سهماً و لرسوله سهماً. «4»

الخبر. و رواية المرتضى في رسالة «المحكم و المتشابه» عن علي (عليه السّلام). إلى أن قال

و يجري هذا الخمس على ستّة أجزاء، فيأخذ الإمام منها سهم اللّٰه و سهم الرسول و سهم ذي القربى. «5»

الخبر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 510، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 513، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 8.

(3) وسائل الشيعة 9: 514، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 9.

(4) وسائل الشيعة 9: 515، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 10.

(5) وسائل الشيعة 9: 516، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 12.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 638

..........

______________________________

و استدلّ للقول الآخر بوجوه ضعيفة:

منها: آية الخمس بتوجيهها بوجوه:

الأوّل: أنّ معنى قوله تعالى لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ أنّ الخمس للرسول، كقوله تعالى وَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ «1» حيث إنّ الكفّار قد آذوا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ «2» فالمراد إرضاء رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

الثاني: أنّ ذكر اللّٰه تعالى للتيمّن و التبرّك؛ لأنّ الأشياء كلّها له تعالى.

الثالث: أنّ قوله تعالى لِلّٰهِ يراد به أنّ من حقّ الخمس أن يصرف فيما يتقرّب به له

تعالى، و موارده كثيرة قد خصّصها اللّٰه تعالى بخمسة تفضيلًا لها لغيرها من الموارد، كما في قوله تعالى وَ مَلٰائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكٰالَ «3».

و هذه التوجيهات كلّها خلاف الظاهر، و العمدة في الاستدلال لهذا القول صحيحة ربعي بن عبد اللّٰه بن الجارود عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له، ثمّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه، ثمّ يقسّم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ثمّ قسّم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس اللّٰه عزّ و جلّ لنفسه، ثمّ يقسّم الأربعة أخماس بين ذوي القربى و اليتامى و المساكين و أبناء السبيل يعطي كلّ واحد منهم حقّا، و كذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول «4».

______________________________

(1) التوبة (9): 62.

(2) التوبة (9): 61.

(3) البقرة (2): 98.

(4) وسائل الشيعة 9: 510، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 639

و هذه الثلاثة الآن لصاحب الأمر أرواحنا له الفداء و عجّل اللّٰه تعالى فرجه (2)

______________________________

و فيه أوّلًا: أنّه من المحتمل أنّه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أخذ دون حقّه لتوفير حقّ الباقين المستحقّين. و ثانياً: أنّه يحتمل فيها التقية؛ لموافقة مذهب الشافعي و أبي حنيفة. و ثالثاً: أنّ الرواية و إن كانت صحيحة لكنّها معارضة بالأخبار المستفيضة الموافقة للقرآن؛ فتضرب على الجدار.

و صاحب «المدارك» قد استشكل على الشيخ و استبعد جوابه عن الصحيحة، قال: و أجاب عنها الشيخ في «الاستبصار» بأنّها إنّما تضمّنت حكاية القسمة، و جاز أن يكون (صلّى اللّٰه عليه و

آله و سلّم) أخذ دون حقّه توفيراً للباقي على المستحقّين، و هو بعيد جدّاً؛ لأنّ قوله (عليه السّلام)

و كذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول اللّٰه

يأبى ذلك «1».

و فيه: أنّه لا بعد فيه أصلًا حيث إنّ الإمام (عليه السّلام) يأخذ سهم اللّٰه تعالى لنفسه كما أخذه الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لنفسه، و يقسّم الإمام (عليه السّلام) أربعة أخماس الخمس بين ذوي القربة و نفس الإمام (عليه السّلام) من ذوي القربى و اليتامى و المساكين و أبناء السبيل، كما قسّمه رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بينهم، كما هو واضح.

(2) هذه المسألة ممّا قام به الإجماع من الإمامية، و قال الشافعي: ينتقل سهم رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إلى المصالح كبناء القناطير و عمارة المساجد و أرزاق القضاة و شبهه، و قال أبو حنيفة: يسقط بموته (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و لا دليل لهما على مدّعاهما.

و الدليل على كونها للإمام (عليه السّلام): أنّها حقّ له باعتبار ولايته العامّة لها يضعها حيث يشاء.

و يدلّ عليه أيضاً عدّة من الروايات:

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 397.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 640

..........

______________________________

منها: مرسلة عبد اللّٰه بن بكير عن أحدهما (عليهما السّلام) في قول اللّٰه تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ. إلى أن قال (عليه السّلام)

خمس اللّٰه للإمام و خمس الرسول للإمام و خمس ذوي القربى لقرابة الرسول و الإمام. «1»

الخبر.

و منها: رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الرضا (عليه السّلام) قال: سئل عن قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي

الْقُرْبىٰ، فقيل له: فما كان لِلّه فلمن هو؟ فقال

لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و ما كان لرسول اللّٰه فهو للإمام «2».

و منها: مرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح (عليه السّلام) في حديث طويل. إلى أن قال

فسهم اللّٰه و سهم رسول اللّٰه لأُولي الأمر من بعد رسول اللّٰه وراثة، و له ثلاثة أسهم: سهمان وراثة و سهم مقسوم له من اللّٰه و له نصف الخمس كملًا. «3»

الحديث.

و منها: مرسلة أحمد بن محمّد في حديث مرفوع. إلى أن قال

فالذي لِلّه فلرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فرسول اللّٰه أحقّ به فهو له خاصّة، و الذي للرسول هو لذي القربى و الحجّة في زمانه فالنصف له خاصّة. «4»

الحديث.

و منها: رواية المرتضى (رحمه اللّٰه) في رسالة «المحكم و المتشابه». إلى أن قال

فيأخذ الإمام منها سهم اللّٰه و سهم الرسول و سهم ذي القربى «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 510، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 512، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 9: 513، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 8.

(4) وسائل الشيعة 9: 514، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 9.

(5) وسائل الشيعة 9: 516، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 12.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 641

..........

______________________________

بقي الكلام في أنّ المراد من «ذي القربى» في الآية خصوص الإمام (عليه السّلام) أو مطلق القرابة؟ المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة هو الأوّل.

و يدلّ عليه جملة من الأخبار، كمرسلة عبد اللّٰه بن بكير حيث فسّر قرابة الرسول بالإمام (عليه

السّلام) «1». و رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الرضا (عليه السّلام) حيث صرّح بذكر الإمام (عليه السّلام) موضع ذكر ذي القربى «2».

و مرسلة حمّاد بن عيسى الطويلة. إلى أن قال

فسهم اللّٰه و سهم رسول اللّٰه لأُولي الأمر من بعد رسول اللّٰه وراثة و له ثلاثة أسهم: سهمان وراثة و سهم مقسوم له من اللّٰه و له نصف الخمس كملًا «3».

و مرسلة أحمد بن محمّد. إلى أن قال

و الذي للرسول هو لذي القربى و الحجّة في زمانه فالنصف له خاصّة «4».

و بهذه الأخبار يقيّد إطلاق ذي القربى في الآية. و قال صاحب «المدارك» (رحمه الهّٰا): و نقل السيّد المرتضى (رحمه اللّٰه) عن بعض علمائنا: أنّ سهم ذي القربى لا يختصّ بالإمام (عليه السّلام) بل هو لجميع قرابة الرسول من بني هاشم، و هو اختيار ابن الجنيد «5»، انتهى ملخّصاً.

و يمكن الاستدلال لهذا القول بإطلاق ذي القربى في الآية و ظاهر خبر زكريا بن مالك الجعفي حكى الوحيد عن خاله المجلسي (رحمه اللّٰه) مدحه إلى أن قال

و أمّا خمس الرسول فلأقاربه، و خمس ذوي القربى فهم أقرباؤه وحدها «6».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 510، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 9: 512، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 6.

(3) وسائل الشيعة 9: 513، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 8.

(4) وسائل الشيعة 9: 514، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 9.

(5) مدارك الأحكام 5: 398.

(6) وسائل الشيعة 9: 509، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 642

و ثلاثة للأيتام و المساكين

و أبناء السبيل (3)

______________________________

و رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام). إلى أن قال

هم قرابة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «1»

، و في سند الرواية قد وقع معلّى بن محمّد البصري، قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «الخلاصة» و النجاشي: إنّه مضطرب الحديث و المذهب. و رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ، قال

هم قرابة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «2».

و العجب من صاحب «المدارك» حيث يظهر منه الميل إلى هذا القول الضعيف؛ فإنّه (رحمه اللّٰه) قال: و هذه الرواية و إن كانت ضعيفة السند بجهالة الراوي إلّا أنّ ما تضمّنته من إطلاق ذي القربى مطابق لظاهر التنزيل «3»، انتهى.

وجه العجب: أنّ الروايات المذكورة على فرض اعتبار سند بعضها يقيّد إطلاقها كإطلاق الآية بالروايات المعتبرة المصرّحة فيها بأنّ المراد من ذي القربى خصوص الإمام (عليه السّلام)، و يؤيّده عطف الطوائف الثلاث اليتامى و المساكين و ابن السبيل على ذي القربى مع اشتراط كونهم أقرباءه من آل هاشم، فالعطف قرينة على مقابلة المعطوف للمعطوف عليه.

(3) قد صرّح بها في الرواية الأُولى و الثانية و الرابعة و السابعة و الثامنة و التاسعة و الثانية عشر و الثامنة عشر من الباب الأوّل من أبواب قسمة الخمس من كتاب الخمس من «الوسائل».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 511، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 9: 516، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 13.

(3) مدارك الأحكام 5: 399.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 643

ممّن انتسب بالأب إلىٰ عبد المطلب

(4)، فلو انتسب إليه بالأُمّ لم يحلّ له الخمس، و حلّت له الصدقة على الأصحّ (5).

______________________________

(4) و ذلك لقوله (عليه السّلام) في مرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح. إلى أن قال (عليه السّلام)

و هؤلاء الذين جعل اللّٰه لهم الخمس هم قرابة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الذين ذكرهم اللّٰه، فقال وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ و هم بنو عبد المطّلب أنفسهم؛ الذكر منهم و الأُنثى، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش و لا من العرب أحد «1»

و هذا القول هو الأظهر، و هو المشهور بين الأصحاب.

(5) لقوله (عليه السّلام) في مرسلة حمّاد المذكورة

و من كانت امّه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له و ليس له من الخمس شي ء؛ لأنّ اللّٰه يقول ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ

و هذا القول هو المشهور بين الأصحاب، بل كاد أن يكون إجماعياً، عدا السيّد المرتضى (رحمه اللّٰه)، و قال في «المدارك» و اختاره ابن حمزة، و هو اختيار صاحب «الحدائق» (رحمه اللّٰه).

و استدلّ لهذا القول بأنّ أولاد البنت أولاد حقيقة كما في الإرث و الوقف على الأولاد، فلا ينحصر الولد في الابن و أولاده، و أنّ الحسن و الحسين (عليهما السّلام) يسمّيان بابني رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و أنّ عيسى (عليه السّلام) من ولد آدم (عليه السّلام) و لا أب له.

و فيه: أنّ ما ذكر في الاستدلال كلّه مسلّم، لكن الهاشمي كالاموي و العبّاسي ظاهر في خصوص المنتسب إلى هاشم بالأب.

و لا يخفى: أنّ مستحقّ الخمس هو كلّ من ولّده عبد المطّلب بن هاشم الذي انحصر ذرّيته في ولد عبد المطّلب، فالمدار على كونه هاشمياً و نسله الآن

منحصر

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 513، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 644

..........

______________________________

في أولاد أبي طالب و العبّاس و الحارث و أبي لهب.

و لعبد المطّلب على ما قيل عشرة أولاد؛ و لذا سمّي أبو السادة؛ و هم عبد اللّٰه و أبو طالب و العبّاس و حمزة و الزبير و أبو لهب و ضرار و الغيداق (و يسمّى حجل أيضاً) و مقوّم و الحارث و هو أسنّهم و قيل: إنّهم أحد عشر بجعل حجل غير الغيداق، و قيل: إنّهم اثنى عشر بإضافة قشم.

قال العلّامة في «التذكرة»: لا يستحقّ بنو المطّلب شيئاً من الخمس و تحلّ لهم الزكاة؛ لتساوي بني عبد المطّلب و بني نوفل و عبد شمس في القرابة، فإذا لم يستحقّ بنو نوفل و عبد شمس فكذا مساويهم «1».

أقول: المطّلب أخو هاشم و هو غير عبد المطّلب بن هاشم. و في استحقاق بني المطّلب للخمس خلاف و المشهور عدم استحقاقهم.

نعم قد ورد في الخبر الموثّق عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

إنّه لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطّلبي إلى صدقة، إنّ اللّٰه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم

ثمّ قال

إنّ الرجل إذا لم يجد شيئاً حلّت له الميتة، و الصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلّا أن لا يجد شيئاً و يكون ممّن يحلّ له الميتة «2».

و فيه أوّلًا: أنّ الخبر و إن كان موثّقاً إلّا أنّه خلاف المشهور.

و ثانياً: أنّه من المحتمل أن يكون مطّلبي منسوباً إلى ولد عبد المطّلب بحذف المضاف من المركّب الإضافي في النسبة إليه، كالاموي المنسوب إلى بني أُميّة.

______________________________

(1) تذكرة

الفقهاء 5: 434.

(2) وسائل الشيعة 9: 276، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 33، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 645

[ (مسألة 2): يعتبر الإيمان]

(مسألة 2): يعتبر الإيمان (6)

______________________________

(6) اعتبار الإيمان في جميع أصناف المستحقّين إجماعي، كما حكي عن «الغنية» و «المختلف»، و قاعدة الاشتغال تقتضي عدم الفراغ منه بالأداء إلى غير المؤمن، و كون الخمس كرامة من اللّٰه لذرّية الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يقتضي عدم استحقاق غير المؤمن من السادة له، و كونه عوضاً عن الزكاة يقتضي اشتراط الإيمان المشروط في الزكاة إجماعاً نصّاً و فتوى. و قد عقد الشيخ الحرّ العاملي في «وسائل الشيعة» باباً بعنوان باب اشتراط الإيمان و الولاية في مستحقّي الزكاة، و أورد عدّة من الروايات الدالّة على اشتراط الإيمان، كالرواية الأُولى و الثالثة و الرابعة و السادسة و الثامنة و التاسعة و العاشرة من الباب الخامس من أبواب المستحقّين للزكاة في الوسائل «1».

نعم و في بعض الروايات نهي عن إعطاء الزكاة لخصوص النصاب من المخالفين.

و يظهر من المحقّق في «الشرائع» التردّد في اعتبار الإيمان، و لعلّه لإطلاق الآية، و لو لم يتمّ الإطلاق في الآية لكونها في مقام بيان تشريع أصل الحكم و مستحقّيه على سبيل الإجمال، من غير نظر إلى شرائطهم فحينئذٍ يتمسّك بعمومها و شمول الطوائف الثلاث للمؤمن و غير المؤمن.

و فيه: أنّ العموم مخصّص بما ذكر من الأدلّة على اعتبار الإيمان، و لو فرض عدم الدليل على اعتبار الإيمان فكونه أحوط ممّا لا شكّ فيه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 221، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 5، الحديث 1 و 3 و 4 و 6 و 8 و 9 و 10.

مدارك تحرير

الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 646

أو ما في حكمه في جميع مستحقّي الخمس (7)، و لا يعتبر العدالة على الأصحّ (8)،

______________________________

(7) يجوز إعطاء الزكاة لأولاد المؤمنين، و هم في حكم المؤمنين، كما أنّ أولاد الكفّار في حكم الكفّار.

و يدلّ عليه رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): الرجل يموت و يترك العيال أ يعطون من الزكاة؟ قال

نعم حتّى ينشئوا و يبلغوا و يسألوا من أين كانوا يعيشون. «1»

الخبر، و رواية أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

ذرّية الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة و الفطرة، كما كان يعطى أبوهم حتّى يبلغوا، فإذا بلغوا و عرفوا ما كان أبوهم يعرف أُعطوا و إن نصبوا لم يعطوا «2».

(8) و هذا القول هو المعروف المشهور بين الأصحاب و لم يعرف من أحد القول باعتبارها فيهم؛ و ذلك لإطلاق الأدلّة و عمومها السالمين عن المقيِّد و المخصِّص؛ قال المحقّق في «الشرائع»: و أمّا العدالة فلا تعتبر على الأظهر، و عبارته توهم وجود المخالف الذي قوله ظاهر من الدليل المعتبر. و قال في «المدارك» و «مصباح الفقيه» و الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه) في «الرسالة»: إنّ القائل باعتبار العدالة لم يعرف. و نسب إلى السيّد المرتضى (رحمه اللّٰه) اعتبارها في الزكاة بدليل حرمة الإعانة على الفاسق، و هذا الدليل يشمل الخمس أيضاً، و فيه: أنّ الفاسق يحرم إعانته في فسقه لا في رزقه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 226، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 6، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 227، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 6، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 647

و الأحوط عدم الدفع

إلى المتهتّك المتجاهر بالكبائر، بل يقوىٰ عدم الجواز؛ إن كان في الدفع إعانة على الإثم و العدوان و إغراء بالقبيح، و في المنع ردع عنه (9). و الأولى ملاحظة المرجّحات في الأفراد (10).

[ (مسألة 3): الأقوى اعتبار الفقر في اليتامىٰ]

(مسألة 3): الأقوى اعتبار الفقر في اليتامىٰ (11)،

______________________________

(9) هذا الاحتياط لا يترك؛ لعدم فراغ الذمّة بالدفع إلى المتهتّك المتجاهر بالكبائر. و قد ورد في الرواية: «إنّ شارب الخمر لا يعطى من الزكاة شيئاً» «1». و يقوى عدم الجواز فيما كان الدفع إليه إعانة على الإثم و المنع عنه ردعاً؛ و ذلك لأدلّة حرمة الإعانة على الإثم و وجوب النهي عن المنكر.

(10) الدفع إلى العادل أولى و أرجح من الدفع إلى الفاسق.

(11) و يدلّ عليه مرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح. إلى أن قال (عليه السّلام)

و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته؛ فسهم ليتاماهم و سهم لمساكينهم و سهم لأبناء سبيلهم، يقسّم بينهم على الكتاب و السنّة ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شي ء فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، و إنّما صار عليه أن يمونهم؛ لأنّ له ما فضل عنهم «2».

و مرسلة أحمد بن محمّد. إلى أن قال

و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمّد الذين لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة، عوّضهم اللّٰه مكان ذلك

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 9: 249، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 17، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 520، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 3، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 648

..........

______________________________

بالخمس، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم. «1»

الخبر. و هذه الرواية

تدلّ على أنّ الخمس جعل للهاشميين عوض الصدقة التي جعل لسائر الفقراء بحيث لو لم يكونوا سادة لكانوا أهلًا للصدقة و الزكاة.

و قال الشيخ (رحمه اللّٰه) في «المبسوط»: و اليتامى و أبناء السبيل منهم يعطيهم مع الفقر و الغناء؛ لأنّ الظاهر يتناولهم «2»، انتهى.

و فيه: أنّه مخالف للمشهور و مناقض لما ذكره قبل سطرين، حيث قال: و على الإمام (عليه السّلام) أن يقسّم هذه السهام بينهم على قدر كفايتهم و مؤونتهم في السنة على الاقتصاد، و ظاهره التقسيم عليهم مع فقرهم.

و في «المسالك»: و وجه العدم أي عدم اعتبار الفقر في اليتامى جعل اليتيم قسيماً للمساكين في الآية، و هو يقتضي المغايرة، و إلّا لتداخلت الأقسام. و اختاره الشيخ (رحمه اللّٰه) و أُجيب بأنّ المغايرة بينه و بين المسكين حاصلة على هذا التقدير أيضاً؛ فإنّ المغايرة أعمّ من المباينة «3»، انتهى. يعني أنّه يكفي في المغايرة كون كلّ منهما صنفاً مستقلا كابن السبيل، و لا يلزم المغايرة بالكلّية و بالمباينة.

و قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التحرير»: و هل يشترط فقره؟ قال الشيخ لا؛ للعموم، و عندي فيه نظر؛ إذ يحرم لمن له أب موسر، و وجود المال له أنفع من وجود الأب؛ فيكون أولى بالحرمان «4»، انتهى.

و يظهر من جماعة من فقهائنا منهم العلّامة في كتبه؛ حتّى «التحرير» و الشهيد (رحمه اللّٰه) في «الدروس» التوقّف في المسألة، و قال في «الشرائع»: و هل يراعى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 521، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 3، الحديث 2.

(2) المبسوط 1: 262.

(3) مسالك الأفهام 1: 472.

(4) تحرير الأحكام 1: 74/ السطر 25.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 649

أمّا ابن السبيل أي المسافر في

غير معصية فلا يعتبر فيه في بلده. نعم يعتبر الحاجة في بلد التسليم و إن كان غنيّاً في بلده، كما مرّ في الزكاة (12).

______________________________

ذلك أي الفقر في اليتيم؟ قيل: نعم، و قيل: لا، و الأوّل أحوط «1»، انتهى.

و كيف كان: فاعتبار الفقر في اليتامى هو المشهور بين الأصحاب.

(12) المراد من ابن السبيل هو المسافر فعلًا، لا العازم على السفر كما هو المتفاهم العرفي من كلمة «ابن السبيل». أمّا تقييد المسافر بكونه في غير معصية فيستفاد من أدلّة بدلية الخمس عن الزكاة حيث اعتبر في إعطاء الزكاة لابن السبيل أن لا يكون سفره معصية؛ لرواية محمّد بن الحسن عن علي بن إبراهيم في «تفسيره» ذكر تفصيل الثمانية الأصناف المستحقّين للزكاة. إلى أن قال

و ابن السبيل: أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّٰه، فيقطع عليهم و يذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات «2».

قال السيّد (رحمه اللّٰه) في «العروة الوثقى» في كتاب الزكاة: الثامن ابن السبيل؛ و هو المسافر الذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته بحيث لا يقدر معه على الذهاب، و إن كان غنياً في وطنه، بشرط عدم تمكّنه من الاستدانة أو بيع ما يملكه أو نحو ذلك، و بشرط أن لا يكون سفره في معصية «3»، انتهى.

و قال في كتاب الخمس: و يشترط في أبناء السبيل الحاجة في بلد التسليم و إن كان غنياً في بلده. و لا فرق بين أن يكون سفره في طاعة أو معصية «4»، انتهى.

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 165.

(2) وسائل الشيعة 9: 211، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 1، الحديث 7.

(3) العروة الوثقى 2: 316.

(4) نفس المصدر: 403.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و

الخمس، ص: 650

..........

______________________________

و قال المحشّون على «العروة»: الأحوط أن لا يكون سفره في معصية.

أقول: بناءً على بدلية الخمس عن الزكاة و عوضيته عنها بل قيل: إنّه زكاة في المعنى يشترط أن لا يكون سفر أبناء السبيل معصية، و أمّا اشتراط الفقر في أبناء السبيل فيمكن أن يستدلّ عليه بمرسلة حمّاد بن عيسى. إلى أن قال

لأنّ فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم، فلم يبق منهم أحد، و جعل للفقراء قرابة رسول اللّٰه نصف الخمس، فأغناهم به عن صدقات الناس و صدقات النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و وليّ الأمر، فلم يبق فقير من فقراء الناس و لم يبق فقير من فقراء قرابة الرسول. «1»

الخبر. وجه الاستدلال: أنّ نصف الخمس لفقراء قرابة الرسول، و من المعلوم بصريح القرآن أنّ قرابة الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) ثلاثة أصناف؛ و منهم أبناء السبيل.

و مرسلة أحمد بن محمّد. إلى أن قال

و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الذين لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة، عوّضهم اللّٰه مكان ذلك بالخمس «2»

، هذا.

مضافاً إلى أنّ المنساق إلى الذهن من إطلاق ابن السبيل هو المسافر المحتاج في سفره، و قال الشيخ الأنصاري في «رسالته» باعتبار الفقر في ابن السبيل.

و مع ذلك كلّه: بقي في النفس شي ء؛ و هو أنّ الفقير في العرف عبارة عمّن لا يتمكّن من قوت سنته فعلًا و قوّة، و هذا المفهوم لا يصدق على من هو مالك فعلًا لآلاف أُلوف و قد سرق في الطريق مئونة سفره و احتاج إلى ما يصل به إلى

بلده؛ و لذا قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» و «التحرير» و المحقّق في «الشرائع»: ابن السبيل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 513، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 9: 513، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 9.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 651

[ (مسألة 4): الأحوط إن لم يكن الأقوىٰ عدم دفع من عليه الخمس إلىٰ من تجب نفقته عليه]

(مسألة 4): الأحوط إن لم يكن الأقوىٰ عدم دفع من عليه الخمس إلىٰ من تجب نفقته عليه (13)،

______________________________

لا يعتبر فيه الفقر بل الحاجة في بلد التسليم، و قال في «المنتهي»: أمّا ابن السبيل فلا يعتبر فيه الفقر إجماعاً، نعم يشترط فيه الحاجة في السفر.

(13) هذا القول لا يخلو من قوّة مع قدرة المنفق و إنفاقه؛ للإجماع المحكي عن غير واحد.

و يدلّ عليه النصوص الواردة في الزكاة المشتركة مع الخمس في الأحكام إلّا ما استثني، كصرف الخمس للهاشمي و الزكاة إلى غيره؛ فقد ورد أنّ الزكاة لا يعطى على واجب النفقة، كصحيحة ابن الحجّاج عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً: الأب و الأُمّ و الولد و المملوك و المرأة؛ و ذلك أنّهم عياله لازمون له «1».

و مرسلة عبد اللّٰه بن الصلت عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال

خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد و الوالدان و المرأة و المملوك؛ لأنّه يجبر على النفقة عليهم «2».

و مصحّحة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام) في حديث قال: قلت: فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتّى لا أحتسب الزكاة عليهم؟ فقال

أبوك و أُمّك

، قلت: أبي و أُمّي؟ قال

الوالدان و الولد «3».

و ضعف بعضها منجبر.

نعم يعارضها مكاتبة عمران بن إسماعيل القمي قال:

كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السّلام): إنّ لي ولداً رجالًا و نساءً أ فيجوز أن أُعطيهم من الزكاة شيئاً؟

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 240، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 13، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 241، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 13، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 9: 241، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 13، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 652

سيّما زوجته إذا كان للنفقة (14)، أمّا دفعه إليه لغير ذلك ممّا يحتاج إليه و لم يكن واجباً عليه فلا بأس (15)،

______________________________

فكتب (عليه السّلام)

إنّ ذلك جائز لك «1».

و المرسل عن محمّد بن جزّك قال: سألت الصادق (عليه السّلام): أدفع عشر مالي إلى ولد ابنتي؟ قال

نعم، لا بأس به «2».

و لا يخفى ضعف هاتين الروايتين؛ لأنّ عمران بن إسماعيل مجهول الحال، و محمّد بن جزّك لم يذكر في كتاب الرجال من أصحاب الصادق (عليه السّلام)، و قد حمل الشيخ (رحمه اللّٰه) المكاتبة على صرفه في التوسعة؛ يعني ما زاد على القدر الواجب عليه، و لعلّه (رحمه اللّٰه) استفاد الحمل المذكور من قوله: «إنّ لي ولداً رجالًا و نساءً» حيث إنّه يشعر بأنّه كان كثير الأولاد الكبيرين و لا يمكنه تأمين معيشتهم من طلق ماله و كان مقدار ضرورتها من ماله و توسعته من الزكاة؛ و لذا سأل عنه (عليه السّلام) بقوله: «أ فيجوز أن أُعطيهم من الزكاة شيئاً؟».

(14) خصوصية الزوجة كونها واجب النفقة للزوج و إن كانت غنية و كان زوجها معسراً، بخلاف غيرها ممّن ذكر في صحيحة ابن الحجّاج.

(15) مثلًا إذا كان الابن معسراً فقيراً يجب نفقته على أبيه، و أمّا نفقة زوجة الابن فلا يجب على

أبيه و إن كان الابن محتاجاً إلى نفقة زوجته. و كذا إذا جنت الزوجة مثلًا و استقرّت دية المجني به عليها فلا يجب على الزوج أداؤها. و يستفاد ذلك من مفهوم التعليل في الروايات المذكورة؛ خصوصاً مرسلة عبد اللّٰه بن الصلت؛ فلا يجبر المنفق على غير نفقة القرابة التي تجب نفقتها عليه ممّا يحتاجون

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 243، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 14، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 9: 243، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 14، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 653

كما لا بأس بدفع خمس غيره إليه و لو للإنفاق حتّى الزوجة المعسر زوجها (16).

______________________________

إليه. فيجوز دفع الزكاة و كذا الخمس إلى واجب النفقة من ذوي القرابة للصرف في غير النفقة ممّا يحتاجون إليه.

(16) و ذلك لعدم وجوب نفقتهم على الغير؛ فمع فقرهم يجوز لمن ليس نفقتهم عليه أن يعطى من الخمس لهم، هذا إذا لم يكن من عليه النفقة باذلًا. و لا يبعد عدم جوازه مع إمكان إجبار من عليه النفقة على البذل مع امتناعه.

ها هنا مسائل:

الأُولى: الأحوط لو لم يكن الأقوى عدم جواز التوسعة لمن يجب نفقته من الخمس؛ و ذلك لإطلاق أدلّة منع إعطاء المنفق لواجب النفقة في الزكاة، و كذلك في الخمس؛ لاشتراكهما في الأحكام.

و ما دلّ على جواز التوسعة، كموثّقة سماعة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يكون له ألف درهم يعمل بها و قد وجب عليه فيها الزكاة، و يكون فضله الذي يكسب بماله كفاف عياله لطعامهم و كسوتهم، و لا يسعه لأُدمهم و إنّما هو ما يقوتهم في الطعام و الكسوة، قال

فلينظر إلى زكاة

ماله ذلك، فليخرج منها شيئاً قلّ أو كثر فيعطيه بعض من تحلّ له الزكاة، و ليعد بما بقي من الزكاة على عياله فليشتر بذلك إدامهم و ما يصلحهم من طعامهم في غير إسراف، و لا يأكل هو منه فإنّه ربّ فقير أسرف من غنيّ

؛ فقلت: كيف يكون الفقير أسرف من الغني؟ فقال

إنّ الغني ينفق ممّا اوتي و الفقير ينفق من غير ما أُوتي «1».

و مصحّح إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل له ثمانمائة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 242، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 14، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 654

..........

______________________________

درهم و لابن له مائتا درهم و له عشر من العيال و هو يقوتهم فيها قوتاً شديداً و ليس له حرفة بيده إنّما يستبضعها فتغيب عنه الأشهر ثمّ يأكل من فضلها، أ ترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يتّسع عليهم بها النفقة؟ قال

نعم، و لكن يخرج منها الشي ء الدرهم «1».

و موثّقة أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

لا تعط من الزكاة أحداً ممّن تعول

، و قال

إذا كان لرجل خمسمائة درهم و كان عياله كثيراً

قال

ليس عليه زكاة، ينفقها على عياله يزيدها في نفقتهم و في كسوتهم و في طعام لم يكونوا يطعمونه. «2»

الخبر.

محمول على غير واجب النفقة؛ جمعاً بينه و بين ما دلّ على المنع في واجب النفقة، هذا. مضافاً إلى أنّ موردها صورة عدم القدرة على الإنفاق بمقدار اللازم المتعارف اللائق بالشأن؛ فيجوز حينئذٍ تتميمه من الزكاة.

و ما عن «المستمسك» من أنّ الأخبار المذكورة ظاهرة في زكاة مال التجارة «3»؛ يعني

أنّها مستحبّة، فيجوز إعطاؤها لواجب النفقة، غير سديد لا يسمع به في موثّقة سماعة الصريحة في وجوب الزكاة.

و لعلّه (رحمه اللّٰه) اعتمد فيه من الرواية بقوله: «يكون له ألف درهم يعمل بها» و أنّ ألف درهم كان رأس المال و يتّجر الرجل بها و يستفيد منها و زكاتها مستحبّة.

و فيه: أنّ ألف درهم و إن كان رأس ماله إلّا أنّ قوله: «و قد وجب عليه فيها الزكاة» صريحة في أنّ الرجل كان عليه زكاة واجبة في نفس الدراهم التي هي محلّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 242، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 14، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 244، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 14، الحديث 6.

(3) مستمسك العروة الوثقى 9: 288.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 655

[ (مسألة 5): لا يصدّق مدّعي السيادة بمجرّد دعواه]

(مسألة 5): لا يصدّق مدّعي السيادة بمجرّد دعواه. نعم يكفي في ثبوتها كونه معروفاً و مشتهراً بها في بلده من دون نكير من أحد (17)، و يمكن الاحتيال في الدفع إلىٰ مجهول الحال بعد إحراز عدالته بالدفع إليه بعنوان التوكيل في الإيصال إلىٰ مستحقّه؛ أيّ شخص كان حتّى الآخذ، و لكن الأولىٰ عدم إعمال هذه الحيلة (18).

______________________________

الكسب. ثمّ قال (عليه السّلام)

فلينظر إلى زكاة ماله ذلك

حيث أشار (عليه السّلام) إلى الزكاة الواجبة، ثمّ أمر بإخراجها بقوله (عليه السّلام)

فليخرج منها شيئاً.

الثانية: يجوز دفع الخمس إلى الزوجة المتمتّع بها؛ و ذلك لعدم وجوب نفقتها على الزوج.

و قال بعض فقهائنا بالمنع؛ لإطلاق أدلّة منع إعطاء الزكاة على المرأة. و فيه: أنّ إطلاقها محكوم بالتعليل الوارد فيها بلزوم الإنفاق؛ فيقيّد إطلاق الأدلّة المانعة بالتعليل. نعم لو اشترط النفقة في الزوجة المتمتّع بها يحرم إعطاء الخمس لها مع اليسار،

و كذلك الزكاة. و منه يظهر جواز دفع الزكاة و الخمس إلى الدائمة المشروطة بسقوط نفقتها بناءً على جواز اشتراط سقوطها.

الثالثة: يجوز للزوجة دفع خمسها إلى زوجها الفقير و إن أنفقه للزوجة.

(17) و ذلك لعدم حجّية الدعوى بمجرّدها ما لم توجب الاطمئنان. و تثبت السيادة بالبيّنة، و بالشياع المفيد للعلم؛ سواء كان في بلده أو غيره، و بالاشتهار و المعروفية في بلده من غير نكير بحيث يحصل الوثوق على النسب.

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، در يك جلد، ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس؛ ص: 655

(18) يعني أنّ مَن عليه الخمس يوكّل المجهول النسب المفروض ثبوت عدالته في إيصال الخمس إلى الهاشمي، و الوكيل الآخذ للخمس وظيفته الإيصال إلى أهله سواء كان نفسه أو غيره فمع علم الوكيل بسيادة نفسه أو قيام البيّنة عنده

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 656

[ (مسألة 6): الأحوط عدم دفع الخمس إلى المستحقّ أزيد من مئونة سنته و لو دفعة]

(مسألة 6): الأحوط عدم دفع الخمس إلى المستحقّ أزيد من مئونة سنته و لو دفعة، كما أنّ الأحوط له عدم أخذه (19).

______________________________

بأنّه هاشمي يجوز دفع الخمس إليه وكالةً في الإيصال إلى أهله، و له الأخذ لنفسه. و الأولى ترك هذا الاحتيال.

(19) وجه الاحتياط عدم ثبوت دليل مطلق يقتضي جواز الإعطاء زيادة عن مئونة السنة.

و لا يخفى: أنّ الظاهر من أدلّة الخمس اشتراط الفقر في الآخذ أي من لا يقدر على قوت سنته هو مورد الخمس فمن أخذ مقدار قوت سنته فلا يصدق عليه أنّه فقير؛ فلا يجوز للمعطي إعطاء أزيد من مئونة السنة من الخمس له. كما أنّه لا يجوز للمستحقّ أن يأخذ أزيد منها؛ لعدم صدق الفقير عليه مع وجود

مئونة السنة.

و يدلّ عليه أيضاً مرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح (عليه السّلام). إلى أن قال

يقسّم بينهم على الكتاب و السنّة ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شي ء فهو للوالي «1»

، حيث إنّه (عليه السّلام) بيّن حدّ ما يعطيه الإمام و أنّه ما يستغنون به في سنتهم. و مرسلة أحمد بن محمّد. إلى أن قال

لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة، عوّضهم اللّٰه مكان ذلك بالخمس، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم. «2»

الخبر، حيث إنّ الزكاة للفقراء و الخمس عوضه و يعطيهم الخمس بقدر كفايتهم في سنتهم بقرينة مرسلة حمّاد.

إن قلت: إنّ الزكاة يجوز إعطاؤها للفقراء أزيد من الكفاية في سنتهم،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 520، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 3، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 521، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 3، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 657

[ (مسألة 7): النصف من الخمس الذي للأصناف الثلاثة المتقدّمة أمره بيد الحاكم على الأقوىٰ]

(مسألة 7): النصف من الخمس الذي للأصناف الثلاثة المتقدّمة أمره بيد الحاكم على الأقوىٰ، فلا بدّ إمّا من الإيصال إليه أو الصرف بإذنه و أمره (20)،

______________________________

و كذلك الخمس لكونه عوضاً عنها.

قلت أوّلًا: أنّ إعطاء الزكاة للفقراء أزيد من مئونة سنتهم محلّ إشكال و خلاف الاحتياط، حيث إنّه لم يثبت من أدلّة باب الزكاة إعطاؤها للفقراء أزيد من الكفاية لمئونة السنة.

و ثانياً: أنّه قد ادّعي الإجماع على الأزيد قال العلّامة في «المنتهي»: يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه و ما يزيد على غناه، و هو قول علمائنا أجمع في الزكاة، مضافاً إلى الشهرة العظيمة دون الخمس، و هو الفارق بينهما.

(20) في المسألة أقوال: الأوّل: سقوط هذا النصف الذي هو للأصناف الثلاثة و إباحته للشيعة. حكي القول

به عن سلّار الديلمي في «المراسم»، و في «الحدائق» نسبه إلى شيخه عبد اللّٰه بن صالح.

و قد استدلّ عليه بوجوه ثلاثة:

الأوّل: أنّ تقسيمه للأصناف الثلاثة من مناصب الإمام (عليه السّلام)، و لا دليل على ثبوته لغيره.

و فيه: أنّ ولايته (عليه السّلام) على الأخذ كولايته على الصرف و التقسيم مسلّم في حال حضوره، و في زمن غيبته ثابتة لنائبه.

الثاني: أنّ الأصل عدم وجوب شي ء على أحد إلّا أن يدلّ الدليل على وجوبه، و دليل وجوب الخمس هو الآية و الأخبار؛ أمّا الآية فموردها غنائم دار الحرب المختصّة بحال الحضور، و أمّا الأخبار فهي و إن كانت معتبرة إلّا أنّها تدلّ

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 658

..........

______________________________

على أنّ الإمام (عليه السّلام) يقسّمه بينهم، و هو يختصّ بزمان الحضور؛ فلا دليل على وجوبه زمن الغيبة.

و فيه: أنّ الآية و إن كانت واردة في الغنيمة و في خصوص حرب البدر إلّا أنّ الغنيمة اسم لمطلق الفائدة؛ و لذا اشتهر بين الأصحاب التمسّك بعموم الكتاب لوجوب الخمس في مطلق المغنوم حتّى في أرباح المكاسب و ادّعى في «الرياض» الإجماع على ذلك، و الروايات المفسّرة للغنيمة بالمعنى الأعمّ ممّا يغنم من دار الحرب بحدّ الاستفاضة.

الثالث: الأخبار الكثيرة المتضمّنة لتحليل الخمس و إباحته للشيعة، ذكرها الشيخ الحرّ العاملي في المجلّد التاسع من «وسائل الشيعة» في الباب الرابع من أبواب الأنفال، لا بأس لذكر بعضها ليتّضح الجواب عن الاستدلال بها على السقوط:

فمنها: صحيحة الفضلاء كلّهم أبي بصير و زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام): هلك الناس في بطونهم و فروجهم؛ لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا،

ألا و إنّ شيعتنا من ذلك و آبائهم في حلّ «1».

و منها: صحيحة ابن مهزيار قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر (عليه السّلام) من رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله و مشربه من الخمس، فكتب بخطّه

من أعوزه شي ء من حقّي فهو في حلّ «2».

و منها: صحيحة الكناسي قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أ تدري من أين دخل على الناس الزنا؟

فقلت: لا أدري، فقال

من قبل خمسنا أهل البيت، إلّا لشيعتنا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 659

..........

______________________________

الأطيبين فإنّه محلّل لهم و لميلادهم «1».

و منها: رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال

إنّ أشدّ ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ خمسي، و قد طيّبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم و لتزكّوا أولادهم «2».

و منها: رواية يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فدخل عليه رجل من القمّاطين فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأموال و الأرباح و تجارات نعلم أنّ حقّك فيها ثابت و أنّا عن ذلك مقصّرون، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم «3».

و منها: صحيحة النصري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّ لنا أموالًا من غلّات و تجارات و نحو ذلك و قد علمت أنّ لك فيها حقّا، قال

فلِمَ أحللنا إذن لشيعتنا إلّا لتطيّب ولادتهم، و كلّ من والى آبائي فهو في حلّ ممّا في أيديهم من حقّنا فليبلغ الشاهد الغائب «4».

و منها:

رواية مسمع بن عبد الملك في حديث قال: قلت لأبي عبد الهّٰي (عليه السّلام). إلى أن قال (عليه السّلام)

يا أبا سيّار قد طيّبناه لك و حلّلناك منه، فضمّ إليك مالك «5».

و منها: رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال

إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) حلّلهم من الخمس يعني الشيعة ليطيّب مولدهم «6».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 544، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 9: 545، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 5.

(3) وسائل الشيعة 9: 545، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 9: 547، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 9.

(5) وسائل الشيعة 9: 548، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 12.

(6) وسائل الشيعة 9: 550، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 15.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 660

..........

______________________________

و منها: التوقيع الشريف قد ورد على إسحاق بن يعقوب. إلى أن قال

و أمّا الخمس فقد أُبيح لشيعتنا و جعلوا منه في حلّ. «2»

الخبر.

و منها: ما في تفسير العسكري (عليه السّلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السّلام). إلى أن قال

فقد وهبتُ نصيبي منه لكلّ من ملك شيئاً من ذلك من شيعتي. «3»

الخبر. و غيرها من الأخبار.

و فيه: أنّ الأخبار المذكورة بعضها يدلّ على تحليل خصوص المناكح من الخمس لتطيّب الولادة لا مطلق الخمس، كما في الرواية الثالثة و الخامسة و الخامسة عشر و غيرها من روايات الباب.

و بعضها يدلّ على تحليل خصوص حقّهم (عليهم السّلام) من الخمس فلا يدلّ على تحليل سهام الأصناف الثلاثة، كما في الرواية الأُولى و الثانية و الثالثة و التاسعة و الثانية عشر و

العشرين.

و بعضها يدلّ على التحليل فيما لا يمكن إيصاله إليهم (عليهم السّلام).

و ما دلّ على تحليل مطلق الخمس كالرواية الخامسة و الثانية عشر و الخامسة عشر و السادسة عشر يحمل على تحليل خصوص حقّهم (عليهم السّلام) بقرينة التقييد بحقّهم في الروايات المذكورة.

و بالجملة: فلا دليل على تحليل غير حقّهم من الخمس لغير الأصناف الثلاثة من الشيعة.

القول الثاني: وجوب دفنه. و به قال بعض الأصحاب حكاه عنه في «المقنعة» و «النهاية» و «المنتهي»، و استدلّ عليه بأنّه أحفظ و بأنّه قد ورد في المروي

______________________________

(2) وسائل الشيعة 9: 550، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 16.

(3) وسائل الشيعة 9: 552، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 20.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 661

..........

______________________________

عن «الاحتجاج»

أنّ الأرض تخرج كنوزها للحجّة «1».

و فيه: أنّ في الدفن تضييعاً للمال؛ إذ ليس مال الخمس خصوص الذهب و الفضّة حتّى لا يضيع بالدفن، و أدلّة استحقاق الأصناف الثلاثة تقتضي صرف الخمس لا حفظه. و الرواية على فرض تمامية سنده لا يرتبط بالخمس، بل هو في مقام بيان جلالة الحجّة روحي فداه و سلام اللّٰه عليه و أنّ المعادن و الذخائر تحت الأرض التي لم تصل إليها يد أحدٍ من الناس مع ترقّي الآلات و أدوات الاختراعات تخرجها الأرض و تجعلها في اختيار الحجّة (عليه السّلام).

القول الثالث: وجوب صرفه في المحتاجين من ذرّية الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم). و حكي هذا القول عن المفيد و «الشرائع» و «مهذّب» ابن فهد، و استجوده في «المنتهي» و هو المشهور بين المتأخّرين.

و يدلّ عليه مرسلة حمّاد عن العبد الصالح (عليه السّلام). إلى أن قال (عليه السّلام)

لأنّ فقراء

الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم فلم يبق منهم أحد، و جعل للفقراء قرابة الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس و صدقات النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و وليّ الأمر، فلم يبق فقير من فقراء الناس و لم يبق فقير من فقراء قرابة رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إلّا و قد استغني فلا فقير. «2»

الخبر.

وجه الاستدلال: أنّ الزكاة لا تختصّ بفقراء زمان دون زمان، فكذلك الخمس، و كان همّه (عليه السّلام) تأمين معيشة الفقراء كلّهم بحيث لم يبق منهم أحد.

و مثل هذه المرسلة سائر الروايات التي جعل الخمس فيها عوض الزكاة، كقوله (عليه السّلام) في مرسلة أحمد بن محمّد

و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل

______________________________

(1) انظر مستمسك العروة الوثقى 9: 579، الاحتجاج 2: 71/ 158.

(2) وسائل الشيعة 9: 513، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 662

..........

______________________________

من آل محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) الذين لا تحلّ لهم الصدقة و لا الزكاة، عوّضهم اللّٰه مكان ذلك بالخمس. «1»

الحديث.

و يدلّ عليه أيضاً رواية معاذ بن كثير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

موسّع على شيعتنا أن ينفقوا ممّا في أيديهم بالمعروف، فإذا قام قائمنا حرّم على كلّ ذي كنزٍ كنزه حتّى يأتوه به و يستعين به «2».

و رواية عيسى بن المستفاد عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه (عليهما السّلام). إلى أن قال

إنّ مودّة أهل بيته مفروضة واجبة على كلّ مؤمن و مؤمنة مع إقام الصلاة لوقتها و إخراج الزكاة

من حلّها و وضعها في أهلها و إخراج الخمس من كلّ ما يملكه أحد من الناس حتّى يرفعه إلى وليّ المؤمنين و أميرهم و من بعده من الأئمّة من ولده، فمن عجز و لم يقدر إلّا على اليسير من المال فليدفع ذلك إلى الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمّة، فمن لم يقدر على ذلك فلشيعتهم ممّن لا يأكل بهم الناس. «3»

الخبر.

و غير خفي على الذكي: أنّه كيف يرضى الشارع الأقدس بأن لا يقسّم سهم الأصناف الثلاث لهم في زمن الغيبة من الخمس حتّى يحتاجوا إلى ما في أيدي الناس من أوساخ أموالهم؟! حاشا و كلّا! كيف و هو جعل الخمس لهم عوض الزكاة و شرّفهم به و قرنهم بنفسه الأعظم و الرسول الأكرم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الوليّ المكرّم (عليه السّلام)؟! و القول الرابع: هو وجوب حفظه و الوصية به إلى ثقة. نسب إلى الشيخ (رحمه اللّٰه) في «التهذيب».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 514، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 9.

(2) وسائل الشيعة 9: 547، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 11.

(3) وسائل الشيعة 9: 553، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 21.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 663

كما أنّ النصف الذي للإمام (عليه السّلام) أمره راجع إلى الحاكم، فلا بدّ من الإيصال إليه حتّى يصرفه فيما يكون مصرفه بحسب نظره و فتواه، أو الصرف بإذنه فيما عيّن له من المصرف (21).

______________________________

و فيه: أنّه لا دليل عليه، مع أنّه خلاف غرض الشارع من جعل الخمس لفقراء الذرّية لئلّا يحتاجون في أموال الناس و صدقاتهم.

و القول الخامس: هو التخيير بين قسمته بين الأصناف الثلاثة و

عزله و حفظه و الوصية به كما عن «المقنعة»، أو التخيير بين المذكورات و الدفن كما عن «المبسوط» حيث إنّه (رحمه اللّٰه) بعد اختياره أنّه يجوز تفرقة الخمس على المستحقّين لها، قال (رحمه اللّٰه): و إن عمل عامل على واحد من القسمين الأوّلين من الدفن أو الوصاية لم يكن به بأس «1».

و فيه: أنّه لا دليل عليه، مع أنّ في الحفظ و الوصية به تفويت غرض الشارع مع وجود المستحقّين له.

فالمتعيّن هو القول الثالث بلا إشكال فيه.

و إنّما الكلام في أنّه يلزم أن يكون التقسيم بإذن من الحاكم أو لا يحتاج إليه؟ قال جماعة من فقهائنا: لا يلزم المراجعة إلى الحاكم؛ لأصالة عدم الوجوب و عدم الاشتراط، و قال جماعة أُخرى بالوجوب و الاشتراط، و هو مقتضى الاحتياط و قاعدة الاشتغال؛ و ذلك للشكّ في ولاية غير وليّ الأمر على التعيين و التقسيم؛ فلا بدّ من الإيصال إليه أو التصدّي بإذنه، و هو المختار عندنا.

(21) في المسألة أقوال:

______________________________

(1) المبسوط 1: 264.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 664

..........

______________________________

الأوّل: إباحتهم (عليهم السّلام) سهم الإمام (عليه السّلام) للشيعة مطلقاً أي مع احتياج الأصناف الثلاثة من الذرّية أو بدون احتياجهم كما عن سلّار في «المراسم» و «المدارك» و «الذخيرة» و «المفاتيح» و «الوافي» و «الحدائق»، و نسبه «كاشف الرموز» إلى جماعة من المتقدّمين و صاحب «الحدائق» إلى جماعة من معاصريه.

الثاني: إباحته لهم لا مطلقاً بل في صورة عدم احتياج الأصناف الثلاثة، و اختاره صاحب «الوسائل» (رحمه اللّٰه).

و الاعتماد في هذين القولين على أخبار تحليل الخمس للشيعة. و فيه: أنّ الأخبار المذكورة معرض عنها عند الأصحاب و دلالتها قاصرة، مضافاً إلى أنّها معارضة بما يوجب طرحها أو

حملها على بعض المحامل كعدم إمكان الإيصال إلى وليّ الأمر. و الأخبار المعارضة الدالّة على عدم تحليلهم (عليهم السّلام) الخمس كثيرة؛ و هي الرواية السادسة و السابعة من الباب الأوّل من أبواب الأنفال من المجلّد التاسع من «وسائل الشيعة» و الرواية الاولى و الرابعة و السادسة من الباب الأوّل من أبواب قسمة الخمس من المجلّد المذكور.

و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) استجود دعوى بعض مشايخه أي: دعوى تواتر الأخبار الدالّة على عدم التحليل و لنذكر الأخبار الدالّة على عدم تحليلهم (عليهم السّلام) التي أشرنا إليها؛ و هي هذه:

صحيحة داود بن فرقد قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

قطائع الملوك كلّها للإمام و ليس للناس فيها شي ء «1».

و رواية محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: و سئل عن الأنفال، فقال

كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل لِلّٰه عزّ و جلّ نصفها يقسّم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 525، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 665

..........

______________________________

بين الناس و نصفها لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فما كان لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فهو للإمام «1».

و حسنة زكريا بن مالك الجعفي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سأله عن قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ. الآية، فقال

أمّا خمس اللّٰه عزّ و جلّ فللرسول يضعه في سبيل اللّٰه، و أمّا خمس الرسول فلأقاربه، و خمس ذوي القربى فهم أقرباؤه، و اليتامى يتامى أهل بيته؛ فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم، و أمّا المساكين و ابن السبيل فقد عرفت أنّا لا نأكل

الصدقة و لا تحلّ لنا فهي للمساكين و أبناء السبيل «2».

و رواية سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السّلام) يقول

نحن و اللّٰه الذين عنى اللّٰه بذي القربى الذين قرنهم اللّٰه بنفسه و بنبيه، فقال مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ منّا خاصّة و لم يجعل لنا سهماً في الصدقة، أكرم اللّٰه نبيّه و أكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس «3».

و صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الرضا (عليه السّلام) قال: سئل عن قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ. الآية، فقيل له: فما كان لِلّٰه فلمن هو؟ فقال

لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و ما كان لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فهو للإمام. «4»

، الخبر.

الثالث: وجوب عزل سهم الإمام (عليه السّلام) و إيداعه و الوصية به عند الموت.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 526، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 9: 509، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 511، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 9: 512، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 6.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 666

..........

______________________________

حكي هذا القول عن «المقنعة» و القاضي و الحلّي و نسب إلى السيّد المرتضى في «المسائل الحائرية» و استحسنه في «المنتهي» بعد نسبته إلى جمهور الأصحاب؛ قال (رحمه اللّٰه) في «المنتهي»: و لو عمل أحد بقول جمهور أصحابنا من إيداع حصّته و قسمة الباقي في مستحقّيه كان

حسناً «1»، انتهى. و مستند هذا القول: أنّ النصف المذكور من جملة الأموال التي مالكها معلوم يتعذّر إيصاله إليه (عليه السّلام) لغيبته، و مقتضى القاعدة فيها ما ذكر.

و فيه أوّلًا: أنّه يوجب كثيراً للإتلاف مع التفريط الموجب للضمان. و ثانياً: أنّه مع إحراز رضاه (عليه السّلام) بصرفه في بعض المصارف يتعيّن الصرف فيه.

الرابع: وجوب دفنه؛ لكونه أحفظ، و لما روى في «الاحتجاج» من

أنّ الأرض تخرج كنوزها للحجّة (عليه السّلام) عند ظهوره «2».

و فيه ما ذكر في دفن سهم الأصناف الثلاثة.

الخامس: وجوب صرفه في المحتاجين من ذرّية الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) اعتماداً على المرسلتين لحمّاد بن عيسى و أحمد بن محمّد المتقدّمتين «3» حيث إنّهما تدلّان على أنّ للوالي أن يعطي ممّا عنده لهم إذا لم يكفهم النصف الذي كان لهم ليتمّ لهم ما يكفيهم. و فيه: أنّه من الجائز أن يكون التتميم من مال آخر ممّا في بيت المال من غير سهم الإمام (عليه السّلام).

السادس: التخيير بين إيداعه و دفنه. نسب إلى الشيخ في «النهاية».

السابع: التخيير بين دفنه و الإيصاء به و التقسيم بين المحتاجين من الذرّية.

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 555/ السطر 37.

(2) انظر مستمسك العروة الوثقى 9: 579، الاحتجاج 2: 71/ 158.

(3) وسائل الشيعة 9: 520، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 3، الحديث 1 و 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 667

..........

______________________________

و هذا القول ل «الدروس» قال (رحمه اللّٰه): الأقرب صرف نصيب الأصناف عليهم و التخيير في نصيب الإمام (عليه السّلام) بين الدفن و الإيصاء و صلة الأصناف مع الإعواز بإذن نائب الغيبة «1»، انتهى.

الثامن: التخيير بين حفظه و الإيصاء به و بين قسمته في

المحاويج من الذرّية. و نسب هذا القول إلى العلّامة في «المختلف».

و الجواب عن هذه الأقوال يعلم ممّا سبق في سهم الأصناف الثلاثة.

التاسع: وجوب صرفه في فقراء الشيعة و إن لم يكونوا سادة. اختاره ابن حمزة، و قد حكي عنه أنّه قال: الصحيح عندي أن يقسّم نصيبه على مواليه العارفين بحقّه من أهل الفقر و الصلاح و السداد. و استدلّ له بما ورد في مرسلة حمّاد بن عيسى من أنّه (عليه السّلام) يعول من لا حيلة له «2»، و قد ورد في بعض الروايات

من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا أو صالحي شيعتنا «3».

و فيه: أنّ الظاهر منهما الصلة المستحبّة، و على فرض كون الصلة واجبة لا دليل على كونها من سهم الإمام (عليه السّلام).

و قال الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه) في «رسالته»: الذي يقتضيه القاعدة هو وجوب حفظه له؛ لأنّه مال غائب و أيّ غائب! روحنا له الفداء؛ و لذا ذهب إليه جمهور أصحابنا على ما في «المعتبر» و عن «المنتهي» و عن «السرائر»: أنّه الذي يقتضيه أُصول الدين و أُصول المذهب و أدلّة العقول و أدلّة الاحتياط. و إليه يذهب و عليه يعول جميع محقّقي أصحابنا المصنّفين المحصّلين الباحثين عن مأخذ الشريعة

______________________________

(1) الدروس الشرعية 1: 262.

(2) وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4.

(3) راجع وسائل الشيعة 9: 475، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة، الباب 50، الحديث 1 و 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 668

و يشكل دفعه إلىٰ غير من يقلّده، إلّا إذا كان المصرف عنده هو المصرف عند مقلّده كمّاً و كيفاً، أو يعمل علىٰ طبق نظره (22).

______________________________

و جهابذة الأدلّة و نقّاد الآثار؛ فإنّ

جميعهم يذكرون في باب الأنفال هذه المقالة. إلى أن قال (رحمه اللّٰه): إلّا أنّ الذي يقتضيه التأمّل في أحوال الإمام (عليه السّلام) و في أحوال ضعفاء شيعته في هذا الزمان ثمّ في ملاحظة حاله بالنسبة إليهم، هو القطع برضائه (عليه السّلام) بصرف حصّته فيهم و رفع اضطراراتهم بها و فيما يحتاجون إليه من الأُمور العامّة و الخاصّة «1»، انتهى.

العاشر: أنّ أمر سهم الإمام في زمن الغيبة راجع إلى نائبه، و هو المجتهد الجامع للشرائط. و هذا القول هو الأقوى عندنا؛ لأنّه كان في زمن الحضور له (عليه السّلام)، و بأدلّة النيابة عنه (عليه السّلام) كان للفقيه الجامع للشرائط؛ فلا يجوز الصرف في الموارد المقرّرة بغير إذنه، و لا أقلّ من الاحتياط فلا يجوز صرفه لغير المأذون، و لا يبرأ ذمّته و إن صرف في مورده و محلّه إلّا يحرز بالوجدان رضاء الإمام (عليه السّلام). و لعلّه مراد الشيخ الأنصاري (رحمه اللّٰه) من مقالته في «رسالته».

(22) وجه الإشكال في دفع الخمس إلى غير المقلَّد فيما اختلف نظر من يقلّده و غيره في المصرف بأن يكون صرفه في بناء المدارس الجديدة غير جائز عند مقلَّده و جائزاً عند غيره و فيما لم يكن عمل غيره على طبق نظر من يقلّده: هو أنّ مسائل الخمس إذا كانت خلافية فمع الدفع إلى غير من يقلّده يشكّ في براءة ذمّته. و يمكن دفع الإشكال بأنّ تكليفه الإيصال إلى الحاكم الشرعي و الحاكم يصرفه على طبق نظره. نعم يشكل المسألة فيما إذا رجع إلى غير من يقلّده و استأذن منه أن

______________________________

(1) الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 333.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 669

[ (مسألة 8): الأقوىٰ جواز نقل الخمس إلىٰ بلد آخر]

(مسألة 8): الأقوىٰ

جواز نقل الخمس إلىٰ بلد آخر، بل ربما يترجّح عند وجود بعض المرجّحات حتّى مع وجود المستحقّ في البلد؛ و إن ضمن حينئذٍ لو تلف في الطريق أو البلد المنتقل إليه، بخلاف ما إذا لم يوجد فيه المستحقّ فإنّه لا ضمان عليه (23).

______________________________

يصرفه فيما يحرم صرفه فيه عند من يقلّده بل لا يجوز؛ لكون عمل نفسه مخالفاً لرأي مجتهده.

(23) قال العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة»: لا يحمل الخمس من بلد المال مع وجود المستحقّ فيه؛ لأنّ المستحقّ مطالب من حيث الحاجة و الفقر، فنقله يستلزم تأخير إيصال الحقّ إلى مستحقّه مع القدرة و الطلب، فإن نقله حينئذٍ ضمن و يبرأ مع التسليم، و لو فقد المستحقّ جاز النقل للضرورة و لا ضمان. إلى أن قال: و قال الشافعي: ينقل من البلد إلى غيره و يقسّم في البلدان؛ لأنّه مستحقّ بالقرابة، فاشترك الحاضر و الغائب كالميراث. و ليس بجيّد و إلّا لاختصّ به الأقرب كالميراث «1»، انتهى.

و قال في «الشرائع»: لا يحلّ حمل الخمس إلى غير بلده مع وجود المستحقّ، و لو حمل و الحال هذه ضمن. و يجوز مع عدمه «2»، انتهى.

و قال في «المسالك»: الأصحّ جواز الحمل مطلقاً كما مرّ في الزكاة؛ خصوصاً مع طلب المساواة بين المستحقّين. و على المنع يقتصر في موضع الجواز على أقرب الأماكن فالأقرب «3»، انتهى.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 5: 435.

(2) شرائع الإسلام 1: 166.

(3) مسالك الأفهام 1: 471.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 670

..........

______________________________

و اختار صاحب «المدارك» أيضاً جواز النقل إلى بلد آخر مع وجود المستحقّ في بلد الخمس، و حكم بالضمان لو تلف «1».

و قال في «الدروس»: الأقرب أنّ له الحمل مع وجود المستحقّ لطلب

المساواة بين المستحقّين «2»، انتهى.

و قال في «المبسوط»: و الظاهر يقتضي أن يفرّق في جميع من يتناوله الاسم في بلد الخمس كان أو في غيره من البلاد، قريباً كان أو بعيداً إلّا أنّ ذلك يشقّ. و الأولى أن يقول: يخصّ إلى غيره لذلك من حضر البلد الذي فيه الخمس، و لا يحمل إلّا مع عدم مستحقّه، و لو أنّ إنساناً حمل ذلك إلى بلد آخر و وصل إلى مستحقّه لم يكن عليه شي ء، إلّا أنّه يكون ضامناً إن هلك «3»، انتهى.

أقول: الأقوى جواز نقل الخمس إلى بلد آخر و إن كان في بلد الخمس مستحقّ، و فيما لم يكن فيه مستحقّ يجوز بلا خلاف؛ و ذلك لأصالة إباحة النقل و لم يثبت منع منه، و صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يعطي الزكاة يقسّمها، إله أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال

لا بأس به «4».

و صحيحة أحمد بن حمزة قال: سألت أبا الحسن الثالث (عليه السّلام) عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها في إخوانه فهل يجوز ذلك؟ قال

نعم «5».

و في رواية درست بن أبي منصور واقفي قوي روايته قال: قال

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 410.

(2) الدروس الشرعية 1: 262.

(3) المبسوط 1: 262.

(4) وسائل الشيعة 9: 282، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 37، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 9: 283، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 37، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 671

..........

______________________________

أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده، قال

لا بأس (أن) يبعث بالثلث أو

الربع «1»

، و تقييد صحيحة أحمد بن حمزة بصحيحة هشام و رواية درست و القول بجواز نقل البعض دون الكلّ مستلزم للقول بالفصل، تأمّل جيّداً.

و توهّم أنّ الإيصال إلى أربابه واجب فوري و النقل إلى البلد الآخر يستلزم التأخير و هو غير جائز، مدفوع أوّلًا بأنّه لم يقم دليل على وجوب الإيصال فوراً، و اللازم إيصاله إلى أربابه بحيث لا يؤدّي تأخيره إلى المسامحة و المساهلة، و ثانياً بأنّه قد يكون الإيصال إليهم في البلد الآخر أسهل و أسرع من الإيصال في بلد الخمس كما في البلاد الكبيرة مثل طهران و بغداد حيث إنّ الذهاب بالسيّارة من جنوب طهران إلى بلدة قم بفاصلة ساعة و نصف مثلًا و إلى شمالها بساعات و هكذا. و بالجملة: الواجب على المكلّف الإيصال إلى أربابه في أيّ مكان كان فجاز له النقل.

و أمّا الضمان: فإن كان في بلد الخمس مستحقّ و نقله إلى بلد آخر و تلف قبل الإيصال إلى أهله ضمنه، و إن لم يكن فيه مستحقّ و نقله و تلف فلا يضمن؛ و ذلك لصحيحة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال

إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنّها قد خرجت من يده، و كذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه، فإن لم يجد فليس عليه ضمان «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 283، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 37، الحديث 2.

(2)

وسائل الشيعة 9: 285، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 39، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 672

و كذا لو كان النقل بإذن المجتهد و أمره، فإنّه لا ضمان عليه حينئذٍ حتّى مع وجود المستحقّ في البلد (24)، و ربما وجب النقل لو لم يوجد المستحقّ في البلد و لم يتوقّع وجوده بعدُ، أو أمر المقلَّد بالنقل (25)، و ليس من النقل لو كان له دين علىٰ من في بلد آخر، فاحتسبه مع إذن الحاكم الشرعي (26).

______________________________

و هذه الرواية واردة في الزكاة، و الخمس مشترك لها في الأحكام؛ فإذا جاز النقل حتّى مع وجود المستحقّ في البلد فمع وجود بعض المرجّحات في البلد الآخر يكون أولى، و قد ينتهي إلى حدّ الوجوب.

(24) و ذلك لأنّه إذا كان مأذوناً شرعاً في نقله فقد خرجت يده عن كونها يد ضمان، و النصوص المتضمّنة للضمان في النقل لا تشمل مورد الإذن، مع أنّ الأصل عدم الضمان. و استصحاب الضمان لا يجري؛ لكون اليد قبل الإذن غيرها بعد الإذن، و نظيره تلف الأموال الشخصية في يد الناقل إذا كان النقل بإذن مالكها.

(25) و ذلك فيما كان المستحقّ في بلد آخر، و حينئذٍ يكون النقل واجباً؛ لتوقّف الإيصال الواجب على النقل و يكون النقل و الإيصال إحساناً و ما على المحسنين من سبيل. و يدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة. و كذلك فيما كان النقل إلى بلد آخر بأمر المقلَّد و إن كان المستحقّ موجوداً في بلد الخمس؛ لخروج يده عن كونها يد ضمان بامتثال الأمر بالنقل.

(26) لعدم صدق نقل الخمس عرفاً على احتساب ما يملكه في ذمّة الغير خمساً، و كذلك لو كان له

مال آخر في بلد آخر و دفعه فيه للمستحقّ عوضاً عن مال الخمس الذي عليه في بلده، و كذلك أيضاً لو نقل قدر الخمس من ماله إلى بلد آخر فدفعه عوضاً عن الخمس فلا يرتفع الضمان على الخمس بتلف ذلك المال.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 673

[ (مسألة 9): لو كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلد الخمس يتعيّن نقل حصّة الإمام (عليه السّلام) إليه]

(مسألة 9): لو كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلد الخمس يتعيّن نقل حصّة الإمام (عليه السّلام) إليه، أو الاستئذان منه في صرفها في بلده (27)، بل الأقوىٰ جواز ذلك لو وجد المجتهد في بلده أيضاً، لكنّه ضامن إلّا إذا تعيّن عليه النقل، بل الأولىٰ و الأحوط النقل إذا كان من في البلد الآخر أفضل، أو كان هنا بعض المرجّحات (28)،

______________________________

(27) تعيّن نقل حصّة الإمام (عليه السّلام) إلى المجتهد الجامع للشرائط باعتبار أنّه نائبه، و قد وجب النقل إلى نفس الإمام (عليه السّلام). و يدلّ عليه صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال

لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا «1»

، و ما رواه المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

كلّ شي ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلّا اللّٰه و أنّ محمّداً رسول اللّٰه فإنّ لنا خمسه، و لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا نصيبنا «2».

و وجه وجوب الاستئذان من المجتهد في صرفها في بلده عدم ولايته على التصرّف؛ فلا بدّ فيه من الإذن.

(28) و ذلك لأنّ وظيفته الإيصال إلى المجتهد الجامع للشرائط في أيّ بلد كان، و حينئذٍ فإن كان نقله بإذن من الحاكم و تلف في الطريق لم يضمن؛

لما مرّ في نقل الخمس مع الإذن من أنّ يده حينئذٍ ليس يد ضمان و إن كان بدون الإذن يضمنه. و مئونة النقل على الناقل لو كان نقله جائزاً؛ إذ مع وجود المجتهد في البلد يجوز له الإيصال إليه من دون أن يرد نقص على مال الإمام (عليه السّلام). و أمّا إذا كان النقل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 484، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 1، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 542، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 674

و لو كان المجتهد الذي في البلد الآخر مقلَّده يتعيّن النقل إليه، إلّا إذا أذن في صرفه في البلد، أو كان المصرف في نظر مجتهد بلده موافقاً مع نظر مقلَّده، أو كان يعمل علىٰ طبق نظره (29).

______________________________

واجباً فالذي يجب عليه هو نفس النقل، و أمّا تحمّل الناقل لمخارج النقل و تضرّره به ينتفي بقاعدة لا ضرر. و نقله إلى المجتهد الجامع للشرائط الموجود في بلد آخر جائز و إن لم يكن أفضل من المجتهد في بلد الخمس، نعم لو كان الموجود في البلد الآخر أفضل أو كان في البلد الآخر رجحان يكون النقل أولى و أحوط استحباباً ما لم يبلغ حدّ الإلزام؛ فيكون واجباً حينئذٍ، كتوقّف إقامة العدل و حفظ النظام الإسلامي و دفع شرّ أعداء الإسلام عن المسلمين و بلادهم على صرف سهم الإمام في البلد الآخر.

(29) مفروض المسألة ما إذا كان في بلد الخمس مجتهد جامع للشرائط و كان مقلّده في بلد آخر و أفتى المقلَّد بوجوب النقل إليه، فحينئذٍ يجب على المقلِّد نقل الخمس إليه و لا يجوز إعطاؤه على مجتهد بلد

الخمس، إلّا إذا أذن في صرفه في البلد. فلو لم يأذن لا يجوز صرفه و لا يجوز إعطاؤه لمجتهد البلد أيضاً.

و أمّا لو لم يفت المقلَّد بوجوب النقل إليه فالمصنّف (رحمه اللّٰه) يقول بوجوب النقل إليه و عدم جواز إعطائه لمجتهد البلد، إلّا إذا أذن في صرفه في البلد أو كان المصرف في نظر مجتهد بلده موافقاً لنظر مقلَّده أو كان يعمل على طبق نظر مقلَّده. و فيه إشكال كما تقدّم في الكلام على أشكاله (رحمه اللّٰه) في الدفع إلى غير من يقلّده، فراجع.

فرع: إذا حكم المجتهد الجامع للشرائط بنقل سهم الإمام (عليه السّلام) إليه يجب النقل إليه و إن لم يكن مقلَّداً له، و إن كان نظره مخالفاً لنظر مجتهده في المصرف.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 675

[ (مسألة 10): يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر و إن كان عروضاً]

(مسألة 10): يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر و إن كان عروضاً (30)،

______________________________

(30) أيّ متاع كان من الأمتعة؛ و حكي نسبته إلى الأصحاب من المدقّق الخوانساري، و ذلك مبني على ما ذكروه في الزكاة. و في «العروة الوثقى» في ضمن المسألة الخامسة من مسائل زكاة الأنعام قال: بل يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية من النقدين أو غيرهما.

و في «المستمسك» «1»: أمّا في الغلّات و النقدين فالظاهر الاتّفاق عليه، بل عن جماعة كثيرة نقل الإجماع صريحاً أو ظاهراً عليه و يدلّ عليه صحيحة محمّد بن خالد البرقي قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السّلام) هل يجوز أن أخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة و الشعير و ما يجب على الذهب دراهم بقيمته ما يسوي، أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شي ء ما فيه؟

فأجاب (عليه السّلام)

أيّما تيسّر يخرج «2».

و صحيحة علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم بالقيمة، أ يحلّ ذلك؟ قال

لا بأس به «3».

و مصحّح أو موثّق يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد الهّٰي (عليه السّلام): عيال المسلمين أُعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثياباً و طعاماً و أرى أنّ ذلك خير لهم، قال: فقال

لا بأس «4».

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 9: 83.

(2) وسائل الشيعة 9: 167، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضة، الباب 14، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 9: 167، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضة، الباب 14، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 9: 168، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضة، الباب 14، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 676

..........

______________________________

و صاحب «المدارك» بعد أن استدلّ على جواز إخراج القيمة في الزكاة عن الذهب و الفضّة و الغلّات بصحيحتي البرقي و علي بن جعفر قال: و أمّا زكاة الأنعام فقد اختلف فيها كلام الأصحاب؛ فقال المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة»: و لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الأنعام. إلى أن قال: و قال الشيخ في «الخلاف»: يجوز إخراج القيمة في الزكاة كلّها أيّ شي ء كانت القيمة و تكون القيمة على وجه البدل لا على أنّها أصل. ثمّ نقل عن الشيخ و العلّامة الاستدلال على الجواز و ضعّف دليلهما، و ذهب إلى ما ذهب إليه المفيد (رحمه اللّٰه) و قوّاه بأنّ إقامة غير الفريضة مقامها حكم شرعي يتوقّف على الدليل «1».

و حكي عن الحلبي في «الكافي»: أنّ التبديل إنّما يجوز بالدراهم و الدنانير دون غيرهما؛

لحسنة بل موثّقة سعيد بن عمرو الجعفي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: أ يشتري الرجل من الزكاة الثياب و السويق و الدقيق و البطيخ و العنب فيقسّمه؟ قال

لا يعطيهم إلّا الدراهم، كما أمر اللّٰه «2».

و فيه أوّلًا: أنّه لا يدلّ على أنّ الدراهم هي المبدلة عن الزكاة، بل من المحتمل أنّ الدراهم نفسها كانت زكاة و أمر (عليه السّلام) بدفع عين الزكاة.

و ثانياً: على فرض التسليم أنّها بدل الزكاة، نقول: إنّ الرواية معرض عنها عند الأصحاب، و قد تقدّم في مسألة المعدن التصريح من «التذكرة» و «المنتهي» بجواز بيع المعدن و تعلّق الخمس بالثمن.

و يدلّ عليه رواية الحارث بن حضيرة الأزدي قال: وجد رجل ركازاً على عهد أمير المؤمنين (عليه السّلام) فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم و مائة شاة متبع، فلامته أُمّي

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 91.

(2) وسائل الشيعة 9: 168، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الذهب و الفضة، الباب 14، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 677

و لكن الأحوط أن يكون ذلك بإذن المجتهد حتّى في سهم السادات (31).

______________________________

و قالت: أخذت هذه بثلاثمائة شاة أولادها مائة و أنفسها مائة و ما في بطونها مائة؟! قال: فندم أبي فانطلق ليستقيله، فأبى عليه الرجل فقال: خذ منّي عشر شياة، خذ منّي عشرين شاة، فأعياه، فأخذ أبي الركاز و أخرج منه قيمة ألف شاة، فأتاه الآخر فقال: خذ غنمك و آتني ما شئت، فأبى فعالجه فأعياه، فقال: لأضرنّ بك، فاستعدى أمير المؤمنين (عليه السّلام) على أبي، فلمّا قصّ أبي على أمير المؤمنين (عليه السّلام) أمره، قال لصاحب الركاز

أدّ خمس ما أخذت؛ فإنّ الخمس عليك؛ فإنّك أنت الذي وجدت الركاز

و ليس على الآخر شي ء؛ لأنّه إنّما أخذ ثمن غنمه «1».

و صحيح الريّان بن الصلت قال: كتبت إلى أبي محمّد (عليه السّلام): ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى أرض في قطيعة لي، و في ثمن سمك و بردي و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب

يجب عليك فيه الخمس إن شاء اللّٰه تعالى «2».

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) المروية عن «السرائر» قال: كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه و المنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب (عليه السّلام)

الخمس في ذلك

، و عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنّما يبيع منه الشي ء بمائة درهم أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس؟ فكتب

أمّا ما أكل فلا، و أمّا البيع فنعم هو كسائر الضياع «3».

(31) هذا الاحتياط استحبابي؛ إذ بعد ما يدلّ على جواز دفع مال آخر بدل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 497، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 6، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 504، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 9.

(3) وسائل الشيعة 9: 504، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 678

[ (مسألة 11): إذا كان في ذمّة المستحقّ دَين]

(مسألة 11): إذا كان في ذمّة المستحقّ دَين، جاز له احتسابه خُمساً مع إذن الحاكم على الأحوط لو لم يكن الأقوىٰ، كما أنّ احتساب حقّ الإمام (عليه السّلام) موكول إلىٰ نظر الحاكم (32).

______________________________

الخمس من الأدلّة المعتبرة المذكورة فلا يعتبر إذنه و لا رضا الأصناف الثلاثة من مستحقّي الخمس.

(32) هذا مبني على أنّ مطلوب

الشارع صرف الخمس في مورده، و هو المستفاد من «اللام» في قوله تعالى فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ. الآية. و لا يشترط في الصرف الإيصال الخارجي بل هو يتحقّق به و بإبراء الذمّة و إسقاط ما فيها.

و لا يخفى: أنّ كون «اللام» للمصرف خلاف الظاهر، و كونه مطلوباً و مراداً يحتاج إلى الإثبات. و الظاهر من الاحتساب أنّه أمر قلبي يتحقّق بالقصد و النية كالتوبة و الارتداد بالاعتقاد القلبي الجازم و الندم على ما ارتكبه في الأوّل، و بأنّه لا مبدأ في الوجود مثلًا في الثاني.

و ما في «المستمسك» من أنّ الظاهر من الاحتساب أنّه إيقاع لا تمليك؛ و لذا لا يكون موقوفاً على القبول «1»، غير سديد؛ لأنّ الإيقاع لا يطلق إلّا في الإنشاء اللفظي، كالطلاق و العتق مثلًا.

و التحقيق في المسألة: أنّه بناءً على ثبوت الولاية للفقيه الجامع للشرائط و إذنه لمن عليه الخمس فيما يملك في ذمّة الغير المستحقّ للخمس و أنّه عيّنه بإذنه يحكم بسقوط الذمّة قهراً، و حينئذٍ يكون الاحتساب مؤثّراً في سقوط ذمّته عن

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 9: 589.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 679

[ (مسألة 12): لا يجوز للمستحقّ أن يأخذ من باب الخمس و يردّه على المالك، إلّا في بعض الأحوال]

(مسألة 12): لا يجوز للمستحقّ أن يأخذ من باب الخمس و يردّه على المالك، إلّا في بعض الأحوال، كما إذا كان عليه مبلغ كثير و لم يقدر علىٰ أدائه؛ بأن صار معسراً لا يرجى زواله و أراد تفريغ ذمّته، فلا مانع حينئذٍ منه لذلك (33).

______________________________

الخمس و سقوط ذمّة الغير عن الدين، و حيث إنّ الولاية على الاحتساب لم يثبت لمن عليه الخمس فلا بدّ له من الرجوع إلى الفقيه الجامع للشرائط و الاستئذان منه في الاحتساب، كما

أنّ احتساب حقّ الإمام (عليه السّلام) موكول إلى نظر الحاكم أيضاً؛ لوحدة المناط في سهم الإمام (عليه السّلام) و سهم السادات.

(33) و يعبّر عن هذا الأخذ و الردّ ب «دستگردان» و لا إشكال في أخذ المستحقّ و إن كان أخذه مشروطاً بالردّ الباطل بناءً على أنّ لغوية الشرط لا يوجب بطلان الأخذ و أمّا ردّه إلى المالك فإن كان من الحاكم أو كان من الآخذ بإذن من الحاكم فلا يصحّ؛ إذ لم يثبت للحاكم ولاية الردّ إلى المالك، و لا ولاية الإذن في الردّ إليه. مضافاً إلى أنّه تفويت لحقوق ذويها و منافٍ لحكمة تشريع الخمس. و إن كان الردّ إلى المالك من الآخذ المستحقّ بطيب نفسه فيصحّ بلا كلام كسائر هداياه و جوائزه، و إن كان بلا طيب نفسه فلا يجوز للمالك أخذه منه؛ لا بعنوان مال الآخذ الرادّ لعدم طيب نفسه، و لا بعنوان الخمس لعدم الاستحقاق.

و في «العروة الوثقى» في المسألة السادسة عشر من مسائل ختام الزكاة: نعم لو كان شخص عليه من الزكاة أو المظالم أو نحوها مبلغ كثير و صار فقيراً لا يمكنه أداؤها و أراد أن يتوب إلى اللّٰه تعالى، لا بأس بتفريغ ذمّته بأحد الوجوه المذكورة: ب «دستگردان» أو المصالحة بشي ء يسير أو قبول شي ء منه بأزيد من قيمته و مع

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 680

[ (مسألة 13): لو انتقل إلىٰ شخص مال فيه الخمس ممّن لا يعتقد وجوبه]

(مسألة 13): لو انتقل إلىٰ شخص مال فيه الخمس ممّن لا يعتقد وجوبه كالكفّار و المخالفين لا يجب عليه إخراجه كما مرّ؛ سواء كان من ربح تجارة أو معدن أو غير ذلك (34)،

______________________________

ذلك: إذا كان مرجوّ التمكّن بعد ذلك، الأولى أن يشترط عليه أداؤها بتمامها عنده «1»،

انتهى.

(34) قد مرّ في ضمن المسألة الثانية من مسائل وجوب الخمس في المعدن.

و الدليل على عدم وجوب الخمس على من انتقل إليه صحيحة ضريس الكناسي قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

أ تدري من أين دخل على الناس الزنا؟

فقلت: لا أدري، فقال

من قبل خمسنا أهل البيت، إلّا لشيعتنا الأطيبين فإنّه محلّل لهم و لميلادهم «2».

و صحيحة أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رجل و أنا حاضر: حلّل لي الفروج، ففزع أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)، فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنّما يسألك خادماً يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثاً يصيبه أو تجارة أو شيئاً أُعطيه، فقال (عليه السّلام)

هذا لشيعتنا حلال؛ الشاهد منهم و الغائب، و الميّت منهم و الحيّ، و ما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أمّا و اللّٰه لا يحلّ إلّا لمن أحللنا له. «3»

الخبر.

و رواية يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فدخل عليه رجل

______________________________

(1) العروة الوثقى 2: 163.

(2) وسائل الشيعة 9: 544، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 9: 544، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 681

..........

______________________________

من القمّاطين فقال: جعلتُ فداك تقع في أيدينا الأموال و الأرباح و تجارات نعلم أنّ حقّك فيها ثابت و أنّا عن ذلك مقصّرون، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم «3»

، و في سند الرواية محمّد بن سنان و هو و إن وثّقه المفيد (رحمه اللّٰه) إلّا أنّه مشهور بالضعف في كتب الرجال، و في «الفهرست»: أنّه رجل ضعيف جدّاً لا يلتفت

إلى ما تفرّد به و لا يعوّل عليه، و نقل عن الفضل بن شاذان إنّه قال: لا أُحلّ لكم أن ترووا أحاديث محمّد بن سنان، و قال ابن الغضائري: إنّه غالٍ لا يلتفت إليه، و قال الأردبيلي في «جامع الرواة»: الأولى عدم الاعتماد عليه. و غيرها من روايات الباب.

و ظاهر هذه الأخبار أو منصرفها الانتقال إلى الشيعة ممّن لا يعتقد وجوب الخمس كالكافر و المخالف؛ لأنّ موضوع التحليل فيها الأموال المنتقلة إليهم من غيرهم فلا يصغي لما يدّعى من عمومها لما ينتقل إليهم من أيّ شخص و لو كان شيعة، و هو مقتضى الجمع بين الأخبار المذكورة و بين حسنة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة، قال

يؤدّي خمساً و يطيب له «1».

و لا يتوهّم: أنّ ما يصيبه غنيمة الحرب مع الكفّار و قد وجب فيه الخمس؛ لأنّ الغنيمة يجب فيها الخمس إذا كان الحرب بإذن الإمام (عليه السّلام). و لأنّ المراد من الغنيمة في الرواية معناه اللغوي المراد في آية الخمس. و كيف كان: لا يجب الخمس فيما انتقل إلى الشيعة؛ سواء كان من أرباح المكاسب أو المعدن أو غير ذلك ممّا يتعلّق به الخمس.

______________________________

(3) وسائل الشيعة 9: 545، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 6.

(1) وسائل الشيعة 9: 488، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 8.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 682

و سواء كان من المناكح و المساكن و المتاجر أو غيرها، فإنّ أئمّة المسلمين (عليهم السّلام) قد أباحوا ذلك لشيعتهم (35)،

______________________________

(35) المراد من المناكح: السراري جمع السريّة؛ و هي الأمة التي تقام

في البيت المسبية من أهل الحرب، و قيل: إنّها السراري التي تشترى بثمن فيه الخمس، و قيل: إنّها مهور الزوجات التي فيها الخمس.

و المراد من المساكن: هي المساكن المغتنمة من الكفّار، و قيل: إنّها المساكن التي كانت للإمام (عليه السّلام) كرؤوس الجبال، و قيل: إنّها المساكن المشتراة من الأموال التي فيها الخمس كأرباح التجارات بعد مضيّ الحول و المعدن و الكنز و غيرها.

و المراد من المتاجر: كلّ ما يشترى و ينتقل إلى المشتري الشيعي بالمعاملات و كان فيه الخمس، و قيل: المراد منها ما يشترى من أموال الإمام (عليه السّلام) كالأشجار و الحطب المقطوعة من الآجام التي هي ملك للإمام (عليه السّلام).

و استدلّ على تحليلهم (عليهم السّلام) هذه المذكورات الثلاثة للشيعة بما روي عن «عوالي اللآلي» مرسلًا: أنّه سئل الصادق (عليه السّلام) فقيل له: يا ابن رسول اللّٰه ما حال شيعتكم فيما خصّكم اللّٰه به إذا غاب غائبكم و استتر قائمكم؟ فقال (عليه السّلام)

ما أنصفناهم إن أخذناهم و لا أحببناهم إن عاقبناهم، بل نبيح لهم المساكن لتصحّ عبادتهم و نبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم و نبيح لهم المتاجر لتزكو أموالهم «1».

و فيه: أنّها مرسلة ضعيفة السند. و يظهر من الشهيد في «البيان»: أنّ عدم وجوب الخمس فيما ينتقل إلى الشيعة ممّن لا يعتقد وجوب الخمس ممّا أطبق عليه الأصحاب. و حكي عن الإسكافي و الحلبي إنكار هذا التحليل من أصله. و لعلّه لأنّ

______________________________

(1) مستدرك الوسائل 7: 303، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 683

كما أباحوا لهم في أزمنة عدم بسط أيديهم تقبّل الأراضي الخراجيّة من يد الجائر و المقاسمة معه (36)،

______________________________

الشبهة موضوعية لا اعتماد

فيها على أخبار الآحاد. و فيه: أنّ الأخبار في حدّ التواتر في تحليل المناكح و المنتقل إليه من غير المعتقد، و بعضها صحيح.

(36) و يدلّ عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في جملة حديث قال

لا بأس أن يتقبّل الأرض و أهلها من السلطان.

و سئل عن مزارعة أهل الخراج بالنصف و الثلث و الربع؟ قال

نعم لا بأس به، و قد قبل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) خيبر أعطاها اليهود حيث فتحت عليه بالخَبْر، و الخَبْر هو النصف «1».

و الصحيح عن إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يتقبّل خراج الرجال و جزية رؤوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصايد و السمك و الطير و هو لا يدري لعلّ هذا لا يكون أبداً أو يكون أ يشتريه؟ و في أيّ زمان يشتريه و يتقبّل؟ قال

إذا علمت من ذلك شيئاً واحداً قد أدرك فاشتره و تقبل به «2».

و رواية الفيض بن المختار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): جعلت فداك ما تقول في أرض أتقبلها من السلطان ثمّ أُؤاجرها أكرتي على أنّ ما أخرج اللّٰه منها من شي ء كان لي من ذلك النصف أو الثلث بعد حقّ السلطان، قال

لا بأس به،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 201/ 888، وسائل الشيعة 19: 59، كتاب المزارعة و المساقاة، الباب 18، الحديث 3، و: 42، الباب 8، الحديث 8.

(2) الفقيه 3: 141/ 621، وسائل الشيعة 17: 355، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 12، الحديث 4.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 684

و عطاياه في الجملة، و أخذ

الخراج منه (37)، و غير ذلك ممّا يصل إليهم منه و من أتباعه. و بالجملة: نزّلوا الجائر منزلتهم، و أمضوا أفعاله بالنسبة إلىٰ ما يكون محلّ الابتلاء للشيعة؛ صوناً لهم عن الوقوع في الحرام و العسر و الحرج (38).

______________________________

كذلك أُعامل أكرتي «1».

(37) و يدلّ عليه صحيحة أبي ولّاد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلّا من أعمالهم و أنا أمرّ به، فأنزل عليه فيضيفني و يحسن إليّ و ربّما أمر لي بالدرهم و الكسوة و قد ضاق صدري من ذلك، فقال لي

كُل و خذ منه، فلك المهنا (الحظّ) و عليه الوزر «2»

، و صحيحة حميد بن مثنى أبي المِعزى قال: سأل رجل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا عنده فقال: أصلحك اللّٰه أمرّ بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال

نعم

، قلت: و أحجّ بها؟ قال

نعم «3»

، إلى غير ذلك من الروايات. و قوله (رحمه اللّٰه): «في الجملة» إشارة إلى حرمة أخذ عطايا السلطان و عمّاله فيما كان حراماً بالجملة.

(38) سواء وصل إليهم مجّاناً و عطيةً أو بالاشتراء منهم. و يدلّ عليه صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة و غنم الصدقة و هو يعلم أنّهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم، قال: فقال

ما الإبل إلّا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك، لا بأس به حتّى تعرف الحرام بعينه. «4»

الخبر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 19: 52، كتاب المزارعة و المساقاة، الباب 15، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 17: 213، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 51، الحديث 1.

(3) وسائل

الشيعة 17: 213، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 51، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 17: 219، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 52، الحديث 5.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 685

[القول في الأنفال]

اشارة

القول في الأنفال و هي ما يستحقّه الإمام (عليه السّلام) علىٰ جهة الخصوص لمنصب إمامته، كما كان للنبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لرئاسته الإلهيّة (1).

و هي أُمور:

[منها: كلّ ما لم يوجف عليها بخيل و ركاب]

منها: كلّ ما لم يوجف عليها بخيل و ركاب؛ أرضاً كانت أو غيرها، انجلىٰ عنها أهلها أو سلّموها للمسلمين طوعاً (2).

______________________________

(1) الأنفال جمع النفل بفتح النون و الفاء و قد يسكن عينه و هو بمعنى الزائد؛ و لذا سمّيت الصلاة النافلة نافلة؛ أي زائدة على الصلاة الواجبة، و بمعنى العطية، و يحتمل أن يكون بهذا المعنى في قوله تعالى وَ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ نٰافِلَةً، و في «الحدائق» احتمل أن تكون النافلة في الآية بمعنى الزيادة؛ أي زيادة على ما سأل إبراهيم (عليه السّلام).

و الأنفال في الاصطلاح هي الأموال المستحقّة للإمام (عليه السّلام) المختصّة لمنصب إمامته، كما كان للنبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) لرئاسته الإلهية.

(2) لا خلاف بين الفقهاء في كون كلّ ما لم يوجف عليه بخيل و ركاب من

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 686

..........

______________________________

الأنفال. و يدلّ عليه مصحّح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، و كلّ أرض خربة و بطون الأودية فهو لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، و هو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء «1».

و مرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح (عليه السّلام) في حديث. إلى أن قال

و له بعد الخمس الأنفال، و الأنفال كلّ أرض خربة قد باد أهلها و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و

لا ركاب. «2»

الخبر. و صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه سمعه يقول

إنّ الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم. «3»

الخبر. و صحيحة اخرى لمحمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

الفي ء و الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء، و قوم صولحوا و أعطوا بأيديهم. «4»

الخبر، و الرواية السابعة عشرة و التاسعة عشرة و العشرون و الثانية و العشرون و الثالثة و العشرون و الرابعة و العشرون و الخامسة و العشرون و غيرها من روايات الباب الأوّل من أبواب الأنفال من «وسائل الشيعة» فراجع.

و لا يخفى: أنّ أكثر الروايات المذكورة مقيّدة بالأرض، و بعضها مطلق كمصحّح حفص بن البختري حيث قال

الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب.

قال في «المستمسك»: و إطلاق بعضها كالمصحّح و إن كان يشمل الأرض و غيرها لكنّه مقيّد بما هو مقيّد بها الوارد في مقام الحصر و التحديد؛ فإنّ وروده كذلك يستوجب ثبوت المفهوم و هو النفي عن غير الأرض فيحمل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 523، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 9: 526، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 10.

(4) وسائل الشيعة 9: 527، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 12.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 687

[و منها: الأرض الموات التي لا يُنتفع بها إلّا بتعميرها و إصلاحها]

و منها: الأرض الموات التي لا يُنتفع بها إلّا بتعميرها و إصلاحها؛ لاستيجامها، أو لانقطاع الماء عنها، أو لاستيلائه عليها، أو لغير ذلك؛ سواء لم يجرِ عليها ملك لأحد كالمفاوز، أو جرىٰ و

لكن قد باد و لم يُعرف الآن (3).

______________________________

المطلق في الإثبات عليه «1»، انتهى.

و فيه أوّلًا: أنّ ذكر الأرض في أكثر الروايات لكونها مورد الورود غالباً في الإيجاف بخيل و ركاب، و كذلك في الورود عليها من دون الإيجاف بخيل و ركاب. و ثانياً: أنّ الحصر و التحديد يستوجب ثبوت المفهوم و النفي عن الأرض التي يوجف عليها بخيل و ركاب؛ فإنّها ليست من الأنفال بل هي غنيمة، لا لنفي غير الأرض.

و في «رسالة» الشيخ الأنصاري: و ظاهر موثّقة سماعة و حسنة ابن أبي عمير دخول كلّ ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب في الأنفال و إن لم يكن أرضاً، و هو صريح صحيحة ابن وهب الآتية في الغنيمة، و نسبه بعض المتأخّرين إلى الأصحاب «2»، انتهى.

(3) «اللام» في قوله «لاستيجامها» متعلّق بالموات؛ أي موت الأرض كان بأحد أُمور: إمّا بصيرورتها ذات أجمة، أو لانقطاع الماء عنها و صيرورتها لم يزرع، أو استيلاء الماء عليها، أو غلبة الرمل عليها بالطوفان مثلًا و غير ذلك.

و كون الأرض الموات مطلقاً أي سواء لم يجر عليها ملك مالك كالمفاوز، أو جرى و باد من الأنفال ممّا قام عليه الإجماع، و دلّ عليه كثير من النصوص، كقوله (عليه السّلام) في مصحّح حفص بن البختري

و كلّ أرض خربة

، و قوله (عليه السّلام) في

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 9: 597.

(2) الخمس، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11: 349.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 688

..........

______________________________

مرسلة حمّاد بن عيسى المذكورة

و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها

، و مضمرة سماعة بن مهران قال: سألته عن الأنفال، فقال

كلّ أرض خربة «1»

، و صحيحة محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا

جعفر (عليه السّلام). إلى أن قال: و سألته عن الأنفال، فقال

كلّ أرض خربة «2»

، و في مرفوعة أحمد بن محمّد

و الموات كلّها هي له «3»

، و غيرها من الروايات.

فالمستفاد من الأخبار المذكورة كون الأرض الخربة و الميتة من الأنفال مطلقاً سواء كان لها مالك أم لم يكن و في بعض الأخبار قيّدت الأرض المذكورة بانجلاء أهلها و بيودهم، كما في رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الأنفال، قال

هي القرى التي قد جلي أهلها و هلكوا فخربت، فهي لِلّٰه و للرسول «4»

، و موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الأنفال، فقال

هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها «11».

و المستفاد من التقييد المذكور: أنّ كون الأرض الخربة أو الميتة من الأنفال مشروطة بأن لا يكون لها مالك معروف، فإذا كان لها مالك معروف فلا تكون من الأنفال، بل هي باقية على ملك مالكه، و به قال المصنّف (رحمه اللّٰه) و أشار إليه بقوله: «لم يعرف الآن». و حكي عن العلّامة (رحمه اللّٰه) في «التذكرة» الإجماع عليه، هذا.

و قد اختلف الفقهاء فيما ملك الأرض أحدٌ بالإحياء ثمّ صارت مواتاً، في أنّها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 526، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 9: 532، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 22.

(3) وسائل الشيعة 9: 529، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 17.

(4) وسائل الشيعة 9: 532، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 24.

(11) وسائل الشيعة 9: 531، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 20.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص:

689

..........

______________________________

تخرج بالموات عن ملك المحيي أم يبقى على ملكه؛ فبناءً على الأوّل يجوز للغير إحياؤه و تملّكه، و على الثاني لا يجوز.

الأوّل هو المشهور كما عن «جامع المقاصد» و به قال العلّامة في «التذكرة» و الشهيد الثاني في «المسالك» و «الروضة».

و يدلّ عليه صحيحة أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

وجدنا في كتاب علي (عليه السّلام) إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، أنا و أهل بيتي الذين أورثنا الأرض و نحن المتّقون و الأرض كلّها لنا؛ فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل منها، فإن تركها و أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمّرها و أحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي. «1»

، الخبر.

و صحيحة معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمّرها فإنّ عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرض لرجل قبله فغاب عنها و تركها فأخربها ثمّ جاء بعد يطلبها فإنّ الأرض لِلّٰه و لمن عمّرها «2».

و هذه الرواية صحيحة من طريق أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري شيخ القميين و وجههم و فقيههم، و أمّا من طريق سهل بن زياد الآدمي أبي سعيد الرازي فقد اختلف فيه فضعّفه النجاشي و وثّقه الشيخ، و قامت قرائن كثيرة تبلغ عشرة على قبول روايته. و بالجملة: لو لم يكن حديثه في عداد الصحاح فلا شبهة في كونه في عداد الحسان، فراجع «رجال» المامقاني «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 414، كتاب إحياء الموات، الباب 3، الحديث

2.

(2) وسائل الشيعة 25: 414، كتاب إحياء الموات، الباب 3، الحديث 1.

(3) تنقيح المقال 2: 76 (باب السين).

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 690

..........

______________________________

و يؤيّد هذا القول عموم صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) قالا

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): من أحيى أرضاً مواتاً فهي له «1»

، و في هذا المضمون وردت عدّة من الروايات في الباب الأوّل من إحياء الموات من المجلّد الخامس و العشرين من «الوسائل» فراجع.

لا يقال: إنّ المراد مِن

مَن أحيى أرضاً فهي له

هو المحيي الأوّل.

فإنّه يقال: إنّ قوله

من أحيى أرضاً ميتة فهي له

غير ناظر إلى البقاء.

لا يقال: يستصحب بقاء الملك للمحيي الأوّل.

فإنّه يقال: إنّ الاستصحاب دليل حيث لا دليل، فمع العموم المذكور لا مجال للاستصحاب.

و القول الثاني و هو القول ببقاء ملك الأرض الموات للمحيي الأوّل حكي عن «المبسوط» و «التهذيب» و «السرائر» و «النافع» و «التحرير» و «الدروس» و «جامع المقاصد» و غيرهم. و استدلّ له بصحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمّرها و يزرعها ماذا عليه؟ قال

الصدقة

، قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال

فليؤدّ إليه حقّه «2».

و فيه: أنّ الاستدلال بها موقوف على كون المراد من حقّ الصاحب الأوّل نفس الأرض، و هو أوّل الكلام؛ لأنّه من المحتمل أن يكون نفس الأرض أو الأعيان التي فيها أو غيرها، و حينئذٍ تكون الرواية مجملة غير قابلة للاستدلال.

و على فرض كون المراد من الحقّ هو نفس الأرض يقع التعارض بين دليلي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 412، كتاب إحياء الموات، الباب

1، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 25: 415، كتاب إحياء الموات، الباب 3، الحديث 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 691

و يلحق بها القُرى التي قد جلى أهلها فخربت، كبابل و الكوفة و نحوهما، فهي من الأنفال بأرضها و آثارها كالأحجار و نحوها (4).

______________________________

القولين، و يمكن الجمع بينهما بأنّ الروايات الدالّة على القول الأوّل محمولة على صورة كون المالك الأوّل مالكاً لها بالإحياء فتخرج عن ملكه بموتها و تكون ملكاً لمن أحياها ثانياً. و صحيحة سليمان بن خالد محمولة على صورة كون الأرض ملكاً لمالكه الأوّل بغير إحياء كالإرث و الشراء، فتبقى على ملكه و إن صارت ميتة.

و يمكن الجمع أيضاً بحمل الأوّل على صورة إعراض المالك القبلي، و حمل الثاني على صورة عدم الإعراض بل البناء على تعميرها. و هذا الجمع مبني على أنّ ترك المالك للأرض عبارة عن إعراضها عنها و إخراجها عن ملكه لغةً أو عرفاً، و ليست بثابت.

(4) هذه العبارة أي إلحاق القرى المخروبة التي انجلى عنها أهلها بالأرض الموات توهم كون القرى المزبورة في حكم الأنفال، لا أنّها من مصاديق الأنفال، و لكن ما بعد العبارة صريحة في كونها منها، و هو الحقّ.

و يدلّ على كون القرية التي خربت و جلى أهلها من الأنفال موثّقة أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الأنفال، فقال

هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها «1»

، و رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الأنفال، قال

هي القرى التي قد جلي أهلها و هلكوا فخربت فهي لِلّٰه و للرسول «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 531، كتاب الخمس،

أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 20.

(2) وسائل الشيعة 9: 532، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 24.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 692

و الموات الواقعة في الأرض المفتوحة عنوة كغيرها على الأقوىٰ (5). نعم ما علم أنّها كانت معمورة حال الفتح، فعرض لها الموتان بعد ذلك، ففي كونها من الأنفال، أو باقية علىٰ ملك المسلمين كالمعمورة فعلًا، تردّد و إشكال، لا يخلو ثانيهما من رجحان (6).

______________________________

(5) و ذلك لإطلاق ما دلّ على أنّ الموات للإمام (عليه السّلام).

إن قلت: إنّ الأنفال من الأراضي الموات مقيّدة بكونها ممّا لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب؛ فلا تكون الموات التي فتحت عنوة من الأنفال.

قلت: المراد من الأراضي التي لم يوجف عليها و مع ذلك كانت من الأنفال هي المعمورة المنجلي عنها أهلها، بقرينة ذكر الأراضي الميتة في قبالها؛ يعني أنّ من جملة الأنفال الأراضي و القرى المخروبة التي جلي أهلها و تسلّط عليها المسلمون؛ سواء كان بقتال أو بغير قتال، و من جملتها الأراضي المعمورة التي انجلى أهلها و تسلّط عليها المسلمون بغير قتال.

و في «المستمسك» قال بأنّ موات المفتوح عنوة ملك للمسلمين. و في «الجواهر» ادّعى القطع بذلك، و هو كما ترى غير سديد يظهر وجهه ممّا ذكرنا.

(6) وجه كونها من الأنفال: عموم قوله (عليه السّلام)

و كلّ أرض خربة

، و قوله

و الموات كلّها هي له (عليه السّلام).

و وجه كونها للمسلمين: أنّهم قد ملكوه بالفتح لا بالإحياء حتّى يقال: إنّ الأرض المحياة تخرج من ملك مالكه المحيي بالموتان. و المصنّف (رحمه اللّٰه) قال برجحان القول الثاني.

و قوله (عليه السّلام)

الموات كلّها هي له (عليه السّلام)

محمول على الموات بالأصل أو الموات التي سبق لها ملك

المالك بالإحياء؛ فالأرض المحياة حال الفتح ملك

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 693

[و منها: أسياف البحار و شطوط الأنهار]

و منها: أسياف البحار و شطوط الأنهار (7)،

______________________________

للمسلمين بالفتح و يبقى ملكها لهم و إن صارت مواتاً. و أمّا الأرض المحياة بإحياء مسلم لا يبقى ملكها له إذا صارت ميتة؛ و ذلك لصحيحتي أبي خالد الكابلي و معاوية بن وهب.

و لا يخفى أنّ مقتضى صحيحة الكابلي أنّ الميتة التي للإمام (عليه السّلام) لا تصير ملكاً للمحيي بل رقبة الأرض ملك للإمام و المحيي يملك بالإحياء ما حصل منها و عليه خراجها، حيث قال (عليه السّلام)

فمن أحيى أرضاً من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي (عليهم السّلام)، و له ما أكل منها. «1»

الخبر، حيث إنّ الأمر بأداء الخراج ينافي ملك الأرض، و هو مقتضى استصحاب الملك للإمام (عليه السّلام) قبل إحياء المحيي.

(7) الأسياف جمع السيف بكسر السين بمعنى الساحل. و الشطوط جمع الشطّ بمعنى الجانب.

لا يخفى: أنّه لا دليل على كون خصوص أسياف البحار و شطوط الأنهار من الأنفال، و لعلّهما مندرجتان في الموات إن كانتا مواتين فعلًا أو أنّهما كانتا مواتين باستيلاء الماء عليهما ثمّ غار و زال عنهما الماء فصارتا حيتين، فلا تخرجان بالحياة عن ملك الإمام (عليه السّلام).

و لك أن تدرج أسياف البحار و شطوط الأنهار في الأرض التي لا ربّ لها، و هي من الأنفال، كما نطقت به الروايات.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 414، كتاب إحياء الموات، الباب 3، الحديث 2.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 694

بل كلّ أرض لا ربّ لها علىٰ إشكال في إطلاقه؛ و إن لا يخلو من قُرب و إن لم تكن مواتاً، بل كانت

قابلة للانتفاع بها من غير كلفة، كالجزائر التي تخرج في دجلة و الفرات و نحوهما (8).

[و منها: رؤوس الجبال و ما يكون بها من النبات و الأشجار و الأحجار و نحوها]

و منها: رؤوس الجبال و ما يكون بها من النبات و الأشجار و الأحجار و نحوها، و بطون الأودية، و الآجام و هي الأراضي الملتفّة بالقصب و الأشجار (9)

______________________________

(8) وجه الإشكال تقييد الأرض بالميتة في مرسلة حمّاد بن عيسى حيث قال (عليه السّلام) في عداد الأنفال

و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها «1».

و استقرب المصنّف (رحمه اللّٰه) كون الأرض التي لا ربّ لها من الأنفال مطلقاً مواتاً كانت أو حيّة لموثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «2»، و رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

و كلّ أرض لا ربّ لها «3»

، و لعلّ وجه القرب ترجيح هاتين الروايتين على مرسلة حمّاد.

و لا يخفى: أنّه بناءً على حجّية مرسلة حمّاد تقيّد الروايتان بها، و حكي أنّ حمّاد ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

و يمكن أن يقال: إنّ التقييد المذكور مخالف للشهرة، و إنّ تقييد الأرض التي لا ربّ لها بالميتة في المرسلة باعتبار الغالب.

(9) و يدلّ عليه مرسلة حمّاد بن عيسى المذكورة، و موثّقة أو حسنة داود بن فرقد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: قلت: و ما الأنفال؟ قال

بطون الأودية و رؤوس الجبال و الآجام «4»

، و في بعض الروايات قد ذكر بعض هذه الثلاثة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4.

(2) وسائل الشيعة 9: 531، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 20.

(3) وسائل الشيعة 9: 533، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 28.

(4) وسائل الشيعة 9:

534، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 32.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 695

من غير فرق في هذه الثلاثة بين ما كان في أرض الإمام (عليه السّلام)، أو المفتوحة عنوة، أو غيرهما (10). نعم ما كان ملكاً لشخص ثمّ صار أجمة مثلًا فهو باقٍ علىٰ ما كان (11).

______________________________

كالرواية الأُولى و العاشرة و السابعة عشرة و الثانية و العشرين و الثامنة و العشرين من الباب الأوّل من أبواب الأنفال من المجلّد التاسع من كتاب «وسائل الشيعة»، فراجع. و ضعف سند بعض هذه الأخبار منجبر بعمل الأصحاب.

(10) و ذلك لإطلاق النصوص المذكورة و عمومها، و لأنّ ذكرها في قبال الأرض المختصّة به (عليه السّلام) كالصريح في عمومها للموجود من هذه الثلاثة في أرض غير الإمام (عليه السّلام).

و صاحب «المدارك» ذهب إلى ما اختاره ابن إدريس من تقييد هذه الثلاثة بما يكون في موات الأرض أو الأراضي المملوكة للإمام (عليه السّلام)، و علّله بأنّ النصوص المطلقة الدالّة على كونها من الأنفال و إن كانت في غير أرض الإمام ضعيفة سنداً، فيقتصر على موضع الوفاق؛ و هو كونها في أرض الإمام (عليه السّلام) «1».

و فيه: أنّ ضعف سندها منجبر بعمل الأصحاب.

(11) إذا صارت الأرض المملوكة لشخصٍ أجمة أو صارت من بطون الأودية بسبب السيل فهل تبقى على ملك مالكها، أو تخرج عن ملكه و تدخل في ملك الإمام (عليه السّلام)؟ لكلٍّ وجهٌ: أمّا وجه كونها باقية على ملك مالكها فلانصراف الأدلّة الدالّة على كونها للإمام (عليه السّلام) إلى غير الحادثة منها في الملك الشخصي. و وجه كونها للإمام (عليه السّلام) أنّ الأرض تصير مواتاً بصيرورتها أجمة مثلًا و الموات كلّها للإمام.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 5: 415

416.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 696

[و منها: ما كان للملوك من قطائع و صفايا]

و منها: ما كان للملوك من قطائع و صفايا (12).

______________________________

و المختار هو الأوّل؛ لأنّ موت الأرض لا يوجب خروجها عن ملك مالكها إذا تملّكها بغير الإحياء، و مقتضى الاستصحاب بقاؤها على ملك مالكها.

(12) أقول: و في «المسالك»: أنّ الضابط أنّ كلّ ما كان لسلطان الكفر من مال غير مغصوب من محترم المال فهو لسلطان الإسلام، و قد قيل: إنّ الصفايا ما ينقل و القطائع ما لا ينقل «1»، انتهى.

و في «الحدائق» أضاف الملوك إلى الحرب، و قال: المراد بالقطائع الأرض التي تختصّ به، و الصوافي ما يصطفيه من الأموال؛ يعني يختصّ به «2»، انتهى.

و الدليل على كون الصفايا و القطائع من الأنفال مرسلة حمّاد بن عيسى المذكورة، قال (عليه السّلام)

و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب؛ لأنّ الغصب كلّه مردود «3»

، و صحيحة داود بن فرقد قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

قطائع الملوك كلّها للإمام، و ليس للناس فيها شي ء «4»

، و موثّقة سماعة بن مهران

أو شي ء يكون للملوك فهو خالص للإمام، و ليس للناس فيها سهم «5»

، و موثّقة إسحاق بن عمّار

و ما كان للملوك فهو للإمام «6»

و غيرها من روايات الباب.

______________________________

(1) مسالك الأفهام 1: 474.

(2) الحدائق الناضرة 12: 476.

(3) وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 9: 525، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 6.

(5) وسائل الشيعة 9: 526، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 8.

(6) وسائل الشيعة 9: 531، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 20.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 697

[و منها: صفو الغنيمة]

و منها: صفو الغنيمة كفرس جواد، و ثوب مرتفع، و سيف قاطع و درع فاخر، و نحو ذلك (13).

______________________________

(13) و يدلّ عليه مرسلة حمّاد بن عيسى المذكورة، قال (عليه السّلام)

و للإمام صفو المال، أن يأخذ من هذه الأموال صفوها الجارية الفارهة و الدابّة الفارهة و الثوب و المتاع ممّا يحبّ أو يشتهي فذلك له قبل القسمة و قبل إخراج الخمس.

و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن صفو المال، قال

الإمام يأخذ الجارية الروقة و المركب الفاره و السيف القاطع و الدرع قبل أن تقسّم الغنيمة، فهذا صفو المال «1».

و في سند الرواية أحمد بن هلال و هو مذموم أشدّ الذمّ، و في «رجال» المامقاني (رحمه اللّٰه) في بيان حاله عن العسكري (عليه السّلام) أنّه قال

قد كان أمرنا نفذ إليك خطاب إلى القاسم بن العلاء في المتصنّع بن هلال، لا رحمه اللّٰه بما قد علمت لم يزل، لا غفر اللّٰه له ذنبه و لا أقاله عثرته، يداخل في أمرنا بلا إذن منّا و لا رضى.

«2» إلى آخره. و الوجه في التعبير عنه بالمتصنّع: أنّه حجّ أربعاً و خمسين حجّة، عشرون منها على قدميه. و مع ذلك كلّه قد اعتمد على رواياته بعض أهل الرجال من المعاصرين.

و رواية المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» عن الصادق (عليه السّلام) قال

نحن قوم فرض اللّٰه طاعتنا في القرآن، لنا الأنفال و لنا صفو المال «3»

؛ يعني يصفو ما أحبّ الإمام (عليه السّلام)

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 528، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 15.

(2) تنقيح المقال 1: 99/ السطر 31.

(3) وسائل الشيعة 9: 532، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 21.

مدارك

تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 698

[و منها: الغنائم]

و منها: الغنائم التي ليست بإذن الإمام (عليه السّلام) (14).

[و منها: إرث من لا وارث له]

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، در يك جلد، ه ق

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس؛ ص: 698

و منها: إرث من لا وارث له (15).

______________________________

من الغنائم و اصطفاه لنفسه قبل القسمة؛ من الجارية الحسناء و الفرس الفاره و الثوب الحسن و ما أشبه ذلك من رقيق أو متاع على ما جاء به الأثر عن السادة (عليهم السّلام).

(14) و يدلّ عليه صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). إلى أن قال (عليه السّلام)

و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ «1»

، و مرسلة العبّاس الورّاق عن رجل سمّاه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، فإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس «2».

(15) و يدلّ عليه مرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح قال (عليه السّلام)

و هو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له «3»

، و موثّقة أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يموت و لا وارث له و لا مولى، قال

هو من أهل هذه الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ «4»

، و في سند الرواية قاسم بن محمّد الجوهري، و المشهور أنّه واقفي معتمد على رواياته التي نقلها عنه الحسين بن سعيد، و صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

من مات و ليس له وارث من قرابته و لا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فماله من الأنفال «5»

، و صحيحة الحلبي عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 9: 529، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 16.

(3) وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4.

(4) وسائل الشيعة 9: 528، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 14.

(5) وسائل الشيعة 26: 246، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الباب 3، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 699

[و منها: المعادن]

و منها: المعادن التي لم تكن لمالك خاصّ تبعاً للأرض أو بالإحياء (16).

______________________________

أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ، قال

من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال «1»

، و في صحيحة أُخرى للحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). إلى أن قال

و من مات و ليس له موالي فماله من الأنفال «2»

، و مرسلة حمّاد بن عيسى عن أبي الحسن الأوّل قال

الإمام وارث من لا وارث له «3»

، و في موثّقة إسحاق بن عمّار

و من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال «4».

و حكي عن العلّامة في «المنتهي»: أنّ إرث من لا وارث له من الأنفال عند علمائنا أجمع، قال (رحمه اللّٰه): ذهب علماؤنا أجمع إلى أنّه يكون للإمام (عليه السّلام) خاصّة ينقل إلى بيت ماله، و خالف فيه الجمهور كافّة و قالوا: إنّه للمسلمين أجمع «5».

(16) القول بكون المعادن من الأنفال نسب إلى الكليني و علي بن إبراهيم في «تفسيره» و المفيد و الشيخ و غيرهم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 247، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الباب 3، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 26:

247، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الباب 3، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 26: 248، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الباب 3، الحديث 5.

(4) وسائل الشيعة 9: 531، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 20.

(5) منتهى المطلب 1: 553/ السطر 32.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 700

..........

______________________________

و يستدلّ له بموثّق إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الأنفال. إلى أن قال

و المعادن منها «1».

و رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

لنا الأنفال

، قلت: و ما الأنفال؟ قال

منها المعادن «2».

و رواية داود بن فرقد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: و ما الأنفال؟ قال

بطون الأودية و رؤوس الجبال و الآجام و المعادن. «3»

الخبر.

و قد يجاب عن الاستدلال المذكور بأنّ الأخبار الدالّة على كونها من الأنفال ضعيفة سنداً عدا موثّقة إسحاق بن عمّار. و يحتمل فيه أن يرجع الضمير في قوله

و المعادن منها

إلى الأرض التي لا ربّ لها؛ يعني أنّ المعادن من الأرض التي لا ربّ لها من الأنفال لا مطلقاً بل في بعض النسخ بدل «منها» «فيها».

و قال جماعة من الفقهاء كالمحقّق في «النافع» و الشهيد في «البيان»: أنّ الناس في المعادن شرع سواء، و نسبه في «الدروس» إلى الأشهر.

و في «الجواهر»: أنّه المشهور؛ لأنّ الأصل في الأشياء الإباحة، و حكي عن الحلّي و «المعتبر» و «المنتهي» و «التحرير» التفصيل بين المعادن المستخرجة في أراضي الأنفال فهي من الأنفال، و بين المستخرجة في الأرض المملوكة الشخصية فتكون لمستخرجها؛ جمعاً بين روايات الباب و روايات وجوب الخمس في المعدن؛ و هي

صحيحتان لابن مسلم مذكورتان في الباب الثالث من أبواب ما يجب فيه الخمس و غيرهما من روايات الباب «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 531، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 20.

(2) وسائل الشيعة 9: 533، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 28.

(3) وسائل الشيعة 9: 534، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 32.

(4) وسائل الشيعة 9: 491، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 3.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 701

[ (مسألة): الظاهر إباحة جميع الأنفال للشيعة في زمن الغيبة]

(مسألة): الظاهر إباحة جميع الأنفال للشيعة في زمن الغيبة؛ علىٰ وجه يجري عليها حكم الملك (17)؛

______________________________

قال في «المنتهي»: مسألة: و من الأنفال المعادن، قاله الشيخان، و هي للإمام خاصّة، و ابن إدريس منع الإطلاق في ذلك، و قال: بل له من المعادن ما كان في الأرض المختصّة به، أمّا ما كان في الأرض المشتركة بين المسلمين أو لمالك معروف فلا اختصاص له بها. و الوجه ما قاله ابن إدريس و لم نقف للشيخين على حجّة في ذلك «1»، انتهى.

و المصنّف (رحمه اللّٰه) اختار هذا التفصيل، و قد تقدّم مختارنا في مبحث المعدن تفصيلًا، فراجع.

(17) لا يجوز التصرّف في الأنفال و في سائر الأموال المتعلّقة للإمام (عليه السّلام) بغير إذنه بحكم العقل و الشرع. و ادّعى في «الجواهر» أنّه من ضروريات الدين و المتصرّف بدون الإذن منه (عليه السّلام) غاصب ظالم و فوائدها تابعة للملك، فهي أيضاً للإمام (عليه السّلام) «2»، انتهى ملخّصاً. و قد أباحوا (عليهم السّلام) جميع الأنفال لشيعتهم في حال الغيبة؛ للأخبار الكثيرة الواردة في إباحة حقوقهم (عليهم السّلام) من الخمس مع تعذّر إيصاله إليه (عليه السّلام) أو إلى نوّابه من الفقهاء الواجدين للشرائط و الأنفال

للشيعة.

و الأخبار بعضها وارد في تحليل خصوص الخمس، و بعضها وارد في تحليل خصوص الأنفال، و بعضها وارد في تحليل حقّهم المطلق الشامل للأنفال أيضاً، و نحن نذكرها:

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 553/ السطر 17.

(2) جواهر الكلام 16: 134.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 702

..........

______________________________

أمّا الأخبار الواردة في تحليل الأنفال: فمنها صحيحة مسمع بن عبد الملك قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). إلى أن قال (عليه السّلام)

و كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون و محلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم «1».

و رواية الحارث بن المغيرة النصري قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السّلام). إلى أن قال (عليه السّلام)

يا نجيّة إنّ لنا الخمس في كتاب اللّٰه، و لنا الأنفال، و لنا صفو المال، و هما و اللّٰهِ أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب اللّٰه.

إلى أن قال

اللهمّ إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا. «2»

الخبر. و رواية يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). إلى أن قال (عليه السّلام)

و ما كان لنا فهو لشيعتنا «3».

و أمّا الأخبار الواردة في تحليل حقّهم: فمنها صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام): هلك الناس في بطونهم و فروجهم؛ لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا ألا و إنّ شيعتنا من ذلك و آبائهم في حلّ «4».

و منها رواية داود بن كثير الرقّي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا إلّا أنّا أحللنا شيعتنا من ذلك «5».

و لا تختصّ الإباحة بالمناكح و المساكن و المتاجر كما صرّح به

في «المدارك» و «المسالك» و «الروضة» و ظاهر «نهاية» الشيخ و «السرائر» و «القواعد» و «التحرير» و «المنتهي» و «التذكرة» تخصيص الإباحة بالثلاثة المذكورة، و نسبه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 9: 548، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 12.

(2) وسائل الشيعة 9: 549، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 14.

(3) وسائل الشيعة 9: 550، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 17.

(4) وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 9: 546، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 7.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 703

..........

______________________________

في «الحدائق» إلى ظاهر المشهور.

و يظهر من «الكافي» لأبي الصلاح الحلبي تحريم الأنفال مطلقاً قال: فإن أخلّ المكلّف بما يجب عليه من الخمس و حقّ الأنفال كان عاصياً لِهّٰر سبحانه و مستحقّاً لعاجل اللعن المتوجّه من كلّ مسلم إلى ظالمي آل محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و آجل العقاب؛ لكونه مخلّاً بالواجب عليه لأفضل مستحقّ و لا رخصة من ذلك بما ورد من الحديث فيها؛ لأنّ فرض الخمس و الأنفال ثابت بنصّ القرآن و إجماع الأُمّة و إن اختلفت فيمن يستحقّه. فإجماع آل محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) دالّ على ثبوته و كيفية استحقاقه و حمله إليهم و قبضهم إيّاه و مدح مؤدّيه و ذمّ المخلّ به. و لا يجوز الرجوع عن هذا المعلوم بشاذّ الأخبار «1»، انتهى.

هذا القول شاذّ لا يعتنى به، و الإجماع الذي ادّعاه غير ثابت.

و في «الجواهر»: أمّا غير الشيعة فهو محرّم عليهم أشدّ تحريم، و لا يدخل في أملاكهم شي ء منها كما يقتضيه أُصول المذهب، بل ضرورته. لكن في

الحواشي المنسوبة للشهيد على «القواعد» عند قول العلّامة (رحمه اللّٰه): «لا يجوز التصرّف في حقّه بغير إذنه، و الفائدة حينئذٍ له» قال: و لو استولى غيرنا من المخالفين عليها فالأصحّ أنّه يملك لشبهة الاعتقاد كالمقاسمة و تملّك الذمّي الخمر و الخنزير، فحينئذٍ لا يجوز انتزاع ما يأخذه المخالف من ذلك كلّه، و كذا ما يؤخذ من الآجام و رؤوس الجبال و بطون الأودية لا يحلّ انتزاعه من آخذه و إن كان كافراً، و هو ملحق بالمباحات المملوكة بالنية لكلّ متملّك، و آخذه غاصب تبطل صلاته في أوّل وقتها حتّى يردّه «2»، انتهى.

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 16: 135، الكافي في الفقه: 174.

(2) جواهر الكلام 16: 141.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 704

من غير فرق بين الغنيّ منهم و الفقير، إلّا في إرث من لا وارث له، فإنّ الأحوط لو لم يكن الأقوىٰ اعتبار الفقر فيه، بل الأحوط تقسيمه علىٰ فقراء بلده (18)،

______________________________

و فيه: أنّه دعوى بلا دليل، مع قيام الأدلّة المعتبرة على تحريم حقّهم (عليهم السّلام) لغير الشيعة. و صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) حمل قول الشهيد في الحواشي على صورة التقية و عدم انبساط العدل.

(18) لا يعتبر الفقر في المباح له الأنفال؛ و ذلك لإطلاق الشيعة في روايات الإباحة و التحليل. قال في «الروضة»: المشهور أنّ هذه الأنفال مباحة حال التقية؛ فيصحّ التصرّف في الأرض المذكورة بالإحياء و أخذ ما فيها من شجر و غيره. نعم يختصّ ميراث من لا وارث له بفقراء بلد الميّت و جيرانه للرواية، و قيل: بالفقراء مطلقاً؛ لضعف المخصِّص أي المخصّص بفقراء البلد و هو قوي، و قيل: مطلقاً كغيره «1»، انتهى. أي للفقراء و غيرهم كغير الإرث

من سائر أقسام الأنفال.

و يظهر من «البيان» اشتراط الفقر في ميراث من لا وارث له، و اختاره صاحب «الكفاية» و «الحدائق».

و الدليل عليه رواية الشيخ في «النهاية» قال: كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يعطي ميراث من لا وارث له فقراء أهل بلده و ضعفائهم، و ذلك على سبيل التبرّع منه (عليه السّلام) «2»، و رواية المفيد (رحمه اللّٰه) في «المقنعة» قال: كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يعطي تركة من لا وارث له من قريب و لا نسيب و لا مولى، فقراء أهل بلده و ضعفاء جيرانه

______________________________

(1) الروضة البهية 2: 85.

(2) وسائل الشيعة 26: 255، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الباب 4، الحديث 10.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 705

و الأقوى إيصاله إلىٰ الحاكم الشرعي (19). كما أنّ الأقوىٰ حصول الملك لغير الشيعي أيضاً؛ بحيازة ما في الأنفال من العشب و الحشيش و الحطب و غيرها (20)، بل و حصول الملك لهم أيضاً للموات بسبب الإحياء كالشيعي (21).

______________________________

و خلطائه تبرّعاً عليهم من ذلك «1». و عبارة «البيان» في اشتراط الفقر في المباح له إرث من لا وارث له توهم الإجماع حيث قال: و هل يشترط في المباح له الفقر؟ ذكره الأصحاب في ميراث فاقد الوارث، أمّا غيره فلا. و قال صاحب «الجواهر» بعد نقل قول «البيان»: إنّ مقتضى العمومات عدم اشتراط ذلك مطلقاً، نعم ورد في الميراث رواية ضعيفة تعطي اعتبار ذلك «2»، انتهى. مراده (رحمه اللّٰه) من الرواية الضعيفة ما رواه الشيخان في «النهاية» و «المقنعة»، وجه الضعف عدم التعرّض بسند الرواية. و كيف كان: فالأحوط وجوباً تقسيمه على فقراء البلد بإذن من الحاكم الشرعي.

(19) و

ذلك لأنّ إرث من لا وارث له للإمام (عليه السّلام)، فالولاية له ثابت للحاكم الشرعي.

(20) و ذلك لعموم أدلّة الحيازة.

(21) لا إشكال في أنّ الكافر الذي لماله احترام يملك الأرض بالإحياء؛ إذا أذنه الإمام لمصلحة يراها.

قال الشيخ في «الخلاف»: المسألة الرابعة إذا أذن الإمام (عليه السّلام) للذمّي في إحياء أرض الموات في بلاد الإسلام فإنّه يملك بالإذن، و به قال أبو حنيفة، و قال

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 255، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الباب 4، الحديث 11.

(2) جواهر الكلام 16: 134.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 706

..........

______________________________

الشافعي: لا يجوز للإمام أن يأذن له فيه، فإن أذن له فيه فأحياها يملك. دليلنا: قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

من أحيى أرضاً ميتة فهي له

، و قوله

من أحاط حائطاً على الأرض فهي له

، و هذا عامّ في الجميع «1».

و في «الروضة»: و في ملك الكافر مع الإذن قولان، و لا إشكال فيه لو حصل، إنّما الإشكال في جواز إذنه (عليه السّلام) له نظراً إلى أنّ الكافر هل له أهلية ذلك أم لا؟ و النزاع قليل الجدوى «2»، انتهى.

و يظهر من العلّامة في «التذكرة» و «جامع المقاصد» الإجماع على اشتراط الإسلام في تملّك الأرض بالإحياء، و قال الشهيد في «الدروس» بما حاصله: أنّه لا إشكال في حصول الملك للكافر بالإحياء لو أذنه الإمام (عليه السّلام)، و إنّما الإشكال و النظر في صحّة إذنه (عليه السّلام) له «3».

لا يخفى: أنّ الإجماع المدّعى من «التذكرة» و «جامع المقاصد» مع كون المسألة خلافية غير ثابت، و جواز الإذن في زمن حضورهم منوط على وجود مصلحة يروها و في زمن الغيبة

منوط بما يراه وليّ الأمر من المصلحة، و يحصل الملك لمحييها و لو كان كافراً؛ لعموم قوله (عليه السّلام)

من أحيى أرضاً ميتة فهي له «4»

و غيره من أحاديث الباب، و صحيح معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمّرها فإنّ عليه فيها الصدقة. «5»

الخبر، و صحيح سليمان بن خالد و الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن

______________________________

(1) الخلاف 3: 526/ مسألة 4.

(2) الروضة البهية 7: 135.

(3) الدروس الشرعية 3: 55.

(4) وسائل الشيعة 25: 413، كتاب إحياء الموات، الباب 2، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 25: 414، كتاب إحياء الموات، الباب 3، الحديث 1.

مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، ص: 707

..........

______________________________

الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمّرها و يزرعها، ماذا عليه؟ قال

الصدقة

، قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال

فليؤدّ إليه حقّه «1».

و مقتضى الصحيحين: أنّ الأرض تكون ملكاً لمن أحياها، و لو كان كافراً و كانت الأرض قبل إحياء الكافر ملكاً للمسلم بالإحياء قد تركها و أخربها.

قال في «الروضة»: و حكم الموات أن يتملّكه من أحياه إذا قصد تملّكه مع غيبة الإمام (عليه السّلام) سواء في ذلك المسلم و الكافر لعموم

من أحيى أرضاً ميتة فهي له «2».

نعم قد قيّد المحيي في بعض الروايات بالمسلم، كما في صحيحة أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (عليه السّلام). إلى أن قال

فمن أحيى أرضاً من المسلمين فليعمّرها و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي. «3»

الخبر، و صحيحة عمر بن يزيد. إلى أن قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يقول: من أحيى أرضاً

من المؤمنين فهي له. «4»

الخبر.

و يمكن أن يقال: إنّ التقييد بالمسلمين أو المؤمنين من قبيل التقييد باللقب و لا مفهوم له، و لعلّ التقييد بهما للاهتمام بهما.

تمّ كتاب الخمس بحمد اللّٰه و المنّة في صبيحة يوم السبت الحادي و العشرين من الجمادى الثانية، السنة الثانية عشرة بعد الألف و الأربعمائة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 25: 415، كتاب إحياء الموات، الباب 3، الحديث 3.

(2) الروضة البهية 7: 135.

(3) وسائل الشيعة 25: 414، كتاب إحياء الموات، الباب 3، الحديث 2.

(4) وسائل الشيعة 9: 549، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 13.

________________________________________

بنى فضل، مرتضى بن سيف على، مدارك تحرير الوسيلة - الزكاة و الخمس، در يك جلد، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.